الفاطميين الذين أحتلوا مصر بأسم الإسلام نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 1 ص 3 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع وضعنا لكل مقطع عناوين
*************************************************************************************************************
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وثلاثمائة
وأمير المؤمنين المعز لدين الله. وخليفته القائد جوهر. والقاضي أبو طاهر محمد بن أحمد.
والخراج نصفين: إلى علي بن محمد بن طباطبا وعبد الله بن عطاء الله والنصف الآخر إلى وصاحب بيت المال محمد بن الحسين بن مهذب.
وصاحب المظلة شفيع الصقلي. وطبيبه موسى بن العازار.
والشرطة السفلى إلى عروبة بن إبراهيم وشبل المعرضي. والشرطة العليا إلى خير بن القاسم.
وإمام الجامع العتيق والخطبة إلى عبد السميع بن عمر العباسي. وإمام الصلوات الخمس الحسن بن موسى الخياط.
ولست عشرة بقيت من المحرم قلد المعز الخراج ووجوه الأموال جميعها والحسبة والسواحل والجوالى والأحباس والمواريث والشرطتين وجميع ما ينضاف إلى ذلك وما يطوى في مصر وسائر الأعمال أبا الفرج يعقوب بن يوسف الوزير وعسلوج بن الحسن وكتب لهما بذلك سجلاً.
قرىء يوم الجمعة على منبر جامع أحمد بن طولون وقبضت أيدي سائر العمال والمتضمنين.
وجلسا غد هذا اليوم في دار الإمارة في جامع أحمد بن طولون للنداء على الضياع وسائر وجوه الأموال وحضر الناس للقبالات وطالبوا بالبقايا من الأموال مما على المالكين والمتقبلين والعمال وفيه تبسطت المغاربة في نواحي القرافة والمعافر فنزلوا في الدور وأخرجوا الناس من دورهم ونقلوا السكان وشرعوا في السكنى في المدينة وكان المعز أمرهم أن يسكنوا في أطراف المدينة فخرج الناس واستغاثوا إلى المعز فأمر أن يسكنوا نواحي عين شمس وركب المعز بنفسه حتى شاهد المواضع التي ينزلون فيها وأمر لهم بما يبنون به وهو الموضع الذي يعرف اليوم بالخندق وخندق العبيد وجعل لهم واليا وقاضيا وأسكن أكثرهم في المدينة مخالطين لأهل مصر ولم يكن جوهر يبيحهم سكنى المدينة ولا المبيت فيهان وحظر ذلك عليهم وكان مناديه ينادي كل عشية: لا يبينم في المدينة أحد من المغاربة.
وفي يوم عاشوراء انصرف خلق من الشيعة وأتباعهم من المشاهد من قبر كلثم بنت محمد بن جعفر بن محمد الصادق ونفيسة ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين وكسروا أواني السقائين في الأسواق وشققوا الروايا وسبوا من ينفق في هذا اليوم وثارت إليهم جماعة فخرج إليهم أبو محمد الحسن بن عمار ومنع الفريقين ولولا ذلك لعظمت الفتنة لأن الناس كانوا غلقوا الدكاكين وعطلوا الأسواق وقويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر.
وكانت مصر لا تخلو من الفتن في يوم عاشوراء عند قبر كلثم وقبر نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب في الأيام الإخشيدية والكافورية وكان سودان كافور يتعصبون على الشيعة ويتعلق السودان في الطرق بالناس ويقولون للرجل: من خالك فإن قال: معاوية أكرموه وإن سكت لقي المكروه وأخذت ثيابه وما معه حتى كان كافور يوكل بأبواب الصحراء ويمنع الناس من الخروج.
ولما جلس يعقوب بن كلس وعسلوج بن الحسن الونهاجي لعقد الضياع توفرت الأموال وزيد في الضياع وتكاشف الناس.
وفي صفر طيف بنحو مائتي رأس قدم بها من المغرب.
ومات ابن عم للمعز فصلى عليه المعز وكبر سبعا وكبر على غيره خمسا وهذا مذهب علي بن أبي طالب: أنه يكبر على الميت على قدر منزلته.
ومات إسحاق بن موسى طبيب المعز فجعل موضعه أخاه إسماعيل بن موسى.
وامتنع يعقوب وعسلوج أن يأخذ في الاستخراج إلا دينارا معزيا فاتضع الدينار الراضي وانحط ونقص من صرفه أكثر من ربع دينار فخسر الناس من أموالهم وكان صرف المعزى خمسة عشر درهما ونصف.
واشتد الاستخراج وأكد المعز فيه ليرد ما أنفقه من أمواله على مصر لأنه قدم مصر يظن أن الأموال مجتمعة فوجدها قد فرقتها مؤن مصر وكثرة عساكرها وكان الذي أنفقه المعز على وحدثني بعض كتاب بيت ماله قال: حملنا إلى مصر أكياساً فارغة أنفق ما كان فيها في أربعة أعدال على جملين.
وكد يعقوب وعسلوج أنفسهما في الاستخراج فاستخرج في يوم نيف وخمسون ألف دينار معزية وكان استخراجا بغير براءة ولا خرج ولا حوالة واستخرج في يوم مائة وعشرون ألف دينار معزية وفي يوم آخر من مال تنيس ودمياط والأشمونين أكثر من مائتي ألف وعشرين ألف دينار وهذا لم يسمع بمثله قط في بلد إلا أن في أيام العزيز استخرج خير بن القاسم وعلي بن عمر العداس وعبد الله بن خلف المرصدي في ثلاثة أيام مائتي ألف دينار وعشرين ألف دينار عزيزية منها في أول يوم أربعة وسبعين ألف دينار والباقي في يومين وذلك في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.
وفي شهر ربيع الآخر كثر الإرجاف بالقرامطة وانتشارهم في أعمال الشام وكان معهم عبد الله بن عبيد الله أخو أبي جعفر مسلم فكتب إليه المعز بعد ما شكاه إليه أخيه مسلم.
وفيه دخل الناس إلى قصر المعز وفيهم: الأشراف والعمال والقواد وسائر الأولياء من كتامة وغيرهم فقال إنسان لبعض الأشراف: اجلس يا شريف فقال بعض الكتاميين: وفي الدنيا شريف غير مولانا! لو ادعى هذا غيره قتلناه.
خرج الإذن للناس وبلغ المعز هذا فلما جلس على سريره وأذن للناس بالجلوس قال: يا معشر الأهل وبني العم من ولد فاطمة: أنتم الأهل وأنتم العدة وما نرضى بما بلغنا من القول وقد أخطأ من تكلم بما قيل لنا لكم بحمد الله الشرف العالي والرحم القريبة ولئن عاود أحد لمثل ما بلغنا لننكلن به نكالا مشهورا.
فقبلت الجماعة الأرض ودعوا وشكروا وكان المتكلم حاضرا فانقمع وندم.
وحدث المعز أنه رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً وبين يديه سيوف منها ذو الفقار فأخذ علي بن أبي طالب ذا الفقار فضرب به عنق القرمطي الأعسم وضرب حمزة عنق أخي الأعسم وضرب جعفر عنق آخر وانكب المعز يقبل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فنسخ الناس هذه الرؤيا.
وحمل مال الأحباس من المودع إلى بيت المال الذي لوجوه البر وطولب أصحاب الأحباس بالشرائط ليحملوا عليها.
ولما وقف على حبس عمرو بن العاص وأن محمد بن أبي بكر كان قبضه وضرب عليه صافية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب أهل الحق وأن عمرو بن العاص إنما حبسه لما دعا إلى مصر في أيام معاوية أخرج ذلك من كتاب أبي عمر الكندي القاضي النعمان بن محمد فحمله إلى وفي ربيع الآخر ثارت المغاربة في صحراء المقابر ونهبوا الناس فأنكر المعز ذلك وقبض على جماعة.
وفيه اعتل المعز واحتجب فاضطربت الرعية ولم يره أحد.
وفي جمادى الأولى أرجف بالقرامطة وقوى الاستخراج ومنع الناس من الحضور في الديوان لئلا يقفوا على مبلغه وجلس المعز للناس فسروا بسلامته.
وحمل أبو جعفر مسلم إلى المعز المصحف الكبير الذي كان يذكر أنه كان ليحيى بن خالد ابن برمك وكان شراؤه أربعمائة دينار على مسلم فلما رآه المعز قال: أراك معجبا به وهو يستحق الإعجاب ولكن نفاخرك نحن أيضاً.
فدعا بمصحف نصفين ما رؤى أحسن منهما خطاً وإذهاباً وتجليداً فقال: هذا خط المنصور وإذهابه وتجليده بيده.
فقال له مسلم: فثم مصحف بخط مولانا المعز لدين الله عليه السلام . فقال: نعم. وأخرج له نصفين.
فقال المعز: بعد مشاهدتك لخط المنصور تقول: ما رأيت أصبح من هذا الخط ولكنه أصبح من خطك.
ثم ضحك وقال: أردت مداعبتك.
وكان أبو جعفر مسلم إذا ذكر المعز يقول: وددت أن أبي وجدي شاهداه ليفتخرا به فلما أقدر أن أقرن به أحداً من خلفاء بني أمية ولا بني العباس.
وتوفي محمد بن الحسين بن أبي الحسين أحد خواص المعز فخرج المعز وهو في بقايا علته وتقدم إلى القاضي النعمان بن محمد بغسله وبكفنه وصلى عليه المغرب وفتح تابوته وأضجعه.
وبعد تسعة عشر يوماً توفي القاضي النعمان بن محمد أول رجب فخرج المعز يبين الحزن عليه وصلى عليه وأضجعه في التابوت ودفن في داره بالقاهرة.
وفي شعبان دخل أبو جعفر مسلم علي المعز فلما توسط صحن الإيوان قال له أخوه عيسى: إن الأمير عبد الله في المجلس فسلم عليه.
وكان في المجلس جماعة فدخل أبو جعفر على المعز وقبل الأرض وقام قائماً وقال: يا أمير المؤمنين: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد قال: دخلت أنا وأخي عبد الله على يعقوب بن صالح بن المنصور وهو يومئذ أمير المدينة فقال: من أين أقبل الشيخان فقالا: من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمنا عليه وأتيناك فقال: سلمتما على صاحبيه فقلنا: لا فقال سبحان الله كيف لم تسلما على صاحبيه فقال له أخي عبد الله: سألتك بالله أيها الأمير أيهما أقرب ابنك هذا منك أو صاحبي رسول الله من رسول الله فقال: ابني هذا فقال: ما سلمنا على ابنك في مجلسك إجلالا لك فنسلم على صحابي رسول الله بحضرة رسول الله فقال: والله ما قصرتما ثم قال مسلم: تأذن يا أمير المؤمنين في السلام على الأمير عبد الله فأذن له قال عيسى: وكان المعز لمسلم مكرماً.
وفيه كثر الإرجاف بالقرامطة ودخول مقدمتهم أرياف مصر وأطراف المحلة وأنهم ونهبوا واستخرجوا الخراج ثم رجعوا إلى أعمال الشام.
وأمر المعز المغاربة بالخروج من مصر والسكنى بالقاهرة ففعلوا.
ورد المعز الشرطة العليا إلى خير بن القاسم فاستقصى على المغاربة في الخروج إلى القاهرة.
وعاودت المعز العلة فاحتجب أياماً لا يراه أحد ثم جلس للناس فهنوه وعرضوا أنفسهم للقتال فشكرهم على ذلك.