Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

أسباب إنتشار المسيحية فى عصر قسطنطين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
مرسوم الإمبراطور قسطنطين لبناء الكنائس
قسطنطين يدمر معابد الأوثان
قسطنطين وأسباب إنتشار المسيحية

 

الجزء التالى من كتاب التاريخ الكنسى لسوزمينوس  THE ECCLESIASTICAL HISTORY - OF Sozomen .. ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft .. ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس نقلا عن : NPNF
********************
الكتاب الثانى: الفصل السادس
(سبب انتشار اسم المسيح فى سائر أرجاء العالم فى عهد قنسطنطين)
(2/6/1) وانتشرت الكنيسة بهذا النحو فى سائر أرجاء العالم الرومانى ودخل الدين حتى بين البرابرة أنفسهم. واعتنقت القبائل التى على ضفتى نهر الراين المسيحية، وبالمثل الكلت والغاليون([176]) الذين كانوا يقطنون النواحى القاصية على شاطىء المحيط. وأيضا القوط وتلك القبائل المجاورة لهم والتى كانت تقطن سابقا على شاطىء الدانوب([177]) قد اشتركت فى الايمان المسيحى وتحولت إلى ألطف واكثر عقلانية.
(2/6/2) وتقريبا معظم البرابرة اعتنقوا العقيدة المسيحية فى زمن الحرب بين الرومان والقبائل الأجنبية فى حكم جالينوس والأباطرة الذين تلوه. لأنه عندما انتقل خليط من الأمم لا يُعبَّر عنه من تراقيا إلى أسيا وما حولها، وفعل البرابرة نفس الشىء وأتوا إلى جوار الرومان، فإن كثيرين من كهنة المسيح الذين كانوا قد أُسِروا عاشوا بين هذه القبائل. وأثناء اقامتهم معهم، شفوا المرضى، وأخرجوا شياطين ممن كانت عليهم، بإسم المسيح فقط ودعائهم بإبن الله، وأكثر من ذلك عاشوا حياة بلا لوم، فأثاروا بفضائلهم غيرتهم. واندهش البرابرة من السلوك والأعمال العجيبة لهؤلاء الرجال، وفكَّروا أنه من الفطنة لهم ومدعاة لسرور الآلهة أن يُحاكوا هؤلاء الرجال الذين رأوا أنهم أفضل منهم، وأن يُقدِّموا مثلهم الإكرام لله. وعندما أخبرهم المُعلِمون بما يجب أن يفعلوه قبِلوا ما عرضوه عليهم وتعلموا وتعمدوا وانضموا بعد ذلك إلى الكنائس.

الكتاب الثانى: الفصل السابع
(كيف قبل الايبريون الايمان بالمسيح)
(2/7/1) وقد قيل أنه فى هذا العهد اعترف الايبريون([178]) Iberians بالمسيح وكانوا أمة بربرية كبيرة وميالة للحرب. وكانوا يسكنون فيما وراء ارمينيا. وذلك أن امرأة مسيحية كانت قد سُبيَت، قد حثتهم على رذل ديانة آبائهم. وكانت تقية وأمينة جدا ولم تتخل قط عن واجبات نظامها الدينى المعتاد وهى بين الأجانب من صوم وصلاة ليلا ونهارا وتسبيح لله يبهجها. واستعلم البرابرة عن دوافع مثابرتها فأجابتهم ببساطة أن ذلك ضرورى لعبادة ابن الله بهذه الطريقة. ولكن اسمه واسلوب عبادته بدا غريبا لهم.
(2/7/2) وحدث أن مرض ولدٌ ما من هذا البلد وكانت أمه تحمله من بيت إلى بيت بحسب عادة الايبريين، لعلها تجد مَن يقدر أن يشفيه من المرض وأن يعافيه من المعاناة. ولمَّا لم يقدر أى أحدٍ على شفائه، أحضرت الصبى إلى الأسيرة، فقالت لها بالنسبة للعلاج فليس لدىَّ معرفة ولا خبرة، ولا أُلّم بطريقة الدهن بالمراهم واللصقات، ولكننى كإمرأة فأنا أومن أن المسيح الذى أنا أعبده، الإله الحق والعظيم، قادرٌ أن يُخلِّص ابنك. وصلَّت فى الحال من أجله وحررَّته من المرض على الرغم من أنه كان من المعتقد أنه على شفا الموت.
(2/7/3) وبعد ذلك بقليل أُصيبت زوجة الحاكم بمرض غير قابل للشفاء وأوشكت على الموت، ولكنها أُنقِذت هى أيضا بنفس الطريقة. وهكذا علَّمت الأسيرة معرفة المسيح عن طريق تقديمه كشافى للأمراض، وكرب لحياة الامبراطورية ولجميع الأشياء.
(2/7/4) واقتنعت زوجة الحاكم بخبرتها الذاتية وصدَّقت كلام الأسيرة واعتنقت الديانة المسيحية وكرَّمت المرأة. واندهش الملك من سرعة الشفاء، فاستعلم من زوجته عن السبب وأمر أن تكافىء الأسيرة بالهبات. فقالت الزوجة الهبات بالنسبة لها ضئيلة جدا مهما كانت قيمتها، فهى تُقدِّم اقصى خدماتها لإلهها فقط. لذلك إن أردنا أن نكافأها أو رغبنا فى عمل ما هو صواب وآمِن، فلنعبد نحن أيضا الله الذى هو ضابط الكل ومُخلِّص، والذى بإرادته يُعطى الدوام للملوك، ويطرح الأعزاء ويجعل الأجلاء أدنياء، ويُنقذ الذين فى شدة. واستمرت الملكة تحاججه بهذا الأسلوب وأيضا تحترم دين آبائه.
(2/7/5) وبعد ذلك بقليل ذهب هو وحاشيته إلى الغابة فى رحلة صيد، وفجأة ثارت سحب كثيفة وهواء ثقيل شتتهم على نحو أخفى الناس والسماء وحل ظلام دامس وليل بهيم على الغابة. ولمَّا كان كل واحدٍ من الصيادين قد اهتم بنجاة نفسه فقد تناثروا فى اتجاهات مختلفة. وبينما كان الملك يجول منفردا على هذا النحو فكَّر فى المسيح كما يفعل الناس فى أوقات الخطر. فعزم على أنه إذا أنقذه من هذا الطارىء الحالى فإنه سيسير فى طريق الله ويعبده. وفى نفس الوقت الذى ثار فى ذهنه هذا الفكر انقشع الظلام وصار الهواء ساكنا وتغلغلت أشعة الشمس الغابة وخرج الملك بآمان.
(2/7/6) وأعلَم زوجته بما حدث له، واستدعى الأسيرة وأمرها أن تُعلِّمه بأى طريقة يعبد المسيح. وعندما أعطته كل ما يمكن لإمرأة أن تقوله وتفعله، استدعى كل تابعيه وأعلن لهم جهارا المراحم الإلهية التى تعطف بها عليه وعلى زوجته. وعلى الرغم من أنه لم يكن قد اعتمد بعد، أعلن لشعبه عقائد المسيح، وحثهم على اعتناق المسيحية. وإذ اقتنع الرجال بما قدَّمه الملك، والنساء بالملكة والأسيرة، شيدوا بأقصى حماس كنيسة بسرعة وبرضاء عام من كل الأمة.
وعندما كملت الجدران الخارجية أُحضِرَت الآلات لنصب الأعمدة وتثبيتها فى قواعدها. ويُروَى أنه بعد تنصيب العموديَن الأول والثانى جيدا بهذه الوسائل، وُجِدت صعوبة شديدة فى تنصيب الثالث وتثبيته فى قاعدته وذهبت القوة البدنية والفنية أدراج الرياح على الرغم من أن كثيرين كانوا حاضرين للمساعدة فى الشد.
(2/7/7) وعندما حلَّ الليل، كانت المرأة الأسيرة ما زالت موجودة بالموقع وظلت هناك طوال الليل تتشفع إلى الله كى يتم تنصيب الأعمدة بسهولة، خاصة وأن الجميع قد رحلوا يائسين من فشلهم لأن العمود كان مرفوعا إلى نصفه فقط وظل واقفا، وكان أحد طرفيه داخل الأساسات حيث من المستحيل تحريكه إلى اسفل. لقد كانت ارادة الله أنه بهذا، كما بالمعجزات السابقة، يتثبت ايمان الايبرييين أكثر بالألوهية.
(2/7/8) ففى الصباح الباكر عندما كانوا حاضرين فى الكنيسة عاينوا مشهدا عجيبا بدا لهم كحلم. فالعمود الذى كان بالأمس غير قابل للتحرك، منصوب اليوم ومرتفع قليلا فوق قاعدته. ونظر جميع الحاضرين إليه وهو ينزلق بهدوء وتلقائية وكان يتكيف كما بآلة فى قاعدته. وتم نصب باقى الأعمدة بسهولة، وأكمل الأيبريون البناء بأقصى حماس.
(2/7/9) وإذ بُنِيَت هكذا الكنيسة بسرعة أرسل الايبريون، بُناء على توصية الأسيرة، سفراء إلى الإمبراطور قنسطنطين يحملون عرضا بالتحالف معه والمعاهدة، ويطلبون إرسال كهنة إلى أمتهم. وعند وصولهم روى السفراء الأحداث التى حدثت وكيف عبدت الأمة كلها المسيح بأقصى عناية. وابتهج امبراطور الرومان بالسفارة، وبعد اجابة كل المطالب، صرف السفراء. وهكذا تلقى الايبريون معرفة المسيح، وهم يعبدونه إلى هذا اليوم بالتدقيق.

الكتاب الثانى: الفصل الثامن
(كيف اعتنق الأرمن والفرس المسيحية)
(2/8/1) وصارت الديانة المسيحية بالتالى معروفة للقبائل المجاورة وانتشرت بدرجة كبيرة. وكما فهمتُ كان الأرمن أول من اعتنقوا المسيحية، فقد قيل أن تيريداتس Tiridates حاكم الأمة آنذاك قد صار مسيحيا بواسطة آية إلهية عجيبة قد أُجرِيَت فى بيته، فأصدر أوامرا لتابعيه عن طريق منادى بتبنى نفس الدين.
(2/8/2) وأظن أن بداية اهتداء الفرس Persians كان بسبب علاقاتهم المتداخلة مع الأرمن والأوسرونيين Osroenians لأنه من المحتمل أن تداخلهم مع رجال أتقياء كهؤلاء جعلهم يختبرون فضائلهم.
الكتاب الثانى: الفصل التاسع
(سابور ملك فارس يضطهد المسيحين. استشهاد سيمون اسقف فارس وأوسانينوس الخصى).
(2/9/1) وعندما ازداد عدد المسيحيين بمرور الزمن وبدأوا فى تشييد الكنائس وتعيين كهنة وشمامسة، حنق المجوس عليهم بشدة، وقد كانوا قبيلة يهودية منذ البداية وعبر الأجيال، وكانوا يسلكون كحرس للديانة الفارسية. وقام ضدهم أيضا اليهود الذين كانوا بالطبيعة مقاومين للديانة المسيحية. ولذلك رفعوا إلى سابور([179])Sapor حاكم البلد، شكاوى ضد سيمون Symeon الذى كان آنذاك رئيس اساقفة سلوقية Seleucia واستسيفون Ctesiphon، وهى المدن الملكية لفارس، واتهموه أنه صديق لقيصر الرومان، وأنه يخبره بأمور الفارسيين.
(2/9/2) وصدَّق سابور هذه الاتهامات فأثقل المسيحيين فى البداية بضرائب مُفرطة([180]) على الرغم من أنه كان يُعرَف أنهم فى غالبيتهم كانوا قد تبنوا الفقر الاختيارى، وعهد بالتنفيذ إلى رجال قساة على أمل أنهم تحت ضغط الحاجة وقسوة المُحصلين يضطرون إلى رذل ديانتهم لأن هذا كان هدفه([181]). ومع ذلك، أمر فيما بعد بقتل الكهنة، وقادة عبادة الله بالسيف. فخُرِّبت الكنائس وحُمِلت أوانيها إلى الخزانة وقُبِض على سيمون كخائن للمَلَكية ولديانة الفرس.
(2/9/3) هكذا دمَّر المجوس بالتعاون مع اليهود بيوت الصلاة. وقُيِّد سيمون بالسلاسل وأُحضِر إلى الملك. وهناك أظهر الرجل شجاعته وتميزه لأنه عندما أمر سابور أن يُقاد إلى التعذيب لم يخف ولا طرح نفسه. فنقم سابور بشدة وسأل لماذا لم يطرح نفسه كما فعل سابقا. فأجاب سيمون: فى السابق لم أُقيَّد من أجل أن أرذِل حق الله، ولذلك لم اعترض على تقديم التحية المعتاد للمَلَكية، ولكن الآن ليس من الملائم لى عمل ذلك لأننى أقف هنا للدفاع عن الألوهية وعن ايماننا.
(2/9/4) وعندما كفّ عن الكلام أمره الملك أن يعبد الشمس ووعده كحافز له أن يُغدِق عليه بالهبات ويُنعِم عليه بالشرف. ولكنه من ناحية أخرى هدده فى حالة عدم الخضوع بدماره هو والمسيحين.
(2/9/5) وعندما وجد المَلك أنه لم يخيفه بالخسة ولم يربحه بالوعود وأنَّ سيمون قد ظل ثابتا، ورفض عبادة الشمس أو أن يخون ديانته، أمر بأن يوضَع فى الأغلال لبعض الوقت متخيلا أنه من المحتمل أن يغيّر رأيه.
(2/9/6) وعندما أُقتِيد سيمون إلى السجن تصادف أن كان اوثازانس Usthazanes وهو خصى عجوز كان مربيا لسابور ومشرِفا على القصر، كان جالسا عند بوابة القصر، فنهض لتقديم واجب الاحترام له. فأنبَّه سيمون بصوت عال ومنعه، وحوَّل نظره عنه وتركه ومضى. لأن الخصى كان قبلا مسيحيا ولكنه استسلم حاليا للسلطة وعبد الشمس.
(2/9/7) وقد أثر هذا السلوك على الخصى حتى أنه بكى بصوت عالٍ وطرح عنه الرداء الأبيض وارتدى رداءً اسود للحداد([182])، وجلس قبالة القصر يصرخ ويولول قائلا: الويل لى لماذا وجب علىَّ أن أعيش منذ أنكرتُ الله، حتى أن سيمون صديقى الأليف سابقا لا يفكر فى الكلام إلىَّ بل ينصرف مُسرِعا مبتعدا عنى.
(2/9/8) وعندما سمع سابور بما قد حدث استدعى الخصى، واستعلم منه عن سبب حزنه، وسأله عما إذا كانت أية مصيبة قد حلَّت بأسرته. فأجاب اوثازانس وقال: أيها الملك ليس هناك شىء حدث لعائلتى ولكننى كنتُ أود أن أقاسى أية بلوى أيا كانت عما حلَّ بى، فلقد كان من الأسهل لى أن أتحملها. فأنا حزين الآن لأننى ما زالتُ حيا وكان ينبغى أن أموت منذ زمن طويل مضى. ولكننى ما زالتُ أرى الشمس التى أعبدها ليس باختيارى ولكن لأرضيك. ولذلك من العدل من جميع النواحى أن أموت لأننى كنتُ خائنا للمسيح ومخادعا لك. وأقسَم عندئذ بخالق السماء والأرض أنه لن يحيد قط عن ايمانه.
(2/9/9) واندهش سابور من هذا التحول العجيب للخصى، وازداد حنقا على المسيحيين، كما لو كانوا قد أجروا هذه الأمور. وظل مبقيا على العجوز مجاهدا بكل قواه، بلطف وبشدة لكى يعيده إلى مشاعره القديمة. ولكنه وجد أن جهوده عديمة الجدوى، وأن اوثازانس مُصرّا على إعلان أنه من الغباء الشديد أن يعبد المخلوق دون الخالق، فإلتهب غيظا وأمر بقطع رأس الخصى بالسيف.
(2/9/10) وعندما تقدَّم المنفذون للقيام بمهمتهم طلب اوثازانس منهم أن ينتظروا قليلا ريثما يوّصل شيئا ما للملك. واستدعى أحد أخصائه من الخصيان وأمره أن يقول لسابور: منذ شبابى وحتى الآن وأنا أخدم بيتك أيها الملك بكل اجتهاد لأبيك ولكَ، ولستُ محتاجا إلى أى شهود لإثبات كلامى فهذه الحقائق راسخة جيدا. فقد خدمتك بسرور فى سائر الأمور وإختلاف الأوقات فهبنى هذه المكافأة حتى لا يتخيل أحد ممن يجهلون هذه الظروف أننى قد أُعدِمتُ بسبب عدم أمانتى للمملكة أو لارتكابى أية جريمة. ولكن ليُعلَن بواسطة منادى ويُنشَر أن اوثازانس قد فقد رأسه ليس بسبب جريمة اقترفها ولكن لكونه مسيحيا ورفض أن يطيع المَلك ويُنكر إلهه.
(2/9/11) وسلَّم الخصى هذه الرسالة لسابور الذى بناء على طلب اوثازانس أمر مناديا أن يُذيع هذه الرغبة متخيلا أن الآخرين سيُحجِمون عن اعتناق المسيحية عندما يتفكرون فى أن الذى قتل مربيه المسن وخادم أهل بيته الموقر سوف لا يرحم بكل تأكيد أى مسيحى آخر.
(2/9/12) ومع ذلك، آمن اوثازانس أنه بقبوله عبادة الشمس برضائه قد سبب الخوف لمسيحيين كثيرين، والآن أيضا بهذا الاعلان الجاد عن سبب معاناته سيتهذب كثيرون عندما يعلمون أنه قد مات من أجل الدين وبذلك يحاكون قدره.

الكتاب الثانى: الفصل العاشر
(قتل سابور للمسيحيين فى بلاد فارس)
(2/10/1) وبهذا النحو انتهت حياة اوثازانس المكرَّمة. وعندما وصل الخبر إلى سيمون فى السجن قدَّم الشكر لله من أجله. وفى اليوم التالى الذى تصادف أن كان اليوم السادس من الاسبوع، والذى كان بالمثل اليوم السابق مباشرة للإحتفال بعيد القيامة، وهو الذكرى السنوية للإٌحتفال بآلام مُخلِّصنا، أصدر الملك أمرا بقطع رأس سيمون، إذ قد أُحضِر من السجن إلى القصر وناقشه سابور بأكثر نبل فى مسألة العقيدة. فأعلن بثبات أنه لن يعبد لا الملك ولا الشمس.
(2/10/2) فأصدر أمرا بقتل مائة سجين آخرين معه فى نفس الوقت. وقد عاين سيمون إعدامهم، ثم قٌتِل هو آخر الكل. وكان من بين هؤلاء الضحايا اساقفة وكهنة واكليريكين من رتب مختلفة. وبينما كانوا مقادين إلى الموت كان رئيس المجوس يوبخهم ويطلب منهم ما إذا كانوا يحافظون على حياتهم بالتأكيد على ديانة المَلك وعبادة الشمس. وإذ لم يخضع أى منهم لهذا الشرط اقتيدوا إلى موضع الإعدام وقام المنفذون بمهمة ذبح هؤلاء الشهداء.
(2/10/3) ووقف سيمون بين هؤلاء العتيدين أن يُذبَحوا، يشجعهم على الثبات محدثا إياهم عن الموت والقيامة والتقوى، مُظهِرا لهم من الأسفار المقدسة أن موتا مثل موتهم إنما هو الحياة الحقيقية؛ بينما الحياة مع إنكار لله من الخوف هو الموت الحقيقى. وقال لهم أيضا أنه حتى إذا لم يذبحهم أىُ أحدٍ فإن الموت سيدركهم لا محالة لأن موتنا عاقبة طبيعية لميلادنا. أما الأمور التى تلى هذه الحياة فهى دائمة ولا تحدث لسائر البشر، ولكنها بمقياس ما يجب أن يُعطَى [عنها] حساب دقيق هنا فى هذه الحياة. فمن صنع احسانا سينال مكافأة أبدية، وسيهرب من العقاب الذى سيحل على مَن فعل العكس. وقال لهم بالمثل أن أعظم وأسعد الأعمال هو الموت من أجل الله.
(2/10/4) وبينما كان سيمون يشجع مثل هؤلاء الرجال، كان يعرض لهم، كمدبر لأهل بيت، الأسلوب الذى سيصادفوه فى هذا النزال. واستمع إليه كل واحد ومضى بحمية إلى الذبح. وبعد أن نفذ الجلادون الحكم فى المائة، ذُبِح سيمون نفسه([183]) وأبديكالاس وآنانياس كاهنين مسنين من كنيسته واللذين كانا رفقاء سجنه ويعانيان معه.

الكتاب الثانى: الفصل الحادى عشر
(استشهاد بوسيكس مشرف فنانى المَلك)
(2/11/1) وكان بوسيكس Pusices مشرف فنانى المَلك حاضرا هذا الاعدام وإذ لاحظ ارتعاد انانياس Ananniasمن الاعدادات الضرورية لموته، قال له: أيها الشيخ اغلق عينيك للحظة قصيرة وتشجع لأنك سرعان ما سترى نور المسيح.
(2/11/2) وما أن نطق بهذه الكلمات حتى قُبِض عليه واُقتِيد إلى المَلك، وهناك أعلن جهارا أنه مسيحى وتحدث بكل حرية أمام المَلك عن معتقده وعن الشهيد. فأُدِين بموت غير عادى وأكثر قسوة لأنه لم يكن مسموحا بالحديث إلى المَلك بمثل هذه الجرأة، إذ طعن الجلادون عضلات رقبته على نحو يقلعون به لسانه.
(2/11/3) وبناء على دعوة البعض، قُبِض على ابنته التى كانت قد كرست نفسها لحياة البتولية المقدسة وذُبِحت فى نفس الوقت.
(2/11/4) وفى السنة التالية فى نفس الاحتفال بذكرى آلام المسيح، وبينما كانت الترتيبات تُعَّد للاحتفال بذكرى قيامته من بين الأموات، أصدر سابور مرسوما أكثر قسوة يأمر بقتل جميع مَن يعترف أنه مسيحى فى سائر أرجاء فارس. ويُقال أن عددا أكبر من المسيحيين قد قُتِلوا بالسيف إذ سعى المجوس بإجتهاد فى المدن والقرى بحثا عن أولئك الذين أخفوا انفسهم. وسلَّم كثيرون أنفسهم طواعية لئلا يظهروا بصمتهم أنهم أنكروا المسيح.
(2/11/5) ومن بين المسيحيين الذين قُتِلوا هكذا، كثيرون ممن كانوا بالقصر ومنهم ازادس Azades الخصى الذى كان محبوبا على وجه خاص من الملك. وعند سماع موته غلب الحزن على سابور ووضع حدا لقتل عامة المسيحيين وأمر بقتل مُعلِّمى الدين وحدهم.

الكتاب الثانى: الفصل الثانى عشر
(استشهاد طاربولا أخت سيمون)
(2/12/1) وفى نفس الفترة اعترى المَلكة مرض وكانت طاربولا Tarbula أخت سيمون الاسقف عذراء مقدسة، قد قُبِض عليها هى وخادمتها التى كانت تشاركها نفس نمط الحياة، وأيضا على أخت طاربولا التى رفضت الزواج بعد موت زوجها وتبنت نفس الطريق.
(2/12/2) وكان سبب القبض عليهن، دعوى من اليهود الذين زعموا أنهن قد أضروا الملكة بسحرهما انتقاما لموت سيمون، وصدَّقت الملكة كشخص عليل بسهولة هذه التهمة الكريهة وخاصة أنها كانت مثارة من اليهود إذ كانت تعتنق مفاهيمهم، وتحافظ على الطقوس اليهودية، وكانت لها ثقة كبيرة فى صدقهم وإلتصاقهم بها.
(2/12/3) وقبض المجوس على طاربولا ورفيقاتها وأمروا بإعدامهن وبعد أن رأوا قتلهن، ربطوهن فى قوائم وجعلوا الملكة تجتاز بين هذه القوائم كوسيلة لدرء المرض. وقيل أن طاربولا هذه كانت جميلة ورشيقة القوام، وأن أحد المجوس قد هام بها بشدة فأرسل اليها سرا يعرض عليها المعاشرة ويعدها بالحفاظ عليها وعلى رفيقاتها إن وافقت([184]). ولكنها لم تُصغِ إليه وعاملت المجوسى بإحتقار، وأنبته على شهوته، مفضلة الموت بشجاعة عن خيانة عذراويتها.
(2/12/4) ولما كان مرسوم سابور هذا الذى قد ذكرناه يقضى بعدم قتل المسيحيين بدون تمييز وإنما الكهنة ومُعلِّمى العقيدة، فإن المجوس ورؤساء المجوس اجتازوا بهمة سائر بلاد فارس يسيئون معاملة الاساقفة والكهنة ويبحثون عنهم، وبصفة خاصة فى بلاد اديابين Adiabene وهى جزء من سيادة فارس لأنها كانت مسيحية بالكامل.

الكتاب الثانى: الفصل الثالث عشر
(استشهاد القديس آسبسيماس ورفقائه)
(2/13/1) وفى حوالى هذه الفترة قُبِض على آسبسيماس Acepsimasالاسقف واكليروس كثيرين. وبعد أن تشاوروا معا، اقنعوا أنفسهم([185]) بإصطياد قائدهم فقط، فأطلقوا الباقين بعد أن جرّدوهم من ممتلكاتهم.
(2/13/2) ومع ذلك تبع جيمس الذى كان أحد الكهنة اسبسيماس طواعية وحصل من المجوس على تصريح بمشاركته فى سجنه. وخدم الشيخ بغيرة، وأنار له قدَره السىء بأقصى ما يمكن وضمد جروحه. وبعد احتجازه ليس بوقت طويل عذبه المجوس بقسوة بسياط خام ليجبروه على عبادة الشمس. ولما أصر على رفضه أعادوه إلى الأغلال, وأودِع اثنان من الكهنة يدعوان أثالاس Aithalasوجيمس وشماسان يُدعَوان آبدى إيسوس([186]) Abdiesus,وآزادانس Azadanes السجن بعد جلدهم بأقسى قسوة من قِبل المجوس بسبب معتقداتهم.
(2/13/3) وبعد أن انقضى زمن طويل أبلغ رئيس المجوس المَلك بالحقائق الخاصة بهم ليعاقبوا وإذ حصل من الملك على تصريح بأن يفعل بهم كما يُحِب ما لم يقبلوا عبادة الشمس طواعية، فقد أعلن هذا القرار للسجناء.
(2/13/4) فأجابوا بوضوح تام أنهم لن يخونوا قط المسيح ولن يعبدوا الشمس، فعذبهم بشدة. وثابر اسبسيماس برجولة على اعترافه بإيمانه، إلى أن وضع الموت نهاية لعذاباته. فحمل بعض الأرمن الذين كان الفرس يحتجزونهم كرهائن جسده سرا ودفنوه. أما السجناء الآخرين، فعلى الرغم من أنهم قد جُلِدوا أقل فقد ظلوا أحياء بمعجزة ولم يغيّروا موقفهم فأعيدوا إلى الأغلال.
(2/13/5) ومن بين هؤلاء أثيلاس الذى مُدِّد أثناء ضربه وقُطِعت ذراعيه من الأكتاف بسخط شديد فحمل ذراعيه كميت وزحف ببطء لدرجة أن الآخرين كانوا يضعون الطعام فى فمه. وفى ظل هذا الحكم أنهت جمهرة لا تحصى من الكهنة والشمامسة والرهبان والعذارى القديسات وآخرون من خدم الكنيسة والذين تخصصوا فى عقيدتها حياتهم بالاستشهاد.
(2/13/6) وفيما يلى أسماء الاساقفة على قدر ما أمكننى من التأكد: بارباسيمس، بولس، جاديابس، سابينوس، ماريس Mareas، موسيوس، جون، هورميسيداس، باباس، جيمس، روماس، ماريس Maares([187])، آجاس، بوشرس، ابداس، ابدايسوس، ابرامنس، جون، اجديلاس، سابورس، اسحق، دوساس، وقد سُجن الأخير بواسطة الفرس وأُحضِر من مكان يُدعى زبديوس، ومات فى حوالى هذا الوقت دفاعا عن العقيدة، وماريابيدس الخورى ابسكوبس، وحوالى مائتين وخمسين من كهنته كانوا قد أُسِروا أيضا بواسطة الفرس، وقد استشهدوا معه.

الكتاب الثانى: الفصل الرابع عشر
(استشهاد الأسقف ميلس ومشيره وستة عشر ألفا من الرجال المتميزين فى عهد سابور)
(2/14/1) وفى حوالى هذه الفترة أُستشهد ميلس Milles. وهذا كان يخدم الفرس أساسا فى القوات المسلحة لكنه فيما بعد هجر هذه المهنة لكى ما يعتنق هذا النمط من الحياة. وقد رُوِى أنه سيم اسقفا على مدينة فارسية وقاسى شدائد كثيرة واحتمل جراحا وسحلا، وأنه إذ فشلت مجهوداته فى تحويل السكان إلى المسيحية لعن المدينة ورحل.
(2/14/2) وبعد ذلك ليس بوقت طويل قاوم بعض رؤساء المدينة المَلك، فأرسل جيشا بثلاثمائة فيلا ضدهم وخُرِّبت المدينة تماما وحُرِثت أرضها وزُرِعت. وأخذ ميلس معه حافظته فقط التى بها الكتاب المقدس للأناجيل ورحل إلى أورشليم للصلاة، ومن هناك توجه إلى مصر ليعاين الرهبان. أما الأعمال العجيبة وغير العادية التى سمعنا أنه قد تممها هناك فهى مسجلة من السريان الذين كتبوا وصفا لحياته وأعماله.
(2/14/3) ومن جانبى أظن أننى قد قلتُ ما يكفى عنه وعن الشهداء الأخرين الذين عانوا فى بلاد فارس فى عهد المَلك سابور، أذ أنه من العسير أن نروى بالتفصيل كل الظروف الخاصة بهم مثل أسماءهم وبلادهم واسلوب استشهادهم بالكامل، وطرق تعذيبهم التى خضعوا لها لأنها عديدة، لأن مثل هذه الطرق قد أجراها الفرس بقسوة مفرطة.
(2/14/4) وسأذكر بإختصار عدد الرجال والنساء الذين استشهدوا وتأكدت أسماءهم فى هذه الفترة إذ بلغوا ستة عشر ألفا، بينما الجمهرة الأخرى خلاف هذه الأسماء لا تُحصَى. وفى هذا الصدد إحصاء اسماءهم يكون من العسير بالنسبة للفرس والسوريين ولسكان إديسا الذين بذلوا أقصى إهتمام بهذا الأمر([188]).

الكتاب الثانى: الفصل الخامس عشر
(قنسطنطين يكتب إلى سابور ليكف عن اضطهاد المسيحيين)
(2/15/1) وكان قنسطنطين الإمبراطور الرومانى غاضبا وأساءه سماع المعاناة التى يتعرض لها المسيحيون فى فارس. ورغب بشدة فى مد يد العون لهم، ولكنه لم يعرف بأية وسيلة يتمم ذلك.
(2/15/2) وفى حوالى هذا الوقت أتى سفراء من المَلك الفارسى إلى بلاطه، وبعدما منحهم ما طلبوه رأى أنها فرصة مواتية ليخاطب سابور بشأن المسيحين فى فارس.
(2/15/3) فكتب إليه مقرا أنه سيكون أمرا مرغوبا فيه للغاية وعظيما إن هو تعامل بإنسانية مع أولئك المعجبين بتعاليم المسيحيين الذين تحت سيادته. وقال ليس شىء فى ديانتهم يستوجب التعنيف فهم يرفعون التضرعات بصلوات غير دموية فقط إلى الله الذى يسر لا بسفك الدماء ولكن فقط بنفس نقية مكرَّسة للفضيلة والتقوى لدرجة أن هؤلاء المؤمنين بهذه الأمور يستحقون عليها المديح. وأكد الامبراطور عندئذ لسابور أن الله سيكون كريما معه إن هو عامل المسيحيين بلطف. وقدَّم له مثال فالريان Valerian، وشخصه هو كبرهان على ذلك.
(2/15/4) فهو شخصيا، بالإيمان بالمسيح وبمعونة الوحى الإلهى، جاء من شواطىء المحيط الغربى وأخضع العالم بأسره، وأنهى حروبا كثيرة ضد الأجانب والطغاة ولكنه لم يلجأ قط إلى ذبائح([189]) أو كهانة([190]) بل بعلامة الصليب على مقدمة جيوشه الخاصة والصلاة الخالية من الدم والنجاسة. وكان عهد فالريان عهدَ رخاء طالما أحجم عن اضطهاد الكنيسة، ولكنه فيما بعد عندما اضطهد الكنيسة، أُسلِم للإنتقام الإلهى على يد الفرس، فأماتوه موتا قاسيا.
(2/15/5) على هذا النحو كتب قنسطنيطن الى سابور حاثا له على حسن التصرف مع هذا الدين إذ أن الامبراطور كان يعتنى بشدة بشؤون المسيحين فى كل اقليم سواء أكان رومانيا أو أجنبيا.

الكتاب الثانى: الفصل السادس عشر
(عودة يوسيبيوس وثيوجينس اللذين امتنعا عن التصويت فى مجمع نيقية، الي كراسيهما)
(2/16/1) وعقب مجمع نيقية ليس بوقت طويل أُعيد أريوس من منفاه. ولكن بدون الغاء حظر دخوله الاسكندرية. وسنروى فى المكان المناسب كيف جاهد للحصول على تصريح بالعودة الى مصر. واسترد، بعد ذلك ليس بوقت طويل، يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجنيس Theognis اسقف نيقية ممتلكات كنائسهما بعد خلع امفيون Amphionوكريستوس Chrestosاللذين سيما محلهما. وهما مدينان بعودتهما للوثيقة التى قدَّماها للأساقفة والتى تحتوى على نكوصهما كما يلى:
(2/16/2) [نوكوص يوسيبيوس النيقوميدى، وثيوجنيس]
"على الرغم من أننا قد أُدِنا بدون محاكمة من تقواكم إذ اعتبرنا أنه من المناسب أن نلوذ بالصمت بشأن الحُكم الذى أصدرتموه. فإنه لمَّا كان من السخف أن نظل صامتين مدة أطول، إذ سيُعتبَر صمتنا دليلا على صحة الافتراءات، فإننا نُعلن الآن لكم أننا نحن أيضا نوافق على هذا الايمان. فبعد تمحيص جاد للفكر [الخاص] بكلمة "مساوى فى الجوهر" consubstantial [نُعلِن] أننا مصممون تماما على حفظ السلام، وأننا لم نشايع قط أية هرطقة. ومن أجل إقامة السلام للكنائس مثلما حدث لنا، وعن اقتناع تام منا، واقتناع تام من قِبل أولئك الذين سيقتنعون بواسطتنا فأننا نوّقع على قانون الايمان. ولكننا لم نوّقع على الحرومات لا لأننا نطعن فى قانون الايمان، ولكن لأننا لم نقتنع بالتهم الموَّجهة للمتهم المقدَّمة لنا. فالرسائل التى استلمناها منه والحجج التى قدَّمها فى حضورنا تقنعنا تماما بأنه لم يكن ذلك الشخص. واننا لنرجو أن يقتنع المجمع المقدس بأننا لا نميل الى الاعتراض، ولكننا نتفق معا فى النقاط التى تم تعريفها بدقة من قِبلكم. وبهذه الوثيقة نؤكد موافقتنا. وهذا ليس لأننا نخشى النفى، ولكن لأننا نبغى تحاشى شبهة الهرطقة، لأنكم اذا تنازلتم بقبولنا الآن فى حضرتكم فإنكم ستجدوننا متفقين فى جميع النقاط مثلكم وطائعين لقرارتكم وعندئذ سيكون الأمر جيدا لتقواكم بأن ترحموا ذاك الذى أُتُهِم بهذه النقاط وتعيدوه. وإذ قد أُعيد ذلك الطرف حبا فى العدالة ودافع عن نفسه من التهمة المثارة فإنه من السخف أن نعزز بصمتنا أخبار الافتراء الذى نُشِر ضدنا.
لذا نرجوكم اذن، كما يليق لتقواكم يا أحباء المسيح أن تذكروا الامبراطور المحب لله وتسلموه التماسنا. وتتشاوروا سريعا فيما هو موافق لكم بشأننا".
وبهذه الوسيلة عاد يوسيبيوس وثيوجنيس، بعد أن غيَّرا من أقوالهما، الى كنائسهما.

 

 

 

This site was last updated 10/27/17