Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

 بناء القاهرة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
المقريزى يذكر بناء القاهرة
سنة تسع وخمسين وثلاثمائة
سنة360 - 362هـ
سنة ثلاث وستين وثلاثمائة هـ
م
Untitled 5590

 

الفاطميين الذين أحتلوا مصر بأسم الإسلام نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 1 ص 3 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع وضعنا لكل مقطع عناوين

*************************************************************************************************************

ذكر بناء القاهرة
قال أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق المصري في كتاب إتمام أخبار أمراء مصر للكندي رحمهما الله : وفي جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة صحت الأخبار بمسير عساكر المعز لدين الله من المغرب إلى مصر، عليها عبده جوهر، وكانت بمصر للمعز دعاة استدعوا خلقا في البلد، وكانوا يقولون: إذا زال الحجر الأسود ملك مولانا المعز لدين الله الأرض كلها، وبيننا وبينكم الحجر الأسود يعنون كافور الإخشيدي ، فلما مات كافور أنفذ المعز إلى دعاته بنوداً، وقال: فرقوها على من يبايع من الجند، وأمرهم إذا قربت العساكر ينشرونها، فلما قربت العساكر من الإسكندرية جمع الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد ابن موسى بن الحسن بن الفرات الناس وشاورهم، فاتفقوا على مراسلة جوهر، وأن يشترطوا عليه شروطاً، وأنهم يسمعون له ويطيعونه، ثم اجتمعوا على محاربته، ثم انحل ذلك، وعادوا إلى المراسلة بالصلح.
وكانت رسل جوهر ترد سراً إلى ابن الفرات، ثم اتفقوا على خروج أبي جعفر مسلم الحسيني، وأبي إسماعيل الرسي، ومعهما القاضي أبو طاهر، وجماعة، فبرزوا إلى الجيزة لاثنتي عشرة بقيت من رجب، ولم يتأخر عن تشييعهم قائد، ولا كاتب، ولا عالم، ولا شاهد، ولا تاجر، وساروا فلقوا جوهر بتروجة ووافقوه، واشترطوا عليه، فأجابهم إلى ما التمسوه، وكتب لهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من جوهر الكاتب عبد أمير المؤمنين المعز لدين الله صلوات الله عليه لجماعة أهل مصر الساكنين بها، من أهلها ومن غيرهم: أنه قد ورد من سألتموه الترسل والاجتماع معي، وهم: أبو جعفر مسلم الشريف أطال الله بقاءه وأبو إسماعيل الرسي أيده الله وأبو الطيب الهاشمي أيده الله .
وأبو جعفر أحمد بن نصر أعزه الله والقاضي أعزه الله .
وذكروا عنكم أنكم التمستم كتابا يشتمل على أمانكم في أنفسكم وأموالكم وبلادكم وجميع أحوالكم، فعرفتم ما تقدم به أمر مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحسن نظره لكم.

فلتحمدوا الله على ما أولاكم، وتشكروه على ما حماكم، وتدأبوا فيما يلزمكم، وتسارعوا إلى طاعته العاصمة لكم، العائدة بالسلامة لكم، وبالسعادة عليكم، وهو أنه صلوات الله عليه لم يكن إخراجه للعساكر المنصورة، والجيوش المظفرة إلا لما فيه إعزازكم وحمايتكم والجهاد عنكم، إذ قد تخطفتكم الأيدي، واستطال عليكم المستذل وأطمعته نفسه بالاقتدار على بلدكم في هذه السنة، والتغلب عليه وأسر من فيه، والاحتواء على نعمكم وأموالكم حسب ما فعله في غيركم من أهل بلدان المشرق، وتأكد عزمه، واشتد كلبه، فعاجله مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه بإخراج العساكر المنصورة، وبادره بانفاذ الجيوش المظفرة دونكم، ومجاهدته عنكم وعن كافة المسلمين ببلدان المشرق، الذين عمهم الخزي، وشملتهم الذلة، واكتنفتهم المصائب وتتابعت الرزايا، واتصل عندهم الخوف وكثرت استغاثتهم، وعظم ضجيجهم، وعلا صراخهم، فلم يغثهم إلا من أرمضه أمرهم، ومضه حالهم، وأبكى عينه ما نالهم، وأسهرها ما حل بهم، وهو مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فرجا بفضل الله، وإحسانه لديه، وما عوده وأجراه عليه استنقاذ من أصبح منهم في ذل مقيم، وعذاب أليم، وأن يؤمن من استولى عليه الوهل، ويفرخ روع من لم يزل في خوف ووجل، وآثر إقامة الحج الذي تعطل وأهمل العباد فروضه وحقوقه لخوف المستولى عليهم، وإذ لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم، وإذ قد أوقع بهم مرة بعد أخرى، فسفكت دماؤهم، وابتزت أموالهم، مع اعتماد ما جرت به عادته من صلاح الطرقات، وقطع عبث العابثين فيها، ليتطرق الناس آمنين، ويسيروا مطمئنين، ويتحفوا بالأطعمة والأقوات، إذ كان قد انتهى إليه صلوات الله عليه انقطاع طرقاتها، لخوف مادتها، إذ لا زاجر للمعتدين، ولا دافع للظالمين.
ثم تجديد السكة، وصرفها إلى العيار الذي عليه السكة الميمونة المنصورية المباركة، وقطع الغش منها، إذ كانت هذه الثلاث خصال هي التي لا يتسع لمن ينظر في أمور المسلمين إلا إصلاحها، واستفراغ الوسع فيما يلزمه منها.
وما أوعز به مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى عبده من نشر العدل، وبسط الحق، وحسم الظلم، وقطع العدوان، ونفى الأذى، ورفع المؤن، والقيام في الحق، وإعانة المظلوم مع الشفقة والإحسان، وجميل النظر، وكرم الصحبة، ولطف العشرة، وافتقاد الأحوال، وحياطة أهل البلد في ليلهم ونهارهم، وحين تصرفهم في أوان ابتغاء معاشهم، حتى لا تجري أمورهم إلا على ما لم شعثهم، وأقام أودهم، وأصلح بالهم، وجمع قلوبهم، وألف كلمتهم، على طاعة وليه ومولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وما أمر به مولاه من إسقاط الرسوم الجائرة التي لا يرتضي صلوات الله عليه بإثباتها عليكم.
وأن أجريكم في المواريث على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأضع ما كان يؤخذ من تركات موتاكم لبيت المال من غير وصية من المتوفى بها، فلا استحقاق لمصيرها لبيت المال.
وأن أتقدم في رم مساجدكم، وتزيينها بالفر والإيقاد، وأن أعطى مؤذنيها وقومتها ومن يؤم الناس فيها أرزاقهم، وأدرها عليهم، ولا أقطعها عنهم، ولا أدفعها إلا من بيت المال، لا بإحالة على من يقبض منهم.
وغير ما ذكره مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه مما ضمنه كتابه هذا ما ذكره من ترسل عنكم أيدهم الله، وصانكم أجمعين بطاعة مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه من أنكم ذكرتم وجوها التمستم ذكرها في كتاب أمانكم، فذكرتها إجابة لكم، وتطمينا لأنفسكم.
وإلا فلم يكن لذكرها معنى، ولا في نشرها فائدة، إذ كان الإسلام سنة واحدة، وشريعة متبعة، وهي إقامتكم على مذهبكم، وأن تتركوا على ما كنتم عليه من أداء الفروض في العلم، والاجتماع عليه في جوامعكم ومساجدكم، وثباتكم على ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين بعدهم، وفقهاء الأمصار الذين جرت الأحكام بمذاهبكم وفتواهم، وأن يجرى الأذان، والصلاة، وصيام شهر رمضان وفطره، وقيام لياليه، والزكاة، والحج، والجهاد على أمر الله وكتابه، وما نصه نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، واجراء أهل الذمة على ما كانوا عليه.

ولكم علي أمان الله التام العام، الدائم المتصل، الشامل الكامل، المتجدد المتأكد على الأيام وكرور الأعوام، في أنفسكم، وأموالكم، وأهليكم، ونعمكم، وضياعكم، ورباعكم، وقليلكم وكثيركم.
وعلى أنه لا يعترض عليكم معترض، ولا يتجنى عليكم متجن، ولا يتعقب عليكم متعقب.
وعلى أنكم تصانون وتحفظون وتحرسون، ويذب عنكم، ويمنع منكم، فلا يتعرض إلى أذاكم، ولا يسارع أحد في الاعتداء عليكم، ولا في الاستطالة على قويكم فضلا عن ضعيفكم .
وعلى أن لا أزال مجتهدا فيما يعمكم صلاحه، ويشملكم نفعه، ويصل إليكم خيره، وتتعرفون بركته، وتغتبطون معه بطاعة مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه .
ولكم علي الوفاء بما التزمته، وأعطيتكم إياه، عهد الله، وغليظ ميثاقه وذمته، وذمة أنبيائه ورسله، وذمة الأئمة موالينا أمراء المؤمنين قدس الله أرواحهم ، وذمة مولانا وسيدنا أمير المؤمنين المعز لدين الله صلوات الله عليه فتصرحون بها وتعلنون بالانصراف إليها، وتخرجون إلي وتسلمون علي، وتكونون بين يدي، إلى أن أعبر الجسر، وأنزل في المناخ المبارك، وتحافظون من بعد على الطاعة، وتثابرون عليها، وتسارعون إلى فروضها، ولا تخذلون وليا لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وتلزمون ما أمرتم به، وفقكم الله وأرشدكم أجمعين.
وكتب القائد جوهر الأمان بخطه في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين الأخيار.
وكتب بخطه في هذا الكتاب: قال جوهر الكاتب عبد أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين : كتبت هذا الأمان على ما تقدم به أمر مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وعلى الوفاء بجميعه لمن أجاب من أهل البلد وغيرهم على ما شرطت فيه.
والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين.
وكتب جوهر بخطه في التاريخ المذكور: وأشهد جوهر على نفسه جماعة الحاضرين وهم: أبو جعفر مسلم بن محمد بن عبيد الله الحسيني.
وأبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الرسي الحسني.
وأبو الطيب العباس بن أحمد الهاشمي.
والقاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد.
وابنه أبو يعلى محمد بن محمد.
ومحمد بن مهلب بن محمد.
وعمرو بن الحرث بن محمد.
وأخذ منه أبو جعفر مسلم كتابا إلى أبي الفضل جعفر بن الفرات الوزير وجماعة وجوه الدولة، وخاطب ابن الفرات في كتابه بالوزير بعد مراجعة، وكان قد توقف في مخاطبته بالوزير، وقال: ما كان وزير خليفة، وأجاز الجماعة وحملهم، ولم يقبل أبو جعفر مسلم شيئا منه، وأكلت الجماعة معه، وودعوه وانصرفوا، فوافوا لثمان خلون من شعبان.
قال ابن زولاق: سألت أبا جعفر مسلم عند رجوعه عن مقدار العسكر، فقال: هو مثل جمع عرفات كثرة وعدة؛ وسألته عن سن القائد جوهر، فقال لي: نيف وخمسون سنة.
فلما قدم الجماعة انتقض الإخشيدية والكافورية، وكان قد بلغهم ذلك وهم عند القائد جوهر، فتسرعوا في الانصراف من عنده، وبلغ جوهر بعد انصرافهم انتقاض الصلح، فأدرك الجماعة، وأعلمهم بأن القوم قد نقضوا الصلح، وطلب إعادة أمانه إليه، فرفقوا به، فقال للقاضي أبي طاهر: ما تقول يا قاضي في هذه المسألة ؟ فقال: ما هي ؟ فقال: ما تقول فيمن أراد العبور إلى مصر ليمضي إلى الجهاد لقتال الروم فمنع، أليس له قتالهم؟ فقال له القاضي: نعم.
فقال: وحلال قتالهم ؟ قال: نعم.
ولما وافى أبو جعفر مسلم ومن معه من عند جوهر جاءه الناس، وركب إليه ابن الفرات في موكب عظيم، وعنده جماعة الوجوه، فقرأ عليهم كتاب جوهر بالأمان والشرط، وأوصل كتاب ابن الفرات وكتب الجماعة، فامتنع القوم من قبول ذلك، وقال فرح البجكمي للشريف مسلم: لو جاءنا جدك بهذا ضربنا وجهه بالسيف.
فلامهم ابن الفرات على ذلك، وقال: أنتم سألتم الشريف هذه المسألة، فلم يقنع حتى أخذ معه أبا إسماعيل وهو رجل حسني ، وأخذ معه قاضي المسلمين، وأخذ معه رجلا عباسيا.
وسكت الشريف مسلم، فلم يزد على أن قال: خار الله لكم.
واشتغل ابن الفرات يسارر الشريف مسلم، والإخشيدية والكافورية في خوض، فقالوا كلهم: ما بيننا وبين جوهر إلا السيف:

فسلموا على تحرير شويزان بالإماره، وخرجوا يحجبونه إلى داره، وبقي أحمد بن علي بن الإخشيد لا يفكر فيه.
واستعدوا للحرب، وساروا لعشر خلون من شعبان، فنزلوا الجزيرة بالرجال والسلاح، ووافى جوهر الجزيرة، فلما شاهد ما فعلوه عاد إلى منية شلقان، وعبر إلى مصر من ذلك الموضع، وأرسل فاستقبل المراكب الواردة من تنيس ودمياط وأسفل الأرض فأخذها، وتولى العبور إليهم جعفر بن قلاح عريانا في سراويل مع جمع من المغاربة، وبلغ الإخشيدية، فأنفذوا تحرير الأرغلي، ويمن الطويل ومبشر الإخشيدي في خلق، فساروا إلى الموضع، وكانوا قد وكلوا به مزاحم بن محمد بن رائق فلقوه راجعاً، ووقع القتال فقتل خلق من المصريين.
وانصرف الناس عشية الأحد النصف من شعبان، فلما كان نصف الليل انصرف من كان بالجزيرة إلى دورهم، وأصبحوا غادين إلى الشام، وقد قتل جماعة، منهم: تحرير الأرغلي، ومبشر الإخشيدي، ويمن الطويل، وخلق كثير.
وأصبح الناس على خطة عظيمة، فبكروا في يوم الاثنين إلى دار الشريف مسلم يسألونه الكتاب إلى جوهر في إعادة أمانهم، فكتب إليه، وجلس الناس عنده، وقد طاف علي بن الحسين بن لؤلؤ صاحب الشرطة السفلي ومعه رسول جوهر، وبند عليه اسم المعز لدين الله، وبين أيديهما الأجراس بأن لا مؤونة ولا كلفة وأمن الناس، وفرقت البنود، فنشر كل من عنده بند بنده في درب حارته.
وجاء الجواب إلى الشريف وقت العصر، ونسخته بعد البسملة: وصل كتاب الشريف الجليل أطال الله بقاءه، وأدام عزه وتأييده وعلوه وهو المهنأ بما هنأ به من الفتح الميمون؛ فوقفت على ما سأل من إعادة الأمان الأول، وقد أعدته على حاله.
وجعلت إلى الشريف أعزه الله أن يؤمن كيف رأى وكيف أحب، ويزيد على ما كتبته كيف يشاء، فهو أماني، وعن إذني وإذن مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه .
وقد كتبت إلى الوزير أيده الله بالاحتياط على دور الهاربين إلى أن يرجعوا إلى الطاعة، ويدخلوا فيما دخلت فيه الجماعة، ويعمل الشريف أيده الله تعالى على لقائي في يوم الثلاثاء لسبع عشرة تخلو من شعبان.
فاستبشرت الجماعة وابتهجوا، وعملوا على الغدو إلى الجزيرة للقاء جوهر مع الشريف مسلم، وبات الناس على هدوء وطمأنينة.
فلما كان غداة يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان خرج الشريف أبو جعفر مسلم، وجعفر بن الفضل بن الفرات، وسائر الأشراف والقضاة والعلماء والشهود ووجوه التجار والرعية إلى الجيزة، فلما تكامل الناس أقبل القائد جوهر في عساكره، فصاح بعض حجابه: الأرض، إلا الشريف والوزير.
وتقدم الناس واحداً واحداً، فلما فرغوا من السلام عليه عاد الناس إلى الفسطاط.
فلما زالت الشمس أقبلت العساكر، فعبرت الجسر، ودخلت أفواجا أفواجا، ومعهم صناديق المال على البغال، ويقال إن المال كان في ألف وخمسمائة صندوق ، وأقبلت القباب، وأقبل جوهر في حلة مذهبة مثقل في فرسانه ورجالته، وقاد العسكر بأسره إلى المناخ الذي رسم له المعز موضع القاهرة، واختط موضع القصر، وأقام عسكره سبعة أيام يدخل من يوم الثلاثاء إلى آخر يوم الاثنين ، واستقرت به الدار.
وجاءته الألطاف والهدايا فلم يقبل من أحد طعاما إلا من الشريف مسلم، ويقال: لما أناخ جوهر في موضع القاهرة الآن اختط القصر، فأصبح المصريون ليهنئوه، فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل.
ويقال إن جوهر لما بنى القصر، وأدار عليها السور سماها: المنصورية، فلما قدم المعز لدين الله إلى الديار المصرية سماها القاهرة.
ويقال في سبب تسميتها القاهرة أن القائد جوهر لما أراد بناء القاهرة أحضر المنجمين، وعرفهم أنه يريد عمارة بلد ظاهر مصر ليقيم بها الجند، وأمرهم باختيار طالع لوضع الأساس، بحيث لا يخرج البلد عن نسلهم، فاختاروا طالعا لحفر السور، وطالعا لابتداء وضع الحجارة في الأساس، وجعلوا بدائر السور قوائم من خشب، بين كل قائمتين حبل فيه أجراس، وقالوا للعمال: إذا تحركت الأجراس أرموا ما بأيديكم من الطين والحجارة.
فوقفوا ينتظرون الوقت الصالح لذلك، فاتفق أن غرابا وقع على حبل من تلك الحبال المعلق فيها الأجراس، فتحركت الأجراس كلها، وظن العمال أن المنجمين حركوها، فألقوا ما بأيديهم من الطين والحجارة وبنوا، فصاح المنجمون: القاهر في الطالع.
فمضى ذلك وفاتهم ما قصدوه.
ويقال إن المريخ كان في الطالع عند ابتداء وضع أساس القاهرة، وهو قاهر الفلك، فسموها القاهرة، فحكموا لذلك أن القاهرة لا تزال تحت حكم الأتراك.
وأدار السور اللبن احول بئر العظام، وجعلها في القصر، وجعل القاهرة حارات للواصلين صحبته وصحبة مولاه المعز، وعمل القصر بترتيب ألقاه إليه المعز.
ويقال إن المعز لما رأى القاهرة لم يعجبه مكانها في البرية بغير ساحل، وقال لجوهر: يا جوهر فاتتك عمارتك ها هنا يعني المقس بشاطىء النيل .
فلما رأى سطح الجرف المعروف اليوم بالرصد، قال: يا جوهر: لما فاتك الساحل كان ينبغي عمارة القاهرة بهذا الجبل على هذا السطح، وتكون قلعة لمصر.
حكاه ابن الطوير.
قال: وكان المعز عارفا بالأمور، مطلعاً على الأحوال بالذكاء، وكان يضرب في فنون منها النجامة، فرتب في القصر ما يحتاج إليه الملوك بل الخلفاء، بحيث لا يراهم العيان في النقلة من مكان إلى مكان، وجعل لهم في ساحاته البحر والميدان والبستان، وتقدم بعمارة المصلى ظاهر القاهرة لأهلها، لخطبتهم فيها والصلاة في عيدي الفطر والنحر، والآخر بالقرافة لأهل مصر.
وقال ابن الظاهر: فلما تحقق المعز وفاة كافور جهز جوهر وصحبته العساكر، ثم نزل بموضع يعرف برقادة، وخرج في أكثر من مائة ألف فارس، وبين يديه أكثر من ألف صندوق من المال وكان المعز يخرج إلى جوهر في كل يوم ويخلو به، وأمره أن يأخذ من بيوت الأموال ما يريد زيادة على ما أعطاه.
وركب إليه المعز يوما فجلس وقام جوهر بين يديه، فالتفت المعز إلى المشايخ الذين وجههم معه وقال: والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، وليدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب، ولينزلن في خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا.
قال: ونزل جوهر مناخه موضع القاهرة الآن في يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، واختط القصر، وبات الناس، فلما أصبحوا حضروا للهناء فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل، وكانت فيه زورات غير معتدلة، فلما شاهد ذلك جوهر لم يعجبه، ثم قال: قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة فتركه على حاله.
وقال ابن زولاق: ولما أصبح أنفذ علي بن الوليد القاضي لعسكره، وبين يديه أحمال مال ومناد ينادي: من أراد الصدقة فليصر إلى دار أبي جعفر. فاجتمع خلق من المستورين والفقراء، فصاروا بهم إلى الجامع العتيق ففرق فيهم.

صلاة الجمعة والخطبة والدعاء للخلافة الفاطمية بمصر
ولما كان يوم الجمعة لعشر بقين من شعبان نزل جوهر في عسكر إلى الجامع العتيق لصلاة الجمعة، وخطب بهم هبة الله بن أحمد خليفة عبد السميع بن عمر العباسي ببياض، فلما بلغ إلى الدعاء قرأه من رقعة وهو: اللهم صل على عبدك ووليك، ثمرة النبوة، وسليل العترة الهادية المهدية، عبد الله الإمام معد أبي تميم المعز لدين الله، أمير المؤمنين، كما صليت على آبائه الطاهرين وأسلافه الأئمة الراشدين.
اللهم ارفع درجته وأعل كلمته، وأوضح حجته، واجمع الأمة على طاعته، والقلوب على موالاته وصحبته، واجعل الرشاد في موافقته، وورثه مشارق الأرض ومغاربها، وأحمده مبادىء الأمور وعواقبها، فإنك تقول وقولك الحق: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ من بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثْها عِبَاديَ الصالحون " .
فقد امتعض لدينك، ولما انتهك من حرمتك، ودرس من الجهاد في سبيلك، وانقطع من الحج إلى بيتك وزيارة قبر رسولك صلى الله عليه وسلم ؛ فأعد للجهاد عدته، وأخذ لكل خطب أهبته، فسير الجيوش لنصرتك، وأنفق الأموال في طاعتك، وبذل المجهود في رضاك، فارتدع الجاهل، وقصر المتطاول، وظهر الحق وزهق الباطل، فانصر اللهم في جيوشه التي سيرها، وسراياه التي انتدبها، لقتال المشركين، وجهاد الملحدين، والذب عن المسلمين، وعمارة الثغور والحرم، وإزالة الظلم والتهم والنهم، وبسط العدل في الأمم.
اللهم اجعل راياته عالية مشهورة، وعساكره غالبة منصورة، وأصلح به وعلى يديه، واجعل لنا منك واقية علية.

الفاطميين وسك النقود بمصر
وأمر جوهر بفتح دار الضرب، وضرب السكة الحمراء، وعليها: دعا الإمام معد بتوحيد الإله الصمد في سطر.
وفي السطر الآخر: المعز لدين الله أمير المؤمنين.
وفي سطر آخر: بسم الله. ضرب هذا الدينار بمصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وفي الوجه الآخر :
لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. علي أفضل الوصيين وزير خير المرسلين.
ورجع مزاحم بن رائق وكان قد سار مع الإخشيدية ومعه جيش كبير.
وأفطر جوهر يوم الفطر على عدد بغير رؤية، وصلى صلاة العيد بالقاهرة، صلى به على بن وليد الإشبيلي وخطب، ولم يصل أهل مصر، وصلوا من الغد في الجامع العتيق، وخطب لهم رجل هاشمي. وكان أبو طاهر القاضي قد التمس الهلال على رسمه في سطح الجامع فلم يره، وبلغ ذلك جوهر فأنكره وتهدد عليه.
وجلس جوهر للمظالم في كل يوم سبت، ثم رد المظالم إلى أن أبي عيسى مرشد.
وفي شوال صرف علي بن لؤلؤ عن الشرطة السفلى، ورد شبل المعرضي، وولى عدة من جهات الخراج، وعلى الضياع.
وفي ذي الحجة قدم ستة آلاف من الإخشيدية والكافورية، فأنزلوا خارج القاهرة وزيد في الخطبة: اللهم صل على محمد النبي المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، اللهم صل على الأئمة الراشدين آباء أمير المؤمنين، الهادين المهديين.
ونودي برفع البراطيل، وقائم الشرطتين، وسائر رسوم البلد.
وورد الخبر بدخول القرامطة الرملة.
وورد كتاب المعز من المغرب بوصول رأس نحرير ومبشر ويمن وبلال.
وتولى الحسبة رجل يعرف بأبي جعفر الخراساني.
وفي نصف ذي الحجة تكاملت الإخشيدية والكافورية المستأمنة بمصر، وهم أربعة عشر رئيسا، في عسكر عدته خمسة آلاف كانوا في معسكر لهم عند مصلى العيد بالقاهرة، فهرب منه فاتك الهيكلي إلى الشام، فلم يدركه الطلب، وبلغ جوهر أن المستأمنة من الإخشيدية والكافورية اتفقوا على فساد.
وتوفي ابن لجعفر بن فلاح، فحضر جوهر الجنازة، وحضر الناس وفيهم الإخشيدية والكافورية، وانصرفوا معه، فقال لهم في طريقه: قد حضر كتاب مولانا ومولاكم بما تسروا به، فسيروا حتى تقفوا عليه.
فساروا معه إلى مضاربة بالقاهرة، ودخلوا معه، فقبض على ثلاثة عشر من وجوههم، وهم: نحرير شويزان، وقنك الخادم الأسود، ودرى الصقلي، وحكل الإخشيدي، ولؤلؤ الطويل، ومفلح الوهباني؛ وقيلق التركي، وفرح اليحكمي؛ واعتقلهم ستة أشهر حتى سيرهم مع الهدية إلى المعز، ومعهم الحسن بن عبيد الله بن طغج، وقبض على ضياع نحرير الأرغلي وأمواله، وقبض من يحيى بن مكي بن رجاء ثمانين ألف دينار عينا؛ وصاريين من عود رطب.
وورد كتاب المعز إلى جوهر، وإلى أبي جعفر مسلم، وإلى أبي إسماعيل الرسي، وإلى الوزير جعفر بن الفرات.
وولى جوهر مزاحم بن محمد بن رائق الحوف والفرما.
ودخل جوهر والغلاء شديد، فزاد في أيامه حتى بلغ القمح تسعة أقداح بدينار.
وكان عامل الخراج علي بن يحيى بن العرمرم، فأقره جوهر شهراً، ثم أشرك معه رجاء ابن صولان.
وأقر ابن الفرات على وزارته.
وأزال جوهر من مصر السواد.
ومنع من قراءة سبح اسم ربك في صلاة الجمعة.
وأزال التكبير بعد صلاة الجمعة.
ولم يدع عملا إلا جعل فيه مغربيا شريكا لمن فيه.

وكان القاع ثلاثة أذرع وتسعة عشر إصبعا، وبلغ الماء سبعة عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا؛ وخلع جوهر علي ابن أبي الرداد، وحمله فأجازه.

This site was last updated 11/02/11