الخديواسماعيل

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الخديو إسماعيل.. أفندينا

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
التعليم وإسماعيل
تاريخ المحاكم المختلطة
أحمد عرابى
بذخ إسماعيل
أمريكيون بجيش إسماعيل
الخديوى إسماعيل والحياة النيابية
افندينا الخديوى إسماعيل
كوبرى قصر النيل
الأقباط فى عصر أسماعيل
Untitled 854
إسماعيل ينشئ الأوبرا
مأساة مصلحة المبانى
Untitled 855
ديلسيبس وحفر القناة
Untitled 856
زوجات إسماعيل باشا
شقيق الخديوى بدد الأموال

Hit Counter

 

جريدة المصرى اليوم  تاريخ العدد الجمعة ٢١ مارس ٢٠٠٨ عدد ١٣٧٧ عن مقالة بعنوان [ عاما علي الرحيل: الخديو إسماعيل.. أفندينا المفتري عليه ]
منذ رحيله في الثاني من مارس عام ١٨٩٥ علي شاطئ البسفور حيث منفاه، والجدل يتجدد بين الحين والآخر، حول فترة حكم الخديو إسماعيل، وعما إذا كان حاكماً «متفرنجاً»، استهدف التشبه بأوروبا مهما كلف مصر من ديون، أم كان يهدف لتحقيق «نهضة» يستكمل بها مسيرة جده محمد علي باشا، التي تعرضت لنكسة علي يد القوي العالمية.
الخديو الذي حصل علي لقب «أفندينا» بفرمان سلطاني من الباب العالي، رحل منذ ١١٣ عاماً، لكن آثاره باقية إلي اليوم، وتثير أسئلة تفرض نفسها بين وقت وآخر حوله.. ونحن إذ نستعيد بعضاً من تفاصيل سيرته، فإننا نهدف إلي معاودة التأمل في هذه السيرة بشيء من الموضوعية، خاصة أن حجم ما قام به من إنجازات يصعب التغاضي عنه، رغم كل السلبيات التي أحيطت بفترة حكمه.
الشاب الذي أكمل مسيرة جده
في كتاب «صفوة العصر» لزكي فهمي، ترجمة كاملة للخديو إسماعيل، فهو إسماعيل باشا ابن إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا،وكان لديه شقيقان أكبرهما البرنس أحمد رفعت «ولد عام ١٨٢٥م»، والأصغر البرنس مصطفي «ولد عام ١٨٣٢م» وتوفي الأول في سن الشباب.
ولد إسماعيل عام ١٨٣٠ وتولي الحكم عام ١٨٦٣م وتم خلعه في ١٨٧٩م وتوفي عام ١٨٩٥، تربي في حجر والده وتعلم وتثقف في حياة جده الذي أسس مدرسة خصوصية في القصر لتعليم أبنائه وأحفاده، وجلب لها أمهر الأساتذة وعلي يديهم تتلمذ إسماعيل وتعلم مبادئ العلوم واللغات العربية والتركية الفارسية، بعد أن بلغ السادسة عشرة، بعث به جده «محمد علي باشا» مع أولاده أي أعمام إسماعيل «حليم باشا» و«حسين باشا» إلي باريس، وقضوا هناك بضع سنين، وتلقي إسماعيل باشا اللغة الفرنسية والرياضيات والتخطيط العمراني، وحين عادوا كان عباس باشا الأول والياً علي مصر، وحين وقع خلاف عباس وسعيد علي التركة انحاز أفراد العائلة العلوية إلي سعيد ومعهم إسماعيل، وذهبوا للأستانة للفصل في الخلاف، وعادوا وبقي إسماعيل وعين هناك عضواً في مجلس أحكام الدولة العليا.
وفي عام ١٨٥٤م توفي عباس باشا الأول، وتولي عمه سعيد باشا الحكم وحين عاد إسماعيل إلي مصر ولاه عمه رئاسة مجلس الأحكام، واهتم به أعظم اهتمام، وفي عام ١٨٦٣ توفي سعيد باشا فذهب العرش إلي إسماعيل كخامس حاكم لمصر في الأسرة العلوية بعد محمد علي باشا وإبراهيم باشا وعباس حلمي الأول وسعيد.
عمر الإسكندري وسليم حسن، في كتابهما «تاريخ مصر من الفتح العثماني إلي قبيل الوقت الحاضر»، يؤكدان أن إسماعيل باشا يعتبر المتمم الحقيقي لأعمال جده محمد علي باشا، والسائر بإصلاحاته في الطريق الذي أبلغ مصر الغاية التي هي عليها الآن، حيث تولي عرش مصر ومدارسها مغلقة ومشروعات محمد علي مهملة، فأحيا كل شيء من جديد.
ورغم أنه لم ينل حظاً وافراً من التعليم في نشأته، لكن ذكاءه وقوة ملاحظته ساعداه علي أن يقوم بعبء المشروعات الخطيرة.
يؤكد المؤلفان أنه لم يتلق تربية تؤهله للملك كما تربي سعيد قبله، ولم يكن يخطر ببال أحد أنه سيتولي عرش مصر يوماً ما، لأن ولاية العهد كانت لأخيه أحمد أكبر أمراء الأسرة، ولذلك بقي إسماعيل منشغلاً في إدارة شؤونه الزراعية، بعيداً عن حاشية سعيد أخيه إلي أن مات سعيد في حادثة غرق القطار الذي كان يستقله في النيل.
جلس إسماعيل علي أريكة الحكم في ١٨ يناير عام ١٨٦٣م، وكان عمره آنذاك ٣٢ عاماً، فلم يلبث أن ظهرت كفاءته ورغبته في الارتقاء بشأن البلاد، ومع الاعتراف بأن السرعة التي سار بها في سبيل هذا الإصلاح والإنفاق عن سفه أديا به إلي الاستدانة من أوروبا، وهو الدين الذي تضاعفت فوائده حتي صارت عبئاً كبيراً، مما استوجب التدخل الأوروبي في شؤون مصر، وقد يغتفر له هذا الدين، إذا قيمنا ما قام به من إصلاح وبناء ونهضة مع ملاحظة أن الخديو سعيد - قبله - قد فتح له باب الاستدانة المشؤوم إذ مات وهو مدين بعشرة ملايين جنيه.
استطاع إسماعيل الفصل في أمر وراثة العرش، إذ حصرها في أكبر أولاد الوالي، كما استطاع الحصول علي لقب خديو.. وهذا أمر عاد بالنفع علي أسرة محمد علي باشا فقط، لكنه أجري إصلاحات قضائية، وتحقيق المساواة بين الناس أمام القانون المدني والمحاكم المختلطة، وحقق طفرة تعليمية وحظر الاتجار في الرقيق، وأسس مجلس شوري النواب، ووسع مصادر الثروة في البلد بتنمية الزراعة والمشروعات العامة، وأتم مشروع قناة السويس وازدهرت في عهده الفنون والثقافة والصحافة.
«إسماعيل المفتش».. شقيق الخديو الذي ضيعه
حينما تقف في ميدان لاظوغلي وتولي ظهرك لوزارة الداخلية وما يجاورها من وزارات ويكون تمثال لاظوغلي أو «لاظ أوغلي» عن يسارك ستجد في مواجهتك شارع نوبار باشا، كان عليك أن تنظر إلي يسارك لتجد قصراً كبيراً جداً يجري ترميمه حالياً تحتله جراچات ومكاتب حكومية أحدها يتبع «الآثار».
وإذا كانت إحدي النوافذ الأرضية الضخمة والكثيرة بامتداد القصر مفتوحة فستري البدروم المعتم جداً تحت طوابق القصر الذي يأخذ شكل حرف «U»، ولا يمكنك أن تأخذ جولة داخل هذا القصر في أقل من نصف يوم.
هذا القصر كان لإسماعيل صديق المفتش شقيق الخديو إسماعيل في «الرضاعة» وقد رعاه وتبناه الخديو وأسند له وزارة المالية سنة ١٨٦٨م، وكانت البداية الوظيفية لإسماعيل صديق المفتش هي موظف صغير في الدائرة السنية، وسرعان ما استطاع استدرار عطف الخديو كشأن كل الوصوليين والانتهازيين، فظل الخديو يرقيه حتي نال رتبة الباشوية، ثم عينه مفتشاً عاماً لأقاليم القطر المصري، ومن هذه المهنة اكتسب لقبه «المفتش» ولا يمكن التحدث عن الخديو إسماعيل دون أن نذكر هذه الشخصية، فقد كان أحد الأسباب الرئيسية.. التي أدت إلي خلع الخديو وكان نذير شؤم عليه وعلي مصر.
وكان أكبر خطأ للخديو أن عينه وزيراً للمالية ويمكن اعتبار هذه الفترة هي فترة النكبات في مصر فقد كان يزين للخديو إسماعيل أساليب الحصول علي الأموال بأبخس الطرق أحياناً وأقساها أحياناً أخري، ولم يلبث أن أصبح الرجل الثاني في الدولة بعد الخديو، وينسب له عبدالرحمن الرافعي وأحمد حسين أنه كان السبب في استدانة الحكومة نحو ثمانين مليون جنيه، وكان المفتش قد حاكي مولاه في البذخ والإسراف وبناء القصور وامتلاك الجواري والمحظيات.
وبالمناسبة فإن هذه الشخصية قد جسدها الفنان أسامة عباس في مسلسل «بوابة الحلواني» للكاتب محفوظ عبدالرحمن. حينما ثقلت الديون علي مصر وأوفدت إنجلترا وفرنسا بعثة فرنسية إنجليزية تمثل الدائنين لفرض الرقابة الأوروبية علي الاقتصاد المصري ووضع السكك الحديدية وميناء الإسكندرية تحت إدارة لجنة مختلطة وهي ما عرفت باسم لجنة «جوشن جوبير» وكان من بين مطالب هذه اللجنة إبعاد وزير المالية إسماعيل صديق المفتش ومحاكمته بدعوي أنه تسبب في إحداث عجز بالميزانية، وقد خشي الخديد إسماعيل مغبة محاكمة شقيقه في الرضاعة فاستدرجه إلي سراي الجزيرة «فندق ماريوت» حالياً ثم ما أن تجاوز عربة الخديو باب السراي هبط منها وقال للحرس كلمة مثل «شوفوا شغلكم».. وقيل إنه أعدم بطريقة مجهولة وتم إلقاء جثته في النيل.
صانع «النهضة»
إذا كان من السهولة حصر المنشآت والأعمال التي قام بها الخديو إسماعيل، فإن هناك صعوبة في نتائجها علي مصر، لأنها شملت جميع مناحي الحياة سواء المتعلقة بالمرافق أو الخدمات الصحية أو المعرفية، والتي لاتزال مستمرة حتي يومنا هذا، رغم يد الإهمال والعشوائية التي طالت الكثير منها، ما جعل القاهرة تضاهي أكثر المدن الأوروبية جمالاً ورونقًا وحقق نهضة حقيقية لانزال نشاهدها بأعيننا حتي اليوم.
وفي ١٨٧٢م أنشأ الخديو كوبري «قصر النيل» ليصل الجزيرة بمصر، وقد تولت إنشاءه شركة فرنسية وبلغت تكلفة بنائه مائة وثمانية آلاف جنيه، واعتبر الكوبري في ذلك الوقت من أعظم الكباري - علي حد وصف علي مبارك في خططه التوفيقية - وفي السنة نفسها أنشئ الكوبري الإنجليزي والذي عرف بعد ذلك باسم «كوبري بديعة» نسبة إلي «بديعة مصابني» إذ كانت صالتها علي مقربة من هذا الكوبري الذي تعرفه الآن باسم «كوبري الجلاء» وقد بلغ عدد الجسور التي بناها إسماعيل في هذه السنة فقط نحو ٤٢٦ جسرًا وقنطرة، منها ٢٧٦ بالوجه البحري، و١٥٠ بالوجه القبلي،
وفي هذه السنة أنشأ مدرسة دار العلوم التي جددت شباب اللغة العربية، وأنشأ شارع محمد علي الواصل بين العتبة والقلعة، وشارع كلوت بك من رمسيس إلي العتبة، محاكيا شارع ريفولي في باريس، وأنشأ حي الإسماعيلية، وكان قبل ذلك أرضًا خربة، والمعروف حاليا باسم وسط البلد وميدان التحرير، وأنشأ أحياء التوفيقية وعابدين ودار الأوبرا وميدان الأوبرا، وبه تمثال أبيه إبراهيم باشا، «ممتطيا جواده»، كما أنشأ حديقة النباتات بالجيزة ، ونظم شوارع الجزيرة «الزمالك» و«الجيزة»، وحديقتي الأورمان والحيوانات، وأقام التماثيل في الميادين، كتمثال إبراهيم باشا في العتبة، ومحمد علي باشا في الإسكندرية،
كما بني حمامات حلوان، وأنشأ سكة حديد حلوان، وامتد عمرانه إلي الإسكندرية فعمر منطقة الرمل، وأنشأ بها القصور والشوارع الجديدة التي أنارها بغاز الاستصباح، وأصلح ميناء الإسكندرية، وفي السنة ذاتها وصلت شبكة التلغراف إلي عشرة أضعاف ما كانت عليه في عهد سلفه سعيد.
وفي عام ١٨٧٣م استصدر فرمانًا يقضي بعدة أمور، كان علي رأسها توارث عرش مصر في أكبر أنجال الخديو، واستقلال مصر في حقوقها المتعلقة بسن القوانين المنظمة لشؤونها، وزيادة عدد الجيش المصري، وحق بناء السفن الحربية، ونشر الفرمان في صحيفة «الوقائع المصرية»، في ١٣ يوليو عام ١٨٧٣م، وفي العام ذاته أنشأت زوجة الخديو إسماعيل الثالثة، «جشم أفت هانم»، أول مدرسة للبنات في السيوفية، وكان عدد التلميذات عند افتتاحها ملفتًا، حيث التحق بها نحو مائتي تلميذة. وبدأ في العام نفسه حفر «ترعة الإبراهيمية»، التي استمر العمل فيها ست سنوات، وعمل فيها مائة ألف عامل وبلغ طولها ٢٦٧ كيلو مترا، وهي الترعة التي تروي أسيوط والمنيا وبني سويف.
وفي عام ١٨٧٤م استطاع ضابط أمريكي اسمه «شابي لونج»، كان موظفًا في الحكومة المصرية، أن يرفع العلم المصري علي آفاق جديدة من منابع النيل، واكتشف بحيرة جديدة هي بحيرة «كيوجا» فأطلق عليها اسم بحيرة إبراهيم، وأطلق عليها الإنجليز اسم «فيكتوريا» واسم «ألبرت»، وفي عام ١٨٧٥م، أنشأ إسماعيل «الجمعية الجغرافية» التي تعتبر من أهم المنشآت العلمية في مصر والتي كان أول رئيس لها هو الألماني «چورچ شوينفرت»، ووكيلاها محمود باشا الفلكي، والجنرال ستون باشا، وهو أمريكي الجنسية، وكان يشغل موقع رئيس أركان الجيش المصري.
وفي ١٨٧٦م، استمر النشاط في مد السكك الحديدية لربط الخطوط الرئيسية بالفرعية، فتم مد خط بين رشيد وسيدي جابر، ومن محلة روح إلي طنطا، فضلاً عن ٥٧ كيلو باتجاه وادي حلفا لربط مصر بالسودان، وقد بلغ طول ما أنشئ من خطوط سكك حديدية في عهده نحو ١٠٨٥ ميلاً.
وفي عام ١٨٧٧م، ظهرت صحيفة «جمال الدين الأفغاني» الذي أوعز لأحد تلاميذه باصدارها، وهي مجلة أسبوعية كانت تحمل اسم «مصر».
وفي الثامن من أغسطس عام ١٨٧٨م أصدر إسماعيل أمره بإنشاء مجلس النظار «أي مجلس الوزراء» وتخويله مسؤولية الحكم، وعهد إلي نوبار باشا بتأليف وزارة علي هذا الأساس، وعلي هذا فقد قدر لمصر أن يكون أول رئيس نظارة لها «رئيس وزراء»، «أرمنيا مسيحيا»، وقد تضمن الأمر الصادر إلي نوبار باشا بتأليف الوزارة، القواعد التي تتخذ منذ ذلك التاريخ أساسًا للحكم في مصر، إذ أصبح مجلس النظار هيئة مستقلة عن ولي الأمر، وأصبح اختصاص هذا المجلس هو النظر في جميع الأمور المهمة المتعلقة بالقطر المصري، علي أن تصدر قراراته بالأغلبية ويتعين علي الخديو التصديق عليها فتصبح ملزمة للنظار «أي الوزراء»، وأصبح كل ناظر مسؤولاً عن نظارته، كما اعتبر النظار مسؤولين بالتضامن عن تصرفات كل ناظر علي حدة.
وفي الثاني من يناير عام ١٨٧٩م، تم افتتاح مجلس شوري النواب بعدما هيأت الصحف الجو للمجلس ليضطلع بدوره، فها هي جريدة «التجارة اليومية» في ٢٣ ديسمبر ١٨٧٨م، تقول: «إن من أعضاء مجلس النواب رجالاً لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وبودهم لو افتدوا الإصلاح بدمائهم»، وقد ذكرت الصحف أنه سيسمح لمراسلي الجرائد بحضور جلسات هذا المجلس لنقل ما يتم فيه. وفي العام ذاته وضع أول دستور مصري، الذي عرف باسم دستور ١٨٧٩م، وكان يتألف من ٤٩ مادة، من بينها مواد خولت للنواب حق، الاستجواب والسؤال وحق إسقاط الوزارة وتحدد عدد أعضاء مجلس النواب بمائة وعشرين نائبًا، يمثل بعضهم شعب السودان، وبعد سقوط وزارة نوبار باشا استجاب إسماعيل لمطالب الأمة وشكل أول وزارة وطنية، وهي وزارة محمد شريف باشا.
وفي الثامن عشر من أكتوبر عام ١٨٦٣م افتتح الخديو إسماعيل في بولاق «دار العاديات المصرية»، التي عمل علي إنشائها ميريت باشا، وكان قد بدأها في أيام الخديو سعيد، وكان إسماعيل قد شجع ميريت علي المضي في عمله الكبير، فازدهر التنقيب عن الآثار ومضت «الأنتكخانة» تنمو يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام.
ودار العاديات أو «الأنتكخانة»، هي المتحف المصري القائم الآن بميدان التحرير.
أما البريد فقد كان يسير في عهدي عباس وسعيد علي الطريقة التي كانت متبعة في عهد محمد علي باشا، إذ كان يتم نقله علي يد السعاة برًا وبحرًا علي ظهر السفن، وكانت للجاليات الأوروبية مكاتب للبريد بالإسكندرية والقاهرة، فلما اعتزم إسماعيل باشا إنشاء مصلحة للبريد في هذه السنة قام بشراء إدارة البريد التي أنشأها «مسيو موتس»، وصارت إدارة مصرية تابعة للحكومة المصرية.
وأبقي علي الـ«مسيو موتس» مديرًا لها، صار بذلك أول مدير لمصلحة البريد بنظامها الحديث.
وفي عهد إسماعيل أيضًا مضي مشروع حفر القناة قدمًا إلي أن تم افتتاحه في السابع عشر من ديسمبر عام ١٨٦٩م، وطولها ١٦٥ كيلو مترًا، وأنشئت مدينة الإسماعيلية عند نقطة انتهاء العمل والتقاء ماء البحرين، وأقام إسماعيل حفلاً ارتج له العالم في حينه، حضره إمبراطور النمسا وأوچيني إمبراطورة فرنسا، وولي عهد بروسيا وعشرات الأمراء من أوروبا.
وبلغ إجمالي ما تم إنفاقه علي هذا الحفل نحو مليون ونصف المليون جنيه، وهو مبلغ ضخم جدًا بمعيار ذلك الزمان. كما بنيت دار الأوبرا في نحو خمسة أشهر بتكلفة ١٦٠ ألف جنيه، وعهد إلي مدير دار الآثار «المتحف المصري»، ميريت باشا بوضع قصة أول أوبرا مصرية مستوحاة من التاريخ الفرعوني، فكانت أوبرا عايدة، وعهد بها إلي الموسيقار الإيطالي فيردي لتلحينها، ولكنه لم يستطع الانتهاء منها في الموعد المحدد لافتتاح الأوبرا، فتم افتتاح الأوبرا بأوبرا «ريجو ليتو» للموسيقار نفسه، ومن مفارقات التاريخ أن أوبرا عايدة كانت تعرض علي خشبة مسرح دار الأوبرا يوم عودة جثمان إسماعيل من منفاه إلي مثواه الأخير في مسجد الرفاعي بمصر عام ١٨٩٥م، ومن أعمال إسماعيل الباقية شارع الهرم الذي عبره استعدادًا لمجيء الملوك إلي مصر وتم الانتهاء منه في شهر.
وأنشئ في عهده المسرح الكوميدي في حديقة الأزبكية، ومسرح زيزينيا في الإسكندرية وتألفت الفرق المسرحية العربية، وبدأت الحركة المصرية في عهده علي يد يعقوب صنوع. وفي عهده أيضًا أنشئت دار الكتب، أو «الكتبخانة الخديوية» بناء علي اقتراح من علي مبارك وزير المعارف آنذاك.
يوم «خلع» إسماعيل
حركت دول أوروبا الأحداث توطئة للتخلص من إسماعيل، وكان بسمارك رئيس ألمانيا الموحدة الجديدة التي خرجت من مؤتمر برلين عام ١٨٧٨م، إحدي دول أوروبا العظمي، ورغب بسمارك في اختبار قواه في الشؤون الدولية، فكان بين ما فعله أن وجه احتجاجاً للباب العالي اعتراضاً علي إجراءات إسماعيل وخلعه للوزارة الأجنبية في مصر، وتأليف أخري، ثم جاءت النمسا بعد ألمانيا وقدمت احتجاجاً مماثلاً وأرسل بسمارك إلي إنجلترا وفرنسا صاحبتي «الدين المصري» وأنذرهما إذا لم تفعلا شيئاً لإيقاف إسماعيل وحكومة مصر عند حدها فسوف يتصرف «بمعرفته»، وانصاعت إنجلترا وفرنسا ونصحتا إسماعيل بالاستقالة فرفض،
ورفض إسماعيل كل المطالبات الوطنية بالتنازل لابنه محمد توفيق، فلجأ الإنجليز والفرنسيون للباب العالي فرأت تركيا في هذا العزل فرصة لبسط هيمنتها الكاملة وسلطانها المباشر علي مصر، فاستجابت لدول أوروبا ونزلت علي رغبتها في خلع الخديو وأرسلت له في ٢٦ يونيو عام ١٨٧٩، برقية تعلنه فيها بخلعه وتولية ابنه محمد توفيق باشا «الخديو توفيق».
وجاء في البرقية: «إن الصعوبات الداخلية والخارجية التي وقعت أخيراً في مصر، قد بلغت من خطورة الشأن حداً يؤدي استمراره إلي إيجاد المشاكل والمخاطر لمصر والسلطنة العثمانية، ولما كان الباب العالي يري أن توفير أسباب الراحة والطمأنينة للأهلية من أهم واجباته، ومما يقضي به الفرمان الذي خولكم حكم مصر، ولما تبين أن بقاءكم في الحكم يزيد المصاعب الحالية، فقد أصدر جلالة السلطان إرادته بناء علي قرار مجلس الوزراء بإسناد منصب الخديوية في مصر إلي صاحب السمو توفيق باشا، وعليه أدعو سموكم عند تسلمكم هذه الرسالة إلي التخلي عن حكم مصر احتراماً للفرمان السلطاني».
وفي يوم الاثنين ٣٠ يونيو من العام نفسه، غادر إسماعيل باشا أرض مصر علي ظهر الباخرة «المحروسة» التي غادر عليها آخر حكام السلالة العلوية «الملك فاروق» فيما بعد.
نهاية علي يد «الابن»
توجهت باخرة «المحروسة» إلي نابولي، حاملة الخديو المخلوع بعد مشهد توديع مؤثر وجليل، بعد أن أشفق كل من في قصر عابدين أن يصعدوا إلي الخديو ببرقية الخلع فصعد بها شريف باشا، الذي جاء بصحبته ابن إسماعيل «الخديو توفيق»، الذي وصلته برقية تولية الحكم، وما أن رأي ولد توفيق حتي قال له «أهلاً يا أفندينا».
وفي موكب مهيب تحرك إسماعيل من عابدين قاصداً الإسكندرية بصحبة ابنه، وتم توديع إسماعيل بما يليق به.
ووصل إسماعيل إلي نابولي، حيث أعد له الملك «أمبرتو» قصراً لسكناه، أقام به هو وزوجاته وأنجاله وحاشيته، وأخذ يتنقل بين عواصم أوروبا، دون أن تفارقه آماله في العودة إلي عرش مصر، بل وسعي إلي ذلك، لكنه أخفق. ثم أقام في الأستانة منذ سنة ١٨٨٨م في قصره علي شاطئ البسفور، حتي وافته المنية في الثاني من مارس سنة ١٨٩٥م وله من العمر ٦٥ سنة فنقل جثمانه إلي مصر، ودفن في مسجد الرفاعي.

 

This site was last updated 09/30/08