Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

مرسوم الإمبراطور قسطنطين لبناء الكنائس

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
مرسوم الإمبراطور قسطنطين لبناء الكنائس
قسطنطين يدمر معابد الأوثان
قسطنطين وأسباب إنتشار المسيحية

 

الجزء التالى من كتاب التاريخ الكنسى لسوزمينوس  THE ECCLESIASTICAL HISTORY - OF Sozomen .. ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft .. ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
**********************************************************************************************
الكتاب الأول: الفصل الثامن
(قائمة المنافع التى اسبغها الأمبراطور قنسطنطين لحرية بناء الكنائس، والأعمال الأخرى للرفاهية العامة).
(1/8/1) وبمجرد أن صار حكم الإمبراطورية الرومانية فى يد قنسطنطين وحده، أصدر مرسوما عاما يأمر فيه سائر تابعيه فى الشرق بتكريم الدين المسيحى، وعبادة الله بعناية والاعتراف به وحده كإله، وأنه وحده القادر على كل شىء إلى أبد الآبدين. إذ أنه سُّر بأن يعطى كل ما هو صالح بوفرة لأولئك الذين يعتنقون الحق بغيرة، وقابل تعهداتهم بأفضل رجاء بينما سوء الاقدار سواء أكانت فى السلم أو فى الحرب، فى الحياة العامة أو الخاصة تؤدى إلى المعاصى. وأضاف قنسطنطين، ولكن بدون مجد باطل، أن الله إذ قد حسبه خادما مناسبا جديرا بالحُكم قاده من بحر بريطانيا إلى المقاطعات الشرقية لكى ينشر الديانة المسيحية، وأن أولئك الذين ثبتوا راسخين فى اعترافهم أو استشهادهم بسبب عبادة الله يجب أن ينالوا تكريما عاما.
(1/8/2) وبعد هذه العبارات أورد حشدا من التفاصيل الأخرى التى علَّم بها تابعيه كيف يهتموا بالدين، فسَّن أن كل الأحكام والأعمال التى تمت من قِبل المضطهدين ضد الكنيسة يتعين أن تُرذل. وأمر بأن يسترد جميع الذين قد عوقبوا بسبب اعترافهم بالمسيح حريتهم. سواء أكان بالنفى إلى الجُزر أو إلى أى مكان آخر ضد ارادتهم الخاصة. أو حُكِم عليهم بالعمل فى المناجم أو الأشغال العامة([80]) أو كسرارى، أو فى مصانع الكتان([81]) أو أُحصُوا ضمن الموظفين العموميين. كما ينبغى نزع وصمة العار عن أولئك الذين وُصِموا بها. وأمر بأن يُسمَح لأولئك الذين حُرِموا من التعيينات فى الرتب العليا بالجيش إما أن يستردوا مكانتهم السابقة، وإما أن يُخلَى سبيلهم بإكرام ليتمتعوا براحة حرة، وذلك وفقا لإختيارهم الخاص. وبالمثل عندما دعا الجميع إلى التمتع بحرياتهم السابقة والكرم المعتاد، أمر بأن يستردوا كافة ممتلكاتهم التى صُودِرَت. وفى حالة أولئك الذين قُتِلوا يرثها أقرباؤهم، أو الكنيسة التى تقع فى مقاطعتهم فى حالة عدم وجود ورثة قريبين. وفى حالة انتقال الميراث إلى يد آخر، أو صار مِلكية عامة أو خاصة أمر يإسترداده. كما وعد بالمثل بإتخاذ أنسب الوسائل وأفضلها فى حالة ما إذا كانت المِلكية قد تم شرائها بواسطة خزانة الدولة، أو تم الحصول عليها كهبة منهم.
(1/8/3) وهذه المعايير، كما قيل، ما أن وقَّع عليها الامبراطور ودُعِمت بقانون([82])، حتى وُضِعَت سريعا موضع التنفيذ فى الحال. وهكذا شغل المسيحيون جميع الوظائف الرئيسية تقريبا فى الحكومة الرومانية. وتم حظر عبادة الآلهة الكذبة على نحو عام، وأنواع التأليه([83])، وتكريس الأصنام، والاحتفال بالمواسم الوثنية. وتوارى الكثيرُ من العادات القديمة التى كانت تُراعَى فى المدن. ولم يعد يُحمَل، لدى المصريين، المقياس الذى يشير إلى زيادة مياه النيل إلى المعابد الوثنية ولكن إلى الكنائس. وُمنِعت لدى الرومان مشاهدة المصارعة. ولدى الفينيقيين مضاجعة العذارى قبل الزواج فى هليوبوليس([84]) بلبنان، والتى كانت معتادة كشرط للزواج الشرعى([85]) بعد التجربة الأولى للمعاشرة المحرَّمة. وبالنسبة لبيوت الصلاة رمم الامبراطور بعضها الذى كان ذا حجم كافٍ، وأضاف إلى البعض الآخر طولا وعرضا، وأنشأ مبانٍ جديدة فى المواضع التى لم يكن بها مبان موجودة سابقا، وزودها بالمتطلبات اللازمة من الخزانة الامبراطورية، وكتب إلى اساقفة المدن وحكام المقاطعات يُرغّبهم فى المساهمة حسبما يرغب كل منهم وأن يُظهِروا خضوعا وطاعة حارة للكهنة.
(1/8/4) وصاحب رخاء الديانة، رخاءً متزايدا للإمبراطورية. فبعد حربه مع ليسينيوس نجح قنسطنطين فى سائر معاركه ضد الأمم الأجنبية، فهزم السامريين والشعب الذى يُدعَى القوط([86]). وعقد معاهدة متميزة معهم، وهذا الشعب يقطن [على ضفاف] إستر([87]) Ister وكانوا رجال حرب أشداء ومستعدين دوما للتعبئة بكلٍ من ضخامة أجسامهم وعددهم الغفير، وأبقى القبائل البربرية الأخرى فى خوف، وكانوا فقط خصوم الرومان. وقيل أنه فى هذه الحرب، تلقى قنسطنطين بوضوح بواسطة الأحلام والعلامات تلك الحماية الخاصة من العناية الإلهية.
(1/8/5) ومن ثم عندما انتصر على كل الذين أثاروا المعارك ضده قدَّم الشكر للمسيح بإهتمام بالغ بشؤون الدين وحث الحُكام على الاعتراف بالإيمان الحقيقى الوحيد وطريق الخلاص وخصص جزءً من أموال الجزية المفروضة على البلاد للأساقفة والإكليروس أينما حلَّوا وأمر أن يكون القانون الذى ينص على ذلك فريضة إلى الأبد.
(1/8/6) ولكى يعتاد الجنود على عبادة الله مثله، أمر أن تُعلَّم اسلحتهم بشعار الصليب وأقام بيت صلاة فى القصر. وعندما كان ينشغل فى حرب ما أمر أن تُحمَل خيمة على شكل كنيسة حتى يمكن له أو لجيشه فى حالة توغلهم فى الصحراء أن يكون لهم مبنى مقدس يمكنهم أن يعبدوا الله فيه وبسبحوه ويمارسوا فيه السرائر. وكان الكهنة والشمامسة يتبعون الخيمة([88]) ليتمموا ترتيبات هذا الأمر حسب قانون الكنيسة. ومنذ ذلك الوقت صارت الفيالق الرومانية التى صارت تُدعى بأرقامها، صار لكل منها خيمة خاصة بها بشمامستها وكهنتها.
(1/8/7) كذلك عَهَد بمراعاة اليوم الملقب بيوم الرب([89])، والذى يدعونه اليهود اليوم الأول من الأسبوع والذى يُخصصه الوثنيون للشمس. وبالمثل اليوم قبل السابع، وأمر بعدم ممارسة أية أعمال رسمية أو أخرى فى هذه الأيام([90]) لأن الرب قد صُلِب فيه. وكرَّم الصليب إكراما خاصا بسبب القوة التى وهبها له فى المعارك ضد أعدائه، وأيضا للأسلوب الإلهى التى ظهرت له به العلامة. وألغى من المحاكم عقوبة الصلب المعتادة بين الرومان، وأمر بأن تُنقَش هذه العلامة الإلهية، وتُطبَع دائما عند سك النقود فى أى وقت مع صُورته التى توجد فى هذا الشكل الذى ما زال حتى الآن([91]) شاهدا على أمره.
(1/8/7) وفى الحقيقة جاهد فى كل شىءٍ وبصفة خاصة فى سن التشريعات لخدمة الله. ويبدو أيضا أنه قد حظر كثيرا من الأعمال الشائنة والفاجرة التى كانت إلى تلك الفترة غير ممنوعة. ويمكن للمرء المهتم بها أن يَلمح قدرا من بضعة حالات، وكيف كانت القوانين التى أصدرها بخصوص هذه النقاط. ويبدو لى الآن أنه من غير المعقول أن نتناولها باستفاضة. ومع ذلك، اعتبر أنه من الضرورى أن نذكر القوانين التى سنها لتكريم وترسيخ الديانة حيث تشكل قدرا معتبرا من التاريخ الكنسى، لذلك سأستطرد فى روايتها
********
المراجع
80)  أى السخرة
81) أحد أنواع السخرة
82)  ألاحظ هذا ألأثر القانونى لسوزمينوس عند تسجيله لهذا المرسوم ودقة الوصف القانونى "الإجراءات" كأنها تجرى اليوم فى زماننا من ناحية ومن ناحية أخرى تعكس هذه " الإجراءات" نظام تشريع غير مستبد رغم أن الحكم فى ظاهرة ملكى مطلق ، إذ يقول سوزمينوس أن هذه الإجراءات وقع عليها الإمبراطور (أى صدق عليها بتعبيرنا الحالى) أليس ذلك هو ما يجرى فى أيامنا فى الأنظمة الجمهورية عندما يصدر قانون بمرسوم جمهورى
83)  مثل تأليه ألإمبراطور
84)  معبد وثنى
85)  للأسف هذه العادة مازالت قائمة فى البلاد الأفريقية جنوب الصحارى كعادة إجتماعية عامة وعادية فى تلك المجتمعات حيث تسعى الشابات بإختيارها الحر والعلنى برضا ألب والأم إلى المعاشرة الجنسية المبكرة قبل الزواج للتأكد من قدرتها على الإنجاب ، وإثبات صلاحيتها من ثمة للزواج وتحاول الإرساليات المسيحية معالجة هذا الأمر على قدر ما تستطيع
86)  القوط / (باللاتينية  Gothi) قبائل جرمانية شرقية قدمت  من إسكندافيا إلىى وسط وجنوب شرق القارة الأوربية
87)  "إستر" هو النهر المعروف حاليا بالدانوب فى رومانيا الحالية والإسم يعنى إله النهر لسكينا وشمال أوربا
88)  مثل خيمة الإجتماعواللاويين
89)  نلاحظ هنا إشارة طقسية شيقة لدارسى الطقوس .. فى عبارة " الذى يدعوه اليهود يوم أول الأسبوع الذى يخصصة الوثنيون للشمس ) وما زال هذا اليوم يطلق عليه بالإنجليزية  Sunday
90)  أى يومى الأحد والجمعة كما سنرى خالا بل يعبد الرب بالصلوات ، لقد كرم يوم الرب لأن المسيح قام من الموت ، واليوم المذكور (فى عبارة "الي وم قبل السابع" وهو الجمعة لأن يوم السبت هو اليوم السابع تكريما ليوم  الصلب كما سيذكر سوزمينوس خالا
91) أى وقت كتابة سوزمينوس لعمله هذا حوالى 439م راجع المقدمة
الجزء التالى من كتاب التاريخ الكنسى لسوزمينوس  THE ECCLESIASTICAL HISTORY - OF Sozomen .. ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft .. ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
**********************************************************************************************

لكتاب الأول: الفصل التاسع
(الإمبراطور قنسطنطين يسن قانونا فى صالح المتبتلين والاكليروس)
(1/9/1) لقد كان هناك قانون رومانى قديم يجعل غير المتزوجين الذين بلغوا الخامسة والعشرين، لا يتمتعون بذات الإمتيازات التى يتمتع بها المتزوجون. ومن بين المواد الأخرى لهذا القانون، أن الذين ليسوا ذوى قرابة وثيقة لا يستطيعون الحصول على شىء من الوصية. وكذلك الذين كانوا بلا أولاد كانوا يُحرمَون من نصف أية ممتلكات يمكن أن تؤول اليهم. فقد كان موضوع اهتمام هذا القانون هو زيادة سكان روما والأفراد التابعين الذين تناقص عددهم بشدة قبل هذا القانون ليس بوقت طويل بسبب الحروب الأهلية.
(1/9/2) وإذ أدرك الإمبرطور أن هذا التشريع قد سُنَّ ضد مصالح أولئك الذين استمروا فى حالة التبتل وظلوا بلا أولاد من أجل الله، وحسب أنه من السخف مضاعفة الجنس البشرى بغيرة واهتمام الإنسان (حيث أن الطبيعة تحظى دائما بالزيادة أو النقصان وفقا للقضاء الأعلى)، فقد وضع قانونا يسمح بتمتع غير المتزوج والذى بلا أولاد بنفس المزايا كالمتزوج. بل وهب مزايا خاصة حتى لأولئك الذين اعتنقوا حياة التبتل والزهد، وصرَّح لهم، ضدا للعادة التى كانت سائدة فى سائر أرجاء الامبراطورية الرومانية أن يضعوا وصية قبل أن يبلغوا سن البلوغ، لأنه اعتقد أن أولئك الذين كرسوا أنفسهم لخدمة الرب وغرس الفلسفة([92]) سيحكمون فى جميع الأحوال بالصواب. فلنفس السبب، صرَّح الرومانيون القدماء للعذارى الطاهرات بوضع وصية بمجرد أن يبلغوا من العمر ست سنوات. وقد كان ذلك أعظم دليل على توقيره الاسمى للدين.
(1/9/3) وقد أعفى قنسطنطين الاكليروس فى كل مكان من الضرائب، وسمح للمتقاضين بحق الاستئناف على قرارات الاساقفة، إذا فضلوا أحكام الدولة. وأمر أن تسرى هذه التشريعات وأن تسمو على سائر الأحكام الأخرى كما لو كانت منطوقة من الامبراطور نفسه. وأنه على الحكام والضباط الحربيين التابعين، متابعة تنفيذ هذه المراسيم، وأن تكون التعاريف الصادرة من المجامع غير قابلة للنقض.
(1/9/4) وإذ قد وصلتُ إلى هذه النقطة من تاريخى، فليس من الصواب أن احذف كل ذكر لتلك القوانين التى صدرت لصالح أولئك الأفراد فى الكنائس الذين نالوا [بواسطتها] حريتهم. فنظرا لصرامة القوانين وعدم رغبة السادة [فى تنفيذها] كانت هناك صعوبات كثيرة فى طريق اقتناءهم لهذه الحرية على نحو أفضل. أى يمكن القول فى طريق حرية مدينة روما.
(1/9/5) لذلك سن قنسطنطين ثلاثة قوانين تنص على أن أولئك الأفراد المصدَّق عليهم ([93]) فى الكنائس، ينبغى أن يحصلوا على حرية روما. وما زالت هذه التشريعات التقوية موجودة إلى الآن([94])، فقد كانت العادة أن تنقش جميع القوانين المتعلقة بالعتق على ألواح.
(1/9/6) هكذا كانت تشريعات قنسطنطين فقد فكر فى كل شىءٍ يعلى من كرامة الدين. وقد كُرِّم الدين ليس فقط لذاته ولكن أيضا بسبب فضائل أولئك الذين شاركوا فيه آنذاك.

الكتاب الأول: الفصل العاشر
(قنسطنطين الكبير المعترف الخالد)
(1/10/1) ونظرا لأن الاضطهاد قد كف حاليا، فإن كثيرين من المسيحيين الممتازين وكثيرين من المعترفين([95]) الذين ظلوا على قيد الحياة قد زينوا الكنائس. ومن بين هؤلاء هوسيوس اسقف كوردوفا، وأمفيون اسقف ابيفانيا فى صقلية، ومكسيموس الذى خلف مكاريوس فى كنيسة أورشليم، وبافنوتيوس المصرى. وقد قيل أن الله قد أجرى معجزات كثيرة بواسطة هذا الأخير، حيث ضبط شياطين، وأعطاه نعمة إشفاء أمراض عديدة.
(1/10/2) بافنوتيوس هذا ومكسيموس الذى قد ذكرناه توا كانا من بين عدد من المعترفين الذين حكم مكسيميانوس عليهم بالعمل فى المناجم بعدما قلع عيناهما اليمنى، وأرجلهما اليسرى([96]).

********
المراجع
92)  أى تبنى الرهبنة
93)  أى المعتمدين
 94) أى فى أيام كتابته لهذا الكتاب
 95)  أى الذين عذبوا ولكن لم يستشهدوا بدنيا
 96)  زمن ذلك نعرف ان شريعة قطع الأطراف أفنسان (خلف خلاف) التى نفذها عرب الجزيرة فيما بعد كانت واحدة من بين العديد من الأمور التى ورثها العرب المسلمين من الأمبروطوريات السابقة
الجزء التالى من كتاب التاريخ الكنسى لسوزمينوس  THE ECCLESIASTICAL HISTORY - OF Sozomen .. ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft .. ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
**********************************************************************************************

الكتاب الأول: الفصل الحادى عشر
(وصف الأسقف اسبيريدون. اتضاعه وثباته)
(1/11/1) لقد ازدهر فى هذه الفترة اسبيريدون Spyridonاسقف ترميثون([97]) Trimythun فى قبرص. وأظن أن شهرته التى مازالت سارية تكفى لإظهار فضيلته. فمن الواضح أن الاعمال العجيبة التى أجراها بالمعونة الالهية، معروفة لجميع القاطنين فى نفس الاقليم. ولن اخفى الحقائق التى وصلتنى.
(1/11/2) لقد كان فلاحا ومتزوجا وله أولاد، ولكنه لم يكن فى هذا الصدد عاجزا عن بلوغ القامة الروحية. فقد رُوِى أنه فى ذات ليلة، دخل بعض الأشرار مربض غنمه، وكانوا عازمين على سرقة غنمه فرُبِطوا فجأة دون أن يربطهم أحد. وفى اليوم التالى عندما ذهب إلى الحظيرة وجدهم مُقيَّدين، فحلهم من قيودهم غير المرئية، ووبخهم على أنهم فضلوا أن يسرقوا ما هو شرعى عن أن يكتسبوه ويأخذوه، وأيضا لأنهم يقومون بهذا العمل فى الليل. ولكنه اشفق عليهم ورغب فى أن يزودهم بتعليم يقودهم إلى حياة أفضل، فقال لهم اذهبوا وخذوا هذا الكبش معكم لأنكم تعبتم من السهر، وليس من العدل أن يُلاَم عملكم هذا وتعودون فارغى اليد من حظيرتى. إن هذا العمل جدير بالإعجاب جدا ولكن ليس أقل مما سأرويه الآن.
(1/11/3) لقد عَهَد شخص ما بوديعة فى رعاية ابنته التى كانت عذراء([98]) وتدعى ارينى. ومن فرط حرصها دفنتها. وتصادف أن توفيت عقب ذلك سريعا، دون أن تذكر ذلك لأى أحد. وعندما جاء الشخص الذى أودع لديها هذه الوديعة ليطلبها من اسبيريدون لم يعرف أية إجابة يقولها له. لذا بحث عنها فى كل المنزل، ولكنه لم يكن قادرا على أن يجدها، فبكى الرجل ومزق شعره، وبدا أنه مستعد للإنتحار. فأشفق اسبيريدون عليه وذهب إلى القبر ودعى الفتاة بإسمها. وعندما ردت استعلم منها عن الوديعة. وبعد أن حصل على المعلومات المطلوبة عاد فوجد الوديعة فى المكان الذى حددته له، فأخذها وأعطاها لصاحبها.
(1/11/4) وإذ ولجتُ هذا الموضوع لن يفوتنى أن اذكر هذه الواقعة أيضا. كان من عادة اسبيريدون هذا أن يهب قدرا من ثماره للفقراء، ويُقرِض قدرا آخر لأولئك الذين يرغبون فى الاقتراض. ولكنه لم يكن يقُم بنفسه سواء فى المنح أو الاسترداد، بل كان فقط يشير إلى المخزن ويقول لأولئك الذين يأتون إليه أن يأخذوا ما يحتاجون، أو أن يردوا ما قد اقترضوه.
(1/11/5) فجاء شخص كان قد اقترض بهذه الطريقة، كأنه ينوى رد ما قد اقترض، وعندما وُجِّه كالعادة إلى المكان ليرد قرضه فى المخزن، انتهز فرصة الظلام وظن أن الأمر سيكون خفيا، ولم يفرّغ الدِين وتظاهر بأنه قد فرَّغ حمولته وانصرف كأنه عائد.
(1/11/6) ولكن ذلك لم يدم طويلا، فبعد قليل، أتى الرجل ثانية ليقترض وأُرسِل إلى المخزن بتصريح أن يأخذ ما يحتاح إليه، فلما ذهب وجد المخزن فارغا فذهب ليستفسر من اسبيريدون فقال له هذا الأخير إننى متعجب أيها الرجل لماذا أنتَ وحدك وجدتَ المخزن فارغا، وليس به ما تطلبه؟!. فكر هل أنتَ قد رددت قرضك الأول أم لا، حيث أنك تحتاج إلى آخر، وإلاَّ لما أعوزك ما تطلبه. اذهب بثقة، وستجد. فشعر الرجل بالندم واعترف بخطأه.
(1/11/7) إن حزم وتدقيق ادارة الشؤن الكنسية من جانب هذا الرجل التقى جديرة بالاعجاب. وقد قيل أنه فى مناسبة ما اجتمع اساقفة قبرص ليتشاوروا فى بعض الأمور الطارئة، وكان اسبيريدون حاضرا وتريفيليوس Triphyllius اسقف ليدرى Ledri وكان رجلا بليغا، الذى بسبب ممارسته للقانون، عاش بعض الوقت فى بيريتس([99]). وعندما إلتأم الجمع وطُلِب من تريفيليوس مخاطبة الشعب، اقتبس تريفيليوس فى خطابه النص القائل "خذ سريرك وامشى"([100])، فأحل كلمة فراشك بكلمة سريرك. فغضب اسبيريدون وتعجب وقال هل أنتَ أعظم من الذى نطق سريرك حتى تخجل من استخدام هذه الكلمة. وعندما قال ذلك التفت من عرش الكهنة وتطلع إلى الشعب، وبهذا المسلك علَّمهم أن يبقى الانسان المفتخر ببلاغته داخل قيوده وأن يستحق هذا التوبيخ. فقد كان مُكرَّما وأكثر تميزا بأعماله. وفى نفس الوقت كان يفوق ذلك الكاهن فى العمر والكهنوت.
(1/11/8) أما عن استقبال اسبيريدون للغرباء فيظهر من الرواية التالية: حدث أن أتى لزيارته مسافرٌ فى أحد أيام الصوم الأربعينى([101]) التى كان معتادا على المحافظة على استمرار الصوم فيها هو وأهل بيته، وكان يظل بلا انعاش حتى منتصف النهار. وإذ أدرك أن الغريب كان متعبا للغاية، قال اسبيريدون لإبنته تعالى اغسلى قدميه وضعى لحما أمامه. فأجابت العذراء أنه لا يوجد خبز ولا إدام فى البيت. لأنه من نافلة القول أن توجد مثل هذه الأشياء فى وقت الصوم. فصلى اسبيريدون أولا وطلب المغفرة، وأمرها أن تطهو بعضا من لحم الخنزير المملح الذى تصادف وجوده فى البيت. وعندما أُعِّد، جلس مع الغريب وتناول من اللحم، وأخبره أن يتبع مثاله. ولكن الغريب امتنع بحجة أنه مسيحى. فقال له ولهذا السبب ذاته ينبغى عليك ألا تمتنع عن تناول اللحم لأن الكلمة الإلهى بيَّن لنا أن كل شىءٍ طاهرٌ للطاهرين([102]).
هذه هى التفاصيل التى كان علىَّ أن أرويها بخصوص اسبيريدون.
********
المراجع
97)  إسم هذه المدينة ورد فى الترجمة الإنجليزية لعمل بالاديوس "حوار عن فم الذهب" ببالشكل Trimithus  
98)  لعل المقصود بذلك أنها كانت راهبة حيث كان يطلق على الراهبات فى الزمن المبكر لقب "عذارى"
99)  هى بيروت حاليا بلبنان
100)   (مت 9: 6)
101)  ويعرف فى الكتابات اليونانية القديمة quadragesima وبالنسبة لمدته فى ذلك الزمن أنظر المحاورة الشيقة لكاسيان رقم 21 فى الكتاب "المحاورات"
102)  تيط1: 15

 
 
 
 
 
 

 

 


This site was last updated 10/26/17