Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

م

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
باب المغاربة
الباب الذهبى
أسوار‏ ‏أورشليم‏ ‏وأبوابها‏
تاريخ أسوار القدس وابوابها
أحياء أورشليم
اورشليم / القدس وأسوارها
Untitled 7582

 

 

جبل صهيون:
يعرف الجبل المطل على مدينة القدس من الجنوب باسم جبل المكبر أو صهيون، و جبل صهيون هو أحد الجبال المكونة لسلسلة جبال أورشليم "وكان اسم صهيون في الأصل يطلق على قدس اليبوسيين التي احتلها داود وجعلها عاصمة مملكته فأصبح اسمها "مدينة داود. وإليها أتى بالتابوت المقدس، ومن هذا الوقت صار الجبل مقدساً (2صم 6: 10– 12 ) ثم نقل سليمان التابوت إلى الهيكل الذى أقامه على جبل المريا (1 ملوك 8: 1 و2أخ 3: 1، 5 : 2) من هذين الموضعين الأخرين يتبين لنا أن صهيون مرتفع والمريا مرتفع آخر. بعد أن بُنى الهيكل فى جبل المريا ونُقل التابوت إليه، إتسع نطاق صهيون حتى شملت الهيكل (إش 8 : 18، 18: 7، 24: 23 ). وهذا يُفسر لنا لماذا ذُكرت صهيون العديد من المرات فى العهد القديم. كما نلاحظ كثيراً ما أطلق اسم صهيون على أورشليم كلها (2 مل 19: 21 ومز 48، 69، 133 وإش 1: 8، 3: 16، 4: 3، 10: 24، 52: 1) أمّا الاسم صهيون فأخذ يكتسب على مر العصور معنى رمزيا في الروحانية اليهودية. فكان مسبيّو بابل يضعون كل آمالهم في إعادة بناء صهيون. ولما لم تتحقق آمالهم بعد عودتهم من السبي اكتسب الاسم معنى رمزيا وهو شعب الله.
بدأت المسيحية بالانتشار في القدس وكان مركزها الأول في علية صهيون وكانت لديها القناعة بأنها الآن شعب الله الجديد فسمّوا أول كنيسة باسم صهيون المقدسة. وهكذا تحول اسم صهيون من مدينة داود في سلوان إلى المنطقة التي تقوم عليها العلية.
صهيون من أهم الأماكن المقدسة المسيحية. ففي العلية تأسست الإفخارستيا وفيها ظهر يسوع لتلاميذه بعد القيامة وفيها حلّ الروح القدس على التلاميذ في العنصرة فابتدأت حياة الكنيسة. وفي صهيون أيضا نجد بيت قيافا وكنيسة صياح الديك وكنيسة نياحة العذراء. و فيها قبر الملك داود او "النبى داود" هذا القبر مقدس لدي المسلمين والمسيحيين واليهود، والمكان الذى توفيت فيه مريم العذراء بحسب التقاليد المسيحية . أقام الصليبيون كنيسة على قمة الجبل في سنة 1100 بعد الميلاد وسموها كنيسة القديسة مريم. دمرت الكنيسة عام 1219م. وحول الأتراك المكان إلى مسجد في القرن السادس عشر، وبقي الأمر كذلك حتى سنة 1889م عندما منحه سلاطين الأتراك للقيصر الألماني ولهلم الثالث الذي اعطاه بدوره للآباء البندكتيين الذين أعادوا بناء الكنيسة عام 1910م تعرف الكنيسة اليوم بكنيسة الصعود "الدورمشن" وهي البناء الأكثر بروزاً على جبل صهيون. سقفها مزين برسم جميل من الفسيفساء لمريم العذراء والطفل يسوع، وفي القبو تمثال حجري لمريم العذراء وهي نائمة على فراس الموت.
المصدر : أبونا يسطس الأورشليمى

 

 أسوار القدس القديمة الشامخة المُحصنة، حيث تبلغ مساحة الأسوار المحيطة بالبلدة القديمة ثلث كيلومتر مربع بالكاد، وقام ببناء هذه الأسوار السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر في محاولة لمتابعة مسار الأسوار التي كان قد أقامها الرومان لتطويق أورشليم القدس خلال القرن الثاني.
وترتفع الأسوار عالية بعد إزالة قطع الحجارة التي تراكمت عليها خلال القرون، وقد تم بناء ممشى مع سور واق على الاسوار بصورة تتيح للماشين على ظهر السور الإطلال على المنظر الفريد من نوعه لأورشيلم القدس ومحيطها. " الحزام الخضر " المحيط بالأسوار يشمل حدائق ورود ومنتزهات وحدائق آثرية.
وقد وصف الإنجيل بأنها مدينة محصنة قوية يحوطها سور المدينة، وقام الملك سليمان بعد ذلك بتمديد أسوار المدينة، وفي العام 440 قبل الميلاد في الفترة الفارسية عاد نحميا من بابل وأعاد بناء السور.
ويعتبر اليبوسيون أول من قام بتحصين القدس عندما بنوا قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من يبوس سميت (حصن يبوس) الذي عرف فيما بعد بحصن صهيون، ويعرف الجبل الذي أقيم عليه الحصن بالأكمة أو هضبة أوفل، وأحيانًا جبل صهيون ( سبق وأن أوضحنا الأصل العربي الكنعاني لهذه الكلمة )، وقد أنشأ السلوقيون في موضع حصن يبوس قلعة منيعة عرفت باسم " قلعة عكرا " أو " أكرا ".
بعد أن أتم اليبوسيين بناء القلعة بنوا سوراً حول الجبل، واليبوسيون هم أول من قاموا ببناء أسوار مدينتهم مما عرف بالسور الأول في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكان مزودا بستين برجا يشرف منها الجند على حماية المدينة، وموقع السور كان قريبا مما يعرف اليوم بباب الخليل وحي الأرمن وحي النبي داود حتى التلال الواقعة شرقي الحرم، وقد ظل هذا السور يتهدم ويعاد ترميمه على مر العصور، وبلغ ما أحصاه المؤرخون من عدد المرات التي تهدم فيها السور وأعيد بناؤه ست مرات، وليس صحيحاً أن السور الأول من عمل الملك داود، والغالب أنه قام بترميمه فقط، وكان مزوداً بستين برجًا يشرف منها الجند على حماية المدينة، والراجح أن هذا السور كان ممتداً من الأحياء الغربية في البلدة القديمة، وقد كشفت عالمة الآثار البريطانية د. كاثلين كينيون سنة 1961 في أكمة أوفل بالقدس عن بقايا هذا السور (الأول) الذي بناه اليبوسيون.
وحينما هاجمت مملكة إسرائيل، أيام ملكها (بوعاز) مملكة يهودا التي كان يحكمها في ذلك الوقت (797-779 ق.م) تهدم جانب من السور، وفي فترة الاحتلال الآشوري قام الملك منسي (691-639 ق.م) ببناء السور الثاني، وكان عليه 14 برجًا، وعندما هاجم نبوخذنصر المدينة هدمه ثم بنى نحميا في عهد الحكم الفارسي (حوالي سنة 440 ق.م) ما تهدم من السور الذي هدم جزءاً منه بطليموس عام 320 ق.م، وتعرض السور بعد ذلك للهدم مرتين، مرة عند هجوم أنطونيوس أبيقانوس على القدس عام 168 ق.م، ومرة أخرى عند هجوم بومبي عام 63 ق.م، ويحتمل أن جانبًا من سور نحميا ظل قائماً حتى أيام الملك هيرود (زمن السيد المسيح عليه السلام) فأضاف إليه بعض الأبراج.
وقام هيرود أجريبا (37- 44 م) ببناء السور الثالث وكان به 90 برجاً ولما دمرت المدينة زمن طيطوس (عام 135 م) تعرض جزء كبير من السور للهدم.
وأقامت الملكة إيدوكسيا زوجة الملك تيؤدوسيوس (438 – 443 م) سوراً جديداً حول المدينة لكنه هدم أيام الفرس (614 م )، وأعيد بناؤه قبل غزو الصليبيين.
وبعد معركة حطين وفتح القدس، أعاد الناصر صلاح الدين الأيوبي بناء ما تهدم من الأسوار وجدد بعض الأبراج من باب العمود إلى باب الخليل وحفر حولها خندقا.
والسور الحالي أقامه السلطان سليمان القانوني (1536-1540 م) في خمس سنوات، وقد هدمت إسرائيل جزءًا كبيرًا منه بعد حرب 1967، ويوجد بهذا السور 34 برجا وله عدة أبواب بنيا في أوقات متقاربة وهي سبعة مفتوحة وأربعة مغلقة.
ويبلغ طول سور القدس حوالي 4200 متر تقريبًا، يشكل 600 متر منها الجدار الشرقي والجنوبي للحرم القدسي، وتختلف سماكة السور وارتفاعه من مكان لآخر حسب التضاريس الطبيعية للأرض، ويبلغ ارتفاعه في بعض الأماكن 30 مترا، وتزيد سماكته في معظم الحالات على مترين حتى يتمكن الحراس من السير والتنقل في أعلاه بسهولة ويسر. وقد استخدمت في بنائه الأحجار الكلسية بأحجام مختلفة، وفي مداميك منظمة استعملت المونة الجيرية في لحامها " مما أضفى على البناء قوة ومتانة "، ورغم أن المدة التي انقضت منذ الترميم العثماني الأخير للسور تزيد على 450 سنة إلا أن السور ما زال شامخاً يتحدى عوامل التلف والانهيار، إلا في مناطق محددة تحتاج إلى الترميم والإصلاح للمحافظة على هذا الأثر التاريخي العظيم".
في عام 1219، علّى السلطان المعظّم سلطان دمشق أسوار المدينة بموجب معاهدة مع مصر، ثم وقعت القدس بعد ذلك في أيدي فريدريك الثاني ملك ألمانيا، في عام 1239 أعاد فريدريك الثاني بناء أسوار المدينة مرة أخرى ولكنها هدمت من لدن داوود أمير الكرك.
وقعت القدس مرة أخرى تحت سيطرة المسيحيين وأصلحوا الأسوار، وبعدها بعام سيطر الخوارزميون على المدينة وطوروا الأسوار كما علوها وجعلها عازلة وحامية للمدينة.
قد اعتبرت أسوار مدينة القدس القديمة إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة

أبواب القدس القديمة
بُنيت ثمانية أبواب في أسوار أورشليم القدس من ضمنها سبعة مفتوحة في حين بقي واحد مقفلا، وقد تم بناء الأبواب الأربعة الرئيسية: باب الخليل وباب العامود وباب الأسباط وباب النبي داود (صهيون) حسب جهات البوصلة الأربع بحيث تقود الأبواب إلى المدن الرئيسية للبلاد.
باب الخليل يحمل نقوش السلطان سليمان الذي أمر ببنائه ويعتبر باب الخليل الأشهر والاكثر نشاطا من ضمن أبواب المدينة، وتم بناؤه باتجاه الغرب حيث يقع ميناء يافا.
الباب الجديد الذي وُضع باتجاه الشمال هو بالأساس ثغرة في السور تم فتحها في العام 1887 بهدف إتاحة فرصة الدخول إلى الحي المسيحي.
باب العامود المدخل الرئيسي للحي الإسلامي في البلدة القديمة، لقد تم استبدال المدخل الضيق والجسر الخشبي للباب بساحة على شكل مدرّج وبجسر حجري متين، الباب منصوب باتجاه الشمال حيث تقع مدينة نابلس ثم دمشق.
باب هيرودس نصب أيضا باتجاه الشمال وأطلق عليه اسم باب الزاهرة بسبب النحت الهندسي وأشكال النبات التي تزين واجهة الباب.
باب الأسباط – الذي تزيّن جانبيه زخرفة بارزة لأسد, تم ترميمه (حسب النقوش التي يحملها) من قبل العثمانيين بين الأعوام 1538 و1539 ( 945 حسب التقويم الهجري). الباب المعروف أيضا باسم "باب st.stephen" بني باتجاه الشرق حيث تقع مدينة أريحا.
باب الرحمة منصوب أيضا باتجاه الشرق، حسب التقاليد اليهودية سيدخل المسيح عبر هذا الباب إلى أورشليم القدس وتجنبا لدخول المسيح إلى المدينة قام العرب بإغلاق باب الرحمة قبل عدة قرون.
باب المغاربة المنصوب باتجاه الجنوب يمكن وصفه بمدخل خلفي اكثر من باب كبير، وهو يشكل المدخل الأقرب لحائط المبكى.
باب صهيون او باب النبي داود يقع على جبل صهيون الباب بني من أجل السلطان سليمان في العام 1540 في المنطقة التي كانت فيها الأسوار القديمة من العهد الحشمونائي والهيرودياني التي تم كشفها في الآونة الأخيرة، الباب يقع باتجاه الجنوب حيث تقع مدينة الخليل.

*****************************

 والشائع بين الآثاريين(33) أن الأسوار التي أعاد بنائها نحميا بقيت حتى القرن 2 ق.م. أي بقيت طوال حكم البطالمة (353-198ق.م)، وبداية حكم السلوقيين (198-63ق.م). ولم تذكر المصادر الدينية أو التاريخية أي تطور عمراني في أورشليم في الفترة الممتدة بين العودة من السبي البابلي والاحتلال اليوناني حتى بداية الحكم السلوقي، سوى ما أشرت إليه سابقا.



ولكن مع بداية القرن 2 ق.م، أي أثناء الحكم السلوقي، ذكر المؤرخ اليهودي جوزيفيوس فلافيوس(34) نقلا عن المؤرخ هيكاتيوس أن كبير الكهنة سيمون قام ببناء سور حول الهيكل المزعوم، وتمكن من فصل منطقة الهيكل عن يبوس التي يسيطر عليها السلوقيين. فأصبحت أورشليم بشخصيتين يهودية في منطقة الهيكل المزعوم، ويونانية بطلمية ثم سلوقية في يبوس، مع هوية معمارية كنعانية فينيقية في قسمي أورشليم. وفي سنة 167 ق.م(35) هدم الملك السلوقي انطونيوس الرابع أسوار الهيكل المزعوم، وأقام في ساحته تمثالاً للإله زيوس، وبنى قلعة أكرا Akra جنوب شرق الحرم.



وفي هذه الفترة تشير المصادر اليهودية إلى انفصال اليهود المتعصبين عن السلوقين وأنهم سكنوا على الهضبة الغربية المقابلة ليبوس والمسماة بصهيون(36). كما تشير هذه المصادر إلى أن اليهود المكابيون الحسمونيون قاموا بثورة على السلوقيين سنة 164ق.م، واحكموا سيطرتهم على صهيون وجبل الموريا (جبل الأقصى) والحرم الشريف. وأنهم شيدوا قصرا وأبراج في شمال غرب أورشليم. وتتبادل السيطرة بين اليهود والسلوقيين إلى أن تمكن السلوقيون من القضاء كليا على المكابين، حيث استمرت سيطرتهم على القدس إلى سنة 63 ق.م عندما احتلها الرومان بقيادة بومبي. إن ما يعنيني هنا هو التوسعة التي حصلت باتجاه الغرب على جبل صهيون (هذا مع عدم التسليم بصحة موقع يبوس كما أشرت إليه سابقا) والسور الذي بناه كبيرا الكهنة جونتان Jonathan وسيمون Simon حول الهضبة الغربية، كما يزعم المؤرخ اليهودي جوزيفيوس. وكذلك تمثال الاله زيوس، في موقع الهيكل المزعوم، وقلعة أكرا Akra التي بناها السلوقيون، وهذا يعني أن السلوقيين قد أحدثوا تغييرا نوعيا في النسيج العمراني لأورشليم، وهو إضافة القلاع والنصب التذكارية، وبالتالي صبغ الهوية المعمارية لأورشليم بالصبغة اليونانية. وكذلك إضافة الأسوار كوسيلة دفاعية حول المدينة وكعنصر مادي وبصري في تخطيطها العمراني، هذا بالإضافة إلى الهوية الثقافية اليونانية التي صبغوا بها المدينة، وهذا بدوره يوضح عدم فاعلية الحضور اليهودي في المدينة.



وفي هذه الفترة من الصراعات والحروب بين اليهود والسلوقيين واليهود والرومان فيما بعد، يذكر جوزيفيوس(37) أن سورا ثالثا قد تم إنشاءه كما هو موضح (بالشكل-4)


والحقيقة أن المصادر التي استند إليها الآثاريون والمؤرخون غير مقنعة، إذ لا يوجد أي شواهد مادية أو بقايا آثارية تؤكد صحة مزاعم سفر المكابين وجوزيفيوس، وأن جل آرائهم انحصرت في التخمين. وعليه فإن تسجيلي لهذه الآراء، وتحليلي لها ليس من باب القناعة بها، ولكن مجاراة لهذه المزاعم لأبرهن عدم صحة ادعاءات اليهود بوجود حضور عمراني لهم في القدس، وأن وجودهم لم يكن أكثر من إضافة بشرية غير ذات تأثير حضاري، وتحديدا معماري أو عمراني في المدينة.



أما الإنشاءات المنسوبة لهيرود فهي إنشاءات رومانية وليست يهودية، وأما إعادة بناء الهيكل المزعوم فقد فندت هذا الإدعاء كما بينت سابقا. أما الاحتلال الروماني فيشكل نقلة نوعية في التخطيط العمراني للقدس، لكن لن اعتبره مرحلة مستقلة بل تمهيدا للمرحلة المسيحية، وذلك لأن الاحتلال الروماني عاصر نشأة المسيحية، والرومان هم الذين اعترفوا بالمسيحية في بداية القرن الرابع الميلادي، فأعطوها حضورا سياسيا في المدينة.



المرحلة الثالثة



كان الاحتلال الروماني حدثا مميزا في التخطيط العمراني للمدينة سواء قبل اعتراف الرومان بالمسيحية وتبنيها سنة 306ق.م، أو بعد هذا التاريخ. فالتخطيط العمراني الموثق بدأ مع احتلال الإمبراطور الروماني هدريان لأورشليم سنة 135م، والذي غير اسمها ليصبح ايليا كابتولينا Aelia Capitolina على الرغم من أن بومبي الروماني احتل القدس سنة 63ق.م، وأعاد الإمبراطور تيطس احتلالها سنة 70ق.م. ودمرها. إلا أن الأمور حسمت لصالح الرومان على يد هدريان، فقد دمر المدينة وأعاد تخطيطها(38) فتحددت عناصرها العمرانية والحضرية بوضوح وكذلك نسيجها المعماري و (الشكل-5) يوضح تخطيط إيليا كابتولينا. حيث تظهر شبكة الطرق وأهمها الكاردوا Cardo، وهو الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب، أي من باب دمشق إلى باب صهيون، وكذلك يظهر الشارعين العرضين في شمال وجنوب المدينة. كما يظهر موقع الحرم الشريف في شرق المدينة خالية من أي بناء باستثناء تمثال جوبيتر(39) الذي أقامه هدريان.



واللافت للنظر أن محاولة إعادة رسم مخطط إيليا كابتولينا بناء على المعلومات المتوفرة في المصادر الكلاسيكية (شكل-5) أو بناء على خارطة مأدبا الفسيفسائية والتي عملت سنة 570 (شكل-6)، لم تظهر أي وجود ليبوس (مدينة داود) كجزء من إيليا كابتولينا وكذلك لم تظهر أي وجود للهضبة الغربية (صهيون) كجزء من إيليا كابتولينا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الادعاء بوجود يبوس على تل الظهور، أو أوفل Ophel، كما هو وارد في المصادر اليهودية والغربية ليس صحيحا. إذ لا يعقل أن تتقلص المدينة بهذا الشكل، كما أنه من غير المعقول أن يتلاشى أصل المدينة وان تندثر نواتها، فهذا أمر غير مسبوق في تاريخ العمران، والتاريخ الحضري بصفة عامة. ناهيك عن أن موقع يبوس لم يسكن ولم يلحق بالقدس إلا بعد التوسعات التي حصلت في منتصف القرن التاسع عشر، وحتى بعد أن ألحق بقي موقعا فارغا غير مخصص لأي استعمال حضري!؟ وهذا أيضا يعزز رأينا بأن يبوس لم تكن في هذا الموقع أي في تل الظهور. وان التوسعات التي أشرت إليها سابقا ليست إلا ادعاءات لا أساس لها من واقع ولا سند لها من تاريخ. مما سبق يمكننا القول أن بداية التخطيط العمراني لمدينة القدس تاريخيا وهندسيا هو مخطط إيليا كابتولينا (شكل-5). والتي بقيت رومانية الطابع حتى اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية في بداية القرن الرابع الميلادي. وببناء كنيسة القيامة سنة 326م بدأ النسيج العمراني بالتحول تدريجيا في المدينة ليشكل هوية معمارية مسيحية بيزنطية. ومع تزايد عدد الكنائس، خاصة مع إنشاءات(40) الإمبراطور الروماني جستنيان (527-365م) والتي شملت كنيسة العذراء (نيا) Nea، وملجأ للعجزة وملجأ لإيواء الأغراب (حيث استعمل جستنيان أحجار ضخمة جدا صنع لها عربات خاصة، يجر كل عربة 40 ثورا سمينا. قام جستنيان برصف الشوارع لتسهيل حركة العربات). تكون إيليا كابتولينا قد اكتسبت هوية معمارية دينية مسيحية، وبقيت كذلك حتى سنة 614م، حيث احتلها الفرس ودمروا سورها وحرقوا كنائسها، فاختلت شخصيتها الحضرية، وتناقص نسيجها العمراني، واضطربت هويتها المعمارية، حتى سنة 629م عندما استردها البيزنطيون، وشرعوا في إعادة أعمارها والسيطرة عليها إلى أن حررها العرب المسلمون سنة 636م، الموافق 15هـ، وهي المرحلة الرابعة في التخطيط العمراني للمدينة والتي سأتناولها فيما يلي من عرض وتحليل.



المرحلة الرابعة



الفتح الإسلامي حسم الصراع الحضاري على القدس مرة وللأبد لصالح الحضارة العربية الإسلامية واللافت للنظر أنه للمرة الأولى في تاريخ القدس تتغير هويتها السياسية بسلام وبدون حرب وقتل ودمار. وللمرة الأولى يتم الحفاظ على نسيجها المعماري الديني المسيحي فالعهدة العمرية(41) نصت صراحة وبوضوح تام على حفظ هذا النسيج وعلى التركيبة السكانية للمدينة:



"بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود….".



فالقدس أصبحت مدينة ثنائية الديانة، مختلطة الأعراق، ولكن موحدة الهوية والثقافة، وتحكم العلاقة الثنائية معاهدة وأعراف. وما يعنيني هنا هو أن التخطيط العمراني للقدس استقر داخل أسوار إيليا كابتولينا، أي أن تخطيط بيت المقدس (القدس العربية الإسلامية) العمراني هو تخطيط إيليا كابتولينا، ولكن استعمالات الأراضي ومفردات النسيج المعماري وعناصره اختلفت وتغيرت، حيث استجد على الوضع القائم استعمالات جديدة أهمها الاستعمالات الدينية والاجتماعية والتجارية والدفاعية، حتى غلبت على التخطيط العمراني للمدينة، فأصبح النسيج المعماري وجميع مفرداته البصرية عربيا إسلاميا، حتى المباني غير الإسلامية أصبح الجزء الأكبر من عناصرها المعمارية ومفرداتها البصرية عربيا إسلاميا.



فأهم موقع في المدينة هو الجزء الجنوبي الشرقي فمساحته تبلغ حوالي 143 دونما، وتعادل حوالي 18% من مساحة المدينة (القدس داخل الأسوار) والبالغة 800 دونم، خصص للاستعمالات الدينية وبني عليه ثالث أهم مبنى ديني في العالم الإسلامي، وهوالحرم القدسي الشريف، والذي يشمل المسجد الأقصى وقبة الصخرة. وميزة هذا الموقع هو أنه يتمتع بفضاء بصري واسع، اكسب المبنيين، خاصة قبة الصخرة، شخصية بصرية قوية، وحضور معماري مميز، مسيطر وطاغي على جميع عناصر النسيج المعماري في المدينة، يستحوذ على الأبصار ويأخذ بالعقول ويستأثر بالقلوب.



ولقد وثقت القدس تخطيطا وعمرانيا في مؤلفات الجغرافيين العرب. وكان أدقهم وصفا هو ابن القدس، الجغرافي البشاري المقدسي، في مؤلفه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم في الفترة المبكرة (335-390هـ، 946-1000م) إذ يقول في مبانيها: "وأما الحسن فلا ترى أحسن من بنيانها ولا انظف منها ولا انزه من مسجدها"(42). كما يذكر في وصفها بعض مفردات النسيج المعماري كالحمامات والفنادق، ويعدد "أبوابها الثمانية"، ثم يصف الحرم الشريف، ويصف مداخله ويوثق جميع المباني فيه، ثم يصف قبة الصخرة والمسجد الأقصى فنيا وإنشائيا بدقة متناهية. لكن الوصف الدقيق لتخطيطها العمراني والتوثيق الشامل لنسيجها المعماري جاء في كتاب مجير الدين العليمي (890-928هـ) الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، فيقول في وصفها: (43)



"وأما مدينة القدس الشريف في عصرنا: فهي مدينة عظيمة محكمة البناء بين جبال وأودية، وبعض بناء المدينة مرتفع على علو وبعضه منخفض في واد وغالب الأبنية التي في الأماكن العالية مشرفة على ما دونها من الأماكن المنخفضة وشوارع المدينة بعضها سهل وبعضها وعر وفي غالب الأماكن يوجد سفله أبنية قديمة، وقد بني فوقها بناء مستجد على بناء قديم والبناء مشحون بحيث لو تفرق على حكم غالب مدن مملكة الإسلام لكان حجم المدينة ضعف ما هو الآن، وهي كثيرة الآبار المعدة لخزن الماء لأن مائها يجمع من الأمطار …".



ثم يعدد أسواقها ويحدد أماكنها ويذكر أسمائها ويحدد نوعية الأعمال التجارية التي تمارس بها. ثم يحدد حاراتها وخططها ويذكر أسمائها ومواقعها وطرقها الرئيسية والفرعية والمباني المشهورة بكل حارة وخط. ثم يذكر أبوابها ويحدد مواقعها، ثم يذكر آبارها وعيون الماء بها وخزاناتها، وكذلك مقابرها. ثم يصف نسيجها المعماري ويسجل جميع المباني المهمة كالجوامع، والزوايا، والتكايا والمدارس والأضرحة ودور القرآن ودور الحديث والترب والرباطات والبيمارستانات وخلاف ذلك. ثم يوثق المباني المسيحية من كنائس وديارات فيقول: "وفي القدس الشريف من الكنائس والديارات من زمن الروم نحو عشرين مكانا وعمدة النصارى منها: كنيسة القيامة فإنها عندهم بمكان عظيم وبناؤها في غاية الإحكام والإتقان...".(44)



وبهذا يكون مجير الدين قد أعطانا صورة واضحة عن التخطيط العمراني لمدينة القدس في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وهذا يتزامن مع عصر النهضة Renaissance في إيطاليا، الذي كانت تعتبر فيه القدس العربية الإسلامية، القدس الأرضية (شكل-7أ) و (شكل- 7ب). حيث أخذ تقليد تخطيطها وعمارتها بعدا معماريا وفنيا أكثر من كونه بعدا دينيا في العصور الوسطى كما سأوضح لاحقا.


فيما سبق بينت مكانة القدس الدينية والروحية في الديانات الثلاث وبينت زيف دعاوى اليهودية فيها، وحقيقة الوجود العربي المسيحي فيها، ومكانتها الروحية عند المسيحيين الغربيين. ثم بينت أن الصراع الحضاري والديني على المدينة، قد حسم لصالح الحضارة العربية الإسلامية. وأن ملكية القدس حسمت لصالح أبنائها العرب أحفاد الكنعانيين. وأن مكانة القدس تمثل في الوعي الإسلامي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فقدسيتها مصانة، وحرمتها مطلقة. وعلى الرغم من هذه المكانة إلا أن الإسلام اعترف بالوجود المسيحي دينيا وعمرانيا وبتركيبته السكانية بموجب العهدة العمرية. وإن هذه العهدة، وبناء على الطلب المسيحي، منعت اليهود من دخول القدس والعيش فيها، إلا أن اليهود استطاعوا أن يحققوا اختراقات في المسيحية الغربية مكنتهم من تحقيق حضور بشري في القدس، بل واحتلالها في سنة 1967م.



وبالجملة فإن للديانتين اليهودية والمسيحية دعاوى في القدس: أرضية وغيبية. أما الدعاوى الأرضية فيقع تحقيقها على اتباع الديانتين أنفسهم، وأما الدعاوى الغيبية فيقع تحقيقها على الله. ولقد بينت أن الوجود اليهودي لم يترك أي أثر مادي في الماضي، وأما الوجود الحالي فهو وجود بشري سياسي، ليس له أي حضور عمراني أو معماري. فالهوية المعمارية الحالية للقدس هي عربية إسلامية، ممثلة بقبة الصخرة والمسجد الأقصى وباقي عناصر النسيج المعماري للمدينة. أي أن اليهود لم يستطيعوا تحقيق أي وجود دنيوي أرضي عمراني أو معماري في القدس. وأما دعواهم الغيبية فتعتمد على نبؤة دانيال الواردة في العهد القديم والتي تزعم بأن الهيكل سينزل من السماء مع المسيح المنتظر. ولكنهم وبمساعدة المسيحية الصهيونية يصرون على أن يكون لهم دور في مشيئة الرب كما بينت سابقا.



وأما المسيحية فقد حققت لها وجودا دنيويا أرضيا قبل الإسلام، اعترف الإسلام به وأقره، وضمن سلامته كما بينت، وأصبح جزاء من القدس العربية الإسلامية. وأما الدعاوى الغيبية فتعتمد على نبؤة يوحنا اللاهوتي في العهد الجديد، والتي تقول بأن قدسا سماوية ستنزل من السماء مع المجيء الثاني للمسيح النصراني. هذان المفهومان للقدس: الدنيوي الأرضي والغيبي السماوي يشكلان مدينة الله عند القديس أغسطين والمدينة المثالية في القرون الوسطى كما أشرت سابقا. فالجزء الأرضي إذن، من مدينة الله هو القدس العربية الإسلامية، التي وضح تخطيطها العمراني ونسيجها المعماري، كل من المقدسي ومجير الدين العليمي في الفترة الممتدة بين القرون (10-16) الميلادية. وهي الفترة التي تأثرت بها المدن الإيطالية بالواقع العمراني لمدينة القدس العربية الإسلامية وبنسيجها المعماري، خاصة قبة الصخرة، باعتبارها الهيكل المزعوم كما روج له اليهود. ليعيدوا تشكيل الوعي المسيحي ويوهموه بأن حضورا يهوديا عمرانيا قائم وماثل في القدس الأرضية، وعنصرا مفترضا في مركز القدس السماوية قامت المدن الإيطالية بتقليده تخطيطا وعمارة وفنا. وبهذا أكون قد بينت الأسس الدينية التي شكلت الدافع الرئيسي للمدن الإيطالية للتأثر بالقدس وتقليدها. وسأبين فيما يلي من عرض وتحليل الأسس العمرانية والمعمارية القدس الأرضية التي تأثرت بها المدن الإيطالية وقلدتها كنتيجة للأسس الدينية، في العصور الوسطى وعصر النهضة.

 

http://www.palestine-info.com/arabic/books/takhteet/takhteet4.htm

 

This site was last updated 08/29/15