Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

م

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
قيرس أو المقوقس
قائد الروم تيودور
لونديوس وأسقوطاس
ميناس
المؤرخ ساويرس والغزو الإسلامى لمصر
Untitled 5423

 



حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم

:30:00 2008 السبت 23 أغسطس

عادل جندي


نعم ما حدث قد حدث، ولن نعيد عجلة التاريخ؛ لكن ألا يجب أن يكون هناك حد أدني من الاتفاق بشأن ما جري مع غزو العرب لمصر وما تلاه علي مر العصور؟ أليس من الضروري أن يهتم "العنصر الغالب" في "السبيكة المصرية" بإدراك حجم المعاناة التي مر بها العنصر الآخر؟ أليس من المهم تطهير الذاكرة الوطنية، أو علي الأقل إدراك ما هو التاريخ المشترك لعناصر السبيكة (بدون أن يعني ذلك ـ بالطبع ـ جلد المعاصرين أو أخذهم بجريرة أفعال الأقدمين)؟
***
لن ندخل في تفاصيل عملية دخول العرب ذاتها ولا في مبرراتها المباشرة. هناك من الكتابات الأمينة ما تناولت الموضوع بشكل موضوعي، وعلي رأسها كتاب سناء المصري "هوامش الفتح العربي لمصر ـ حكايات الدخول" (دار سناء ـ ١٩٩٦). وقد تعرضنا لهذا الموضوع من قبل (فصول "التفسير الجحاوي للتاريخ" و "الثور الناطح" الخ من كتاب "الحرية في الأسر") ولا داعي للتكرار.
هناك من قد يوافق، ربما من باب الجدل، أن دخول العرب لم يكن "فتحا" بل "غزوا"؛ ولكنه سيسارع إلي القول أن العمليات الحربية أثناء الحروب لها ضروراتها وطبيعتها المرتبطة بعصرها، وأن العرب ـ على أي حال ـ لم يكونوا بعد ذلك أسوأ من غيرهم من الغزاة، بل ربما أفضل، والدليل أن القبط قد ساعدوهم على دخول مصر. كما أن مصر كانت محتلة قبلهم، فلماذا التشنج بشأن العرب وحدهم؟
في محاولة لمعالجة الموضوع بهدوء، سنرجع بصفة رئيسة إلي عينات ومقتطفات مما كتبه "ساويروس" (الذي عاش زمن المعز لدين الله الفاطمي، وتوفي أواخر القرن العاشر) مستندا إلي مخطوطات وروزنامات الأديرة. والهدف هو توضيح الصورة من وجهة نظر"المهزومين"، علما بأن ساوري لم يكتب تاريخا عاما مفصلا، بل حصر نفسه في الأحداث التي ارتبطت بالبطاركة. ولكن الباحث عبد العزيز جمال الدين رأي في المخطوطات (غير المعروفة على نطاق واسع) أهمية هائلة فأطلق علي كتابه الذي يحويها زائد تعليقاته وشروحه "تاريخ مصر من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة"(٦١٠٠ صفحة في ستة مجلدات).
بعض الأسئلة التي يلزم الالتفات للإجابة عليها عبر قراءة المقتطفات هي:
١ـ ما مقدار "الحقوق الدينية" التي "تمتع" بها الأقباط، وهل توافقت مع شروط العهد الذي وقعه العرب عند الغزو الذي يقول: [(..) هذا ما أعطي عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان علي أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصُلُبهم وبَرّهم (أي أراضيهم الزراعية) وبحرهم (أي النيل)، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينقص (..) وعلي أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا انتهت زيادة نهرهم (..)].
٢ـ كيف تعامل الولاة والخلفاء مع القبط فما يتعلق بالجزية والخراج وباقي أنواع الجباية؟ علما بأن الجزية كانت مبدئيا دينارين (ذهب) علي كل ذكر بلغ الحلم؛ أي باستثناء الأنثى والصغير والشيخ الفاني. وإذا افترضنا تعادل قيمة الدينار مع الجنيه الذهب الحالي (وهو فرض معقول)، فإن الجزية بفلوس هذا الزمان تصبح ألفي جنيه على كل رأس وهو ما يعادل حوالي ٢٤٪ من متوسط الدخل القومي السنوي للفرد في مصر.
٣ـ كيف أثرت سياسات وممارسات الولاة والخلفاء على الحياة المعيشية للقبط، وكيف تقبلوها؟ وإن كان نور الإيمان قد أشرق علي الكثيرين منهم بمحض اختيارهم، فما تأثير تلك السياسات علي معدلات التحول للإسلام؟
٤ـ كان تعداد القبط الخاضعين للجزية عند الفتح ستة (وفي قول آخر ثمانية) ملايين، مما يعني أن تعداد السكان كان أكثر من ١٥ مليونا: كيف ولماذا أصبح أقل من ثلاثة ملايين بعد ١١٥٠ سنة عند مجيء الحملة الفرنسية؟ وكيف أصبحت أرض مصر الزراعية مليوني فدان في عهد ابن المدبر (٦٨٠م) بعد أن كانت ستة ملايين فدان في العصر البيزنطي؟
***
١ـ يتعرض ساويروس للغزو الفارسي الفظ (حوالي ٦١٧ـ٦٢٧) وكيف انتهى على يد هرقل، الذي عين "قيرس" (المقوقس) حاكما وبطريركا على مصر، مهمته إعادة القبط بالذوق أو بالعافية إلى مذهب بيزنطة، اعتقادا منه أن الخلافات المذهبية تهدد وحدة وأمن الامبراطورية. وعندها هرب الأنبا بنيامين (البطريرك ٣٨) إلى الصعيد. ثم يتعرض ساوري للغزو العربي ومعارك وسقوط بابلون، وبعدها بسنوات ثلاث مدينة اسكندرية التي [هدموا سورها وأحرقوا بيعا (كنائس) كثيرة بالنار وبيعة مار مرقس وما حوله من ديارات (أديرة)].
ويتضح من كلامه أن القبط وقفوا على الحياد أثناء الغزو وتركوا الروم والعرب يتحاربون. ويبدو أنهم كانوا سعداء بالتخلص من البيزنطيين، ولكنهم في نفس الوقت كانوا متوجسين من "العرب"، فمصر كانت دائما عرضة لغارات الأعراب الساكنين على حواف الصحارى بهدف السلب والنهب؛ لكن هؤلاء كانوا يرحلون بعد غزواتهم....
وجدير بالذكر والتذكر أن جيش عمرو كان يضم، إضافة إلى البضعة آلاف "عربي"، أضعافهم من البدو الأعراب من سكان سيناء والصحراء الشرقية ومن الغساسنة والنبطيين، الذين شاركوا في الغزو تحت وعود ما سيحصلون عليه من نهائب وسلائب وسبايا.
بعد استقرار الأوضاع يقول ساوري: [[عرف عمرو باختفاء الأنبا بنيامين فكتب (بناء علي طلب أراخنة القبط) عهد أمان وسلامة له فعاد للإسكندرية بعد ١٣ سنة. فلما رآه عمرو أحضره بإكرام وإعزاز]].
لكن الحال، كما نعرف جيدا لم يدم طويلا، فها هو يوحنا النقيوسي (المؤرخ الذي عاصر الغزو)، يصف الأيام الأخيرة لبنيامين بقوله بصراحة [[أن عمروا لم تكن في قلبه رحمة بالمصريين ولم يرع العهد الذي عقده معهم إذ كان رجلا من الهمج]].
وطبقا لابن عبد الحكم (فتوح مصر ص ٨٧) فإن عمرو قال للقبط: "إن من كتمني كنزا عنده (ثروته) فقدرت عليه قتلته". وسمع عمرو أن أحد أهالي الصعيد اسمه بطرس كان عنده كنز، فلما سأله أنكر ولما تبين لعمرو صحة ما سمع أمر بقتله. فبدأ القبط بإخراج (إظهار) ثرواتهم خوفا من القتل.
ومن نفس المرجع (ص ١٥٣) أنه عندما سئل عمرو من أحد القبط "أن يخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصير لها"، أجاب: "لو أعطيتني من الأرض إلي السقف ما أخبرتك ما عليك. إنما أنتم خزانة لنا إن كُثّر علينا كثّرنا عليكم وإن خُفف علينا خففنا عليكم".
٢ـ يقول ساوري عن أيام الأنبا يوحنا البطريرك ٤٠ (٦٧٧ إلى ٦٨٦):
[[وفي هذه الأيام بعد موت يزيد بن معاوية قام من كورة المسلمين ملك اسمه مروان (نوفمبر ٦٨٣ـ٦٨٥) ثار مثل الأسد إذا خرج من الغابة جائعا يأكل ويدوس الباقي برجليه، وولي ابنه عبد العزيز علي مصر (..) وفي أول سنة مضي إلي الإسكندرية ولم يكن وصوله ظاهرا فلم يخرج البطريرك ليتلقاه لأنه لم يعلم بوصوله فوشي به البعض للوالي فأنفذ بغضب وأحضره إلي الإيوان، ولم يفلح معه تبرير البطريرك وسلمه لمترسمين إلي أن يقوم بدفع مائة ألف دينار فتسلمه صاحب برج اسمه سعد رجل ليس فيه رحمة قاسي القلب أول يوم من جمعة الفصح الكبيرة ومضي ليعذبه مطالبا بالمبلغ، فأجابه "تطلب مني مائة ألف دينار وما معي منها مائة ألف درهم (..)، فما شئت أن تفعل فافعل، جسدي بيدك، ونفسي وجسدي معا بيد سيدي يسوع المسيح". فلما سمع الكافر (*) ذلك غضب جدا وصر أسنانه وأمر أن يحضر له قصرية نحاس مملوءة جمر نار وتجعل رجلاه فيها (..) ثم أحضره وهدده إن لم يحمل ما يقرر عليه سىيلبسه ثيابا يهودية ويلطخ وجه برماد ويطوف به حول المدينة، فكان يقول له: "إن لم يخلصني الرب إلهي من يديك وإلا فما لك قدرة أن تفعل فيّ شيئا إلا بأمره"، فقال له سعد: أنا أترك لك خمسين ألف دينار وأطلقك تتسبب (تتسول) في الباقي، أجاب البطريرك: الذي أقدر عليه ثيابي التي علي جسدي. ولم يزل ينازله إلي أن بلغ عشرة آلاف دينار ووصل الأمر للكتاب (القبط) المتصرفين بالإسكندرية فقالوا له إقبل ونحن نقسطها علي الأساقفة والكتاب والدوواين (..) ثم مضوا إلي الوالي فأحضر البطريرك وكان يوم الخميس الكبير (فهدده ثم) أطلقه علي أن يحضر له كل ما يجمعه من النصاري (..) وبعد أن جمع من المال ما كان قد قرره، ساعده في إعادة بنيان بيعة (كنيسة) ماري مرقس (التي احترقت علي يدي عمرو]].
(*) استخدم ساويروس تعبير "كافر" عديدا من المرات علي مختلفي الديانات، إشارة إلي الشخص "القاسي المتجبر الظالم" (وهو نفس المفهوم الدارج الذي يسخدمه المصريون اليوم).
٣ـ وفي أيام الأنبا اسحق (من ٦٨٦ إلي ٦٨٩) حدث أن كتب البطريرك إلي ملك الحبش وملك النوبة ليصطلحا (كانت الديانة السائدة فيهما المسيحية علي المذهب المصري وتملك الكنيسة القبطية سلطانا روحيا عليهما وتقيم لهم الأساقفة، ولكن مملكة النوبة كانت أحيانا تقوم بالغارات علي الحبشة لجلب الرقيق الواجب عليها تقديمهم لوالي مصر طبقا للعهد الذي وقعوه أيام عثمان). [[ولكن هذا أغضب الوالي عبد العزيز جدا، وأنفذ من يحضر البطريرك ليقتله (..) ولكن عندما أحضر إليه الرسل لم يجد شيئا مما ذُكر له (إذ تخلصوا من تلك الرسائل) فأعاد البطريرك للإسكندرية، لكن لم يدعه بعد ذلك يصعد لمقابلته وأمر بكسر جميع الصلبان التي في كورة مصر حتي صلبان الذهب والفضة فاضطرب نصاري أرض مصر. ثم كتب عدة رقاع وجعلها علي أبواب البيع (الكنائس) بمصر والريف يقول فيها "محمد الرسول الكبير الذي لله، وعيسي أيضا رسول الله، وأن الله لم يلد ولم يولد"]].
٤ـ وفي أيام الأنبا سيمون (من ٦٨٩ إلي ٧٠١) [[أمر الوالي بأن تمنع قداسات النصاري، وقال إنهم ضالون يجعلون لله زوجة وولدا. (لا نعرف كم من الوقت ظل هذا المنع قائما). وبعدها وصل قس من الهند يطلب من البطريرك أن يرسم لهم أسقفا للهند ولما كان أهل الهند غير مطيعين للمسلمين، قال: لا أقدر بغير أمر الأمير المتولي علي كورة مصر، فخرج من عنده ليمضي للأمير فاجتمع به قوم من الغايانيين (جماعة خارجة عن الكنيسة الأرثوذكسية) وأوسموه أسقفا وكاهنين. وبعد مسيرة عشرين يوما في طريق العودة قبض عليهم حفظة الطريق الذين من قبل المسلمين وأنفذوهم إلي الخليفة عبد الملك فقطع أيديهم وأرجلهم وأنفذهم إلي مصر وكتب للوالي عبد العزيز يستعجزه ويقول له "كأنك ما تعرف ما يجري في بلادك، إن بطرك النصاري المقيم في الإسكندرية قد أنفذ أحبار مصر إلي الهند ويجب أن تضربه مائتي سوط وتأخذ منه مائة ألف دينار وتحملها إلينا بسرعة". فأحضر الوالي سيمون البطريرك (..)، وبعد فترة اكتشف الحقيقة وصلب من قام برسم الأسقف و(ترك البطريرك). وكان سيمون مجتهدا طول عمره أن لا تكون عثرة بين النصاري والمسلمين]].
٥ـ وفي أيام ألكسندروس الثاني (٧٠٥ إلي ٧٣٠): [[وكان للوالي عبد العزيز ولد أكبر يسمي الأصبغ وكان يُظن أنه يجلس عوضا عن أبيه إذا توفي فولاه علي جميع الكورة واليا ومستخرجا (يجمع الخراج) وكان جميع القسوس يسمعون له بخوف لأجل كونه ابن الأمير، ولكنه كان مبغضا للنصاري سفاك الدم، رجل سوء كالسبع الضاري. ووشي البعض عنده (الأصبغ) بالرهبان فأنفذ وأحصي جميع الرهبان في كل الكور وجعل عليهم جزية دينارا واحدا علي كل فرد، وهذه أول جزية عليهم، وأمرهم ألا يُرهبنوا أحدا بعد من أحصاه، ثم ألزم أساقفة الكور بألفي دينار كل سنة، وكان يفعل أفعالا عظيمة ويلزم الناس أن يصلوا صلاته (..) واضطر جماعة إلي أن أسلموا ومن جملتهم بطرس والي الصعيد وأخوه وولد مقدم مريوط وجماعة كهنة وعلمانيين لا يحصون من كثرتهم. ولما كان يوم سبت النور دخل (الأصبغ) إلي دير حلوان فلما نـظر صورة العذراء والمسيح بصق فيها وقال إن وجدت زمانا فأنا أمحق النصاري من هذه الكورة. و(يقال أنه) مات في اليوم التالي ولحقه أبوه بعد أربعين يوما]].
[[ثم أنفذ الأمير الكبير (الخليفة عبد الملك) ولده عبد الله ليتولي كورة مصر فكان يفعل أيضا أفعال السوء وصنع آلات يعذب بها الناس وكان كالوحش الضاري حتي أنه في أكثر أوقاته إذا جلس علي المائدة يقتلون الناس قدامه وربما طار دمهم في صحنه الذي يأكل منه فيفرح بذلك. وفي تلك الأيام خرج البطريرك ألكسندروس وسار (من الإسكندرية) إلي مصر (القديمة، حيث بني الفسطاط جوارها) ليسلم علي الوالي كالعادة فلما نظر إليه قال: إيش هو هذا؟ قالوا له هذا أب وبطريرك جميع النصاري، فأخذه وسلمه لواحد من حجابه وقال له: إفعل ما تراه من الهوان إلي أن يقوم بثلاثة آلاف دينار. فأخذه ثلاثة أيام والنصاري يطلبون من أجله، ووقع خوف عظيم علي الأساقفة والرهبان، وذهب جرجه الشماس للوالي وقال له: يا سيدنا هل تطلب نفس البطرك أو المال؟ فقال له أريد المال، فقال له جرجه ضمني إياه مدة شهرين أنحدر به أطلب المال. فسلمه إليه فطاف به المدن والقري علي المؤمنين بالمسيح حتي حصل المال. وكان (الوالي) يجمع الأساقفة والمقدسين والرهبان فيهزأ بهم بتجبر بكلام صعب ويقول لهم: "أنتم عندي مثل الروم ومن قتل منكم واحدا غفر الله له لأنكم أعداء الله"]].
[[ولما استوفي الخراج من الناس زاد عليهم ثلثي دينار فوق كل دينار، حتي أن بيعا (كنائس) كثيرة خربت بهذا السبب. وكان محبا للمال جدا. وأنزلت علي الناس بلايا عظيمة وقُتل لأجل ذلك كثيرون وأوسم الغرباء الذين وجدوا علي أيديهم وجباههم ونفوا. وكان علي الأرض قلق واضطراب، وأمر ألا يدفن ميت حتي يقومون عنه بالجزية}.
{وبعد سنتين مات (الخليفة) عبد الملك وتولي بعده ابنه الوليد (٧٠٥ـ٧١٥)، فولي علي مصر قره ابن شريك (في ٧٠٨) وأنزل قره بلايا عظيمة علي النصاري والمسلمين]].
[[ولما جاء البطريرك كالعادة إلي مصر ليهنيه بالولاية ويسلم عليه، قبض عليه وقال له: الذي قبضه منك عبد الله بن عبد الملك تحتاج أن تقوم لي بمثله. فقال له أن ذلك كان بسعاية ناس السوء وأن ليس معه نقود. فقال له: هذا كلام ما ينفع ولو إنك تبيع لحمك لا بد من ثلاثة آلاف دينار وإلا فما تخلص من يدي. ثم تركه قره يسير إلي الصعيد يطوف المدن والقري ولقي مشقة وغربة. (وبعد اتهام بإخفاء مال) أحضر البطريرك وهم بقتله، وكبله بالحديد وطرحه في السجن وبعد سبعة أيام ألزمه أن يقوم بالثلاثة آلاف دينار. ولحقه تعب عظيم وضيق إلي أن جمع ألف دينار بعد سنتين. وكان قره يأخذ أموال كل أرخن يموت. وكان الناس يهربون ونساؤهم وأولادهم من مكان إلي مكان من أجل البلايا وعظم ظلمه. وانتشرت الأوبئة القاتلة ومات قره وأهل بيته في أحدها.
وقام ولاة (الأقاليم) بخلع الأعمدة الملونه والرخام في البيع (الكنائس) وحملوها]].
------------------------------------

http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/8/361353.htm

حكايات الدخول وتصحيح بعض المفاهيم

GMT 15:30:00 2008 السبت 30 أغسطس

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------



الحلقة الاولى
(٢)
(الأمويون)

٥ـ مازلنا مع ساوري الذي يتناول أيام البطريرك ألكسنروس الثاني (٧٠٥ـ٧٣٠) المليئة بالأحداث، بعد أن مات قرة بن شريك:
[[وتولي علي مصر أسامة وكان مقيما علي فعل السوء وأحصي الرهبان ووشم كل واحد بحلقة حديد في يده اليسري ليُعرف هو وبيعته وكان إذا ظهر راهب غير موسوم يقطع رجله ولم يكن يحصي عدد من شٌوِّه، وحلق لحي رهبان كثيرين وقتل جماعة وقلع أعين جماعة بغير رحمة وكان يقتل جماعة بالسياط، وكان أسامة يقول للولاة سلّمت لكم أنفس الناس لتأخذوا منهم ما تقدرون عليه من أساقفة ورهبان وبيع وكلما تجدونه (*). ومن الضيق والضنك همّ الناس ببيع أولادهم ولم يرِقّ قلب الأمير بل يزيد فيما هو فيه. وكل إنسان يوجد ماشيا أو طالعا أو نازلا من مركب وليس معه سجله (**)، يؤخذ وتنهب المركب وما فيها وتضرم بالنار. وإذا أكل فأر سجل إنسان أو أصابه ماء أو نار وبقي معه منه قطعة لا يغير له حتي يدفع خمسة دنانير. وكان لأرملة صبي نزل النيل ليشرب فخطفه تمساح والسجل مربوط معه وأمه تبكي وتحترق عليه، ثم رجعت وأعلمت الأمير فلم يترأف عليها وباعت كل ما لها وطافت المدن تتصدق حتي أوفت الدنانير العشرة]].
(*) كتب الخليفة سليمان بن عبد الملك إلي أسامة متولي خراج مصر: "احلب الدر حتي ينقطع واحلب الدم حتي ينصرم". (أبو المحاسن ج١ ص ٣٣١).
(**) لم يعد مسموحا أن يترك الفرد موطنه للسفر أو الاستيطان في منطقة أخرى بدون تصريح محدد (جواز سفر!) لضمان دفع جزيته. كان هذا رد السلطة العربية على حركة المقاومة السلبية للأقباط التي أخذت شكل هجر الأراضي الزراعية والهروب الجماعي على نطاق واسع من مكان إلي مكان فرارا من التعسف في الجزية والضرائب، بعد ما أصبح الإلتجاء إلى الأديرة لا يعفيهم من الالتزامات المادية. وكانت الأراضي تصادر لصالح القبائل العربية، ثم يجبر الفلاحون القبط على زراعتها دون مقابل. أما الأرض التي يزرعها العرب فقد كانت "عشرية" أي لا يدفع عنها خراج، بل الزكاة فقط.
[[ثم كشف علي الأديرة فوجد فيها جماعة من الرهبان بغير وشم، فمنهم من ضربت رقبته ومنهم من مات تحت السياط. ثم أنه سمر باب البيعة بالحديد وطلب منهم ألف دينار، وجمع مقدمي الرهبان وعذبهم والتمس منهم عن كل واحد دينارا وهدد بهدم البيع وتخريبها وبإرسالهم في مراكب الأسطول (*). فقلق شيوخ الرهبان ولم يكن لهم سوي الصلوات والتضرع. وسريعا توفي الملك الكبير (الخليفة) سليمان بن عبد الملك، وتولي مكانه عمر بن عبد العزيز الذي كان أمير مصر]].
(*) كانت مراكب الأسطول العربي تزود بالبحارة والجنود المصريين (القبط) الذين يجبرون علي العمل فيها حتي موتهم بعيدا عن أهلهم وديارهم. بل تم ترحيل آلاف، بعائلاتهم، من صناع السفن القبط لينشئوا ترسانة سفن في أفريقا قبيل غزو الأندلس. وقد أطلق هؤلاء اسم مدينتهم الأصلية على المكان الجديد: تنّيس = تونس.
[[وبدأ (عمر) يرفع الخراج عن البيع والأساقفة وأبطل الجبايات وكان النصاري في أمن وهدوء. ثم من بعد ذلك بدأ يفعل السوء وكتب إلي والي مصر يأمر أن "كل من أراد أن يبقي في (عمله) وبلاده فليكن علي دين محمد". فسلّم النصاري خدمتهم للمسلمين وصاروا عبرة لكثير، وتسلطت يد الولاة والمتصرفين والمسلمين علي النصاري في كل مكان، كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم. وأمر أن تؤخذ الجزية من سائر الناس (الذين كانوا معفيين منها) الذين لا يٌسلِمون. ولم يمهله الله لكن أهلكه سريعا]].
[[ثم تولي بعده يزيد، ولا يحسن أن نشرح ما جري في أيامه ولا نذكره من السوء والبلايا، لأنه سلك في طريق الشيطان وحاد عن طريق الله. وما إن أخذ المملكة حتي أعاد الخراج الدي كان عمر بن عبد العزيز قد رفعه عن البيع سنة واحدة وحمّل علي الناس حملا عظيما حتي ضاق كل من في البلاد، وأمر بكسر الصلبان في كل مكان وكشط الصور التي في البيع. ولكنه مات بعد أن ملك لسنتين وأربع أشهر]].
[[وتولي بعده (أخوه) هشام وكان رجلا خائفا من الله علي طريق الإسلام وكان محبا لسائر الناس (..) وأمر أن تعطى لمن يدفع الخراج براءة (وثيقة أو صك) حتى لا يُظلم أحد. (وولي) عبيدَ الله خراجَ مصر، ولما وصل أمر بأن تحصي الناس والبهائم وأن تقاس الأراضي وأن يجعل طوق رصاص في حلق الناس من ابن عشرين سنة (..) وضاعف الخراج وأقام ظلما كثيرا وجعل يسم علامة علي أيدي النصاري. وقبض والي الإسكندرية علي البطريرك ألكسندروس ليسمه فامتنع والتمس المضي إلي الملك (أي الوالي؛ ليشتكي من أمر الوسم) فأنفذه إلي مصر مع جند إلي عبيد الله، فلما عرفه هذا سبب حضوره لم يتركه بدون وسم. فطلب أن يمهله ثلاثة أيام وصلي سائلا الرب أن ينقله من هذا العالم سريعا، فمرض سريعا ثم توفي. لكن عُبيد الله قبض علي كاتب البطريرك الذي كان نقله (من السجن) ليموت في كرسيه، وطلب منه ألف دينار فلم يقدر، فسلمه إلي بربر متشبهين بالسباع فجرجروه حتي باب بيعة ماري جرجس ونزعوا ثوبه وألبسوه مسح شعر وعلقوه بذراعيه وضربوه بالسياط وأقاموا أسبوعا يعذبونه حتي جمع الناس ثلثمائة دينار فأفرج عبيد الله عنه بعد أن قارب الموت]].
٦ـ في أيام الأنبا ثاودوروس (٧٣١ـ٧٤٣) يقول ساوري: [[كان عُبيد الله ينزل عذابا وبلايا وخسارات علي أهل مصر. ولما تمادي ثار عليه قوم من مقدمي المسلمين مضوا إلي (الخليفة) هشام يشكونه فعزله]].
[[تولي بعد عُبيد الله ولده القاسم الذي صار الشر فيه أكثر من أبيه دفعات. ثم عُزل عن الولاية، (كما) توفي ثاودروس. وفي طريقه (القاسم) إلي دمشق لحق به في بلبيس أساقفة وجماعة من النصاري سائلين أن يسمح بإقامة بطريرك جديد فالتمس منهم مالا، فلم يدفعوا. ثم تولي حفص بن الوليد الحضرمي، ورُسم خائيل]].
٧ـ وفي أيام البطريرك خائيل ٤٦ (٧٤٤ـ٧٦٨): [[أمر حفص أن يصلي كل من بمصر وأعمالها بصلاة السُنّة وكل من يتخلي عن دينه ويكون مسلما لا تؤخذ منه بعد جزية (..) ولأجل هذه الخصلة ضل خلائق من المصريين النصاري فتخلوا عن دينهم، ومنهم من اكتتب وصار من العسكرية. وكان البطريرك ينظر وهو حزين باك (..) وحضر أراخنة وقالوا له "صلِّ واجتهد فقد أحصينا من انتقل إلي دين الإسلام في مصر وأعمالها علي يد هذا الوالي أربعة وعشرين ألف إنسان"]].
[[ومات حفص محترقا بالفسطاط وتولي بعده حوثرة من قِِِبَل مروان بن محمد الذي اختطف الخلافة من ابراهيم بن الوليد. وكان محبا للأرثوذكسيين وقامت السلامة والهدوء بمصر خمس سنين ثم عُزل وتولي عبد الملك ابن مروان (..) وكان يبغض النصاري جدا وبه تكبر عظيم وأنزل تعبا عظيما علي أهل مصر. وحدث خلاف مع الروم حول (ملكية بعض الـ) كنائس وكان الوالي مرتشيا من الروم. ثم عُزل وصار عوضا عنه رجل من أولاد قضاة المسلمين يسمي أبا الحسن وكان شيخا وديعا لا يحابي أحدا ولا يأخذ برطيلا (رشوة) وكان حكيما في كلامه يقطع بالحق في قوله (فأنصف القبط)]].
[[وأحضر عبد الملك الأنبا خائيل إلي مصر لأجل خراج بيعه (*)، وطلب منه ما لا يقدر عليه فاعتقله ووضع في رجليه خشبة وطوق حديد في رقبته، وكان معه أنبا موسي أسقف أوسيم وتادرس أسقف مصر. وجعلهم في خزانة (زنزانة) لا تنظر الشمس وليس فيها طاق وكان تحت ضيق من التكبيل بالحديد شهرا. وكان معهم في الاعتقال ثلاثمائة رجل ونساء أيضا في ضيق أكثر من الرجال. وكان المرضي يجيئون للبطريرك ليبارك عليهم، من النصاري والمسلمين حتي البربر (..) ثم أحضره الملك وطالبه بالمال وضيق عليه، فطلب أن يأذن له بالذهاب للصعيد "ومهما دفعه لي النصاري وساعدوني أحضرته لك". فأطلقه. وكانت كورة مصر قد هلك أهلها من الظلم والخسائر والخراج]].
(*) ضرائب مباني الكنائس والأرض الزراعية الموقوفة عليها، إن وجدت.
[[ولما علم مرقوريوس ملك النوبة (*) بما حدث للأب البطرك أرسل إلي عبد المك رسولا ليطلقه، فأخذ (رسوله) واعتقله. فسار في عسكر عظيم مائة ألف فارس ولما قربوا إلي مصر نزلوا ببركة الحبش ونهبوا وقتلوا المسلمين وكانوا قد فعلوا ذلك بمسلمي الصعيد. فلما علم (عبد الملك) بوصول ملك النوبة ولم تكن له قدرة علي محاربته أطلق رسوله. وكتب البطريرك (الذي كان الوالي قد أطلقه ليتسول المال) يطلب من (الملك) أن يعود لبلاده بغير حرب. فعاد بعسكره بعد أن نهب من المسلمين شيئا كثيرا. و(قبلها) كان المسلمون (من مصر) يسرقون أهالي النوبة ويبيعوهم (في سوق العبيد)]].
(*) مملكة النوبة كانت تشمل النوبة والسودان الحاليين حتى الخرطوم.
[[ولم تجد ديار مصر طمأنينة ولا راحة في أيام مملكة عبد الملك، وصنع مع الديارات (الأديرة) ما لا يجوز لبغضته في النصاري. ثم كانت له ابنة عمرها أربع سنين بها روح نجس فسأل الأب البطرك أن يصلي عليها ففعل وخرج منها الشيطان فصار يحب النصاري (؟)]]
[[وكان في ذلك الزمان أن جند (الخليفة) مروان كانوا يتحاربون ويسفكون دماء بعضهم البعض ولا يهدأون من الحرب. وقام عليه عبد الله أبو مسلم الخرساني. وأخرج مروان من دمشق مالا كثيرا وجواهر وذخائر وأحرق الباقي بالنار (لكي لا يحصل عليها العباسيون). وفي طريقه (للهرب) لمصر، راح لشيخ راهب يسأله عما سيجري له فقال له "إذا قلت لك الحق تقتلني ولكن أنا قول لك ما أظهره الله لي. بالكيل الذي كلت به يكال لك وكما جعلت الأمهات بغير أولاد كذلك تصير أمك بغير أولاد ويأخذ ملكك الذي يتبعك الآن". فلما سمع ذلك أنزل الشيخ وحرقه بالنار وهو حي. ووصل لمصر (سنة ٧٥١) وكان قبلها أن عصي علي عبد الملك قوم من البشمور (*) ومقدمهم مينا بن بكيره وقوم أخر من شبرا سنبوط ومسكوا تلك الكورة ولم يعطوا خراجا فخرج عليهم عبد الملك بعسكر فهزموه. ولما وصل مروان أنفذ عسكرا كثيرا من مسلمي مصر وممن وصل بصحبته من الشام فلم يقدروا الوصول إليهم لأنهم تحصنوا في مواضع الوحلات (مستنقعات وبحيرات شمال الدلتا)]].
(*) بعد المقاومة السلبية وعمليات الهروب الجماعي، بدأ القبط في القيام بثورات متعددة شملت الوجهين القبلي والبحري، وكان أعنفها تلك التي قام بها عدة مرات أهل البشمور، وهي المنطقة الرملية الساحلية شمال الدلتا. كانت أول الثورات في ٨٧هـ (٧٠٦م) في الدلتا وأيضا الصعيد، وأخمدتا بالقوة. وقامت ثورة ثالثة في عهد هشام بن عبد الملك في ١٢٠هـ (٧٣٨م) ثم رابعة في ١٢٢هـ (٧٤٠م) علي يد يُحنّس (يؤنس، حنا) القبطي في سمنود. وتجددت بعدها للمرة الخامسة (كما سنري في الفقرات التالية) في رشيد في عهد مروان آخر الخلفاء الأمويين (راجع المقريزي "إغاثة الأمة بكشف الغمة"). أما الثورة السادسة فكانت أيام العباسيين (راجع المقال القادم). ويقول جمال الدين: "وقد كشفت تلك الأحداث عن أن العلاقة بين معظم الحكام والبلدان التي تم احتلالها لم تكن إلا لحلبها حتي تدر الدم، والبطش بكل من يحاول الاعتراض".
[[وجاء مروان لمصر ووجد من وصل معه ثمانية آلاف فأمر الرعية قائلا: "كل من لا يدخل ديني ويصلي صلاتي ويتبع رأيي من أهل مصر قتلته وصلبته، ومن دخل معي في ديني خلعت عليه وأركبته وثبّتُّ اسمه في ديواني وأغنيته". فتبعه ألف إنسان سريعا وصلوا صلاته (أي أسلموا) فدفع لكل واحد عشرة دنانير (..) ودخلت جيوش مروان اسكندرية (بقيادة) حوثرة وقتل كثيرين ونهب أراخنتها وأسَر أولادهم ونساءهم وأخذ كل ما لهم. وأخذ الأنبا خائيل وقال له كيف مكنت أولادك النصاري (البشامرة) أن يقاتلونا؟ (..) وأودعه السجن. وسجن أيضا بطريرك الملكيين ولكن شعبه جمعوا ألف دينار بعد خمسة أيام فأخلي سبيله، وطلب (حوثرة) من الأنبا خائيل أيضا مالا فقال له ما في بيعتي شيء فافعل بي ما شئت. فجذبه وطرحه على ركبتيه وضربه بقضيب مائتي ضربة علي رأسه وكانوا يجذبونه وهو مثل الخروف الصامت، ثم أمر (حوثرة) أن تؤخذ رأسه ومد السياف يده ولكنه غير رأيه وقال نحمله إلي رشيد وندعه يكتب لهم (البشامرة، ليكفوا عن العصيان)]].
[[وخرج البشامرة وقتلوا جنود مروان. (ووصل الخبر لمروان، كما وصله أن أعداءه العباسيين قد اقتربوا) فكتب لجنده الذين انهزموا يقول "تعاولوا إليّ بسرعة فقد احتجت لكم وكل بلد تصلون إليه انهبوه واقتلوا أهله"، فسار أولئك الكفرة إلي الصعيد وقتلوا جماعة من الأراخنة ونهبوا أموالهم وسبوا حريمهم وأهاليهم وأولادهم وأحرقوا ديارات (أديرة) الرهبان وأخذوا الراهبات. (تفصيل قصة الراهبة التي خدعت الجند ليقتلوها بالسيف مفضلة الموت...)]].
[[ووصل الأب البطرك في صحبة الجند (إلى الفسطاط؟) وأمر مروان بإحضاره إلي خيمته. وكان حوثرة الكافر عند مروان يقول له: هذا البطرك كان يقول للنصارى تقووا فإن الله ينزع المملكة من مروان ويسلمها لأعدائه. فلما سمع مروان قال له (على لسان ترجمانه): أنت بطرك اسكندرية؟ فقال: أنا عبدك نعم. فقال مروان: (بل) أنت رئيس أعداء مذهبنا (ديننا). فأجاب: ما أنا رئيس أشرار. وشعبي لا يعمل سوء، لكن التعب أهلكهم حتى باعوا أولادهم. ثم أمر مروان الأعوان أن ينتفوا شعر لحيته، وكانت كبيرة نازلة على صدره. وكان الخرسانيون في البر الشرقي وليس لهم وسيلة لعبور النيل (سبق مروان وأحرق كل المراكب). وقيل لمروان أنهم وجدوا سبيلا للعبور (..) وأمر أن يحفظ البطرك ومن معه للغد. ثم (رجع). ومع شروق الشمس أتوا بالبطرك أمامه وأوقفه بين يديه وتركه نحو عشر ساعات وكان حوله سيوف مسلولة وآلات حرب وكان من معه عشرة (أساقفة وكتبة) مع جنود يعذبونهم ويتشاورون عليهم (..) وسأل عبد الله بن مروان أباه أن يطلقهم: "لأن الأعداء يقتربون وإذا اشتد الأمر نمضي لبلاد السودان وهم (أتباع) هذا الشيخ (البطرك)، فإن قتلته قاموا علينا". فقيدهم بالحديد ووضعهم في الحبس في سجن الجيزة]].
[[ثم أمر مروان من معه أن يقتلوا ويأسروا وينهبوا الناس، وأنفذ إلى الصعيد وقتل جماعة (= كثيرا من) النصارى. وبعد ما أفسدوا واستباحوا من النساء وأفسدوا من العذارى كثيرين، جاء قوم للخرسانيين ودلوهم على طريق ليعبروا النيل. فتابعوا أصحاب مروان وقاتلوهم. وحمل مروان نساءه وأمواله وهرب خفية]].
[[وأطلق البطرك ومن معه (..) والحديد (= القيود) في أرجلهم. والله يشهد أن قوما من المسلمين نزلوا من خيلهم وفكوا الحديد ومضوا بهم إلى كنيسة مار بطرس في الجيزة]].
[[وطارد الخرسانيون مروان وأصحابه وصلبوه منكسا بعد أن قتلوه]].
***
وعلي هذه الخلفية الدموية نأتي إلي نهاية حكم الأمويين ومجيء العباسيين، بمساعدة واضحة من المصريين، بل السماء أيضا [[وكان النيل يزيد كل يوم نحو ذراع فكان الناس يقولون أن يد الرب مع الخرسانيين]]
وأكرم العباسيون الأنبا خائيل كرامة عظيمة وسامحوا البشامرة من الخراج....
لكن هل بقيت الأمور على حالها؟
وإلي حديث آخر...

--------------------------------------------
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/9/363345.htm


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (3)

GMT 17:00:00 2008 السبت 6 سبتمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


العباسيون


هاهم العباسيون قد ملكوا بمساعدة المصريين، فماذا حدث؟
يقول ساوري: [[وكان مروان قد أحرق الكتب وحساب الدواوين. وتولي علي مصر أبو عون (ابن عبد الملك بن يزيد). وبعد قليل وصل رجلان من أصحاب الدواوين من عند الملك؛ عطا بن شرحبيل وصفي، وكانا بعيدين عن معرفة الله (= قليلي الرحمة) وأعادا حسابات مصر إلي ما كانت عليه مع مروان. وأعطيا السلطان ليفعلا ما أرادا، من أجل بغضهما لنا نحن النصارى ومحبتهما للفضة. وكانت عوائد مصر بعد إقطاعات الأجناد ونفقات دار السلطان وما يحتاجه لتدبير المملكة وكل ما يفضل يحمل لبيت المال في كل سنة مائتي ألف دينار]].
[[وفي ثالث سنة من مملكة الخرسانيين، ضاعفوا الخراج وأكملوه على النصاري ولم يوفوا لهم بما وعدوهم. وكتب عبد الله الملك (الخليفة، الشهير بالسفاح) إلي جميع مملكته أن كل من يصير على دينه ويصلي كصلاته يكون بغير جزية. فمن عظم الخراج والكلف عليهم أنكر كثير من الأغنياء والفقراء دين المسيح (*). فمضى الأنبا خائيل إلي أبي العون الوالي وخاطبه بسبب البلايا التي فعلت بمصر بعد فعل الخير الذي أضمره (وعد به)، فقال له: الملك أمر بذلك لأن قوم سوء قالوا له إن وجد أهل مصر راحة سنة واحدة نافقوا عليك وحاربوك كما حارب البشامرة مروان. فسأله أن يفعل خيرا مع بيع (كنائس) الاسكندرية في خراجها، فطلب إلي كاتبيه أن يفعلا فلم يقبلا وكانا يـُميلان قلبه للسوء]].
(*) في نفس الوقت، ولتعويض النقص في الجباية الناشيء عن التحول، تم التشديد على ضرورة المحافظة على مستوى الإيرادات عن طريق زيادة الجزية والخراج على من لم يتحولوا؛ مما زاد الأعباء على هؤلاء وبالتالي ضاعف من الضغوط، ودخل القبط في حلقة جهنمية مفرغة.


8ـ وفي السنوات 767 حتى 799 لا يذكر ساوري من الأحداث ما يخرج عن "المعتاد" من المضايقات والوشايات. وبعدها سمح الوالي للأنبا مرقس 49 (799ـ819) بعمارة الكنائس التي كانت قد هدمت في فسطاط مصر (مصر القديمة).
[[بعد ذلك دخل إلي الإسكندرية قوم يسمون الأندلسيين ومعه كثير من جزائر (بلاد) الروم واستمروا علي هذا من مصر ينهبون ويجلبون السبي (النصاري) إلي اسكندرية ويبيعونهم عبيدا، فحزن الأنبا مرقس لبيعهم الأنفس مثل الغنم ويسلم (يدخل الإسلام) منهم كثيرون. ومما كان في قلبه من الرحمة كان يشتري منهم مثل رهبان وقساوسة وشمامسة وعذاري وأمهات أولاد، وكان إذا اشتري شخصا كتب له صك عتقه لساعته (...)]] ثم يصف ساوري قتال القراصنة الأندلسيين وغيرهم والفوضي التي عمت البلاد ويقول [[وقتلوا كل من لقوه من أهل البلد من المسلمين والنصاري واليهود]].
[[وفي ذلك الزمان نزلت علي برية وادي هبيب (شيهيت، وادي النطرون) بلايا عظيمة إذ نهبها العرب وأسروا الرهبان وهدموا البيع والقلالي فتشتت الشيوخ القديسون في كل موضع من الأرض]].


9ـ وفي أيام الأنبا أبا يعقوب البطريرك الخمسون (819ـ830) [[أنفذ الوالي عبد العزيز الجروي للبطرك إنسانا ليجعله أسقفا، فلم يقبل أن يخرج عن قانون البيعة. فكتب له (مهددا) أنه يهدم جميع البيع ويقتل الأساقفة في كل موضع ما لم يجتمع به البطرك (*). (ثم) سقط عليه (الوالي) حجر فمات وتولي بعده ابنه علي فأعاد الرخاء لاسكندرية بعد موجة غلاء فاحش. وعاد رهبان أبي مقار إلي ديرهم]].
(*) ليس فقط لم يكن مسموحا للقبط باختيار وترسيم بطريركهم إلا بموافقة الحكام؛ بل ها هم الحكام يحاولون فرض من يريدون ـ وهو ما يخالف تماما تعاليم وتقاليد الكنيسة...
[[ثم وصل (في 826) إلي كورة مصر أمير (والي) من عند ملك المسلمين، اسمه عبد الله بن طاهر، وكان رجلا خيرا رحوما في دينه محبا للعدل مبغضا للظلم (..) ثم بدأ ذلك الأمير يشدد علي الأب (البطريرك) في طلب الخراج، ولم يكن معه ما يدفع من عدم (أي بسبب فقر) البيعة لكثرة الحروب، وأخرج (أعطي كخراج) أواني البيعة للأمة المخالفة]].


10ـ أما الأنبا يوساب (830ـ849) فقد منع والي الاسكندرية عبد الله بن يزيد رسامته إلا بعد دفع ألف دينار له.
[[وكان متولي الخراج أحمد بن الأسبط وابراهيم بن تميم، ومع ما كان الناس عليه من البلايا، كانا يطلبان الخراج بغير رحمة وكان الناس في ضيق زائد لا يحصى (..) ونزل غلاء عظيم علي كورة مصر حتي أن القمح بلغ خمس ويبات بدينار، ومات بالجوع خلق كثير من النساء والأطفال والشيوخ والشبان ما لا يحصى عدده. وكان متولي الخراج يؤذي الناس في كل مكان، وأكثر النصارى البشموريين كانوا يعذبونهم بعذاب شديد إلي أن باعوا أولادهم (لسداد) الخراج، وكانوا يربطونم في الطواحين بدلا من الدواب ويضربونهم حتى يطحنوا. وتمادت عليهم الأيام وانتهوا إلي الموت (وبدءوا في أعمال عصيان). وكان في ذلك الوقت (الخليفة) عبد الله المأمون، ابن هارون الرشيد. ولما انتهي إليه حال مصر، أنفذ عسكرا مقدمه (قائده) الأمير الأفشين فقتل (البشموريين) والخوارج من شرقي مصر (و) انتهى إلى المدينة العظمى اسكندرية فأراد أن يقتل كل من فيها من أهلها لأنهم مكنوا العدو من الدخول إلى مدينتهم (فمنعه الله من ذلك). وكان الأفشين يقتل حتى الأبرياء بجريرة المفسدين. وقتل جماعة من أراخنة النصارى في كل موضع. وكان البطريرك حزينا لمشاهدة ذلك، من الوباء والغلاء والسيف]].
[[وتم البشموريون مؤامرتهم وصنعوا لهم سلاحا وحاربوا السلطان و(رفضوا) دفع الخراج (..) وحزن الأب البطريرك على أولئك الضعفاء لأنهم لا يقدرون على مقاومة السلطان (..) فكتب إليهم كتبا مملوءة (تخويفا) ليندموا ويرجعوا عن مقاومة السلطان. ولم يفتر من مكاتبتهم كل يوم وكان يكتب إليهم فصولا من الكتب (من رسالة بولس الرسول). لكنهم أهانوا الأساقفة (الذين حملوا الرسائل). وكتب الأفشين إلي الخليفة (..) فجاء إلى مصر مصطحبا معه بطريرك أنطاكية (بسوريا؛ المتحد مذهبيا مع القبط)، فذهب الأنبا يوساب مع جميع الأساقفة إلي الفسطاط ليسلم عليه (..) وفرح المأمون لما عرف بمكاتباته ليردع البشموريين عن مقاومة أمر الخليفة. وقال: هوذا آمرك أنت ورفيقك (بطريرك أنطاكية) أن تمضيا إلي هؤلاء القوم وتردعاهم ليرجعوا ويطيعوا أمري (..) ففعل البطركان وسارا إلي البشموريين ونصحاهم ووبخاهم فلم يقبلوا، فعادا وأخبرا المأمون فأمر الأفشين أن يسير إليهم بعسكره ويقاتلهم. فلم يقدر عليهم لتحصين مواضعهم، بل كانوا يقتلون من عسكر الأفشين كل يوم جماعة]].
[[وسار المأمون بجيشه وأمر بحشد جميع من يعرف طرق البشموريين من أهل المدن والقري المجاورة، فوصل إليهم (الجيش) وأهلكوهم وقتلوهم بالسيف ونهبوا وخربوا مساكنهم وأحرقوها بالنار وهدموا بيعهم (كنائسهم). ولما رأي المأمون كثرة القتلى أمر العسكر أن ترفع السيف والذي بقي منهم أسره إلي مدينة بغداد من الرجال والنساءّ (*)]].
ولما عرف (؟) بطريرك أنطاكية أن سبب الثورة كان ظلم متولي الخراج [[تقدم للمأمون وقال له (بسبب الثورة)، (..) فلما سمع منه قال له اعف نفسك ولا تقم بمصر بعد هذه الساعة، فلو سمع أخي (ابراهيم المعتصم، الذي ملك بعده) ذلك لقتلك لأن جباة الخراج كانوا من عنده (..) فسار من مصر فورا. ولما سمع ابراهيم بما قال غضب جدا. ولما توفي المأمون وجلس ابراهيم (المعتصم) أخوه، هرب (بطريرك أنطاكية) حتى عاهده أنه لا يقتله]].
(*) تذكر بعض المصادر أن البشموريين الذين أُسروا تم توطينهم في مستنقعات الأهواز (شط العرب) في جنوب العراق ليصلحوا أرضها وذلك في ظل ظروف مناخية سيئة وأمراض الملاريا (..) ولعل بقاياهم شاركوا في ثورة الزنج.
وجدير بالذكر أنه بعد المذبحة التي قام بها المأمون (بمساعدة، غير مقصودة، من بعض القبط) تقدم إليه أحد كبار القبط وطلب أن يوليه على مدينة بورة (بالقرب من دمياط)، فعرض عليه المأمون اعتناق الإسلام حتى يمكنه أن يعهد إليه بهذه الولاية، فقال له: "لأمير المؤمنين عشرة آلاف مولى مسلم (أي متحولون)، أفلا يكون له مولى واحد نصراني؟" فعهد إليه بالمدينة. (ترتون، أهل الذمة في الإسلام). وتشير روايات تاريخية أن المأمون سأل أحد أصحابه، ويسمى عمرو بن عبد الله الشيباني، عن أصل القبط، فأجابه بأنه يرجع إلى فراعنة مصر القدماء، ثم ذكّره (بسبب شكوى مسلمين ومتحولين) بأن الخليفة عمر بن الخطاب قد نهى عن استخدامهم في أعمال الحكومة والكتابة، فلما عاد المأمون إلى بغداد أمر بعزل جميع الذميين من وظائفهم وسجن الكثير منهم. (ابن النقاش، الذمة في استعمال أهل الذمة).
[[فلما أفاق البطريرك قليلا اهتم بأمر الحبشة والنوبة (..) وكانت الحروب قد قامت بينهم وبين الولاة المسلمين إلى أن تولى ابراهيم (المعتصم) فكتب إلي زكريا ملك النوبة (يطلب منه) خراج أربع عشر سنة سلفت (من العبيد) وإلا نحاربك. وكان كاتب الوالي في الصعيد انسان شماس اسمه جرجه، فكتب إلى البطريرك (ينصحه)، فكتب البطريرك إلى ملك النوبة (..) يقول "وكانت خطيتي تمنعني من أن أكاتبكم لأجل الحروب ومخالفة أهل البشموريين لأوامر الملك إلى أن قتلهم وخرب مواضعهم وهدم بيعهم (..) فيجب يا أحبائي أن تتموا ما يجب عليكم لهؤلاء الملوك (..)”. فلما وصل الكتاب قال زكريا "ماذا أفعل (..) ومن يجمع لي بقط أربع عشرة سنة أنفسا (عبيدا) أنفذهم إليه (المعتصم)"]]. ثم أرسل ولده إلى مصر ثم بغداد فتنازل المعتصم عما مضي من سنين لأجل حضوره وإعلان طاعته.
وبرغم جهود البطريرك في الضغط على ملك النوبة وإقناعه بالخضوع للمعتصم، فقد[[ أنفذ الملك (المعتصم) إلى مصر أن تؤخذ من البيع (الكنائس) في كل مكان الأعمدة والرخام، وكان (المسئول عن تنفيذ الأمر) نسطوري اسمه العازر (..) ثم وصل إلى (دير) الشهيد مار مينا بمريوط وأخذ ما فيه من العمد والرخام النادر (برغم توسلات البطريرك) وأرسله إلي الاسكندريه لينفذوه إلي مدينة الملك (..) فحزن الأب حزنا عظيما]].
[[وبعد أيام جاء وباء عظيم على البهائم (..) حتى أن لا يقدر أحد أن يمشي في الأزقة إلا بعد أن يسد أنفه من كثرة الجيف، وانقطع الزرع وكانت أرض مصر في حزن عظيم. ثم عاد الوباء على الناس وفنوا (..)]]. وانتهت فترة الأوبئة.
[[وكان انسان قاض بمصر اسمه محمد بن عبد الله، وكان مخوفا لا يقدر أحد أن يقاوم كلامه لأن كان عند جميع المسلمين مثل الفقيه والإمام وعارف بمذهبهم (ولكنه) يفعل أفعالا مذمومة سرا وكان محبا لشراب النبيذ وسماع الغنى، واقتنى الجواري الحسان وأحب اللذة والزنا بلا خوف من الله ولا حياء من الناس (..) وكان مستمرا على جهله وشتمه (لكل) مذاهب المسيح وفاتح الأب البطريرك عدة مرات ويخزي عليه (..)]].
[[ثم تولى على الاسكندريه (848) مالك بن ناصر الحدر، وكان إنسان سوء ظالما أكثر من الوالي الذي كان قبله (..) فلما كان بعض الأيام ركب وجاء إلى (مسكن) البطريرك ومعه سراري، ثم أنه طاف جميع المسكن حتى انتهى إلى المخدع الذي ينام فيه البطاركة كل زمان، فطرد الأب منه وأدخل سراريه إليه وأكل معهن وشرب ونام معهن فيه، وهو الموضع الممتليء بخورا وطيبا من صلوات البطاركة فحزن الأب وبكى جدا (..) فلما فعل هذه الأفعال الطمثة خرج وعاد إلى موضعه]]. يقول ساوري أنه مرض ذلك اليوم حتى شارف الموت، وكان ينزف ولم يقدر الأطباء على شفائه.
ثم وشي البعض بأن البطريرك [[يكاتب ملوك الروم (الذين) يُنفذون (يُرسلون) إليه مالا كثيرا، فأرسل وأحضر البطريرك واعتقله في موضع ضيق، وعول على عقوبته إلى أن يدفع له ألف دينار (ثم خفضها) إلى أربعمائة دينار، فجمعها تلاميذه فأطلقه (..)]] وفي اليوم السابع مات الوالي.


11ـ وفي أيام الأنبا قزما (851ـ859) ازداد تعسف الوالي بالاسكندرية حتى اضطر البطريرك إلى تغيير مقر كرسيه إلى مدينة دميره، شرقي مصر. [[ثم أن ملك المسلمين جعفر المتوكل (الخليفة العباسي، تولى في 847) أنزل على البيع في كل مان بلايا لا تحصى عددها. وأمر بهدم البيع كلها ولا يكون أحد من النصارى الأرثوذكسيين (الأقباط وأتباع كرسي أنطاكية) والملكيين والنسطوريين ولا اليهود بلباس أبيض بل بلباس مصبوغ ليظهروا في وسط المسلمين. وأمر أن تجعل صور مفزعة على ألواح خشب وتسمر على أبواب بيوت النصارى، وألزم أكثرهم بالإسلام]].
[[وأمر ألا يخدم نصراني في خدمة السلطان بالجملة، إلا القوم المسلمين ومن ينتقل إلى الإسلام (*). ولأجل ذلك قلت المحبة والصبر من قلوب كثير حتى أنهم أنكروا المسيح؛ فمنهم من أنكر بسبب رتبة العالم لمحبتهم فيه، وآخرون لما لحقهم من الفقر. فلما علم السلطان (الذي يقوم بالحكم التنفيذي تحت الخليفة) أنه قد زرع هذا الأمر الطمث (الرديء) في الكورة البرانية، بدأ يبذره في كورة مصر (..) فأنفذ من جهته انسانا اسمه (عنبسه) ابن اسحاق ولاه خراج مصر والولاية، وأمره أن يفعل في بيع مصر والنصارى مثلما فعل بمدينة بغداد والمشرق. فلما وصل بدأ بالنصارى وأنزل عليهم بلايا وأذلهم جدا بأحزان شتى (..) ثم بدأ (يمنع) إظهار علامة الصليب تماما، وجعل يكسر كل صليب في البيع بالجملة (..) وضيق علينا وعلى مذهبنا حتى أن النصارى ما عادوا يتمكنون من الصلاة في البيع إلا بصوت خفي، لا يُسمع من الخارج، ومنعوهم من الصلاة على نصراني إذا مات. وقطع ضرب الناقوس. ثم بدأ يمنع النصارى من القداسات وأن لا يقدسوا جماعة (..) ولم يزل هذا الظالم يثقل نيره على النصارى من شدة بغضه لهم (..) وأخرج النصارى من الدواوين وجعل عوضا عنهم المسلمين. وجعل النصارى واليهود يصبغوا ثيابهم. وجعل على أبوابهم كما في بلاد المشرث صورا مفزعة تشه شيطانا عليها رؤوس كثيرة ووجوه لها نابين راكبة على صورة تشبه خنزير. وأمر ألا يركب نصراني فرسا. هذا فعله (لكي) يخرج النصارى من دينهم. وقوم كثير لم يصبروا (بل تحولوا)]].
(*) كره هذا الخليفة العباسي، كما كره قبله الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز وغيره، استعمال الذميين في أعمال الدواوين، وتقول أحدى المكاتبات إلى عمال (ولاة) الأقاليم: "أما بعد، فإن المشركين نجس حين جعلهم الله جند الشيطان وجعلهم الأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فأولئك لعمري مما تجب عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين. إن المسلمين كانوا فيما مضى إذا قدموا بلدة فيها أهل الشرك، يستعينون بهم لعلمهم بالجباية والكتابة والتدبير، فكانت لهم في ذلك مدة، فقد قضاها الله. فلا (عرفتَ) كاتبا ولا عاملا في شيء من عملك (ولايتك) على غير دين الإسلام، إلا عزلت واستبدلت مكانه رجلا مسلما. فإن مَحقَ أعمالهم (هو) مَحقُ أديانهم، فالأولى بهم إنزالهم منزلتهم التي أنزلهم الله بها من الذل والصغار. فافعل ذلك واكتب إليّ كيف فعلت" (ابن النقاش، الذمة في استعمال أهل الذمة، وابن قيم الجوزية، أحكام أهل الذمة ص212).
[[وفي ذلك الزمان تقدم الوالي (عنبسة) بعمل مراكب في سائر البلاد التي على الساحل لأن الروم كانوا قد وصلوا دمياط ونهبوها وأقاموا ثلاثة أيام ومضوا. لأجل ذلك عملت مراكب كثيرة (..) وكانوا يمضون بها إلى بلاد الروم ويحاربونهم. (وكان) ينفق في الأسطول كل سنة مالا كثيرا. أما النصارى (القبط) فإنهم كانوا يسيروهم في المراكب ولا يُدفع لهم ما ينفقوه في طريقهم ولا درهم واحد ولا زاد الطريق بل كانوا يعطوهم جراية من الطعام فقط. وكان الوالي من كثرة بغضته للنصارى يفعل هذا ويحصي البلاد كلها ويجعل على كل ضيعة عددا من الرجال يعمل في الأسطول. وكان لا يعطيهم سلاحا (بل عليهم شراء سلاح) ويتفقد أحوالهم ومن وجده بغير سلاح، أو في سلاحه نقص، يقسو عليه ويغرمه ويأمره بابتياع عدة يقاتل بها. حتى أنهم كانوا يأخذون (أشخاصا) ضعفاء لا قدرة لهم ولا يعرفون صنعة البحر ولا القتال، فكان (بعضهم) يدفعون ما يملكون (لأشخاص يقبلون الذهاب بدلا عنهم). ولما اشتكوا، أمَر (الوالي) أن يُعطى كل واحد من النصارى ديناران، (ولكن كان على الواحد منهم أن يزيد عنها) لمن يقيم بديلا عنه من المسلمين بخمسة عشر دينارا. وكانوا، من الاضطهاد الذي نالهم، يشتهون الموت (..)]].
تبين الفقرة السابقة حركة تجنيد، أو تسخير، الأقباط في الأسطول الحربي دون هوادة وكيف عوملوا بوحشية زائدة تجاوزت حدود معاملة العبيد. ويذكر جمال الدين، حول تجنيد القبط في الجيوش الإسلامية تجنيدا إجباريا مدى الحياة، كيف أن الخليفة الفاطمي المعز استخدمهم في فرقة من جيوشه، بعد احتلال مصر.
ثم استُدعي عنبسة إلى بغداد [[وكان قد تزوج بمصر واقتنى سراري وبنى مساكن ورزق أولادا واقتنى نعما كثيرة لا تحصى، وللوقت أصابه فالج ومات عقب ذلك بأيام قليله]].
***
مما سبق، أعلاه والمقالات السابقة (التي استندنا فيها إلى أكثر من ألفي صفحة، راجعناها بالتفصيل)، نلاحظ بعض الإجابات للأسئلة التي اقترحنا في بداية هذه السلسلة محاولة فحصها. ونلفت النظر خاصة إلى:
ـ أنه لا يوجد اختلاف بين الأمويين والعباسيين من جهة الشراسة والجشع والهمجية التي يحسدون عليها...
ـ انفضاح الأكاذيب التي يرددها تلاميذ (عبيد؟) مدرستي "التاريخ المقدس" و "السلف الصالح المقدس" مثل أن "الجزية كانت مبلغا زهيدا" (الحقيقة أنها كانت مبلغا باهظا لا يقدر عليه الفقراء ومعظم متوسطي الدخول)؛ أو أن "الجزية فرضت على أهل الذمة كبديل عن تجنيدهم في جيوش المسلمين" (الحقيقة أن القبط جندوا، بل سخروا، إضافة لدفع الجزية)؛ أو أن سوء معاملة القبط وقهرهم كان استثناء في بعض فترات التاريخ (الحقيقة هي أن العكس هو الصحيح).
ـ أن موقف الكنيسة يبدو ثابتا مع الأيام: رفض العنف كمسألة مبدأ، والخضوع للحكام أيا كانوا. ومع ذلك نرى بوضوح أن الحكام العرب، بكافة أشكالهم، على مدى أكثر من قرنين، لم يكونوا يعبأون إطلاقا بمثل هذه المواقف بل كانوا يعنفون ويبتزون ويفترون كما يشاؤون. بل إنه بين 15 بطريركا تولوا بعد الغزو العربي حتى الأنبا قزما المذكور أعلاه، تم القبض على ستة منهم وسُجنوا وعُذبوا وأُهينوا. (ملحوظة: عندما عزل أنور السادات، قبل شهر من اغتياله، البابا شنودة الثالث ونفاه إلى أحد أديرة الصحراء، ثم أبقاه حسني مبارك منفيا إلى اكتمال أربعين شهرا؛ هل فعلا أكثر من استرجاع تقاليد "أجدادهم" من الولاة؟).
-------------------------------------------------------------

http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/9/365370.htm

حكايات الاحتلال... (٤): الولاة الأتراك

GMT 14:00:00 2008 السبت 13 سبتمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (٤)


كان صاحب الاسم الشاعري "عنبسة" آخر حاكم عربي على مصر في الفترة التي امتدت لأكثر من قرنين منذ الغزو العربي، وبدأت بعدها فترة الولاة الأتراك، بدءا بيزيد بن عبد الملك (٨٥٦). ذلك لأن الخلفاء العباسيين في بغداد قد بدأوا الاستعانة بقبائل تركية قادمة من أواسط آسيا، أولا كجنود ثم وزراء، لحمايتهم في مواجهة سطوة العرب والفرس. وسريعا تفشت سطوة هؤلاء وأصبح كبير الوزراء منهم وتسمي "سلطان" ليصبح الحاكم الفعلي الذي يرسل الولاة (غالبا أتراك) للأقاليم.
وجدير بالتنويه أن دارسي التاريخ يقسمون الفترة بين الغزو العربي (٦٣٩) والغزو العثماني (١٥١٧) إلى ثلاث حقب رئيسية: حقبة الولاة (العرب ثم الأتراك)؛ والحقبة الفاطمية؛ والحقبة الأيوبية المملوكية.
***
هل اختلفت الأمور بالنسبة للقبط تحت الولاة الأتراك؟
١٢ـ في أيام الأنبا شنوده، البطريرك الخامس والخمسون (٨٥٩ـ٨٨٠) يقول ساوري:
[[وكان في تلك الأيام جعفر المتوكل خليفة، وثار عليه ولده محمد (المنتصر) وأخذ مملكته. ولما تولى، عزل جميع الولاة الذين كانوا في زمن أبيه (..) وأنفذ إلى مصر أحمد ابن محمد المدبر، وكان رجلا شديدا وصعبا (..) ففعل أفعالا لم يفعلها أحد قبله. وكان قد أقام بفلسطين مدة كبيرة وأذاق أهل تلك البلاد صعوبة وبلايا (..) وعند وصوله إلى مصر (..) أنفذ إلى الديارات (الأديرة) بكل موضع وأحصى الرهبان التي فيها وطالبهم بالجزية والخراج عن الحشيش وعن النخيل والشجر. فلما وصل الخبر للأنبا شنودة بكى بكاء مرا وقال: "أيها الجبل المقدس وادي هبيب (شيهيت، النطرون) الذي هو ميناء الأنفس الضالة كيف أقام عليك الشيطان هذا البلاء الذي يحل بالساكنين فيك". وكان هذا الإنسان (الوالي) الظالم يطلب الأب (البطريرك) ليأخذه ويمضي ويضمن ما يتعلق بهذا الوادي وجميع ديارات مصر (..) فهرب منه (..). ومن شر فعله، أنفذ (الوالي) إلى كل البيع (الكنائس) وأحضر ما عند كل واحد (..) وأمر أن تغلق البيع بمصر (الفسطاط؟) إلا بيعة واحدة. وكان نوابه يأخذون القائمين على كل مكان يحبسونهم ويقيدونهم بالحديد ويحملوهم إلى مصر (..) وفي زمانه أجمعَ مال البيع والأساقفة والأديرة (..) وظل البطريرك هاربا ستة أشهر، فلما رأى أن غضب (الوالي) لا يتراجع بل يتزايد، استعد أن يسلم نفسه عن البيع والأساقفة (..) ومضى سرا إلى منزل (شخص قبطي) في الفسطاط وكتب للوالي يلتمس منه أمانا لكي يظهر له (..) فرد عليه بمكر :"إذا أنت حضرت عندي قبل أن يقبضك أحد ممن يطلبك من جهتي في كل الأماكن فأنت مطلق ومسامَح بالبلاء الذي أردت أن أنزله بك والبيع، فإن قبضك إنسان وأحضرك إليّ فإني أفعل بك ما أضمرت به لك وأكثر منه"]].
فذهب إليه البطريرك، فألزمه بخراج سنتين سابقتين على وصوله لمصر، وكان مجموع ما عليه سبعة آلاف دينار. [[وكان هذا بداية البلاء من عظم الخراج الذي ثبته على البيع وعلى الأساقفة والأديرة في كل كورة مصر (..) وكان الإنسان الفقير الذي يعجز (عن أن يجد) قوته يأخذ منه (دينارين) حتى ضج أهل مصر من عظم هذا العذاب وجحد (أنكر دينه وأسلم) كثير من النصارى لأجل قلة ما بيدهم (..) واجتمع الأساقفة بفسطاط مصر وقسطوا على أنفسهم ما (ألزم الوالي البطريرك بدفعه) وما قدروا أن يوفوه (..) وكانت كورة مصر في ضيق عظيم وافتقر الأساقفة والرهبان بسبب الغرامات]].
[[وفي تلك الأيام مات المنتصر ابن المتوكل، قاتل أبيه، وانتقم منه الله لأجل ما فعل مع أبيه (..) وملك بعده المستعين وكان رجلا صالحا، وفعل خيرا في أيامه (..)]] ثم خرج عليه أخوه المعتز ونزعه من الملك وجلس عو ضا عنه وتحارب الأخوان ثلاث سنين.
(وبعد أن انتصر المعتز) [[خُطِب له بمساجد مصر، وفرح (الجميع) من أجل ما كان من الخوف على البلاد، لأن العرب بأرض مصر كانت قد أفسدت، وهُم القوم الذين يسكنون الجبال والبراري (الأعراب)؛ وأفسدوا في الصعيد ونهبوا وقتلوا. ومن جملة ما نهبوا دير أبو شنوده ودير القلمون بالفيوم ودير أنبا باخوم بطحا (..) وحرقوا الحصون ونهبوا الأعمال وقتلوا (كثيرا) من الرهبان الذين فيها، وأفسدوا جماعة من الراهبات العذاري وقتلوا منهن بالسيف وفعلوا أفعالا إن ذكرنا اليسير منها طال الشرح وعلي القاريء فهمه]].
[[ولم يلتفت ذلك الرجل السوء، ابن المدبر، إلى تلك الحروب ولا لما وقع على البلاد من الخوف، بل كان يضمر للناس البلايا ويحصل الأموال]].
ثم في أيام الصوم الكبير ذهب البطريرك إلى برية شيهيت (النطرون) [[ فوصل الأعراب المفسدون، لأنه زمان نزولهم من أرض الصعيد إلى أرض الريف (الدلتا) بعد موسم ربيع دوابهم، (واستولوا على) بيعة الأب: المقار والحصون، ونهبوا جميع ما فيها وأخرجوا الشعب بالسلاح يوم خميس الفصح (..)]].
[[وفي ذلك الزمان قام إنسان مسلم من قبيلة المدلجة من سكان اسكندرية ومعه خلق كثير من أصحابه المقاتلين (..) فأحرقوا بلادا كثيرة وقتلوا كثيرين (..) وقوي أمرهم وملكوا أواسي دير أبو مينا بمريوط ودير أبو مقار، نهبوا جميعها وأكلوا زرعها وتقاسموها. ولما طغوا وبغوا (..) حاصروا مدينة الاسكندرية وطلبوا أن تسلم لنهبها كما نهب غيرها من البلاد وسبي الأولاد والنساء وقتل الرجال وأخذ الأموال (..) وطال الحصار و(قارب الناس على المجاعة لولا أن) أرسل لهم سكان رشيد مراكب غلة (..)]].
[[(..) ثم قام واحد من جنس الملك وحشد حوله أقواما كثيرة مقاتلة (القرامطة) وسار إلى الموضع الذي يسمى الآن مكة بأرض الحجاز ويسمى الكعبة، و(استولى عليها) وعلى البيت الذي يحج إليه المسلمون، وهو المكان الذي يقولون لا يدخله إلا شريف، لكرامته عند المسلمين. ولما ملكه هذا الثائر، احرقه بالنار (..)، وكان المسلمون في حزن عظيم لأجل خراب البيت]].
[[وأرسل (الخليفة) إلى مصر واليا اسمه احمد بن مزاحم (ابن خاقان)، كان في مذهبه تقيا عفيفا عارفا بفرائض دينه وعادلا في طرقه (*) وصحبه جيش من الأتراك. وكان هؤلاء القوم شجعانا مقتالين لا يقدر أحد على مقاومتهم لأن سلاحهم كان على خلاف سلاح أهل مصر وهو النشاب (..). وقاتل القوم الذين أثاروا الفتن (المدالجة) وقتلهم بالسيف (..) وأمنت أرض مصر وفرح أهلها]].
(*) بقي في منصبه شهرين فقط (توفي في ٢٥٤ هـ ـ٨٦٧م)
[[وأما ابن المدبر، الظالم الذي ذكرناه، فلم يرجع عن فعله الرديء، وكتب إلى جميع أرض مصر بأن يؤخذ من كل واحد خراجين في تلك السنة، ومن كل نصراني جزيتين. فعاد الناس إلي الفقر (..) حتى أن الأغنياء لم يقدروا على الخبز (..) وكان غضبه على البطريرك وطالبه بالخراج عن الأواسي وما يتعلق باسكندرية وبيعة مارمينا والأديرة، وجزية الرهبان التي كان قررها عليه وهي سبعة آلاف دينار ولم يوفها إلا بعد عذاب شديد وضيقة (..) ولم يقتصر ابن المدبر على أفعاله الردية وبخاصة على الرهبان الذين في البراري، ومطالبته لهم بما لا يقدروا عليه، إلى أن لم يقدر أحدهم أن يصبر فسقط في أسر الشهوة وتزوجوا وبعدوا عن (..) برية أبو مقار، وأبونا ينظر هذا وقلبه يحترق وهو مواصل الطلب ويسأل الرب (..)]].
[[وأنفذ الملك إلى أرض مصر واليا على الخراج (*) ولما وصل فعل الخير وأظهر بفعله خوف الله (..) ومضى أنسان راهب قديس إلى مدينة الملك (الخليفة؛ أي بغداد) واستعان بقوم نصارى (يعملون في ديوانه) وسأل الملك بشأن جزية الرهبان وخراجهم فكتب له سجلا (..) ورجع إلى مصر، وفرح الوالي بالسجل لأجل صلاحه ورأفته بالرهبان وتمم أمر الملك وكان يستشهد باستشهادات من القرآن (**) أن من يسكن الجبال لا يُلزم بخراج أو جزية (..)]].
(*) هل يقصد ابن خاقان السابق ذكره؟ لاحظ من الفقرات السابقة والتالية كمّ الفوضى والتضارب الناشيء عن تتابع الولاة ذوي السلطات المختلفة؛ منهم والي الخراج (المسئول عن الجباية) ووالي "الصلاة" (المسئول عن الإدارة العامة والأمن) الخ.
(**) هذه أول مرة في مخطوطات "تاريخ البطاركة" يأتي ذكر القرآن، إذ يبدو أنه لم يكن معروفا أو منتشرا من قبل (؟)
[[وكان ولاة (الأقاليم) من الغز (الأتراك)، ومنظرهم مخوف، مبغضين للنصارى. وكانوا يصهلون على النساء مثل الخيل ويخطفون أولاد الناس وينجسوهم بغير خوف، وينهبوا المواشي ويذبحونها ويأكلونها (..) في مداومة الأكل والشرب والفسق، وفعلوا أفعالا منكرة تضيق السيرة عن شرحها. وكان الآباء الأساقفة من شدة الخوف يتزيون بزي العلمانيين (للتخفي)]].
[[ووشي (راهب سابق من البشمور) بالبطريرك فخرج الجند أصحاب الخيل ومضوا إلى حيث كان مختفيا وقُبض عليه وحُمل إلى مصر (الفسطاط). وعند وصوله أمر الوالي بطرحه في السجن مع المعتقلين اللصوص والقتلة فعلة السوء. (وإذ كان مريضا بالوجع والنقرس) ناله تعب عظيم. وسمع أخباره جميع الناس النصارى والمسلمين. وأمر الوالي أن لا يدخل إليه أحد إلا تلميذ واحد يأتي إليه بطعام، ولا يمكنه الحديث معه والوصية بما يريد (..). وأرسل (الوالي) إلى جميع بلاد أرض مصر وقبض على جماعة من الأساقفة، وكان إذا قبض على أحدهم يشهر به وينزع عنه الثياب ويلبسه غيرها، إلا القلنسوة التي يلبسها الرهبان، ويركبه الدواب بغير سروج ويهزأ بهم قدام أهل البلاد (..) وأقام الأنبا شنوده في هذا الضيق أربعين يوما ثم أطلقه الوالي بعد أن طلب منه ما لا يقدر عليه (..) وأخلي سبيل الأساقفة وهم في طريقهم لمصر]].
ويفرد ساوري صفحات طويلة يحكي قصة راهب آخر (كان يريد منصبا ورُفض) اتهم البطريرك عند الوالي أنه "يسحر قوما من المسلمين ليُعمِّدهم". أمر الوالي بالتحقيق في التهمة، وأرسل كاتبَه مع جند إلى دير "أبو يُحَنِّس" بوادي هبيب فقبضوا على أحد الرهبان بزعم أنه كان في السابق مسلما، لكنه أكد أنه نصراني طول عمره وابن نصراني. فأحضر الكاتب شهود زور ثم وعد الراهب بمال إذا أعلن إسلامه، فرفض. وأرسل الكاتب قوما من الجنود الأتراك "الذين لا يعرفون الكلام بلسان أهل مصر" إلى حيث الأب البطريرك ليحضروه إلى مصر، وأقاموه من فراش مرضه وحملوه على أيديهم وأنزلوه مركبا بعد نهب جميع ما وجد في قلايته (مسكنه)، ومنها صناديق من الكتب البيعية (الكنسية) حيث كان عظيم الاهتمام بالكتب وعنده عدد من النساخ. ووصلوا ليلا إلى الفسطاط وأودعوه حبسا ضيقا مع اللصوص والقتلة. وبعد أيام طالبه الكاتب بمال ليفرج عنه فلم يكن معه. ثم أحضروا سمعان أسقف "بنا" الذي اتهم بأنه يخفي أموال البطريرك وأمر الكاتب فبطح على بطنه وضرب حتى جرى الدم من جسمه، ثم حُبس. وبعد ثلاثين يوما تأكد الولاة أن الراهب كان نصرانيا (طول عمره) فأطلقوهم. ثم علم بما جرى قومٌ تجار مسلمين مشهورين من الاسكندرية، كانوا يترددون على الأديرة ويبتاعوا الحصر وغيرها، فأخبروا الوالي فقبض على الراهب صاحب الوشاية الأصلية وحبسه سنة.

١٣ـ وفي أيام الأنبا خائيل الثالث (٨٨٠ـ٨٩٤) يقول ساوري أن أسقف سخا بعد عزله من منصبه بواسطة مجمع الأساقفة (بسبب مخالفات) [[مضى إلى الأمير أحمد ابن طولون (..) فشكا له البطريرك وقال إن معه مال عظيم. ففرح ابن طولون (*) لأنه كان مهتما بجمع ما ينفق على تجريد عسكر الشام، فأحضر الأب البطريرك وخاطبه قائلا: "أنت تعلم ما نحتاج إليه من الأموال لتُحمل إلى الخليفة ببغداد لأنه صاحب هذه الأرض، وخاصة لما عليه من الحروب. وأنتم يا مقدّمي النصارى تحت سلامه، وما تحتاجون إلى ذهب ولا فضة (بل فقط) خبزا تأكلوه وثوبا تلبسوه. وقد عرفت أن لك مال كثير وآنية لا تحصى ذهب وفضة وديباج، وأنا أحبك وأوقر شيخوختك (..)" فقال له البطرك: "(..) أنا إنسان ضعيف لا أملك ذهبا ولا فضة ولا شيئا مما سُعي به إليك، وعظمتك تعرف أننا قوم مأمورون (بديننا) ألا نكنز كنوزا على الأرض (..) وأنا بين يديك افعل ما تريد، فسلطانك على جسدي، وروحي بيد خالقها". فلما سمع ابن طولون ذلك غضب وقال: "حقا إن إكرامي لك أوجب إنكارك عليّ بمالك. وكل من هو خارج عن ديننا إذا أُكرم لا يعرف الإكرام". ثم أمر بحبسه (..) وكان الحبس مملوءا جدا. وبعد انقضاء سنة، دفع البطرك للسجان شيئا حتى يعمل له (مرحاضا) (..)]].
(*) ابن طولون (ابن مملوك من تركستان) كان قائما على أمر مصر نيابة عن باكباك، الذي أقطعه الخليفة مصر (أي أعطاها له إقطاعية)، وعن يارجوخ بعده؛ ثم أصبح واليا شبه مستقل لها. وكان متعسفا في فرض الضرائب واشترى الكثير من العبيد الترك والسود والحبش والبيض من سكان جزر البحر الأبيض. واهتم بالعمارة، وابتدأ ببنيان مدينة (القطائع) فأمر بحرث قبور النصارى واليهود وبنى موضعهما. وبنى جامعا ليس له نظير في البلاد الأسلامية كان مهندسُه (كما يقول المقريزي) رجلٌ قبطي حاذق.
[[وكان أحمد ابن الماذرائي، وزيرُ ابن طولون، له كاتب اسمه يؤنس (يوحنا) فسأله في البطرك (..)، فذكر الوزير حال البطرك (المسجون) لابن طولون فقال له: "أنا أقتله فإنه تجالد عليّ". (ثم أقنعه الوزير، فأطلق البطريرك لحين تقرير ما سيدفع). واستقر بعد سؤالات ومخاطبات كثيرة على عشرين ألف دينار، منها عشرة آلاف خلال شهر والبقية إلى أربعة أشهر. (فأمر ابن طولون أن يكتب على الكاتب يوحنا وولده مقار صك بما استقر) (..) ولما قرب مرور الشهر ولم يكن مع البطرك شيء قلق الأراخنة. ثم أحصوا الكراسي الخالية من الأساقفة فوجدوها عشرة (فاختاروا) لها عشرة أساقفة بعد أن قرروا على كل منهم أموالا، ورسمهم البطرك. وأحضر يوحنا وولده ألفي دينار واقترضوا (باقي المبلغ) من كتاب مسلمين وحملوا العشرة آلاف دينار إلى الأمير عند انقضاء الشهر (..) واجتمع البطرك إلى السنودس (مجمع الأساقفة) وتشاوروا في أمر المال المقترض وما تبقى للأمير، فاستقر رأيهم على أن يعودوا لكراسيهم ويأخذوا من كل (كاهن) قيراط ذهب. ونقضوا بفعلهم هذا قانون الآباء الحواريين ومعلمي الكنيسة القديسين القائلين أن لا يؤخذ عن (الكهنوت) لا ذهب ولا فضة (أي حظر الشرطونية). وأخذوا من العشرة أساقفة (الجدد) ما استقر عليهم. ثم مضى الأب البطرك إلى وادي (شيهيت) (..) فأخذ من كل راهب دينارا واحدا. ثم مضى للإسكندرية وسأل الكهنة أن يأخذ ما في الكنائس ليبيعه ويحمل ثمنه، فلم يطيعوه وأخيرا تقرر أن يبيع رباع الكنائس واشترطوا عليه أن يعطيهم في كل سنة ألف دينار ويكون هذا رسما عليه وعلى كل من يجلس بعده على كرسي مرقس الإنجيلي (..) فاجتمع له من كل ذلك (ما يكفي لسداد) ما اقترض، وبقي عليه عشرة آلاف لا يعرف كيف يجمعها (..) وصار في كآبة مما جرى من (الشرطونية)]].
وفي تلك الأيام (حوالي ٨٧٧) تحارب الروم والمسلمون، وأسر كل جانب من الآخر، فكتب ملكا الروم إلى ابن طولون يطلبان تبادل الأسرى نفسا بنفس، فرفض ابن طولون [[فكتب إليه الملكان يقولان: "السلام عليكم بمقدار استحقاقك. وصلتنا كتبك جوابا عما كتبنا عن المأسورين، فوجدنا فيه كلاما ينقض بعضه بعضا (..) بل شتمت مذهبنا (ديننا) وهذا ما لا يجب (..) فلا يجوز أن تشتم مذهبنا ما لم يظهر فيه عيب. وقد تأملنا ما وصل إلينا من غيرك منذ ظهور دينكم فما وجدنا فيه شيئا مثلما واجهتنا به من الشتم للمذهب، فعلمنا أن سابقيكم أجل منكم (..)”]].
(*) لاحظ غطرسة ابن طولون؛ ففضلا عن عدم اهتمامه باسترداد أسراه (وكلهم من العبيد المماليك الذين تشكل منهم جيشه)، راح يسب المسيحية في مراسلات سياسية لا علاقة لها بالدين!
[[ثم خرج ابن طولون لدمشق، ومات بعد عودته (٨٨٣) وجلس ابنه خمارويه موضعه (..). وعاد الأب البطريرك لقلايته (بعد إطلاق سراحه وإعفائه من باقي المبلغ) يمجد الله، لكنه كان حزينا على ما انحل من قوانين الكنيسة وعلى من يأتي بعده على كرسيه من حال الشرطونية وما جرى بينه وبين أهل الاسكندرية]].
١٤ـ وجاء الأنبا غبريال، السابع والخمسون، (٩١٠ـ٩٢١) بعد خلو الكرسي المرقسي ١٦ عاما. وفي أيامه تفاقمت مشكلة "الشرطونية" بسبب استمرار ضغوط الحكام المالية. وأقام معظم فترة بطريركيته في وادي هبيب (النطرون). ولم تنصلح الأمور في السنوات التالية حيث تردت أحوال الكنيسة. ثم تولى الأنبا مينا (٩٥٦ـ٩٧٤).
كان الوالي على مصر محمد بن طغج الأخشيد، الذي كان أحد قواد الطولونيين، وحاول إقامة دولة شبه مستقلة عن الخلافة مثلما فعلوا، لكنه واجه منافسه سيف الدولة في الشام ومحاولات الفاطميين في المغرب دخول مصر. وأصبحت مصر في عصره من أعظم أسواق الرقيق الأسود والأبيض في ديار الإسلام. وظهرت في عهده وظيفة المحتسب الذي يراقب مراعاة أحكام الشريعة ويسهر على السلوك العام. واستمرت "مضايقات" القبط كالعادة.
[[ثم سار الإخشيد إلى فلسطين ومات هناك. ثم تولى بعده ولداه أبو القاسم وأبو الحسن وكان معهما أستاذ لأبيهما اسمه كافور، كان قد سُبي من بلاد النوبة (وهو طفل) وسلمه مولاه لمن علمه الخط والأدب فلما كبر ورآه ناجبا سلم إليه مملكته]].
[[ومات الولدان بعد سبع سنين فتولى كافور. ثم مات (بعد مائة يوم فقط)، فأخذه مقدمو الدولة وحنطوه وأجلسوه على كرسي عال في قصره وألبسوه ثوبا بأكمام طوال جدا حتى تصل إلى باب المجلس، وأقاموا خداما بين يديه وكل من جاء يسلم عليه منعوه من الدخول إليه قائلين أن سيدنا يأمر أن تقبل كمه وتسلم عليه من الخارج لأنه ضعيف (..) وجعلوا خلف كرسيه (شخصا) يحرك رأسه وكمه، إذا سلم عليه أحد. ولم يعلم أحد من قصره بذلك إلا الأستاذان الخواص وسراريه وأبو اليمن قزمان ابن مينا (كاتبه). فأقام هكذا ثلاثة سنين ووزيره يجبي الخراج ويدبر الأمور إلى أن عرف قوم الخبر فكتبوا إلى ملك المغرب، معد أبو تميم المعز لدين الله (..) فأرسل قائده جوهر ومعه جيش كبير (..) وملك أرض مصر (في ٩٦٩)]].
وبهذه النهاية الهزلية أسدل الستار على حكم الولاة الأتراك التابعين لدولة الخلافة العباسية، وبدأ فصل جديد من المآسي.
وفضلا عما تميزت به تلك الفترة من استمرار الأساليب الهمجية وتفشي الإفساد الذي قام به الأعراب، يبدو أن حرب الاستنزاف الشرسة ضد الأقباط وكنيستهم، التي استمرت لأكثر من ثلاثة قرون، قد بدأت تُؤتي أُكُلَها على شكل وشايات وطعنات وخلافات داخلية...
------------------------------------------
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/9/367022.htm

حكايات الاحتلال (5): الفاطميون ومغامرات الحاكم بأمر الله

GMT 6:00:00 2008 الجمعة 19 سبتمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (٥): الفاطميون ومغامرات الحاكم بأمر الله



بعد أن ملك جوهر الصقلي أرض مصر (في ٩٦٩) وصل الخليفة المعز لدين الله (في ٩٧٣)، وأصبحت مصر مقر الخلافة الفاطمية.
تاريخ الفاطميين في مصر مع الأقباط، مليء بالتناقضات الرهيبة. ففي البداية كانوا يميلون إلى التوود لهم (وهم في ذلك الوقت ما زالوا يمثلون أغلبية المصريين) لأن "أعداءهم" الحقيقيين هم السنيين المناصرين للخلافة العباسية، قبل أن يتحول مسلمو مصر للمذهب الشيعي؛ وكذلك حرصا على استمرارية العمل في دولاب الدولة (مثلا، أبقى جوهر قزمان ابن مينا ناظرا، "لما هو مشهور به من الثقة والأمانة"). لكن الأمور لم تبق على حالها.
والجدير بالذكر أن ساوري (ساويرس، الذي يعرف "بابن المقفع") وهو المؤرخ صاحب كتاب "تاريخ البطاركة"؛ الذي نستند إليه بصفة رئيسية في هذه المقالات، كان كاتبا في الديوان ومعروفا بعلمه الغزير وله أكثر من عشرين كتابا. وقد تعلم اللغة العربية وأعد لنفسه قاموسا عربيا ـ قبطيا، ليساعده في كتابة "تاريخ البطاركة". وأخيرا ترك اهتمامات الدنيا ودخل الدير، قبل أن يصبح أسقفا على الأشمونين، وتوفي قبيل انتهاء القرن العاشر.
بعد دخول الفاطميين لمصر بقليل، شرع جوهر، قائد قوات الغزو، في بناء مدينة جديدة شمال الفسطاط. وقد اختار موقعا لها (كما يقول جمال الدين) المدينة القديمة "كا ـ هي ـ رع" التي تحور اسمها إلى "قاهرة" ثم "القاهرة".
ولم تكن أحوال البلاد عندئذ طيبة إذ [[في أول سنة لملك هؤلاء المغاربة (الفاطميين) عطشت أرض مصر (..) ولم يزل الغلاء لسبعة سنين متوالية (..) حتى أن كورة مصر خلت من الناس لكثرة الموت (..) وبلغ القمح نصف ويبة بدينار. وخربت عدة من كراسي الأساقفة لخلوها من الناس (..) وأضيفت للكراسي المجاورة لها (..) ولم يدخل البطريرك الاسكندرية مدة سنة (..)]].

١٥ـ وفي أيام الأنبا أبراهام السرياني، الثاني والستين، المعروف بابن زرعة (٩٧٤ـ٩٧٨)، وهو من أصل شامي، يقول ساوري أنه أبطل الشرطونية (أو السيمونية = أخذ المال مقابل المناصب الكهنوتية)، [[ولما رأى جماعة من الأراخنة (كبار الأقباط) يتسرون بالسراري ويلدون منهن، أحرم من يفعلون فأطاعوه (..) ويقال أن إنسانا من الأراخنة يعرف بأبي السرور الكبير كانت له وجاهة في الدولة، وكان له سراري كثيرة فأمره البطريرك بإخراجهم فلم يفعل فحرمه (..)]] (وانتقم الرب منه).
لاحظ كيف أن بعض أثرياء القبط بدأوا يتأثرون بعادات الغزاة...
وكان وزير المعز رجل يهودي اسمه أبو يعقوب بن كلس وصل معه من المغرب وأسلم على يديه، وكان لابن كلس صديق يهودي اسمه موسى (..) طلب من المعز مجادلة النصارى [[فأرسلوا إليه أسقف كرسي الأشمونين، ساويرس ويعرف بابن المقفع، وكان كاتبا ثم صار أسقفا، وأعطاه الرب نعمة وقوة في اللسان العربي (..) ومرات كثيرة جادل قضاة من شيوخ المسلمين بأمر الملك المعز فغلبهم (..)]].
وفي اليوم الذي استقر فيه على مجادلة اليهودي، تحداهم بشأن آية الإنجيل التي يقول فيها المسيح "من كان في قلبه إيمان مثل حبة خردل، فإنه يقول للجبل انتقل فينتقل" [[فقال المعز: "هوذا أنتم نصارى ألوف وربوات في هذه البلاد (..) وأريد أن تظهر هذه الآية (..) وإلا أفنيتكم بالسيف]]. ويحكي ساوري معجزة تحرك جبل المقطم المعروفة، وبعدها قال المعز "حسبك يا بطرك، قد عرفت صحة دينكم". ثم قال له "تمنى عليّ شيئا" فقال له: "ما أتمنى إلا أن يثبت الله دولتك ويعطيك النصر على أعدائك". فأصر المعز، فطلب التصريح بإعادة بناء كنيسة أبو مرقورة والمعلقة وغيرها. فأمر المعز أن يكتب له سجل بذلك وأن يعطى من بيت المال ما يصرفه على العمارة. فأخذ السجل و(رفض) المال.
[[فلما قرئ السجل عند كنيسة ابو مرقورة، تجمع الباعة وأوباش الناس وقالوا: "لو قُتلنا أجمعين بالسيف ما مكنا أحدا أن يضع حجرا على حجر في هذه البيعة". فعاد البطرك إلى الملك المعز فغضب لذلك (..) وأمر بحفر الأساس (..) فلم يجسر أحد أن ينطق بكلمة بعدها إلا شيخ واحد كان يصلي بأولئك الباعة في المسجد الذي هناك، وهو الذي كان يجمع الجموع (ويحرضهم)، فرمى نفسه في الأساس وقال "أريد أن أموت اليوم ولا أدع أحد يبني هذه البيعة". فعلم الملك المعتز فأمر أن ترمى عليه الحجارة ويبنى فوقه، فلما رميت عليه الحجارة أراد أن يقوم فلم يمكنه (جنود المعز). فلما رأى البطرك ذلك تطارح بين يدي المعز وسأله فيه إلى أن أمر بإصعاده من الأساس (..) ولم يجسر أحد بعد هذا أن ينطق بحرف إلى أن كملت عمارة البيعة وكذلك بيعة المعلقة بقصر الشمع وكذلك البيع بالاسكندرية التي كانت قد وهنت]].
[[وكان المعز كلما أراد أن يعمل شيئا كعادته في (المغرب) يمنعه منه جوهر بلطف وسياسة ويقول له "إن أهل مصر قوم فيهم مكر وفطنة لا يخفى عنهم شيء كأنهم يعلمون الغيب". (فأراد المعز أن يجربهم) فأمر أن يؤخذ ورق كبير مثل السجل ويطوى بلا كتابة ويختم (..) وأمر بضرب البوق قدامه وأن ينادي منادي في الناس أن يحضروا لسماع سجل الملك. وأمر جواسيسه أن يسمعوا ما يقوله أهل مصر، فسمع بعض الناس يقولون لبعض "لا تتعبوا أنفسكم، ما فيه شيء فهو فارغ". فتعجب الملك جدا لما عرف]].

١٦ـ وفي أيام الأنبا فلتاؤس ٦٣ (٩٧٩ـ١٠٠٣) يقول ساوري أنه عاد لأخذ المال على قسمة الأساقفة (الشرطونية) واتهمه البعض بأنه "يقسم من لا يستحق"..
ويحكي ساوري قصة الواضح ابن الرجا، وهو شاب مسلم دارس للإسلام وكان يحضر مجلس قاضي الحكم، شاهد شخصا كان مسلما وتنصر وقد أعد له الجند الحطب ليحرقوه [[وقد اجتمع عليه جمع كبير من الناس لينظروه. وكان (ابن الرجا) غيورا جدا في دينه (..) فتقدم إلى ذلك الشخص وقال له "يا إنسان ما الذي حملك على هلاك نفسك بسبب دين تكفر فيه بالله تعالى وتشرك به آخر فتستعجل بهذه النار في الدنيا وفي الآخرة نار جهنم لأنك تجعل الله ثالث ثلاثة (الخ الخ). والآن اسمع مني ودع عنك هذا الكفر وعد إلى دينك وأنا أجعلك لي أخا ويكرمك كل أحد". فقال له "لا تنسبني إلى الكفر (..) إنما نعبد إله واحدا (..) وسر ديننا عجيب مخفي عنكم لأن عقولكم لا تحتمله، وأنت قلبك مظلم (..) لكني أرى بعد قليل النور يدنو منك ويضيء قلبك (..)". فلما سمع (ابن الرجا) حنق عليه (..) ثم قلع نعله ولطمه على وجهه (..). ثم أنهم ضربوا عنقه وحرقوا جسده]]. ويحكي ساوري بالتفصيل كيف كانت هذه الحادثة بداية تحول ابن الرجا وتعميده بعد تردد كبير، ثم هربه ومعاناته؛ وكيف أصبح صديقا للأنبا ساويرس (ساوري) وألف كتابين بالعربية هما "الواضح" و "نوادر المفسرين" يرد فيهما على المخالفين من كتبهم..
وطلب ملك الحبشة من البطريرك أن يرسم مطران [[خوفا من أن ينقرض ويبطل دين النصرانية من (الحبشة) لأن هوذا ستة بطاركة قد جلسوا ولم يلتفتوا إلى بلادنا بل هي سائبة بلا راع، وقد مات الأساقفة والكهنة وخربت البيع (..) فأجاب (البطريرك) سؤله ورسم له راهبا من دير أبو مقار وأنفذه لهم مطرانا (..)]].
وعموما يبدو أنه كان القبط يشعرون بسلام في أيام الملك المعز إلى أن مات (٩٧٥) وكذلك أيام ابنه العزيز بالله. وبعد موته (٩٩٦) تولى الحاكم بأمر الله.
وقد توفي ساوري (ساويرس) قبيل سنة ١٠٠٠ وتتابع بعده كتاب السير لاستكمال كتاب "تاريخ البطاركة" على مدى العصور، وإن اختلف الأسلوب.

١٧ـ وفي حياة الأنبا زخاريوس ٦٤ (١٠٠٣ـ١٠٣٢) يقدم كاتب السيرة (ميخائيل، الذي أصبح أسقف تنيس) صورة كئيبة عن [[أفعال بعض الأساقفة الذين كانوا في ذلك الزمان (..) لأنهم قد صاروا مثل الولاة المسلطين على الكهنة وكانوا يختلقون الحجج لجمع المال ويتاجرون في بيع (مناصب الكهنة) (..) ولم يصبر الله فأنزل غضبه على البيع بسببهم (..). وفي أيامهم انقطع التعليم أيضا ولم يردع أحدٌ أحدا (..) وصار الفهيم العالم غير معدود إن كان فقيرا، والجاهل الغير فهيم مكرما (..) إن كان موسرا]]. ويبدو أن البطريرك كان عفيفا لكنه ضعيف [[كان تلاميذه حاكمين عليه وهم الذين يأخذون المال (..)]].
[[أما الملك (الحاكم بأمر الله) فتقلد أمر المملكة (٩٩٦) وهو صبي صغير، ولما كبر تولى (وهو في حوالي السادسة عشرة من عمره) صار محبا لسفك الدماء أكثر من الأسد الضاري، حتى أن جماعة أحصوا من قُتل بأمره فكان عددهم ثمانية عشر ألف إنسان (..)]].
وكانت له مغامرات كثيرة مع القبط: [[(..) ثم أخذ عشرة من الأراخنة والكتاب (القبط) منهم أبو النجاح الكبير فأحضره وقال له أريد أن تتخلى عن دينك (وتدخل) ديني وأجعلك وزيري وتدبر أمور مملكتي، فقال له أمهلني للغد، فمضى (وأحضر أصحابه وأهله وودعهم وأوصاهم وثبتهم ورجع في الغد ليخبره بالبقاء على دينه). فاجتهد الحاكم بكل نوع من الترغيب والترهيب ولم يقدر أن يميله عن مذهبه فأمر أن تنزع ثيابه عنه وأن يشد إلى الهنبازين (آلة تعذيب) فضربوه خمسمائة سوط حتى تقطع لحمه (..) ثم ضرب ثلاثمائة أخرى فقال أنا عطشان (..) فقال الحاكم اسقوه إذا رجع لديننا، فرفض ثم مات، فأمر أن يُضرب إلى تمام الألف سوط وهو ميت]].
[[وآخر يعرف بالريس فهد ابن ابراهيم، وكان (الحاكم) قد قدمه على جميع الكتاب وأصحاب الدواين، فأحضره بين يديه وقال له: أنت تعلم إنني اصطفيتك فاسمع مني وكن معي في ديني فأرفعك أكثر وتكون لي مثل أخ. فلم يجب إلى قوله فأمر بضرب عنقه وأحراق جسده بالنار (..)]]
[[وأما باقي هؤلاء العشرة (الأراخنة) لما طالبهم بترك دينهم لم يفعلوا، فأمر بعذابهم فضُربوا بالسياط، ولما تزايد الضرب عليهم أسلم منهم أربعة والبقية ماتوا تحت العذاب. وأحد هؤلاء الأربعة مات ليومه و(الثلاثة) الباقون عادوا لمذهب النصرانية بعد انقضاء زمن الهيجان]].
ومع كثرة الحكام الهمج الذين تولوا مصر منذ الغزو، فإن الحاكم بأمر الله يتميز أيضا بشخصيته السايكوباتية وقد [[فعل أفعالا لم يسمع بها أحد (..) ولم يثبت على رأي واحد ولا اعتقاد واحد، وكان منظره مثل الأسد وإذا نظر إلى إنسان يرتعد (منه)، وكان صوته جهرا مخوفا. وكان ينظر إلى النجوم والحكمة البرانية وكان يخدم النجم زحل على زعمه ويداوم الطواف في الجبل الشرقي (المقطم) ليلا ومعه ثلاثة من الركابية (..)، وكان يمشي بالليل في الشوارع ويتسمع على الناس في بيوتهم ما يقولوه عنه، وكان له جواسيس كثيرون ومخبرون يرفعون له الأخبار (..). وأمر ألا تخرج أي امرأة من بيتها (..) وألا تؤكل الملوخية (..) وأمر بألا يشرب أحد النبيذ وكسرت الأوعية التي فيها نبيذ في كل مكان. ثم أنه يوما قفز قدامه كلب فجفل الحمار الذي يركبه فأمر بقتل كل كلب في مصر (..)]].
[[وأمر ألا يضرب ناقوس في بلاد مصر، وبعد قليل أمر بأن تقطع الصلبان من على قبب الكنائس وتمحى التي على أيدي الناس. ثم أمر أن يشد النصارى الزنار في أوساطهم ويلبسوا على رؤوسهم عمائم سوداء (..) وأن يحملوا صلبانا طولها شبر، عاد وزادها إلى ذراع ونصف (..) وألا يدخل أحد من أهل الذمة حماما مع المسلمين (..) وجعل على باب حمام النصارى صليب، وعلى باب حمام اليهود قرمة خشب (..) ثم أمر أن تكون صلبان النصارى (التي يحملونها) خشب ووزن كل صليب خمسة أرطال مختومة بخاتم رصاص، يعلقوه في رقابهم بحبال ليف (..) ومن يوجد بغير ختم (يؤخذ) للحبس، فسجن كثيرا من النصارى واليهود، من رؤسائهم لأدناهم، ولم يصبروا على هذا الهوان والعذاب (..)]]
وحدث أن راهبا، كان قد حاول أن يصبح أسقفا لكن طلبه رُفض، ذهب إلى الحاكم يشكي البطريرك [[فأمر أن تغلق كل البيع وأحضر البطرك، وكان قد شاخ وطعن في السن، واعتقله]].
[[وفي ثاني يوم اعتقاله كتب الحاكم إلى والي بيت المقدس سجلا يقول: "خرج أمر الإمامة إليك بهدم قمامة (*) فاجعل سماءها أرضا"]]
(*) "قمامة" هي كنيسة القيامة في القدس. يُطلق عليها ذلك الإسم أحيانا لأنها بنيت على المكان الذي اكتشفت فيه هيلانة (أم قسطنطين) خشبة الصليب تحت تل قمامة. لكنه كان يطلق أيضا كنوع من التحقير.. على أي حال فقد تسبب هدم هذه الكنيسة الشهيرة في إرسال موجة صدمة هائلة عبر أرجاء العالم المسيحي، وكان أحد العوامل الرئيسية وراء حروب الفرنجة ("الصليبية") التي اندلعت بعدها بعقود.
[[وبعد أيام أرسل الحاكم سجلات إلى سائر (ولايات) مملكته بأن تهدم الكنائس وأن يحمل ما فيها من الآنية الذهب والفضة إلى قصره وأن يطالب الأساقفة في كل مكان بالأموال وأن لا يباع شيء للنصارى ولا يشترى منهم في أي موضع من المواضع. فجحد جماعة منهم دينهم (أي أسلموا)، وأكثر النصارى المصريين نزعوا عنهم الغيار والصليب والزنار وتشبهوا بالمسلمين (..)]].
[[وأما أنبا زخاريوس (البطريرك) فبقي معتقلا ثلاثة شهور وهم يخيفونه كل يوم بالحرق والرمي للسباع إن لم يدخل في دين الأسلام ويقولون له إن وافقت نلت مجدا عظيما ويجعلك قاضي القضاة وهو لا يلتفت إليهم (..) (ثم أطلقه الحاكم) وفرح النصارى وأشاروا عليه بأن يسير إلى برية (شيهيت) (..) فسار وأقام تسعة سنوات (..) وكان أكثر الأساقفة مقيمين معه (..) وكان النصارى يدخلون البرية مرتين في السنة، في عيد الغطاس وعيد القيامة (للتناول). وكان على النصارى في هذه التسع سنين ضيق عظيم وطرد وشتم ولعن من المسلمين، ويبصقون في وجوههم (..) وكان إذا جاز نصراني عليهم يشتموه ويقولوا له اكسر هذا الصليب وادخل في الدين الواسع]]. وحوادث أخرى متعددة بنفس الطريقة.
[[ولم يصبر المؤمنون الأخيار على البعد عن الأسرار المقدسة وكانوا يبرطلون (يرشون) الولاة حتى يتركوهم يتقربوا بالليل سرا في الكنائس المهدومة (..)]]
[[(وبعد سنوات) خرج أمر الحاكم (بإباحة البيع والشراء) مع النصارى، وكتب سجلا بأنه من أراد من النصارى أن يمضي إلى بلاد الروم أو الحبشة أو النوبة وغيرها لا يمانعهم أحد (..)]]. ويبدو أن الكثيرين فعلوا، هربا من الاضطهاد.
ثم وقف للحاكم جماعة من النصارى الذين أسلموا طالبين أن يعيدهم إلى دينهم [[فقال لكل منهم أين زنارك وصليبك وغيارك، فأخرجوها من تحت ثيابهم فأمرهم بلبسها وأمر لكل واحد سجلا (..) فعاد كثير ممن أسلم إلى دينهم (*)]].
(*) من سخريات القدر أن الحاكم بأمر الله قد سمح، في إحدى شطحاته الجنونية، بعودة المتحولين للإسلام إلى دينهم، لكن بعدها بعشرة قرون مازالت طوابير "العائدين للمسيحية" تنتظر شطحة من شطحات الحاكمين بأمر الله في الدولة المصرية، لعل وعسى أن يدركوا أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين...

[[وكان من جملة من أسلم راهب اسمه بنيامين عاد إلى دينه وسأل الحاكم أن يمكنه من (إعادة تعمير) دير دير مار مارقوريوس (مصر القديمة) فبناه وسكنه مع إخوة له رهبان. وكان الحاكم يجيء عندهم دفعات كثيرة ويأكل من طعامهم الحقير (..) ثم ذكّره بنيامين بحال أنبا زخاريوس (..) فلما أتاه الحاكم (في زيارة تالية) أخرج له البطرك (الذي كان قد أحضره من برية شيهيت حيث كان مختفيا) فسلم عليه بسلام الملوك وبارك عليه ودعا له، فسأل الحاكم: من هذا؟ (فقيل له) ثم أومأ بأصبعه وسلم عليه. وكان معه جماعة من الأساقفة (وكانوا شيوخا حسني المنظر)، فقال لهم: هذا مقدمكم كلكم؟ قالوا: نعم يا مولانا، الرب يثبت ملكه. فتعجب وقال: إلى أين ينتهي (ملكه)؟ فقالوا: في ديار مصر والحبشة والنوبة والخمس مدن الغربية وغيرها. فازداد تعجبه وقال: كيف يطيعونه كل هؤلاء بلا عساكر ولا مال ينفقه؟ فقالوا: بصليب واحد. فقال: وإيش هو هذا الصليب؟ فقالوا: مثال الذي صلب عليه المسيح (..) فقال بالحقيقة ليس في العالم دين ثابت مثل دين النصارى. هوذا نحن نسفك الدماء وننفق الأموال ونخرج الجيوش وما نُطاع، وهذا الرجل الشيخ الحقير المنظر الذميم الخلقة تطيعه أهل هذه البلاد كلها بكلمة لا غير. ثم قال له وللأساقفة: أقيموا هاهنا حتى أقضي حوائجكم (..) ثم أنه جاء إليهم ومعه سجل عظيم (بعد تسع سنوات من سجله السابق) بفتح الكنائس وعمارتها وأن تعاد إليهم الأخشاب والأعمدة والأراضي والبساتين التي كانت لها (..) وأعفاهم من لبس الغيار وحمل الصليب]].
[[وفي تلك السنة نفسها (١٠٢١) كان الحاكم يطوف بالمقطم في الليل (كعادته) ومعه ركابي فنزل عن دابته وقال له: امض إلى القصر ودعني هنا، فمضى كما أمره، وفي الصبح طلبه أهل القصر في كل موضع فلم يجدوه ولا عرفوا خبره (..). فضبطت أخته (ست الملك) الحكم إلى أن كبر ولده الطفل فأجلسوه ملكا وسموه الظاهر لإعزاز دين الله]]. وقد كثرت قصص المؤرخين حول مصير الحاكم بأمر الله، ولكن معظمهم يقول أن أخته ست الملك هي التي دبرت قتله..

---------------------------------------------------

http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/9/369326.htm



حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (٦)

GMT 14:45:00 2008 السبت 27 سبتمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


(الفاطميون ٢)

نستمر في قراءة تاريخ مصر منذ الغزو فالاحتلال العربي، عبر لمحات وشهادات سجلت خلال "عيون قبطية"، بالرجوع إلى مخطوطة "تاريخ البطاركة" التي توفى كاتبها الأول، ساوري (ساويرس) بن المقفع حوالي سنة ١٠٠٠، وتوالي بعده كُتّاب السيرة.
١٨ـ وفي يام الأنبا شنوده الثاني، البطريرك الخامس والستون (١٠٣٢ـ ١٠٤٦م) يقول كاتب السيرة ميخائيل (أسقف تنيس) أن شعب الاسكندرية اشترط عليه ألا يأخذ شرطونية لكنه [[فسخ ما استقر عليه وأحب المال وجمع منه شيئا كثيرا (..). ومنع أهلُ أسيوط أسقفَهم من الدخول إليهم ثلاث سنين (لأنه دفع مقابل رسامته)]]. ويعطي كاتب السيرة بعض العذر فيوضح: [[كان بطاركة القبط وآباؤهم عاملين بوصية (المسيح حول مجانية الموهبة) إلى زمان الضغط من ولاة أمور المسلمين من أحمد بن طولون إلى أيام الحاكم وغير ذلك مما يطول شرحه، ودعتهم الضرورات إلى ما فعلوه لأجل ما طلب منهم من المال وما كلفوه من الأثقال]].
[[وفي هذه الأيام ملأ الملك الظاهر ووزيره الجرجائي السجون من الناس، رجالا ونساء، حتى أن النساء ولدن في السجن]].
١٩ـ في أيام الأنبا خرستودولوس، البطريرك ٦٦ (١٠٤٦ـ١٠٧٧) يقول كاتب السيرة، الشماس موهوب ابن منصور ابن مفرج الاسكندراني، أنه وضع الكثير من القوانين والقواعد لتنظيم الحياة الكنسية. ويذكر أنه كان في بداية عهده حوالي سبعمائة راهب في برية شيهيت (وادي النطرون).
[[وكان من أولاد النصارى بمصر صبي (عمره ٢٢ سنة) يعرف بفام ابن بقورة قد غيّر دينه (..) ثم عاد (لنصرانيته) ونوى على دخول دير أبو مقار (فأراد أن يعترف أولا بالمسيح الذي سبق وأنكره)، فشد زنّاره (دليلا على نصرانيته) وخرج يمشي في أسواق مصر (الفسطاط). وكان أبوه بقورة الصواف (يعمل لدى) "عدة الدولة رفق"، وهو زمام الأتراك ومتولي القصر وقريب من الملك (المستنصر بالله). فلما رأى المسلمون زنّاره في وسطه بعد إسلامه، أخذوه واجتمعوا عليه ومضوا به إلى الشرطه فاعتقله الوالي وضيق عليه. فمضى أبوه إلى صاحبه عدة الدولة ووعده بكثير من المال على أن يُخلٍّص (ابنه). فقال له ما أقدر أفعل شيئا في هذا إلا أن يرضى ولدك بأن يظهر أنه مجنون، وأٌرسل أنا الشهود إلى الحبس ينظروه ويسمعوا كلامه وأخلّصه وهو نصراني (..) فلما دخل إليه الشهود كلمهم كلام العقلاء واعترف بأنه نصراني مسيحي (..) فمضى الوالي (بالشهود) إلى الوزير (..) فأمر بقتل فام، فنزل (حاجب) السلطان مع الوالي إلى الشرطه وخاطبوه ولطفوا به وأعلموه أنهم قد أُمروا بقتله فلم يرجع (..) فأخرجوه من سجن الشرطة وتبعه خلق كثير من المصريين والعسكر وغيرهم وبأيديهم العصي وآلات التعذيب (..) إلى رأس الجسر فنزل الوالي هناك عن بغلته، وكان عليها سرجٌ ولجامٌ بحلية ثقيلة، وخلع سيفه الجليّ وجعله على السرج وقال له: خذ هذه البغلة وما عليها، وأنا أثبّت اسمك في ديوان السلطان وأجعل لك (راتبا) تقبضه في كل سنة وارجع عن هذا الرأي. فقال له: لو دفعت لي ملك مصر ما التفت إليه فلطمه (..) (وجرد السياف سيفه) فبرك على الأرض وحوّل وجهَه إلى الشرق وصلّب على جبينه ومد عنقه، فلكزه السياف ليميل وجهه إلى القبلة فلم يفعل، والتمس ماء فلم يسقى. وضربت عنقه (..)]].
وفي ما يدل على استشراء عقلية "العنف الرمزي"، أي اقتناع الضحية برأي جلادها فيها (كما يقول عالم الاجتماع بورديو)، إضافة إلى فكرة اعتبار النوائب التي تلم بالناس عقابا سمائيا، يلوم كاتب السيرة الأقباط علي ما سيرصده مما حدث لهم قائلا [[ولما صار جميع مقدمي المملكة والنظار في دواوينها وتدبير كل أمورها نصارى وهم النافذ أمرهم، طنخوا وعتوا وبذخوا، هم وجميع النصارى بديار مصر، وتكبّروا وعزّت نفوسهم ووقع بينهم وبين مقدميهم البغضة والحسد، وصار أكثر اهتمامهم بالأمور الدنيوية والتجمل والتفاخر والكبرياء بعضهم على بعض، فنزل الأدب من السماء من عند السيد المسيح على جميع النصارى (مثل) غيرهم من الأمم لينتقم منهم عن جميع ذنوبهم في هذه الدنيا ويخلصهم في الآخرة (..)]]
[[فأول ما جرى على الأب البطرك أن (شخصا) كتب فيه رقعة للوزير اليازوري (يتهمه بأنه) يمنع ملك النوبة من إرسال الهدية (إليه) (..) فأرسل وقبض عليه وسار به إلى القاهرة (..) فمضى ومعه أبو البشر طبيب العظمية (القبطي) إلى الوزير و(أثبتا له) أنه لا صحة لما حكي عنه، فأفرج عنه وعاد إلى دمرو (مقر البطريرك في ذلك الوقت)]].
[[وكان من جملة الشهود العدول بمصر رجل مقدم فيهم يعرف بالقاضي أبو الحسن عبد الوهاب السيرافي، وكان قد عزل من خدمة كان يتولاها بمصر واستُخدم قاضيا بالإسكندية وعُزل منها واسُتخدم في عدة (وظائف) بالريف، وكان يبغض النصارى فمضى إلى دمرو فلم يوفيه البطرك (ما طلبه) فكتب إلى الوزير اليازوري وقال له (..) أن هذه دمرو هي القسطنطينية الثانية وفيها سبع عشرة بيعة أكثرها مستجد (..) وقد عمّر البطرك موضعا لسكناه ونقش على بابه الكفر وأهان الإسلام وأهله (..) فكتب إليه الوزير بأن يكشف عما تضمنه كتابه بالشهود العدول، فركب مع جماعة من الشهود المستخدمين وجاء إلى منزل البطرك فوجد منقوشا على الباب "باسم الآب والابن والروح القدس" فكشطه، فقال له البطرك: إذا كشطته من على الباب هل تقدر أن تكشطه من قلبي؟ وبعد هذا أمر الوزير اليازوري أن تغلق البيع في جميع كورة مصر، وكان المساعد على هذا عنده رجل يعرف بأبي الفرج البابلي من مقدمي الدولة أصحاب الدواوين، وكان ناصر الدولة ابن حمدان والي مقاطعتي الشرقية والغربية بالريف (الدلتا) فأغلق البيع وأخذ البطرك والأساقفة فطالبهم بالمال وقرر عليهم سبعين ألف دينار (*)، فنال النصارى من ذلك ومن غلق كنائسهم ضيق وصعوبة شديدة]].
(*) أي ما يعادل سبعين مليون جنيه بأموال هذه الأيام...
ويبدو أن والى اسكندرية الأمير المؤيد حصن الدولة أبو تراب الكاني قد تعاطف مع النصارى، إذ كان يوحنا ابن صاعد، المعروف بابن القلزمي، كاتب هذا الجزء من السيرة، شريك تجارة معه، فساعد في التفاوض حول المبلغ المفروض على نصارى الإسكندرية ليصل إلى ألفي دينار [[فشكرناه ودعونا له. ثم شكونا حالنا في غلق البيع فدفع لنا مفتاح كنيسة ماري جرجس التي كانت قديما بيت إنيانوس (الإسكافي) أول البطاركة بعد مرقس الرسول، وقال لنا "صلوا فيها سرا وادعوا لي" ففعلنا (..) ثم حملنا إليه (الأتاوة، بعد جمعها). وبعدأيام أحضرنا وصديق له (قبطي) كان يخدمه أيضا في بضائع تصله من الشام وسألنا: كم (كان نصيبنا ضمن المبلغ المدفوع) فقلنا مائتي دينار، فدفع لنا مائتي دينار وقال هذه أخذتها لكم من نصارى رشيد وإتكو (إدكو) فخذوها عوضا عما دفعتم، فدعونا له وشكرناه وقلنا له: يا مولاي لا يجوز لنا هذا لأن (الأتاوة قد تم جمعها من) المستور والأرملة فكيف نستعيد نحن ما قمنا به؟ فقال: هذه الدنانير لكم افعوا بها ما تريدون. فشكرناه وابتعنا بها ثيابا وقمح وفرقناه على الضعفاء من النصارى]].
[[وكان غلق الكنائس في زمان الوزير اليازوري في يوم الجمعة الخامس من بؤونة (سنة ٧٧٦ للشهداء١٠٥٨م) وقُبض على الأب (البطريرك) والأساقفة وطولبوا بالمال وعوقب ثلاثة أساقفة منهم (أسقف مصيل، بالبحيرة وسمنود والخندق) وماتوا. وكذلك كان حال إخوتنا السريان بمدينة أنطاكية (..) وكثر تنهدهم وبكاؤهم]].
[[ثم بعد ذلك خرج إنسان يعرف بابن القائد الرحيم (..) له الجباية (الجزية وغيرها) في الريف (الدلتا) وكان رجل سوء كثير الشر جدا مبغضا للنصارى، فأصابهم منه هوان عظيم وصعوبة (..)]]
[[ثم قامت حرب بين بني حمدان والأتراك المتسلطين بمصر ضد ناصر الدولة الحمداني (..) فأظهر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله سخطه على بني حمدان ومن معهم. وكان بالقاهرة ومصر (الفسطاط) منهم طائفة الأكراد وتقديرهم خمسة آلاف رجل (فطاردهم) (..) ووصل ناصر الدولة ومن معه إلى اسكندرية منهزمين، وحالف قيس واللواتيين (*)، وخرجت العسكر من مصر في طلبه (..) فقوي عليهم بنو حمدان والذين معهم وهزموهم وملكوا بلاد الريف (الدلتا) كلها الشرقية والغربية ونهبوها وخربوها وقتلوا أهلها وهتكوا الحرم وذبحوا الأولاد على بطون أمهاتهم ونهبوا البيع وخربرها وكشطوا الأيقونات التي بقيت فيها. وأخذ اللواتيون الأب البطرك من داره ونهبوها (..) وبعد هذا صعبت الأمور وملك اللواتيون البلاد (..)]]
(*) قبائل عربان بدوية انتشرت في الصحراء الغربية المصرية، وهاجموا الأراضي الزراعية والقرى خاصة في غرب الدلتا وأشاعوا الفساد والنهب والسلب والقتل (ج٣ ص ٩٥٨).
[[ثم تزايد الغلاء والخوف وانعدام القمح إلى أن أكل الناس الميتة وفني الناس بالوباء والغلاء والسيف (*) حتى لم يتبقي منهم إلا اليسير (..)]].
(*) هذه هي الشدة "المستنصرية"، كما أطلق عليها المؤرخون، التي حلت بمصر وقتها.
[[وملك اللواتيون جميع (الدلتا) وساروا في أربعين ألف فارس سوى أتباعهم، وصارت بلاد مصر بحكمهم يزرعون كما يريدون (..) وامتدت يدهم إلى الديارات (الأديرة) بوادي هبيب (النطرون) فنهبوها وخربوها وقتلوا رهبانها، وهرب من بقي. ونال الشعبَ حزنٌ عظيم مما نالهم من الشدة العظيمة في أيام ابن حمدان وأصحابه (..) وتسلط اللواتيون على الريف فملكوه ولم يقدر أحد أن يزرع فيه غيرهم (..) إلى أن عدمت أرض مصر ولم يجد الناس (القمح) وأكلوا البغال والحمير الميتة (..) ولم يزل الناس في هذا البلاء إلى أن أهلك الله ابن حمدان وأصحابه فقتل في منازل الغز (الأتراك) بمصر بيد بلدكور صهره ومن معه من (المماليك) البحرية وذلك في سنة ٤٦٥ هلالية. وبعد قتله بسنة وصل أمير الجيوش وفرّج الله عن الناس (..)]].
[[وكان أمير الجيوش عند مسيره إلى الصعيد ليفتحه قد سعى إليه رجل اسمه علي القفطي وقال له أن مطران النوبة، من قبل البطرك، واسمه بقطر، قد هدم مسجدا في بلاد النوبة (..) فأنفذ من الصعيد كتابا لولده (بالقاهرة) يأمره فيه بأن يقبض على البطرك فقبض عليه واعتقله إلى أن وصل رسول كان أمير الجيوش قد أرسله إلى ملك النوبة فعرّفه ضد ما حكاه القفطي. فلما عاد للقاهرة أحضر البطرك إلى مجلسه (..) والمذكور القفطي فاعترف بكذبه. فأحضر القضاة والشهود والفقهاء وقال لهم: ماذا يجب أن يفعل بهذا القفطي الكذوب الذي (أحدث فتنة) بين ملكين؟ فأفتوا بقتله. فقال أمير الجيوش للبطرك فما تقول أنت؟ فقال: ما عندنا في مذهبنا قتل ولا مجازاة على الشر بشر وأنت السلطان والأمر لك. فأمر بقتله]].
ثم أرسل البطريرك أحد الأساقفة رسولا منه بخطاب إلى ملك النوبة بصحبة سيف الدولة، وهو رسول من قبل أمير الجيوش، [[في طلب أمير يعرف بكنز الدولة كان قد (أعلن العصيان) في الصعيد الأعلى وأفسد فيه ونهبه وملكه قبل وصول أمير الجيوش لمصر، (ثم) هرب إلى النوبة (..) فسلم ملك النوبة لهم (كنز الدولة) ووصلوا به لمصر فقتله أمير الجيوش وصلبه عند باب الحديد (..) وزاد أمير الجيوش في إكرام البطرك ومراعاته وعاد الرخاء في أيامه واستقامت الطرقات واتصل وصول القوافل إلى مصر من المشرق والمغرب]].
٢٠ـ وفي أيام الأنبا كيرلس ٦٧ (١٠٨٧ـ١٠٩٢) يقول كاتب السيرة، أبو البركات ابن زوين، أن البطريرك ذهب لقصر الخليفة المستنصر لزيارته [[فخرج إليه مأمون الدولة عنبر الحراني، الأستاذ؛ وقال له أمير المؤمنين يرد عليك السلام فركع إلى قرب الأرض ثم دخل به إلى مولانا وعنده أمه وأخته (..) وقالوا بارِك علينا فبارك عليهم ودعا لهم وأمر بطرس أسقف دقميره أن يقرأ الدعاء (..) وخرج إلى دار أمير الجيوش فلقي منه أجمل ملقى فدعا له كثيرا]].
وقد قطع البطريرك الشرطونية تماما، لكن بعض أساقفة بحري وأراخنة (*) مصر (الفسطاط) طلبوا منه عزل بعض من يحيطون به لأنهم [[يفسدون أحوال الشعب ولا يصلح لمثل هؤلاء أن يصحبوك لأنهم يشينوك]] وجرى لهم معه خطوب بهذا الشأن (..) فرفعوا رقاعا (شكاوى) إلى أمير الجيوش عن طريق بنيامين الخولي، بستاني السلطان [[فأرسل يأمره (بالمجيء) ومعه جميع أساقفته. فذهب معه إلى بستانه الكبير بظاهر القاهرة سبعة وأربعون أسقفا منهم ٢٢ من بحري و٢٢ من الصعيد وأساقفة مصر والجيزة والخندق (..) يوم ٢٣ مسرى سنة ٨٠٢ للشهداء (١٠٨٤م) فخاطبهم بكلام شديد أنطقه الله به وأمرهم أن ينظموا له مجموع قوانين (الكنيسة والأديرة) ويعرضوه عليه (..). ثم أمر الأجل أمير الجيوش بإحضار البطرك وجماعة الأساقفة (..) وقال لهم: "كونوا كلكم شرعا واحدا ولا تختلفوا وأطيعوا مقدمكم (رئيسكم) وكونوا مثله ولا تكنزوا فضة ولا ذهبا وصدقوا بكل ما يحصل لكم كما أوصاكم المسيح، وهذه القوانين التي عملتوها ما أحتاج إليها وإنما طلبتها منكم ليتجدد عندكم عملها" (..)، وكان يخاطبهم إلهاما من الله تعالى لأن الله كان ينطقه بحكم أنه ملك كما قال سليمان الحكيم (..) فخرجوا من عنده مسرورين (..)]].
(*) أراخنة = أعيان أو كبار أو قادة القوم. وهي جمع "أرخن" من "أرشي" باليونانية التي تعني رأس.
[[ومن بعد هذا كتب راهب يسمى فرج (خطابا) إلى أمير الجيوش (يتهم) الأساقفة أن ما منهم إلا ومن عنده وديعة لواحد من المنافقين (*) فأمر بالشد منه وعلى يده لإحضار الأساقفة (..) واستقر عليهم (غرامة) أربعة آلاف دينار (مناصفة بين الدلتا والصعيد) (..). (ودفعوا أجمعين الأتاوة) بعد أن نالتهم صعوبة عظيمة (..) وكتب أمير الجيوش منشورا لفرج الراهب وجعل له على كل واحد من أساقفة بحري في كل سنة خمسة دنانير (..)]].
(*) يبدو من هذه الحادثة أن "المعارضين" للحكام كانوا أحيانا يودعون لدى الأساقفة بعض ثرواتهم كأمانة لتخبئتها إلى حين...
[[وكان الأنبا كيرلس قد كتب القوانين وأرسلها إلى الصعيد وقرئت في الكنائس بمصر وسائر الأعمال، فلم يقبلها أهل الصعيد فقال له (مساعدوه): أنت قد أنذرتهم (فدعهم لحالهم)]].
[[وفي (١٠٨٦م) كُتِب سجلٌ وقُرئ في الإيوان الكبير بالقصر بأن تشد جميع النصارى زنانير سود، وكذلك اليهود وتكون أطرافُها صفراء ليتميزوا عن النصارى (*) وأن تكمل (تزاد) الجزية على الجميع دينارا وثلث وربع دينار (أي حولي دينار و ستة أعشار)]].
(*) عاد التضييق على القبط لسبب غير معلوم. لاحظ أنه كان على المرأة القبطية لبس خفين مختلفي اللون (عادة أحدهما أبيض والآخر أسود) للتمييز عن المسلمة. لاحظ أيضا أن العلامة الصفراء التي أجبر اليهود على ارتدائها تشبه ما فعله هتلر معهم فيما بعد...
[[وكان أمير الجيوش في حرب (لصد هجوم الأتراك) الغز الذين ملكوا الشرقية وذهب بعضهم إلى المحلة (الكبرى) ونهبوها وقتلوا أكثر أهلها وملكوا الغربية حتى (قرب طنطا) (..). وعاد أمير الجيوش إلى القاهرة منتصرا وكان معظم عسكره أرمن]].
وفي العام التالي [[وصل من القسطنطينية إلى اسكندرية بطرك الأرمن (*) ونزل في كنيسة مرتامريم التي للملكية (أتباع مذهب بيزنطة) بجانب كنيسة أبو قزمان التي لليعاقبة (..) بين القاهرة ومصر (..) ثم اجتمع بالأنبا كيرلس واعترف له بالإيمان الأرثوذكسي الصحيح الذي هو إيماننا معشر اليعاقبة (..) واشتهر عند جميع الناس صحة اجتماع القبط والأرمن والسريان والحبشة والنوبة على الإيمان الصحيح الذي اتفق عليه الآباء القديسون الفضلاء وخالفها نسطور ولاون ومجمع خلقدونية]].
(*) بسبب أعداد الأرمن الكبيرة في جيش أمير الجيوش بدر الجمالي (الأرمني الأصل).
[[ثم وصل أخو مطران الحبشة بهدية لم يحسن موقعها عند أمير الجيوش ولا أعجبته (..) فاستدعى البطرك فحضر ومعه عشرة أساقفة (..) فقال لهم: أنت جعلتم أخا هذا مطرانا للحبشة ولنا عنده مال، وكان قد (تعهد) أن يبني مساجد في بلاد الحبشة وأن يحمل الهدايا، وأشياء كثيرة، فما فعل (..) وقال: يجب أن ترسلوا أسقفين حتى تبنى المساجد في بلاد الحبشة وتقام الدعوة (..) وقد صار (الأحباش) يقطعون على المسلمين التجار وغيرهم الطريق، (فيجب أن) يمنعهم البطرك من ذلك وإلا فأنا أعرف ما أفعله. فقال الأب البطرك: يا مولاي إيش لي أنا في قطع الطريق، أنا لست خفيرا. فأمر أن يطرد هو والأساقفة من مجلسه وأن يُحبس أخو المطران (..) وكتب على الأساقفة دينارين كل يوم (على كل واحد، حتي ينفذوا أوامره) (..) فكتبوا الكتب وقرروا إرسال أسقفي الجيزة وسنجار بها (..). وكان قد نال بني المعمودية (القبط) خوف عظيم لشدة هيبة أمير الجيوش وما جرى منه إلى أن لطف الله سبحانه بوصول هدية حسنة من عند باسيل ملك النوبة (..) فاستدعى أمير الجيوش البطرك والعشرة أساقفة فأمرهم بالجلوس وأكرمهم (..) وقال لأخي مطران الحبشة: كان أخوك قد شرط لنا على نفسه أن يبني في بلاد الحبشة أربعة مساجد وما فعل. فقال له: يا مولاي، قد بنى (المطران) في المواضع التي استطاع البناء فيها سبعة مساجد، وأمرُها مشهورٌ (لكن) الأحباش هدموها وأرادوا أن يقتلوه، والملك لما بلغه هذا قبض على المطران واعتقله (..). ثم قال (أمير الجيوش) للبطرك والأساقفة: إيش فعلتم؟ فقالوا: قد كتبنا (الرسائل) بالقبطي والعربي، فاأمر من شئت يقرأها ويفسرها (يترجمها) بين يديك (..). وخرج الأساقفة من بين يديه مسرورين شاكرين لله تعالى (..). وكتب أمير الجيوش إلى ملك الحبشة يقول له "إن لم تفعل كذا وكذا وإلا هدمت البيع (الكنائس) التي بأرض مصر". فرد عليه (الملك) يقول: "إذا هدمت من البيع حجرا واحدا حملتُ إليك طوب مكة وحجارتها جميعها وأوصلته إليك كله، وإذا ضاع منه طوبة واحدة أرسلت إليك وزنها ذهبا"]].
لاحظ درجة ابتزاز الكنيسة القبطية وكيف أصبح من مهامها نشر دعوة الإسلام وبناء المساجد في الحبشة والنوبة.. عموما يبدو أن رد ملك الحبشة قد جمد الوضع إلى حين..
[[(..) وأمر أمير الجيوش بألا يسكن في الحسينية التي بظاهر القاهرة إلا الأرمن فقط (..) ومضى جماعة من الأرمن برقعة قالوا فيها ليس لنا بيعة نصلي فيها وفي دير الخندق عدة كنائس لأصحابنا اليعاقبة (القبط) وهي مغلقة لا يحتاجون لها (..) فأرسل أمير الجيوش ووجده حقا كما قالوا فأمر الأسقف أن يدفعها هم ليعمروها ويصلوا فيها فأخذوها (..)]].
يوحي ما سبق بتناقص عدد الأقباط نتيجة للتحول الخ. لكنهم ظلوا الأغلبية، فمثلا يقول العلامة الأندلسي أبو السلط، الذي زار مصر أيام وزارة الأفضل، ابن بدر الجمالي، في خلافة الآمر بأحكام الله (انظر الفقرات التالية): "سكان مصر أخلاط من الناس، مختلفو الأصناف والأجناس من قبط وروم وعرب وأكراد وديلم وحبشان وغير ذلك، إلا أن جمهورهم (غالبيتهم) قبط" (المقريزي ـ الخطط ص ٤٧)
-------------------------------------------------
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/10/372047.htm

حكايات الاحتلال (7): اضمحلال دولة الفاطميين

GMT 14:45:00 2008 الثلائاء 7 أكتوبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم
بدأت الدولة الفاطمية في دخول طور الضعف والاضمحلال. ونتابع ما يقوله كُتّاب السيرة في "تاريخ البطاركة"، الذين أصبحوا يعطون للأحداث العامة في البلاد اهتماما أكبر من الأحداث الكنسية الداخلية..
٢١ ـ وفي أيام الأنبا ميخائيل ٦٨ (١٠٩٢ـ١١٠٢) يذكر يوحنا ابن صاعد القلزمي، ناسخ السيرة، أن خلافات قد دبت بين البطريرك وبين عدد من الأساقفة والأراخنة.
وفي السنة الثانية من جلوسه توفي الأجلّ أمير الجيوش وتولى ولده الأفضل الوزارة أيام المستنصر بالله.
[[وفي تلك الأيام وصلت عساكر الروم والفرنج من رومية ومن بلاد افرنجية (*) إلى الشام في خلق كثير وملكوا أنطاكية وما يليها وأكثر الشام الفوقاني وكان يومئذ بأيدي الغز الخرسانيين، ولم يبق منه بأيدي الغز إلا دمشق وما يليها. ثم ملكوا القدس الشريف (يونيو ١٠٩٩)، وصرنا معشر النصارى اليعاقبة القبط لا نستطيع الحج إليها ولا نتمكن من الدنو منها لأجل ما هو من بغضهم لنا واعتقادهم فينا وتكفيرهم إيانا. وملكوا بعد ذلك جميع الحصون الشامية ما خلا صور وعسقلان الباقية في أيدي ولاة السيد الأفضل (..) وقد خرج إليهم وجاهد وبالغ وأنفق المال لكن لم تندفع أحكام الله وهو جل اسمه يكفينا ويرحمنا برحمته]].
(*) بداية حروب الفرنجة التي أطلق عليها مؤرخوا الغرب، في نهاية القرن السابع عشر، حروب "المتصلبين" أو "حاملي علامة الصليب" (crussade, croisade) وهو ما ترجم بالحروب "الصليبية".
٢٢ـ وتولى الأنبا مقار ٦٩ (١١٠٢ـ١١٢٨) في أيام مملكة الآمر بأحكام الله ووزارة الأفضل ثم بعد موته المأمون.
[[(..) ووصل (البطريرك ومرافقوه) دار السيد الأجل الأفضل فلما دخلوا إليه دعا له دعاء كثيرا، فرآه وديعا عفيفا حسن الوجه جيد الكلام ورزقه الله منه حظا وقبولا فأجلسه وأكرمه (..) وأمر أن يكتب له منشور إلى والي الاسكندرية وغيره من الولاة الذين يعبر عليهم في طريقه، وأعفاه من طلب الرسم (المقرر على البطاركة الجدد) وكان تكريزه في كنيسة ماري مرقس (..) بعد أن جرى له مع الاسكندرانيين خطوب كثيرة بسبب الرسم المستقر لهم على من يجلس في البطريركية (..) وقال لهم "أنا رجل راهب ليس لدي شيء ولا أكتب (تعهدا) بشيء ومهما قدرت عليه دفعته لكم في كل سنة؛ فإن رضيتم بهذا وإلا اتركوني أرجع إلى (الدير) حيث كنت فهو أصلح لي وأحب إليّ مما دعوتموني إليه (..) ولم يزل الخطاب يتردد بينهم عدة أيام حتى كتب (تعهدا) بمائتي دينار في كل سنة (..)]].
وطبقا لهوامش "تاريخ البطاركة" بقلم المحقق فإن تاريخ ابن الراهب قد ذكر أن الوزير الأفضل قد أمر في تلك السنة بهدم كنيسة القديس ميخائيل بجزيرة الروضة لأنها كانت وسط بستان اشتراه. كما أن مؤرخ "سير البيعة المقدسة" ذكر أن المدعو أبو اليمن بن عبد المسيح، متولي ديوان، قد جدد كنيسة "أبي قدامة" بالفسطاط، وكانت قد آلت للسقوط، بغير توقيع السلطان. فلما عرف الوزير الأفضل، غضب وركب في جيشه ومعه القاضي والشهود إلى الكنيسة وحضر شيوخ مسلمين وشهدوا بذلك فهدم الكنيسة وسواها بالأرض وأقام مكانها مسجدا للمسلمين.
[[وفي أبيب سنة ٨٣٤ للشهداء (١١١٧م) وصل بردويل (بالدوين) مقدم الفرنج في عسكر عظيم إلى الفرما فنهبها وأحرقها ونوى الهجوم على مصر بغتة فمرض (..) ومات في العريش (..) وكان السيد الأجل الأفضل قد جرد إليهم عسكر عظيم. فلما مات بردويل تبعهم العسكر إلى الشام وعاد. وقد كفانا الله أمرهم نسأله جل اسمه دوام رحمته (..)]].
وفي نهاية رمضان ٥١٥ هلالية قُتل الأجل الأفضل (على يد عبد الله البطايحي، بإيعاز من الخليفة الآمر بأحكام الله، وتولى الوزارة مكافأة له) [[فلما بلغ الخبر مولانا الآمر بأحكام الله نزل من ساعته إلى دار الملك (مسكن الوزير الأفضل) واحتاط على جميع ما فيها من الأموال (..) وفي اليوم الثالث أخرج تابوته والناس يمشون حوله حفاة (حزنا) وخرج مولانا الآمر خلد الله ملكه خلفه بثياب غسيل وعمامة حمدانية حتى وصل إلى تربة والده بظاهر القاهرة خارج باب النصر فصلى عليه ودفنه فيها. وعاد مولانا إلى دار (الأجل) بمصر وأقام فيها سبعة عشر يوما حتى حمل جميع ما فيها من الأموال والجواهر والذهب والفضة والملابس والفرش والأثاث والآلات إلى (قصره). ويقال أن المال الذي وجد عينا في الأكياس أربعة ألف ألف دينار (..)]].
الخليفة يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته ويستولي على إرثه؟!..
٢٣ـ وفي أيام الأنبا غبريال ابن تريك ٧٠ (١١٣١ـ١١٤٥) وكان من نسل شريف من أعيان الكتاب وكان مجتهدا في قراءة الكتب وتفسير معانيها وهو ناسخ جيد قبطي وعربي:
[[جرى بين العبيد السودان (السود) وبين الأجناد (المرتزقة من الترك وغيرهم) حرب عظيمة في موضع يسمى كوم الدرب قبلي مصر في بلاد أطفيح وقتل من السودان خلق كثير (..) وقبض الأمير حسن (ابن الخليفة) على الأب البطرك وصادره وسجنه في خزانة إلى أن (جمع) له الكتّاب وساعده التجار (القبط) من أموالهم حتى حمل له ألف دينار وخلصه الله من يديه (..). وثار على (الأمير) جماعةٌ من أجناد دولته فمضوا إلى والي الغربية وكان رجلا نصرانيا أرمنيا يسمى بهرام ويُنعت تاج الدولة ـ وكان أرمنيا من جنس ملوكهم، وصل مع أمير الجيوش بدر الجمالي عند مجيئه من عكا أيام المستنصر واستمر في خدمة الدولة فقدمه وولاه الولايات وهو باق على دينه (..) ـ فمضى إليه الأجناد وسألوه أن يكون وزيرا وسلطانا، ودخل القاهرة (..) وهرب الأمير حسن واختفى، وعاد (الخليفة الحافظ) إلى ما كان عليه (*) واستوزر بهرام وهو نصراني (..)]].
(*) كان الخليفة الآمر قد سجن البطايحي بعد استوزاره بأربع سنوات، ولم يستوزر بعده أحدا، بل تولى بنفسه الحكم "التنفيذي" مباشرة، حتى تعيين بهرام.
[[واستمر تاج الدولة بهرام في الوزارة (حوالي سنتين) فكثر كلام المسلمين فيه لأجل مذهبه وحسدوه لأجل محبة الخليفة له وكونه قد علت كلمته عليهم، وكان للنصارى في أيام دولته نفاذ الكلمة وعزة النفس وكل تصرف جليل من الدواوين الكبار التي للخليفة والوزرات في أيديهم وكان منهم النظار والمشرفين في جميع أرض مصر (..). فلما ضعفت كلمة المسلمين وعزت كلمة (النصارى) ألجأتهم الحيلة لقطع هذا المرض من أصله و(التخلص) منهم بزوال الوزارة عن تاج الدولة بهرام. فتعصب منهم جماعة أمراء وأجناد وأخلاط الناس واستصرخوا برضوان بن الوخشي والي الغربية وقالوا له: (..) ما للمسلمين من ينقذهم من إهانة الأرمن سواك، فإن قويوا أكثر من ذلك تنصر كثير من المسلمين. واستنهضوه فنهض معهم وحشد العربان ومقطعين البلاد ونادي "يا مجاهدين في الكفار" وعلق مصاحف القرآن على أسنة الرماح قدام العسكر وسار وقد اجتمع له من المسلمين جيش عرمرم لا يحصى عدده من كثرته، واستعلى بكلمة الإسلام (..) فلما تواصلت أخباره لبهرام أراد حقن دماء الناس وقال لأصحابه: لا (أريد أن) يطالبني الله بدم من قتل منكم ومنهم، ومملكة هذه الديار قد جعلها الله للمسلمين فما يجوز ولا يحل لي من الله أن أقاتل القوم على مملكتهم وأنتزع حقهم منهم. ولو لم يستعن بي الخليفة على ما جرى عليه من ولده ورضي بما فعلته في خدمته وطاعته ما ابتدعت شيئا من نفسي. قوموا خذوا ما قدرتم عليه من أموالكم وأولادكم وامضوا بنا إلى قوص ـ حيث أخوه باساك الوالى ـ ثم نمضي لبلادنا ونترك للقوم مملكتهم فما لنا حاجة بقتالهم (فرفض جنود الأرمن) فلم يوافقهم وسار من وقته إلى قوص (..) فوجد أن خبر ابن الوخشي قد سبقه وأن أهل قوص قد قتلوا أخاه ودفنوه في الزبل في إصطبل دوابه بدار الولاية (..) فمضى إلى الدير الأبيض (غرب سوهاج) وأقام (..)]].
لاحظ: ١) الفرق بين موقف بهرام وموقف ابن الوخشي وأمثاله.... ؛ ٢) كان بهرام أول "رئيس وزراء" غير مسلم منذ الغزو العربي، وهو أمر يُحسب للخلافة الفاطمية بدون شك؛ ٣) ولكن بهرام كان أرمنيا - إذ لم يتم استوزار قبطي من أهل البلاد الأصليين حين كانوا أغلبية أو بعد أن أصبحوا أقلية، وذلك حتى نهاية ق١٩.
[[وأما ابن الوخشي فدخل القاهرة وأخلع الخليفة عليه الوزارة ونهب كنائس القاهرة والخندق، وحرق المسلمون دير الأرمن المعروف بالزهري وقتلوا بطركهم وكل الرهبان. وأمر ابن الوخشي ألا يستخدم النصارى في الدواوين الكبار ولا نظار ولا مشرفين وأن يشدوا زنانيرهم في أوساطهم ولا يركبوا الخيل وضاعف عليهم وعلى اليهود الجزية وجعلها ثلاث طبقات (..)]].
[[واستمر ابن الوخشي في الوزارة إلى أن قام عليه الأجناد وأمراء الدولة فخرج هاربا (..) ونزل عند (قبائل بدوية في شرق القاهرة) ومضوا به للشام (..). ثم أرسل مولانا الخليفة الحافظ إلى بهرام ليعود لوزارته فلم يقبل (..)]].
[[وأرسل ملك الحبشة للبطرك ولملك مصر يطلب أن يكرز له أساقفة (عددا أكثر مما جرت العادة عليه)، فخرج أمر الخليفة للبطرك بإجابته فاعتذر عن ذلك وقال: يا مولاي إذا صارت الأساقفة عند الحبش أكثر من هذا العدد تجاسروا على قسمة مطران لهم (وخرجوا عن) طاعة بطاركة مصر (..) ويخرجهم ذلك إلى عداوة ومحاربة ما هو متاخم لبلادهم من المسلمين فيختل النظام وتكثر الحروب (..)]].
٢٣ـ في أيام الأنبا يوحنا ٧٢ (١١٤٧ـ١١٦٦) الذي جلس في مملكة الحافظ (ت ١١٤٩)، كان كاتب السيرة هو مرقس ابن زرعة (الذي صار البطريرك ٧٣):
[[وفي أيام الظافر وزّر له نجم الدين ابن مصال، الذي (ثار) عليه ابن سلار والي ثغر الاسكندرية وغلبه وقتله ومعه خلق كثير من (السود) وأُخذت رأسه وطيف بها القاهرة على رمح، وتولى الوزارة بعده. وأمر النصارى بالقاهرة ومصر (الفسطاط) أن يشدوا الزنار ويقلعوا طيالسهم (..) وكان السبب قوم فقهاء من المبغضين للنصارى (..). واستمر في الوزارة حتى دخل عليه (حاجبه؟) نصر بن عباس فقتله وأخذ رأسه وأشهرها بين القصرين، وكان عباس (أبو نصر) والي الشرقية (..) فحضر وأخلع (الخليفة) عليه الوزارة]].
[[وكان النصارى قد أعمروا بالمطرية خرائب الكنيسة التي بها بئر البلسم الذي يستخرج منه دهن الميرون (..) فهدمها المسلمون وبنوا مكانها مسجدا]].
وبعد بضعة مجازر بين الحكام، اتُهٍم نصر بن عباس بعلاقة (..) مع الخليفة الشاب الظافر فاغتاله (في ١١٥٤) ونُصب مكانه ابنه الطفل خليفة باسم الفائز. [[واستقر طلايع بن رزيك في الوزارة ونعتوه بالصالح وكان محبا لجمع المال وأهلك نفوسا كثيرة (..) وكان يقرب (المنجمين) ويسمع أقوالهم، مبغضا للنصارى وبعض مذاهب المسلمين لأنه كان إماميا (شيعيا). وأمر ألا تكون لعمائم النصارى واليهود ذوائب (التي اقتصرت على الفاطميين) (..) وظهر في أيامه موت البقر (بطاعون الماشية، لأول مرة في مصر]].
[[ثم مات الإمام الفائز (في ١١٦٠م وعمره عشرون سنة) وجلس بعده عمه وانعتوه بالعاضد. (ثم قُتٍل رزيك) وتولى الوزارة ولدُه الذي نُعت بالأجلّ مجد الإسلام (..) وتجبر (واغتنى) ثم (ثار عليه) شاور والي قوص (واستعان بأجناد من المغرب وعربان)، فهرب مجد الإسلام (..) سبحان الله يؤتي الملك لمن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء (..) وتولى شاور الوزارة وأنعتوه بأمير الجيوش (..) ولما كانت ليلة الجمعة (الأخيرة) من شهر رمضان، نافق على شاور أميرٌ اسمه ضرغام ونعتُه سيف المجاهدين (..) وجمع عسكر وفتح (أحد) أبواب القاهرة و(هرب) شاور من باب الفتوح وسار في الظلام حتى وصل إلى بيوت عشيرته بني سعد. وملك ضرغام (..) وتوجه شاور إلى دمشق واجتمع بنور الدين محمود بن زنكي، وأقام عنده مدة فجهز معه عسكر (بقيادة) أسد الدين شيركوه (ليساعده في استرداد الحكم) وعاد لمصر ونزل ببلبيس، وخرج إليه ناصر المسلمين، أخو ضرغام، بعسكر كثير (..) فهزمهم شاور وشيركوه (..) وساروا للقاهرة وحاصروها (..) وقتل ضرغام أثناء هروبه (..)، وفتحت لهم أبواب القاهرة. وما أن استقر شاور حتى بلغه أن شيركوه يريد أن يغدر به فاحترز وأغلق أبواب القاهرة، فقاتله (شيركوه) وحاصره. وامتدت أيدي الغز (الأكراد) في سكان مصر (الفسطاط) من النصارى والسودان والأرمن والأتراك والمصريين، وكانوا يقتلوا منهم ويبيعونهم فإن وجدوا من يشتري شخصا (كان بها، وإلا) قتلوه، ونهبوا أموالهم وأخذوا نساءهم وكانوا ينادون علي النصراني "من يشتري كافر" (..) وكانوا يبيعونهم بثمن خسيس: بعشرين درهم النصراني وعشرة دراهم التركي وخمسة دراهم الأسود. واستشهد على يدهم راهب من دار أبو مقار مسكوه وعرضوا عليه الإسلام فامتنع فقتلوه (..) وهدموا كنائس كثيرة في ضواحي القاهرة ونهبوها]].
[[ولم يزل شيركوه يحاصر شاور في القاهرة، إلى أن أرسل شاور للملك مري ملك الإفرنج (*) بمال عظيم. (ولما علم) شيركوه بقرب وصوله، رحل والعربان (الذين معه) إلى الصعيد. ولما وصل الملك مري بعسكره إلى بلبيس، حمل إليه من الخليفة والوزير (شاور) من المال والهدايا شيء كثير. واستراح في بلبيس شهرا ثم نزل بعسكره حول القاهرة ثم (ساروا) وعسكر المسلمين في طلب شيركوه (..) فأدركوه (جنوب المنيا) فقتل وأسر (من الجانبين) خلق كثير. ثم ذهب شيركوه إلى اسكندرية وتحصن فيها وتبعه الملك مري وعسكر الفرنج وعسكر المصريين وحاصروه. فلما طال به الحصار خرج منه ليلا وعاد للقاهرة ليأخذها (..) وجرت خطوب تقرر آخرها أن (أعطوه) مالا فعاد لبلاده. (..) ورجع الملك مري (لمملكته) وكان قد عرف أنه أخطأ بالمجيء بعسكره في وسط بلاد الإسلام (..)]].
(*) أحد ملوك دويلات الإفرنج بالشام. لاحظ أن تحالف الحكام المسلمين مع الكفار ضد بعضهم البعض (والعكس، كما حدث أثناء الحروب "الصليبية") كان أمرا عاديا في تلك الأيام...
[[وفي هذه الأيام تنصر رجل من اليهود بمصر من كبار قومه كان خبيرا عالما يسمى أبو الفخر ابن أزهر، وتكلم باللغة القبطية في أسرع وقت وكان يجادل اليهود بالعبرانية وتمهر (صار ماهرا) في مذهب النصرانية حتى صار أعلم من أهله ومات (بعد أربعين سنة) مؤمنا بالمسيح بعد أن قاسى من المسلمين واليهود شدائد]].
[[ووصل كتاب من ملك الحبشة إلى (الوزير) العادل بن السلار وللبطرك يلتمس تعيين مطران (بدلا من الذي عنده، الذي كان قد وبخه لأنه أخذ الملك بدون حق)، فامتنع البطرك (لتعارض ذلك مع قوانين الكنيسة) فضجر عليه الوزير العادل وأمر باعتقاله (..) فقاسى البطرك من ضيق هذا السجن ونتن رائحته واستمر اعتقاله إلى أن قُتل العادل]].
٢٤ـ وفي أيام الأنبا مرقس ابن زرعة ٧٣ (١١٦٦ـ١١٨٩) وكان [[من نسل شريف يسمي قبل بطريركته أبو الفرج ابن أبو أسعد (وأصله) سرياني من أهل الشام، و(قبل رسامته) كان كثير من الناس المسلمين والنصارى يشهدون له بالعفة والديانة (..) وفعل الخير (..)]]:
جرى [[من الأمور الصعبة والشدائد المرهقة والدماء المهرقة وزوال الدولة (الفاطمية) (..) إلى حين انقضائها على أيام العاضد (بعد) ٢٧٥ سنة منها ٢٠١ سنة بمصر (..)]].
وفي (١١٦٠م) هاجم مري ملك الإفرنج بلبيس وعاث فيها (*) (..) فكتب الخليفة العاضد لنور الدين محمود ابن زنكي ملك الغز (الأكراد) بدمشق يعرفه ما جرى على المسلمين بديار مصر ويطلب منه العون فقام بإرسال [[أسد الدين شيركوه ومعه عسكر كثير من الغز (وطارد الإفرنج) ثم نزل إلى اللوق وأحاط بالقاهرة وحمل إليه الخليفة ضيافة وخلع سيفه له ولمن وصل معه من الأمراء (وأعطاه) أموالا كثيرة وخيام ومعدات (..) وفي يوم الجمعة أول ربيع الأول سنة ٥٦٤ هلالية أرسل إليه الخليفة سيف الدم مع مؤتمن الخلافة جوهر الأستاذ وأمره أن يضرب به رقبة شاور وزيره فقتله ذبحا بسكين (..) ودخل القاهرة وأخلع عليه الخليفة خلع الوزارة (..) وكان له يوم مشهور لم يرى في الدنيا مثله. ولما كمل له شهر في الملك (الوزارة) نادى بالقاهرة أن يرفع النصارى عذب عمائمهم ويشدوا زنانيرهم و(يضع) اليهود خرقة صفراء في عمائمهم(**)]].
(*) هذا الهجوم غير المبرر أثار سلسلة من التداعيات التاريخية التي أدت (كما سنرى) إلى انهيار الدولة الفاطمية، ثم القضاء على معظم دويلات الفرنجة في الشام..
(**) يبدو أنها أحد تسليات الحكام هي التحكم في ملابس "أهل الذمة" ...
[[ (وبعد ستين يوما من استوزاره) مات شيركوه، ووزر الخليفة بعده يوسف، ابن نجم الدين أيوب (وابن أخي شيركوه الذي جاء معه كمساعد أو قائمقام) وأُنعت "بالملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين جامع الإيمان قامع عبدة الصلبان محيي دولة أمير المؤمنين" (..) ووقّع يوم جلوسه توقيعا باسم القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني وكان هذا عالما فاضلا (..) محبوبا من كل أحد (..) لكنه من طبع الآدمي ألا يكون كاملا لكون الكمال لله وحده لأنه لم يوجد فيه شيء يشوبه سوى أنه أشار ألا يستخدم النصارى نظارا على أموال الدولة ولا مشرفين (*) (..) فلم يعد أحد من النصارى يستخدم في نظر ولا مشارفة في أيام دولة صلاح الدين ولا من ملك بعده من ذريته]]
(*) لا نعلم إن كان كاتب السيرة يحب الدعابة السوداء أو أن هذا يمثل نموذجا لاقتناع الضحية برؤية جلادها...
[[وفي جمادى الآخر سنة ٥٥٦ (١١٧٠م) بلغ الناصر صلاح الدين أن جوهر، استاذ (= كاتم سر) العاضد قد خرج من القاهرة (في طريقه) إلى الفرنج يستنجد بهم ويحضرهم للقاهرة لمحاربة (صلاح الدين)، لأنه لما تمكن في المملكة خاف منه الخليفة والأستاذان (..). فندب الناصرُ الطواشيَ قراقوش ومعه مائة فارس فأدرك جوهر واستدعاه (فرفض) فحاصره قراقوش وقتله وأخذ رأسه وعاد للقاهرة. فلما سمع السودان اجتموا وزحفوا لقتال السلطان (الناصر)، فنصره الله عليهم وظفر بهم، (لكنه) لم يقتل أحدا منهم بل قال: لا لوم عليهم لأنهم قاتلوا عن سيدهم وخليفتهم (واستمالهم فعرض عليهم) أن يقيموا حيثما أرادوا فخرجوا من القاهرة إلى الأرياف والصعيد وتفرقوا في جميع ديار مصر]].
[[ثم أن ابن شمس الدولة، أخو صلاح الدين، دخل إلى القصر ليلا وطلب الخليفة فلما أعلموا الخليفة مصّ الخاتم المسموم |(..) ومات (..) وقد أخبر رجل من أهل القصر أنه كان قبل (موته) قد شرب الخمر مع صلاح الدين وشمس الدولة وسمع الغناء بحضرتهم عنده في مجلسه، فلما انقضى المجلس خلى بسريته (..) فطلبت أن يهبها ديبق ذهب مكلل بالجواهر كان في سرواله (ففعل) فأحضرته لصلاح الدين تفتخر به، فأخذه وأحضر القاضي والشهود والفقهاء (..) وطلب الفتوى: هل يجوز للخليفة أن يشرب الخمر ويفسق؟ فأفتى الفقهاء أنه إذا ثبت ذلك يخلع من الخلافة، فطلب من أخيه شمس الدولة الركوب إلى القصر والتلطف في قتل الخليفة (ففعل كما تقدم)]].
[[وكانت وفاة العاضد لدين الله وهو الخليفة الرابع عشر لبيت الفاطميين في ٥٦٧ هلالية (١١٧٢م). وتسلم الملك الناصر القصرَ وما فيه وأمر أن يُحمل من التركة والأثاث إلى داره ما يصلح له ولنسائه من الملابس والجواهر والمصاغ ونحو ذلك وأن يباع ما لا حاجة له به من الكتب والأواني وغيرها، وأقام أمينا على البيع القاضي ابن بنان. وأما النفوس، فإنه (حبس) محظيات الخليفة وأولاده في دار المظفر بحارة برجوان وأقام عليهم حراسة وأرسل لهم القوت (..) وأما الأهل والأقارب (..) فإنه جمع منهم مائتي رجل وأكثر ووضعهم في سجن المنافقين في الإيوان بالقصر وفي أرجلهم قيود حديد (..) ولما صار القاهريون والمصريون من شيعتهم يدخلون عليهم بالصدقات قطع عنهم القوت. ومات منهم كثير في قيوده ودفنوا بها، فسبحان الحي الذي لا يموت يضع من يشاء ويرفع من يشاء. أما جواري وعبيد الخدمة فباعهم مع بقية التركة]].
وهكذا، وبساطة شديدة، انتهت الدولة الفاطمية [[وصار الأمر للخطيب في يوم الجمعة بالدعاء (..) للإمام أبو محمد بنور الله (الخليفة العباسي في بغداد)]]...
والخلاصة أن تعامل الفاطميين مع الأقباط كانت فيه تقلبات كبيرة، تراوحت بين الاضطهاد الوحشي والتسامح ـ الذي كان أحيانا (والحق يقال) أفضل كثيرا مما فعله من سبقهم أو لحقهم (بما في ذلك أن تصبح بعض الأعياد مثل أحد الزعف ورأس السنة القبطية (=المصرية) أعيادا "قومية"). لكن الأقباط، بصفة عامة، دخلوا المرحلة التالية من تاريخهم وقد تدهورت وتضاءلت مكانتهم في البلاد
--------------------------------------------
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/11/382986.htm

حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (٨)

GMT 23:45:00 2008 السبت 15 نوفمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


صلاح الدين وحروبه ضد الكفار

نعاود مراجعة تاريخ مصر استنادا إلى حوليات كتاب "تاريخ البطاركة" الذي استمر بعد وفاة مؤلفه ساوري (ساويرس ابن المقفع، حوالي سنة ١٠٠٠) بيد كتّاب آخرين. وقد تم تغطية أحداث الفترة الأيوبية بتوسع وتعدت ألف صفحة ولذا سنعرض لها في أكثر من مقال..
***
بعد التخلص من الدولة الفاطمية في ١١٧١بدأ صلاح الدين في توطيد دعائم ملكه في مصر، وقضى على أنصار الفاطميين وأعاد تنظيم الجيش فأصبح عماد المقاتلين من الأكراد والسلاجقة الذين حلوا محل السودانيين والبربر والأرمن. وفي ١١٧٥ منح خليفة بغداد صلاح الدين لقب سلطان.
[[ وفي (١١٨٢) جمع صلاح الدين العسكر ومضى إلى دمشق بعد موت نور الدين بن قسيم الدولة ففتحها وتسلمها وجميع أعمالها وتوجه إلى حلب وحاصرها فلم يقدر يأخذها، ففتح حمص وبعلبك وعبر الفرات وفتح مدنا كثيرة في أرض الموصل (..) وعاد فأخذ حلب (..) ثم نزل على نابلس فهدمها وأخذ منه مالا وسبيا ثم عاد لمصر (١١٨٤)]].
وإذ أصبح صلاح الدين أقوى حاكم في العالم الإسلامي فقد عقد العزم على شن الجهاد ضد أعداء الإسلام ووجه موارد الدولة إلى النضال ضد الفرنج.
[[وعمل مع الرعية بديار مصر الخير (..) وأزال مظالم كثيرة وأمر بإبطال الملاهي في جميع ديار مصر وأنكر كل منكر وأقام الحدود الشرعية (..)].
** هذه أول مرة يأتي فيها ذكر "الحدود الشرعية" لكن الغريب أن كاتب الحوليات لا يعطي أي تفاصيل عن ماهيتها وكيفية ومدى تطبيقها، وهل طبقت على الأقباط أم لا؛ وإذا طبقت فكيف، وماذا كانت تداعياتها وردود أفعالهم؟ أسئلة كثيرة تحتاج لبحث تاريخي جاد.
أخذت الغيوم تتلبد ودخل الانتقام الإسلامي مرحلة حاسمة. يحكي الكاتب موقعة كوم حطين بين صلاح الدين والإفرنج (يوليو ١١٨٧): [[فلم يزالوا يقاتلوا حتى نصر الله صلاح الدين عليهم فكسرهم وأسر من أسر وقتل من قتل وقد تهلل أهل الخير لما يعلمه الله في ذلك من صلاحهم. ولما ظفر بهم صلاح الدين (أحضروا بين يديه) البرنس أرناط (رينو دو شاتيون) صاحب (مدينة) الكرك، وخاطبه بكلام غليظ (..) ثم ذبحه بيده وغسل يديه بدمه (*)، وكان حاضرا الكونت جودفري (فطمأنه صلاح الدين وحكى له لماذا قتل البرنس ارناط: بسبب اعتدائه على قوافل المسلمين العابرة حول مدينته). ثم أطلق الكونت (..) فرحل إلى قبرص (..)]].
(*) أمر صلاح الدين أيضا بإعدام حوالي ٢٠٠ من الفرسان الأسرى، واحتفظ بالباقين للحصول على فدية.
[[ وكتب صلاح الدين لولده العزيز، الذي سلطنه على ديار مصر، يصف له الأحوال: « (..) كتابنا هذا ناطقا بما جاء من نصر الله العزيز وفتحه المبين وما أنتج من الظفر الذي (محا) آثار المشركين وشفا صدور المؤمنين (..) وأوضح أن الله عز وجل اطلع على النية السلطانية في نصرة دينه فنصره وعرف عزمه فأقدره وعضده وظفّره وأيّده بجنوده على من جحد تفرده بالوحدانية وكفره، وأمات بسيفه سلطان الشرك فأقبره (..) وذكر النصرة الرادة لعدو الله على عقبيه. وإن من جملة ما أنعم الله به أن نوزلت جموع الإفرنجية وكُسروا الكسرة التي تركت البلاد منهم خاوية (..) وجمعت من طواغيت الكفر وبين أمهم الهاوية وأذاقتهم النار الحامية. وفي يوم الأحد تسلمت طبرية، وقُتل الابرنس ارناط (الأمير رينو) باليد العالية السلطانية (وأُسِر آخرون) (..) وفي يوم الثلاثاء انتقل الركب السلطاني إلى مدينة عكا لينازلها وفي يوم الخميس فتحت صلحاً، واستقر الإسلام فيها بوطنه وعاد إلى سكنه (..) وفي يوم الجمعة مستهل جمادى الأول أقيمت خطبة الإسلام في مسجدها وقام المؤذن مكان النواقيس معلنا كلمة التوحيد (..) (ثم فتحت الناصرة وحيفا والحولة واسكندرونة ونابلس) (..) وأشير أن عدد من قُتل وأسر يزيد عن عشرين ألف آدمي (..) ولم يعدم من المسلمين سوى نفر دون العشرة (..) وسلّمت عسقلان (في أغسطس ١١٨٧) (..) أفضل عروسة في الدنيا وأنقذها من يد الكفر (..) ونصبت أعلام المسلمين على أبراجها وعمرت بموحديها و(تخلصت من) مشركيها وكفارها، وكثر المؤذنون في أرجائها وزالت سمة الصلبان من جهاتها وأنحائها، وأعلن الخطيب بلا إله إلا الله على منبرها. ومن قصص الفتح أنها لما واجهتها جيوش الإسلام الناصرية وأنصار المؤمنين والتوحيد الصلاحية وأحاط بكفارها سخط الله (..) لجأ المشركين (المشركون!) إلى الفرار فنصبنا لهم آلات القتال وأذقناهم من طعم الطعن شديد الوبال (..) فلما خشوا بأسنا جنحوا للسلم (..) وتسلمت المدينة ونصبت أعلام الإسلام عليها (..) »]]
[[ورحل السلطان فنزل على بيت المقدس يوم الخميس (..) ورتب العسكر محاصرا المدينة من جميع جهاتها، وصلى المسلمين (المسلمون) على الجبل الذي حولها يوم الجمعة وزحفوا للقتال بعد الصلاة (..) وأرسل السلطان لباليان (*) أن يسلم البلد بالأمان فلم يفعل. وكان هناك رجل نصراني من الملكية يسمى يوسف البطيط من أهل القدس، كان قد سكن في دمشق وعرف صلاح الدين وإخوته، وأباه وعمَّه أسد الدين شيركوه وهم بدمشق في خدمة نور الدين ابن زنكي. فلما ملك صلاح الدين ديار مصر، جاء (البطيط) إليهم فأخذه الملك العادل أخو صلاح الدين عنده وأنعم عليه (..) وكان صلاح الدين يترسل به إلى ملوك الإفرنج فصار يعرف أحوال بلادهم ويعرف كبار فرسانهم. (فالآن) لما رأى السلطان أن الحرب شديدة ولم يقدر على المدينة المقدسة، أحضر يوسف البطيط واتفق معه أن يرسل إلى النصارى الملكية يوعدهم بكل خير ويطلب منهم عدم مساعدة الإفرنج في القتال وأن يسلموا المدينة لصلاح الدين من ناحيتهم (..). فلما علم باليان، وكان النصارى الملكية (الملكانية، الروم الأرثوذكس) في المدينة أكثر من الفرنج (**)، خاف أن يسلموها فيهلك الفرنج جميعهم بالسيف، فأذعن للصلح (..) واتفق مع السلطان على (فدية) على كل رجل وامرأة وصبي]].
(*) فارس الإفرنج الذي كان يقود الحامية.
(**) هذا الدور الحاسم الذي قام به نصارى القدس في استسلام الفرنجة وتسليم مدينة القدس لصلاح الدين يندر ذكره في كتابات المؤرخين المسلمين.
وكتب صلاح الدين إلى نصر الدين ابن بهرام، والي الأعمال الغربية، يخبره بما يحدث، مستخدما أسلوبه المفعم بالسجع والفشخرة المعتادة:
[[كتابنا إلى الأمير الأجلّ الاسفهسلار (؟) الكبير نصير الدين فخر الإسلام عمدة المجاهدين (..) فقد طلعت على أسوار البيت المقدس أعلامنا ونفذت فيه أحكامنا وذهبت أيام العدو الكافر واستقبلته أيامنا، وثبت بتأييد الله أقدامنا وكانت مدة المنازلة ثلاثة عشر يوما وأيام المقاتلة سبعة، رمي بالمناجيق حتى خربت أسوارها وحطمتها وحدرت الجدران وهدمتها وأقامت كلمة التوحيد وقومتها وأظهرت شعائر الدين الحنيف وعظمتها، وكيف يدوم مع الحق الضلالة (..) ومازالت الكفار في شقاء وعناء منذ يوم المنازلة إلى يوم التسليم، وإذ خمدت حميتهم (وأدركوا أن) مدة ولايتهم انصرمت وأن (أهل القدس) سيلقون بهم إلى أولياء الله (المسلمين) فيمضوا فيهم حكم السيف والنار، وأن المسجد الأقصى قد لبس حلتي الفرح والاستبشار (..) ولما كان يوم الخميس سادس يوم المقاتلة، زحف المؤمنون وتقدم الموحدون وبأيديهم كؤوس الحتف والمنون (..) فعندها لاذوا بالأمان وأرسلوا يسألون (في تقرير الفدية)، وتقررت أمور قرت بها عيني النبي صلوات الله عليه في ضريحه ونطق بها لسان الرأي الصحيح مع صريحه، وهو عشرة دنانير على الرجل وخمسة على المرأة ودينارا واحدا على الصبي الذي لم يبلغ الحكم (الرشد) والصبية. وعدد من في البلد قارب مائة ألف أو يزيدون. وقطعوا ثلاثين ألف دينار فدية لسبعة آلاف رجل ضعفاء لا يقدرون، يقدمها كبارهم صدقة. والحمد لله الذي أخفت دعوتهم واستأصل بالسيوف الناصرية غيهم (..)]]
[[ولما تسلم الملك الناصر صلاح الدين البيت المقدس (*) بالأمان والفدية في رجب سنة ٥٨٣ هلالية (سبتمبر ١١٨٧م) أقام فيها إلى أن صام رمضان وصلى العيد (..) وخطب الخطيب في العيد يقول: « الحمد لله، الله أكبر على ما سهل ويسر، وفتح ونصر، ومنّ علينا بالمسجد الأقصى المطهر، وأخرج منه الكفر والأعلاج بني الأصفر، وشتتهم وبددهم ودمرهم ورد إلى الملة الإسلامية الأرض المقدسة، أرض المحشر والمنشر (..) أحمد الله على تغيير البيع والصوامع بالمساجد والجوامع، وتبديل النواقيس بالتأذين والتقديس، وتحويل تعظيم صليب المصلوب بتمجيد الحي الذي لا يموت (..) »]]
(*) جاء نبأ سقوط القدس بمثابة الصاعقة في أوروبا الغربية، وبدأت الدعوة لحملة جديدة، اشترك فيها الإقطاعيون الكبار والفرسان إذ بدأت الدوافع الدينية (تخليص قبر المسيح وتأمين طرق الحجاج) تتراجع، لترك مكانها المصالح التجارية في المنطقة.
[[ثم خرج صلاح الدين وحاصر الكرك فأخذه وتوجه إلى صيدا وبيروت وجبيلة وسار في طول الساحل ففتح مدن وقلاع وقرى، وفتح وملك بالأمان أكثر مما فتح بالسيف وأوفى بعهوده ولم ينكث بكلمة من قوله ولا غدر، وكان فرسان الفرنج وأمراؤهم وكبارهم يخرجون من حصونهم وقلاعهم بأموالهم ومواشيهم ونسائهم وأولادهم وجميع ما يملكوه من المال والخيل والبغال والجمال والجواري والمماليك حتى الأسرى من المسلمين، ومن رضي منهم يبيع أسيره (لصلاح الدين)، ومن لا يرضى قال له خذ أسيرك ولكن افعل معه الخير كما فعلت معك، وكان كثير من الفرسان يدفعون له بأسراهم ويحلفوا ما يأخذوا ثمنا (..). ولما فتح الساحل جميعه أعطى الهبات لأجناده وأصحابه ومن عاونوه من ملوك المسلمين وأمرائهم من المواشي والأسري والخلع ما لا يحصى عدده. وقد بلغني عن غلام من غلمان الأجناد أنه أسر رجلا من الإفرنج فباعه لفقاعي (تاجر شعير مخمّر، أي بيره) بكوز فقاع (أي بكوب بيره)، وظهر بعد ذلك أنه فارس كبير؛ فأعوذ بالله من زوال النعم وحلول النقم (..)]].
[[ثم نعود إلى شرح ما أيد الله به صلاح الدين وما مكنه له من النصر والظفر والتمكين، وما صنع له مع أعداء دينه ودولته، كقول التوراة: إذا عبر عليك حمار عدوك وأنت جالس، ووسقُه مائل فقم إليه واعدل وسقه عليه، وقول الإنجيل بما هو أعظم من هذا: أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم وصلوا لأجل من يشتمكم وأحسنوا إلى من أساء إليكم. فعمل صلاح الدين بأمر هذين الشريعتين من غير معرفة ولا قراءة بل بإلهام من الله، ولأجل ذلك مات على فراشه وكانت عاقبته حميدة في نفسه وذريته]].
[[ولم تزل الحرب قائمة (مع الإفرنج) إلى أن حشد ملك الألمان (فردريك باربا روسا) ٦٠٠ ألف رمح (؟؟) ووصل بعد سنة كاملة إلى (قرب أنطاكية) ولما أراد أن يعبر البحر إلي قسطنطينية حشد ملك الروم جيشه (*) فقهره (فردريك) وحاصر قسطنطينية وجبى خراجها وجميع مدنها وقراها (..) ثم سار في طريقه لبيت المقدس وجاز على جميع بلدان ملوك الروم والأرمن والمسلمين والفرنج بالسيف ولم يقف أحد قدامه فلما قرب من أنطاكية قطع الملك المظفر تقي الدين ماء نهر الكلب فغرقت جميع الطرق. فركب (فردريك) المراكب من أنطاكية ومضي في البحر إلى عكا ونزل عند عسكر الإفرنج (..) ثم مات ومات ولده ومات أكثر أصحابه بسبب تغيير الهواء، وخمد ذكره وبطل أمره وكأنه لم يكن فسبحان الله الدائم الحياة (..)]].
(*) عندما تأكد صلاح الدين من أنباء الحملة الجديدة، عاود توطيد علاقاته بالإمبراطور البيزنطي كي يضمن مساعدته وفاقت هداياه هذه المرة كل ما سبق أن أرسله في الماضي ووعد البيزنطيين بأن تصبح كل كنائس فلسطين وفقا لمذهب بيزنطة، كما وعد الإمبراطور من ناحيته بأن يكون جامع القسطنطينية في يد السنة. وهكذا وضع الإمبرطور العراقيل في طريق الحملة الألمانية، وعندما عجز عن وقفها كان يمد صلاح الدين بأخبار تحركاتها..
[[ولو أخذت في شرح ما جرى بين المسلمين والفرنج على عكا وغيرها (..) لطال الشرح وعظم الوصف. وقد تقدم في سير الأولين ما هو أعظم من هذه السيرة ولم تزل هذه صفته مادامت الدنيا: كل أمة ترتكب الفساد وتعمل ضد (نواميسه) يرسل الله عليها أمة غليظة لا ترحم ولا تشفق تخرجها منه بالسيف والسبي والجوع والحصار ونهب الأموال وبيع الأولاد والحريم (..) لأن الله يريد من الملك أن يكون في (مملكته) من الطهارة والعدل وصلاح السيرة وملازمة الصلوات الصدقات مثلما فعل داوود (في أيام ملكه)]].
يلتزم كاتب الحوليات بمدرسة "التفسير الديني للتاريخ" التي كانت شائعة في العصور القديمة والوسطى..
[[ولم تزل الحرب بين الفرنج والمسلمين في عكا (من ١١٨٩ إلى ١١٩١). ثم وصل ملك الفرنسيس (فرنسا) بجنوده بحرا ونزل مع عسكر الإفرنج (قرب عكا) واتفق معهم علي مهاجمة عكا. وكان صلاح الدين قد أدخل بها عسكر جديد فيه جماعة من الأمراء الكبار المعروفين من مقدمي (قادة ألوية) الأكراد والمماليك الصلاحية (أتباع صلاح الدين) والمماليك الأسدية (جند أسد الدين شيركوه) والتركمان (*). وشدد ملك الفرنسيس حصاره ثم فتحها ظهر الجمعة نصف شعبان. وأخبرني رجل كان في عكا أنه لما فتحها صلاح الدين أول مرة وجدوا جامعها قد جعله الفرنج كنيسة فجمع الأسري الفرنج وغلسوا حيطانه وأبوابه وكشطوا منه الصور وبالجير بيضوه حتي ما بقي للصور أثر ولا خبر. ثم لما فتحها ملك افرنس أخذ الإفرنج أسراهم المسلمين إلي الجامع وغسلوه وجددوا بياضه وصوره كما كان. فسبحان الله الذي بيده ملكوت كل شيء يعز من يشاء ويذل من يشاء ويجازي كل أحد بأعماله (..) وعاد ملك افرنس في البحر لبلاده ثم وصلها (ريتشارد) ملك الانكتار (الانجليز) وكان بطل شجاع لا يخاف ولا يهاب (..) وخرج من عكا إلى حيفا (واستمرت الحروب لفترة)]].
(*) من الواضح، كما تبين كتب التاريخ، أن حروب صلاح الدين ضد الفرنجة واستعادة القدس وغيرها، قام بها جنود مماليك ومرتزقة من الأكراد والترك السلاجقة، وأن المصريين ـ بعكس بعض الأوهام الشائعة ـ لم يشاركوا فيها بجهد بشري يذكر.
[[ولم يزل (صلاح الدين) يدبر والله يعضده بالتوفيق إلي أن تصوب رأيه في الهدنة والصلح وحقن الدماء للفريقين، وتقررت الهدنة أربعون شهرا على أن يبقي للمسلمين ما فتحوه من مدن الساحل ويبقى للفرنج ما كان بيدهم (..) أما البيت المقدس فيبقى بيد المسلمين وقرر صلاح الدين أن يحج (الإفرنج) إليه بشرط ألا يدخلوا بسلاح (*) (..). وصار الفرنج والمسلمون بعد الصلح مثل الإخوة وكذلك الملوك مع صلاح الدين وحمل إليهم أموالا وهدايا وحملوا إليه هدايا وخيل و(دروع) وسيوف ألمانية ورماح. فسبحان الله المؤلف بين القلوب المتباعدة والطباع المتضادة (..) وأما أسرى المسلمين لدى الفرنج وأسري الفرنج لدى المسلمين فلم يتقرر في أمرهم شيء (..) ثم عاد (ريتشارد) لبلاده وتوجه صلاح الدين إلى دمشق، وطاهر (اختتن) أولاده الخمسة عشر ـ وهم ليسوا من امرأة واحدة بل عدة نساء (وهم الذين أقامهم ملوكا على أنحاء مملكته الواسعة)]].
(*) طلب الإمبراطور البيزنطي أن تعود للمسيحيين البيزنطيين السيطرة على الأماكن المقدسة كما سبق أن وعد صلاح الدين، لكنه رفض أن يكون لمذهب من المذاهب السيادة وأنه سوف يكون الفيصل والحكم بينها، وقال بأن على الإمبراطور دفع مائتي ألف دينار إذا رغب في الحصول على صليب الصلبوت. (جمال الدين ج٣ـ ص ١٢١٦).
[[وكانت أيام دولته كلها حسنة طيبة وأحوال الرعية مستقيمة ولم يظلم أحدا كعادة من سبقوه، والطرق آمنة والأمور صالحة. ومات في قلعة دمشق (فبراير ١١٩٣) عن سبعين سنة]].
وبعد هذا العرض التاريخي البالغ الإعجاب بصلاح الدين، والذي لا يذكر فيه شيئا حتى عن عودة القبط للحج إلى بيت المقدس، لا ينسى كاتب السيرة أن يُذكّر، على استحياء، بما حدث في بداية أيام حكمه مع الأقباط:
[[وكان الأب الأنبا مرقس ابن زرعة قد قاسى من المصاعب وشاهد من الشدائد في بداية مملكة صلاح الدين لما خرج أمره بنزع الصلبان من كل قبة في كل كنيسة من الكنائس التي بديار مصر وكل من رأى كنيسة ظاهرها مبيض، تليس بالطين الأسود من فوق البياض، وأن لا يدق ناقوس في جميع ديار مصر ولا يدور النصارى بالزيتونة (أحد الزعف) في مدينة أو قرية كالعادة الأولى وأن يغير النصارى زيهم ليُعرفوا من المسلمين بأن يشدوا زنانيرهم في أوساطهم ولا يسيروا بطيلسان ويرفعوا عدب عمائمهم ولا يركبوا الخيل ولا البغال بل الحمير ولا يتظاهروا بشرب الخمر وأن يخفضوا أصواتهم في صلواتهم. وقد طمع أوباش المسلمين فيهم في ذلك الوقت وأهانوهم ورتبوا على بعض الكنائس في المدن والقرى فهدموها ونال الناس من ذلك مشقة عظيمة حتي خرج جماعة من كتاب مصر والقاهرة من دينهم وجحدوا مسيحهم (..) وما زال الأنبا يجاهد في صلواته من أجل شعبه إلى أن أصلح الله لهم قلب سلطانهم فقربهم وأدناهم واستخدمهم في ديوانه في أموال دولته وأنعم عليهم فعادوا إلي أرفع مما كانوا عليه وركبوا الخيل والبغال ولبسوا الخفاف والثياب المفرحة وساروا معه في الغزوات كتّابا لديوانه وأهله وأقاربه وأجناده (..) ونقل الله، بصبرهم وصلوات بطركهم ورجوعهم إلى الله وطاعتهم لرئيسهم، ذلهم إلى عز وإهانتهم إلى كرامة وبغضهم إلى محبة وضعفهم إلى قوة، وأكثروا من الصدقات ولازموا الصلوات وتشبهوا ببعضهم البعض في المسارعة إلى فعل الخيرات فنمت أرزاقهم وصحت أجسامهم وكثر بنوهم وبناتهم وصلحت أمورهم وطابت قلوبهم وانشرحت صدورهم (..)]].
ومن الغريب ألا يشير كاتب السيرة إلى ما ذكرته المصادر الأخرى حول العقوبات الصارمة، وصلت لحد الصلب والإعدام، التي أوقعها صلاح الدين بالقبط في سنوات (١١٦٨ـ ١١٧٣ م) بالرغم من مشاعرهم المعادية للفرنجة ومن ولائهم وتعضيدهم التام له. (ج٣ـ ص ١٢٢٨).
على أي حال، فهكذا تماهى القبط مع ذميتهم واعتبروا غاية المنال البقاء في الحياة، وطاعة رئيسهم الخ. وبهذا بدأت عصور الاضمحلال كما يتضح فيما حدث أيام الأيوبيين، بعد صلاح الدين..
---------------------------------------------------

http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/11/384962.htm
القبط في معصرة الأيوبيين

GMT 15:30:00 2008 السبت 22 نوفمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (٩)
نستمر في مراجعة تاريخ مصر استنادا إلى حوليات كتاب "تاريخ البطاركة" الذي استمر بعد وفاة مؤلفه ساوري (ساويرس ابن المقفع، حوالي سنة ١٠٠٠) بيد كتّاب آخرين.
ماذا حدث بعد رحيل صلاح الدين (١١٩٣) ذلك العاهل الذي ترك مملكة واسعة وعددا كبيرا من الورثة؟؟
٢٥ ـ في أيام الأنبا يوأنس، البطريرك الرابع والسبعون (١١٨٩ـ ١٢١٦). يذكر كاتب السيرة أبو المكارم ابن بركات ابن أبو العلا:
[[وملك بعد (صلاح الدين) ولده العزيز عثمان ديار مصر وأعمالها والبيت المقدس وأعماله. وقد كان صلاح الدين قد هادن الفرنج فلم يغدروا بعد موته ولا فسخوا هدنة (..) ولم يكن للأجناد (عملٌ) مدة سنين الهدنة فمسكوا أيديهم عن بيع الغلة فبلغ القمح مائة وسبعون دينارا للمائة أردب وكان السعر لا يثبت على حال (..) فتضرر الناس ثلاث سنين. ثم أن الملك العزيز جمع العسكر وسار من مصر إلى دمشق (١١٩٤) يريد أخذها (من أخيه) الأفضل، فلم يقدر فعاد للقاهرة. ثم تبعه (عمه) الملك العادل (الذي على مملكة الكرك، جنوب مدينة عمان الحالية) وحاصر القاهرة شهورا ثم تصالح مع العزيز وعادا معا لدمشق فأخذوها من الأفضل]].
[[وفي (١١٩٧) تواصلت مراكب الفرنج إلى عكا فبادر الملك العادل ونزل على يافا وقاتلها ثلاثة أيام ففتحها وقتل فيها خلقا كثيرا وسبى أكثر مما قتل. ثم تواصلت مراكب الفرنج وطلع منهم إلى الساحل خلق كثير (..) وسار الملك العزيز إلى الشام لمساندة عمه (..) ثم هادن العادل الفرنج على البر دون البحر مدة ستة سنين (..)]].
[[مات الملك العزيز (في ١١٩٨ إثر حادث صيد) وتولى ولده يوسف، وكان صغيرا فجاء (عمه) الملك الأفضل وملك ثم جمع العسكر وسار إلى دمشق يطلب استعادتها من عمه العادل (ففشل) وعاد لمصر (..) فجاء العادل (أخ صلاح الدين) (يطارده) وحاصر القاهرة واستولى على الحكم (في ١٢٠٠) وأحضر ولده الكامل من دمشق وسلطنه على مصر وضرب اسمه على (النقود) وأمر خطباء الديار المصرية ألا يذكر أحد منهم صلاح الدين ولا أحدا من أولاده، بل يذكروا الخليفة (العباسي) أولا، ثم الملك العادل ثانيا، ثم (السلطان) الملك الكامل ثالثا (..)]]
**لاحظ مشاكل "التوريث" بعد رحيل "المالك" وكأن البلاد مجرد إقطاعيات.
[[ثم قطع الله (الفيضان) في تلك السنة فشرقت البلاد وخربت وهلكت الرعية وتشتت الخلائق ومضى خلق كثير من ديار مصر للشام بأموالهم وأولادهم لكنهم ماتوا (في الطريق) بالبرد والجوع والقتل من العربان وأخذ النفوس والأموال وكانت رمم الخلق من باب بلبيس إلى باب غزة هم ودوابهم ومواشيهم؛ فكانت ثلاث ضربات ضرب الله بها المصريين: الغلاء والجلاء والوباء (..) وبلغ القمح دينارا الويبة مغربلة، وقدح الترمس المبلول درهما. فباع الناس من الأثاث والقنايات والدور والجواري والعبيد مما قيمته دينار بدرهم. وناس كثيرن باعوا بنيهم وبناتهم كالمماليك للخدمة (..) وكان الولد يخطف الخبز من أبيه حتى يحيي نفسه. وأكل الناس لحوم (الحيوانات) الميتة. وكانت نساء يعجزن عن الرضاعة فيرموا أولادهم في الجوامع والمساجد والطرقات فيأتي آخرون ويأخذوهم، وأمسكت الشرطة نساء كثير ومعهم قدور بها لحوم ناس صغار وكبار مطبوخين (..). وكان القوي يقوى على الضعيف فيأكله وهان الموت وانقطعت الحنّيّة من قلوب الناس وانقطع الرجاء وحصل اليأس وخربت المدن والقرى (..) وكان كبار الناس بمصر والقاهرة من أهل الخير من المسلمين والنصارى يتصدقون على الفقراء كلْ قدر طاقته. واستمرت هذه الأمور سنتين حتى نظر الله جلت قدرته ورحم الخلق (..)]].
[[وكان الملك العادل قد احتوى على مُلك مصر والبيت المقدس ودمشق ومن خلف الفرات وحران وعدة أماكن وقرى لم نعرف أسماءها، وكان ملكا عادلا حريزا قويا كثير الغزوات في (أراضي) الفرنجة والمسلمين]].
[[وأرسل ملك الحبشة يطلب أن يرسم له البطرك مطرانا وكان بصحبة الرسل تاج ذهب هدية للبطرك وهدية جليلة للسلطان (تشمل) فيل وسبع زراف وحمار وحشي، فأخذ البطركُ الرسلَ والهدايا للملك الكامل فاستحسن التاج وقال ما كنت أظن أن عندهم من يعمل هذا فقال الرسول: «يامولاي الملك نعرف اتضاع البطرك وإنه ما يلبسه وإلا كنا كللناه بجواهر قيمتها خراج ديار مصر جميعها». فتعجب السلطان وسأله عن ملك (الحبشة) وعسكره وحروبه، فأخرج كتابا منه للسلطان فقرأه ووجد من جملته يقول «ومملكتك أيها الملك محفوظة بصلوات البطرك الكبير العظيم الجليل فاحفظه واكرمه، وتقدم له أن يقسم لنا مطرانا». (..) وأمر بتسلم الهدية لكن البطرك ترك له التاج، وحلف بحياة والده الملك العادل أن يأخذه أيضا، فقبل؛ وأمر بعودة رسل الملك وأن يقسم لهم مطرانا]].
**لاحظ أن تبعية كنيسة الحبشة (والنوبة) للكنيسة القبطية كانت من أهم عوامل استقرار أحوال مصر على حدودها الجنوبية، وهو ما جعل الحكام المسلمين يتحاشون القضاء عليها (الكنيسة القبطية) بل اعتبرها بعضهم من مصادر قوتهم في الحكم...
[[ثم أسلم راهب من دير أبو مقار اسمه يوحنا على يد الملك الكامل، فجعله على منية غمر وأقام فيها ثلاث سنين محتسبا. وبعد ذلك تذكر دينه ورهبانيته فأخذ (قطعة قماش) ومنديل ووقف للملك الكامل وقال هذا كفني: إما تقتلني أو ترد لي ديني، فوقع له إلى كافة الولاة بأن يرد له دينه، فلبس ثياب الرهبنة و (تظاهر) بدين النصرانية. وأقام على ذلك زمانا إلى أن اتفق أن رجلا نصرانيا من أهل الصعيد أسلم ثم ندم فأخذ كفنه للملك العادل قبل سفره لدمشق وقال له: ترد لي ديني كما رد ابنك الملك الكامل على الراهب دينه، فلما سمع الملك (استدعى الراهب) وجدد إسلامه على يده وأعاده محتسبا على منية غمر (..)]].
**لاحظ كيف أن «حرية العقيدة» في الدولة الإسلامية دائما "أحادية الاتجاه"، والقصة أعلاه بالسماح "بالارتداد" استثناء نادر ـ وإن كانت النهاية «السعيدة» هي أن الراهب السابق قد انتهى، على أي حال، وبتشجيع من الملك "العادل"، بالبقاء في الإسلام...
[[ ثم حضر (ذلك الراهب السابق) إلى الملك الكامل وقال له أن الرهبان حفروا بئرا في دير أبو مقار فوجدوا فيها (كنزا من عهد الروم) أواني و (مصوغات) كثيرة (..). فندب الملك الكامل معه ثلاثة مماليك وشهودا، وساروا للدير (..) وأخذوا كل ما وجدوا (بما فيه) أواني القربان وستر حرير للهيكل وأثبتها الشهود في الأوراق وحملوها للقاهرة بين يدي الملك (..) فأحضر الملك عرفاء الصاغة والبرازين وقوّموا المصاغ والستور الحرير وجميع الآنية (..) وأحضروا رجلا من أهل اسكندرية اسمه بطرس ابن يوحنا كان شماسا ببيعة السيدة بها وأسلم، فقرأ للملك الكتابة القبطية التي على الكاسات والصواني والصلبان والملاعق، اسم كل من صنع شيئا عليه (أي أنها ليست من عهد الروم). فتعجب الملك الكامل وأمر أن يستحلف ثلاثة شيوخ من الرهبان أن هذه الآنية لم توجد في بئر. ثم أحضروا البنّاء الذي حفر لهم البئر، وكان رجلا مسلما، فشهد بين يدى السلطان أنه الذي حفر البئر وبناها ولم يكن فيها شيء فصدقه السلطان. وقال له الحكيم أبو شاكر: «يا مولانا، كان قد رُفع للملك الناصر صلاح الدين رحمه الله (شكوى) في هذه الآنية وأحضرها وعلم كذب الشاكي وأعادها لديرها». فعند ذلك أمر الملك الكامل بتسليمها للبطرك فخرج واشترى شمعا كثيرا ودار به في شوارع القاهرة وأسواقها والنصارى تصرخ بالدعاء للسلطان وكان يوما مشهودا وصعب على الشامتين بمصر دوران الصلبان في أسواقها وشوارعها ولكن لم يجسر أحد يتكلم أو يمد يده بسبب هيبة الملك الكامل خلد الله أيامه]].
**لاحظ أولا قدر طفاسة وهيافة وجشع الملوك «الكاملين العادلين»، وكم أضاعوا من وقتهم الثمين في الاستقصاء حول "كنز" مزعوم؛ ولاحظ ثانيا كيف أن تاريخ خيانة الأقباط لذويهم قديم؛ ولاحظ ثالثا مقدار سذاجة الأقباط وتهافتهم وقد خرجوا في الشوارع يهتفون للسلطان لأنه أعاد لهم آنية كنسية لم يكن من حقه الاستيلاء عليها أصلا، وكيف شعروا بالفرح لأن أحدا لم يتعرض لهم وهم يدعون للسلطان في الشوارع (!) وكله مما يبين حقيقة أحوالهم وانخفاض «سقف طموحاتهم» ليتوافق مع أوضاع ذميتهم الذليلة في الدولة الإسلامية العادلة...
[[وبعد ذلك جاء راهب آخر من دير أبو مقار، اسمه عبد المسيح المصور، وقف للملك الكامل وكتب له رقعة في حق البطرك أنه «في كل سنة يحمل إليه الأساقفة مال كثير، وكان البطاركة الذين قبله قد جرت عادتهم أن ينفقوا على مراكب الأسطول (السلطاني) من أموالهم». فعرض القاضي الأعز صاحب الديوان الرقعة على الملك الذي (تحقق من كذب الرقعة) وقال: إن كان غيرنا ظالما ما نكون نحن مثله، دع هذا الراهب بمضي إلى ديره حتى نطلبه (!!) فمضى بوجه مخزي وحرس الله البطرك من كيده (..)]]
[[وجرت في أيام (البطرك) من الأمور الصعبة ما قدمنا ذكره ولو ذكرنا كل ما جرى في أيام رئاسته في جميع الديارات المصرية لم نبلغ ذلك (..) ثم تنيح يوم (٧ يناير ١٢١٦) وهو يوم الغطاس المقدس (*)]].
(*) لاحظ أن الأعياد عند جميع المسيحيين في العالم كانت متفقة حتى عام ١٥٨٢م، حين ضبط الغربيون تقويمهم بالتعديل الجريجوري.
٢٦ـ بعد وفاة الأنبا يوأنس بقي الكرسي شاغرا حوالي ٢٠ عاما نتيجة عوامل متعددة. وكان الحكيم أبي شاكر عند السلطان عندما بلغه خبر الوفاة فسأله كيف يعملون لاختيار البطرك، فقال: «يا مولانا نختار ثلاثة رجال أخيار أتقياء علماء يقع الاتفاق عليهم ويكتب أسماؤهم في ثلاث رقاع ونكتب في رقعة أخرى إسم السيد المسيح ويترك الجميع على الهيكل ونصلي ثلاثة أيام بطلبات كثيرة وابتهال متواتر ثم نحضر طفلا صغيرا ليرفع واحدة من الرقاع بحضور الشعب كله فإن وجدنا فيها إسما من الثلاثة قدمناه بطركا علينا وإن وجدنا اسم السيد المسيح علمنا أنه لم يرض عن أحد من أولئك ونرجع نختار ثلاثة أخر ولا نزال هكذا حتى يطلع اسم فنقدمه (*)». فأعجب السلطان بذلك. وسأل عن عمل الأنبا يوأنس (المتوفي) قبل بطركيته [[فقال له قسان (من مقدمي الجماعة): كان تاجرا. فسأل: فمن خلّف من الورثة، قالا: أخته. فسأل كم لها من الميراث. قالا النصف، وقد غلطا في هذا لأنهما عملا على شرع المسلمين بينما شريعة النصرانية توجب للأخت جميع الميراث إذا لم يخلف غيرها. فسأل لمن النصف الآخر، فقالا لك يا مولانا. فطلب نصيبه. فقالا بل اسأل أولاد اخته، فأمر الوالي أن يحضر المتبقي واسمه مكارم فأحضره معتقلا...]].
(*) لاحظ أسلوب «القرعة الهيكلية» في ذلك الوقت...
وانقسم القبط إلى شيع وجماعات تحبذ كل منها مرشحها. وتدخّل السلطان ومعاونوه وبعض الولاة في صالح هذا المرشح أو ذاك، وطلب السلطان أتاوة. وحاول البعض دفع الرشاوى..
وإلى أن تحل الأمور، سجل كاتب السيرة:
[[وفي (سبتمبر ١٢١٧) تواصلت أخبار أن أحد ملوك الفرنج يقال له الهنكر (هنجاريا، أو المجر) وصل إلى عكا بحرا (..) فجمع الملك العادل عساكره ونزل على نابلس قريبا من الإفرنج (..) وأرسل إلى أولاد أخيه صلاح الدين وغيرهم من ملوك المسلمين أن يساعدوه فلم يجبه أحد، فتوجه لدمشق (..) وعلم أن بعض الفرنجة توجه إلى الطور لأخذ حصنها الذي على جبل عال، يعاونهم عرب من بني عقبة (المتحالفين) معهم. فجاء الملك المعظم (عيسى ابن العادل، ملك دمشق) وأرسل إلى بني عقبة فأفسدهم على الفرنج وحلف لهم أنه يدفع لهم مالا قرره معهم، ويُُقطعهم بلادا (..)، فأطاعوا وحلفوا له (..) وقالوا إن الفرنج ينامون بالليل فاكبس عليهم نصف الليل (..) فانتصر عليهم وقتل أكثرهم (..)]].
[[ولما رجع ملك الافرنج من الطور إلى عكا عبر على قرية من قرى الغور فيها نصارى ملكية وسريان ومسلمين، فترك عندهم أربعة فرسان جرحى ليداووهم، ثم مضى. فقام مسلمو القرية على النصارى وأخذوا (الفرسان) وقتلوهم (..) ووصل الخبر إلى الملك بعكا فأرسل عسكره وقتل كل من بالقرية، لأنه كان قد سأل النصارى هل عندكم مسلمين قالوا لا، فلما رجعوا يعتذرون أن المسلمين قتلوا الفرسان لم يقبل عذرهم. وقتل قسيس الكنيسة لأنه كان قد حلف لهم أنه ما في القرية مسلما]].
[[وفي تلك السنة مات (الكثيرون) من الناس والأبقار في جميع ديار مصر (بسبب الطاعون) كما حدث قبل زوال دولة الخلفاء الفاطميين]].
** ويستكمل السيرة يوحنا ابن وهب، التي قام بجمعها «علم الملك ابن شمس الرياسات»:
[[وحدث أن صبيا نصرانيا صعيديا يعمل في بعض معامل الزيت، اتهمه انسان من المسلمين بابنه صغير السن (..) فاعتُقل أياما وعُرض عليه الأسلام فأبي، فأفتى الفقهاء برجمه وأن يعملوا دائرة من الناس ويجعل فيها فرجة فإن هو خرج وسلم لا يُعارَض وإن مات كان بحقه. ففعلوا، فضربه عبدٌ لأبي الصبي بحجر في فكه فوقع وتواتر عليه الرجم إلى أن مات. وبعد هنيهة (اعترف) الولد أن النصراني كان بريئا وأن الفاعل للقبيح هو ذلك العبد..]]
[[وفي هذه الأيام أمر السلطان عز نصره بعرض المسجونين عليه، وكان بينهم رجل حائك، يسمي أسد، وكان قد تخاصم مع امرأته فأخذته إلى (محكمة) الشرع، فجرت منه لفظة شهد عليه بالإسلام ولكنه أنكر، فاعتقل وبقي مدة سنة إلى أن أحضروه للسلطان فرغّبه ووعده بمال وكسوة فامتنع وقال: «ما أنا إلا نصراني، وعلى نصرانيتي أموت» (..) ولم يزل الحال يتردد إلى يوم الغطاس المجيد فأمر السلطان بضرب رقبته، فأحضره والي القاهرة عند باب زويلة وأحضر الشهود وعرض عليه الإسلام قدامهم فامتنع. فتقدم إليه أحد المماليك فنخسه بالسيف إلى أن دخل منه قدر أربع أصابع. ثم قال له: مد عنقك، فمده فضربه ضربة طارت بها رأسه عن جسده وعُلق بدنه على باب زويلة. وبقي معلقا ثلاثة أيام (*) ومجد الناس الله على صبر الرجل وحسن إيمانه، واجتمعت جماعة من النصارى المباركين فأخذوه ودفنوه]].
(*) كم من الناس البسطاء مثل هذا الرجل دفعوا حياتهم ثمنا للعدل والحرية الدينية في الدولة الإسلامية؟!
[[وفي (يونيو ١٢١٨) جاءت مراكب كثيرة ونزل (جنود الفرنجة) مقابل دمياط (وتبادلوا مع المسلمين القصف بالمنجنيقات) وقتل وجرح من الفريقين كثير (..) ثم أخذوا برج دمياط. وفي نفس في اليوم مات الملك العادل بدمشق من تخمة أصابته فدفنوه بجانب أخيه صلاح الدين (..)]].
[[واجتمع على الناس في تلك السنة موت السلطان ونزول العدو على البلاد وشحة النيل والكنيسة خالية من بطرك. ثم أن المسلمين اجتمع رأيهم على أن يزحفوا إلى الفرنج وكانت وقعة عظيمة (هُزموا فيها) (..) واشتد الرعب وخافت نفوس الناس وعظمت مهابة الافرنج وانحلت العزائم عن لقياهم. ودخل الشتاء (..). ثم (وشى) المدعو عماد الدين ابن المشطوب بين الملك الكامل وبين أخيه الملك الفائز، فخاف (الكامل) أن يقتله الجنود الأكراد ويولوا مكانه الفائز، فهرب بالليل مع خواصه ومماليكه إلى أشمون (..) ووقف معه الأمراء الأكابر. فأما المغاربة والطواشين فإنهم ساحوا في البلاد وبقي الناس متخبطين وكثرت الشناعات على النصارى واشتد بعض القوم عليهم. (..)]].

[[وثار أهل منية (ميت) بني سلسيل (بين أشمون والمنزلة) على النصارى وأهلكوا منهم جماعة وكان الزمن كلما مر اشتد، والفتنة كلما مرت عظمت..]].
ثم فرضت أن تدفع جزية القبط لسنة قادمة قبل موعدها [[(..) وبعد ذلك ورد أمر السلطان بإخراج نصف أهل مصر والقاهرة إلى القتال اختيارا واضطرارا. وخرج أكثر الناس وصار (الأغنياء) الذين لا يليق بهم الخروج يفدون أنفسهم بما يقومون به من الذهب كل على قدر حاله. وأما النصارى الذين بالقاهرة فإنهم جبوا منهم مع أصحاب المعايش كل من كان متمعشا مع أهل معيشته (..) وأحضر الوالي قسس كنائس القبط والملكية وقال لهم (إذا) خرجتم مع المسلمين، فما تصلون إلى باب المدينة حتى يقتلوكم وما يقدر أحد أن يقول لهم شيئا. وكان الميل في القول بالأكثر على الملكية لأنهم كانوا يشنعون عليهم بأنهم يحبون الافرنج وأنهم على سُنّتهم في تربية الشعر وترك الختان وما شابه، فعمل فيهم الخوف وقال واحد منهم عندنا ألف دينار فقال مبارك، وقال لقسوس القبط وأنت عليكم عشرة أضعاف وآخر الحال قرر عليهم ثلاثة آلاف دينار (..). وعلقت سلبة (*) في كنيسة المعلقة وكنيسة الملكية وكنيس اليهود (..) وصار الضرب في الناس والتعليق والترسيم والهوان (..) وكان الصوم المقدس وكانت أياما صعبة شديدة واضطهاد عـظيم. فأما الملكية فإنهم جبوا من شعبهم الذي قدروا عليه وبقي عليهم، فأخرجوا آنية (الهيكل) الفضة ورهنوها عند واحد من المسلمين، الفقيه نصر، على مائتي دينار (تدفع) بمائتي وخمسين (**). ولا أحد بقي بدون غرامة إلا النادر القليل. وكان جملة ما حصله (القبط) ألف ومائة دينار (..) وما تبقى قضوه على الكنائس، كلٌ بقدرتها حتى وصلوا إلى الديارات البرانية مثل دير طموه ودير الشمع وأخذوا منها الغرامات المقررة وطلعوا للقاهرة يطلبون تبرعات (..) وكانت أياما شديدة وكثير من الكنائس أغلقت أياما كثيرة]].
(*) فلكة من الخشب والحبال ليجلد عليها من لا يدفع الجزية أو الغرامة.
(**) أي ربا بنسبة ٢٥٪
[[وكان (السلطان) قد استخدم (لمحاربة الفرنج) من القاهرة عشرة آلاف راجل، أكثرهم مغاربة، فهدموا كل كنيسة وجدوها في طريقهم للمعسكر (..) ولم ينالوا غرضا لأن الفرنج عملوا خندقا وتحصينات (..). ثم أن السلطان هدم أسوار القدس الشريف بعد أن أخلاه من أهله (..) وهدم الدور والفنادق (..)]].
[[وشغب المسلمون بكنيسة القديس مرقس بالاسكندرية (القمحا) وتقدم أمر السلطان بهدمها (..) (وحاول القبط إبقائها، لكن) هُدم أكثرها حتى لم يبق منها سوى قامة واحدة. فلما كان يوم الجمعة التالي صلى المسلمون صلاة الجمعة وخرجوا وهدموا باقيها إلى الأرض (*) وكان حزنا عظيما وكآبة متواترة وشدة متظاهرة]].
(*) بني جامع مكان الكنيسة بعد هدمها (هوامش ج ٤ ص ١٣١).
[[وزحف الإفرنج برا وبحرا (..) ثم تراجعوا عند خندق المسلمين فطاردوهم وصارت عليهم كسرة عظيمة (..) وفرح المسلمون فرحا عظيما وطُيرت الطيور وزُينت القاهرة (..) وحُمل الأسرى (١١ سبتمبر ١٢١٩) للقاهرة المحروسة وجرى حديث حول الصلح وكاد يتقرر على أن يأخذوا القدس وجميع ما كان في أيديهم مما فتحه (صلاح الدين) ثم انتقض الصلح وأمر السلطان بإخراج كل من بالقاهرة ومصر للغزاة، وضربت الأجراس بذلك وخرج الناس على وجوههم (..)]].
[[وبعدها أمسك والي القاهرة النصارى وعلقهم على أبواب دورهم وجعلهم يديرون الطواحين (مثل الثيران) وقال لهم أريد منكم المال وأخذ منهم ما لا يطيقون حتى أن (الترزية) النصارى بالقاهرة قاموا بألف وثلاثمائة دينار. واشتد الأمر على الناس (..) وأحضر والي مصر (الفسطاط) قسس النصارى وطلب ألف دينار (..) وخرجوا للكنائس وشرعوا في (جمعها) وكانت الأيام صعبة..]].
واستولى الفرنج على دمياط بعد حصار دام ١٦ شهرا [[فرحل (كبار) المسلمين وتركوا العوام وصار هم كل انسان أن ينجو بنفسه (..) وجاء السلطان فنزل مقابل طلخا (حيث أقام معسكر «المنصورة»). واختلف القول في فتح دمياط (..) وقيل أنه كان بها ستة آلاف رجل وقيل أحد عشر ألفا وأما المسلمون فكانوا يقولون أنه لم يبق بها سوى ستمائة نفس، وذكر المحققون أن بها ستة وأربعون ألف رجل خلاف النساء والصغار (..)]]

[[واستدعى السلطان صفيَّ الدين عبد الله بن على، الذي كان وزير أبيه، وقلده تدبير مملكته؛ فجمع الكتّاب مسلمين ونصارى ويهود وبسط عليهم العقوبات وطالبهم بالأموال فامتلأت السجون منهم، وخرج البعض من (دينه) من الشدة والعقوبة (..) وكانت أياما شديدة على الناس ولا يخرجون من شيء حتى يدخلوا ما هو أشد منه. وتوقفت دور الوكالات والفنادق التي تباع فيها البضائع. وتقرر ألا يباع شيء إلا بدار وكالة السلطان وتكون له السمسرة، وضاق الوقت على العالم ولو تمكنوا من الخروج لم يبق في البلاد أحد. وأما الإفرنج (بدمياط) فكانت ترد أخبارهم من العدل والرفاهية وحسن المعاملة ما لا يوصف (..)]].
[[ووصل مصر أمير مغربي، كان أبغض ما عنده النصارى؛ وأمسك أتباعُه النصارى واليهود بحبال ووضع عليهم العقوبة والهوان حتى أنه أخذ (صكوكا) بأحد عشر ألف دينار لكل منهم وسيرها للسطان فأكبر ذلك وأنكره (بسبب المبالغة الشديدة) وأعادها (..) وتوجه ذاك للصعيد للجباية على الديارية والثمار والنخيل واستمر الحال وزادت الشدة على الناس حتى أن جماعة شنقوا أنفسهم وجماعة خرجوا من الإيمان، ولم يفدهم ذلك]].
[[وأما أمر العدو (*) فكان على حال واحد (من المناوشات) (..) ووردت أخبار بخروج ملك من الشرق يقال له ملك الصين (جنكيز خان) ومعه خلق من الأتراك (التتار) وأنه كسر ملك الفرس وجاء لأرض بابل (العراق) (..)]].
(*) لاحظ الإشارة المتكررة للإفرنج باعتبارهم «عدوا».
ثم جاء الملك المعظم (سلطان الشام) والملك الأشرف (سلطان الشرق، حران وسنجار) ومعهم صاحب حمص وصاحب حماة بجيوشهم لمصر لمساعدة أخيهم السلطان الكامل، وهاجموا الفرنج بدمياط برا وبحرا (تفاصيل مطولة للمعارك..) وأخيرا اتفق الجميع على الصلح، على تسليم دمياط وتبادل الأسرى. [[وأخذ الفرنج معهم رهائن من كبار القواد خشية الغدر بهم ثم تركوهم في مركب بالبحر المتوسط (..) وعاد السلطان للقاهرة وكان يوما مشهودا وفرح الناس (..) وصارت بينه وبين ملك عكا (جان دي برين) صداقة عظيمة أكيدة والهدايا تحمل من هذا لذاك..]].
[[وتحدث بعض الأراخنة مع الوزير في إقامة البطرك فطلب خمسمائة دينار لبيت المال، وشرعوا في طلب المبلغ وتقسيطه على الكنائس فلم يقدر عليه أحد فتوقفت القضية وانقطع الحديث (..) وكانت المصادرات على حالها والسجون مليئة من الكتاب، والوزير لا يعرف إلا أن يحصّل المال للسلطان من كل وجه (..) وفي (١٢٢٦) رسم السلطان بفتح دار لسك العملة بالقلعة وخرجت الدراهم الجديدة وأمر ببيعها ٣٧ درهما بدينار وكان العتيق ٤٢ درهما بدينار (*) وكان الناس في ضيق عظيم وتخبط فالسلطان يطلب الأموال ويجمعها من كل وجه]].
(*) لاحظ تلاعب السلطان بالعملة..
[[وفي هذه الأيام، أسلم راهب من دير أبو مقار ووشى عند السلطان أن (هناك من يدخل الرهبنة هربا من الجزية). فرسم السلطان أن يخرج معه أمير للكشف عنهم وصار إلى أديرة (وادي النطرون) ولم يجعله كشفا، بل أمسك الرهبان ضربهم وعلقهم وعاقبهم إلى أن قطع عليهم ستمائة دينار وأحضر معه أربعمائة على أن يعود ليحصل الباقي (..) وحضر جماعة من مشايخ الرهبان ووقفوا للسلطان أعز الله نصره وشكوا قضيتهم فأمر أن يعاد لهم ما أخذ منهم، فأوقدوا الشمع وداروا به القاهرة كلها وكانت (إعادة السلطان المال) قضية تعجب منها كل أحد ومعجزة ظهرت من آباء الأديرة]] (!)
[[ثم تحرك أصحاب القس داود (ابن لقلق) لطلب البطريركية له واجتمعوا بإنسان قريب من السلطان أعز الله نصره وجعلوا للسلطان خلد الله ملكه ألفي دينار فطلب منهم ألفا معجلة والأخرى عند إنجاز القسمة (..) فمضوا واستدانوا ألف دينار بألف ومائتي إلى شهرين (..) لكن التناحر والمنازعة (بين القبط) كانت قوية، فأعيدت الألف دينار لصاحبها مع ربحها (..) وكانت الجزية في هذه السنة من (أهل) الذمة على كل رأس مائة درهم في القاهرة ومصر ومائة وعشرين في البلاد البرانية (*)]].
(*) أي أن الجزية زادت حوالي الثلث مع تغيير "العملة"..
[[وندب من المقام السلطاني قوم يقال لهم الصقاعون والكشاف خرجوا وطلبوا من الناس حق الجبانات والمقابر وثمن الطوب والحجارة التي بنوا بها بيوتهم، وادعوا ملكية الدور وقالوا البلاد كلها مٍلك السلطان وأنتم من أين ملكتم هذه؟ اثبتوا بالشرع وإلا قوموا بالأجرة منذ سكنتم (..) وكان رجل له التزام مكوس الذمة (الجزية وغيرها) بالقاهرة ومصر وكان عليهم منه ضرر عظيم وكان يظلمهم ظلما فاحشا]].
[[وفي أواخر كيهك عاد السلطان من الاسكندرية وجعل طريقه على دير أبو مقار واستضافه الرهبان ومن معه بما يوجد عند الرهبان. وأنعم عليهم السلطان بخمسمائة أردب غلة وكتب منشورا بأن من ترهّب لا يطلب منه جزية (*) وأن أي راهب يموت يكون ميراثه (للدير) وليس (للأقارب أو السلطان) وتحدثوا معه في أمر البطرك وقالوا يا مولانا قد تلفت أحوالنا وكان بهذا الدير حوالي ثمانين قسا وما فيه اليوم إلا أربعة فقال لهم اختاروا من شئتم وأنا أقدمه لكم (..)]].
(*) هذا يدل على أن الجزية كانت قبلها مفروضة علي الرهبان..
وفي ١٢٢٨ قدم الإمبراطور فريردريك من صقلية إلى عكا بناء على دعوة الملك الكامل للاستعانة به على أخيه المعظم ولكنه (المعظم) مات قبل وصوله، وتبودلت الهدايا وزادت الصداقة بينهما. وفي ١٢٢٩ [[أشيع أن السلطان عز نصره صالح الإنبرور (الإمبراطور) على أن يعطيه القدس الشريف (*) وبلاد على الطريق إلى عكا ومنها بيت لحم (..) واستتب الأمر بينه وبين السلطان خلد الله ملكه (..)]].
(*) كان هذا جزءا من اتفاق هدنة لمدة عشر سنوات، وبشرط ألا تبنى الأسوار وألا يتعرض الفرنج لقبة الصخرة أو للجامع الأقصى، ويكون الحكم في الرساتيق (القرى والحقول التابعة) إلى والي المسلمين.
[[وفي سنة (١٢٣٢) كانت زوجة أخ قسيس راهب، يعرف بابن سعيد، قد اشترت جارية رومية من رجل فرنجي ثم باعتها إلى أحد التجار المترددين من بلاد الفرنج. فلما بلغ مولانا السلطان ذلك أنكره غاية الإنكار وأمر أن يباع القس وامرأة أخيه وأختها (راهبة) ونودي عليهم في سوق الرقيق وكانت شدة ما سمع بمثلها فاشتراهم رجل مبارك أصله من الشام من المارونية وقد أسلم، فابتاعهم بستين دينارا (..) وأطلق سبيلهم]].
**غير مفهوم ماالذي أثار السلطان، وما ذنب أخ وأخت المرأة إن كانت أخطأت في هذه الحكاية التي تدل على هوائية وغرابة الحكام...
[[وحدث أن جماعة من الصبيان صاروا يلبسون الثياب الصوف ويتزيون بزي الرهبنة وهم في المدن ليحتموا من الجزية فأمر السلطان أن أي راهب لا يكون مقيما في دير منقطعا في البرية مشهود له بذلك تؤخذ منه جزيه. وما احتاج المستخدمون أكثر من هذه الكلمة ومدوا أيديهم إلى الرهبان وصاروا يأخذون الشيوخ الذين لهم خمسون سنة في البرية (وفرضوا الجزية عليهم) وخصوصا بالغربية كان فيها ناظر يقال له ابن القرمسيني وكان مبغضا للنصارى فجعل كيده في الرهبان فنالتهم أذية عظيمة (..) وجاء جماعة من الرهبان إلى باب السلطان عز نصره بهدية على قدر حالهم (..) وبعدها خرج الأمر بأن يجروا على (سابق) عادتهم بشرط ألا يُخفوا أحدا ممن يجب عليهم الجزية ولا يرهبنوا أحدا إلا بعد تنزيله في الديوان (السلطاني) ممن يستحق الرهبنة. وأخذوا الكتاب ومضوا به إلى الغربية ولم يفدهم شيئا]].
***
وإلى مقال آخر لنتابع ما جري في أواخر أيام الأيوبيين...
------------------------------------------
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/11/387085.htm
مصر بين العبيد والعربان

GMT 14:15:00 2008 السبت 29 نوفمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١٠)
نستمر في مراجعة تاريخ مصر استنادا إلى حوليات كتاب "تاريخ البطاركة" الذي استمر بعد وفاة مؤلفه ساوري (ساويرس ابن المقفع، حوالي سنة ١٠٠٠) بيد كتّاب آخرين. ونرى في هذه الحلقة أن الضغوط الهائلة التي أخضع لها الأقباط أخذت تأتي بالمزيد من النتائج مثل الانقسامات الداخلية والتفتت، ناهيك عن التحول. كما نرى كيف أن تلك الضغوط (من الحكام أو من الرعاع) تشبه بصورة مثيرة للدهشة ما يجري لهم هذه الأيام....
٢٧- وأخيرا وبعد عشرين عاما من فراغ الكرسي، رُسم الأنبا كيرلس (ابن لقلق) وهو الخامس والسبعون (١٢٣٥ـ١٢٤٣)، الذي يقول عنه كاتب هذا الجزء من الحوليات، يوحنا بن وهب ابن بولس، وجامعها علم الملك ابن شمس الرياسات، أنه كان رجلا عالما فاضلا، إلا أنه أخذ الشرطونية وجرى عليه شدائد بسببها (..) [[وعند رسامته لم يكن بقي من الأساقفة سوى خمسة: ثلاثة في الوجه القبلي (طحا وأرمنت وإسنى) واثنان في البحري (مليج، ودمنهور) (..) وبعد رسامته اجتمع بالسلطان عز نصره في موضع يعرف ببو قير وتقررت له البطركية وقام بألف دينار دبرها بقرض وحملها إلى خزانة (بيت المال) وكتب (صكا) بألفي دينار مؤجلة إلى شهرين (*) (..) وسيّر إليه السلطان خلعة حسنة وهي ثوب عتابي أزرق بطراز ذهب وطرحة، وحكى الحاضرون أنه كان يوما مشهودا وأن أكثر غلمان السلطان وخدامه كانوا حاضرين (..)]].
(*) واضح أن اضطرار البطريرك للشرطونية (أو السيمونية، أي أخذ المال في مقابل المناصب الكنسية) كان لسداد المبالغ التي فرضها السلطان بدون وجه حق عند رسامته. للتذكير: لاحظ أن مبلغ ثلاثة آلاف دينار يعادل ثلاثة ملايين جنيه من نقود زماننا هذا.
ويبدو أن فرحة الشعب برسامة بطريرك بعد عشرين عاما كانت عارمة [[ففي صباح يوم أحد خرج من كنيسة ميخائيل رأس الخليج بمصر إلى المعلقة (لترسيمه) وحضر إليه من القاهرة ومصر وما حولها أمم لا تحصى واجتمع مسلمون ويهود خلق عظيم حتى ملأوا الطريق ورفعت الصلبان قدامه على العيدان والأناجيل في ثنى الإبرسفارنيات وكان الشمامسة والكهنة يقرأون أمامه التسابيح والأراخنة يركبون البغال والخيل (..). ثم بعد ذلك اجتمع جماعة من المسلمين واستنكروا ما عُمل واستبشعوا حمل الصلبان على رؤوس الأشهاد (..) وحمّلوا فقيها متميزا أن يكتب رقعة للسلطان يشكو ما جرى، فوقع مولانا السلطان عليها إلى والي مصر بأن يحضر البطرك ويطلب إليه ألا يتعدى على الشريعة (..) فأحضره الوالي وكان عنده رجل معلم في مسجد من المساجد التي في الطريق التي عبر عليه (موكب) البطرك (..) وقال له: أنت رفعت الصلبان وفعلت وصنعت (..). ثم عاد (البطرك) إلى (الكنيسة) المعلقة وكانت تلك ليلة عيد القديس مرقوريس، الذي كان (ينوي الذهاب) لكنيسته بالساحل لكنه امتنع لأنه بلغه أن جماعة وقفوا على باب الكنيسة وعبثوا بالنصارى الداخلين، ومنهم من رجموهم ومن لوثوا ثيابهم (..) وكان أن والي مصر حضر بين يدي السلطان الذي قال له: بلغني أن أهل مصر تعرضوا إلى البطرك وكنائسه، وأقسم لئن جرى شيء من هذا (سيعاقبه). واشتهر هذا الأمر واطمأنت نفوس (القبط) وقوي نفس البطرك مع أن السادة المسلمين ما فيهم إلا من ساعد وأحسن السفارة وإنما هذا كان من العوام وبعض الفقهاء]].
[[وكان الناس يظنون أن (البطرك) يأخذ الشرطونية من كل من يرسمه ولكن لم يتم الأمر في ذلك على نظام أو بشرط وكان يجمع من الناس على قدر طاقتهم بغير عسف. وشرع في تكريز أساقفة على الكراسي الخالية (..) ما يزيد عن أربعين (خلال عامه الأول)]].
[[وكان السلطان أعز الله نصره قد بلغه تمرد بعض العسكر (لأخذ) أطراف بلاده بالمشرق فخرج إلى الشام بالعساكر والجحافل. أما أولئك فقد أحرقوا زراعات (حول دمشق) وأخذوا السويداء (التي باعها لهم صاحبها) وأخذوا الرها بالسيف وقتلوا أكثر من كان بها وأسروا وسبوا، وكان أكثرهم من نصارى سريان وأرمن (..)]].
[[ووقع في الديار المصرية وباء عظيم حتى أنه كان يخرج في كل يوم من (القاهرة) ما يزيد عن مائتي ميت واستمر هذا من نصف بابه إلى آخر أمشير]].
[[وكان إلى جانب الكنيسة المعلقة مسجد وبه مئذنة عالية وهو مجاور لمنزل سكن الأب البطرك، وكان من حقوق المنزل (حوش) مكشوف بجانب المسجد، فأراد البطرك أن يعمل عليه سترة فمنعه المؤذن. ثم عملها، فهدمها المؤذن (..). وغاب البطرك، فوجد من معه المفاتيح أن المنزل قد (اقتُحم) من جهة المسجد، وأعلموا الوالي فأخذ المؤذن وحبسه (..) وتعصب المؤذنون بالجامع العتيق بمصر وصاروا يَحضرون جماعات للمسجد المذكور يؤذنون فيه جميعا حتى تنزعج الحارة منهم، فشكي حالهم للقاضي صاحب ديوان الأحباس فرسم أنه لا يؤذن في المسجد إلا مؤذن واحد فقط (..) فاجتمع المسلمون العوام وجاءوا في جمع غفير وطلعوا المأذنة واستغاثوا ولبوا (لبيك) واجتمع على باب المعلقة جمع لا يحصى وخافت أنفس المصلين بها، والبطرك يصلي (..) فجاء الوالي وصرف الناس وانفض الأمر على خير. ومضى أكثر الجمع لنائب السلطان وشكوا له كيف تغلق المساجد وتفتح الكنائس، فقال لهم: من أراد المسجد طلع إليه ومن أراد الكنيسة طلع إليها إلا أنه لا (ينبغي أن) يؤذي أحدٌ أحدا فهؤلاء رعية السلطان (مثلكم) (..) وصار النصارى مع المسلمين في إنصاف عظيم وإكرام جسيم وود عميم (..)]].
** لاحظ الدرس المستفاد: عندما يحاول الحاكم (أحيانا) أن يعدل فإن دعاة التخريب يلزمون حدودهم. ولكن هذا الدرس لم يتعلمه معظم الحكام، وخاصة الحاليون...
[[ثم أن البطرك أقام مطرانا على غزة وبيت المقدس والساحل والشام (..) وامتعض لهذا بعض الأراخنة وقالوا هذا لا يجوز لأن هذه البلاد من كرسي أنطاكية (.. وفعلا تسبب هذا في ضيق بطريرك السريان) (..) وأما المطران فقد استعان بالافرنج وآخى جماعة منهم وتصرف في كنائس القبط هو وشعبه. ويقال أن الافرنج أخذوا (خطابا منه) بأن «اعترافه هو اعترافهم واعتقاده اعتقادهم»، وأن هذه عادة لهم أن لا يتصرف أحد من الأجناس إلا بعد ذلك....]].
** ليس من الواضح معنى هذه العبارة؟ هل أعلن المطران تغيير الأقباط الأرثوذكس مذهبهم إلى الكاثوليكية؟ أم كان يقول (أي كلام) للفرنجة لكي يسمح له بالبقاء في المنطقة؟؟
[[وفي هذه الأيام وردت أخبار بأن (التتار) نزلوا إربيل وأخذوها بالسيف (..) وكانت الأخبار من الشرق والغرب تدل على أن الأحوال مضطربة (..) ثم خرج مولانا السلطان (الكامل) طالبا أخذ دمشق (من أخيه الملك الصالح) (..) وأقام بدمشق مائة يوم ثم مرض ومات (أبريل ١٢٣٨) وكتموا أمر وفاته وادعوا بأنه مريض وأنه رسم بأن يحلف الأمراء لولده الأصغر الذي بمصر (العادل الثاني) بأن تكون السلطنة له من بعده، ثم أفشوا خبر موته (..)]].
وعادت الخلافات بين القبط، فراح الراهب عماد الأخميمي، والذي كان من المعارضين لاختيار البطويرك، يبحث عن أسباب لتبرير محاكمته وعزله، وقام الراهب الشيخ السني بإعداد أوراق ليوقعها البطرك ويلتزم بما فيها حول الشرطونية وكيفية توزيع ريع الوقف وإدارة الأديرة وغيره (..) ثم اجتمع أساقفة الوجه البحري (أربعة عشر) في كنيسة حارة زويلة (سبتمبر ١٢٣٨) وسطروا مجموعة قواعد وقوانين إيمانية وكنسية يكون محروما من خرج عنها ووافق عليها البطرك ووقعها..
[[ثم أن قوما من المسلمين المقيمين بالمسجد الملاصق لكنيسة المعلقة هدموا الحائط الذي بينهما وادعوا أن (جزءا من المكان) هو من حقوق المسجد، وصار في الكنائس بلبلة وتعطلت المعلقة من القداس والصلاة أياما كثيرة في الصيام المقدس. وكان المسلمون يطلعون على سلالم إلى سطح قلاية البطرك ويؤذنون ويكبرون ويُذكّرون وجرت في ذلك خطوب. وحبس والي مصر جماعة منهم ولم يجدي ذلك وبقي الأمر مدة (..)]].
[[ثم أن قبيلتين من العرب، جذام وثعلبة، وكانتا بأعمال الشرقية وكان بينهما دماء وضغائن قديمة، قاموا على بعض واقتتلوا مرارا وقتل بينهم جماعة كبيرة (..) واستنجدت ثعلبة بقبيلة سنبس فجاؤوهم من بر العرب واستعانت جذام بقبيلتي زناته وزنارة فجاؤوهم من البحيرة وكانت أيام خوف وحرب وانقطعت الطرق وأرسل السلطان جماعة من الأمراء والأجناد لإصلاح ما بينهم (..)]]
[[ثم ظهر للناس رجل يقال له شبل الدولة خادم النبي، وادعى أنه رأى نبيّهم في النوم وقال له خذ (أهل) الذمة بتغير ملابسهم فإنهم قد خرجوا عن حدهم. وشرع في ضرب الناس من النصارى واليهود والإخراق بهم، وطالب النصارى برفع الذوائب وشد الزنانير، واليهود بعمل العلامة الصفراء (..) ونودي على كل ذلك في القاهرة ومصر ووقع الناس من ذلك في شدة وثقل عليهم، لأنه شيء بَعُد عهدهم به منذ عشرين سنة. وكان إذا لقى الناس (يهينهم) (..) وأسلم بسبب هذا رجل من خيار النصارى يقال له بن الشماس وكان صاحب ديوان الحوايج خاناه والبيوت والاصطبلات، فاجتمع عليه الخدام لشد الزنار فشده، فطالبوه برفع العذبة فأبي فتكاثروا عليه فرمى الزنار، فقالوا أسلِم، وشهدوا عليه فأسلم. وكان النصارى في هذا الوقت في ضيق وهوان أليم وأي من لقيهم من العوام والسوقة شتمهم وسبهم (..). وأُخذ رأي الفقهاء فأفتوا جميعهم بأن لا يلزم سوى شد الزنار للتمييز بينهم وبين المسلمين (..) وفي (عيد) وفاء النيل المبارك اتفق أن قوما من النصارى كانوا في مركب (للفسحة) وفيهم من هو مشدود الزناز ومن هو بغيره، فرآهم الخادم شمس الدولة وحملهم إلى الأمير جمال الدين فسيرهم إلى المحتسب بمصر، فضُربوا و(شُهّر بهم) في مصر كلها. وكانت قضية شديدة على النصارى وتمكن العوام منهم]].
[[ثم بلغ السلطان أن العسكر تمردوا عليه وأنهم صار فرقا فأمسك ثلاثة (من كبار) الأمراء (القادة) وسجنهم في القلعة. وكان الناس في خوف وتوقع وإشاعات (..) ثم أن العربان كانوا قد طمعوا وصاروا يغيرون على بلاد الغربية يأخذون كل ما فيها ويقتلون ويسبون (..) فجرد لهم السلطان أميرا يقال له خطلبا ومعه ألف فارس (..) فمضوا إلى العربان ووجدوهم قد طلعوا للصحراء، فراح (العسكر) ينهبون أموال الناس ويأخذون نساءهم وذريتهم فخربت البلاد خرابا ثانيا (..)]].
[[ثم أن الإفرنج لما انقضت أيام الهدنة (التي كان وقعها معهم الملك الكامل لعشر سنوات) أخلوا القدس الشريف حتى لم يبق به سوى فارس واحد وسبعون رجلا يعمرون برج داود (..). ثم نزل الملك الناصر، صاحب الكرك، إلى القدس وتسلمه وقتل كل من بقي فيه من الأفرنج وخطب فيه خطبة عظيمة على حكم القرآن]].
وعاد الراهب (عماد الأخميمي) المشار إليه لاتهاماته ضد البطرك، وكان يتصيد عباراته ونجح في [[استخراج أمر السلطان إلى أمير يقال له الصارم المسعودي بأن ينظر في أمر البطرك ويعقد له مجلسا بحضور سادة المسلمين وقضاتهم وحكامهم و(١٤ من) شهودهم العدل (..). فعقد المجلس بحضور جماعة من وجوه النصارى (..) (وقال الراهب اتهاماته ودافع البطرك) وانفض المجلس والمسلمون غير مقدّرين النصارى ولا مقدّمهم (رئيسهم): أما مقدمهم فكيف لم يكن عنده حكمة ليسوس عقولهم ويؤلف قلوبهم، وأما النصارى فكيف وصلوا مع مقدمهم إلى هذا الحد. أما العقلاء (القبط) فقالوا كان من الواجب أن يجتمع الأساقفة والأراخنة بالبطرك ويعزلوه فيما بينهم إذا كان يخالف شريعتهم (..) ثم انقطع الحديث ولم يظهر أثر (لذاك المجلس)]]. وقرر البطرك بعض الإصلاحات مثل اختيار رجل جيد يسلم له الأوقاف، وأن يجعل معه أسقفين يحضران الأحكام والتصرفات ولا يبت في أمر دونهما. لكن خلافات استمرت مع بعض الأساقفة والرهبان....
[[ثم أن جماعة من النصارى وقّعوا رقعة (تطلب) إعادة الكنيسة المعلقة إلى ما كنت عليه وجاءوا إلى الوالي وشاوروه، وبالليل سدوا الأبواب التي كان المسلمون قد فتحوها. فجاء المؤذن بن حوله ففتحها وطلع إلى الفقيه عباس خطيب القلعة فحمله في القضية وقال له إن هذا مسجد وقد تغلب عليه النصارى وأضافوه لكنيستهم، فأخذ ذاك معه أمير جندار وجاء إلى الكنيسة ومعهم من عوام المسلمين جموع لا تحصى وحضر معهم المهندسون لكن ما قدروا يقولوا الحق الذي قد رأوه. وكان هذا يوم الخميس، وفي وقت صلاة الجمعة وقف عباس الخطيب وقال: «يا مسلمين، من كان مسلما وحميدا في مذهبه يحضر نهار الغد إلى المعلقة». وفي الغد طلعوا عليها وكسروا قناديلها وأحجبة هياكلها وأخذوا كل آنية كانت فيها (..) وصار الجانب الغربي جميعه في حوزتهم وبقيت الكنيسة مُغلقة لا يصلى فيها (..) وبقي البطرك في كنيسة حارة زويلة]].
[[وأما السلطان الملك العادل (الثاني) فإن عمه الملك الصالح أيوب طلع به القلعة ولم يعد أحد يبصره (..) ووردت أخبار أن الافرنج قد نزلوا إلى غزة (في ١٢٤١) وأخذوا القدس الشريف (التابعة لسلطان مصر) بموافقة ومعاضدة الملك الصالح غازي صاحب دمشق، عم السلطان...]].
[[ثم أن النصارى رجعوا إلى ما كانوا عليه من منازعة البطريرك (واشتكاه البعض للسلطان، الذي) أمر بإحضار أساقفة الوجهين البحري القبلي (..) وعقد المجلس بين يدي المعين الوزير. وكان الشاكي (ضده) الشيخ السني الراهب وأساقفة فوه وأسيوط وسمنود وغيرهم، وجرت بينهم خطوب ومنازعات وفي آخرها قالوا: عندنا للسلطان ثلاثة آلاف دينار ويعمل بطركا عوضه، لكن (آخرين) قالوا لا يجوز (عزل البطرك في حياته)، فقال الوزير: «ما نعمل ما لا يجوز، لكن (..) أريد هذا المبلغ من البطرك» (!!) (..) فتحادثوا و(خفضوا المبلغ) إلى ١٥١٠ دينارا كتب بها أقرباء البطرك صكوكا وخرجوا وقد انفسد قلب البطرك على الأساقفة وقلوب الأساقفة عليه..]].
[[ثم رتب السلطان خلد الله ملكه موضعا سماه دار العدل وفيه ثلاثة أشخاص (..) وكان الناس يرفعون لهم شكاواهم. واستراح السلطان بذلك وصار ملازما للذته وركوبه وصيده. (..) ثم رسم السلطان خلد الله ملكه بأن تهد جميع البيوت وكل ما بجزيرة (الروضة) وأن تبني قلعة (..) وسير الأسرى الافرنج إلى مصر للعمل فيها وأنزلوهم في كنيسة أبو مرقورة التي بالساحل لقربها، ووقع النصارى من ذلك في بلية لأن الكنيسة المعلقة جرى فيها ما جرى وكنيسة الروضة (ستهدم)]].
[[وفي هذه الأيام أسلم أسقف سندفا (المحلة الكبرى)، ودُوّر في المحلة راكبا على حصان وقد خلع عليه الوالي فروة وشربوش. وكانت بدعة ما شوهد مثلها. وسببه أنه كان قد وقع في خطية الزنى (..). وكان هناك رجل شماس منعه الأسقف وأوقفه عن التصرف، فما زال يرقبه حتى عبرت إليه المرأة الخاطئة وكانت مسلمة فمضى إلى الوالي وأعلمه، فأحضر الأسقف والمرأة وضُرب ضربا أليما أفضى به إلى الخروج عن المذهب]].
[[وكان السلطان خلد الله ملكه قد اطلع على (مؤامرة) العسكر الأتراك بالإسكندرية وبلبيس فأمسك (رؤساءهم) وحبسهم (..) ثم أن جماعة من العسكر الأتراك الأشرفية تحالفوا على أن ينهبوا العسكر الأكراد الذين كانوا مجردين استعداد (لحملة) إلى اليمن، فعلم الأكراد بذلك (..) وجاءوا للقاهرة ليلا وأغلقت أبوابها (..) وقبض على كثير من الأمراء (القادة) الكبار والصغار والأجناد، وبالأكثر من المماليك الأتراك، وعلى والي القاهرة (..) وبطلت حملة اليمن ولم يسافر سوى أربعمائة فارس أتراك سُيّروا إلى مكة بقصد إبعادهم (..) ولكنهم بعد ما خرجوا في البرية اتجهوا للشام (..). ثم أن السلطان أعز الله نصره جهز العساكر إلى الشام (لمطاردة الآخرين) فخرجوا إلى غزة (صفحات طويلة تروي قصص مؤامرات ومحاربات جماعات المماليك المختلفة وخروج العربان للنهب والسلب...)]].
[[ووصل رسول الإنبرور (الإمبراطور فردريك الثاني) ومعه بضائع جزيلة وتحف كريمة وأحضر للقاهرة وطوف به وزار الأهرام (..) وكان يوم وصوله عظيما زينت له المدينتان (القاهرة ومصر) وركب العسكر جميعه وخرج الناس وكان الرسول (ومساعده) على فرسين من خيل النوبة التي لمولانا السلطان أعز الله نصره (..)، وأقاموا في البلاد لأجل الشتاء في الضيافة والكرامة]].
[[ثم وردت الأخبار أن العسكر الأتراك اللذين بقوص (ثاروا) وجعلوا مقدمهم طغربل الجحافي سلطانا (..) فجند السلطان ألفي فارس في البر الشرقي وسيّر العرب الأشراف في البر الغربي، وساروا حتى (المنيا) فوصل رجل من الصعيد (للتوسط للثائرين) فأعطاه السلطان الأمان وعادوا جميعا للقاهرة المحروسة ولما وصلوا لم يروا لمولانا السلطان وجها. وبعد أيام قبض على جماعة منهم والباقون رسم أن يخرجوا للريف (يعملوا في مهن غير عسكرية) فتفرقوا..]].
[[وفي يوم عيد الملاك الجليل ميخائيل (يونيو ١٢٤١) وقف رجل من الصوفية القلندرية في الجامع بمصر بعد صلاة الجمعة وبعد فراغ الخطبة صاح بأعلى صوته: «يا مسلمين من أراد منكم الجهاد في سبيل الله فعليكم بكنيسة المعلقة». فخرج من الجامع كل من فيه وهم أمم لا تحصى وجاءوا للكنيسة وكان والي مصر (الفسطاط) في الجامع فسير مملوكه وعشرة مقدمين لحفظ الكنيسة، فجاء إليها فوجد من الخلق ما لا يعد وقد طلع بعضهم إلى المسجد المجاور، فحمل في تلك الخلائق بالدبوس والمقارع فتفرقوا عن باب الكنيسة وأغلق باب قصر الشمع وطلب رؤوس الفتنة ثم أخذهم مربوطين إلى دار الوالي فجدد عليهم العذاب والهوان وأمر بهم إلى الحبس واهتدت المدينة وانقمع المفسدون ودعا لهذا الوالي العقلاءُ من السادة المسلمين وعامة النصارى واليهود لأنه حسم أمورا كادت تتفرع..]].
[[وجاء رأس السنة المباركة الهلالية وأمر السلطان بجمع الجزية (مقدما) فاستخرجت بعنف عظيم، وكان قد تولى بها رجل يقال له ابن جراده فعمل ما لم يعمله أحد وسلط الأوباش على الناس وجعل (رؤساء) أرباب الصنايع (يجمعون) ممن تحت يدهم، وأصحاب الأرباع يأخذون ممن هو ساكن في حارتهم. وكانت العقوبة مفروضة على الناس. ونودي في مصر برسم الشرع أن يشد النصارى الزنانير في أوساطهم لأن ابن جراده شكى للقاضي أن النصارى ما بقوا يُعرفون من المسلمين وأن رسله ربما أمسكوا المسلمين بسبب الجزية، ورجع الناس يشدوا الزنانير وتسلط العوام علي جاري عادتهم]].
[[ ثم أن قوما من المسلمين (..) انتبذوا لكنيسة بو سرجة بمصر، وجاءوا لدارين من وقفها لاصقين بها وادعوا أن كلا منهما كانت مسجدا وأنهم يعرفون ذلك من مدة حوالي أربعين سنة، واشتكوا إلى القاضي وأتوا بالشيخ الراهب الذي كان مقيما بالكنيسة وناظرا عليها، فأنكر التهم فقال له القاضي: أتحلف؟ فقال نعم، قال: «قل وحق من أنزل الإنجيل على قلب عيسى»، فقال الراهب: هذا ليس مذهبي ولا يحلف الإنسان إلا على معتقده، فقال له إن لم تحلف كما قلت لك خرقت جلدك، فقال افعل ماشئت، فأمر به إلى الاعتقال (..) ودعوه في اليوم الثالث وجدد الدعوى (حول المنزلين) فأنكر فأخرجوا محضرا شهد فيه ثمانية مسلمين أن النصارى تعدوا على المسجد، وفيهم من لم يبلغ أربعين سنة بينما شهادته (هي عن أمور) من أكثر من اربعين سنة! وبعد تفاوضات أعاده للحبس وبعد ثلاثة أيام أطلقه بضمان جماعة ليبحث عن (إثباتات) (..) وأحضروا وثائق تعود لمائة وثلاثين سنة فلم يلتفت لها القاضي (..) ثم جاء القاضي إلى الكنيسة ومعه والي مصر وجمع من الشهود وقال للراهب: «هذه الدار قد ثبت عندي أنها كانت مسجدا من مساجد المسلمين وعليك أجرة السنوات الثلاث عشر التي أقمتها فيها». ولم يكن معه ما يدفعه فمضى به للاعتقال (..) وبقي محبوسا لشهور حتى كتب السلطان رقعة بإخلائه من الحبس فأبى القاضي وقال: «هذا في حبس الله على حق شرعي وليس في حبسي حتى أطلقه» (..)]].
[[وفي السنة التالية اجتمع القاضي بمولانا السلطان أعز الله نصره وقال له: إن هذه المواضع التي يدعي بها النصارى أنها أملاك وقف عليهم (كانت) مساجد، فقال له مهما ثبت في الشرع اعمله. فنزل مصر وطلب من الوالي مساعدته في هدم المواضع وإعادتها كما كانت مساجد، فسيّر الوالي رقعة إلى مولانا السلطان عز نصره (يستفسره) فلم يخرج لها جواب (*). فجاء القاضي بنفسه وأمر بهدمها فهدمت (..) وحاول جماعة من النصارى مقابلة السلطان فرفض، فزاد القاضي وأمر بهدم ثلاث دور أخرى في الزقاق (..) وجاء شخص يدعى أبو الحسن بن مكين وهو مسلماني (أي نصراني أسلم) فأخذ طاقة في وسط الهدم وكتب عليها الشهادتين وأهال عليها التراب، وكانت امرأة من السكان تبصره. ولما أصبح الصباح مضى للقاضي وقال له يا سيدنا قد ظهر الحق ووجدنا المحراب فيه الشهادتان من قديم الزمن، فجاء القاضي وخلق لا تحصى من المسلمين ورأى المكان وعمل بذلك محضرا وأشهد جماعة من الشهود العدول وسيره إلى مولانا السلطان. وحكي أن السلطان عز نصره لما رأى ذلك قال هذا الرجل (المسلماني) من الأولياء (لأنه كشف الدليل المخفي!). وما كان في الأرض أعجب من هذه القضية ولا بد أن كل عاقل وشيخ من المسلمين يشهد بأن هذا مُحال (..) إلا أن هذا كله كان لتخلي الباري سبحانه وعقوبة لأهل هذه الكنيسة التي أنا (كاتب السيرة) من جملتهم]].
(*) لاحظ كيف كان الحكام، مثل "سلاطين" زماننا الحالي "المباركين"، يراعون "التوازنات" ويحرصون على عدم إغضاب دعاة التطرف والتخريب على حساب العدل....
[[ثم أن القاضي جاء إلى الكنيسة ودخلها وأخذ بيده قادوما وصار يهد بيده، وهدموا السور (..) وكان ينتهي إلى إسطوان عرضي (في حصن بابلون) فيه ثلاثة هياكل (..) وكانت الكنيسة المذكورة في ظهر هذا الإسطوان فهدموا الكنيسة الأخرى والسلم والمطلع (..) ولم يبق سوى الاسطوانات الثلاثة لا غير؛ لا فرن ولا (مكان خدمة)، ولم يعد ممكنا الوصول إلى علوها الذي على الاسطوانين اللذين في الجانبين. وكان الذي (فُقد) أربع كنائس (داخلية) وسبعة هياكل وخمسة دور وبقي النصارى في حزن وكآبة لم يروا مثلها من زمن..]].
[[وكان رجل نصراني (صانع حلوى) من أهل منية غمر يقال له مكرم، مع ابنه، وهو كان في مطبخه يعمل بغير زنار. ودخل عليه رجل حلفاوي (..) فرآه؛ وأمر غلامه فأخرج هذا المسكين مشحوطا مكشوف الرأس مقطع الثياب واجتمع عليه أمم لا تحصى ليس منهم إلا ويضربه ويهينه وهو صابر. وأمر الوالي بحبسه (..) ثم سيره إلى دار القاضي وأشهره ماشيا وهو مهان (..) وحبس أياما وأخرج بعد أن كتب عليه الوالي حجة بألا يخرج من بيته إلا بزنار]].
** لاحظ أن التبرير "الشرعي" للزنار كان التمييز بين النصراني والمسلم في الطريق، بينما كان هذا الرجل يعمل داخل مطبخه مع ولده. الهدف الحقيقي إذن هو الإذلال السادي الهمجي لغير المسلم وبأي طريقة.
[[ثم أن البطرك مرض ومات (في ١٢٤٣ بدير الشمع) وفي الحال جاء بعض النصارى بالإسم، مثل عماد الراهب المقدم ذكره (وغيره)، وأعلموا (السلطة) فختم على الغرفة وهو ميت. وثاني يوم جاء الوالي ووكيل السلطان ومعهم شهود وأخرجوا الميت بعد أن بات الليلة في الظلام بغير سراج، وأثبتوا الموجودات (من الملابس والكتب الثمينة) ثم قالوا لابن أخيه وخازنه: «أين المال وإلا عصرت أصداغك؟» (..) فوجدوا من تحت البلاطة ألف دينار وكسورا فأخذوها وختموا على المواضع وخرجوا ومعهم ابن أخي البطرك (..) وتم التجنيز كالعادة (..) وأما ابن أخي البطرك والخازن فتم تسليمهما للوالي فحبسهما حتى يدفعان عشرين ألف دينار. وأحضر الوالي رهبان (دير الشمع) وتركهم عنده وبقي الدير بلا قداس ولا صلاة (..) وعُصر صاحبا البطرك مرارا فلم يقرا بشيء (بشأن ما قد تركه البطرك من مال) وبقوا محبوسين (..) وبيعت تركة البطرك]].
وبقي الكرسي البطريركي خاليا لسبع سنوات.
[[ثم كان أن أفتى القاضي أن الحفيد يتبع الجد إذا أصبح الجد مسلما، حتى وإن كان الأب نصرانيا لكونه بالغا في حال إسلام الجد]].
[[وكان إنسان نصراني يعرف بأبي المجد ابن أبي البدر كان منذ ثمان وعشرين سنة قد تخاصم مع قوم وهو سكران فتلفظ بالإسلام فحفظوا القول عليه ومضوا به إلى مدرسة الفقيه الطوسي وبيّتوه، فلما أفاق من سكره رمي بنفسه وهرب واستتر عند بعض النصارى ثم توجه (للشام) فأقام هناك وتزوج ورزق أولادا ومالا. ثم جار الزمن ففقد المال وبعض أولاده وعاد لمصر راجيا أن أمره قد نسي وأن يعيش نصرانيا (فحذره الأهل من ذلك). فنزل مستترا عند أخيه، الذي كان يسعى حتى يحصل على مال يعطيه له ويسافر. لكن (الرجل) مرض ومات ودفن في دير شهران (بحلوان) كوصيته. وكان أخوه المسكين متحرقا ومتخوفا فطلع إلى القلعة فأشاروا عليه بألا يدفن إلا مسلما، فمضى وأخرجه ودفنه مسلما (..)]].
٢٨ـ وأخيرا، وبعد سبع سنوات، رسم الأنبا أثناسيوس (١٢٥٠ـ١٢٦١). وهنا بدأت فترة حرجة استولى فيها المماليك على الحكم وجرت خلالها النوائب والشدائد...
ففي ١٢٥٠ توفي الملك الصالح أيوب فاتفقت جاريته شجرة الدر (التي كان قد تزوجها وأنجب منها ولدا) مع الأمير فخر الدين ورئيس الخصيان على تكتم خبر الوفاة واستقدام غياث الدين طوران شاه، ابن الملك الصالح، من الشام وأخذت البيعة له من الأمراء والقواد أعيان السلطة (وكلهم من المماليك الأكراد والأتراك). وبعد شهرين قتل طوران شاه على يد بيبرس فتولت شجرة الدر الحكم بمساعدة المماليك الذين استفادوا من فراغ السلطة، وخُطب لها على المنابر باسم «المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين». لكن خرجت مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس امرأة على عرش البلاد، وعارض العلماء ولاية المرأة لمخالفته للشرع. كما ثارت ثائرة الأيوبيين في الشام لمقتل طوران شاه، ورفضت الخلافة العباسية في بغداد أن تقر صنيع المماليك. وبعد ثمانين يوما تنازلت شجرة الدر لعز الدين أيبك التركماني (الذي تزوجته)، وأطلق عليه الملك المعز وهو أول سلطان مملوكي في مصر....
وفي هذه الأثناء، غضب العربان وثاروا في البلاد وقطعوا الطرق وقالوا «نحن أولى بالملك منهم» (أي من المماليك العبيد). وقد تزعمهم شخص يدعى حصن الدين ثعلبة وانضم إليه العربان في كل مكان حتى بلغ عددهم مائة ألف، فخرج إليهم السلطان أيبك بمماليكه وقاتلهم، وانتصر عليهم قرب ديروط... ومع خضوع العربان للماليك إلا أنهم استمروا في حرق الأخضر واليابس وأثاروا قلاقل عنيفة استمرت لفترات طويلة، ساعد عليها تغير السلاطين المماليك الدائم ( ج٤ ص ٤٠).
وذات يوم في ١٢٥٧ بينما كان الملك المعز (أيبك) مارا في الدهليز السري الموصل لدار الحريم وثب عليه خصيان بيض وخنقوه، بدسيسة من زوجته شجرة الدر، وتولى بعده ابنه نور الدين (من زوجة أخرى) ولقب بالمنصور، وبعد بضعة أيام قتلت شجرة الدر على أيدي جواري أم المنصور وألقيت جثتها من فوق سور القلعة... واستمرت المؤامرات والصراعات والاقتتال والتذابح..
***
وهكذا دخلت مصر، والأقباط، في نفق جديد، أشد ظلاما مما قبله...
----------------------------------------------

http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/12/389076.htm

دولة العبيد وأيامها السوداء

GMT 19:00:00 2008 السبت 6 ديسمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١١)


مع منتصف القرن الثالث عشر أصبحت مصر تحت سلطان المماليك: فكانت بذلك الدولة الوحيدة في العالم (ولأول مرة في تاريخها) التي يحكمها العبيد، ولا يشاركها في هذا الشرف التاريخي سوى عدد من الدويلات الإسلامية في شبه القارة الهندية.
كان المماليك عبيدا يُخطفون (وأحيانا يُشترون) من بلدان غير اسلامية، أطفالاً؛ ثم يتم تربيتهم تربية عسكرية دينية صارمة في ثكنات معزولة عن العالم الخارجي، لضمان ولائهم التام للحاكم. وعندما يتحرر المملوك ويصبح أميرا كان من حقه أن يقتني بدوره عددا من المماليك يتناسب مع درجته. ويعتمد المملوك في حياته على الإقطاعيات التي يهبها السلطان إياه، وهي زمام قرية أو مدينة أو أكثر. ولذا لم يبق للفلاحين سوى العمل والسخرة ودفع الأموال.
وبعد أن زادت أعداد المماليك وقوتهم استولوا على الحكم من الأيوبيين، ولكن كانت تحكمهم دائما عقد نقص مصدرها كونهم رقيقا في الأصل، وكانوا غالبا ما يغطون عليها بالتزيّد الديني (أحد ركيزتي تربيتهم)، كما حرصوا على استضافة الخلفاء العباسيين لإضفاء الشرعية الدينية على حكمهم.
وقد استمر حكم هؤلاء العبيد لمصر لأكثر من قرنين ونصف، وكانت دولتهم متعفنة متسمة بالطغيان والاستبداد والفتن يحكمها أرباب السيوف ومحترفوا التآمر. ولم يكن الحكم وراثيا بالأساس؛ بل عند موت (و غالبا قتل) السلطان، يتولى بعده الأمير الأقوى. وقد توالى ٢٤ سلطانا من المماليك "البحرية" (الأتراك الأصل الذين كانوا يقيمون في قلعة الروضة بالنيل، ولذا سموا بالبحرية) بين ١٢٥٠ و١٣٨٢ ولكن آخرهم، السلطان المنصور قلاوون، أراد تكوين طائفة جديدة من المماليك تختصه بولائها وترتبط به دون غيره من الأمراء المنافسين؛ وكان الشراكسة هم الأكثر توافرا في أسواق الرقيق بعد أن شردهم المغول من بلادهم شمالي بحر قزوين وشرقي البحر الأسود (شركاسي = شرق آسيا). ولكنه أكثر منهم فاستولوا على الحكم بعد مقتله، وتوالى منهم ٢٢ سلطانا حتى الغزو العثماني (١٥١٧). واستمر نفوذ المماليك بعدها في الأقاليم حتى القضاء عليهم بواسطة محمد علي في مطلع القرن التاسع عشر.
وقد تدهورت الأحوال في أيامهم واستشرى عدم الانضباط وأمسوا رمزا للفوضى وللسلب والنهب. ووصفهم المقريزي (ت ١٤٤١) على أيامه بأنه «ليس فيهم إلا من هو أزنى من قرد وألص من فأر وأفسد من ذئب». وقال في موضع آخر: «فنزل بالناس من (المماليك) بلاء لا يوصف، ما بين قتل ونهب وسبي، بحيث لو ملك الفرنج بلاد مصر ما زادوا على ما فعله (المماليك)» (الخطط ج٣ ص ١٢٤). ومن أسباب تدهور الأحوال في عهودهم، العربان الذين كانوا ينافسونهم في السيطرة على البلاد، وخاصة في الأقاليم، واستغلالها ونهبها وقتل الفلاحين وقطع الطرق. وكانت هجرات قبائلهم قد توالت منذ الغزو العربي وحاول بعض الحكام، بلا جدوى، التخلص منهم؛ (بل حاول بدر الجمالي، وزير المستنصر، استئصالهم حيث شبههم بالوحوش وليسوا من البشر). (هوامش تاريخ البطاركة ج٤ ص ٤١).
وبالإجمال، وكأنه لم يكفِ معاناة القرون السابقة، فقد دخلت مصر في غيبوبة كاملة دامت خمسة قرون ونصف، ولم تفق منها إلا على صوت نابليون وهو يقرع أبوابها في ١٧٩٨.
***
وبعد ما عرضناه لأحداث واكبت نهاية الدولة الأيوبية، نتابع قراءة تاريخ مصر والقبط من خلال مخطوطات "تاريخ البطاركة" لساوري (ساويرس) ابن المقفع التي استمر في تسجيلها كتاب آخرون بعد وفاته حوالي سنة ١٠٠٠ ولكننا نجد أن الحوليات أصبحت، عبر فترات تمتد أحيانا لأكثر من قرنين، لا تزيد عن عبارات شديدة الاقتضاب. وهذا في حد ذاته دليل على الأيام السوداء الحالكة التي مرت على القبط الذين يبدو أنه لم يعد لديهم حتى من يقدر على تسجيل الأحداث بالتفصيل. ولذا سنلجأ إلى استكمال الصورة بالرجوع لمصادر أخرى.
***

٢٩ـ وبعد إتمام القرعة الهيكلية، اختير الأنبا غبريال (١٢٦٢)، لكن بعض أراخنة مصر كانوا قد اتفقوا على آخر يدعى يوأنس فأقاموه ما يقرب من سبعة سنين، وكانت هي المرة الوحيدة التي يجلس فيها اثنان من البطاركة على الكرسي المرقسي في نفس الوقت. ثم عزل يوأنس وتولى غبريال مرة أخرى لسنتين. ثم عزل غبريال وأعيد يوأنس (١٢٧١) بأمر السلطنة وبقي معزولا حتى وفاته، واستمر يوأنس حتي وفاته (١٢٩٣).
[[ وفي (١٢٦٤) أمر السلطان (الظاهر بيبرس) أن يحفروا حفرة كبيرة ويجمعوا النصارى ويحرقوهم فيها (*). وطلب البطرك وقرر عليه خمسين ألف دينار، ثم أطلقوا النصارى. وبقوا سنتين يجمعون (المبلغ). وجرى على النصارى شدائد كثيرة يطول شرحها وقاسى الأساقفة شيئا يطول شرحه]].
(*) هذه العبارات المقتضبة تستحق التوضيح استنادا إلى مصادر أخرى: [كان كاتب قبطي، يعمل عند أمير خاصكي يعرف بعين الغزال، قد سأل يوما سمسارا عن مال متأخر عليه للأمير الذي يعمل عنده، ثم أمر غلامه فاقتاد السمسار نحو دار الأمير فصاح السمسار وتجمع الناس وكثرت الضوضاء. وكان الكاتب قد قرب من بيت أستاذه (الأمير) فأحاط به العامة وألقوه عن دابته وخلصوا السمسار، فجاء غلمان الأمير للنجدة فأسرع العامة إلى قلعة الجبل وهم يصيحون. ولما عرف السلطان بالخبر غضب وأمر الأمير بيدر والأمير سنجر الشجاعي بإحضار جميع النصارى بين يديه ليقتلهم، فما زالا به حتى استقر الحال على أن ينادى في القاهرة ومصر بأن لا يخدم أحد من النصارى واليهود عند أمير. وأمر الأمراء كافة بأن يعرضوا على من عندهم من الكتاب النصارى الإسلام فمن امتنع ضُربت عنقه ومن أسلم استخدموه عندهم. ورسم للنائب السلطاني بأن يفعل نفس الشيء مع مباشري الديوان السلطاني، فنزل الطلب لكافة الكُتّاب، فصارت العامة والحرافيش تسبق إلى بيوتهم وتنهبها حتى عم النهب بيوت جميع النصارى واليهود وأخرجوا نساءهم سبايا وقتلوا جماعة منهم بأيديهم، ونهبوا كنيسة المعلقة وقتلوا جماعة بها. ثم قام الأمير بيدر لكف العامة، فانكفوا. فكانت تلك من أشد الأحوال، مات فيها من الأطفال والشيوخ والرجال عدد كثير. ثم جمع النائب جماعة من كتاب السلطان والأمراء وأوقفوهم بين يدي السلطان، فأمر الشجاعي والأمير جاندار بأن ينزلوا إلى سوق الخيل تحت قلعة الجبل ويحفروا حفرة كبيرة ويلقوا فيها الكتّاب الحاضرين ويضرموا عليهم الحطب نارا فتقدم الأمير بيدر وتشفع، فأبي السلطان وقال: ما أريد في دولتي ديوانا نصرانيا. فلم يزل به بيدر حتى سمح بأن من أسلم منهم يبقى في الخدمة ومن امتنع ضربت عنقه. فخرج الأمير بيدر إلى الكُتّاب وأخبرهم، فاستسلموا (أسلموا) جميعا وكتب شهادات عليهم ودخل بها للسلطان....] (الكافي ج٢ ص ٥٣٨).

ما أروعه من نموذج تاريخي على "العدالة" الوحشية!!
وفي ١٢٧٣ أرسل ملك الحبشة يطلب مطرانا، وحرص في رسالته على أن يوضح للسلطان بيبرس أنه يحسن معاملة المسلمين في بلاده وأن منهم في جيشه مائة ألف فارس مسلم «وكل من يصل من المسلمين إلى بلادنا نحفظهم ونسفرهم كما يحبون». لكن بيبرس رفض طلبه (هوامش ج ٣ ص ١٥٧٨).
وفي (١٢٧٤) انتصر المسلمون على التتار في أرض الشام عند "بيرة"، ثم ساروا منها إلى أرمينية ففتحوها عنوة وأباحها بيبرس أياما فغنموا وسبوا وقتلوا وأراقوا فيها الدماء الكثيرة. ثم تاقت نفس الملك بيبرس إلى فتح النوبة والصعيد الأعلى فأنفذ الأمير آق سنقر في جيش عظيم إلى أسوان فقاتلها ومازال بها حتى استولى عليها، وترفع إلى الصعيد الأعلى يغزو ويفتح ويحرق ويخرب ويسفك الدماء حتى ملك جميع مصر العليا وأخضعها لحكم الملك الظاهر بيبرس وقفل راجعا مثقلا بالغنائم من الذهب والفضة وسن الفيل والريش والعبيد والإماء والخصيان والخيل والدواب. (الكافي ج٢ ص ٥٣٠)

٣٠ـ وبعد خلو الكرسي لسنة، رُسم الأنبا تاوضروس (١٢٩٤ـ١٣٠٠) وكان من دير أبو فانا [[وذُكر أنه أخذ البطريركية بما يخالف الناموس وكان محبا لأخذ الرشوة (*). وحدث في أيامه فناء وغلاء عظيم وأكل الناس الميتة (..)]].
(*) أي الشرطونية (السيمونية التي تعتبرها قوانين الكنيسة جريمة فادحة) وكانت لسداد المبالغ الكبيرة التي يفرضها السلاطين على الكنيسة مقابل موافقتهم على رسامة البطرك أو لسد النفقات ودفع المبالغ الفادحة التي كانت تبتز عند حدوث المجاعات أو عند إرغام الرهبان ورجال الكنيسة على دفع الجزية، أو عند تحويل جزية من أسلم على بقية القبط الذين بقوا على دينهم (هوامش ج٤ ص ٦)

٣١ـ ثم تولى الأنبا يوأنس الثامن (١٣٠٠ـ١٣٢٠) [[وكان في أيامه لبس العمائم الزرقاء (*) وما جرى مجراه. وحدثت زلزلة عظيمة (أغسطس ١٣٠٣) (..) وقد حضر تجنيز الأب القديس برسوم العريان]].
(*) في أواخر سلطنة خليل بن قلاوون (١٢٩٠ـ ١٢٩٢) أُغلقت الكنائس في كل البلاد ما عدا الإسكندرية، وصدر الأمر لكل القبط بلبس العمائم الزرقاء. أما برسوم هذا، فقد أمر الوالي بجلده وحبسه لأنه كان متوحدا يصلي، بدون إذن، بإحدى الكنائس المغلقة، ثم أطلقه فسكن على سطح تلك الكنيسة. وقد تعرض للضرب بالسياط والحبس مرة أخرى لأنه رفض لبس العمامة الزرقاء.
وفي ١٢٩٩ قام بالحبشة رجل يدعى أبو عبد الله محمد يدعو للإسلام واجتمع معه نحو مائتي ألف رجل من الأعراب وحارب الملك. وعندما اشتدت وطأة المعارك سعى الفقيه عبد الله الزيلعي لدي السلطان ليتدخل لمساعدة العرب الغزاة في الحبشة، فوسط بطريرك الأقباط في ذلك، فأرسل هذا إلى ملك الحبشة يطلب منه ترك محاربة العرب في بلاده، لكن الحروب استمرت أمدا طويلا. (هوامش ج٣ ص ١٥٨٨)
وفي ١٣١٢ أرسل ملك الحبشة هدية إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون بلغت قيمتها مائة ألف دينار (؟)، حتى عُدّت من النوادر، ليطلب رسامة مطران لبلاده، فوافق....

٣٢ـ ثم تولى الأنبا يوأنس التاسع (١٣٢٠ـ١٣٢٧) [[وفي أيامه جرت شدائد كثيرة على النصارى وقُتل منهم وحُرق منهم، وسمروا منهم وأشهروهم على الجمال وألبسوهم العمائم الزرق. ثم فرج (الله) عن الشعب برحمته]].
هذه العبارات المختصرة المكثفة لا تشفي غليلا، لكن مصادر التاريخ تقول أنه في يوم الجمعة (١٦ مايو ١٣٢٠) وفي وقت واحد (*) حدثت حرائق بكنائس كثيرة في القاهرة ومصر واسكندرية وجهات أخرى، وحدث نهب وقتل. وبعد ذلك بشهر وقع حريق في عدة حارات وكثير من الدور والربوع والجوامع، واتهم في ذلك بعض النصارى وقُبض عليهم وعوقبوا بالحرق والقتل (**). وبعدها أُلزم النصارى بلبس العمائم الزرقاء ونودي بأنه من وجد نصرانيا لابسا عمامة بيضاء أو راكبا فرسا أو بغلا حل له دمه وماله، وإذا ركب حمارا فليركبه مقلوبا، ولا يدخل نصراني الحمام وإلا في عنقه جرس ولا يتزيا أحد منهم بزي المسلمين، ومنع الأمراء من استخدامهم وكثر إيقاع المسلمين بهم (هوامش ج٤ ص ٨٣٩).
(*) كان قد بدأ، بأمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون (١٣٠٩ـ١٣٤٠)، بناء زريبة في التل الأعظم بجوار الجامع الطيبرسي، فلما انتهي الحفر إلى جانب كنيسة الزهرى، أخذ الفعلة في الحفر حولها حتى تعلقت الكنيسة لكنها لم تسقط، وصار العامة من غلمان الأمراء العاملين في الحفر وغيرهم يصرخون في طلب هدمها. إلى أن كان يوم الجمعة وكان السلطان يصلي بجامع قلعة الجبل فقام رجل فقير (وليّ؟) يصيح «اهدموا الكنيسة التي في القلعة» وأكثر من الصياح حتى أضجر الناس، فتعجب السلطان من قوله وأرسل نقيب الجيوش لفحص الأمر فوجدوا في خرائب التتار، قريبا من القلعة، كنيسة؛ فهدموها. ولما وصل الأمر للعامة، تجمع عدة من الغوغاء وصاحوا بصوت مرتفع الله أكبر، وهدموا كنيسة الزهرى (حيث الحفر) حتى بقيت كوما وقتلوا من كان بها من النصارى وأخذوا ما كان بها، ثم امتدت أيديهم إلى الكنائس الأخرى فهدموا كنيسة بو مينا بالحمراء، وكانت معظمة جدا من قديم الزمن، ثم مضوا إلى كنيستين أخريين بجوار السبع سقايات تعرف إحداهنا بكنيسة البنات وكان بها كثير من الراهبات المتعبدات فكسروا أبواب الكنيستين وسبوا (الراهبات) سبيا وكن يزدن عن ستين بنتا، ونهبوا سائر ما ظفروا به وأحرقوا وهدموا تلك الكنائس كلها. قال المقريزي: فعندما خرج الناس من الجوامع شاهدوا هولا كبيرا من كثرة الغبار ودخان الحريق وهرج الناس وشدة حركتهم ومعهم ما نهبوه فكان ذلك اليوم أشبه بيوم القيامة فلما بلغ السلطان انزعج وغضب من تجرؤ العامة بغير أمره، وأمر أيدغمش أميراخور أن يركب بجماعة الوشاقية ويتدارك الخلل، فإذا بخبر ورد بأن العامة قد خربت كنيسة بحارة الروم وكنيسة بحارة زويلة، كما زحفت العامة في جمع كثير جدا إلى كنيسة المعلقة فقفلها الموكلون بها وهم محصورون بها وهي على وشك أن تؤخذ، فنزل أربعة أمراء من القلعة في عدة وافرة ففر الناهبون ولم يظفر الأمراء إلا بمن عجز عن الحركة، وذهب الوالي إلى المعلقة فأخذه الناهبون بالرجم (بالحجارة) حتى فر منهم، وكانوا على وشك حرق باب الكنيسة فجرد أيدغمش ومن معه السيوف يريدون الفتك بالعامة فوجدوا عالما لا يحصر وخاف سوء العاقبة فأمسك عن القتل. وأخيرا فر العامة وتفرقوا. ثم جاءت الأخبار أيضا بأن العامة هدمت أربع كنائس بالإسكندرية وكنيستين بدمنهور وأربع كنائس بالغربية وثلاث بالشرقية وست بالبهنساوية وبأسيوط ومنفلوط ومنية أبي خصيب ثمان كنائس، وست كنائس بقوص وخمس بأسوان وبالأطفيحية كنيسة وبسوق وردان وقصر الشمع ثمان كنائس. وتواترت الأخبار بكثرة ما هدم من الكنائس والديارات فكانت شدة عظيمة للغاية]. (الكافي ج٢ ص ٥٥٣)
(**) وقع حريق بحارة الشوائين بالقاهرة، وكان يوما شديد الريح حتى قلعت النخيل وأغرقت المراكب، فسرت النيران في كل ناحية وعجز الناس عن إطفائها إلا بعد أيام. واتهم بعض النصارى بالتسبب في الحريق، فاعترفوا بعد أن عوقبوا (عذبوا) بفعلتهم انتقاما لهدم الكنائس. فحُرق (المتهمون) يوم الجمعة واجتمع لمشاهدتهم جمع كثير، واجترأ من ذلك اليوم جمهور الناس على النصارى وفتكوا بهم. ولما ركب السلطان إلى الميدان كعادته وجد خلقا كثيرا جدا من العامة قد صبغوا خرقا من القماش بلون أزرق وعملوا فيها صلبانا بيضا وصاحوا: «لا دين إلا دين محمد بن عبد الله، يا ملك الناصر يا سلطان الإسلام انصرنا على أهل الكفر». فأمر السلطان الحاجب أن يخرج وينادى أن «من وجد نصرانيا فله ماله ودمه»، فصاحت العامة وصرخت نصرك الله وضجوا بالدعاء. وكثر إيقاع المسلمين بالنصارى ولبث الحال هكذا أياما ثم نودي في الناس بعد ذلك بالأمان وذلك لكثرة ما أوقعوا بالمسيحيين وزادوا في الخروج عن الحد. (الكافي ج٢ ص ٥٥٤ـ٥٥٧).

وفي ١٣٢٦ أرسل ملك الحبشة رسلا إلى قلاوون يطلب منه «إعادة ما خرب من كنائس (القبط) ومعاملتهم بالإكرام والاحترام، ويهدد بأنه سيخرب ما عنده من مساجد المسلمين ويسد النيل حتى لا يعبر إلى مصر» فسخر السلطان وردّ رسله. وتكرر الأمر في السنة التالية. (هوامش ج ٣ ص ١٥٨٧)

٣٣ـ ثم جاء الأنبا بنيامين (١٣٢٧ـ١٣٣٩) [[وفي أيامه تولى شرف الدين النشوا ابن التاج، وجرت شدائد كثيرة وأهانوا النساء والأولاد والرهبان والراهبات والأساقفة. ومات النشوا وحل الانتقام من الله على جميع فاعلي السوء]].
وقد استمرت السلطنة المملوكية في اضطهاد القبط وفصل من كان يعمل منهم في دواوين الدولة؛ ففر البعض منهم إلى بلاد الحبشة وعلى رأسهم فخر الدولة الكاتب فرحب به ملك الحبشة (حيث قام بإعادة تنظيم ديوان الملك ووضع قواعد الضرائب) (هوامش ج٣ ص ١٥٨٩).

٣٤ـ وتوالي عدد من البطاركة هم بطرس (١٣٤٠ـ١٣٤٨) ومرقس (١٣٤٨ـ١٣٦٣) ويوأنس (١٣٦٣ـ١٣٦٩) وغبريال (١٣٧٠ـ١٣٧٨) لا يذكُر كُتّاب الحوليات أي أحداث في أيامهم!
لكن مصادر التاريخ تشير أحيانا لأحوال القبط فتقول مثلا أنه في ١٣٥٤ قرر الأمراء شيخو وصرغتمش وطاز، وكانوا قائمين بتدبير الدولة، الاستيلاء على راضي أوقاف أديرة وكنائس النصارى (خمسة وعشرين ألف فدان) والإنعام بها على الأمراء، وهدموا للنصارى عدة كنائس. وعاد العامة إلى تخريب الكنائس وهدم الديارات كما فعلوا أيام السلطان قلاوون. ومُنع اليهود والنصارى من مباشرة الدواوين. وتقرر ألا يزيد قماش عمائم النصاري عن عشرة أذرع (!) وألا يدخل أحد منهم الحمام وإلا في رقبته صليب ولا تدخل نساؤهم مع نساء المسلمين، وأن يكون إزار النصارى أزرق واليهود أصفر والسامرية أحمر، وأن يلبسوا الخف لونين، كل فردة من لون. ثم خرج الأمير علاء الدين والي القاهرة إلى ناحية شبرى الخيام فهدم كنيسة للنصارى وأخذ منها أصبع الشهيد المحفوظ في صندوق وأحضره للملك فأحرقه وذر رماده وبطل عيد الشهيد من يومئذ. واشتد العامة على النصارى شدة بالغة وتطاولت أيديهم إلى السلب والنهب وغير ذلك، والسلطان لا يرد للعامة كلمة ولا يوقفهم عند حد. ثم سكنت الفتنة وهمّ السلطان بتولية موفق الدين مسند الوزارة، وهو قبطي مرتد، فعارضه الأمراء وطلبوا تولية علم الدين وهو قبطي مرتد. (هوامش ج٤ ص ٨٥٥، والكافي ج٢ ص ٥٧٢)

٣٥ـ ثم تولى الأنبا متى (متاؤوس) (١٣٧٨ـ١٤٠٨). وقبلها كان راهبا في جبل أنطونيوس (بالصحراء الشرقية) ولم يقبل بالدعوة لتولي البطريركية وهرب، لكنه أُجبر عليها. وكان روحانيا فاعل خير متصدقا ومتواضعا [[يعمل مع الفعلة في معاجن الطين وينزح المراحيض مع العمالين ويشيل الغلال مع التراسين (..) ومع هذا لم ينحط عن هيبته ووقاره في أعين الناس]].
[[وكان هناك راهب سرياني يسمى ابراهيم خرج من الإيمان قدام الملك وصار جنديا وتكلم في حق الأب وفي حق جماعة الرهبان المجروحين بالبرية وقبض على جماعة منهم وأوثقهم وحملهم إلى مصر (..) ولم يبرح يعاند الأب البطرك ويقاومه حتى ضجر الشعب منه وسألوا الأب أن يدعو عليه فلم يقبل وقال لهم: «يا أولادي لا تدعو عليه بل أنا أدعو له» (..) وبعد وقت ندم ذاك الراهب السابق (ورجع لدينه ومات مقتولا لارتداده)]].
[[وكان أنه لما حارب الأمير منطاش السلطان برقوق وغلبه، (وشى له أحدهم) بأن تحت يد هذا الأب أموال وذخائر كان أودعها عنده برقوق قبل رحيله، فطلب الأب وعصره فلم يجد تحت يده شيئا (..). ومرة أخرى تسلط أميرٌ يسمى يلبغا الساملي وقصد أن (يفرض على الشعب أمورا صعبة) فلم يوافقه الأب، فجرد الأمير سيفه بغضب يريد أن ضرب رقبته، فمد عنقه للسيف (..) فلما رأى شجاعته تراجع (..) وحاول جماعة من المعاندين أن يهدموا كنيسة العذراء بالمعلقة (..) ثم أخذوا جفنة نار أطلقوها تحت أساساتها يريدون إحراقها (لكن المطر أطفأها) (..)]].
[[ثم تسلط جماعة من (المسلمين) على دير شهران (يريدون) أن يهدموه، وأنهوا إلى الملك كلاما كثيرا باطلا عن رهبان الدير فأذن لهم، فاجتمعوا لهدمه وكانوا خلقا كثيرا لا يحصى عدده لكن الأب (البطريرك) لم يخف منهم بل برح يناصبهم وقال لهم: «من منكم له يد وسلطان فليجرد سيفه ويقتلني، لأني ما دمت حيا لا أُمَكّنكُم من هدم طوبة واحدة من الدير حتى أقف أنا وأنتم قدام السلطان وأُظهر له باطل كلامكم» (..) ثم مضى إلى القلعة واستغاث بالسلطان برقوق. ولما وصله صوت صراخه، أرسل قضاة أربعة للكشف عن الدير فلم يجدوا شيئا مما (ادعاه) المعاندون]].
[[وأرسل الأمير سودون يطلب الأب وخاطبه بما أضمره، ومن جملته أن تلبس النسوة (القبطيات) الإزارات الزرق وغير ذلك، (فاستنكر الأب) أن يُشهّر ببنات شعبه وتصير عارا وأضحوكة لصغار عوام الناس وقال: «الحق أقول لك أيها الأمير أنك متى شهّرت بواحدة من بنات شعبي، لن أبرح أطلق التشهير في بلادكم من أطراف (السودان) وإلى أقاصي مصر. وأنا أخبرك أيها الأمير أن النصارى ما هم بغير ملوك على الأرض و(ليسوا مستضعفين) كما تحكمون عليهم» (..) فأطلق الأمير سبيله ولم يعد يخاطبه بشيء (في هذا الأمر)]].
[[ثم تكلم أحد الأمراء مع الملك (برقوق) والقضاة أن لا يبقوا نصرانيا على الأرض (لكنه مات بعدها)]].
[[وكان كثير من الشعب قد اختلطوا وتنجسوا بنجاسات كثيرة. وكان الأب يتنهد ويبكي على الشقاء الذي يحل بالمصريين (..) وأخذ ينذر شعبه قائلا «تيقظوا يا أولادي وتحذروا من ذلك اليوم الذي يأتي فيه الانتقام على المصريين» (..) وكان كلما خاطبنا بهذا لا نحذر ولا نزداد إلا طغيانا ووقاحة وعدم خوف من الله (..)]].
** من كثرة ما كان يحدث من مصائب تفوق العقل والاحتمال، لجأ الأقباط للاحتماء بالشعور الديني وتفسير الأمر بكونه بسبب خطاياهم وبعدهم عن مخافة الله...
وفي ١٣٨٢ أرسل ملك الحبشة هدايا على أحد وعشرين جملا للسلطان الظاهر برقوق ليطلب مطرانا لبلاده (ج٤ ص ١٥٨٠). وحدث في ١٣٩٦ أن العرب الأحمدية اتحدوا مع العرب الكنوز والهوارة وقاموا على حاكم أسوان ونهبوا منه المدينة وسبوا أهلها وظلت سنوات بلا حاكم (ج٤ ص ٨٧٥). وقد كان للسلطان برقوق (١٣٨٢ـ١٣٩٩) أكثر من مائة ولد، تولى بعده منهم خمسة.

٣٦ـ ثم توالى عدد من البطاركة في الفترة من ١٤٠٩ حتى ١٦٧٥ لا يسجل كُتّاب الحوليات شيئا يذكر عن أيامهم، باستثناء الأنبا يوأنس الثاني عشر (١٤٧٨ـ١٤٨٣) الذي وصلته [[رسالة من البطريرك البابا بمدينة رومية (روما)، و (رد عليه) برسالة ثلاثة كراريس ورق، وجوهر الكلام فيها يتضمن ترك العناد والصلح والسلام بين كافة طوائف المسيحيين]].
ولكن كتب التاريخ تذكر لنا استمرار الاضطهاد وحالات فرار الأقباط للحبشة هروبا منه. وقد حدثت خلال القرن الخامس عشر مشاحنات بين مصر والحبشة، ورفض السلاطين إرسال مطارنة أقباط فولى ملك الحبشة وجهه شطر روما، ولم تعترض الكنيسة القبطية حرصا على بقاء كنيسة الحبشة (١٤٤٠).
وفي عهد البطريرك يوأنس الحادي عشر (١٤٢٧ـ١٤٥٢) قتل وأحرق عدد كبير من الأقباط بينما سُمِّر آخرون في ألواح خشبية وكانوا يُساقون في شوارع القاهرة على ظهور الجمال (هوامش ج٤ ص٧). وكان ذلك في عصر السلطان الظاهر جقمق (١٤٣٨ـ ١٤٥٣) «الذي عُرف عنه أنه كان معتدلا في حكمة إذا قيس بسلفه برسباي، كما عرف عنه تدينه وورعه فحرّم المعاصي وشُرب الخمر» (!!)
وفي (١٤٤٣) أرسل ملك الحبشة للسلطان جقمق رسالة (مشفوعة بهدايا تشمل سبعين جارية) لاستعادة العلاقات الطيبة مع مصر، ويلفت نظره فيها لمعاملة القبط: [(..) وأنتم عارفون ما يلزم الراعي (الحاكم) من النظر في حال رعيته وأن الله يطالبه بذلك. وأبونا البطريرك والنصارى الذين تحت عز سلطانكم ومملكتكم الشريفة نفر قليل وضعفاء الحال ومساكين في كل الجهات ولا يمكن أن يكونوا قدر قيراط من المسلمين القاطنين بإقليم واحد من بلادنا. وأنتم حفظكم الله لا يخفى عليكم ما في بلادنا الواسعة من المسلمين تحت حكمنا ولم نزل نحسن إليهم في كل حين (..) وليس يخفى على سلطانكم أن بحر النيل ينجر إليكم من بلادنا ولنا استطاعة على أن نمنع الزيادة (الفيضان) التي تروي بلادكم ولا يمنعنا من ذلك إلا تقوى الله والمشقة على عباد الله (..)]. وقد رد السلطان برفض طلبات الملك (بتحسين معاملة القبط)، وإن أرسل له هدايا مناسبة... ويبدو أن ملك الحبشة استاء من الرد فحجز الرسول عنده وهدد بقتل (أحد ولاة الأقاليم المسلمين). ولما بلغ السلطان جقمق ذلك استحضر بطريرك الأقباط وضربه وهدده بالقتل، فأسرع ذاك بكتابة رسالة لملك الحبشة (..). (هوامش ج٣ ص ١٥٩٥ عن السخاوي).
وفي (١٤٦٣) كتب النجاشي داود إلى السلطان برقوق رسالة طويلة، ردا على رسالتين: واحدة من السلطان، حملها القاضي برهان الدين، والأخرى من البطريرك الأنبا متاؤوس حملها الأسقف إبراهام. ويشير النجاشي إلى أن مقاصد ملوك الحبشة [هي الخير لكل الناس والعدل والإنصاف والشفقة وردع الظالمين ومنع المفسدين وإيصال الحقوق للمستحقين] وكأنه يغمز بأن هذا ليس الحال في مصر. ثم يرد على ما ذُكر في رسالتي السلطان والبطريرك [من أن قوما أنهوا عندكم بأننا تسلطنا على المسلمين في بلادنا بالقتل والإساءة والإكراه على دخول ديننا] بأنها أمور سقيمة يستحق قائلوها القصاص الواجب على الكاذبين [لأنهم مقيمون في بلادنا راضين غير كارهين، وكانوا فقراء فصاروا تجارا مثقلين يتاجرون ويمشون شرقا وغربا من غير جزية ولا مكوس (..) وأما الإكراه على الدخول في ديننا فهذا غير واجب في كتبنا (..)] (أي الكلام لكِ يا جارة). ويشير إلى جهود حفظ الطرق، مؤكدا أن من جرت محاربتهم هم العربان المفسدون، بالضبط كما يُقاومهم السلطان في مصر. ونوه بوجود العديد من الملوك (حكام أقاليم) المسلمين على مناطق يسكنها نصارى يدفعون لهم الخراج كرعية، وكيف أن [جماعة المسلمين (في الحبشة) عليهم مزيد الأمن والأمان، (بينما) تعاملون الرعية وأهل الذمة (في مصر) بضد ذلك..] وذكّر بما حدث للقبط وأوصى [بمراعاتهم وإكرامهم وإعادة كنائسهم وأديرتهم التي أخذتموها وجعلتموها مساجد، وهذا بخلاف ما أمر به صاحب شريعتكم من حفط الذمة]. ثم يستعمل لغة التهديد المبطن: [فإن كنتم تقرونهم على عوائدهم من حفظ كنائسهم وأرزاقهم وأموالهم ومواشيهم وركوبهم معتدلين كجاري العوائد القديمة، فالعهد باق بيننا وبينكم ونعامل المسلمين بأكثر من ذلك. ومهما فعلتموه مع أبينا البطريرك وأخوتنا النصارى من الخير والشر فنحن فاعلوه مع سائر المسلمين الذين في سلطاننا (..)] ويضيف أن [النصارى تحت سلطانكم بالديار المصرية ما يوازون أكثر من إقليم واحد من أقاليم المسلمين الذين تحت سلطاننا (..)]. ثم يشتكي النجاشي مما يحدث للأحباش التجار أو المسافرين للحج إلى القدس عبر مصر وكيف أسيئت معاملتهم أو [أخذوا باليد العالية ليعملوهم مسلمين، وهذا غير واجب في الشريعة ولا جرت به عادة في زمن المسلمين السالفين]. (ج٣ ملحق ٩ ص ١٨٠٨ عن مخطوطة بمكتبة بطريركية الأقباط)
ومثل هذه الرسائل تبين بصورة واضحة، وإن كانت غير مباشرة، ما كان يحدث للقبط أيام المماليك؛ وكيف كان اضطهادهم، إن لم يكن القضاء عليهم، سياسة عامة ثابتة، برغبة السلاطين أو تحت ضغط "الشارع الإسلامي" من العوام والرعاع...
وما أشبه اليوم بالبارحة!!

وفي أيام السلطان قايتباي (١٤٦٨ـ١٤٩٦) والبطريرك يوأنس الثاني عشر (١٤٧٨ـ١٤٨٣) قام العامة على النصارى بالقاهرة وأغلقت جميع كنائسهم ومُنعوا من إقامة شعائر دينهم ثم عمّ الأمر جميع الأقاليم القبلية والبحرية واشتدت نار الفتنة فوقع القتل والسبي والنهب والتخريب وأريقت الدماء هدرا في الأزقة والحارات وعجز ولاة الأمر عن ردع العامة. وما زال الحال على ذلك أياما كثيرة حتى سكنت الفتنة، وكان الخطب شديدا. وكانت مدة هذا الأب البطريرك حوالي ست سنين قضاها في أنكد عيش وأضيق حال بين أسر واسترقاق، وقد ذاق في أيامه النصارى من الرزايا والمحن أنواعا وصنوفا. (الكافي ج٢ ص ٦١١ـ٦١٣).
ثم اشتد السلطان الأشرف قانصوه الغوري (١٥٠١ـ١٥١٦) على النصارى شدة بالغة فصادر أموال الكثير منهم وضيق عليهم وزاد في نكايتهم حتى عاقب بعض النساء بالجلد. (الكافي ج٢ ص ٦١٦).
***
والخلاصة هي أن دولة المماليك العبيد كانت أحلك فترات التاريخ على القبط وأكثرها وحشية؛ تحالف، بل تنافس، ضدهم فيها الحكام الدمويون مع الرعاع الغوغاء...
وهنا كان السلطان العثماني سليم يُعدّ العدة لفتح مصر، بعد أن استولى على حلب ثم دمشق وعاث فيهما، وكان هذا إيذانا بكابوس جديد!
------------------------------------------


http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/12/391067.htm



جنّة العثمانلية

GMT 16:00:00 2008 السبت 13 ديسمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١٢)

تم "فتح" مصر (للمرة العاشرة؟؟!) في يناير ١٥١٧ على يد السلطان العثماني سليم الأول المعروف بحبه لسفك الدماء: ففي سبيل الحكم، حارب أباه السلطان بايزيد ثم قتله بالسم، وقتل إخويه أحمد وكركود ومثّل بجثتيهما!
أرسل سليم جيشا بأعداد لا تحصى مثل الجراد، يحملون أعلاما تقول "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" و "نصر من الله وفتح قريب". وكان قبل غزوه لمصر قد أرسل إلى طومان باي، آخر سلاطين المماليك، رسالة مليئة بالسباب والتهديد قال فيها «قد أوحى الله إليّ بأن أملك جميع البلاد شرقا وغربا (..) وأن لا تكون كلمةٌ فوق كلمتي ولا يدٌ فوق يدي، وأما أنت فمملوك تباع وتشترى فلا تصح لك ولاية ولا يجوز لك التسلط على الأحرار...» وختم رسالته بآية «وما كنّا مُعذِّبين حتى نَبعَثَ رسولا».
وبعد معارك طاحنة انتهت بهزيمة جيش المماليك وقتل وذبح آلاف منهم، راح الجنود العثمانيون ينهبون كل ما يلوح لهم في القاهرة لثلاثة أيام متوالية، وأفحشوا في القتل والنهب والإحراق وعاثوا في البيوت والمساجد وفعلوا بالجامع الأزهر ما لا يحسن. وشُبِّه دخول العثمانيين بدخول هولاكو بغداد. ويوم الجمعة التالي خطب أئمة مساجد مصر والقاهرة للسلطان سليم قائلين: «وانصر اللهم السلطان ابن السلطان، ملك البرّين والبحرين، وكاسر الجيشين، وسلطان العراقين، وخادم الحرمين الشريفين، الملك المظفر سليم شاه».
وبدأت حملة نهب (أشد وأعتى مما حدث مع سابق الحكام بدءا من عمرو بن العاص!) لكل ما هو قيِّم في مصر، ولم يترك سليم في القلعة شيئا لم يأخذه، حتى أعمدة الإيوان، إضافة لأعمدة وأحجار فرعونية من الصعيد. وحُمِلت النهيبة إلى القسطنينية (*) على آلاف الجمال وأعداد لا تحصى من المراكب. كما جلب أعدادا كبيرة من الحاذقين في المهن والصنايع والتجارة والفلاحين والعمال ليُسَخِّرهم في تعمير بلاده، فلم يقابل أهلُ مصر أعظم من هذه الشدة ولا سُمع بها في التواريخ القديمة. ويذكر ابن إياس أسماء هؤلاء التعساء، وهم من جميع أنحاء مصر، ومن المسلمين والقبط واليهود. ولا شك أن هؤلاء هم الذين بنوا للعثمانيين أجمل عمائرهم التي يفخرون بها، سيّما جوامعهم ومنائرهم وبازاراتهم وغيرها.
وبعد استباب السلطة في مصر، قرر سليم عودة أمراء المماليك الجراكسة لحكم مصر تحت سيطرة العثمانيين، ربما لأنه وجد ذلك أيسر للسيطرة على البلاد. أما العربان الذين كانوا أسهموا في احتلال العثمانيين لمصر (نكاية في المماليك) فقد استمر نفوذهم أيضا وكانت تُرسل لهم مراسيم الإقطاعيات والخلع (القفاطين الحرير)، ولكنهم استمروا في بث الاضطرابات والخراب وقطع طرق القوافل.
(هوامش محقق "تاريخ البطاركة" ج٤ ص ١٠٣ـ١١٥ والكافي ج٢ ص ٦٣٠ وج٣ ص ٣١)
(*) كان السلطان محمد الفاتح قد استولى على القسطنطينية في ١٤٥٣ وأعمل جنودُه في أهلها السيف ودخلوا كنيسة أيا صوفيا، وكان فيها بطرك الروم يصلي وحوله خلق عظيم، فقتلوا كل من فيها بحد السيف ولم يبقوا على أحد. ثم نهبوا وأسروا وأحرقوا في المدينة، وأحرقوا جميع مكتباتها فكان عدد ما أكلته النيران مائة وعشرين ألف مجلد. وبعدها نقل السلطان محمد كرسي مملكته للفسطنطينية، التي أصبح إسمها الرسمي في مارس ١٩٣٠ "إسطنبول" (تعني باليونانية "المدينة" أو "في المدينة").
ومنذ بداية حكمهم، لجأ العثمانيون إلى التعسف كما تبين هذه النادرة: في ١٥٢١ شدد القاضي العثماني على السير بمقتضى الشريعة، ثم نودي في القاهرة ألا تخرج امرأة إلى الأسواق إلا العجائز، ومن خالفت تُضرب وتُربط بذنب أكديش ويُطاف بها في الشوارع، وكل مكاري أركب امرأة على حماره يُشنق. وبعد شهور سافر هذا القاضي للحج ففرح الناس، وكانت النساء أشد فرحا فغنت بعض المغنيات [قوموا بينا نقحب ونسكر... قد خرج عنا قاضي العسكر]، فكانت عند العامة من أطرب المغاني وأعمها تداولا على ألسنة الكبار والصغار. (الكافي ج٣ ص ٦٤)
***
وكما سبق أن ذكرنا، فإن حوليات مخطوطات تاريخ البطاركة توقفت عن تسجيل الأحداث في الفترة الحرجة (١٤٠٠ـ ١٦٧٥)، دليلا على انهماك القبط التام فيما هو أهم: معركة البقاء على الحياة!! ولذا سنلجأ لمصادر أخرى تساعد على توضيح الصورة..
بصفة عامة، تعرض أهل الذمة المصريون إبان الحكم العثماني لمغارم وأعباء مالية، إضافة للجزية، كانت تفرض لتغطية تكاليف الحروب ـ كما حدث عندما احتاج السلطان سليمان القانوني إلى تغطية نفقات حملة لفتح اليمن، فأصدر أوامره بجمع المال من الأقباط، وفرض على التجار إتاوات. وفي ١٦٣١ استدعى خليل باشا الأنبا متاؤوس الثالث (١٦٣١ـ١٦٤٦) بسبب عدم قيامه بدفع الرسوم المعتادة بعد تنصيبه، فاقترض البطريرك من يهودي والتزم الأراخنة بجمع المبلغ وسداده له. وكان الحاكم يلجأ لشتى السبل بقصد ابتزاز المال، مثلما حدث في ١٦٧٢ عندما ذبح الجند العثمانيون امرأة خليعة وألقوا جثتها عند بركة الأزبكية، فقام والي القاهرة ـ ظلما وعدوانا ـ بغلق كل بيوت القبط المتاخمة لتلك المنطقة وأجبرهم على دفع غرامة مالية قدرها ألفا قرش دية لهذا الدم إذا أرادوا أن يفتحوا بيوتهم ويسعوا إلى معاشهم.
ومن الأمور التي كانت تحرم على أهل الذمة قبول شهادتهم ضد المسلمين عند الفصل في الأمور المدنية أو الجنائية ومع ذلك يمكن لقائد الشرطة أن يستعلم من أي ذمي عن أمور تدخل في نطاق اختصاصه. وكان يجرى كشف دوري كل عام على دور عبادة أهل الذمة ويُعد تقريرٌ شامل ومفصل عن صحتها وعدم استحداث جديد (تطبيقا للعهدة العمرية)، ووجود تصريح قبل ترميمها، وعن جباية الرسوم والعوائد المقررة. ولم يكن يسمح للأقباط بالسير في جنازات ودفن موتاهم إلا بعد الحصول على إذن. (هوامش ج٤ ص ١١٠١ـ ١١١٢).
وبدءا من أيام سلطنة سليمان الأول (١٥٢٠ـ١٥٦٦) الذي جاء بعد سليم، اشتد الولاة على القبط وضيقوا عليهم وعملوا على إبعادهم عن أوطانهم، فأبعدوا منهم خلقا من خيار الناس ثم صادروا من بقى وأفحشوا في تخريب بيوتهم وتبديد أرزاقهم فكانت شدة عظيمة للغاية. وقد ذاقت النصرانية من البلايا والمحن أشكالا. وفي ١٥٨٢ أمر الوالي العثماني حسن باشا الخادم أن يلبس اليهود الطراطير الحمر والنصارى القلنسوة (البرانيط) السود. وفي السنة التالية، سار الوالي الجديد إبراهيم باشا إلى داخل البلاد ليستطلع الأحوال، ووجد في المحلة الكبرى كنيسة عظيمة وهي من أفخر العمائر (الأثرية) وبها جماعة من قسوس المتأصلين أي أهل البلاد (القبط) فلم يشأ أن تكون واستعظمها عليهم، فأمر بهدمها وبنى مكانها مدرسة سماها المستوزرية (الكافي ج٣ ص٧٩ و ٨٧)
لما تولى السلطان مراد الثالث (١٥٧٤ـ١٥٩٥) وبمجرد أن تمت له البيعة قتل إخوته ليأمن على ملكه. وبعد وفاته، تولى ابنه محمد الثالث. وعلى سنّة ملوك آل عثمان (!) قام بقتل إخوته ليأمن على ملكه وانعكف على الملذات وترك أمر المملكة لجماعة الوزراء فعاثوا وأفسدوا.
وفي مصر، أمر الوالي محمد باشا الشريف (١٥٩٧) أن تكون طراطير اليهود سوداء وليست حمراء. وكثرت فتنة العسكر وقسموا بينهم بلاد مصر وعاثوا وأفسدوا الحرث والنسل وقطعوا الطرق فجمع الباشا طوائف العربان ومشايخها وجيّش جيشا عـظيما لقتال الخوارج. وكانوا يرمون القتلى في النيل. (الكافي ١٠٢)
وفي ولاية أحمد باشا الدفتردار (١٦١٦) فشا الطاعون في كل مكان وقفلت الأسواق بمصر والقاهرة، إلا أسواق الأكفان، واستمرت الشدة شهرين. وحدث أن الرياح دفعت مركبا من مراكب الإفرنج إلى ثغر دمياط فانكسرت وغرق البعض وأُسر الباقي، وكانوا ثمانين نفسا، فأسلموا خوفا من القتل فزفهم الباشا على الخيل ثم ختنهم.
وفي أيام سلطنة عثمان الثاني (١٦١٨ـ١٦٢٢) مات البطريرك (مرقس) الذي «كانت أيامه كلها شدة وعناء وضيق وفناء ومصائب وإحن ومحن على القبط الذين ذاقوا من جور الولاة وظلمهم وعسفهم». (الكافي ج٣ ص ١١٢). وبعد أن قُتل السلطان على يد الإنكشارية، جاء مراد الرابع فازداد خلل الدولة وهجم عباس شاه، ملك الفرس، على بغداد فأخذها عنوة وأعمل السيف في أعناق العسكر السلطاني (العثماني) وجميع كبار الدولة.
وفي سلطنة إبراهيم الأول (١٦٤٠ـ١٦٤٨)، مات البطرك (متاؤوس) وكان في أيامه من «حوادث الطاعون والغلاء وتوالي الإحن ومصادرة الناس في أموالهم وتطاول يد العسكر والأجناد وانتشار أصحاب السعاة والوشاة والأخذ بالشبهات وغير ذلك من فرض الأتاوات والمغارم والمكوس». ثم خُلع السطان وقُتل وتولى ابنه محمد الرابع وكان في السابعة من عمره فكان التصرف للوزراء وكبار الإنكشارية وصارت الأحوال في انحلال واختلال (الكافي ١٣٢)
وفي يناير ١٦٤٩ نودي في مصر أن لا يركب النصارى خيولا ولا يلبسوا شدودا حمراء ولا طواقي جوخ حمراء ولا مراكيب. وعند وفاة البطريرك الأنبا متاؤوس الرابع (١٦٦٠ـ١٦٧٥) اجتمع الكهنة ليطلبوا إذن الباشا العثماني بدفنه، فأذن لهم بعد أخذ أموال كثيرة (هوامش ج٤ ص ١١٠٩).
وفي وثيقة (١٦٧٤) بعنوان "حجة الكشف على المساجد والكنائس الكائنة بقصر الشمع وحارة شنودة بمصر القديمة" نجد: [بعد إذن سيدنا ومولانا شيخ مشايخ الإسلام ملك العلماء قاضي النقض والإبرام مرجع عامة الفضلا الفخام (..) مؤيد شريعة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام (..) بنظر القضية المرفوعة من قبل الشيخ شمس الدين الشعراني، ومضمونها أن بمصر القديمة (..) كنايس مجاورة لمساجد وأن النظار على الكنايس أخربوا المساجد وأخذوا غالب طوبهم وأحجارهم عمروا بها كنايسهم (..). وبالكشف وجد مسجد بين كنيسة بربارة متعلقة بالنصارى وكنيس اليهود ووجدوا حائط الكنيستين شاهقا في العلو على حائط المسجد. (..) ووجد أيضا كنيسة تعرف بالمعلقة بجوارها مسجد خراب متهدم موضوع به بعض طوب وأتربة والكنيسة المذكورة عامرة متقنة البنا بجواره. وكشف على كنيسة أبو سرجة فوجد بجانبها مسجد يعرف بوقف ابراهيم النعماني و(سقفه) آيل للسقوط من الداخل وحائط الكنيسة شاهق عليه. وكشف على كنيسة السيدة فوجد بالقرب منها مسجد (متهدم) وأتربة لم يظهر منه غير المحراب والمنار. ثم كشف على كنيستي مقاريوس والقلاية بحارة شنوده، أبوابها مغلقة، ولم يوجد بجوارها مسجد. وعند ذلك أمر مولانا الحاكم بتسمير الكنايس المذكورين جميعهم، فسمروا جميعا (*). هذا ما تحرر ضبطا مع الواقع. تحريرا في مصر القديمة في تاريخه]. (ملحق هوامش ج٤ ص ١١١٥ و ١١٢٢).
(*) التعسف واضح، فليس معنى وجود كنيسة معمرة بجانب مسجد مهمل أو متهدم أن الكنيسة هي السبب في ذلك أو أن طوب المسجد استُخدم في بناء الكنائس التي ـ على أي حال ـ كان من المحظور استحداثها..
***
وفي ١٦٨٣ سار الصدر الأعظم قره مصطفى باشا في جيش عظيم وحاصر ويانه (فيينا) عاصمة النمسا واستولى على جميع قلاعها الأمامية وهدم بعض أسوارها، لكن ملوك بولونيا وساكس وبافاريا قاموا لنجدة النمسا وظفروا بجيش المسلمين بعد قتال عنيف فتراجع قره باشا، فكبر الأمر على السلطان فسير أحد حاشيته إلى قره باشا فقتله وبعث رأسه إلى القسطنطينية. ثم خُلع السلطان في ١٦٨٧ وتولى أخوه سليمان خان الثاني (الذي لم يكن أخوه قد قتله!!) واستمرت الحروب في أوروبا وآسيا. لكن لم تكن الحروب لتشغل رجال السلطنة عن تولية وعزل الولاة على مصر. (الكافي ١٣٧).
وللعلم، فقد توالى على مصر ١٣٦ وزيرا (واليا) بين ١٥١٧ حتى ١٨٠٥ أي بمعدل والي كل ٢٥ شهرا – أي مجرد الوقت الكافي للنهب وتكوين الثروات.
***
وإلى مخطوطات "تاريخ البطاركة" بعد عودة تسجيل مختصر للأحداث بدءا من ١٦٧٦ [[..]]:
٣٧ـ تولى الأنبا يوأنس السادس عشر (١٦٧٦ـ١٧١٨) وهو المائة وثلاثة، وكان "صرافا" ثم ترهبن في جبل القديس انطونيوس [[وقبل بطركيته كان نظار الكنائس بمصر أناس صنايعية. ولما تولى انتقلت نظارة جميع الكنائس إلى المعلمين الأراخنة وجددوا ما يحتاج إلى ترميم وعمارة و(تنافسوا) في الأعمال الصالحة ورحمة المساكين وكساوي الفقراء في كل عيد (..) وحصل غلاء شديد إلى أن أكل الفقراء الميتة من الحمير والخيل والقطط، ونعوذ بالله من تلك الأيام وكان الناس مطروحين في الشوارع والأزقة لأن الله تعالى ضرب المصريين بالغلاء والوباء (..)]].
وفي ١٦٧٨ زادت السلطات العثمانية من التشديد على أهل الذمة بالإلتزام بالقيود ونودي بأن يعلق النصارى في رقبتهم جلجلا واليهود جلجلين عند دخولهم الحمامات، وألا يلبسوا ثيابا من الجوخ أو الصوف ولا تتأزر نساء النصارى بمآزر بيضاء، وتكون ملابس النصارى عموما سوداء (هوامش ج٤ ص ١١٠٩)
وفي يوليو ١٧٠١ حدث أن رُفعت شكوى من بعض المسلمين بأن طائفة النصارى القبط أحدثت بنيانا جديدا في كنائسها فعين الباشا أغا وبعض المعماريين وقضاة الشرع للكشف، فنزلوا وكشفوا وأثبتوا أن (هناك) كنائس تحوي بناء محدثا، لكن جماعة من أمراء المماليك تشفعوا لدى الباشا (حتى لا تُهدم الكنائس) ففرض على الأقباط غرامة مالية كبيرة وصار البطريرك يطوف بحارات النصارى ليجمع ما تيسر لدفع الغرامة. (هامش ج٤ ص ١١١٣).
[[وتولى على مصر (١٧٠٧) واحد اسمه قره محمد باشا، أقام متوليا على مصر خمس سنوات وحصل منه أذية للنصارى بسبب الكنائس ولكن من معونة الله تعالى ورحمته وصلاة هذا الأب لم يحصل ضرر (بفضل) وجود المعلمين والأراخنة المباشرين بخدمة أكابر مصر (..)]]
[[وفي (١٧٠٨) توجه الأب لزيارة كنيسة القيامة المعظمة (بالقدس) مع الأرخن المعلم جرجس الطوخي وكان في صحبتهم جملة من الكهنة والأراخنة والشعب وكان توجههم برا وليس بحرا، وكانت بهجة عظيمة لم يٌرى ولم يٌسمع بمثلها قط (*)]].
(*) هذه أول مرة منذ دخول العرب يرد ذكر في "تاريخ البطاركة" لزيارة بطريرك الأقباط للقدس. أما حج الشعب، فيبدو أنها أول مرة منذ بدء حروب الفرنجة ـ لكنها ستكون الأخيرة لوقت طويل (انظر أدناه في ١٧٥٣)
[[وفي (١٧١١) حدثت فتنة عظيمة بين العسكر (من أتباع) صنجق يسمى أيوب بك في باب الإنكشارية وآخر يسمى غيطاس بك في باب العزب. وأقفلت الأسواق وبطل البيع والشراء سبعين يوما والمدافع تضرب (..) وانحرقت بيوت ناس كثيرين وكانت شدة شديدة وضيقة عظيمة على كامل الناس خصوصا الفقراء وكانوا يشربون مياه الآبار لانقطاع الطرق وعدم السقايين لأنهم ما كانوا يقدروا التوجه ليملئوا من بولاق من كثرة العربان والأعداء (..) ثم أفرج الله على العباد بهروب أيوب بك إلى الديار الرومية (..) وفي (١٧١٥) حصلت أيضا فتنة عظيمة بمصر (..) وقتل جماعة كثيرة (..) ثم كانت (١٧١٦) تشويطة (طاعون) بمصر]].
وكانت أكثر أيام هذا الأب «شدائد وخطوبا متراكمة بعضها فوق بعض كادت بسببها تتعطل شعائر الدين لولا لطف الله». (الكافي ص ١٩٢)
٣٨ـ ثم تولى الأنبا بطرس السادس (١٧١٨ـ١٧٢٦) وكان من ناحية سيوط، ثم ترهبن في دير الأنبا بولا وأصبح رئيسه.
[[وأَوسَم أسقفا على كرسي أورشليم (..) ورَسم مطرانا للحبشة توجه بصحبة رسل (الملك) في البحر من بندر السويس على مدينة جده (..). وتوجه هذا الأب إلى الأقاليم البحرية (الدلتا) وطاف بها. وكان يريد زيارة بيعة مار مرقس الإنجيلي بالاسكندرية فحصلت فتنة بمصر (بين صنجقين) فرجع لمصر]].
[[وسعى جماعة (بالشكوى ضد) المعلم لطف الله لدى رجب باشا الوالي، (بتهمة) أنه أعمر كنيستي الملاك ميخائيل القبلي وأبو مينا بمصر (..) فقام جماعةٌ أكابر من محبي المعلم لطف الله وطيبوا خاطر (رجب باشا) بنحو أربعين كيسا (..) ولكن الشيطان أثار علي (لطف الله) من قتله وهو راجع لبيته (..)]].
في ١٧١٩ حدث صراع على السلطة فانتهز الرعاع الفرصة للقيام بأعمال السلب والنهب وإشعال الحرائق وكانت هذه بداية لسلسلة من القلاقل والمنازعات استمرت حتى مجيء الحملة الفرنسية. وكانت الفتن تستهدف الأقباط، وخاصة في الصعيد، حتى اشتد الكرب عليهم وضربت عليهم غرامات فادحة لم يعف منها أحد، وبيعت بسببها الجواهر الكريمة بأبخس الأثمان وألزم بالغرامة القسوس والرهبان والصبيان والفقراء، وألزم البطريرك بدفعها عن خدام الدين. (هوامش ج٤ ص ١١٠٢)
وفي أكتوبر ١٧٢٣ نزل أغا مستحفظان إلى القاهرة وأشهر فيها النداء لجميع طوائف النصارى واليهود أن لا يدخل الحمام أحد إلا وفي عنقه جلجل ليعرف الكافر من المؤمن. وعقد أصحاب الحمامات (وعددها ٧٣) اجتماعا للتشاور في أمر هذا الفرمان الذي يسبب لهم خسائر فادحة خاصة وأن معظم المترددين هم من أهل الذمة، وجمعوا مبلغا من المال قدموه رشوة إلى الأغا. وفي ١٧٢٦ أعطى الباشا فرمان إلى أحمد أغا لهلوبة بأن يلبس اليهود الطراطير والطواقي الزرق، والنصارى القلايق، والإفرنج قلايق وبرانيط، ولا يلبسوا (جميعا) جوخا أحمر ولا بوابج صفر ولا شخاشين. وكل من خالف فللرعايا (المسلمين) أخذه منه. وكل من قعد من المقيمين بعد ثلاثة أيام يُقتل ويكون دمه هدرا. (هوامش ج٤ ص ١١١١).
وفي ١٧٢٩ أصدر السلطان العثماني فرمانا جاء فيه: [أنه في بعض أديرة مصر القديمة (..) أدخلوا من (أرض مقابر) المسلمين وبعضهم بنوا وجددوا بناء عاليا عن رسومها القديمة وأحدثوا فيها بدعا. ومن علو البناء صار يكشف على بيوت أمة محمد وفي (كل ذلك) إهانة]. وقد تبين فيما بعد كذب الادعاءات وتم التغاضي عن نية هدم تلك الأديرة. (هوامش ج٤ ص ١١١٤).
٤٠ـ ثم تولى الأنبا يوأنس السابع عشر (١٧٢٧ـ١٧٤٥) وهو من ناحية ميلوي.
[[وحصل في أيامه زيادة الجوالي (الجزية) على النصارى واليهود: الأعلى يدفع ٤٦٠ نصف فضة برّاني والأوسط ٢٣٠، (والدون ١١٥)، وقبضوا الجوالي من الآباء الأساقفة والرهبان والقسوس (*) وكان المعنيون (بالأمر) جماعة بشتلية يحضرون كل سنة من طرف السلطنة (العثمانية) الشريفة لقبضها (..) وكانت أيام شدة وحزن على كل الفقراء وأرباب الصناعة. وأيضا في (١٧٤٠) حصل غلاء شديد (..) وقاسى الخلق شدائد صعبة خصوصا النصارى الفقراء: هَمّ الغلاء وهَمّ طلب الجوالي بلا رحمة، وكان بمصر يومئذ أراخنة (..) يشترون الفقراء من حبس الجوالي ويخلصوهم]].
(*) أخذت السلطة العثمانية من البداية بالتفسير الحنفي بشأن الجزية (!!) واعتبرت مصر فتحت عنوة مما يعني اختلاف قيمتها تبعا للحالة المالية، وزيادتها مع الوقت. وكان يوقف أي ذمي في الطريق ويطلب منه أبراز البطاقة الدالة على سداد الجزية (هوامش ص ١٠٨١ ـ١٠٨٧). وفي ١٧٣٤ جاء فرمان سلطاني للوالي عثمان باشا بإحصاء اليهود والنصارى وزيادة الجزية، كما تقرر أن يدفع الرهبان الجزية، «فاهتم الباشا بالأمر وأرسل عمالا فطافوا البلاد كافة وأحصوا أهلها وفعلوا من الجور والعسف ما لا (يحصى) فضج الناس وشكوا فلم يلتفت إليهم». (الكافي ج٣ ص ١٨١). وفي تقرير أعد عام ١٧٣٧ تبين وجود ١٢٠ ألف ذمي في مصر دفعوا الجزية (أي غير النساء والأطفال والشيوخ) وقيمتها حوالي ٢٠٠ ألف جنيه ذهب شريفي. لكن مسحا شاملا في ١٧٦٨ أسفر عن وجود ٩٠ ألف ذمي ملزمين بدفع الجزية (هوامش ١٠٩٠ ـ١٠٩٥). ومن غير الواضح إن كان التناقص العددي هو نتيجة أخطاء إحصائية أو تسارع في التحول تحت االضغوط الرهيبة التي عانو منها...
ثم فشا بين الناس أن القيامة ستقوم يوم الجمعة (٩ مايو ١٧٣٥) فانتشر أهل الخلاعة في الجناين ليودعوا الدنيا، وخرج آخرون يغتسلون في النيل للتوبة... وتعطلت الأعمال. ولم يحدث شيء يوم الجمعة، فقال الناس أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك عند الله.
وفي يونيو ١٧٣٦ حدث أن مر عثمان كتخدا القزدغلي عند رأس الجودرية وإذا ببطرك الملكانيين مقابله، فأمره القواص أن ينزل عن حماره لكن كتخدا أمر بضربه فضربوه بالنبابيت فصار الرهبان الذين بصحبته يتلقون الضرب عنه، ثم أنهم شالوه وهو مرضوض. (الكافي ج ٣ ص ١٨٢)
٤١ـ ثم تولى الأنبا مرقس السابع (١٧٤٥ـ١٧٦٩) وهو من ناحية قلوصنا.
[[وفي (١٧٤٨) حصلت فتنة عظيمة بين العسكر بمصر قتل فيها (عدد من الأمراء) وهرب جماعة من الأمراء الصناجيق إلى الصعيد (..) وبعد ذلك اهتم بهم شيخ العرب همام وجهز لهم وأرسلهم إلى بلاد الحجاز في المراكب من بندر القُصير السامي]].
[[ثم تنيح الأب البطرك بدير العدوية (..) بعد أن قاسى أهوالا لا يُحصى لها عدد، تارة من الخلفاء (الحكام) وتارة من الشعب الملتوي الأعوج، ولو شرحنا لكم ذلك لطال شرحه (..). وحضر (الجنازة) مطران الحبشة والأنبا بطرس مطران الوجه القبلي (*) الذي كان اختاره خوفا على الرعية ليرعى قطيعه الصالح (..)]].
(*) يبدو أن التدهور بالكنيسة وصل لأن الوجه القبلي بأكمله لم يبق به سوى مطران واحد (؟)
وفي أيام (هذا الأب) اشتد علي بك بلاط على النصارى شدة عظيمة وضيّق عليهم جدا وصادر الكثير منهم ثم ضرب عليهم غرامة قدرها مائة ألف ريال، فانبت أعوانه لجمعها وقد عاثوا وأفسدوا وفعلوا ما لا خير فيه. (الكافي ص ٢١٥).
وفي ١٧٥٣ كان قد صدر مرسوم من الباب العالي بمنع النصارى الشوام في مصر من دخول كنائس الكاثوليك الفرنج، فإن دخلوا يدفعون للدولة ألف كيس. وقبض ابراهيم كتخدا على أربعة قسوس من دير الكاثوليك وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال. (هوامش ج٤ ص ١١٠٢).
وحدث عندئذ أن طلب القبط بمصر الحج إلى بيت المقدس. وكان عظيمهم المعلم نيروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ الشبراوي في ذلك وقدم له هدية سنية، فكتب فتوى أن أهل الذمة لا يـُمنعون من القيام بشعائرهم الدينية، فخرجوا في تختروانات فيها النساء والأولاد وأحضروا العربان ليسيروا في حراستهم، وبعد خروجهم استعظم المسلمون ذلك وأنكروه وقال الشيخ البكري للشبراوي: «يا شيخ الإسلام كيف ترضى لهم بهذه الفعال؟ وعلى ذلك تصير لهم سُنّة ويخرجون في العام المقبل بأزيد من هذا ويصنعون لهم محملا، ويقال حج النصارى وحج المسلمين ويصير عليك وزرها إلى يوم القيامة». فاغتاظ الشيخ الشبراوي وأذن للعامة في الخروج على (القبط الحجاج) ونهب ما معهم، وخرج عليهم كذلك طائفة من مجاوري الأزهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم ونهبوا أيضا الكنيسة القريبة من دمرداش. (الكافي ج ٣ ص ١٩١).

٤٢ـ ثم تولى الأنبا يوأنس الثامن عشر (١٧٧٠ـ١٧٩٦)
[[ولا تسأل عما أصابه وأصاب شعبه من البلاء الفادح الذي حمله على أن يتوارى ويختفي هربا من ظلم الحكام وجور الولاة الذين أثقلوا كاهل المسيحيين وشددوا الوطأة خصوصا بزيادة الضرائب ونخص بالذكر من تلك المصائب ما هو بالإجمال]].
تم في ١٧٧٤ تعيين قوم للكشف على أديرة النصارى، ومن جملتها دير أبي رويس، بناء على شكوى من بعض المسلمين من أن كنيسة الدير القائمة بالقرب من مقام الشيخ الدمرداش قد تعدت حدود ترميمها باستحداث رسم جديد لها، ولكن أسفر الكشف عن أن الكنيسة على ما هي عليه من قديم الزمن...
[[ولما عزم ابراهيم بك ومراد بك شيخا مصر من المماليك أن يستقلا بالحكومة بغير أن يبقى للباب العالي، أعني الدولة العثمانية، يدٌ فيها، وطردوا وزير السلطنة، وعلما أن الدولة لن تسكت بل تشهر سيف الحرب عليهما، شرعا يفرضان على المصريين الضرائب الفادحة بصفة تشبه النهب والسلب، فتضايقوا واستغاثوا؛ ولا ساعة لمغيث. لكن خطوة الظلم التي خطاها المماليك لم تكن تعد شيئا (مقارنة بـ) ما صنعه حسن باشا (وزير السلطنة العثمانية) لما حاربهم وانتصر عليهم ودخل القاهرة، فصنع عسكرُه ما تأبى النفس ذكره وينكره العقل. فإنهم وطأوا بيوت المسيحيين وفضلا عن انتهاكهم حرمة الأدب ونقضهم ناموس الإنسانية في إساءة تصرفهم مع النصارى، فإنهم (أخذوا) أمتعتهم على اختلاف أنواعها وباعوها بأمر الباشا على مشهد الناس، فكم أقفرت بيوتٌ وكم نعت منازلٌ أهلَها لهجرهم لها. ومن ذلك أن العسكر قبضوا على امرأة المعلم الفاضل ابراهيم الجوهري أمين احتساب مصر وأجبروها أن تخبرهم عن مخابيء زوجها من النقود وغيرها ففعلت ذلك كرها، فنهبوا بيته (..)]].
[[وزاد الطين بلة الوباء (الطاعون) الذي دهم مصر (١٧٩١) فكان يموت من القاهرة في اليوم الواحد نحو الألف (..) وأصاب اسماعيل بك الذي ولاه الصدر الأعظم فمات به، وأقيم آخر بدله فمات أيضا في ذلك اليوم عينه (..) فاغتنم ابراهيم بك ومراد بك (*) الفرصة وعادا إلى الحكم ومسكا زمام الحكم فدارت رحاهما على محورها الأول إذ شرعا يعتسفان طرق الظلم مع المسيحيين]].

(*) بعد وفاة على بك الكبير استمر الصراع على السلطة بين البيوتات المملوكية وأمرائها. وكان الأمراء المماليك يطوفون بالبلاد يسلبون وينهبون ويفرضون الأتاوات على الأقباط مما دفع ببعضهم إلى الهرب. وقد ذكر الجبرتي في حوادث (يناير ١٧٨٦) أن مراد بك ـ الذي كان على رأس السلطة ـ طاف مع جماعة من كشافه ومماليكه ببعض مدن وقرى الدلتا مطالبا بالأموال المقررة مضافا إليها "حق الطريق" فإن تأخرت بلدة في أداء ما تقرر، كان مصيرها الخراب والنهب والدمار، وأمر أحد كشافه على الإسكندرية بهدم الكنائس في حالة عدم دفع ما قرره، فهدم منها عدة كنائس (الكافي٢٤١). وذكر الجبرتي في حوادث (سبتمبر ١٧٨٦) «أن القبطان (حسن باشا) قبض على المعلم واصف وحبسه وضربه وطالبه بأموال. وواصف هذا أحد الكتاب المباشرين المشهورين ويعرف الإيراد والمصاريف وعنده نسخة من دفتر الروزنامة». (هوامش ١١٠٤).
ونزل حسن باشا من باب زويلة وذهب للمشهد الحسيني وأمر فنودي على النصارى ألا يركبوا الدواب المطهمة وأن لا يستخدموا المسلمين وأن يلزموا زيهم الأصلي من شد الزنانير والزنوط، فتسلط العامة عليهم وتتبعوهم بالإيذاء ومن وجدوه بغير زنار رجموه بالحجارة. ولم يقف حسن باشا عن (هذا) الحد من الجور والعسف (..) حتى ضج الناس وعم الخوف (..) وعمت الشدة جميع النصارى فضربت عليهم المغارم وطولبوا بخمسة وسبعين ألف ريال نقرة وأمر بإحصاء جميع دورهم وملكهم فأحصيت فقرر عليها أجرة تدفع إلى خزينة السلطان ثم ضرب عليهم غرامة أخرى قدرها خمسة آلاف كيس فضاقت الدنيا عليهم برحبها وباع الكثير منهم جميع ما عنده حتى ملابسه وملابس عياله. وقرر على كل شخص منهم جزية جديدة قدرها دينار بلا فرق (بين غني وفقير) وذلك خلاف الجزية الديوانية المقررة على كل واحد منهم، وتتبع الديارات وأخذ كل ما وجده فيها من ودائع. (الكافي ج٣ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٢)
وترك القبطان حسن باشا الجزائرلي البلاد (١٧٨٧) في يد اسماعيل بك وعابدي باشا قائد الجيش العثماني في مصر. ويقول الجبرتي: «حضر عابدي باشا واسماعيل بك إلى بيت الشيخ البكري بمناسبة المولد النبوي، فلما استقرا التفت الباشا إلى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى، فأمر بهدمها والمناداة عليها.. فسعوا (القبط؟) في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال، منها سبعة عشر ألفا على الشوام والباقي على الكتبة القبط». (هوامش ج٤ ص ١١٠٤ـ ١١٠٥).
***
وهكذا كان الحكم في مصر لدولة الخلافة العثمانية الفاسدة المتعسفة، التي كانت في نفس الوقت غارقة في حروبها (مع الفرس والروس والنمساويين والصرب والبلغار واليونانيين الخ الخ) وفي محاولات كشف الدسائس وإخماد الثورات داخل تخومها. ومن ناحية أخرى، صار كثرة من أمراء المماليك من أمثال إبراهيم ومراد وغيرهم ذوي نفوذ متزايد في مصر؛ وهؤلاء ما كانت تعنيهم شئونها إلا بقدر ما يبتزونه من أموال شعبها بشتى الأساليب والطرق، ولم يهتموا إلا ببناء قصورهم وشراء مماليكهم وجواريهم. [يقول الرحالة الإسكتلندي جيمس بروس (الذي زار مصر في ١٧٦٨ و ١٧٧٣) «أنه لا يمكن أن توجد على ظهر الأرض حكومة أشد قسوة وظلما وعدوانا وطغيانا من حكومة أولئك الأشرار..»]. أضف لكل ذلك، العربان الذين نافسوا الجميع بمحارباتهم وإفسادهم.
ويلاحظ تشابه تاريخ كل من دولة المماليك والدولة العثمانية في وجوه كثيرة: فكلتاهما في الأصل دولة إقطاع و «ثيوقراطية عسكرية» عملت تحت راية الإسلام السني. (هوامش ج٤ ص ١١٨) وهو ما يفسر حالة التنافس والتحالف بين العثمانيين والمماليك خلال فترة الحكم المشترك لمصر.
وإن كان الشعب المصري بإجماله قد عاني من كل هذا ودفع الثمن، إلا أن القبط دفعوه أضعافا مضاعفة إذ تحالف ضدهم رباعي الحكم العثماني والمماليك والعربان والرعاع، وكانوا بغير قدرة علي مقاومة القهر الوحشي.
ومن ناحية أخرى، كانت جماهير المصريين سعيدة بكون السلطان العثماني «خليفة المسلمين وحامي حمى الإسلام من الفرنج الكفرة في الغرب ومن الفرس الشيعة في الشرق» (!) (هوامش ج٤ ص ١١٣٣ـ ٣٧).
***
وأخيرا، ومع نهاية القرن الثامن عشر، دخلت مصر والدولة العثمانية مرحلة جديدة: فقد جاء نابليون يطرق الأبواب

-------------------------------------------------------------
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/12/393036.htm

حكايات الاحتلال: الصدمة البونابرتيه

GMT 19:00:00 2008 السبت 20 ديسمبر

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١٣)

وصلت أحوال مصر في "جنة العثمانلية" المتعفنة الدموية إلى مداها. ولكن كان هناك من يستعد ليطرق الأبواب.

***
كانت «دولة الفرنسيس قد عظمت وكبر سلطانها على يدي قائد عسكرها بونابرته الكبير، بعد انتصاراته في الحملة الإيطالية، فكان لا ينكف عن تدبير الحيل لكسر شوكة دولة الإنجليز، العدو الذى لم يبق من معاد سواه؛ وذلك بنزع المملكة الهندية من يدهم. ورأى أن هذا الأمر لا يتم إلا بنزوله على مصر واستخلاصها من يد المماليك، وجعلها مقرا لحركاته الحربية ومناوشاته السياسية».
خرج بونابرت في أسطول من ٥٥٠ مركبا، على رأس جيش من ٢٨ ألف مقاتل وفارس، و١٧ ألف طاقم معاون، وأربعين من نخبة القواد و١٦٠ من المهندسين وأهل العلم بتخطيط الأرض وأصحاب الكيمياء والطبيعة ومعهم مطبعة عربية وفرنسية، وجماعة من الكتاب والمترجمين والأطباء والجراحين والكحالين ومن الصناع وأصحاب العمل والحفر والنقش.
وفي ليلة ٢ يوليو١٧٩٨ نزل بونابرت وجيشه في أبي قير. ومع الصباح كان بالإسكندرية، حيث قابل أعيان الثغر.
وحرر منشورا يُتلى على الأهالي حيثما يتحرك الجيش، ليؤمِّنهم ويطمئنهم، يستهله بـ [بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله ولا ولد له ولا شريك له. من طرف الفرنساوية، المبني على الحرية والتسوية (المساواة) السرعسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابرته]. ثم يُعرِّف أهالي مصر بأسباب الحملة وهي القضاء على المماليك الظالمين [وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم]. ثم يبشرهم بمباديء الثورة الفرنسية [أن جميع الناس متساوون عند الله لا يفرقهم إلا العقل والفضائل والعلوم]، ويطمئن الجميع بشأن نواياه [يا أيها المشايخ والقضاة والأئمة والجربجية وأعيان البلد، قولوا لأمتكم أن الفرنسوية هم أيضا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي البابا (..) وكانوا في كل وقت محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني وأعداء لأعدائه]. ويحذر من مساندة المماليك وضرورة الالتزام بالهدوء.
أخذ مراد بك، كبير المماليك، يستعد بجيشه للقاء الفرنسوية. وكان العلماء ومشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والابراهيمية والقادرية وغيرهم يعملون الأذكار بالأزهر، وأطفال (الكتاتيب) يضجون كل يوم بـ «يالطيف». وخرج الفقراء بالطبول والزمور والأعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون بأذكار مختلفة. وصعد السيد عمر مكرم، نقيب الأشراف، إلى قلعة الجبل فأنزل منها البيرق النبوي ونشره وحولُه الألوف المؤلفة من العامة وبأيديهم النبابيت والعصي وهم يهللون ويكبرون. وجلس العلماء والمشايخ ببولاق القاهرة يدعون ويبتهلون إلى الله بالنصر. وأرسل ابراهيم بك إلى العربان المجاورين لمصر ليكونوا في المقدمة بنواحي شبرا، ثم جمع الفرنجة الذين بمصر والقاهرة فحبسهم وفتشوا بيوتهم لعلهم يجدوا فيها شيئا من السلاح، وكذلك فتشوا جميع بيوت الشوام والقبط والروم وجميع الكنائس والأديرة؛ والعامة لا ترضى إلا أن يقتلوا النصارى واليهود، فمنعهم الحكام.
وبعد معركة أولى مع الفرنسوية عند (شبراخيت)، دامت أقل من ساعة، هرب مراد بك وجيشه. ثم ألقى بونابرته على جنوده خطبته الشهيرة قرب سفح الأهرام (أربعون قرنا ....) قبل معركة ثانية قصيرة عند إنبابه في ٢١ يوليو، هزم وفر بعدها مراد للصعيد الأعلى. ودخل بونابرت القاهرة في ٢٤ يوليو.
اجتمع مع المشايخ لتدبير الأمور وأمر بتقليد الوظائف لمن يرون فيه الأهلية، فألحوا بإعطاء منصب والي الشرطة لأحد المماليك خلافا لما أشار به بونابرته، «لأن سوقة (رعاع) مصر لا يخافون إلا من الترك ولا يحكمهم سواهم».
(الكافي ج٣ ص ٢٧٩ـ ٣٠٠ وهوامش ١١٤٨ـ١١٨٢)
وفي أول أغسطس، تحطم الأسطول الفرنسي في أبي قير على يد القائد البريطاني نيلسون، فانقطعت سبل التموين الخارجي ولزم الاعتماد على الذات. وفي منتصف الشهر نفسه، أتم "السلطان الكبير بونابرته"، الذي أصبح يقيم بمقر قيادته في قصر الألفي بك بالأزبكية، العام التاسع والعشرين من عمره.

***
بدأ بونارت في إجراءات لتنظيم مصر، أثارت معظمُها حفيظة الأهلين الذين اعتادوا طريقة حياة معينة منذ قرون، مثل شق أو توسيع الطرق في المدن، وإزالة أبواب الحارات، وإضاءة الشوارع والحارات والأسواق بالفوانيس، وإجراءات صحية بخصوص النظافة ومكافحة الأوبئة ودفن الموتي، وإجراءات تراخيص المحلات والملكية. كما رتب ديوانا سماه "محكمة القضايا" للفصل في أمور التجارة العامة والمواريث والدعاوي، وضع له أصولا وقواعد وعين له اثني عشر عضوا، من المسلمين والقبط، وجعل رئيسه المعلم ملطي القبطي. كما رتب دواوين بالأقاليم وديوان مصر العام من ممثلي أهالي البلاد، ومهمته النظر في شئون البلاد وترتيب الضرائب على العقارات والأملاك والحوانيت.
وأسس بونابرت المعهد العلمي المصري وشارك في أعماله، كما أنشأ مستشفيات في الروضة والإسكندرية ورشيد ودمياط، وأنشأ جريدتين بالفرنسية وواحدة بالعربية ومعامل لصناعة الأسلحة والورق والأقمشة وسائر ما يلزم البلاد، وجعلوا بيت حسن كاشف مكتبة للمطالعة. «وفعلوا جميع هذه الأعمال العظيمة في مدة يسيرة جدا مع همة غريبة».
وفي نفس الوقت حرص بونابرت على اتباع "سياسته الإسلامية" ("لكسب عقول وقلوب الناس")، مثل احترام المناسبات الدينية والاحتفال بها، كالمولد النبوي واحتفالات رمضان. ونقل الوظائف الدينية من العثمانيين إلى المشايخ المصريين. وفي إطار هذه السياسة كان حريصا على ألا يتسبب حصول غير المسلمين على بعض الحقوق المدنية في "إثارة" المسلمين. وقد حدث أن حرر غير المسلمين أنفسهم من بعض القيود المذلة التي كان المسلمون يعدونها شرطا من شروط بقاء الإسلام (!)، لكن بونابرت أدرك ما في هذا التحرر من إساءة للشعور الإسلامي إذ قال في مذكراته: «لا فائدة في إظهارنا الاحترام العميق للدين الإسلامي إذا كنا نسمح للأقباط والروم والمسيحيين الغربيين بقدر من التحرر يغير من منزلتهم الماضية. وقد أردت أن يكونوا أكثر خضوعا وأكثر احتراما لكل ما يتعلق بالإسلام وبالمسلمين كما كانوا في الماضي». ونجد في الجبرتي تأييدا لذلك، فيذكر في حوادث (فبراير ١٧٩٩): «رجع نصارى الشوام عن لبس العمائم البيض والشيلان الكشمير الملونة والمشجرة وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك، ونبهوا (الفرنسيون) أيضا بالمناداة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين أولا، ولا يتجاهرون بالأكل والشرب في الأسواق ولا يشربون الدخان...» (هوامش ج٤ ص ١٣١٩).

***
والآن نتابع الأمور من زاوية كُتّاب حوليات مخطوطات "تاريخ البطاركة":
٤٣ـ ثم تولى الأنبا (مرقس الثامن) (١٧٩٦ـ١٨٠٩) وكان راهبا من دير الأنبا أنطونيوس، وعاصر الحملة الفرنسية ثم مجيء محمد علي.
[[وقد نظر (الأب) شيئا من البلايا التي حاقت بسلفه، وقاسم المؤمنين مصائب ذلك الجيل المشئوم الطالع، وتفطرت أحشاؤه حزنا وقاسى بسماع الأذن ونظر العين تلك الصروف التي أبهظت ظهور المسيحيين، وقد زادت طينتُها بلة وشدتُها قساوة ومرارتُها علقما حينما احتلت عساكر نابليون بونابرته هذا القطر (١٧٩٨)، وذلك أنه لما وطأت أرجل جنود فرنسا أرض أبو قير والاسكندرية هاج في القاهرة رعاع المسلمين وشرعوا يجرعون النصارى كؤوس المرارة رغما عن (محاولات) أمرائهم الذين أخبروهم بأن هؤلاء المسيحيين هم من رعايا الدولة وأن من مس شرفهم فقد مس شرف الدولة نفسها (!!) فلم يرهبهم ذلك ولم يخشوا سطوة بونابرت وجنوده الباطشة]].
[[ولما حارب (الفرنسيون) المماليك وانتصروا عليهم وملكوا القاهرة وظن النصارى أن الجو المعكر قد صفا، قام على أثر ذلك معظم شيوخ الجامع الأزهر وتجمعوا فيه وأرسلوا (من) يطوفون في الأسواق منادين «فليذهب كل من يوحّد الله إلى الجامع الأزهر، هذا اليوم يوم الجهاد في محاربة الكفار وأخذ الثأر»، فهاجت المدينة لذلك وماجت وقفل المسلمون حوانيتهم وتقلدوا أسلحتهم واجتمعوا في الجامع الأزهر (*)، ثم جالوا ينهبون بيوت المسيحيين على اختلاف أجناسهم ويقتلون كل من صادفوه بغير تمييز بين الرجل والمرأة والطفل والشيخ. وكان الوجه القبلي الذي صار ملجأ لكل متمرد ومهربا لكل عاص ليس بأقل وطأة، فإنه لما هرب المماليك أخذوا يعيثون في الناس ظلما وينهبون أموال النصارى]].

(*) اجتمع الديوان العام لمصر في أكتوبر واقترع على اختيار الشيخ الشرقاوي رئيسا، وعين الديوان جماعة شرعوا في الإحصاء، فلما شاع الخبر بين الناس استعظموه واجتمع جمع عظيم حول رجل اسمه السيد بدر ومعه حرافيش الحسينية وزمر الحارات وهم ينادون «نصر الله دين الإسلام»، وساروا لبيت القاضي فرجموه لأنه لم يراودهم، واجتمع بالجامع الأزهر عديد من أولئك السوقة والغوغاء، وقُتل بعض فرسان الفرنسيس وأقيمت المتاريس بالقاهرة، ولم يشارك في هذا الحادث أهل مصر القديمة ولا بولاق. وخرج جنود الفرنسيس فقاتلهم المغاربة وخرجت العامة وبالغوا في الإفساد وتطاولت أيديهم إلى النهب ونهبوا دور النصارى الروم والشوام وما جاورها من بيوت المسلمين وسلبوا النساء والبنات. وانتظر بونابرت رد المشايخ على طلبه رد العامة فلم يردوا وبعد الظهر أمر بإطلاق مدافعه على قلب القاهرة وتوقفت الفتنة (ثورة القاهرة الأولى). وأرسل المشايخ منشورات للأهالي بشتى الأقاليم لكي لا يسمعوا كلام المفسدين فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. (الكافي ج٣ ص ٣٦٠)

***
[[وما ظن النصارى أنهم نجوا من تلك الرزية حتى وقعوا بأشر منها، وذلك أنه لما نقضت المعاهدة التي عقدت بين القائد كليبر الفرنساوي والصدر الأعظم (رئيس وزراء الدولة العثمانية)، (التي تنظم شروط انسحاب الجيش الفرنسي من مصر) بأمر من الباب العالي، دارت رحى القتال بين الجانبين في المطرية، واغتنم المسلمون فرصة خروج عسكر فرنسا من القاهرة وثاروا على النصارى. وجاء ناصيف باشا، أحد قواد الجيش العثماني، إلى المدينة بجماعة من المماليك ونادى فيهم بأنهم قد غلبوا الإفرنج، وأمر بقتل باقي النصارى فشرعوا يجزرونهم (*) غير مميزين بين القبطي والسوري والإفرنجي. فاستدرك حالهم عثمان بك، أحد ضباط الأتراك، وجاء إلى ناصيف باشا وقال له «ليس من العدالة أن تهرقوا دماء رعايا الدولة فإن ذلك مخالف للأرادة السنية» فأمر عند ذلك بكف أيدي المسلمين من قتلهم]].

(*) كان بونابرت قد خرج سرا عائدا لبلاده (٢٢ أغسطس ١٧٩٩) بسبب تطورات الأحداث في أوروبا، وولىّ الجنرال كليبير مكانه. وكان الجيش قد أصبح نصف العدد الأصلي، وليس لديه من المعدات ما يكفي. وتحت ضغوط العثمانيين والإنجليز اتُفق على رحيل الفرنسيين. لكن شروط الاتفاق نُقضت. وبعد محاربة الباشا للفرنسيين (مارس ١٨٠٠)، قال للعامة «اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم»، فعندما سمعوا صاحوا وهاجوا ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم. فذهبت طائفة إلى حارة النصارى وبيوتهم التي بناحية بين الصورين وباب الشعرية وجهة الموسكي فصاروا يكبسون الدور ويقتلون من يصادفهم من الرجال والنساء والصبيان وينهبون ويأسرون (...) فتخوف النصارى جدا، وجمع كل منهم ما قدر عليه من العساكر الفرنسوية والروم (للاحتماء بهم) ووقعت الحرب بين الفريقين وصارت النصارى تقاتل وترمي بالبنادق والآخرون يرمون من أسفل ويكبسون الدور و(يقفزون فوق أسوارها) حتى اليوم التالي (..) ولبث عثمان كتخدا بالجمالية، فكان كل من قبض على نصراني أو يهودي أو فرنسوي ذهب به عند عثمان بك ويأخذ عليه البخشيش (..)
وظهر رجل مغربي واجتمع إليه طائفة من المغاربة ففعل ما لا خير فيه من النهب والقتل والسبي وكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس والنصارى فيكبسها ومعه جمع من العوام وأسافل الناس فيقتلون من يجدونه منهم وينهبون الدار ويسجنون النساء ويسلبون ما عليهن وكانوا يقطعون رؤوس الأطفال وبعض البنات (..) وقام ببولاق رجل اسمه الحاج مصطفى البشتيلي وجمع إليه طوائف السوقة وحرافيش السبتية وساروا نحو معسكر الفرنسيس الذي كان بساحل بولاق وهجموا عليه فقتلوا منهم من أدركوه ونهبوا ما فيه من متاع ورجعوا وتترسوا حول بولاق واستطالوا على كل من كان بها من القبط والشوام فأوقعوا فيهم القتل والنهب فكان البلاء عاما والخطب شديدا جدا (..) (وهرب الباشا العثماني من مصر وحاول كليبير فرض سيطرته على الوضع وتمترس الناس) وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهري وفلتاؤوس وملطي فإنهم طلبوا الأمان من (كبراء) المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وهم في وسطهم فأرسلوا لهم الأمان فحضروا (أكابر القبط) وقابلوا الباشا والكتخدا والأمراء وأعانوهم بالمال واللوازم.
وأما (المعلم) يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادا كبيرا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التى كان شيدها بعد الواقعة الأولى فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه، والمناداة في كل يوم بالعربية والتركية على الناس بالجهاد. وبعد بعض المجابهات وقع صلح بين كليبر والشيوخ لكن الإنكشارية والأتراك رفضوه فهاجم الفرنسيس المدينة. ووقع صلح جديد مع المشايخ.
(الكافي ص ٣٢٨ـ ٣٣٩ عن عجائب الآثار) (أنظر أدناه حول المعلم يعقوب).

***
[[وآخر ضيق طرأ على الأقباط في أيام هذا الأب (البطريرك) هو رفت المستخدمين منهم في دواوين الحكومة. وذلك أن الجنرال مينو لما تولى قيادة الجيش الفرنساوي بعد قتل كليبر، اعتنق الدين الإسلامي ودعى نفسه عبد الله (..) وكان ديوان القاهرة مؤلفا يومئذ من الأقباط (والمسلمين) فرفت (الأقباط) وعهد (للمسلمين) جباية الخراج]].
[[وكانت إقامة الفرنساوية في مصر ثلاث سنين (*)، وكانوا يُعرفون عند العامة بالفرنسيس]].

(*) بعد خروج بواقي الحملة الفرنسية (سبتمبر ١٨٠١ بما في ذلك عبد الله مينو، الذي عاد لفرنسا وتقلد مناصب فيها) عادت السلطة للدولة العثمانية؛ فضيّق الوالي، محمد باشا، على الناس وشدد وأرهب وأخذ بالشبهات وأكثر من القتل والصلب والحرق وزاد في المغارم والمكوس وتتبع الأعيان بالمدن لا فرق بين القبطي والمسلم إذ كانوا عنده فريسة واحدة. وأمر بالقبض على ثلاثة من عظماء الأقباط وهم المعلم أنطون أبو طقية والمعلم إبراهيم زيدان والمعلم عبد الله بركات فقتلهم وختم على دورهم وأملاكهم ونقلوا ما فيها إلى بيت الدفتردار ليباع في المزاد. واستفحل أمر الأمراء المماليك بالصعيد واجتمت إليهم طوائف كثيرة من الهوارة وقبائل العربان وتحصنوا عند الهِوّ بسفح الجبل (قرب نجع حمادي) وطالبوا أن يعطيهم الوالي المنطقة من أسيوط إلى الصعيد الأعلى فيأخذوا خراجها، وعجز العثمانيون عن ردهم. واختل النظام من توالي هجمات الأمراء على البلاد وعبث الجنود السلطانية وتجاوزهم الحدود في القتل والنهب والتخريب والفحش. وتطاولت أيدي العربان في السلب والقتل. وهاجم المماليك وأعوانُهم العساكر العثمانية بالمنيا ودخلوا البلد عنوة وأعملوا فيها السيف وأحرقوا وخربوا وقتلوا خلقا كثيرا من أهلها. (الكافي ٣٥٩ـ٣٦٥)
ويبدو أن الجزية على الأقباط كانت قد ألغيت لمدة ثلاثة سنوات في عهد الحملة الفرنسية على مصر، ولكن بعد خروج الحملة تم تحصيلها بأثر رجعي، فكان عليهم أن يدفعوا جزية ثلاث سنوات دفعة واحدة (رسالة دكتوراه «الجزية في مصر وتأثيرها على أهل الذمة ما بين 1713 و 1856»، أيمن أحمد محمود، كلية الآداب جامعة القاهرة (نوفمبر ٢٠٠٨)).
وثار عسكر العثمانيين بالقاهرة لعدم دفع رواتبهم لخلو الخزانة فانخلع الوالي محمد باشا وتولى نائبُه طاهر باشا فضيّق على أصحاب الميسرة وضرب على القبط غرامة خمسمائة كيس، ثم اعتقل جماعة من الكتاب القباط وقتل من أعاظم القبط والشوام خلقا ونهب دورا كثيرة. ثم قتله جنود الإنكشارية، وكثر فساد طوائف الأرناؤوط في الأرض فظهر نجم محمد علي سرجشمه (بكباشي في الجيش العثماني)، والتجأ إليه الأمراء والأعيان. ثم وصل الوالي الجديد علي باشا الطرابلسي وكان سيئ الخلق طاغية عنيدا جبارا معجبا بنفسه. وعاد (المملوك) الألفي بك الكبير من لندن بعد قضاء سنة (كان قد صحب القوات الإنجليزية التي أجبرت الفرنسيس على الرحيل) فطلب الوالي أن يقتله. ولدفع الأجور المتأخرة لجنود الأرناؤوط، فرض الأمراء مائتي ألف ريال على أقباط مصر منها خمسون ألفا على المعلم غالي كاتب الألفي وثلاثون على تركة المعلم بقطر كاتب البرديسي، واشتدت حركة الأرناؤوط وقتلوا ونهبوا واغتصبوا. ثم قُتل الطرابلسي باشا وتولى أحمد خورشيد باشا فضرب على أهل مصر والقاهرة خمسة آلاف كيس نقرة، منها ألف وخمسمائة على أعيان القبط. ووصل طلائع المماليك والعربان من الصعيد إلى مصر والقاهرة فحاربهم جنود محمد علي. ووصل رسول من دار السلطنة بتقليد محمد علي ولاية جدة فتمنع عن السفر. واجتمع جماعة من المشايخ والعامة ببيت القاضي يصرخون «يارب يا متجلي أهلك طائفة العثمانلي» وحرروا ورقة بطلبات الرعية. (الكافي ٣٦٥ـ٤٠٥)

***
وكالعادة، دفع القبط ثمن مجئ الفرنسيس وثمن رحيلهم، وثمن عودة الجزارين العثمانيين وثمن إفساد المماليك.
لكن حدة العداء الشعبي ضد العثمانيين، بسبب حملات القتل والنهب التي أطلقوها، زادت لدرجة أن علماء الأزهر رحبوا في (أكتوبر ١٨٠٢) بالوزير المفوض من قبل بونابرت، المسيو سباستياني، وصارحوه بتمنياتهم بعودة الحكم الفرنسي مرة أخرى (!!). وفي تقريره لحكومته، أبدى المبعوث الفرنسي دهشته مما أبداه المشايخ من شجاعة في إعلان رغبتهم تلك.
فكما يقول الجبرتي، يبدو أن مفهوما جديدا للعدالة بدأ يتسرب لعقول المصريين: «فالفرنسوية الذين لا يتدينون بدين يقولون بالحرية والتسوية (المساواة)» وكانوا أعدل من الحكام العثمانيين المسلمين. وباستثناء ظروف الحروب والثورات، يندهش الجبرتي (في عجائب الآثار) لنزاهة الفرنسيين في المعاملات اليومية ودفعهم نقدا ثمن ما يقدم لهم من خدمات أو بضائع ومنعهم احتكار السلع، ويذكر بإعجاب موقف السلطات الفرنسية وعدالتها في محاكمة سليمان الحلبي قاتل الجنرال كليبر «بخلاف ما رأيناه بعد ذلك من أفعال أوباش العسكر، الذين يدعون الإسلام ويزعمون أنهم مجاهدون، وقتلهم الأنفس وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية».
لقد شكلت المحن عوامل يقظة جماهيرية، وأخذت تسقط من الأذهان فكرة الدين الذي يجمع بين المصريين والعثمانيين، (هوامش ج٤ ص ١٢٠٣).
وبينما أصبح علماء الأزهر على استعداد لإخضاع مصر مرة أخرى للحكم الفرنسي، في سبيل خلاصها، كان «المعلم يعقوب» يطرح فكرة مختلفة: استقلال مصر كوطن للمصريين...

***
ولن تكتمل صورة الأحداث في تلك الفترة الفاصلة إلا بمراجعة قصة المعلم يعقوب المثيرة للجدل. وليس هناك أفضل من محمد شفيق غربال، عميد المؤرخين المصريين المحدثين، لكي نأخذ عنه ملخصا لدراسته الهامة والفريدة عن يعقوب:
[لا يرى التاريخ الصحيح لمصر، في مواقف العامة وزعمائها وأهل الرأي فيها، أثرا لفكرة الاستقلال الوطني ولا يسجل إلا لمصري واحد من أهل هذا العصر فضل اعتبار الاحتلال الفرنسي لا فترة نحس يُرجى زوالها وعودة ما سبقها، بل بدء حياة جديدة لمصر المصريين، مهدت لها الحملة الفرنسية بقطع التبعية العثمانية وهدم قوة المماليك. وذلك المصري هو: المعلم يعقوب حنا.
لا أحب أن أغلو فأزعم أن يعقوب فهم تماما كل الاحتمالات التي انطوى عليها هدم النظم القائمة في مصر وحُكم أمة غريبة لها أو أنه تحول في هذه الأشهر القليلة التي قضاها مخالطا للفرنسيين من جاب من جباة الأموال، نشأ ودرج في بيت من بيوت الأمراء المماليك في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، إلى داع من دعاة الحركات الوطنية التي يعرفها الغرب في القرن التاسع عشر، بل أجد يعقوب يحتفظ حتى بعد مخالطة الفرنسيين ببعض صفات الجباة وعمال الإدارة المالية من أبناء طائفته في ذلك الوقت. يذكر الجبرتي عنه تأييده الحكم الفرنسي أثناء ثورة القاهرة الثانية «بينما الرويسا الأقباط الآخرون بما فيهم أكبرهم جميعا جرجس الجوهري يدارون الثوار ويمدونهم بالمال واللوازم، صيانة لأرواحهم لا عطفا على حركتهم». أما يعقوب ـ كما سجل الجبرتي ـ فإنه «كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادا كبيرا العسكر والسلاح وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى (أي الثورة الأولى أيام بونابرت) فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه».
لكن القارئ لا يجد في (كتابات) الجبرتي ولا في غيره أن يعقوب في سنة ١٨٠١ لما انتهى الاحتلال الفرنسي هاجر وتبع الجيش الفرنسي إلى فرنسا لتحقيق مشروع خطير، هو الحصول على اعتراف الدول باستقلال مصر.
وقد عثرتُ على الأوراق الخاصة بهذا المشروع في سجلات وزارتي الخارجية الإنجليزية والفرنسية بعد أن كدتُ أطرح الأمل في العثور على تفكير مصري أو غير مصري في حل المسألة المصرية بالاعتراف باستقلال مصر. وهذه الوثائق أربعة: الأولى كتاب بالإنجليزية من القبطان إدموندس للورد الأول للبحرية الإنجليزية مؤرخ عن جزيرة منورقة في ٤ أكتوبر ١٨٠١ يتضمن أحاديثه مع يعقوب في الطريق إلى فرنسا؛ الثانية مذكرة مشروع استقلال مصر، مكتوبة بالفرنسية وملحقة بالكتاب المذكور بقلم الفارس لاسكاريس؛ والثالثة كتاب من لاسكاريس (بتوقيع نمر أفندي) للقنصل الأول لفرنسا (بونابرت، الذي تولى المنصب في نوفمبر ١٧٩٩) بتاريخ ٢٣ سبتمبر ١٨٠١؛ والرابعة بنفس التوقيع لتليران وزير الخارجية الفرنسي.
وبدأتُ بعد العثور على هذه الأوراق في تكوين رأي آخر في يعقوب وفي طبيعة علاقاته بالفرنسيين.
كانت خدمات يعقوب للحكم الفرنسي من نوعين: خدمات من نوع ما كان يقوم به للفرنسيين جرجس جوهري وملطي وأبو طاقية وغيرهم من كبار الأقباط، وأساسها السعي للنفع الشخصي من جهة، والخلاص مما كانوا فيه من امتهان لا يرفعهم من حضيضه ما ملكوه من مال وجاه ولا يفارقهم مهما زادت حاجة الحكام إليهم؛ وخدمات من نوع آخر أساسها التمهيد لمستقبل البلاد السياسي بالتعضيد المؤقت للحكم الغربي.
في تأييد يعقوب للتدخل الغربي كان يرى: أولاـ تخليص وطنه من حكم (عثماني مملوكي) هو مزيج من مساوئ الفوضى والعنف والإسراف ولا خير فيه للمحكومين ولا للحاكمين. فقد رأى يعقوب أن أي نوع من أنواع الحكم لا يمكن أن يكون أسوأ مما خضعت له مصر قبل قدوم بونابرت. وثانيا ـ أنه أتاح فرصة الاتصال بالغرب والتعلم منه، ولا يقل عن هذا شأنا ـ في نظره ـ ما أتاحه هذا الاحتلال من إنشاء قوة حربية مصرية مدربة على النظم العسكرية الغربية.
وكان وجود الفرقة القبطية إذن أول شرط أساسي ُيمكّن رجلا من أفراد الأمة المصرية، يتبعه جند من أهل الفلاحة والصناعة، من أن يكون له أثر في أحوال هذه الأمة إذا تركها الفرنسيون وعادت للعثمانيين والمماليك يتنازعونها ويعيثون فيها فسادا، علي الرغم من أنه لا ينتمي لأهل السيف من المماليك والعثمانيين. وبغير هذه القوة يبقى المصريون حيثما كانوا بالأمس: الصبر على مضض أو الإلتجاء لوساطة المشايخ أو الهياج الشعبي الذي لا يؤدي لتغيير جوهري والذي يدفعون هم ثمنه دون سواهم. وهنا الفرق الأكبر بين يعقوب وعمر مكرم: يعقوب يرمي إلى الاعتماد على القوة المدربة، بينما السيد عمر يعتمد على الهياج الشعبي الذي تسهل إثارته ولا يسهل كبح جماحه؛ إذ أن يعقوب لا يريد عودة المماليك والعثمانيين وإنما يعمل على أن تكون لفئة من المصريين يد في تقرير مصير البلاد..
ذكر الجبرتي في أحداث (مايو ١٨٠٣) في كلامه عن اشتباك العسكر الألبان بأتراك الوالي العثماني خسرو أنهم (الألبان) كانوا يقولون لأهل القاهرة: «نحن (نتحارب) مع بعضنا وأنتم رعية... تخضعون لمن ينتصر منا». أراد يعقوب أن يكون الأمر غير ذلك، وعوّل على أن تكون القوة الحربية المصرية الجديدة مدربة على النظم الغربية، فكان سباقا إلى تفهم درس انتصار الفرنسيين على المماليك، وهو ما أدركه محمد علي بعد قليل.
وقد سار يعقوب في مسلكه إزاء الحكم الفرنسي في خطة تخالف ما كان عليه أبناء جنسه من حيث الهدوء والسكينة والصبر والاحتمال وافتداء أرواحهم وأعراضهم في بعض الأحوال ببذل المال والعطايا. ولم يكن البطريرك ورجال الدين راضين عن تصرفات يعقوب، ونصحه المرات العديدة عن هذه الخطة وأن يعيش كسائر إخوانه، فلم يقبل. وقد أثبت التاريخ ميله منذ أيام شبابه لأعمال القتال والفروسية على طريقة المماليك واشترك أيام كان يدبر التزام سليمان بك الأغا في بعض حروب المماليك ضد جنود القبطان حسن باشا العثماني. ولما جاء الفرنسيون، عمل مرافقا للجنرال ديزيه في فتح الصعيد، وهنا رفض أن يقصر همه على ما عُيّن له، من تدبير المال والغذاء ونقل الرسائل، بل راقب سير الحرب وحارب مرة تحت عيني ديزيه نفسه على رأس طائفة من الفرسان الفرنسيين ضد جماعة من المماليك وأبلى بلاء حسنا، حمل قائده على تقليده سيفا؛ ولم يكن المعلمون الأقباط يُقلدون السيوف بل يُكسون الفراء أو يُمنحون بالمال.
كان يعقوب ينصت لحوارات الفرنسيين وأفكارهم. وقد ساعده الفارس الإيطالي النبيل ثيودور لاسكاريس الذي حضر مع بونابرت وتقلد بعض المناصب الإدارية وتعلم العربية (وكانت له أفكار كثيرة مثل إنشاء قناطر القاهرة وضرورة التقدم نحو منابع النيل؛ وكلاهما تم على يد محمد علي). وكان يرى أن الحكومة الفرنسية يجب أن تعمل على تحقيق استقلال مصر بأن تُقوّي الفرقة المصرية تحت قيادة يعقوب بحيث تكون العنصر المرجح في تقاتل العثمانيين والمماليك.
عند جلاء الفرنسيين كان من شروط التسليم أن يكون لأي مصري ممن خدم السلطة الفرنسية البقاء في أمان أو الرحيل مع الجيش. أما يعقوب فإنه برغم إغراءات ووعود القبطان باشا حسين فقد سافر (مع زوجته وبعض أقربائه وجماعة من المترجمين ومن المسلمين وكثير من النصارى الشوام والأروام) بهدف السعي لدى الحكومات الأوروبية لتحقيق استقلال مصر، بعد أن رأى تشتت الجند القبطي، وأن القيادة الفرنسية لم تُعدّ شيئا لمستقبل الفرقة القبطية أو لمستقبل مصر. وكان الفارس لاسكاريس في صحبته على الباخرة الإنجليزية بلاس.
أصيب يعقوب، وهو على ظهر "بلاس"، بمرض (غامض) وتوفي في ١٦ أغسطس ١٨٠١ وقد راعي القبطان مقامه فلم يلق جثته في البحر كالمعتاد بل حفظها حتى مرسيليا حيث دفن هناك.
وقد استمر صديقه الفارس لاسكاريس في المهمة وأعد مذكرات مفصلة أرسلها للحكومتين البريطانية للفرنسية حول أهمية معاونة مصر على الاستقلال. لكنها وجدت طريقها إلى الأرشيفات...].
انتهى (ملخص) كلام محمد شفيق غربال الذي لا يحتاج لمزيد من التعليق، سوى تذكير المحدَثين الذين يتهمون "المعلم يعقوب" بالخيانة، بأنه في الحقيقة أكثر وطنية من معظمهم، وبأنه لا يقل وطنية عن أمثال «عزيز باشا المصري» الذي اتُهم بالاتصال (بمساندة بعض "الضباط الأحرار") بالألمان أثناء الحرب العالمية الثانية ليعاونهم، تخلصا من الاحتلال البريطاني...

***
باختصار، فبرغم قصر فترة بقاء الحملة الفرنسية (١١٣٠ يوما بين دخول القاهرة ومغادرتها، منها بالكاد ٤٠٠ يوما في وجود بونابرت)، فإنها كانت بمثابة الصدمة على مصر، إذ حاولت إفاقتها من غيبوبتها وزرعت فيها، بين أشياء أخرى، عددا من الأفكار الغريبة التي لم تعرفها منذ الغزو العربي (عبر ١١٦٠ عاما)؛ مثل الاستقلال والحرية، أو تلك "الهدامة" مثل "المساواة أمام القانون"؛ كما فتحت أمامها الباب للتأثر بالحضارة (الغربية) بعد قرون طويلة من السجن في قبور الظلمات والتخلف.
لم يعد ممكنا لمصر بعد الحملة الفرنسية أن تبقى مثلما كانت قبلها. لكن هل هناك من يمكنه أن يبني على ما حدث، ويبدأ مرحلة جديدة تضع مصر على طريق الخروج من النفق؟
adel.guindy@gmail.com




أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه






31 :عدد الردود تعليقات القراء
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إيلاف.




GMT 19:33:32 2008 السبت 20 ديسمبر
1. العنوان: بين الحضارة والهمجية



الإسم: مصرى وبس


عندما أتى الأتراك العثمانلية أخذوا كل الحرفيين المصريين لكى يعمروا الأستانة وعندما جاء الفرنساوية أحضروا معهم علماء وكتبوا موسوعة وصف مصر.. هذا هو الفرق بين الحضارة والتحضر والإستعباد.





GMT 20:12:33 2008 السبت 20 ديسمبر
2. العنوان: الغواية الاستعمارية1



الإسم: مرتاد ايلاف


غواية بونابرت للأقليات كتاب المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة (الفتنة الطائفية.. متى، وكيف، ولماذا) الحلقة الثالثة: غواية بونابرت للأقليات..وإذا نحن نظرنا - تحديدًا - إلى عامل الغواية الاستعمارية لشرائح من أبناء الأقليات الدينية - في الشرق الإسلامي - بعصرنا الحديث، وإذا نحن نظرنا - تحديدًا - إلى عامل الغواية الاستعمارية لشرائح من أبناء الأقليات الدينية - في الشرق الإسلامي - بعصرنا الحديث، فإننا نستطيع أن نشير إلى محطات في التوترات التي صنعتها هذه الغواية - بعد قرون من مثيلاتها التي صنعتها الغزوة الصليبية (489-690هـ=1096-1291م) في تاريخنا الوسيط[1]. ـ فبونابرت (1769-1821م) الذي قاد الحملة الفرنسية على مصر (1213هـ=1798م) والشام، والذي حلم بإعادة إمبراطورية الإسكندر الأكبر (356-323ق. م) الشرقية، وتحقيق حلم الملك الصليبي القديس لويس التاسع (1214-1270م)، قد أعلن - وهو في طريقه من مرسيليا إلى الإسكندرية - أنه سيجند 20.000 من أبناء الأقليات المسيحية في مصر والشرق؛ ليتخذ منهم مواطئ أقدام لغزوته وإمبراطوريته الاستعمارية الفرنسية. ولقد أثمرت غوايته الاستعمارية هذه ثمرات مُرَّة، عندما سقط في مستنقعها قطاع من الأرثوذكس المصريين - الأقباط[2] - الذين كانوا فيلقًا قبطيًّا ضم ألفين من شباب الأقباط - تزيا بزي الجيش الغازي، وحارب معه ضد الشعب المصري، تحت قيادة المعلم يعقوب حنا (1745-1801م) - الذي أصبح جنرالاً في الجيش الفرنسي الغازي - والذي يسميه الجبرتي (1167-1237هـ=1754-1822م) - وهو مؤرخ العصر -: ;يعقوب اللعين ولقاء هذه الخيانة - التي تركت جراحات عميقة في الصف الإسلامي، وفي الوحدة الوطنية، والتي بدأت مسيرة السقوط في غواية التبعية للاستعمار الغربي، والمراهنة على دعمه لتغيير هوية الأمة وانتمائها الحضاري - أعطى بونابرت وخلفاؤه للأقلية النصرانية - من القبط والشوام - بمصر - الوزن الأكبر في إدارة شئون البلاد تحت الاحتلال الفرنسي، كما عهد الجنرال كليبر (1753-1800م) - الذي خلف بونابرت في قيادة الحملة وحكم مصر - إلى المعلم يعقوب حنا أن يفعل بالمسلمين ما يشاء! فتطاولت النصارى من القبط ونصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب، ونالوا منهم أغراضهم، وأظهروا حقدهم، ولم يُبقوا للصلح مكانًا، كما صرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحدين





GMT 21:06:01 2008 السبت 20 ديسمبر
3. العنوان: سرقوا آثار مصر



الإسم: حدوقه


وعندما غادروا سرقوا آثار مصر ووضعوها في اللوفر ؟!!





GMT 22:17:58 2008 السبت 20 ديسمبر
4. العنوان: مرتاد



الإسم: سامي


لم تجد غير عمارة لتنقل عنه هذه الأحقاد؟





GMT 22:50:31 2008 السبت 20 ديسمبر
5. العنوان: لماذا ولماذا ؟؟!!



الإسم: نباش القبور


لماذايلاتعتبر الحملة الفرنسية غزوا والمسيحية دخيلة ؟!!! كتب مينو لنابليون إني وجدت رجلا ذا دراية ومعرفة واسعة اسمه المعلم يعقوب وهو الذي يؤدى لنا خدمات باهرة منها تعزيز قوة الجيش الفرنسي بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا كان المعلم يعقوب يعمل لدى المماليك في الجباية كمعظم المسيحيين حيث برعوا في التعلم والإدارة وجمع الأموال قبل الحملة الفرنسية، المؤكد انه من المرضي عنهم فهو يعمل لدى سليمان بك من رجال مراد بك وليس مذكورا في التاريخ انه اعترض أو قاوم سلطة المماليك بل انه كون ثروة من عمله بالجباية كما كان معتادا ساعتها،رغم أن مراد بك هذا قال عنه الجبرتي;كان يغلب على طبعه الخوف والجبن مع التهور والطيش والتورط في الإقدام مع عدم الشجاعة وكان من أعظم الأسباب في خراب الأقاليم المصرية إلا إننا لم نقرا عن رفض أو مقاومة من جانب المعلم يعقوب لحكم المماليك. رغم مقولة نابليون الإسلام كالمسيحية تفسدهما السياسة ويلعب القائمون عليهما بالنار إذا تخطوا حدود أماكن العبادة إلا انه استخدم ما حذر منه، فلقد حاول التمسح بالإسلام كما نعلم وحاول تذويب الكنيسة الأرثوذكسية في الكاثوليك إلا أن الكنيسة المصرية أصرت على استقلالها. اختار جرجس الجوهري خمسا من الأقباط واختار المسلمون خمسا ليساعدوا الفرنسيين في حكم البلاد منهم يعقوب الذي استمر في أداء هذا الدور وأضاف إليه تشكيل جيشا من القبط لمساعدة الاحتلال واشتكاه الأقباط للبابا الذي كان على خلاف معه يدعى المؤرخون المسيحيون انه بسب زيه وحركاته وسلوكه المخالف لما اعتادوا عليه وكذا لزواجه الثاني بعد وفاة زوجته من مسيحية سورية من ملة أخرى لم تعترف الكنيسة بهذا الزواج ولدخوله الكنيسة بالحصان والسيف أضيف وقد يكون هذا الخلاف بسبب موقفه المؤيد بشدة للاحتلال الفرنسي المؤكد انه بني قلعة بالقاهرة واستولى على بيوت كثيرة مهدمة ليبنيها، قال البعض انه استخدمها لحماية من أيده من بطش العامة. المؤكد انه ساعد ديزيه في مطاردة مراد بكالذي كان يعمل عنده وكان الناس يعانون من مراد لجمعه الضرائب ثم يمر جيش ديزيه ويعقوب ليجمعوها مرة ثانية حتى تم اتفاق الفرنسيين مع مراد على أن يكون رجلهم في الصعيد وقام بها مراد على خير وجه إذ منع المؤن عن القاهرة أثناء الثورة الثانية . كانت نساء أهل الكتاب يلبسن الحجاب قبل الحملة وأثناء الحملة خلعوه ويقال إنهن تبرجن تقليدا للفرنسيس إلا أن نابليون خاف من غضبة المسلمين فأمر بعودة الأمور إلى ما كانت عليه رفض يعقوب البقاء رغم أن العثمانيون أعطوا للكل الأمان ورحل على سفينة بريطانية مع الفرنجة وقيل انه كان يحمل مشروع استقلال عن الترك والمماليك بحماية أوربية 12000 جندي لتقوية مصر .





GMT 9:06:16 2008 الأحد 21 ديسمبر
6. العنوان: الا صحيح ياولاد ؟!!



الإسم: حدوقه


الا صحيح يا ولاد ؟! لماذالاتعتبر الحملة الفرنسية غزوا والمسيحية دخيلة على مصر و المصريين ؟!!!





GMT 9:13:54 2008 الأحد 21 ديسمبر
7. العنوان: الغواية الاستعمارية2



الإسم: مرتاد ايلاف


ولقد أثمرت غوايته الاستعمارية هذه ثمرات مُرَّة، عندما سقط في مستنقعها قطاع من الأرثوذكس المصريين - الأقباط[2] - الذين كانوا فيلقًا قبطيًّا; ضم ألفين من شباب الأقباط - تزيا بزي الجيش الغازي، وحارب معه ضد الشعب المصري، تحت قيادة المعلم يعقوب حنا (1745-1801م) - الذي أصبح جنرالاً في الجيش الفرنسي الغازي - والذي يسميه الجبرتي (1167-1237هـ=1754-1822م) - وهو مؤرخ العصر -: يعقوب ولقاء هذه الخيانة - التي تركت جراحات عميقة في الصف الإسلامي، وفي الوحدة الوطنية، والتي بدأت مسيرة السقوط في غواية التبعية للاستعمار الغربي، والمراهنة على دعمه لتغيير هوية الأمة وانتمائها الحضاري - أعطى بونابرت وخلفاؤه للأقلية النصرانية - من القبط - بمصر - الوزن الأكبر في إدارة شئون البلاد تحت الاحتلال الفرنسي، كما عهد الجنرال كليبر (1753-1800م) - الذي خلف بونابرت في قيادة الحملة وحكم مصر - إلى المعلم يعقوب حنا أن يفعل بالمسلمين ما يشاء! فتطاولت النصارى من القبط ونصارى على المسلمين بالسب والضرب، ونالوا منهم أغراضهم، وأظهروا حقدهم، ولم يُبقوا للصلح مكانًا، كما صرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحدين وبعد مشاركة ;الفيلق القبطي للفرنسيين الغزاة في إبادة 7/1 الشعب المصري - (300.000 من شعب كان تعداده أقل من 3.000.000) - احتفلوا بانتصارات بونابرت على أهل غزة (1213هـ 1799م)، وكما يقول الجبرتي: فأظهر النصارى الفرح والسرور في الأسواق والدور، وأولموا في بيوتهم الولايم، وغيروا الملابس والعمايم، وتجمعوا للهو وزادوا في الشناعة;[3].





GMT 10:29:43 2008 الأحد 21 ديسمبر
8. العنوان: الاتراك في مصر



الإسم: قاريء


حاز كتاب ;الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي; جائزة الملك عبدالله للترجمة، التي تمنحها مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض، ضمن أنشطة وفقرات مهرجان الجنادرية. وتأتي الجائزة ضمن مرتبة ;الترجمة في العلوم الإنسانية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية; ومنحت للدكتور صالح سعداوي صالح (مصري الجنسية) الباحث في مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باسطنبول، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عن ترجمته لكتاب ;الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي لمؤلفه أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، والكتاب صدر باللغة التركية. ويعد من أهم المصادر التي تناولت موضوع الأتراك العثمانيين في مصر والحضور الثقافي لهم منذ بدايته ومراحل تطوره. وتبرز أهمية الترجمة من منظور تأريخي وثقافي.





GMT 11:43:36 2008 الأحد 21 ديسمبر
9. العنوان: فليكن



الإسم: عادل


فليكن ان الحملة الفرنسية احتلال لكنه رحل بعد ثلاث سنين ولم يكبس علي صدور المصريين اتناشر قرن وأجبر اهل مصر علي تغيير هويتهم ودينهم ولغتهم





GMT 12:32:08 2008 الأحد 21 ديسمبر
10. العنوان: فليكن



الإسم: عادل


فليكن ان الحملة الفرنسية احتلال لكنه رحل بعد ثلاث سنين ولم يكبس علي انفاس المصريين اتناشر قرن من القهر والاذلال وسفك الدماء والنهب والسلب واجبروهم علي تغيير الهوية واللغة والدين. انشري يا ايلاف. فيه ايه غلط الكلام ده؟ اشمعني كلام حدوقة والنباشين بيعدي؟





GMT 12:44:36 2008 الأحد 21 ديسمبر
11. العنوان: الغواية الاستعمارية3



الإسم: مرتاد ايلاف


وفي حماية المستعمر الفرنسي، وفي ظلال سيوفه، أظهروا الكيد للأغلبية المسلمة، وبعبارة الجبرتي: ;فترفع أسافل النصارى من القبط والأروام واليهود، فركبوا الخيول، وتقلدوا السيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس، ومشوا بالخيل، وتلفظوا بفاحش القول، واستذلوا المسلمين مع عدم اعتبارهم للدين، إلى غير ذلك مما لا يحيط به الحساب، ولا يسطر في الكتاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم;[4]. ولم تنته هذه الغواية - وهذا السقوط - بهزيمة الحملة الفرنسية على مصر، وجلاء جيشها (1216هـ-1801م)، ورحيل المعلم يعقوب حنا وزمرته مع جيش الاحتلال، وإنما خلف يعقوب - عقب هلاكه - من سَمَّوْا أنفسهم الوفد المصري; - أي اللا عربي واللا إسلامي - الذي ذهب إلى فرنسا - بقيادة نمر أفندي - عارضًا العمالة على الإمبراطورية الفرنسية، حتى بعد هزيمتها! ومعلنًا عن استعداده لتطبيق القانون الفرنسي بمصر، بدلاً من القانون الوطني والفقه الإسلامي! بل وعارضًا تسخير الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لتحقيق حلم فرنسا الكاثوليكية اختراق إفريقيا دينيًّا. وفي هذا الصدد، عرض هذا الوفد المصري الولاء لبونابرت، وقالوا له: ;إن الوفد المصري - الذي فوضه المصريون الباقون على ولائهم لك - سيشرع لمصر ما ترضاه لها من نظم عندما يعود إليها من فرنسا، وإن الجمهورية الفرنسية اليوم - إذا أرادت - يمكنها عن طريق الأمة المصرية - التي ستكون موالية لها - مدَّ نفوذها نحو أواسط أفريقيا، وبذلك تحقق ما عجزت عن تحقيقه الملكية;[5]! ـ وفي الوقت الذي كان هذا الوفد المصري يراهن على فرنسا المهزومة، كان المعلم يعقوب - قبيل هلاكه - قد كتب وصيته إلى إنجلترا الاستعمارية، لتحل محل فرنسا في ضم مصر إلى السيطرة الغربية؛ لتغيير هوية مصر، وانتمائها، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، فطلب - في هذه الوصية - التي بعث بها إلى وزير الحرب الإنجليزي - أن ترث إنجلترا مصر من الدولة العثمانية، وقال: ;توشك الإمبراطورية العثمانية على الانهيار؛ ولذا فَيَهِمُّ الإنجليز - قبل أن تقع الواقعة - أن يلتمسوا لأنفسهم من الوسائل المؤكدة ما يكفل لهم الإفادة من ذلك الحدث عند وقوعه، فيحققوا مصالحهم السياسية. وإذا كان من المستحيل عليهم أن يستعمروا مصر - كما استحال ذلك من قبل على فرنسا - فيكفي أن تخضع مصر المستقلة لنفوذ بريطانية، صاحبة التفوق في البحار المحيطة بها، إن بريطانيا لها من سيادتها البحرية ما يجعلها تستأثر بتجارة مصر الخارجية، ويضمن لها بالتالي أن يكون لها ما تريد من نفوذ فيها، إن مصر المستقلة لن تكون إلاَّ موالية لبريطانيا، ومن ثَمَّ فعلى بريطانيا أن تعمل على استقلال مصر، وهذا الاستقلال لن يكون نتيجة وعي الأمة، ولكنه سيكون نتيجة تغيير جبري تفرضه القوة القاهرة على قوم مسالمين جهلاء! وللدفاع عن هذا الاستقلال فإن المصريين يمكنهم أن يعتمدوا على قوة أجنبية تعمل لحسابهم، يتراوح عددها بين 12.000 و15.000 جندي، يكفون تمامًا لصد الترك عن الصحراء، والسنجق المماليك داخل مصر;[6]!





GMT 12:59:28 2008 الأحد 21 ديسمبر
12. العنوان: الاحتلال الغريغي



الإسم: الايلافي


من الثابت تاريخيا ان مصر اجبرت على المسيحية من جهة الغريغيين ـ اليونانيين عند احتلالهم لمصر ؟! قبل هذا الاحتلال كان المصريون لهم معتقداتهم الخاصة والمصريون الخلص رحبوا بالفتح العربي ليخلصهم من الاستعمار اليوناني





GMT 12:59:43 2008 الأحد 21 ديسمبر
13. العنوان: دعاء



الإسم: saeed


الفتنة نائمة، لعن الله من ايقظها





GMT 13:13:19 2008 الأحد 21 ديسمبر
14. العنوان: من الذاكره الهندسيه.



الإسم: م.طـــــــارق الوزير


قبل الحملة الفرنسية كانت هناك قلاقل وفترة صعبة علي المستوي السياسي في مصر‏,‏ ومع ذلك فأنت تستطيع ـ بكل اطمئنان ـ أن تقول إن الوضع الاقتصادي لم يكن بذلك الاضطراب السياسي‏,‏ والعمارة هي شاهدنا‏,‏ بل هي التي تؤرخ بصدق لأية فترة تاريخية‏,‏ وقد تم تشييد (بيت الســــحيمي )قبل الحملة بعشرين سنة‏,‏ وهو من أروع المباني التي استخدم الحجر والخشب في بنائها‏,‏ وكان مملوكا لما يمكن تسميته شهبندر تجار‏,‏ وليس بيتا لأمير أو حاكم‏.‏مثل هذا البناء البديع هو إشارة لثقافة المجتمع‏,‏ وحالته الاقتصادية‏,‏ وهو يقف إلي جوار المباني التي يختلط فيها النشاط الانساني بالنشاط السكني وقد ارتبط بها صاحب السحيمي ...و(بيت السحيمى )تفتخر وزاره الثقافه به الان وهو شاهد عيان على عصر المماليك الذى منهم قطز وبيبرس من دافعوا عن مصر ......وجرائم الحمله الفرنسيه لاتُنكر من مقاومه ....وحرق القرى والنجوع ....حتى انه سجلها الابنودى فى (نجع البارود )بصعيد مصر ! ومن همجيه الغزو اخذوا جثه الشهيد البطل سليمان الحلبى قاتل كليبر بعد اعدامه على الخاذوق وحرق حثث بعض الشيوخ من كانوا يعلمون ...والان الهيكل العظمى للشهيد معروض باحد متاحف فرنسا ! ....اما العميل الخائن يعقوب عندما مات على الباخره احتفظوا بجثته فى ( برميل خمر )حتى يدفن مجهولا بفرنسا !





GMT 15:12:21 2008 الأحد 21 ديسمبر
15. العنوان: ممنوع المصري



الإسم: سامي


الوفد المصري - أي اللا عربي واللا إسلامي و تطبيق القانون الفرنسي (يعني المدني) بمصر، بدلاً من القانون الإسلامي يعني ممنوع الخروج عن طاعة الاستعمار العربي الاسلامي الي الابد؟؟؟





GMT 15:27:29 2008 الأحد 21 ديسمبر
16. العنوان: الغواية الاستعمارية



الإسم: مرتاد ايلاف


فالوصية اليعقوبية، هي باستقلال مصر عن ذاتها الحضارية، وماضيها وحاضرها الإسلامي، ومحيطها القومي والحضاري - أي الانسلاخ عن العروبة والإسلام - وإخضاعها لنفوذ إنجلترا؛ لتكون موالية لبريطانيا، التي تستأثر بتجارتها الخارجية، هذا الاستقلال الذي تفرضه القوات الأجنبية على المصريين المسالمين الجهلاء كما قال المعلم يعقوب اللعين. هذا عن جبهة الأقلية الأرثوذكسية بمصر، في أولى محطات السقوط في غواية الاستعمار الغربي في عصرنا الحديث. وعلى جبهة الأقليات اليهودية رمى بونابرت حبال هذه الغواية الاستعمارية أيضًا؛ وذلك عندما أذاع - وهو على أسوار عكا (1213-1799م) - نداءه إلى يهود العالم، طالبًا منهم التأييد والدعم لطموحاته الاستعمارية في الشرق الإسلامي، لقاء إعادة زرعهم في فلسطين، فقال في هذا النداء: أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، انهضوا بقوة، أيها المشردون في التيه، لا بد من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت العبودية، وذلك الخزي الذي شل إرادتكم لألفي سنة. إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به قد اختار القدس مقرًّا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة، التي استهانت طويلاً بمدينة داود وأذلتها. يا ورثة فلسطين الشرعيين، إن الأمة الفرنسية تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كلا الدخلاء ;[7]! تلك كانت المحطة الأولى من محطات الغواية الاستعمارية للأقليات الدينية الشرقية في عصرنا الحديث. صحيفة المصريون 20 / 10 / 2008م [1] انظر كتابنا (الدراما التاريخية وتحديات الواقع المعاصر) طبعة القاهرة - مكتبة الشروق الدولية سنة 2005م. [2] القبطي هو المصري، فالمسلمون المصريون هم: أقباط مسلمون. والمسيحيون - النصارى - المصريون هم: أقباط مسيحيون، لكننا - مجاراة للخطأ الشائع - سنستخدم مصطلح الأقباط للتعبير عن النصارى. [3] الجبرتي : (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) 5/134، 136 - طبعة القاهرة سنة 1965م. [4] الجبرتي: (مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس) ص117 - طبعة القاهرة سنة 1969م. [5] المصدر السابق ص112. [6] د. أحمد حسين الصاوي: (المعلم يعقوب بين الحقيقة والأسطورة) ص129، 132 - طبعة القاهرة سنة 1986م. [7] المصدر السابق. ص123 - 125 - ملحق رقم 6.





GMT 22:21:11 2008 الأحد 21 ديسمبر
17. العنوان: تحاولون عبثا ؟!!



الإسم: نباش القبور


استغرب ممن يدعي العلمانية واللبرالية وممن يدعي ان الرب محبه وسلام وتسامح ؟!! التوجه نحو التأجيج الطائفي وشحن النفوس بالكراهية ونبش الماضي وبعث تصرفات لم نعاصرها وغير مسؤلين عنها وندينها ونرفضها الاضطهاد لم يكن انتقائيا الكل عانى منه المسلم والمسيحي ولعل معاناة المسلمين اعظم وقد ادانه المؤرخون المسلمين هذا النبش التاريخي لا يقدم ولا يؤخر الاسلام والمسلمون في مصر امر واقع مثل المسيحية والمسيحيون في امريكا اوضاع المسيحيين المصريين حاليا افضل من احوال الاغلبية المسلمة في مصر تحاولون عبثا لن تعود عجلة الزمن الى الوراء ومشروع نظير جيد المستنسخ من تجربة طرد المسلمين من الاندلس على يد المحاكم التفيش المسيحية في الاندلس وطرد الفلسطينين على يدعصابات الارغون والهاجاناه الصهيونية غير قابل للاستنساخ.





GMT 23:26:49 2008 الأحد 21 ديسمبر
18. العنوان: لحسن الحظ



الإسم: الايلافي


ياسلام لولا ان البلد ممسوكة بقانون الطواري والمليون ضابط وجندي امن مركزي كان ... دا من حسن حظكم يا غريغ مصر ؟!!





GMT 12:19:16 2008 الإثنين 22 ديسمبر
19. العنوان: الي إيلاف



الإسم: ميريم


أرجو من إيلاف إيقاف هذا التهريج في التعليقات علي هذه السلسله من هذا الشخص الواحد الذي يكتب بأسماء مختلفه وأحب أن أطمئن هذا الشخص سواء كان أسمه نباش القبور أو إيلافي أو حدقه أن أثر هذه السلسله أبعد من ما يتصور وكل هذه الترهات التي يكتبها بعيدا عن الموضوع لا تقرأ كلها لأنها مليئة بالمغالطات التي يستطيع أن يكتشفها طفل وكذلك التكرار فهي بعينها التي يكتبها كل مره وشكرا مره ثانيه وثالثه ورابعه للأستاذ عادل علي هذه السلسله الرائعه التي أنارت أذهان كثيرين وأدت الي ردود عصابيه كالتي نراها هنا في التعليقات ولكن هكذا الحقيقه دائما ...صادمه... أتمني أن تنتقل هذه المقالات من السرد الي التحليل .... تحليل ما حدث في السابق وانعكاساته علي الحاضر ... تحليل للشخصيه القبطيه والسلوك وعلاقة الكنيسه بالأقباط والمجتمع....الخ أعتقد أن هذا الجزء سيغني دراستك جدا.





GMT 22:33:08 2008 الإثنين 22 ديسمبر
20. العنوان: وقانا الله شر انيابك



الإسم: الايلافي


لا داعي لتحريض ايلاف العزيزة علينا يا اخت مريم فهي فضاء ليبرالي لمناقشة الكتاب والمفكرين ، ليتك تلتزمين بوصايا مخلصك وتلتزمي بالمحبة والسماحة والوداعه فقد كشرتي عن انياب ومخالب لا تليق بإنثى





GMT 12:41:59 2008 الثلائاء 23 ديسمبر
21. العنوان: الي السيد إيلافي



الإسم: ميريم


سيد إيلافي ليتك تحترم هذا ;الفضاء الليبرالي بالبعد عن الأكاذيب وإعاده نشر نفس المداخلات المليئه بالمغالطات كل مره.... وما علاقه وصايا مخلصي برغبتي في أحترام المساحه المخصصه للتعقيب وعدم الأستيلاء عليها من شخص واحد كتب تقريبا 15 تعليق وغرضه تخريب المناقشه وتشتيت القارئ بعيدا عن الموضوع وأين هذه الأنياب والمخالب التي رأيتها في تعليقي ؟؟؟ لماذا لا تتبع أنت وصايا رسولك وتجادلهم بالتي هي أحسن؟؟





GMT 21:25:53 2008 الثلائاء 23 ديسمبر
22. العنوان: وبعدين يا مريم ؟؟



الإسم: الايلافي


وكيف تعرفين انها اكاذيب مركبة جهاز كشف الكذب حضرتك ؟!! لا يليق بانثى مثلك ـ ان كنتي كذلك ـ ان تصف الاخرين بالكذب ردي ان كانت لديك حجة اما شتم الاخرين فهذا لا يقبله منك مخلصك بالتاكيد اليس كذلك





GMT 9:33:02 2008 الأربعاء 24 ديسمبر
23. العنوان: الي إيلافي أخر مره



الإسم: ميريم


أنا فعلا متعجبة من مداخلاتك أنت ترد الهجوم دائما بالهجوم المضاد وليس بالتفنيد (أي الحجة بالحجة)وهذا يتجلي في كل مداخلاتك علي مقالات الكتاب الأقباط بالأخص .. لأني لا أري مداخلات لك في أي من المواضيع المنشورة الأخرى - هل أنت مداخل تخصص أقباط أم ماذا؟. عموما مواجهة الهجوم بهجوم مضاد مقبول أذا كان الرد أيضا يحمل تفنيد لكن الهجوم كوسيلة دفاع وحيده يضعف من محاجاجاتك ويقلل من مستوي المناقشة لتصبح مجرد تلاسن أو تراشق - وهذا يضعف من الفضاء الليبرالي الذي يعجبك - أنا لا أتهمك بأي اتهامات هنا ولكنها مجرد ملاحظه - بمحبه كما قال مخلصي - لأني أقرأ مداخلات كثيرة لك ويبدو أنك متابع جيد للموضوعات - أبتعد عن العصبية - أو التعصب - وحاول مناقشة الموضوعات بهدوء فهذه السلسلة أن اختلفنا أو اتفقنا علي ما ورد فيها- وطبعا التاريخ حمال أوجه- تحمل الكثير من الحقائق وهذه الأحداث ليست بعيده تماما وانعكاساتها مازلت موجودة في اللاوعي الجماعي سواء للأقباط أو المسلمين .... الحقيقة لا تؤذي أحد يا سيدي مهما كانت قاسيه ومعيبة ونتمنى إغفالها فكما قال مخلصي -- الحق يحرر -- شكرا وأسفه أن كان هناك شئ مما كتبه قد أساء أليك.





GMT 20:30:04 2008 الأربعاء 24 ديسمبر
24. العنوان: إلي عادل جندي ومريم



الإسم: المشاغب !!


جميل ان تنحازي لهذ السرد التاريخي المملؤء بالاباطيل التي لايؤيدها اي دليل تاريخي من مصادر اخري محايدة وموثوق فيها وتفترضي انها صادقة وهي بالتأكيد ليست كذلك ، ولكن الاجمل أن تسألي نفسك وكاتب المقال لماذا لم يسرد لنا اي شيء عن الحقبة التي كانت مصر فيها وثنية وكيف عامل المسيحيون الوافدون علي مصر اهل البلاد الاصليين من الوثنيين ؟؟ولماذا لايروي لنا في حلقات قادمة مامارسه هؤلاء النصاري من اعمال الابادة والقتل والاستيلاءعلي الممتلكات الخاصة بهؤلاء الوثنيين رغم انهم يرفعون شعار (الله محبة )إلي جانب مصادرة معابد هؤلاء الوثنيين وتحويلها إلي كنائس بالقوة والغصب ؟؟ ويقول لنا الكيفية التي قام بها البابا (كيرلس عمود الدين) بابا الاسكندرية ومعه شعب الكنيسة بسحل وقتل عالمة الرياضيات ومديرة مكتبة الاسكندرية (هيباتيا )لانها كانت وثنية وجسدوا بذلك شعار الله محبة تجسيدا عمليا علي ارض الواقع ،ولمزيد من التفاصيل يمكنكما قراءة رواية مدير ادارة المخطوطات في مكتبة الاسكندرية والباحث في التاريخ الدكتور يوسف زيدان المسماة (عزازيل )معتمدا فيها علي مخطوطات تاريخية موثقة وسؤالي لك يامريم لماذا لم نري مقالا لـ عادل جندي يغطي هذه الحقبة التاريخية المهمة من تاريخ مصر ولماذا اهمل ذكر الحقائق التي اوردها يوسف زيدان عن قتل الوثنيين المصريين اهل مصر الاصليين علي يد المسيحين وتحويل معابدهم إلي كنائس ترفع شعار( الله محبة )ولماذا اهمل الاشارة إلي تلك الحقائق التاريخية الموثقة بالمخطوطات اذا كان بالفعل حريص علي ذكر الحقائق المتعلقة بتاريخ مصر كما يزعم ؟؟!!





GMT 21:03:07 2008 الأربعاء 24 ديسمبر
25. العنوان: إلي عادل جندي ومريم



الإسم: المشاغب !!


ووفقا لصحيفة اليوم السابع المصرية أضاف الدكتور يوسف زيدان مؤلف رواية (عزازيل )التي كشفت خبايا الحقبة الدموية التي اباد فيها المسيحيين المصريون اهل مصر الاصليين من الوثنيين (الكنيسة القبطية المصرية تصورت لزمن طويل أن الخمسة قرون السابقة على دخول الإسلام (فى عام 640 ميلادية)، هى تاريخ خاص للكنيسة القبطية، وأنا لا أقدر أن أقبل هذا ولا أرى له معنى ولا منطق وفى روايته التى أصبحت ضمن الكتب المرشحة للفوز بجائزة بوكر فى الرواية العربية، وأعيد طباعتها خمس مرات الآن فى أقل من عام بعد ظهورها يراقب الراهب هيبا، حشدا مسيحيا يقتل الباحثة السكندرية الوثنية هيباتيا فى الإسكندرية فى عام 415 بعد الميلاد. ويتحدث المؤلف عن الخلاف بين القديس كيرلس وهو من الإسكندرية وباحث اللاهوت السورى المولد نسطور، بشأن ما إذا كانت مريم العذراء ولدت الله أم المسيح.وكان نسطور يري ويؤمن ببشرية المسيح وانه عبد اله ورسوله وليس الها ولا ابن إله .





GMT 9:07:03 2008 الخميس 25 ديسمبر
26. العنوان: الي مشاغب 2



الإسم: ميريم


في اعتقادي - وأرجو تصويبي أذا كنت خاطئه - ان ردود الفعل العصابيه هذه التي أراها ليس هنا في إيلاف فقط بل حيثما ذكرت هذه الاحداث التاريخيه -لان هناك كثير من المسلمين يملكون الضمير والنزاهه الاخلاقيه للاعتراف بها أنظر مقالة الشاعر عبد المعطي حجازي في اليوم السابع منذ بضعة أسابيع وما أثارته من ردود - بسبب علم يقيني أنها لم تكن وليدة تصرفات فرديه بالقدر من أنها وصايا دينيه نفذها من فعلوها بضمير صافي خالص متبعين فيها خطي من سبقوهم ومعلميهم لذلك عندما تذكر الان بكل قسوتها ودمويتها يكون رد الفعل المبدئ الدفاعي: هذه أكاذيب بالرغم من أن: - في كثير من الأحيان المصدر أو الreference لها يكون كتاب ومؤرخين مسلمين مثل الجابرتي وغيره - الخلفاء المسلمين كان لهم مؤرخين لتدوين سيرتهم وفتوحاتهم ففتح عاموريه وما قام به الخليفه المأمون من فظائع مسجل ومدون كله ليس بواسطة عادل جندي بكل تأكيد لكن بواسطة كاتب سيرته لا أذكر أسمه- حرق مكتبة الأسكندريه ومكاتبات عمرو بن العاص للخليفه عمر بشأنها معروفه ومدونه مع هذا يخرج علينا من يقول - بتبجح - أنها ليست حقيقيه أو أكاذيب أو مبالغات. ما الدافع الذي يدفع ساويرس بن المقفع للكذب منذ عشرة قرون ويدفع عادل جندي لاستكمال مسيرة الكذب في رأيك؟ هل تريد معرفة قائمة الكذابين : مسز بوتشر (أنجليزيه) - أيريس حبيب المصري - جاك تاجر - منسي يوحنا - الجابرتي (مسلم) والقائمه تطول - هم جميعا كاذبون وأنت صادق !





GMT 11:20:09 2008 الخميس 25 ديسمبر
27. العنوان: الي مشاغب 1



الإسم: ميريم


هذا هو الجزء الأول من تعليقي - ما الذي يجعل كلام عادل جندي بالرغم من كل الاستشهادات أكاذيب ورواية - أكرر - رواية يوسف زيدان هي الحقائق ؟ نعم نعرف أن هيباتيا تم قتلها في الأسكندريه - وهي حادثه واحده وحيده لم تتكرر بمثل هذا العنف - ونعرف أيضا أحداث جزيرة فيله لكنك أكيد تعرف بما أنك قارئ الي هذا الحد أنها تمت بمعرفة السلطات الرومانية التي كانت كثيرا ما تتدخل لتأجيج الصراع الطائفي واللاهوتي فالدين لعبه سياسيه قديمه جدا يا عزيزي وقد أستخدمه الرومان قبل وبعد ان أصبحت المسيحية ديانة رسميه. قد تسألني أذا كلنا في الهوا سوا فما الفرق ؟ الفرق في رؤية كل طرف للأحداث الان نحن نعترف بها ونقول أنها أخطاء.. البابا جون بول جاب العالم كله يعترف ويعتذر عن أخطاء وخطايا الكنيسة الكاثوليكية - بينما أنتم تنكرون كل ما ذكره مؤرخيكم - لن أذكر هنا المستشرقين ومؤرخي الشعوب الأخرى فالاتهام بالكذب موجود وحاضر فورا- ولكن حتي مؤرخيكم!!





GMT 13:25:32 2008 الخميس 25 ديسمبر
28. العنوان: الى ميرام



الإسم: الايلافي


مسز بوتشر (أنجليزيه) - أيريس حبيب المصري - جاك تاجر - منسي يوحنا مؤرخون قالوا ان مصر كانت وثنية وان اليونانيين والرومان هم الذين فرضوا عليها المسيحية وكان عامل ـ حاكم ـ مصر من جهة الامبراطورية الرومانية يجبي الجزية من المصريين كل عام عشرون مليونا يحتفظ بمليون لجيبه الخاص ـ عمولة اتعاب ـ ويرسل الباقي الى روما لقد كانت مصر على وشك الهلاك والمصريون على وشك الانقراض سقط منهم ثمانمائة الف مصري على يد اخوانهم في العقيدة وفر اباؤهم الى الصحراء والكهوف حتى جاء الفتح العربي معجزة الرب لاهل مصر لعن الله التعصب الاعمى والاخرق والاحمق رجاءا التزموا بوصايا مخلصكم يا احباب المسيح عبدالله ورسوله ؟؟





GMT 20:13:41 2008 الخميس 25 ديسمبر
29. العنوان: إلي مريم وعادل جندي



الإسم: المشاغب !!


لم اكن اتصور أن تستشهدي بهذا الكم من المعلومات المغلوطة ، فبابا روما الذي تقولين انه اعتذر عن اخطاء الحروب الصليبية اعتذر لليهود فقط ولم يعتذر للمسلمين رغم انهم هم الذين دفعوا فاتورة الحقد المسيحي المغلف بشعار الصليب و(الله محبة) من دماء مئات الالاف من النساء والاطفال في القدس الذين سالت دماؤهم انهار ولم يرحم اتباع المسيح عليه السلام الحوامل والهاربين إلي دور العبادة للاحتماء بهامن الذبح ،اما الدكتور (جاك تاجر) المؤرخ المسيحي المصري الذي استشهدت به للتدليل علي الاضطهاد الذي لحق بالمسيحيين ،فإنه في رسالته للدكتوراة بعنوان (اقباط ومسلمون من الفتح الاسلامي إلي عام 1922م) يقول ما يدينك فهو يقول عن هذا الفتح الاسلامي لمصر نصا (إن الاقباط استقبلوا العرب كمحررين بعد أن ضمن لهم العرب الفاتحين عند دخولهم مصر الحرية الدينية وخففوا عنهم الضرائب ) ويواصل المؤرح المسيحي المصري ويقول نصا (اما الذين يزعمون أن المسلمين اجبروا المسيحيين علي الدخول في الاسلام سواء بالجزية او القهر نقول لهم : إن الاقباط قبل الاسلام تمسكوا بعقيدتهم حتي وهم يذبحون ويحرقون ويرمي بهم إلي السباع والاسود فهل يتصور من هؤلاء أن يبيعوا عقيدتهم من اجل دراهم معدودة)انتهي الاقتباس وهو هنا يقصد بالدراهم المعدودة الجزية ،ولنري ماذا يقول مؤرخ مصري مسيحي آخر وهو يعقوب نخلة المتوفي عام 1905م في كتابه ( تاريخ الأمة القبطية )انقل عنه قوله إن عمرو بن العاص هو اول حاكم في تاريخ مصر يشرك الاقباط في حكم مصرويقول بالحرف (واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلاءهم علي تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الاهالي ) ويشهد يعقوب نخلة بأن الفتح الاسلامي كان اول نظام سياسي يربط الضرائب بوفاء النيل فإذا ارتفع النيل وزرعت الارض يدفع الناس الضريبة والا فلايدفعون )ارايت يا مريم هانم كم التزوير والتجني علي الفاتحين المسلمين ومحاولة طمس حقائق التاريخ التي يعترف بها المسيحيون المنصفون انفسهم إلي حانب المؤرخين الغربيين وللاسف فإنك تسيرين علي خطي اقباط المهجر ومتطرفي المسيحيين الذين يزورون التاريخ عمدا ويمارسون الشحن الطائفي لاشعال الفتنة بين المصريين لاعطاء ذريعة للاجنبي للقدوم إلي مصر واحتلالها بزعم انقاذ المسيحيين وتكرار سيناريو الغزو الامريكي للعراق الذي تم بذرائع مماثلة ، ومرة اخري ادعوك لقرأة رواية الدكتور يوسف زيدان (عزازيل )وما فعله بابا الاسكندرية كيرلس عمود الدين وهو مصري وليس روماني كما تكذبين ومعه شعب الكنيسة المتعطشين لدماء الوثنيين المصريين اهل مصر الاصليين بعالمة الرياضيات ( هيباتيا )مديرة مكتبة الاسكندرية لانها كانت وثنية وعلي مدي خمس قرون تم استئصال هؤلاء الوثنيين وابادتهم وتحويل معابدهم إلي كنائس ترفع شعار( الله محبة )علي اشلاء القتلي و





GMT 13:08:33 2008 الأحد 28 ديسمبر
30. العنوان: إلى المشاغب



الإسم: مصري


لو كنت فعلا تريد الوصول الى الحقيقة ما كنت إستشهدت برواية أدبية مسروقة من فكرة رواية أخري لكاتب إنجليزي إسمها هيباشيا و فوق ذلك تخلط الحقيقة بالكذب حتى تمرر أفكار معينة. أيضا ما هذا التناقض ؟ هل فرضت المسيحية بالغصب علي المصريون ام أن ( إن الاقباط قبل الاسلام تمسكوا بعقيدتهم حتي وهم يذبحون ويحرقون ويرمي بهم إلي السباع والاسود ) كما ذكرت انت؟ بفرض إن البابا (وحش) و لم يعتذر للمسلمين عن الحروب الصليبية، ما تطلعوا إنتم حلوين و تعتذروا عن الحروب الأسلامية بدلا من تقديس مجرمي الحروب. ثم لماذا اساسا يعتذر عن حروب هي رد فعل للحروب الإسلامية التي إستولى بها العرب على هذة البلاد؟ أما عن القديس عمرو بن العاص فلا تعليق - يكفي أن تقرأ مقالة نبيل شرف الدين في إيلاف بعنوان ( البقرة الحلوب و الثور اللناطح)





GMT 21:38:22 2008 الإثنين 29 ديسمبر
31. العنوان: إلي مصري



الإسم: المشاغب !!


المخطوطات التي اعتمد عليها الدكتور يوسف زيدان مدير ادارة المخطوطات في مكتبة الاسكندرية ومؤلف رواية( عزازيل )تؤكد أن المسيحيين المصريين الذين آمنوا بالمسيحية الوافدة علي مصر شنوا حملة ابادة وقتل ونهب للممتلكات الخاصة باهل مصر الاصليين وهم الوثنيين وحولوا معابد هؤلاء الوثنيين إلي كنائس بالقوة والغصب ورفعوا عليها شعار (الله محبة) علي جثث اصحابها من الوثنيين ولم تستقر المسيحية في مصر الا بعد مرور خمسة قرون كاملة وهذه الفترة التاريخية التي تم فيها التخلص من الوثنيين بكل وحشية هي ماتحرصون علي اخفائه لبشاعته واجرامه بكل المقاييس بما فيها تعاليم السيد المسيح الذي هو بريء منها ومنكم ،ويكفي ما راوه يوسف زيدان من واقع المخطوطات الموثقة عن وحشية البابا كيرلس عمود الدين وشعب الكنيسة وهم يقتلون عالمة الرياضيات الوثنية مديرة مكتبة الاسكندرية في هذا الوقت (هيباتيا ) ،واذا كان البابا الخاص بالفاتيكان قد قام بالحروب الصليبية انتقاما من حروب المسلمين ضدهم فلماذا قام جنود الرب اتباع (الله محبة) الذي جاء بهم البابا إلي ارض العرب بعمل مذابح لليهود العرب في فلسطين اثناء الحروب الصليبية ؟؟فهل قام اليهود بغزو اوروبا ليتم الانتقام منهم بهذه الوحشية علي يد اتباع الله محبة يا مصري بك ؟؟اريت حجم التزوير الذي تصرون عليه ، واذا كنت تتحدث عن الاعتذار فهل ننتظر من قتلة اهل مصر الاصليين من الوثنيين الاعتذار عن جرائمهم الوحشية طوال خمسة قرون كاملة تحرص الكنيسة علي التستر عليها ولذلك جاءرد فعلها علي الرواية التي كشفت الحقيقة غاضبا وثائرا إلي الدرجة التي اتهموا فيها مؤلف الرواية بأنه يسعي لهدم العقيدة المسيحية اما القول بأن الرواية منقولة فهذه حجة رد عليها المؤلف وفندها واثبت ايضا كذبها، فمارأيك فيمن لايقتنعون حتي بالمصادر التاريخية المسيحية المنصفة التي اشادت بفاتح مصر عمرو بن العاص وعدالته وفضله عليكم لانه ايقي لكم كنائسكم ولم يحولها إلي مساجد كما فعلتم انتم مع الوثنيين ؟؟!!




--------------------------------------
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/1/396523.htm

حكايات الاحتلال (14): محاولات الخروج من النفق المظلم

GMT 12:00:00 2009 الجمعة 2 يناير

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١٤)



كما رأينا في المقال السابق فقد بدأت، منذ خروج بقايا الحملة الفرنسية وعودة حكم العثمانلية الغاشم، فترة من الاضطرابات والفتن والقلاقل. بعد تفاقمها ذهب عدد من الشيوخ إلى (البكباشي) محمد علي (ضابط الجيش العثماني، الذي كان قد نجح في استمالة كبار العلماء وأرباب الوظائف والجند الأرناؤوط) يريدونه واليا، فتمنّع؛ وتقدموا لدار السلطنة طالبين توليته. وراح السيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي يحضان الرعية على الهياج والصياح. وأفحش (الأمير المملوكي) الألفي الكبير ومن معه من العربان في القتل والنهب والتخريب في البلاد. وأخيرا، في ٩ يوليو ١٨٠٥ وصل فرمان بتولي محمد على باشا الولاية على مصر.

***
والآن نتابع الأمور من زاوية كُتّاب حوليات مخطوطات "تاريخ البطاركة" [[..]]:
٤٤ـ تولى بطرس السابع (١٨٠٩ـ١٨٥٢) وهو التاسع بعد المائة، وكان من رهبان دير الأنبا أنطونيوس. ثم رُسِم "مطرانا عاما" للكرازة المرقسية في عهد سابقه.
[[وفي عهده فتح محمد علي باشا السودان فعاد من أهله كثيرون إلى الدين المسيحي (..) وفي زمانه اعترى زُهرَى باشا، ابنة محمد علي باشا، وزوجة أحمد بك الدفتردار، روحٌ نجس فعانى الأطباء في معالجتها ولم يستطيعوا شفاءها لأن ذلك لم يكن مرضا طبيعيا، وكان صيت الأنبا سرابامون أسقف المنوفية بما أٌعطي من قوة إخراج الأرواح الشريرة مالئا القطر المصري (فطلبه الباشا) فتوجه إليها وكانت السراي غاصة (..). ولما ابتدأ يصلي تحرك الشيطان فيها وألقاها صرعى الأرض وهي تزبد (..) ثم قامت الأميرة صحيحة. وبُشِّر محمد على فرغب مكافأة الأسقف فصرّ صُرّة بها أربعة آلاف جنيه فأبى أن يقبلها (..) وسأله عوض ذلك أن يميل تعطفاته نحو أبناء الطائفة القبطية ويخدم بنيها المرفوتين فأجابه لذلك (..)]].
[[وفي أحدى السنوات لم يف النيل مقداره (فأمر الباشا) الرؤساء الروحانيين بأن يرفعوا الأدعية والصلوات (..) ثم صلى الأنبا بطرس مع لفيف من الإكليروس (..) ففاضت مياه النهر (..) فعظمت منزلة البطريرك وطائفته لدى الباشا وزاد في اعتبارهم]].
[[وقد شاع أن ابراهيم باشا (ابن محمد على) عندما ملك البلاد الشامية وأورشليم دعا الأب بطرس ليباشر خدمة خروج النور من ضريح السيد المسيح (ليلة عيد القيامة) (ففعل) مع بطريرك الروم، وهو ثالثهم داخل القبر. وكان الباشا مرتابا بحقيقة النور (..) فلما انبثق ارتعب منه ووقع عليه ذهول واندهاش وصرخ مرددا «أمان بابا» (..)]].
[[وفي أيامه سعى محمد علي باشا بضم كنيسة مصر إلى كنيسة روما وذلك أن التنظيمات الجديدة التي صارت في مصر كانت بواسطة رجال فرنسا وعلمائها، فلما رأى الباشا أنه مغمور بجزيل معروفهم رام أن يقابلهم بمثله، وإذ احتار (..) نصحه أحد قواد الجيش، وكان (فرنسيا) بابويا، بأن يسعى في ضم نصارى مصر إلى كنيسة روما فيجد ذلك الإفرنج فعلا حميدا (..) فاستدعى المعلم غالي وابنه باسيليوس بك رئيس المالية وأمرهما أن يفعلا ذلك، فوقعا في حيص بيص وخافا من وقوع الفتن في الطائفة، فأجابا الباشا قائلين: «إن استمالة الطائفة جميعها إلى مذهب كنيسة رومية دفعة واحدة لا يتم بدون قلاقل (..) فنرى الأحسن أن يكون ذلك بسياسة وتدريب، وذلك أننا نعتنق نحن أولا المذهب البابوي بشرط ألا نُكرَه على تغيير طقوسنا وعوائدنا الشرقية وبذلك يمكن أن نميل أفراد الطائفة رويدا». فقبل الباشا هذا الرأي وأخبر الإفرنج (..) فانقلب المعلم غالي وابنه ورهط قليل من أشياعهما في مصر وأخميم، بابويين (كاثوليك) في الظاهر وهم يضمرون بأنهم بعد حين يعودون لحضن كنيستهم (..)]].


** هذا مجمل ما ذكره مدونو "تاريخ البطاركة" في ذلك الوقت حول عصر محمد علي. ويبدو أنهم كانوا غير مستوعبين تماما للتغيرات والتطورات الحادثة بالبلاد، ومن أهمها:
بعد أن تولى، راح محمد علي يعمل على استقرار الأمور وتعزيز سلطته واسترضاء الجند بدفع المتأخر من رواتبهم، فضرب على القبط قرضا عظيما للغاية، وقسمه على كبرائهم، وبث الأعوان لقبضه فعاثوا وفعلوا ما لا خير فيه. ثم قبض على المعلم جرجس الجوهري صاحب خراج مصر يومئذ وعلى جماعة من كبراء القبط وسجنهم ببيت كتخدا وطلب من الجوهري حسابه عن السنوات السابقة واستقدم المعلم غالي، كاتب الألفي بك بالصعيد، وأقامه بدله وضيق على (الجوهري) وفرض عليه مبلغا عظيما من المال فباع ما كان عنده من أثاث ليوفي بعض ما طولب به، فأبقاه معتقلا أياما.
وفي فبراير ١٨٠٩طلب السلطان من محمد علي التأهب لقتال الوهابيين بالحجاز، وكانوا قد خرجوا فعاثوا ونهبوا وقتلوا ومنعوا الحج. وهم أصحاب عبد الوهاب الدرعي الذي تعلم مذهب أبي حنيفة ثم سار لأصفهان ولاذ بعلمائها (الشيعة) وأخذ منهم حتى غزرت مادته وتضلع من علم أصول وفروع الشريعة ثم رجع لدرعة وقرر مذهبا مخصوصا له، وكثر مريدوه وشاع أمره.
وفي مارس ١٨١١ نفذ محمد علي («مذبحة القلعة» الشهيرة) ليقطع شأفة المماليك. وأخذ في تدبير أمور البلاد فأكثر من المشروعات المهمة كحفر الترع وترميم الجسور وإنشاء المعامل العظيمة وهيأ عمارة حربية وسيرها مددا لولده الأمير طوسون بالحجاز. ثم أعد جيشا عظيما، ضم كثيرا من العربان، تحت قيادة ابنه اسماعيل، لفتح السودان والدارفور واستخراج كنوزها ومعادنها.
ثم رغب محمد علي في إنشاء جيش من أولاد الناس، على نظام عسكر الفرنسيس، وخاطب أهالي البلاد بأن من يشاء أن يدخل في خدمة الدولة بشرط أن يكون في سن الخامسة والعشرين أبيض اللون (؟) صحيح الجسم. فتسابق الناس إلى الدخول طوعا. واستقدم ضابطا من عظماء الفرنسيس (الكولونيل سيف؛ سليمان باشا الفرنساوي) لتدبير أمور الجندية وأنشأ مدارس للمشاة والفرسان وأصحاب المدافع ومعامل لآلات الحرب.
ثم نهض اليونان إلى طلب الاستقلال عن السلطة العثمانية ورأوا أن هذا لا يتم إلا ببث الحرية والمساواة بين طبقات الرعية، والخروج من مضايق الأسر والاسترقاق وأنشأوا جمعيات للذب عن حقوقهم السياسية. وبلغ عدد أعضائها نيفا وعشرين ألفا ممن يقدرون على حمل السلاح. وسير السلطان جيشا عظيما لإخضاعهم فانهزم بعد أن أفحش عسكره في قتل ونهب وسبي النساء والأطفال. وتألفت في ديار أوروبا جمعيات لمحبي تحرر الأمم وكانوا يساندون الثوار اليونان، وممن سلكها الشاعر الفرنسوي المسمى فيكتور هوجو واللورد بايرون الشاعر الانجليزي، وابن واشنطون محرر بلاد أمريكا. وأعطى السلطانُ لمحمد علي ولاية المورة وكريت ورسم له بقتال اليونان. فأعد جيشا جعل مقدمه ولده الأمير ابراهيم ومعه سليمان باشا الفرنساوي، ونزل الجنود المصريون والعثمانيون (١٨٢٦) وفتحوا البلاد عنوة حتى أتينا وعاثوا قتلا. وضغط قيصر الروس وملكا الانجليز والفرسيس على السلطان لمنح اليونان استقلالهم الإداري مع دفع الجزية، فرفض السلطان؛ فاشتبك القتال وتم تدمير جميع السفن المصرية والعثمانية، فدعا السلطان جميع إيالات مملكته للغزو والجهاد دفاعا عن الإسلام. لكن ابراهيم انسحب، ونال اليونان الاستقلال.
(لاحظ مفارقات التاريخ: لأول مرة منذ قرون طويلة انخرط المصريون في جيش وطني، لكن أول عمل لهم كان محاربة اليونان، لإرغامهم على البقاء أسرى الدولة العثمانية التي يرزحون هم تحتها!!)
وفي (أكتوبر ١٨٣١) خرجت الجيوش المصرية، ومقدمها الأمير إبراهيم ومعه سليمان باشا الفرنساوي، تريد فتح الديار الشامية (التابعة للسلطنة)، فأخذ بيروت وصور وصيدا وحمص وحلب، واندفع في الأناضول يريد القسطنطينية. وهدد السلطان بالاستعانة بالروس ضده، ودعت دولتا الفرنسيس والإنجليز محمد على إلى التراجع فلم ينصت. ثم عرض عليه السلطان (١٨٣٣) أن يتولى، وذريتُه من بعده، على ديار مصر وبلاد العرب وصيدا وطرابلس، فرفض. فأفتى مجلس إفتاء السلطنة بخروجه عن طاعة أمير المؤمنين، وبتجريده وقصاصه قتلا، فلم يأبه. ثم ثار أهل حوران ولبنان والشام ونادوا بالخلاص من نير عبودية الأمير ابراهيم وجور عسكره فأخمد الفتن وعمد إلى التنكيل بفاعليها. وفي يوليو ١٨٤٠ وقعت معاهدة لندن وبها يكون لمحمد علي ولذريته ولاية مصر، وله مدةَ حياته نصف الشام، فرفضها. فحاصرت سفن الإنجليز بيروت ودكتها ونزل الجنود العثمانية وثار أهل الشام وحوصرت الإسكندرية. وأخيرا أذعن ولم تبق له سوى ولاية مصر، ويكون للباب العالي خراج سنوي (٨٠٠٠ كيس ذهبا) وألا يزيد الجيش عن ١٨ ألفا وغيرها من الشروط.
ثم انكف محمد علي عن الغزو والفتح ووقف عند العناية بإصلاح شئون مملكته فأنشأ معامل للحديد والكتان ومهد الطرق وأنشأ مدارس أتى لها بالأساتذة من ديار الإنجليز والفرنسيس واستقدم زهاء ١٥٠٠ من فلاحي الفرنسيس وفرقهم في البلاد ليعلموا أهلها طرق الزراعة واستقدم المسيو جوميل لزراعة القطن وبالغ في الاهتمام بأمر الطب وأتى له بالعلامة الشهير كلوت الفرنساوي فأنشأ مدرسة لذلك وأخرى للقابلات وديارا لمرضى العسكر. وأتى بالمسيو لينان لتدبير ماء النيل فأكثر من بناء القناطر والجسور. ثم أصيب محمد علي باضطراب وهذيان فتولى ابنه إبراهيم تصريف الأمور (١٨٤٨) لكنه سرعان ما مرض ومات وتولى عباس. وتوفي محمد علي في أغسطس ١٨٤٩ عن زهاء الثمانين.
(الكافي ج٣ ص ٤٠٧ وج٤ ص ١٢ـ ١٣٨)
إذن فقد وضع محمد علي أسس الدولة الحديثة بمصر ولكنه أضاع معظم فترة حكمه وموارد البلاد في حملات عسكرية خارجية لا طائل من ورائها.
وفيما يتعلق بالأقباط، فقد قضى محمد علي "مبدئيا" على التفرقة عندما قرر استخدام المصريين والاعتماد عليهم. ولم يحل بين النصارى وبين ممارستهم لطقوسهم الدينية ولم يرفض طلبات بناء أو إصلاح الكنائس، وسهل عمليات الحج إلى الأراضي المقدسة تحت رعاية السلطات. وكان أول حاكم مسلم منح الأقباط رتبة البكوية واتخذ له مستشارين من النصارى. ولم يتردد في مؤازرتهم أحيانا: فقد حدث في (١٨١٤)، أثناء تمرد حامية القاهرة، أن اعتصم النصارى وقد استبد بهم الرعب في أحيائهم وأقاموا عليها المتاريس فأمدهم الباشا (كما يقول الجبرتي) بالبارود وآلات الحرب. وحدث في ١٨٤٥ شجارٌ بين حمّار ومزارع قبطي بدمياط فسب المزارعُ الحمّارَ الذي اشتكى للسلطات، فأمر الحاكم بضرب القبطي خمسمائة ضربة والطواف به في الحي النصراني ليهان من الجميع. ولما علم محمد علي بهذا الحادث (الذي يدل على أن «ثقافة التسامح» كانت قشرية جدا!) أمر بسجن الحاكم خمس سنوات في قلعة أبي قير وتغريمه.
من ناحية أخرى، لم يقم محمد علي بإلغاء الجزية برغم صدور فرمان الكلخانة بإلغائها (١٨٣٩)، وإن كان قد فتح باب الاستثناء فأعفى منها العمال الأقباط بترسانة الإسكندرية «والذين يؤخذون للجهادية لكونهم يؤدون مصالح الميري ومن اللزوم رعايتهم ورفاهيتهم» (مايو ١٨٣٦). وكان محمد علي يكافئ الذين يعتنقون الإسلام ويعيّنهم في وظائف الحكومة، وحث الكولونيل سيف على اعتناق الإسلام «حيث لا يجوز لغير المسلم أن يقود الجيش»، ولم يتردد في معاقبة المرتدين. وكان محمد علي لا يرى في الأقباط إلا مباشرين ومحاسبين ممتازين، ولم يحاول إدخالهم في الجيش النظامي، وكانت أول بعثة علمية إلى فرنسا خالية من الأقباط (وإن شملت مسيحيين).
(أقباط ومسلمون ـ جاك تاجر ص ٢٣١ـ٢٣٥)

***
تولى عباس باشا، ابن طوسون (أي حفيد محمد علي)، وكانت أيامه تراجعا عن إصلاحات جده. وكان يأخذ بأصحاب السعاية وأهل الوشاية، شديد البغض للأجانب (مثلا، أمر اليونانيين المقيمين وعددهم ٣٠٠٠ نسمة مغادرة البلاد خلال أسبوعين) وأكثر من شراء المماليك والإماء السود. وكان ناقما على (القبط) فأخرج الكثير منهم من خدمة الدولة ومنع استخدامهم وبالغ في تذليلهم وأتى للمباشرين منهم بطائفة من الأحداث الأغرار فجعلهم في وظائفهم وألزمهم بتعليمهم وتدريبهم وضرب لهم أجلا فاختل نظام المصالح الديوانية. واشتد به البغض للنصارى، وأرسل إلى الشيخ الباجوري، شيخ الإسلام يومئذ، وقال له «أني أقصد تبعيد النصارى كافة من بلادي ومقر حكومتي إلى أقصى السودان وقد دبرت لذلك تدبيرا، فما قولك؟». قيل، فرفض الشيخ بالنسبة «للذميين الذين هم أهل البلاد وأصحابها»، وحذره بشأن النصارى الفرنجة «إذا فعلت بهم شرا أن يحل ببلادك ما حل بالجزائر من الفرنسيس».
وكان العربان في عهده واسعي الكلمة عظيمي الصولة فعاثوا في البلاد وأفسدوا وأهلكوا الحرث والنسل.
وكان الأنبا بطرس تقيا زاهدا ورعا محبا للخير قليل الكلام مع هيبة ووقار يقضي يومه في المطالعة جالسا على الأرض ولا ينام إلا على حصير من القش، بعيد الغضب. وكان لا يتعرض إلى أمر من أمور السياسة ولا يجتمع بأحد من ولاة الأمور (الكافي ج٤ ص ١٤٢ و١٤٦ و١٦٤)

***
٤٥ـ ثم تولى الأنبا كيرلس الرابع (١٨٥٤ـ١٨٦١) وهو العاشر بعد المائة، وكان رئيس دير أنبا أنطونيوس. وبعد اختياره للبطريركية، رفض عباس باشا اعتماده لأن المنجمين أخبروه أن في هذا سوء طالع وموت له، فرُسم وكيلا للبطريركية ومطرانا عاما لمدة ١٤ شهرا قبل أن يتولى البطريركية (الكافي ص ١٦٩)
[[وإلى هذا الأب يرجع تمدن الشعب القبطي وارتقاؤه في مراقي النجاح وذلك بما صبه من قصارى جهده في سبيل تهذيب شبانه وتعليمهم العلوم فإنه أنشأ المدرسة الكبرى القبطية في البطركخانة وفتح مدرسة أخرى في حارة السقايين وجدد فيها تعليم اللغة القبطية بعدما كادت (تندثر) إذ لم يكن في ذلك الوقت يتكلم بها أحد وإنما كانت تستعمل فقط في كل كنائس القطر المصري (..) وأدخل من ضمن ذلك لغات أجنبية (بجانب) اللغة العربية (وأتى لها بكبار المعلمين من الفرنسيس والإنجليز والإيطاليين وعلماء العربية وأكثر لها من المعدات والكتب المرتبة. وأنشأ دارا للطباعة وسلمها لجماعة من أبناء المدارس فطبعوا كثيرا من الكتب الدينية وكتب التاريخ والأدب. وكان ميالا لتعليم البنات وتهذيبهن فصادف من المقاومة أشكالا). وجدد كنيسة بحارة السقايين وشرع في آخر حياته بإنشاء الكنيسة الكبرى بعد أن نقض الكنيسة القديمة (بالأزبكية، التي كان أسسها ابراهيم الجوهري (*))، وكان بعزمه أن يشيدها (..) فحال دون ذلك غيابه في الحبس الذي صادف فيه مخاطر مهولة كادت تودي بأجله. وذلك أن بعض الإنجليز بعدما توجه للحبشة (**) سعوا به عند النجاشي تاودروس وادعوا عليه أنه (يريد) أن يجعل الحبشة خاضعة للحكومة المصرية وأنه سار إلى الحبشة وعساكر مصر تتبعه، فطار النجاشي جنونا وأمر بحرق البطريرك حيا فأثنته الملكة عن عزمه وسفرت البطريرك إلى مصر سالما]].
(*) [كان ابراهيم الجوهري رئيس كتّاب البر المصري، في بداية أيام محمد علي والبطريرك مرقس الثامن، وكان الأقباط لا يتحصلون على إذن من الحكومة لبناء كنيسة إلا بشق الأنفس. فاتفق أن إحدى سيدات العائلة السلطانية قدمت إلى مصر قاصدة الحج، ولكون ابراهيم هو المتقدم في الحكومة المصرية، باشر بنفسه أداء الخدمات لها وقدم لها هدايا فاخرة فأرادت أن تكافئه (..) فسألت عن مرغوباته، فالتمس منها المساعدة في إصدار فرمان سلطاني بالرخصة لإنشاء كنيسة في الأزبكية، فلبت دعواه (..) غير أنه (سُجن على يدي محمد علي، ثم) توفي قبل أن يشرع في البناء فتولى أخوه جرجس أفندي، مع الأنبا مرقس وكبار الطائفة، بناء الكنيسة ونقلوا مركز البطريركية]. (تاريخ البطاركة)
(**) عندما تولى سعيد باشا (ابن محمد علي، وعم عباس باشا) الحكم في يوليو ١٨٥٤ كان نجاشي الحبشة يحاول توحيد البلاد، واتجه للتوسع في بعض الأملاك المصرية الواقعة على حدوده بالسودان، فبدأ سعيد في الاستعداد لمحاربته، ولكن أشير عليه بإرسال الأنبا كيرلس للوساطة على رأس وفد. وكان هذا مطرانا ووكيلا لدار البطريركية بعد موت البطريرك بطرس. فجهزوا لهم باخرة نيلية نحو الصعيد الأعلى، ثم ركبوا الهجن والجمال حتى حدود الحبشة فخف النجاشي للقائهم وبالغ في إكرامهم وطلب من كيرلس أن يمسحه ملكا على سائر ملوك الحبشة لأنه لذلك الوقت لم يكن قد مُسح، فأجابه وأهداه ثوبا مذهبا من الباشا. ثم طلب منه أن يقلع عما يفعله عند الحدود حقنا للدماء، فأذعن النجاشي وقبل. ثم (بعد شكوي مطران الحبشة) طلب منه إيقاف بعثة الإنجليز من مبشرين لتعاليم (البروتستانتية)، وكان معهم من يدربون العسكر ويصنعون المدافع، ووعده بطلب ما يحتاجه بديلا عنهم من سعيد باشا، فوافق وأخرجهم من البلاد. فرح كيرلس وكتب إلى سعيد باشا يُعلمه بما جرى. وعلم قنصل الإنجليز بمصر بما جرى فعمد إلى الانتقام ووشي لسعيد باشا: «أن عند القبط كتابا يعتقدون في صحة ما فيه وهو يدلهم على زحف الحبشة على أرض مصر في يوم معلوم عندهم فيأخذونها عنوة». قال سعيد لعله حديث خرافة. فنصحه القنصل أن يأخذ حذره من كيرلس، وما زال به حتى تمكنت به الظنون فكتب إلى كيرلس يعيب عليه ما فعله ويستدعيه. وقام في جيش عظيم ليحارب النجاشي، ووصل الخرطوم (يناير ١٨٥٧). ثم دس الإنجليز من أخبر النجاشي بأن «قدوم كيرلس إنما هو لمنعك من إعداد جندك لتذب عن مملكتك إغارة والي مصر، وقد سير إليك مع كيرلس كساء مسمم النسيج». فهال النجاشي الأمر وجاءه خبر وصول سعيد باشا الخرطوم فأمر بكيرلس فسجنوه بمقره، وكيرلس لا يدري ما الأمر. وخرج النجاشي في جيشه للقاء سعيد. ثم استطاع كيرلس أن يلتقي أم النجاشي، واشتكى لها. وواجهه النجاشي، فدافع بحرارة وكتب لسعيد باشا يطلب الانسحاب من الخرطوم، فوافق وتعاهد مع النجاشي بعدم الاعتداء. ولما عاد كيرلس لمصر، شعر بجفاء سعيد باشا فحاول مرارا لقاءه لمعرفة حقيقة الأمر، ولم يتمكن، فاعتزل بالدير حتى تنجلي الحقيقة. لكن دسائس قنصل الإنجليز زادت وأوهم الباشا أن كيرلس ينوي وضع الكنيسة القبطية تحت حماية دولة الروس. (الكافي ص ١٥٥ـ ١٦٠ و ١٧١).
في ولايته لمصر، قام سعيد باشا بإصلاح ما أفسدته أيدي سابقه. وقاتل جنودُه العربان في الجبل الشرقي والغربي وتشرد من بقي منهم إلى الحجاز والشام واختفى البعض في القرى وتزيا بزي العامة والفلاحين وتكلم بكلامهم وترك ما يلتزمه العرب في كلامهم، وقد كان الفقير منهم في السابق يأنف من مخالطة أهل البلاد ومكالمتهم ويحسب ذلك عارا ومذلة. وأمنت السبل وارتفع الخوف عن الناس. وأعاد ما أبطله عباس باشا من المعامل والمدارس واستقدم العلامة رفاعة بك من بالديار السودانية، حيث كان أبعده عباس، وسلمه مقاليد المدارس. وقامت الجاليات (الفرنسية والإيطالية) وأيضا هيئات الفرنسيسكان والفرير والراعي الصالح والقلب المقدس والإرساليات البروتستانتية بإنشاء مدارس. ومد سعيد الخطوط التلغرافية والحديدية، واعتنى بالجيش وجعل الخدمة العسكرية إجبارية وقصّر مدتها. وقدم في ولايته الشهير فرديناند ديلسيبس وكلمه في حفر خليج يصل البحرين الأبيض والأحمر فاستكبر سعيد باشا الأمر وأعده من رابع المستحيلات، ثم استحسنه بعد إلحاح وشرح، ووافق عليه بعد قبول أمير المؤمنين. ورسم بتسخير زهاء عشرين ألفا من أهالي البلاد بالمناوبة. (الكافي ج ٣ ص ١٤٧ـ١٥٥ وهوامش ج ٤ ص ١٣٥٤ـ٧٥)
وكان سعيد باشا بعيد التعصب لأحد الأديان، لا يفرق بينهم ولا يفضل بعضهم على بعض فأحبته الرعية. وعمل على إزالة العواقب نحو اندماج القبط في صلب الأمة وقرر قبولهم في الجيش ونص الأمر العالي (يناير ١٨٥٦) على أن «أبناء أعيان الأقباط سوف يدعون إلى حمل السلاح أسوة بأعيان المسلمين وذلك مراعاة لمبدأ المساواة». (وإن كان الأقباط قد شعروا في البداية أن التجنيد هو نوع من الاضطهاد، المراد منه إكراههم على اعتناق الإسلام إذ يكون إسلامهم شرطا أساسيا لترقيتهم في سلك الجيش. ولكنهم انتظموا في الجيش في عهد اسماعيل باشا). وأثنى على مدير جرجا لأنه «قام بتفرقة الذين خرجوا بعد إسلام أحد أقباط سوهاج وأخذوه ومروا به بالأسواق متظاهرين ومفتخرين بإسلامه، ثم عزل عمدة الناحية لسبب تساهله وتسامحه في ذلك». وعين مسيحيا حاكما للسودان.
وألغى سعيد في ديسمبر ١٨٥٥ الجزية «رغبة من الوالي في التلطف مع الذميين المشمولين برعايته». وفي ١٨٥٦ انتزعت القوى الأوروبية وعدا شفاهيا من السلطان عبد المجيد، دون في الكتاب الموشح بالخط الهمايوني (١٨ فبراير) بشأن تنظيم إقامة البطاركة وتعمير وترميم الأبنية المخصصة للعبادة، وذلك «لحفظ الناموس فى حق جميع تبعتى الموجودين فى أى دين كان بدون إستثناء». (جاك تاجر ص ٢٣٧ـ٢٥٥)

***

٤٦ـ ثم تولى الأنبا ديمتريوس الثاني (١٨٦١ـ١٨٧٠) وكان رئيسا لدير الأنبا مقار.
[[واقتفى أثر سلفه فأكمل عمارة الكنيسة (المرقسية بالأزبكية) (..) فصارت أحسن وأوسع وأعلى وأعظم كنائس الأقباط بالقطر المصري (..) ونشّط أيضا المدارس و(الكتاتيب). وقد توفر له الحظ السعيد بمثوله أمام الحضرة الشاهانية السلطان عبد العزيز عندما شرف الديار المصرية، وحضر احتفال فتح ترعة (قناة) السويس (نوفمبر ١٨٦٩) فنال من جلالة السلطان (*) التفاتا عظيما وأنعم عليه بجملة من الأراضي الزراعية لنفقة الدار البطريركية ومدارس الأمة]].
(*) كان عبد العزيز أول سلطان عثماني يزور مصر منذ سليم الأول (قبل ٣٥٠ سنة). وبينما كانت السلطنة عندئذ تعاني الأمرين خارجيا من الأقاليم التي تطلب الاستقلال وداخليا من جماعة "تركيا الفتاة" التي هاجمت فساد الحكام بعنف، وبرغم ما اقترفه العثمانيون من إفساد وحشي في مصر عبر القرون الفائتة، فقد قابلته الجماهير المصرية بترحيب فائق وكان «ينظر إليهم كأنه يحييهم فيكثر صياحهم وتشتد جلبتهم وهي حالة لم يرها السلطان في بلاده».

[[وكان في أيامه اسماعيل باشا (*) وهو أول من نال من الدولة العلية لقب خديوي]].
(*) تولى اسماعيل (ابن ابراهيم، وحفيد محمد علي) في يناير ١٨٦٣ وراح يعاود الإصلاحات، ونقض ما أبرمه سعيد باشا مع ديلسبس ورسم بعدم تسخير أهل البلاد في حفر ترعة السويس، وأن تكون القنال والأراضي المحيطة تحت إمرة الحكومة المصرية بدون منح امتيازات أو حقوق لأي دولة. ومالت نفسه إلى التشبه بكبار الملوك وأصحاب الحكومات الدستورية الأورباوية فرسم (ديسمبر ١٨٦٦) بتشكيل مجلس شورى البلاد. وعمد إلى تنظيم الجند وأنشأ القلاع ومعامل البارود والفشنك والمكاحل واستقدم جماعة من كبار جند الأمريكان والمهندسين لتعليم العسكر. ودعاه نابليون (الثالث) فزار باريز عند فتح المعرض الكبير وأقام شهرا ونصف. ولما عاد أمر بإنشاء مرسحين، الكوميديا والأوبرا، وأتوا لهما من أوربا بجماعة من المشخصين والمشخصات وأساتذة الفن. وعند افتتاح ترعة السويس أقام احتفالا عظيما حضره أوجنيه إمبراطورة الفرنسيس وإمبراطور النمسا والمجر وولي عهد إيطاليا والبروسيا وغيرهم. ثم سيّر الإرساليات العلمية والعسكرية إلى جوف السودان والحبشة لتخطيط الطرق والاستكشاف. وضم بعض بلاد الصومال وسواكن ومصوع مقابل زيادة الخراج للسلطنة. وكان ميالا إلى جعل القاهرة على نسق عواصم الأمم المتمدنة وصرف أموالا طائلة في توسيع الطرق وإنشاء المباني وغرس الأشجار وإنارة الشوارع ومد السكك الحديدية. وانتشرت المدارس الابتدائية في أنحاء القطر وأنشئ العديد من المدارس التجهيزية. ثم نضبت الخزينة واضطر للاستدانة بالربا الفاحش وكثرت الديون فرسم ببيع سندات شركة خليج (قناة) السويس إلى دولة الإنجليز وحُجِر على الكثير من موارد الحكومة لسداد الدين. (الكافي ج٤ ص١٧٧ـ٢١٨)
وعقدت مصر مع بريطانيا (١٨٧٧) "معاهدة (تحريم) الرقيق" في السودان، لكنها أثارت السودانيين على الحكم المصري لأن تجارة الرقيق كانت مرتبطة بالتكوين الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع (!) (ج٤ هوامش ١٤١٦)
[[ومن مآثر (الأب) أنه طاف الوجه القبلي على باخرة عينتها له الحكومة (لمجابهة ازدياد الحملات التبشيرية الأجنبية بين الأقباط) (..) ولما توفي بقي الكرسي خاليا أربع سنين وتسعة أشهر لأجل تأخير الحكومة إصدار أمر بقسمة بطريرك للطائفة. وكان يدير أمور البطريركية أنبا مرقس مطران الإسكندرية (بمساعدة مجلس من ١٢ "علمانيين")]].
وقد توسع اسماعيل (الذي تلقى علومه في فيينا ثم باريس) في سياسة التسامح الديني، فأمر بوجوب قبول أولاد النصارى والمسلمين بدون تفرقة في المدارس الأميرية، ومنح المدارس القبطية إعانة مالية ووقف ألف خمسمائة فدانا عليها (ملحوظة: قارن هذا باستيلاء الدولة على الأوقاف القبطية في أواخر القرن العشرين). وقرر المساواة بترشيح الأقباط لانتخابات مجلس الشورى ثم بتعيين قضاة أقباط في المحاكم. وفي (١٨٦٣) تقدم أحد الأقباط يريد اعتناق الإسلام، فأمر (اسماعيل) المسئولين باستحضار قسيس وعدد من العمد الأقباط لأجل إقرار ذلك الشخص أمامهم بأنه راغب اعتناق الإسلام من غير أن يجبره أحد، وبعد إقراره يصير منهم التصديق على الإقرار ويحفظ بالمديرية. (هذه التدابير هي أساس ما أصبح يعرف، فيما بعد، بـ «جلسات النصح» التي ألغيت مؤخرا. ملحوظة: راجع الفرق بين أوامر اسماعيل باشا وبين الإجراءات والممارسات الهمجية للدولة المصرية في مطلع القرن الحادي والعشرين). وعندما أريد تنظيم شوارع مصر وفتح شارع كلوت بك، استلزم المشروع إزالة كنيسة الأقباط فعرض على الأنبا ديمتريوس أن تبنى له، على نفقة الحكومة، كنيسة ودار للبطريركية أفخر من الحالية، فاعتذر البطريرك بأنه يتشاءم من هدم معبد ديني ليكون طريقا، فأمر الخديو باحترام إرادته. (ملحوظة: قارن هذا بأمر الحكومة المصرية أيام السادات بإزالة كنيسة "جميع القديسين" عند كورنيش النيل بوكالة البلح لكي يفسح مكانا لكوبري ٦ أكتوبر، بينما كانت الحلول البديلة ممكنة بل سهلة). وكان اسماعيل أول من طلب رتبة الباشوية لمسيحي (نوبار)، وكان بين الأقباط عدد كبير من ذوي الرتب وكان واصف باشا عزمي كبير التشريفاتية (ملحوظة: قارن هذا بعدم وجود موظف قبطي ـ حتي بدرجة فراش ـ في رئاسة الجمهورية المصرية). وقد لخص اسماعيل الأمر بقوله يوما: «يعيش المسيحيون في تركيا في جو من التسامح المشوب بالاحتقار، وأما في مصر فإنهم يعيشون في جو من التسامح المقرون بالاحترام». (ملحوظة: قد يعبر هذا عن مشاعر اسماعيل أكثر منه عن الواقع، لكن قارنه بأجواء اللاتسامح المقرون بالكراهية، التي ينعم بها الأقباط الآن). وبفضل هذه السياسات بدأت عقلية الشعب تتغير تدريجيا وتحسنت العلاقات بين «عنصري الأمة» وأصبح مبدأ المساواة شيئا فشيئا أمرا مألوفا. وصار ممكنا أن ينتخب أهالي مدينة «ببا»، التي لا يسكنها سوى ثلاثة عشر أسرة قبطية، «جرجس» أفندي عمدة. وكان رؤساء الوزارات المسيحيون مثل نوبار باشا (وبطرس غالي باشا فيما بعد) يذهبون للاحتفال بسفر المحمل مندوبين عن الخديو. (جاك تاجر. ص٢٤٢)

***
٤٧ـ ثم تولى الأنبا كيرلس الخامس (١٨٧٥ـ١٩٢٧) وهو الثاني عشر بعد المائة.
[[وكان ترهبن بدير البراموس، وكان هذا الدير وقتئذ في أشد الفاقة ماديا وأدبيا فكانت إيراداته ضعيفة جدا لا تفي بحاجيات رهبانه، وكانت أطيانه في أيدي الغير يستغلونها لغيره وما كان رهبانه يحصلون على القوت الضروري إلا بغاية الصعوبة بل كانت تمر عليهم أيام لا يقتاتون إلا بالترمس (..) فلهذا تناقص عدد رهباته حتى وصل إلى أربعة أشخاص وروى بعضهم أن الدير احتوى مرة على شخص واحد ظل فيه وحده نحو ثلاث سنوات (..)]].
وبعد رسامته [[وجّه عنايته نحو ترتيب المدارس وتنظيمها فأكثر من المدرسين فيها لسرعة تقدم الطلبة وأدخل فيها العلوم العربية والرياضية كالحساب والجبر والهندسة (..) وأنشأ مدارس بالبطركخانة وحارة زويلة وبولاق، ثم وجه التفاته نحو الأديرة بجوار القاهرة (..) ثم أمر بنشر الكتب الدينية وحث الرهبان على الدرس والقراءة وفتح لهم مدارس في الأديرة (..) ونشر في أيامه كثير من كتب الوعظ والتعليم الدينية والمؤلفات العلمية والتاريخية (..) وفي أيامه ارتفعت نوعا درجة الإكليروس في العلوم والمعارف وأيضا زادت معرفة اللغة القبطية فصار كثيرون يمكنهم التكلم بها وألفوا فيها جملة كتب للتعليم (..)]].
[[وفي أيام توفيق باشا (*) رسم مطرانا وثلاثة أساقفة للحبشة (..) وقلده الخديوي توفيق النشان المجيدي الأول وقلده أفندينا المحبوب عباس حلمي باشا الثاني (١٨٩٢ـ١٩١٤) بذات النيشان، وأهداه جلالة السلطان عبد الحميد خان المعظم النيشان العثماني من الدرجة الأولى وأهداه قيصر المسكوف (روسيا) نيشانا من الدرجة الأولى (..) وعينته الحكومة المصرية عضوا في مجلس الشورى من ضمن نواب الأمة]].
(*) تولى توفيق في يونيو ١٨٧٩ بعد عزل أبيه اسماعيل واهتم بضغط النفقات لمعالجة مشكلة الديون، فأنقص عدد الجيش. واشتكى الضباط المصريون بزعامة الأميرالاي أحمد عرابي من استبعادهم ومحاباة الشراكسة، فاستجاب الخديو وأقال ناظر الجهادية. وأرسل عرابي عريضة بمطالب الجند: عزل رياض، رئيس النظار، وزيادة عدد جند الجيش وإعادة مجلس شورى النواب، فتم تنفيذها بالتدريج. وتولى عرابي وكالة ديوان الجند، ثم راح يتصل بقناصل الدول، وطاف بالعسكر مع جماعة من كبار العلماء يحثون على «التعاقد وإعزاز الدين والخروج عن طاعة الخلافة العثمانية غير الصحيحة إلى طاعة خلافة عربية تعمل بسنة الله ورسوله»، وسيّر رسائل لمخابرة شريف مكة والسنوسي بطرابلس وغيرهم. وقيل كان في خلده أن يأخذ لنفسه الخديوية. ثم تولى نظارة الجهادية في وزارة البارودي باشا. لكن الخلافات تصاعدت بين الخديو والبارودي وتاقت نفس هذا إلى ارتقاء منصة الخديوية. وحاول الخديو إقالته، وكثرت الفوضى في البلاد وحضرت بواخر حربية انجليزية وفرنسية للإسكندرية. وفي ١١ يونيو ١٨٨١ قامت الغوغاء بالاسكندرية وأوقعوا بالأجانب ضربا وقتلا وأفحشوا في السلب ونهب وتخريب الحوانيت، ولجأ بعضهم إلى أصحاب الشرطة فلاقاهم أولئك بسنابك البنادق فقتلوهم عن آخرهم. وفي ١١ يوليو دك الإنجليز حصون الإسكندرية. وانتشر العربان وانبثوا كالجراد فعاثوا وأفسدوا وسلبوا الحوانيت والبيوت وفسقوا بالأبكار والأمهات فكانوا كالوحوش الضارية وفعل كذلك الجنود فكان المشهد مريعا والخطب شديدا وأضرمت النيران في أنحاء المدينة. ولما علم الخديو بكى ورسم بوقف السلب والنهب والحرق وبقي برأس التين. وعقد عرابي مجلسا من المشايخ لعزل الخديو. ووقع بين الباب العالي وبقية الدول مناقشة في أمر إرسال عساكر عثمانية أو مختلطة إلى مصر لاستعادة الأمن، ورسم السطان بعصيان عرابي وخروجه عن طاعة أمير المؤمنين. وانتهز الإنجليز الفرصة فنزلوا الإسكندرية ثم بورسعيد، ونشب قتال مع العرابيين عند كفر الدوار، وقام الخطباء في المساجد يحضون على الجهاد والإعانة على الكافرين.
وفي طنطا ودمنهور والمحلة الكبرى ثار المسلمون على النصارى يذبحونهم وينهبون بيوتهم ويسبون نساءهم وأولادهم وكانت الناس تُقتل وتجرّ من أرجلها على الأرض كالبهائم المأخوذة للسلخ بعد الذبح، وكان الغوغاء وخفراء الديوان يوقعون بكل من يمر عليهم من النصارى ولا يرفعون أيديهم عنه حتى يقضى عليه، وبعد موته على هذه الحالة الشنعاء يستلمه جماعة آخرون فمنهم من يجره من رجليه ومنهم من ينزل على رأسه بالهراوة حتى تتطاير أجزاؤه.
وانهزم عرابي في معركة التل الكبير أمام الإنجليز. [[(..) وسارت جيوش (الإنجليز) إلى القاهرة فدخلوها بدون أدنى مقاومة ولم يحصل منهم أدنى أذية لأحد ولا أدنى تعد على أحد فكان ذلك عجيبا عندنا (..)]].
ثم قُبض على عرابي وصحبه وحوكموا، طبقا للقانون العثماني، بتهمة الخروج عن طاعة الخديو، واختار للدفاع عنه ثلاثة من أهل القانون الإنجليز. ثم بدل الخديو العقوبة بالنفي. ورحل عرابي ومن معه ونساؤهم وجواريهم إلي سيلان. (الكافي ج٣ ص ٢٦٩ـ٤٣٨).
وهكذا أصبحت مصر تحت الاحتلال البريطاني. ولكن من الناحية القانونية لم تكن من "ممتلكات التاج البريطاني" (مثل الهند وغيرها)، بل استمرت ولاية عثمانية يحكمها «خديو»، حتى إعلانها «محمية بريطانية» مع بداية الحرب العالمية الأولي (١٩١٤) فأصبح الحاكم «سلطانا»، ثم صار «ملكا» مع صدور دستور ١٩٢٢ ونوال الاستقلال (الجزئي).

[[وبينما كانت الثورة العرابية قائمة في مصر نهض رجل من عرب جنوبي أفريقيا اسمه محمد أحمد (زعم أنه) المهدي (المنتظر) وجمع حوله جيوشا من الناس وتقدم بهم إلى البلاد السودانية التي تحت تسلط خديوية مصر وتملك تلك الأقطار فصدتهم الجيوش المصرية (بعد أن قتل مئات منهم وسلب ونهب) وكسروهم وأسروا منهم عددا كثيرا وبقيت سواكن في يد مصر]].
[[وحدثت لهذا الأب أتعاب بسبب المنازعات مع (المجلس الذي كان قد تشكل من اثني عشر عضوا من غير الإكليروس لمساعدة القائم بأعمال الكنيسة في فترة فراغ الكرسي البطريركي، واستمر بصورة متقطعة بعد رسامة الأنبا كيرلس)، ذلك أن أرباب المجلس (وعلى رأسهم بطرس باشا غالي) طلبوا النظر في مصالح الكنايس وأحوالها وفي المدارس والأوقاف ورسامة القسوس وغيرها التي فيها بعض الأمور غير اللائقة (..) فلم يقبل البطريرك والأساقفة والرهبان وغيرهم. ودام الاختلاف بين الطرفين لكن أرباب المجلس تقووا بالحكومة وحملوها على إبعاد (البطريرك) إلى دير البراموس (سبتمبر ١٨٩٢) (*) ولكنه أعيد (فبراير ١٨٩٣). وقد عرف جميع الملل وأيضا الحكومة ذاتها أن الحق كان بيد الأب البطريرك (..)]].
(*) بغض النظر عن وجاهة أسباب الخلاف بين "أراخنة" الكنيسة والإكليروس، فإن إقدام هؤلاء على نفي البطريرك، وهي حادثة فريدة في تاريخ الكنيسة برغم الأهوال التي مرت بها، أمرٌ يستحق التأمل...
وفي نوفمبر ١٩٠٨ أصبح بطرس غالي باشا رئيسا للنظار (أيام الخديو عباس حلمي الثاني: ١٨٩٢ـ١٩١٤)، بعد أن كان ناظرا للخارجية (١٨٩٩) وناظرا مؤقتا للحقانية (١٩٠٦). وقد ارتاح الأقباط لتعيينه وذهب أحدهم إليه قائلا: «إن شاء الله يا باشا تنظر لمطالبنا القديمة وتساعدنا على نيل المساواة في عهدك»، لكنه قاطعه قائلا: «إني لا أنوي التدخل في هذه المسألة (*)، فأبعدوا عنكم كل هذه الآمال الآن». وفي فبراير ١٩١٠ اغتاله ابراهيم الورداني، أحد شباب الحزب الوطني، «لأنه خائن للوطن». (تاجر ٢٤٩).
(*) لاحظ أن هذا أيضا ما فعله وقاله، بالحرف الواحد، حفيده د. بطرس بطرس غالي، عندما طُلب منه استغلال مكانته (العالمية) المرموقه والسعي لدى الحكومة المصرية لتهتم جديا بمعالجة «ملف مواطنة الأقباط»...

[[ونلفت إلى ذكر الأديرة فنقول أنه في الأجيال الأولى للرهبنة كانت في أرض مصر مئات الأديرة العامرة بالرهبان لكنها صارت تخرب (..) وكانت الأديرة في أيام هذا الأب سبعة منها أربعة في برية شيهيت (وادي النطرون) (..) وديران بالجبل الشرقي (البحر الأحمر) والسابع دير المحرق (..) وفي هذه الأديرة قريب من أربعمائة أو خمسمائة راهب. وكل منها له أطيان خاصة من الإنعامات والشراء يزرعها، فيما عدا الأوقاف. أما أديرة الراهبات فهي خمسة منها ثلاثة بالقاهرة واثنان بمصر العتيقة. أما كراسي المطارنة والأساقفة فكانت تسعة عشر (..) منها كرسي مطران أورشليم وأسقف الخرطوم والنوبة ومطران الحبشة وأساقفته الثلاثة. غير أن هذه الكراسي قابلة للزيادة والنقص (..)]].
** لاحظ الانتعاش في أحوال الأديرة مقارنة بما كانت عليه حتى بداية أيام هذا البطريرك.
[[وبالإجمال نقول أن الحكومة المصرية في أيام هذا الأب كانت في أعلى درجات العدل وحسن النظام والترتيب وأزالت التعصبات الدينية وساوت بالتقريب بين رعاياها نصاري وإسلام ورفعت أكثر المظالم وأتت بكثير من الأعمال الخيرية لنفع عموم الأهالي ومن ذلك عمل السكك الحديدية والتلغرافات والبوسطات وإنشاء الترع والجسور والقناطر وتأسيس معامل الورق والسكر وتكثير الآلات النارية والبخارية وسن النظامات والقوانين وشد الربط والضبط مع إطلاق الحرية الشخصية والدينية وفتح المدارس ونشر العلوم والفنون وتحسنت أحوال مدينة القاهرة فاتسعت عمائرها ونظمت شوارعها وأنيرت بالغاز ومدت فيها مواسير المياه وكثرت فيها المدارس والمطابع وكذلك مدينة الإسكندرية. وأيضا في هذه الأيام كثرت المخالطات والمعاطاة بين أقطار العالم إذ سهلت عليهم الأسفار بفضل الوابورات البرية والبحرية وسهل نقل الأخبار وكثرت الجرائد والكتب المطبوعة وكثر العلماء جدا لا سيما في أوروبا وكثر الأوربيون في بر مصر وبواسطتهم صارت الأعمال الهندسية والعلمية والسياسية لتنظيم بر مصر (..) وبالإجمال كاد القطر المصري يشبه الممالك الأوروبية]].
وبهذه الكلمات الإيجابية والمفعمة بالتفاؤل ـ التي يبدو أنها سطرت في مطلع القرن العشرين ـ ختم مسجلو «تاريخ البطاركة» حولياتهم.

***
وباختصار، يمكن القول أنه بعد قرن من الصدمة البونابرتية وبفضل جهود محمد علي ثم ذريته من بعده، وخاصة سعيد واسماعيل، بدأت تلوح أضواء تبشر بالخروج من نفق التخلف الذي عاشته مصر والعنصرية الدينية والإذلال والقهر التي عاشها القبط عبر قرون الاحتلال الإثني عشر السابقة، وبدأت تتشكل عند الأفق ملامح دولة عصرية يتعايش فيها «المواطنون» على قدر من «المساواة» القانونية بغض النظر عن الدين. وبرغم الانتكاسات والمذابح التي شابت تلك الحقبة، بسبب استحالة التخلص بسهولة من آثار العنصرية الدينية الوحشية المتغلغلة، فقد أصبحت مصر في مواجهة تساؤلات جديدة حول تكوين الأمة المصرية وطبيعة الدولة الجديدة. ولكنها قضت نصف القرن العشرين متأرجحة في الإجابة عليها بين "الجامعة الإسلامية" (التي دعا لها مصطفى كامل ومحمد فريد وجاويش ورشيد رضا وغيرهم حتى حسن البنا والإخوان) و "الجامعة المصرية" (التي قوت منها ثورة ١٩١٩ والتوحد الوطني في مقاومة الانجليز، ثم الفترة "الليبرالية" التالية).
لكن هل تم حسم الإجابة؟ وفي أي اتجاه كان الحسم؟؟

***
وإذ نشكر للقارئ الكريم صبره واحتماله وطول أناته على هذه السلسلة من المقالات، نستميحه في بعض الملاحظات الختامية...
adel.guindy@gmail.com


أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه






2 :عدد الردود تعليقات القراء
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إيلاف.




GMT 14:20:35 2009 الجمعة 2 يناير
1. العنوان: رسالة لمحترمى مصر



الإسم: جاك عطاللة


بعد سرد هذه المأسى التى تخزى و اظهر حقائق أقسى انواع الانتهاك الدينى والجسدى والمعنوى واحتلال عقلى و استيطانى وبعد استعراض رد فعلكم على احداث غزة الاليمة وقدرتكم على التعبير عن الالم والحزن الذى يتملكنا معكم على الضحايا وهذا يعنى ان انسانيتكم موجودة -- الا يفكر المفكرين و قادة الراى واساتذة الجامعات و نخبةالمجتمع المصرى بالتجمع واصدار بيان اعتذار للشعب القبطى عن الجرائم الهمجية التى ارتكبها بحقه الغزاة العرب على طوال التاريخ المظلم و نلحقه بخطة قابلة للتنفيذ للنهوض بالمواطنة المصرية وحقوق الانسان المصرى التى هى اساس بناء اى نهضة لاحقة -- لقد قام نخبة من مفكرى و كتاب و اساتذة جامعات تركيا المسلمين باصدار بيان منشور على الانترنت ووقعه 25الف تركى للان يتضمن اعتذار للارمن و السريان والكلدان والاشوريين عن المذبحة التى ارتكبت وكان ضحاياها ثلاثة ملايين قتلوا بيد الجيش العثمانى و هتكوا سر الجريمة التى تجرم تركيا التحدث عنها -- والان دور نخبة المصريين لغلق الملف نهائيا باعتذار واضح و خطوات عملية لفرض المواطنة المتساوية -- هذا التصرف الحضارى هو ابلغ رد على من ماتت ضمائرهم و تحجرت قلوبهم المستمرين فى الاضطهاد والتنكيل بالشعب المصرى واولهم اقباطه -- فهيا يا اصحاب الضمير الحى الى العمل لكى لا تقع مصر نهائيا بيد من سيقيس اللحى ويلبسكم الجلابيب القصيرة والشباشب ويمنع الموسيقى و يهدم ابو الهول والاهرامات البيان وبعده خطة انقاذ مصر ستضعكم بالتاريخ و تنقذ شعب مصر الغلبان من الاوباش الذين يخططوا لاسقاطه نهائيا بالضربة الزبيبية العظمى





GMT 15:03:23 2009 الجمعة 2 يناير
2. العنوان: لعل الدم يغييرنا



الإسم: لا احد


لعل الدم يغييرنا ان الخواء هو السيد الان، انه السمة الاعظم التي اراها تكشف مدى الزيف و الانحدار الذي وصلنا اليه و ان وقفة مع النفس و الذات لن تأتي فنحن نعتبر نقد الذات هو جلد لها و نعتبر المراجعة مضيعة للوقت و اذا وقف احدنا و انتقد نفسه و عائلته اباه و امه و جيرانه و حييه و مدينته و بلده و حاول طرح مراجعة لكل ما دار من تجارب شخصية او مجتمعية فان اول ما يصدر من جميع الاطراف ان هذا الولد عاق او هذه البنت عاقة و يجب محاسبته/ها و الجيران سوف ينبذونه/ها و الدولة سوف تصفه/ها بـ..... هذا الحد الادنى اما الحد الاقصى فسيكون السجن و بدون محاكمة و ان حُكم عليه/ها فسيكون حكم اصحاب المنافع. اما نقد الذات و المراجعة اذا ما حصلت فهل يملك او تملك الشخصية العربية منهاج علمي للقيام بذلك اقصد اننا لا نعرف كيف نقوم به و لا نملك التجربة الخلاقة في نقد الذات فنحن نحتاج لرجال الثقافة و الادب و الفن و العلم و العلماء ليبدأوا نقل تجاربهم في النقد الادبي و الفني و العلمي الى ممارسة الدراسة الحقة لنقد و تشريح الشخصية العربية كما يفعلون بالنص الادبي او العمل الفني و المسرحي. لكن خلال الاعوام الكثيرة و التي تزيد عن 1400 سنة كل ناقد و فذ لم يجد اذنا صاغية و هذا امر غريب و مرعب و كل فرد عربي يحمل ذهنا منيرا كانت نهايته الموت في ما مضى و اليوم امامه مصيرين الموت او السجن او اذا كان من اصحاب الحظ يهرب و تقبله دولة غربية كلاجىء او يخرج مهاجرا ليقي ذاته من الموتين موت سريري بين اضعانه و اهله و بيئته فهو علماني& او شيوعي سابق او خارج عن العادات و التقاليد و موت في سجون الانظمة فيخرج هاربا او مهاجرا هربا مصطحبا زوجته و اولاده. هل الدم المسفوك يجعل كل واحد منا مخلصا في عمله/ها، او موضوعي في رؤيته/ها للامور، انما نحن لا نعرف الايثار و الترفع عن المصالح، فاذا ما جُلت في كتّاب المحورين محور الاعتدالو محور الرفض و ليس المقاومة لان المقاومة يجب ان تكون ذكية و مرنة و فعالة لا تقوم بفعل مقاوم غير محسوب النتائج، نجد الطرفين يكتبون لمنفعة شخصية بحتة اقصد الراتب الشهري، او لمن يدفع اكثر و لا اجد من هو منصف و يقدم المصلحة العامة على المصلحة الذاتية و تجد كل منهما غير موضوعي البتة، و الطرفين يجعجعون كتابة و شفاهة في الراديو و على الفضائية التي تمارس النكاية و الغطرسة على الجماهير . هل الدم الشلال في غزة سوف يغييرنا نحن لا نملك سياسيا واحدا حقيقيا انما شُبّه لنا انهم لا يعرفون السياسة و لا نملك رجالا او نساءا سياسيين او سياسييات، الذي لدينا اصحاب و صاحبات مصالح شخصية ضيقة الا ما ندر و هؤلاء القلة لا يملكون صنع القرار. و هل بحيرة الدم سوف تنتج مجتمع خال من الاميتين امية الكتابة و القراءة و امية المعرفة، و هل الدم المراق سوف ينتج فكرة قبول الرأي و الرأي الاخر، لا اريد قبول الاخر فهذا حلم غير قريب المنال. اما فكرة المجتمع المدني الذي مازال المثقفون العرب في اغلبهم بعيدين كل البعد عن الفهم الحق لمعنى و مبنى فكرة المجتمع المدني فكيف نطالب بفصل الدين عن الدولة و نحن نحتفظ بستين بالمئة من الامية الاولى امية فك الخط. و هل نصل ليوم ونقبل بالاسر الحاكمة و تصل الاسر الحاكمة للحظة الحقيقة و تقبل بان نشاركها الحكم و توزيع الثروات بشيء من الانصاف. ان تحرير فلسطين قادم لو بعد حين، لكن الدم المراق الان و منذ سنوات في العراق هل غير في العراق شيء او فينا نحن العرب الذين نشاهد و نصمت و نتابع الحياة كمن يمارس العادة السرية نعيش خلف الستائر كل منا يحمل خزيه بين كفيه/ها او بين فخذيه/ها نداري عن انفسنا و ربما لا نخجل من الدم العراقي الذي شاركنا في اراقته كما شاركنا في اراقة الدم اللبناني و الفلسطيني هل التجربة المرة في العراق قدمت لنا او قبلنا ان تقدم لنا العبرة اما السودان و الصومال فهذا امر مرعب اخر لا احد يهمه، حيث لا خلاف عربي حوله انما دولي و لا يهمنا الامن القومي و غير الامن القومي لاننا لسنا قوم واحد انما اشتات اشتات. اخيرا هل يجدر ان نقول اي شيء في حضرة دم الاطفال لا و ربي العظيم انما الرجال الرجال و النساء النساء يشعرون الان بالخزي و العار حيث الهزائم لم تغير فينا قيد انملة و السؤال متى او بالاصح ما هو سبب عدم التغيير فينا و اننا لا نتغير البتة فهل هزيمة 67 انجزت مشروعا عربيا تنمويا




========================================
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2008/8/357458.htm

محاولة لفض الاشتباك حول محاضرة الأسقف

GMT 17:30:00 2008 السبت 16 أغسطس

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


أثارت محاضرة الأنبا توماس أمام معهد هدسون (١٨ يوليو) عددا من ردود الأفعال، تميز أقلها بالعقلانية وأكثرها بالتشنج العصابي، أو بعدائية وعدوانية غير مبررة وغير مفهومة ـ أو بالأحرى مفهومة إذا أخذنا في الاعتبار أن المحاضرة (بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها) قد اقتربت أكثر من اللازم من بعض التابوهات المحظورة.
وقبل أن نناقش الموضوع بالتفصيل، هناك مجموعة من الملاحظات أولية:

١- لا يمكن لأحد إعادة عجلة التاريخ للوراء أو صنعه أو تشكيله من جديد؛ فما حدث قد حدث. وما نحن فيه هو نتيجة للماضي بحلوه ومره، بانتصاراته وهزائمه، بعرقه ودمائه، بزهوره وأشواكه. كما لا يمكن اتهام الأحفاد وأخذهم بجريرة أجدادهم. وإذا أخذنا بالأسلوب "الجيولوجي" فالتاريخ طبقات متتالية متراكمة تستند الواحدة للأخرى ولا تلغيها أو تنفيها.

٢ـ التاريخ عند الشعوب الناضجة ليس مجال تقديس، بل يخضع لعملية مستمرة من البحث: أولا لتدقيق الأحداث بناء على مصادر ومعلومات جديدة أو لغربلة ومقابلة ما هو معروف طبقا لدرجة الثقة؛ وثانيا لإعادة تحليل المادة التاريخية من زوايا مختلفة. والهدف ليس فقط فهم الماضي من منطلق بحثي أكاديمي، بل معرفة أثره على الحاضر والمستقبل. ولا مانع إطلاقا من الاعتراف بأخطاء الأقدمين وجرائمهم بل والاعتذار عنها؛ ليس فقط لتطهير الضمير الجمعي بل، وهو الأهم، إعلان العزم على عدم التكرار!
أما عندنا فللأسف لم نصل بعد إلي الحد الأدنى الذي يسمح لنا بالتعامل مع التاريخ بهذه الطريقة، فهو ملئ ليس فقط بالأساطير والأكاذيب بل بالأوثان التي يتحتم عبادتها والتبخير لها؛ والويل الويل لمن يقترب منها متسائلا. أما ثقافة الاعتراف فهي غريبة عن حضارتنا التي لا تعرف للفخر والهجاء بديلا.

٣ـ لعل جزءا كبيرا من ردود الأفعال للمحاضرة المذكورة يرجع لكون المتحدث أسقفا. وبغض النظر عما في ذلك من تغيير للصورة النمطية لدور رجل الدين (الوعظ وتقبيل اللحى أثناء موائد "الوحدة الوطنية")، فإنها ترتبط، باللاوعي، بفهموم "قداسة التاريخ" حيث تزداد درجة القداسة مع صفة ومقام المتحدث، ولذا يؤخذ على الأسقف مجرد الكلام في موضوعات معينة خشية أن يعني ذلك صعود وجهة نظر "مقدسة" جديدة في مقابل التاريخ المقدس الحالي.

٤ـ كثير من ردود الأفعال للمحاضرة تدل قدر كبير من "انعدام المعرفة" فيما يتعلق بمعلومات مبدئية إن لم تكن بدائية خاصة بتاريخ مصر، وهو يرجع إلى الأسلوب التزويري الذي يقدم به إعلاميا وتعليميا ويدرس لأطفالنا في المدارس. ومن ناحية أخرى، فإن الكثير من مقولات الأسقف لا يمكن فهمها إلا في سياق اعتبارها ردودا على معلومات شائعة وخاطئة ـ بل أحيانا متعمدة الخطأ باعتبارها جزءا من منظومة من الكذب المتكامل التي لا يُسمح فيها بمناقشة أو تحدي إحدى جزئياتها خشية انهيار البنية كلها.

٥ـ قضية التمييز الديني في مصر ليست منبتة الصلة بالتاريخ، بل إن العكس أصح لأن التمييز لم يهبط علينا من كوكب آخر وهو ليس من فعل الجان والشياطين أو مجرد ممارسات بعض "ذوي النفوس الضعيفة"، ولا حتى مجرد نتيجة مجموعة من القوانين السخيفة التي تحتاج لتعديل؛ بل له جذور عقائدية وتاريخية وثقافية تغذيه لدى الحكام والمحكومين، المتعلمين والجهلة؛ وهي تبرر له، هذا إن لم تجعله يبدو طبيعيا تماما بل حتميا. ولعل المقاومة التي تتعرض لها مبادرات مقاومة التمييز الديني أكبر دليل على عمق المشكلة وأهمية التعرض لها من كافة جوانبها وتطهير قروحها وتجفيف منابعها.
ونضيف أن توكيد المساواة في المواطنة والقضاء على التمييز ليس منحة ولا منة من أحد، والذين يساندون هذه القضية ـ مشكورين ـ لا يفعلون ذلك (ولا يجب) حبا في سواد عيون الأقباط، بل سعيا لكي تتخلص مصر من هذا العار المشين الذي مازالت تتمسك به في وسط عالم القرن الحادي والعشرين الذي يعلي الإنسان وحقوقه وقيمه. وإذا كانت هناك رغبة في تحسين مستقبل (وصورة!) مصر فلن يحدث هذا إلا بعد نفض قيم التخلف، وعلى رأسها التمييز وخلط الدين بالدولة.

٦ـ وصف معهد هدسون بأنه "مؤسسة معروفة بانحيازها لإسرائيل وعدائها لكل من هو عربي أو يتحدث العربية" هو، في أقل القليل، كلام يفتقر إلي الحد الأدنى من المصداقية، أو ربما كان إسقاطا مبنيا على الطريقة التي تدار بها معاهد "البحوث" عندنا حيث دورها غالبا هو تبرير ما نفعل وشجب وتفنيد ما لا نحب. فالمعهد المذكور مؤسسة محترمة بالمقاييس العالمية، ولم يسمع أحد بعدائه "لكل من يتحدث بالعربية" (!!)، وبه ما لا يقل عن ٤٦ مجالا بحثيا يهتم بها؛ من البيئة إلى حقوق الإنسان ومن الدراسات الكورية إلى أوروبا، ومن الاقتصاد العالمي إلي التكنولوجيا البيولوجية. ولا يحتل الشرق الأوسط بأكمله إلا عنوانا واحدا منها. فهل أصبح تمحورنا الذاتي يلاحقنا في كل شيء؛ وما لم يشاركنا الآخرون التبخير لقضايانا، فهم أعداء ومتحيزون ضدنا؟
***
والآن إلى بعض القضايا المثارة، بدءا بمن هم القبط؟
يؤخذ على الأسقف أنه استهل محاضرته بتعريف معنى كلمة "قبط". ومثلا يقول الصديق الفاضل د. منير مجاهد {(...) أن اسم 'إجيبتوس' هو الاسم اليوناني لمصر ولم تكن مصر دائما تدعى 'إجيبتوس' كما قال نيافته، ويعتقد البعض أن هذا الاسم تحريف للاسم الذي عرف به المصريون موطنهم في اللغة المصرية القديمة وهو "كِمِت" (...)}. ويضيف، فيما يبدو ـ لشديد الأسف ـ كمحاولة للتفتيش في الضمائر: {والسؤال هنا لماذا تجاهل الأسقف تاريخ مصر واسمها الذي استمر لآلاف السنين وانطلق من الاسم اليوناني باعتباره الاسم الذي كانت تعرف به مصر دائما؟ أظن أن السبب هو محاولة إيجاد أرضية مشتركة مع المستمعين المنحدرين من الحضارة الأوروبية والذين يعتبرون أنفسهم امتداد للحضارتين اليونانية والرومانية وكلاهما لم يعرف مصر إلا باعتباره إجيبتوس}.
والصحيح أن المصريين عرفوا بلادهم باسم "كيميت" أثناء المملكة القديمة، ثم أصبحوا يشيرون إليها بــ "هت ـ كا ـ بتاح"، أي "بيت (معبد) ـ روح ـ بتاح"، حيث "بتاح" هو رب الخلق، ورب كل الصناعات والفنون والمعبود الرئيسي في منف. ومع مجئ الإغريق، تحور الإسم إلى "هيجيبتوس" ثم "آيجبتوس" (Aigyptus) الذي أصبحت معروفة به في كل مكان في العالم القديم. وقد دخل الإسم في الأساطير الإغريقية وذكره هومير في ملحمة "الأوديسا".
ولعلنا نضيف هنا أن مصر كانت تحت الحكم الروماني "ولاية" واحدة تخضع مباشرة لروما وأحيانا للإدارة الشرقية. ولكن في سنة ٥٥٤ أي قبل قرن من الغزو العربي، غيّر الإمبراطور البيزنطي جستنيان التنظيم وقُسّمت مصر إلى ولايات أربع تحت إشراف الحاكم العام للشرق: وهي "آيجيبتوس" (أي مصر) وتشمل (غرب) الدلتا والإسكندرية، و"أغسطامنيكا" وتشمل شرقي الدلتا حتى العريش، و "أركاديا" وتشمل مصر الوسطى حتى البهنسا، و "طيبة" من الأشمونين حتى أقصى الجنوب. (وغني عن الذكر أن هذا التقسيم كان من أسباب الهزائم أمام الغزو الفارسي ثم العربي نظرا لتفتت المسئولية الخ).
علي أي حال، فمثل التحوير الذي حل بإسم مصر (آيجيبتوس) مع الإغريق، نطقته الشعوب الأخرى بصور تتفق مع صوتيات (فونيطيقيات) لغاتها. وهكذا أطلق العرب على أهل مصر "جبت" (جيم غير معطشة) أو "قبط"، وكان ذلك بلا شك قبل الغزو.
إذن، فكل ما كان الأسقف يحاول شرحه (باستخدام كلام معروف، تكرر كثيرا فيما قبل، حتى لو جهله البعض) هو توضيح أن تعبيرات "أقباط" و "قبط" (أو "كوبت" باللغات الأجنبية) تشترك مع "إيجبت" (وهو إسم مصر في اللغات الأجنبية قاطبة حتى اليابانية والصينية) في كونها من جذر واحد هو "آيجبتوس"، الذي هو من جذر مصري حقيقي يختلف عن جذر "كيميت". ما هي المشكلة؟ وما هي دواعي القفز إلى التخوين والظنون (التي بعضها إثم) بأن الرجل يحاول إيجاد "أرضية مشتركة" مع الخواجات؟؟؟
***
وهنا يثور سؤال (تقليدي): من قال أن القبط (الأقباط) تعبيرٌ اقتصر أو يقتصر على المسيحيين المصريين؟
كان العرب بعد دخول مصر يطلقون اسم "قبط" على أهل البلاد الأصليين، آخذين في الاعتبار أن مصر كان بها في ذلك الوقت جالية يونانية، وأخرى يهودية كبيرة، وبغض النظر عن الذين اندمجوا في المصريين وأصبحوا جزءا من "القبط". وفي "تاريخ البطاركة" الذي كتبه "ساوري" (الشهير بـ "أبي البِشر ساويرس بن المقفع") في القرن العاشر، بناء على حوليات وروزنامات محفوظة بالأديرة، والذي حقق ونشر مخطوطاته الباحث عبد العزيز جمال الدين في ٢٠٠٦، نجد ما يطلق على المصريين. فهو يشير أحيانا إلي المسيحيين "الأرثوذوكسيين" (بالمقابلة مع "الخلقدونيين" من أتباع المذهب البيزنطي)، وفيما بعد باستخدام التعبير العربي الجديد "النصارى" الذي كان يطلق بغض النظر عن الطائفة. ومن تحولوا إلى الإسلام، كان يُطلق عليهم ببساطه "مسلمون"، حيث أن تعبير "العرب" كان حكرا على الغزاة. ويلاحظ القارئ المدقق أن تعبير "القبط" يظهر لأول مرة حوالي سنة ٧٥٠ أي بعد أكثر من قرن من الغزو، ليطلق على المسيحيين من أهل البلاد على وجه الحصر.
إذن فإنهم العرب الحكام الذين ابتدعوا هذا التخصيص وليس "القبط" أنفسهم.
أما عن عروبة القبط والمصريين أم عدمها، فقد تعرضنا للموضوع بقدر من الاستفاضة في فصل بعنوان "مصر ومشكلة العرب مع الجينات" من كتاب "الحرية في الأسر"، قلنا فيه أنه {لا يشرف المصريين، كما لا يشينهم، أن يكونوا عرب العنصر. فالعنصرية، في كلتا الحالتين، دعوة مقيتة تفترض أن مجموعات بعينها من البشر تتمتع بتميز في الجينات التي تسكن خلاياها. وبالإضافة إلى فساد تلك الفكرة علميا، فالمهم هو الجينات الحضارية والثقافية (..)}.
ونقلنا عن جمال حمدان قوله أن المصريين القدماء شعب أصيل (autochtonous) لم يفد من مكان آخر وإن كانت قد حدثت اختلاطات، لكن مع وجود استمرارية جنسية عبر العصور ومنذ ما قبل الأسرات. وخلصنا إلى كون المصريين الحاليين هم (بغض النظر عن اختلاف الدين) من سلالة المصريين الأقدمين مع وجود قطرات من دماء عربية وسامية وقوقازية وأوروبية الخ ذابت فيها.
باختصار فالمصريون اليوم، ليسوا فقط "مصريين" قانونيا، أي كونهم ممن يحملون جنسية البلاد؛ ولكنهم، شاء البعض أم أبى، يمثلون ـ أو ينبغي ـ"سبيكة" واحدة. وبحكم التعريف فالسبيكة تتكون من أكثر من عنصر، ولكن يستحيل إعادتها لعناصرها الأولية إلا عن طريق "فصل كيميائي" (أو كهروكيميائي) ـ وهي في هذا تختلف عن "الخليط" الذي يمكن استخراج مكوناته عبر عملية "غربلة" أو فصل سهلة نسبيا.
وربما تشي ردود أفعال المحاضرة، دون قصد، بحالة من الشك العميق في الذات يعاني المصريون منها، إذ أصبحوا لا يعرفون من هم بالضبط وما هويتهم وماذا يجمعهم، وهل ما يُقرّب بين البعض منهم وبين أهل ماليزيا أكثر وأعمق وأهم مما يجمعهم بباقي مواطنيهم... فالمشكلة الحقيقية التي تواجه "السبيكة" اليوم هي هي "هويتها"؛ والأخطر من ذلك هو عمليات "الفصل الكيميائي" التي تجري بلا هوادة لتفكيك السبيكة.

***
وللحديث بقية لتناول تساؤلات أخرى عديدة....
===============================


http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2008/7/349822.htm
أبشر بشيرا، والعقبى للباقين

GMT 17:00:00 2008 السبت 19 يوليو

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


نادرةٌ هي الأنباءُ السعيدة في العالم العربي. ولذا جاء خبر طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير‏، تمهيدا لمحاكمته بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، ليثلج قلب أي إنسان لديه أدنى اهتمام بحقوق الإنسان.
وكما هو متوقع تماما، فقد استنكر الرئيس السوداني القرار‏ ووصفه بأنه "يهدف إلي إلهاء السودان عن خطواته التي انخرط فيها‏" (!!) واعتبره خطوة كيدية‏ (!!)‏ وقال‏:‏ "إن رسالتنا للذين يريدون وقف مسيرتنا هي الاستمرار في التنمية‏،‏ وعدم الالتفات لمثل هذه الدعوات‏"‏ (!!). وخرجت في الخرطوم مظاهرات، تأييدا للمتهم الذي شارك فيها بالرقص! كما استنكرت جامعة الدول العربية الطلب، وسارع الاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي بالإعراب عن قلقهما البالغ إزاء هذا القرار، وحذرا من تداعياته الخطيرة...
الظاهر، بناء على ردود الأفعال الإعلامية لهذا النبأ (التي راجعنا العديد منها)، أن المهتمين بالإنسان وحقوقه مازالوا قلة نادرة في العالم العربي التعيس.. وسنتخذ كنموذج لتك الردود مقالا واحدا، بعنوان "الآثار السلبية لطلب اعتقال البشير" نشر في صحيفة "قومية" مصرية (في 15 يوليو) يعبر عن غالبية التعليقات السائدة، وهو متخم بأنواع الجهل والكذب والعبث الحنجوري المعتادة. وفي تناولنا له لا نسعى فقط لتوضيح بعض الأمور بل، وهو الأهم، استشفاف نوعية العقلية السائدة وكيف تتعامل مع مشكلة كهذه:
1ـ [المحكمة لا وصاية لها علي السودان لأنه ليس عضوا بها‏].
نظام المحكمة الجنائية الدولية، الذي يطلق عليه "نظام روما الأساسي" (Rome Statute) والذي أعد في 17 يوليو 1998 ودخل حيز التنفيذ في أول يوليو 2002 بعد أن تم التصديق الدولي على معاهدة روما المؤسِّسة للمحكمة، ينص (المادة 12ـ أ) على إمكانية نظر المحكمة في قضايا تتعلق بجرائم ارتكبت زمنيا بعد تاريخ دخولها حيز التنفيذ. وينبغي أن تكون الدولة ـ حيث وقعت الجرائم ـ قد صدقت على المعاهدة أو، خلافا لذلك، (المادة 12 ـ ب) أن تكون القضية قد أحيلت للمحكمة بواسطة مجلس الأمن الدولي طبقا للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة (الذي يتيح للمجلس التدخل الاستثنائي في "الشأن الداخلي" لدولة ما، إذا استدعت الظروف).
صحيح أن السودان لم يصدق على اتفاقية المحكمة وإن كان قد وقع عليها. إلا أن القضية أحيلت للمحكمة بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1593 بتاريخ 31 مارس 2005 الصادر بالإجماع والذي ينص بوضوح على أن المجلس يعمل طبقا "للفصل السابع". وقد جاء القرار لأن الجرائم استمرت لسنوات بالرغم من الاحتجاجات والضغوط الدولية ولم يُقدَّم فيها شخصٌ واحد للمحاكمة. بل، في تحد للمجتمع الدولي، قام رئيس السودان بتعيين أحد رجال الحكم المعروفين بقيادة الحملات في دارفور في منصب "وزير الشئون الإنسانية" (!)
ويطلب المجلس في قراره من المحكمة الجنائية الدولية النظر في أوضاع دارفور اعتبارا من أول يوليو 2002 (تاريخ دخول معاهدة المحكمة حيز التنفيذ) ويُلزم حكومة السودان بالتعاون التام مع المحكمة والنائب العام، ويدعو الاتحاد الأفريقي وكافة الدولة المعنية بالتعاون وينص (مادة 6) على أن التحقيق يمكن أن يشمل مواطني الدول الأخرى غير السودان وغير الموقعة على المعاهدة.
وهكذا فقد مضت أكثر من ثلاث سنوات تمت فيها تحقيقات مفصلة ومستفيضة أدت بالمدعي العام لأن يقدم طلبه بتوقيف البشير مدعوما بالأدلة الجنائية الوافية طبقا للأعراف الدولية (وليس على طريقة أجهزة الشرطة والأمن "إياها"...). وفي ملخص (من 10 صفحات) لصحيفة الادعاء قام المدعي العام بتقديم الأدّلة التي تبرهن على أن الرئيس السوداني قد ارتكب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب في دارفور. ويرى المدعي العام "أن هناك مبررات معقولة للاعتقاد بأن البشير يتحمل المسؤولية الجنائية فيما يخص التهم الموجهة بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب". وتبين الأدّلة "أن البشير قد دبر ونفّذ خطة لتدمير جزء كبير من مجموعات الفور (الذين تنسب إليهم "دار فور")، والمساليت، والزغاوة، لأسباب إثنية. وقد احتج بعض أعضاء هذه المجموعات، وشرعوا في التمرد. وإذ لم يتمكن البشير من هزم الحركات المسّلحة راح يهاجم الشعب". ويقول المدعي العام "إن دوافع (البشير) سياسية في معظمها وهو يتذرع بحجة "مكافحة التمرد"، لتنفيذ الإبادة الجماعية".
ومن دواعي الدقة توضيح أن أمر التوقيف لم يصدر بعد، بل إن المدعي العام قد تقدم بالطلب لهيئة المحكمة التي تملك وحدها سلطة القرار، وقد توافق كليا أو جزئيا على الطلب أو ترفضه تماما أو تطلب المزيد من الدلائل التي تسوغ الأمر بالتوقيف. وتاريخيا، فإن المحكمة قبلت طلبات المدعي العام السابقة (وعددها 11 حالة) ولذلك فمن المنتظر، لكن ليس من المؤكد، أن يقبل الطلب ويصدر أمر التوقيف خلال أسابيع. كما أن تنفيذ التوقيف وما يليه من محاكمة لا يعني "الإدانة"، لأن المحكمة يقوم عليها قضاة دوليون مرموقون وليس من الذين يحكمون طبقا "لتوجهاتهم الفكرية" أو "للتوجيهات السياسية التي تأتيهم".
2ـ [رئيس الدولة لديه حصانة‏، ولا يمكن توجيه أي اتهامات إليه وهو في منصبه].
من قال هذا؟ لا يوجد في النظام الأساسي للمحكمة ما يعطي حصانة لرئيس دولة، بل إن أشهر المحاكمات في السنوات الأخيرة تتعلق برؤساء دول. وهي وإن تمت عبر محاكم خاصة (سلوبودان ميلوسوفيتش أمام محكمة يوغوسلافيا السابقة، وتشارلز تايلور أمام محكمة سيراليون) إلا أنها تستند إلى نفس مبادئ ونظام المحكمة الجنائية الدولية. والتحقيق الذي تجريه محكمة "اغتيال رفيق الحريري" يمكن أن يطول الرئيس بشار الأسد....
ومن ناحية أخرى، لا يوجد قانون في أي دولة محترمة في العالم يعطي رئيس الدولة حصانة بصورة مطلقة، وخاصة بشأن تهم مثل التي يتضمنها طلب توقيف البشير. وقد تكون هناك حالة عدم مساءلة و "حصانة طبيعية" مفتوحة للحكام طبقا لعقليات وثقافة بلادنا ومنطقتنا العزيزة (راجع بكائيات أيتام صدام)؛ لكن هذا يتفق بصعوبة مع قواعد محكمة محترمة تستند إلى القانون الدولي..
وهل لنا أن نتساءل لماذا لم ترتفع الحناجر بمثل هذه الدفوع "المنطقية" لكي لا يُقدم "الرئيس" سلوبودان مليوسوفيتش للمحاكمة في 2001 علما بأن ما فعله ضد المتمردين المسلحين الألبان في كوسوفو أقل بكثير مما ارتكبه البشير ضد الأهالي العزل في دارفور (وقبل ذلك ما ارتكبه هو وسابقوه من حكام السودان ضد سكان الجنوب)؟؟
3ـ [شعوب الأمة العربية والشعوب المحبة للسلام يساورها القلق من الآثار السلبية لطلب الاعتقال الصادر في حق رئيس دولة وأكبر رموزها في الوقت الذي يقود بلاده إلي مرحلة جديدة من التحول الديمقراطي].
لا نعرف من وما هي هذه الشعوب "المحبة للسلام" التي يمكنها أن تقبل بالتعامل مع الجرائم ضد الإنسانية طبقا للمزاج أو على طريقة "عفا الله عما سلف" ومادام الرئيس المؤمن عمر البشير بدأ "يقود بلاده نحو مرحلة جديدة من التحول الديموقراطي (!!)" فهذا خير وبركة ولتسعد أنفس مئات الألوف من القتلى والجرحى وملايين المشردين واللاجئين والمغتصبين والمباعين رقيقا بهذه المراحل الجديدة من التحول.
إن المحاسبة والمساءلة وتفعيل القانون تمثل الطريق الوحيد لضمان احترام القانون مستقبلا وعدم العودة إلى دائرة مفرغة من العنف والانتقام. فالسلام لا يمكن أن يتحقق بدون عدالة، وهما وجهان لنفس العملة.
ونلفت النظر إلى أن الهدوء والسلم لم يعودا في ليبيريا إلا مع محاكمة تايلور، وفي أوغندا إلا مع بدء المحكمة الدولية للتحقيقات مع أطراف الحرب الأهلية هناك.
4ـ [على حكومة السودان تقديم كل من ثبت تورطه في ارتكاب الجرائم التي وقعت في أحداث دارفور الدامية إلي القضاء الوطني السوداني ليقول فيهم كلمته‏.؛ فهذه هي الحجة التي تتذرع بها المحكمة..].
إن المسئول الأول عما جرى ويجري في السودان هو رئيس الدولة بحكم موقعه وما ثبت (طبقا لصحيفة الاتهام) من ضلوعه شخصيا في توجيه عمليات ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. وحتى لو تمت محاكمة "من ثبت تورطه" من أتباعه فهذا لا يعفيه من المسئولية التي لا تنقضي، في مثل هذه الجرائم، بالزمن أو بتلبيس التهم لآخرين.
لاحظ أن المقال لا يطالب بمحاكمة المذنبين لأنهم أذنبوا وارتكبوا من الجرائم ما يستوجب العقاب، بل لمجرد سد الباب أمام المحكمة (!!) وهذه العقلية الذرائعية تدل على حَوَلٍ فكري وعمى أخلاقي بلا شبيه، هو من أسس الداء الذي يقف وراء ما جرى ويجري في السودان وفي سائر أرجاء منطقتنا....
5ـ [توقيف رئيس دولة عربية تسعي جاهدة إلي حقن دماء أبنائها من خلال توحيد صفوفهم‏،‏ ووأد الفتنة بين أعراقهم هو وصمة عار في حق المدعي العام].
ها هو يقفز للسطح أسلوب قعدات الصلح البدوية التي لا تفقه أسس العدل، ولا تهتم به أو بها أصلا، وتعتبر أن عزم أو زعم الحاكم، بعد ارتكاب جرائمه، "توحيد الصفوف ووأد الفتنة" يكفي لإكفاء "ماجور" على الجرائم السابقة.. هذا هو التفكير "النسبوي" الذي لا يقيس الجريمة بنوعها وبدرجة فداحتها، بل طبقا لشخصيات الجناة والمجني عليهم. والحقيقة أننا كنا سنتفهم تماما مبررات هذا التفكير السقيم لو كان البشير متهما من قبل المحكمة بجرائم ضد سكان الجنوب الكفار، لكن الأمر يتعلق بـ "مسلمين"، جريمتهم الوحيدة هي اختلافهم الإثني (العنصري) عن حكامهم الذين يضطهدونهم.
أما الكلام عن "وصمة عار في حق المدعي العام" فهو نوع من البلطجة الحنجورية الفجة التي تفضح عقلية ونفسية قائليه.
6ـ [المدعي العام يصمت عن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها كل يوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي (...) ولا يحرك ساكنا باستخدام صلاحياته التي نصت عليها المادة ‏(15)‏ من النظام الأساسي للمحكمة لإجراء تحقيقات‏].
ألم نزهق بعد من شماعة "إسرائيل" ومن تعليق كل ما يحدث وما لا يحدث عليها؟ وهل يستحيل عمل إصلاح أو الاعتراف بوقوع جرائم في أي مكان إلا بعد التخلص من إسرائيل وإلقائها في البحر؟
أما المادة (15)، التي يتفذلك المقال بشأنها، فهي تنص في الواقع على صلاحيات المدعي العام للمبادرة بالتحقيق في جرائم تقع في دائرة اختصاص المحكمة؛ أي، كما ذكرنا أعلاه، بالدول التي صدقت على اتفاقية المحكمة أو طبقا لقرار خاص من مجلس الأمن (الفصل السابع). وللأسف فإن إسرائيل (الخبيثة) لم تصدق على المعاهدة... ولكن، من ناحية أخرى، لا توجد دولة عربية واحدة ـ بما في ذلك مصر (وقعت ولم تصدق) ـ بين الدول الـ 106 التي صدقت عليها. لماذا يا ترى؟؟ هل لأنها ليست أقل خبثا؟
ونلاحظ أن النظام الأساسي للمحكمة يقدم تعريفات قانونية محددة ومفصلة للجرائم الخطيرة التي يمكن لها النظر فيها، وتشمل التطهير العرقي (مادة 6) والجرائم ضد الإنسانية (مادة 7) وجرائم الحرب (مادة 8). ونلفت النظر بالتحديد إلى أن الجرائم ضد الإنسانية تشمل، إضافة إلى القتل والإبادة والاستعباد والتعذيب والاغتصاب، جريمة "الاضطهاد" ضد أي جماعة على أساس العنصر أو الثقافة أو الدين الخ، والذي يتم تعريفه: "بالحرمان المتعمد والشديد من الحقوق الأساسية فيما يتعارض مع القانون الدولي" (Intentional and severe deprivation of fundamental rights contrary to international law ). هل سيأتي اليوم الذي تنظر المحكمة، مثلا، فيما يحدث لأقليات العالم العربي والإسلامي؟؟
7ـ [الاتهامات تمثل تصعيدا خطيرا من جانب المحكمة في تعاملها مع السودان،‏ مما يؤدي إلي مزيد من تعقيد الموقف،‏ ويهدد بانهيار جهود المفاوضات السياسية].
هذا صدى واضح لكلام الرئيس حسني مبارك الذي حذر، أثناء وجوده في باريس، "من عواقب التوجه التصعيدي من جانب المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في تعاملها مع السودان (..)"‏، وشدد علي أن من شأن هذا التوجه أن يؤدي إلي مزيد من تعقيد الموقف‏،‏ بما يهدد بانهيار جهود المفاوضات السياسية بين حكومة الخرطوم والمتمردين في دارفور من أجل التوصل إلي تسوية الوضع في الإقليم‏.
وقد عبر مبارك عن موقفه هذا خلال لقائه في باريس مع بان كي مون‏، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي رفض بالطبع التدخل "السياسي" في أعمال المحكمة الدولية المرموقة التي يتمتع قضاتها بالاستقلال التام. ولكن نشك تماما في أن الرئيس مبارك قد أدرك معنى هذا الرد ـ الصفعة، أو فهم مغزاه.
ومرة أخرى تنكشف العقليات التي تعتبر أن "توجيه الاتهامات" من محكمة إلى متهم هو "تصعيد خطير". بمعنى آخر ترى وجود ندية بين المتهم وقاضيه، وإمكانية "الفصال" والحوار بينهما! كما تعتبر "التفاوض" بين الجناة وضحاياهم أمرا مقبولا وطبيعيا، يجد الضحايا خلاله مجبرين على القبول بدواعي التوازن والانصياع لتبعات الابتزاز، ولتذهب مبادئ العدالة إلى الجحيم. أليس هذا هو بالضبط الأسلوب الذي يجري في مصر أثناء الاعتداءات "الطائفية" التي لم يحدث قط أن نال مرتكبوها جزاءهم، والتي كثيرا ما يعاقب فيها الضحايا حفظا على التوازنات، أو يُطلب منهم الجلوس والتفاهم مع الجناة والتنازل عن حقوقهم "منعا للإثارة" أو "حقنا للدماء"؟
***
باختصار، فإن عينات أسلوب التعامل مع القضية التي ذكرناها أعلاه تبين الدرك الذي وصلنا إليه: حَوَلٌ ذهني، عمى أخلاقي، التواءٌ نفسي، وخرفٌ سياسي.
وختاما نطمئن الرئيس البشير، في حالة محاكمته، أن لن يواجه حبل المشنقة مثل غيره (...عقوبة الإعدام محرمة) وأن المحكمة بها دائرة استئناف، وأن سجن "لاهاي"، وإن لم يكن مرفها فهو ليس بهذا السوء؛ وعلى الأقل لا يوجد به تعذيب... وعموما لا يجب عليه أن يخشى الملل في السجن، فلا شك أن حكاما آخرين سوف يؤنسون وحدته آجلا أو عاجلا....

adel.guindy@gmail.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه






24 :عدد الردود تعليقات القراء
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إيلاف.




GMT 14:01:46 2008 الأحد 20 يوليو
1. العنوان: إلى السماني



الإسم: آه آه


يقول السماني صاحب التعليق الأول البشير لن يسلم ونحن شعب السودان خلفه ىجميعنا بشير لقد سبقك إلى قول ذلك مريدو صدام. فهل فهل أفدوه بالروح والدم كما كانوا يقولون. ؟؟؟؟؟





GMT 12:08:14 2008 الأحد 20 يوليو
2. العنوان: انصر اخاك



الإسم: جاك عطاللة


من المخجل ان يقف الباطل مع الباطل ويناصره علنا بدون اى ذرة شعور انسانى او قبول المسئولية عن ملايين السودانيين الذين قتلوا او اغتصبوا او شردوا على يد عصابات جنجويد البشير - رقص البشير تحدى صارخ سيقابل بحش الوسط كما نقول بمصر وما تجربة صدام ببعيدة -و هذه الشعوب المغسول دماغها بالقطران لن تفيد البشير شيئا و حبل صدام جاهز له ولكل من يؤيده خوفا على مصيره الشخصى من الحكام -- وجود غير البشير من حكام مسيئصلين لشعوبهم لا يعطى اى حجة ولا مصداقية ان يستمر البشير بموقعه وبجرائمه -انها خطوات للمجتمع الدولى تبدأ بالضعيف وتستمر للاقوى مثل كرة الثلج ولايمكن عمليا ان يتم جمع كل الحكام الدكتاتوريين الاباديين بسلة واحدة بوقت واحد ورميهم جميعا بالمحيط ولكن الامر يسير بالاتجاه الصحيح ONE AT A TIME وشكرا للاستاذ عادل الجندى على مقاله القيم والى الجحيم لكل عمر بشير بالعالم





GMT 12:04:42 2008 الأحد 20 يوليو
3. العنوان: حقد في غير محله



الإسم: محمد


الغريب انه منذ صدور القرار و الكتاب المصريون المغتربون في حالة استنفار. فاللكل يكتب عن الموضوع و يعبر عن تأييده بحقد غريب. انا كمواطن عربي مستغرب و اتسائل هل هنالك مشكله بين المصريين و السودانيين تبرر هذا الحقد





GMT 11:52:06 2008 الأحد 20 يوليو
4. العنوان: لنفكر بالعقل



الإسم: اوس العربي


هل تذكرون التدخل الاجنبي في العراق وكيف كانت نتيجته ؟!! اسالوا العراقيين الذين صاروا يترحمون على ايام الديكتاتوريه والافغان الذين يترحمون اليوم على ايام طالبان التدخل الاجنبي لا ياتي الا بكل شر علينا ان لانستقوي بالاجنبي لان الكلفة اكبر والخسائر اعظم يجب ان لا نتحرك تحت مشاعر الضغينة والكراهية ولنفكر قليلا في عواقب الامور التدخل الاجنبي في مصر او السودان كما هو في العراق لم يات الا بكل شر وعلينا ان نقلع اشواكنا بايدينا لا بايدي غيرنا لاحضوا كم كان التدخل الاجنبي في دولة الاتحاد السوفيتي السابق وارووبا الشرقية كم هو ناعم وباقل قدر من الخسائر وانظروا الى التدخل في العراق وافغانستان لم كل هذه الدماء والخراب هل لانهم مسلمين والاخرين في روسيا وشرق اوروبا مسيحيين ؟!!





GMT 11:35:18 2008 الأحد 20 يوليو
5. العنوان: شعوبيون حقده



الإسم: الايلافي


يبدو ان الشعوبيين الحاقدين واللبراليجيين المتصهينين المتامركين وجدوها سانحة لتصفية حساباتهم مع العروبة والاسلام ؟!!





GMT 10:28:22 2008 الأحد 20 يوليو
6. العنوان: رد مهذب



الإسم: عادل جندي


من بين التعليقات المباشرة على بريدي الإلكتروني وصل هذا الرد من ساماني عوض الله (samani2500@yahoo.com)أنشره كما هو بعد حذف العبارات التي تعاقب عليها قوانين النشر: [[لقد قرأت ما نشرته في موقع أيلاف -- لا تعليق علي ما اشرت اليه غير انني اقول لك صراحة انت راجل (..)و (....) والنساء افضل منك. اعلم تماماً ان قرار اوكامبو ليس لشخص البشير وانما استفزاز لشعب السودان كله والعالم العربي -- السودان رفض الانصياع اعلم هذه الحقيقة -- اننا لن نزل ولن نهان ولن نبيع ارادتنا الوطنية للكلاب -- ان كان فقدت وطنيتك وعروبتك فهذا شأن يخصك انت لان العالم العربي والاسلامي لا يشبههك السودانيون دمهم حار جداً وما يبيعون ارادتهم وعزتهم وقد قاوم السودانيون الجيوش البريطانية في اعظم الملاحم واشهرها وهاهم اليوم بذات الروح هم قادرون لصد الخونة امثالك]] ملحوظة صغيرة: كلام كبير ـ لكن ما هي المشكلة في أن تكون النساء أفضل من الرجال؟!!





GMT 10:11:08 2008 الأحد 20 يوليو
7. العنوان: سلمت يـداك



الإسم: مـحـمـد..


سلمت يـداك يا استاذ...حقا الدنيا لازالت بخير...طالما هناك من يرى الجـرائـم جـرائم بغـض النظر عن موقع واصل المجرم...وانتهاكات حقوق الانسان...حدث ولا حرج..فعالمنا الاسلامي عامة والعربـي خاصة..يتبجحون بالاسلام ليلا نهارا..ينسون قول الحق..والله لو فاطمة بنت مـحـمـد سرقت لقطعت يدها...لا تأبه ايها الاسـتـاذ العزيز للردود التي ستنهال عليك بكل عجيب و غريب..فهم لاسف تعرضوا للمسخ وغسل الدمـاغ..





GMT 10:06:43 2008 الأحد 20 يوليو
8. العنوان: arab league



الإسم: sami


أكد وزراء الخارجية العرب ـ في ختام اجتماعهم الطارئ‏,‏ الذي استمر أكثر من‏5‏ ساعات متواصلة أمس ـ ضرورة احترام سيادة السودان‏,‏ ووحدة أراضيه واستقلاله‏,‏ وطالبوا جميع الدول بتأكيد هذا الالتزام عمليا‏,‏ ودعم المساعي الرامية إلي تحقيق السلام والوفاق الوطني بين أبنائه‏,‏ وأبدوا تضامنهم مع السودان في مواجهة أي مخططات تستهدف النيل من سيادته‏,‏ ووحدته واستقراره‏,‏ وعدم قبول الموقف غير المتوازن للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية‏,‏ في الطلب الوارد في مذكرته المرفوعة إلي المحكمة الجنائية الدولية‏,‏ كما أكد الوزراء في قرارهم أهلية القضاء السوداني واستقلاليته‏,‏ صاحب الولاية الأصيلة في إحقاق العدالة‏,‏ وفي ضوء المحاكمات التي جرت‏,‏ دعوا إلي استكمال المحاكمات‏,‏ وتحقيق العدالة الناجزة‏,‏ بمتابعة من جانب جامعة الدول العربية‏,‏ والاتحاد الإفريقي‏.‏ كما أكد الوزراء رفضهم أي محاولات لتسييس مبادئ العدالة الدولية‏,‏ واستخدامها في الانتقاص من سيادة الدول ووحدتها وأمنها واستقرارها ورموزها الوطنية‏.‏ no comments!!!!!!!!!!!





GMT 9:19:32 2008 الأحد 20 يوليو
9. العنوان: تسليم النخوة



الإسم: ناجى وليم رئيس تحرير


عندما قرات هذا المقال الرائع تذكرت رائعة احسان عبد القدوس ( ياعزيزى كلنا لصوص) وانتهز الفرصة للتاكيد على غياب ثقافة حقوق الانسان فى العالم العربى خاصة وسط مجتمع النخوة السياسية والثقافية وهذة فى نظرى بداية تسليم كل النخوة !





GMT 9:19:19 2008 الأحد 20 يوليو
10. العنوان: الأنقلابات العسكرية



الإسم: كركوك أوغلوا


كانت كأعاصير التسونامي التي دمرت الأخضر واليابس منذ أنقلاب عبد الناصر ؟؟!!..سواء أكان زعماؤها عسكر أو مدنيين أو أصحاب عمائم ...........





GMT 5:45:33 2008 الأحد 20 يوليو
11. العنوان: افتراء



الإسم: الطالب


الكاتب يهرف بما لا يعرف ويفتى بجهالة ..اتمنى ان يقوم الكاتب بالتعرف اكثر على الوضع فى السودان وسيرة المسئوليين ليعلم ان الامر لا ارتباط لة بالعدالة المفترى عليها .انت تعلم تماما ان العدالة لم تكن يوما مطلباغربيا .الا فاين هى من ما يجرى فى العراق وفى الصومال وفلسطين ووووووو





GMT 4:31:24 2008 الأحد 20 يوليو
12. العنوان: تحليل قانونى 2-2



الإسم: حقوقى


ومن ثم فلا أثر لنص المادة (٢٧) من النظام الأساسي علي حصانة الرئيس البشير المقررة بالدستور السوداني.ويؤكد ذلك أن بعض الدول التي صدقت علي الاتفاقية أبدت مجالسها الدستورية أو التشريعية تحفظات علي هذا النص، مقررة أن القبول به يستلزم تعديلاً لدستورها أو قوانينها المقررة لحصانة رئيس الدولة أو الوزراء أو أعضاء البرلمان.وقع ذلك في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج (الرأي الدستوري الفرنسي صادر من المجلس الدستوري في ٢٢/١/١٩٩٩، والرأي الدستوري البلجيكي صادر من مجلس الدولة في ٢١/٤/١٩٩٩، والرأي الدستوري في لوكسمبورج صادر من مجلس الدولة بتاريخ ٤/٥/١٩٩٩).فلو افترضنا، جدلاً، أن السودان- أو غيره من الدول العربية- انضم إلي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك سيقتضي تعديلات دستورية ضرورية قبل أن يصبح النظام نافذاً في حق تلك الدول، ذلك أن جميع الدول العربية تقرر حصانات لفئات مختلفة من ذوي النفوذ والسلطان فيها لا يمكن الإبقاء عليها مع الانضمام إلي النظام الأساسي للمحكمة.ومن العجيب أن أدبيات الموضوع المتاحة لا تشير إلي أي تعديل دستوري في الأردن أو جيبوتي (الدولتين العربيتين الوحيدتين المنضمتين إلي النظام الأساسي للمحكمة) مع وجود نصوص دستورية تقرر حصانة رئيس الدولة في كل منهما(!)ويؤكد ما ذكرناه آنفاً من اقتصار العمل بنظام المحكمة علي الدول الأطراف فيها ما أورده نص المادة (١١/٢) من أنه لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها، بالنسبة للدول التي تنضم إلي النظام بعد نفاذه، إلا بشأن الجرائم التي ترتكب بعد بدء سريانه في حقها.(٥)إن التقرير الذي قدمه المدعي العام إلي الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لو حظي بقبول هذه الدائرة وصدر أمر قضائي بالقبض علي الرئيس البشير سيكون سابقة خطيرة قد يصل مداها - ذات يوم - إلي الرئيس جورج بوش نفسه بسبب المجازر التي ترتكبها قواته في العراق وأفغانستان والصومال، وبسبب الدعم غير المحدود المقدم من إدارته لإسرائيل، لتستطيع تنفيذ مجازرها اليومية في فلسطين ولبنان وغيرهما.وقد يصل مداها إلي مئات المسؤولين الصهاينة الذين تثبت وثائق وأدلة لا يرقي إليها أي شك ارتكابهم مئات الجرائم ضد الإنسانية من دير ياسين إلي بحر البقر إلي صابرا وشاتيلا إلي قانا إلي الخليل وجنين وغزة وعشرات الأماكن الأخري.





GMT 4:30:18 2008 الأحد 20 يوليو
13. العنوان: تحليل قانونى 1-2



الإسم: حقوقى


أصواتاً من الغرب، وبعض الأصوات في السودان نفسه، تقول إن المدعي العام قدم تقريره إلي الدائرة التمهيدية للمحكمة بناءً علي طلب من مجلس الأمن، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تحاكم الشخص المعني بناءً علي نص المادة (١٣/ب) من النظام الأساسي للمحكمة.وهذا النص يجيز للمحكمة أن تمارس اختصاصها ;إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلي المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت187;. والجرائم المشار إليها هي الجرائم المبينة في النظام الأساسي للمحكمة.ولكن هذا الرأي مردود، وغير سديد، فهو مردود لأن اختصاص المحكمة بصوره كافة يقتصر علي الدول الأعضاء في معاهدة نظامها الأساسي، ونصوص هذا النظام، كنصوص أية معاهدة دولية أو قانون أو عقد، يجب أن تفسر متكاملة. متجانسة يأخذ بعضها بعَضُدِ بعض، ولا يجوز أن يفسر كل نص منها مبتوراً من سياقه، مقطوعاً عن سباقه ولحاقه، بحيث تتضارب الأحكام وتتنافر النتائج علي نحو يأباه المنطق القانوني السليم.وهو غير سديد لأن اختصاص مجلس الأمن بمقتضي الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هو اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويجوز له بموجب المادة (٤٢) وما بعدها من الميثاق أن يتخذ تدابير عسكرية بما فيها استخدام القوة 171;لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلي نصابه;.وليس في هذا الفصل، لا في ميثاق الأمم المتحدة، ولا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يخول مجلس الأمن، ولا المدعي العام، إلزام دولة مستقلة ذات سيادة بأحكام وإجراءات تقررها معاهدة ليست هذه الدولة طرفاً فيها.وعلي أساس هذا المنطق المسلم في النظم القانونية كافة، يكون اختصاص مجلس الأمن بموجب المادة (١٣/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مقصورًا علي حالات وقوع الجرائم المشار إليها في نص تلك المادة في دولة، أو من دولة، عضو في اتفاقية النظام الأساسي للمحكمة.وطلب مجلس الأمن الذي يوجهه إلي المدعي العام في شأن غير الدول الأطراف في ذلك النظام الأساسي لا قيمة له قانوناً، ولو كان هذا المدعي العام يمارس عمله بالاستقلال المنصوص عليه في المادة (٤٢/١) من النظام الأساسي لرد هذا الطلب إلي مجلس الأمن لعدم تعلقه بدولة من الدول الأطراف في نظام المحكمة.وهكذا، يتبين أن المادة (١٣/ب) من نظام المحكمة لا توفر سنداً قانونياً مقبولاً لما قام به المدعي العام، كما لا يمكن أن توفر هذه المادة أي سند لقرار تصدره الدائرة التمهيدية بالمحكمة للقبض علي الرئيس عمر البشير. (٤)يبقي أن نشير، في هذه الملاحظات العاجلة، إلي أن عمر حسن البشير، رئيس دولة. وهو وفق العرف المستقر في القانون الدولي يتمتع بحصانة قضائية وسياسية لا يمكن النيل منها إلا وفق دستور بلاده وقانونها. وفي النظام الأساسي للمحكمة نص المادة (٢٧) الذي يقرر أن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي.والنص ناطق صراحة بأنه يعمل في ظل (النظام الأساسي للمحكمة)، أي يعمل في نطاق واجبات الدول الأطراف فيه وينطبق علي المسؤولين في تلك الدول.





GMT 2:51:01 2008 الأحد 20 يوليو
14. العنوان: سؤال



الإسم: زنفل


سؤال لماذا هاج و ماج حكومات و رؤساء الدول العربية من قرار المحكمة الدولية ، فما المانع ان يخضع البشير للمحكمة الدولية ، فإن كان غير مذنب فماذا يخشى ؟ و لكن واضح ان الحكام العرب يتحسسون رؤسهم و يخشون ان يلقوا نفس المصير لما فعلوه في حق شعوبهم من اضطهاد و ابادة ، و سرقة ، فهم يصلحوا ان يكونوا رؤساء عصابات اكثر من رؤساء دول ، كيف تعارض الجامعة العربية قرار المحكمة الدولية ، هذا يبرهن على فشل الجامعة العربية ، من المفروض ان الجامعة العربية تكون سند للمحافل الدولية و ليست تعارض قرارتها ، و هذا بشير بنهاية الجامعة العربية .





GMT 2:31:48 2008 الأحد 20 يوليو
15. العنوان: اين العرب



الإسم: نورين


اين كانت هذه الحناجر التي تقف مع البشير عندما قتل 28 ضابطا بفجر ودفن بعضهم احياء , اين كانوا حينما قاد مئات الغارات على شعب جنوب السودان وقتل منهم مئات الالاف في الاحراش باسم الجهاد اين كان هؤلاء عندما اغتصبت مليشياته نساء دارفور وحرقوا قراهم اين هم وهو حزبه الاسلامي الذي حول السودان الى سجن كبير لا يريدون ترك السلطة الا والسودان حريقا لا يقدر احد على اطفائه ..





GMT 2:04:21 2008 الأحد 20 يوليو
16. العنوان: نعم للعدالة. ولكن...



الإسم: حافظ


لا اعتقد ان السودانيون سيرقصون طربا بهذا الخبر. خوفي و خوف معظم السودانيين (بما فيهم الضحايا بمخيمات دارفور) يكمن في عواقب ذلك القرار. فكلنا يعلم ان البشير لن يسلم نفسه، و سيلجأ المجتمع الدولي لحله المفضل في مثل هذه الحالة: الحصارالأقتصادي، الأقتصاد السوداني قد يبدو قويا بسبب البترول لكنه اقتصاد هش للغاية. اي عقوبة على مدخلات السودان سيكون لها عواقب اكثر من وخيمة وقد تعرض حياة الملايين بكل انحاء السودان للخطر في زمن قياسي قد لا يعيه الكاتب و عالمه الحر!!





GMT 2:00:42 2008 الأحد 20 يوليو
17. العنوان: ليس تخريفا



الإسم: أحمد حسين


كلمات تنضح بفحيح الأفاعي، وما قالته الصحيفة المصرية ليس تخريفا بل التخريف هو ما يقوله من يجهلون القانون الدولي، ويتنطعون بكلمات مقطوعة من قوالب السم. ولكن هيهات أن تصل قلوبهم العمياء إلى الحقيقة الوضاءة. البشير جندي في ساحة نضال من أجل وحدة بلده، وعادل جندي في كتيبة للطابور الخامس الذي يخدم أهواء في ضميره المعمى





GMT 0:36:05 2008 الأحد 20 يوليو
18. العنوان: ليس الأن يا اوكامبو!



الإسم: حافظ


لا اعتقد ان الشعب السوداني سيسعد بهذه الخطوة، السبب لا يكمن في حبنا للبشير او قناعتنا ببراءته! لكن المشكلة تكمن في رد فعل المجتمع الدولي، فالبشير لن يسلم نفسه و سيفرض المجتمع الدولي حله المفضل المتمثل في الحصار الاقتصادي! والسودان دولة فقيرة تخلو من اي مقومات دول اخري كالعراق او حتى غزة. اي عقوبة اقتصادية يمكن ان تولد كارثة اقتصادية قد يجهل الكاتب مترتباتها تماما!! وبدلا عن مأساة مليوني دارفوري سنبدأ بالهمس بما آل اليه حال البقيه الباقية (المحظوظة!) من ما كان يعرف بالشعب السوداني





GMT 0:15:14 2008 الأحد 20 يوليو
19. العنوان: هبة المرض والرعب



الإسم: عمر عبد العزيز


هذه اكملهبة اليعربية الافريقية في وجه قرار المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامها لحاكم السودان بارتكاب جرائم ضد الانسانية والمطالبة بمحاكمة ، هبة تثير الاسى ، للمستوى التي وصلت اليه الانظمة والشعوب التي تستجيب لجرائمها وتظهر مدى التشوهات التي اصابت الضمير الشعبي والعلل التي اصابت شعوبا تماهت مع جلاديها واستمرأت تعذيبهم لها فهبت تذافع عن جرائمهم وتغلق اية كوة ضوء ياتي منها الامل لرفع القهر والاذي عنهم ، فسلمت ايها الطاغية العربي وابشر بطول اقامة فوق صدور وجثث هؤلاء المشوهين من ضحاياكم ، نعم ان احساسي بالخزي من هذه الهبة المريضة المخجلة دفاعا عن الطغاة والطغين وحكام الاجرام والموت لا يقل عن احساس الكاتب الاستاذ عادل جندي الذي عبر عن صوت الاقلية التي احتفظت بعافيتها النفسية في عالم من الاذلاء والمرضى وذوي العاهات في عالمنا العربي ، نسال الله ان يخسف به الارض شعوبا وحكاما





GMT 22:07:19 2008 السبت 19 يوليو
20. العنوان: بترول ويورانيوم ؟!!



الإسم: مرتاد ايلاف


وإذا كنا نعلم علم اليقين أن أمريكا وأتباعها من الدول الأوروبية تقود حرب (صليبية ) علي المسلمين في كل مكان من الأرض تصل أيديهما إليه. فما بالهما في قضية (دارفور) تأتيان للتدخل من أجل حماية لفريق من المسلمين؟!! إن الأمر يمثل لغزاً لمن لا يدرك الأسباب الحقيقية للتدخل الغربي، ويدفعنا للتساؤل عن أبعاد هذا التدخل ومراميه.فإن لهذا التدخل أربعة أسباب مهمة وأساسية: أولها: خوف الدول الصليبية الاستعمارية من انتشار المدِّ الإسلامي في أفريقيا وسطاً وجنوباً، وخاصة في جنوب السودان، فهذه الدول التي ظلت تدعم التمرد في جنوب السودان طوال عشرين عاماً أو يزيد - حتى استطاعت الوصول لاتفاق السلام الذي يمهد لانفصال الجنوب - تطمح بعد هذا الانفصال إلى تحقيق حُلمها بإقامة دولةٍ مسيحيةٍ في جنوب السودان. هذه الدولة المستقبلية مُخطَّط لها أن تكون حاجزاً منيعاً أمام انتشار الإسلام في أفريقيا، وأن تمنع التواصل بين المسلمين والشعوب المسلمة المضطهدة وسط وجنوب قارة أفريقيا مع إبقاء دول الشمال المسلم في حالة قلق وعدم استقرار مستمرَّيْن، عن طريق تصدير الاضطرابات من هذه الدولة التي ستكون مرتعاً لأجهزة الاستخبارات العالمية. ثانيها: قضية البترول السوداني، ومحاولات الاستيلاء عليه، من الشركات الكبرى بهذه الدول الاستعمارية الصليبية، حيث يصل الإنتاج الحالي إلى 350 ألف برميل يوميًا - في حالة استقرار الوضع السياسي - واحتياطي يصل إلى 3 مليار برميل، وتقع الاكتشافات النفطية بالجنوب، وجنوب شرق، وجنوب غرب، حيث جنوب دارفور، ذي المساحة الشاسعة، والبترول الواعد الذي يمد أمريكا حالياً - من خلال أنبوبة النفط الممتدة بداية من تشاد- بحوالي 16% من احتياجاتها الاستهلاكية اليومية من البترول. وهناك ما هو أخطر من البترول.. حيث يختلط تراب إقليم دارفور باليورانيوم بكثرةٍ تجعله محط أنظار كل القوى الكبرى عالمياً وإقليمياً. ثالثها: السيطرة على منابع النيل والضغط على مصر والسودان سياسياً، حيث سيصبح مصيرهما مرتبطاً بالدولة المسيحية المسيطرة على مجرى النيل، ومن ثَمَّ مرتبطاً بالدول الكبرى، ورغباتها، وعندها يصير القرار السياسي مرهوناً برغبات هؤلاء، وتفقد مصر والسودان استقلاليتهما عملياً، أو تضطران لخوض غمار حربٍ أمام القوى الكبرى دفاعاً عن الحياة ذاتها، كذلك تقديم مياه النيل هدية إلى إسرائيل التي مازالت تحلم ، وتخطط بوصول مياه النيل إليها ليروي ظمأ المحتلين، وييسر سبل العيش والزراعة لهم بأرخص الأثمان. رابعها: الاستفادة من خصوبة أراضي السودان سلة غذاء العالم العربي، في توفير الغذاء بأنواعه لكل الدول الاستعمارية المشاركة في إشعال الأزمة، مع إبقاء الوضع في شمال السودان على ما هو عليه من عدم استخدام هذه الأراضي بالصورة التي تخدم السودان، والعالم الإسلامي، وذلك من خلال إبقائه في دوامة الصراع، والضغط عليه باستخدام سلاح المياه. إذن تبدو الصورة في حقيقتها مختلفة عن الجزء الظاهر منها... الذي تظهر فيه الولايات المتحدة وأوربا، وهي ترتدي عباءة الأم الحنون التي تعطف على المساكين الذين يتعرضون للاضطهاد والإبادة، حيث يظهر الشكل الحقيقي لثعلبٍ ماكر يداور ويناور من أجل التهام ذلك الجزء من العالم الإسلامي، لتنفتح له أبواب أخرى ظل يخطط لفتحها طويلاً حتى آن الأوان. <





GMT 22:05:03 2008 السبت 19 يوليو
21. العنوان: معايير مزدوجه 1



الإسم: مرتاد ايلاف


اذا كان عمر البشير ارتكب فعلا جرائم ضد الانسانية فماذا نقول عن شارون واولمرت وبوش وبلير ؟!! هذه انتقائية مريعه على كل حال لوكانت دارفور صحراء قاحله هل كان سيهتم بها وبسكانها الغرب ؟!!أزمة دارفور لقيت صدى إعلامياً واسعاً بسبب الخلفيات الإستراتيجية والأطماع الغربية، وهكذا تم إحصاء (17) مليون مادة خبرية في عشرين شهراً خلال عام 2005 وبداية عام 2004 في أربع وكالات أنباء فقط، هي وكالة الأنباء الفرنسية ووكالة الأسوشيتدبرس ووكالة رويتر والـ(بي بي سي)، 5% فقط منها أقرب إلى الاعتدال في معالجتها للمشكلة. لكن لماذا كل هذا الاهتمام العالمي، ولماذا قفزت أزمة دارفور إلى واجهة الأحداث بتلك السرعة بينما كان يجري استتباب السلام؟ منذ بداية الأزمة تغيرت مواقف كل من بريطانيا والولايات المتحدة من الترحيب بالمحاولات السودانية لحل النزاع إلى الهجوم، مدفوعين بالأزمات التي نشبت إثر احتلال كل من أفغانستان والعراق، من أجل الضغط في منطقة أخرى، وهكذا بدأت بعض وكالات الأنباء تبث أخباراً عن دارفور فيها الكثير من المبالغات، وتنشر صوراً مؤثرة على الرأي العام العالمي، وأخذ المسئولون الأمريكيون والأمميون يدلون بتصريحات تهوّل من الأزمة، مثل التصريح الشهير لـ(موكيش كابيلا) المنسق الخاص للأمم المتحدة السابق في السودان الذي قال فيه: إن أزمة دارفور"أخطر مأساة إنسانية على الإطلاق"، ثم أردف ذلك بتصريح آخر لـ(بي بي سي) وصف فيه ما يحصل في دارفور بأنه"إبادة عرقية". أما أخطر تصريح فهو ما أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عام 2003 قبيل زيارته للسودان، والذي قال فيه: إن ما يجري في دارفور أسوأ بكثير مما حصل في رواندا. وليس خافيا علينا ان المنظمات الطوعية والاغاثية في العالم مرتبطة بأجندات إدارية لإبقاء نفسها واستدامة اهدافها ووجودها وكذلك التأثير الغربي المتعمد، فهناك منظمات إغاثيه جاءت من اوروبا والولايــات المتحــدة،ومنظمــات عالميــة اخرى تنتمي الى عدد من البلدان،وتهتم بالاغاثة وحقوق الانسان ووضع حد للانتهاكات،ومنظمات مثل منظمة العفو الهيومان رايتس ووتش 171;الرقابة الانسانية; والعديد من المنظمات العاملة في السودان واطباء بلا حدود.مثل هذه المنظمات تعمل على ابقاء نفسها على الصورة دائماً عبر حملات لجمع الاموال والتبرعات، وبالتالي هناك شك في مصلحتها الحقيقية في استدامة اي نزاع حتى يكتب لها البقاء وهناك اطروحات اكاديمية كبيرة في اوكسفورد وغيرها تؤكد بأن منظمات الإغاثة تستهلك التمويل الذي بيدها لادارة عملها اكثر من اعمال الاغاثة الانسانية.وتصل مصروفاتها الادارية الى70 -80%، والباقي يذهب للمحتاجين ،وهو شي مضحك..





GMT 18:47:29 2008 السبت 19 يوليو
22. العنوان: البشير و بشار سويةً



الإسم: محمد السوري


اليوم البشير و غداً بشار.





GMT 18:19:24 2008 السبت 19 يوليو
23. العنوان: الدنيا ما زالت بخير



الإسم: سركيس دوري


بعد انتهائي من قراءة المقال , أحسست أن الدنيا ما زالت بخير , شكرا لك عادل جندي .





GMT 17:48:46 2008 السبت 19 يوليو
24. العنوان: يي



الإسم: السماني


البشير لن يسلم ونحن شعب السودان خلفه ىجميعنا بشير

====================================================
حكايات الاحتلال (15): الأقباط تحت الحكم العربي الإسلامي

GMT 7:15:00 2009 الأحد 25 يناير

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١٥)
تعمدنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة ترك الوقائع تتكلم، بأقل القليل من التدخل بالملاحظات. وكان القصد من هذا الأسلوب هو أن نضع أنفسنا في جو الأحداث ذاتها، وألا نبدأ بمقولات جاهزة ثم نبحث عن مبررات لها.
والآن جاء وقت تقديم بعض الملاحظات والاستنتاجات، سنقوم بتبويبها تحت عشرة عناوين رئيسية، لافتين النظر إلى ما بينها من ترابط، وإلي أننا سنحاول عبرها تقديم قراءة للتاريخ قد تساعد على فهم الحاضر...

أولا: ما بعد الفتح:
وقف الأقباط (كشعب) إلى حد ما موقف المحايد أثناء الغزو. وقد أبرز حنا النقيوسي (الذي كان معاصرا) صورة كئيبة لأحداث الاحتلال، ذكر فيها حوادث القتل والسلب والنهب والتخريب ولخص الحال بقوله [ولم يكن عند عمرو رأفة بالمصريين ولم يحترم العهد الذي قطعه معهم، لأنه كان من جنس البرابرة] (فصل ١٢٠ـ٣٦).
وقد فوجئ القبط بتقدم العرب غير المنتظر، وبقوا حيارى ومترددين زمنا طويلا. وجاءت هزيمة الجيوش (التي كان بعضها بيزنطيّ الرئاسة، وقبطيّ الجند) لأسباب تتعلق بالترهل وضعف القدرات القتالية وسوء التنظيم (مصر كانت مقسمة لخمسة أقاليم مستقلة) وتخبط التكتيكات. كما ساعد بعض يهود الإسكندرية العرب، ردا على محاولات هرقل تنصير اليهود (بعد أن سمع نبوأة بأن «أمة مختونة» ستأخذ ملكه..). ومع اقتراب الهزيمة، قد قام الرومان (المقوقس وقادة الجيوش) بالتفاوض على تسليم البلاد، ولكن أهل الإسكندرية ثاروا على الاتفاق الذي تم بدون علمهم وكادوا يرجمون المقوقس، ولكن الأمر كان قد خرج من الأيدي برفض قادة الجيوش استمرار القتال.
بعد استتباب الأمور للغزاة، وعندما أدرك عمرو منزلة البطريرك بنيامين أعطاه الأمان ليرجع من مخبئه، ربما بقصد أن يجعله مسئولا ضمنيا عن إخلاص الشعب. أما المزاعم حول رسالة بنيامين لجميع الأساقفة بمناصرة الغزاة (ذكرها ابن عبد الحكم)، فقد كذبتها الأحداث وتجاهلها المؤرخون الآخرون؛ كما لا يوجد ما يشير إلى أن القبط قدموا أي مساعدة لجيش عمرو أثناء حصاره الطويل لحصن بابليون.
أضف لذلك أنه بعد استقرار الأمور عسكريا لصالح الغزاة والسيطرة على البلاد، قام تساؤل «هل فتحت مصر صلحا أم عنوة؟». وكان الجواب الأرجح هو: «عنوة»، بسبب وجود الأقباط في الجيوش البيزنطية دليلا على مقاومة الأهلين للفتح، ولأن حاميتي بابليون والإسكندرية لم تطلبا وقف القتال إلا بعد الشعور بانفلات زمام الأمر. وقد قال عمرو وهو جالس يوما بالمسجد: «لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليّ عهدٌ ولا عقد (..)؛ إن شئت قتلت، وإن شئت خمست، وإن شئت بعت» (البلاذري ص٢١٧). وعندما أسلم رجل في عهد عمر بن الخطاب وطلب رفع الجزية عنه، قال عمر «لا، إن أرضك فتحت عنوة». وفيما بعد كتب الوالي حيان بن شريح إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يسأله في فرض جزية موتي القبط علي أحيائهم، فسأل الخليفة عراك بن مالك فقال: «ما سمعت بعهد ولا عقد وإنما أُخذوا عنوة بمنزلة العبيد»، فكتب عمر إلى حيان موافقا. (المقريزي ـ الخطط ج١).
والموضوع ليس مجرد جدل نظري أو شرعي بالطبع، لما ترتب عليه من أشياء مثل حظر بناء كنائس جديدة أو إعمار ما تهدم منها...

ثانيا: اغتصاب مصر:
منذ الغزو العربي وبسببه وكنتيجة له، اغتُصبت مصر مرارا وتكرارا وأصبحت مداسا لكل من هب ودب، إذ توالت عليها الغزوات الكبرى والصغرى، الواحدة منها تنافس الأخرى همجية وإفسادا. فبعد حوالي القرن من «الفتح» (٦٤٠)، جاءت الغزوة العربية الثانية على أيدي العباسيين (٧٥١). وبرغم مساعدة القبط لهم على التخلص من الأمويين، إلا أنهم كانوا أكثر همجية ووحشية (راجع القمع الدموي ضد البشموريين). وبعد قرن آخر، خرج من داخل العباءة العباسية حكم الولاة الأتراك (الصلاجقة، في ٨٥٦) وكانوا أشر وأضل من سابقيهم. وبعد قرن، جاءت (٩٦٩) غزوة المغاربة (الفاطميين) بتقلباتهم واضطهادات الحاكم بأمر الله الفاحشة. وبعد قرنين، جاءت (١١٧١) غزوة الأكراد (الأيوبيين) بتعصبهم، الذي ضاعفت من وقعه حروبُ الفرنجة وتداعياتُها. وبعد حوالي قرن آخر (١٢٥٠) خرج من عباءتهم المماليك العبيد الذين استولوا على الحكم فصار أشد ظلاما وظلما، لفترة امتدت لأكثر من قرنين ونصف، انتهت بغزوة الأتراك العثمانيين (١٥١٧) الذين، بدورهم، فاقوا الجميع وحشية وفظاظة.
وبعد محاولات الخروج من النفق المظلم على أيدي آل محمد علي (بعد صدمة بونابرت في ١٧٩٨)، جاءت في الثلث الأخير من القرن العشرين الهجمة الوهابية الشرسة التي ترزح مصر تحت نيرها، والتي لا نبالغ إذا زعمنا أنها ليست سوى غزوة غاشمة جديدة في سلسلة الغزوات.
وهذا يجرنا إلى محاولة الإجابة على التساؤل الذي طرحناه في نهاية المقال السابق، بعد الإشارة إلي فترة التردد بين دعوات «الجامعة الإسلامية» و «الوطنية المصرية» التي مرت بها مصر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين.
فالواضح أنه بعد ١٩٥٢ حدد عبد الناصر (الذي كان «أول حاكم مصري للبلاد منذ قرون طويلة») أولويات مصر لتكون أولا «العروبة المرتبطة بالإسلام»: لأن [الدائرة العربية هي أهم الدوائر وأوثقها ارتباطا بنا. فقد امتزجت معنا بالتاريخ وعانينا معها نفس المحن وعشنا نفس الأزمات (..). وامتزجت هذه الدائرة معنا أيضا بالدين، فنقلت مراكز الإشعاع الديني، في حدود عواصمها، من مكة إلى الكوفة... ثم إلى القاهرة]؛ ثم الإسلام، باعتباره [دائرة إخوان العقيدة الذين يتجهون معنا أينما كان مكانهم تحت الشمس إلى قبلة واحدة، وشفاههم تهمس بنفس الصلوات (..) ثم أعود إلى الدور التائه الذي يبحث عن بطل يقوم به (..) ونحن وحدنا بحكم "المكان" نستطيع القيام به]. (فلسفة الثورة ص ٩٤ و ١١٤).
لكن سرعان ما جاء السادات ليوضح الأمر ليصبح دور مصر حول الإسلام أولا وأخيرا («الرئيس المؤمن» و «أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية» الخ الخ). وليس هناك في «الطظات» التي يتفوه بها البعض في حق «مصر» خروج كثير عن هذا المفهوم الذي بات محفورا في دستور البلاد.
وهكذا فإن مصر في القرن الحادي والعشرين لا تزيد كثيرا، في الواقع، عن مجرد «إيالة» في «الدولة الإسلامية العالمية» التي تمارس فيها «الخلافة الوهابية» الآن دور القيادة عبر منظمة «المؤتمر الإسلامي» وباقي المؤسسات النابعة عنه أو المرتبطة به. وعادة لا تكتفي مصر بدور التابع المستكين في هذه «الدولة»، بل كثيرا ما تقود جناح التطرف والمزايدة علي الجميع (راجع أزمة الرسوم الدانماركية).

ثالثا: التخريب المادي والحضاري:
طوال فترات الاحتلال كان همّ سلطة الخلافة المركزية ضمان تحصيل الضرائب وإرسال المال لها. وقد كان شعار الخلفاء هو ما لخصه ببلاغة الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي كتب يأمر متولي خراج مصر: «احلب الدر حتي ينقطع واحلب الدم حتي ينصرم». وكان الولاة لا يُتركون لمدة طويلة حتى لا يكون لدى الواحد منهم متسعا من الوقت لمحاولة الاستقلال.
ويدل إحصاء سريع قمنا به للولاة والسلاطين الذين تولوا حكم مصر بين ٦٤٠ و١٨٠٥ (باستثناء فترة الحكم الفاطمي، حيث كان الخلفاء مقيمين بالقاهرة) على أنهم كانوا ما لا يقل عن ٣١٥، أي بمعدل والٍ كل ثلاث سنوات. وكان الهمّ الأول للوالي هو الإثراء، وكانت جميع الوسائل مشروعة لابتزاز الأموال وتكديسها. أما مصلحة البلاد فتأتي في الدرجة الثانية (إن جاءت أصلا). وليس بمستغرب أن يغترف عمرو، ومن تلاه من الولاة، المال وهو العربي البدوي الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها أمام ثروات كبيرة.
ولم تكن هناك أي تدابير طويلة، أو حتى قصيرة، المدى لتنمية ثروة البلاد الاقتصادية وأُهملت الإصلاحات العامة تماما، باستثناء قلة من الحكام الذين سعوا إلي الاستقلال واهتموا بتثبيت قواعد حكمهم الشخصي وأمجادهم، عن طريق بعض المشروعات ـ التي كان معظمها يدور حول «المعمار الديني».
وبينما كان مجموع الخراج والجزية يقدر بحوالي اثني عشر مليون درهم أيام عمرو بن العاص، فقد انخفض عبر القرون ليصل إلى مليون ونصف عند دخول الفرنسيين، مما يبين درجة افتقار البلاد. بل إن مساحة الأراضي المزروعة نقصت من ستة ملايين فدان عند «الفتح» لتصل إلى النصف في عهد هشام، أي بعد أقل من ثمانين سنة. وظلت تراوح هذا المستوي حتى عصر محمد علي.
أما عدد سكان مصر الذي كان يقدر بخمسة عشر مليونا عند الفتح فقد وصل إلى ثلاثة ملايين عند مجئ بونابرت.
ويشير ألفرد بتلر (المؤرخ «المعتمد» الذي برأ العرب من تهمة حرق مكتبة الإسكندرية) إلي كيف تدهور الحال سريعا بمصر بعد الفتح [...وكيف اضمحلت تلك المدن العظيمة التي كانت في أخر عهد الرومان مزدهرة. فإن الإسكندرية وإن كانت أعظم مدائن الشرق إن لم تكن أعظم مدائن العالم، لم تكن سوى واحدة من مدائن كثيرة يلي بعضها البعض فيما بين (البحر الأبيض) وأسوان. ولو وصفنا هذا الاضمحلال لرأينا كيف كانت المعابد العظيمة والقصور الجليلة تتهدم وتتخرب (..) وكيف كان المرمر الثمين ينزع من مواضعه لكي تبنى به الأبنية أو لكي يصنع منه الجير، وكيف كانت تماثيل البرونز تصهر لكي تتخذ منها النقود أو لتصنع منها الآنية]. («فتح العرب لمصر» ص ٥٠١)
ومن عينات التخريب الحضاري الذي تعرضت له مصر طوال عصور الاحتلال حملة النهب التي قام بها سليم الأول بعد الغزو العثماني لكل ما هو قيِّم في مصر، حيث لم يترك في القلعة شيئا لم يأخذه، حتى أعمدة الإيوان، إضافة لأعمدة وأحجار فرعونية من الصعيد. وحُمِلت النهيبة إلى القسطنينية على آلاف الجمال وأعداد لا تحصى من المراكب. كما جلب أعدادا كبيرة من الحاذقين في المهن والصنايع والتجارة والفلاحين والعمال ليُسَخِّرهم في تعمير بلاده. وقد حدث نفس الشئ بالنسبة للكنائس عندما أمر خلفاء (مثل المعتصم) بأن «تؤخذ من البيع في كل مكان الأعمدة والرخام».
وعلى صعيد التخريب الحضاري «الرخو» ما أدت إليه هذه السلسلة من الغزوات من «إلغاء» التاريخ السابق عليها واعتبار أن تاريخ مصر وحضارتها يبدآن مع إشراقة الفتح العربي الإسلامي. ولولا اهتمام العالم بالحضارة المصرية القديمة ـ مهد الحضارات العالمية ـ واحتياج مصر إلى موارد السياحة لربما استمر اعتماد تلك الصورة الكاذبة باعتبارها «الحقيقة». ولكن في وسط «الاهتمام» (السياحي) بآثار القدماء، فإن الحكومة المصرية ما زالت ترفض بكل إباء مجرد وجود قسم للدراسات «القبطية» في إحدى جامعاتها، بينما توجد لها عشرات الأقسام في مختلف جامعات العالم...

رابعا: علامات علي طريق علاقة القبط بالغزاة
يمكن رصدها بإيجاز كالتالي:
١ـ الصدمة: اعتاد المصريون منذ قديم الزمن (خصوصا في فترات ضعف السلطة المركزية) على غارات قبائل الآتين من الصحراوات الشرقية والغربية للسلب والنهب والخطف والسبي. ولكن بينما كان هؤلاء يرحلون في كل مرة بعد فترة، قصرت أم طالت (بما في ذلك الهكسوس، أجداد عرب الجزيرة، الذين طوردوا من مصر بعد ثلاثة قرون)، إلا أن الغزاة الجدد تبين أنهم ينوون ممارسة كل ما سبق، زائد البقاء كضيف ثقيل إلى أجل غير مسمى؛ فقد تحول «الفتح» إلى «احتلال واستعمار استيطاني».
وبالطبع فإنها ليست المرة الأولى أو الوحيدة في تاريخ العالم التي تنقضُّ فيها جماعات همجية على شعوب متحضرة مستقرة. وكما يقول ابن خلدون: «فمن كان أعرق في البداوة وأكثر توحشا كان أقرب إلى التغلب على سواه» (المقدمة ج١ ص ١٣٨). وما أكثر ما فعلت قبائل الجرمان والنورماند والفايكنج وغيرهم في أوروبا، والتتار في الشرق. لكن في معظم الحالات كان الهمج البرابرة، سواء استقروا أو رحلوا، ينتهون بالتحضر... إلا في حالة غزوة هذه، فليس فقط رفضوا قبول الحضارة (في مصر والشام وغيرهما) بل أرادوا (ونجحوا في) فرض همجيتهم على الشعوب المتحضرة التي انقضوا عليها.
٢ـ محاولة التأقلم: بعد إدراك حقيقة الواقع الجديد المر، راح القبط يولون اهتماماتهم إلى ما تعرفه عادة الشعوب والجماعات المستقرة المتحضرة: القلم والفرشاة والإزميل والشادوف والمحراث والمنشار والمغزل والمنسج والمصبغ والمسبك والمخبز والمتجر والمدرسة؛ تاركين للغزاة ما يعرفونه ويجيدونه ويحبونه: السيف والحربة والخنجر المسموم والغزو والتآمر والجواري والغلمان (وأداء الفروض الدينية).
٣ـ المقاومة السلبية: في مواجهة جشع الحكام الجدد وفرضهم لصنوف الضرائب، وتعنتهم في أساليب الجباية، لجأ القبط إلي أساليب المقاومة، مثل الهجر الجماعي للمزارع والهرب من مكان لمكان فرارا من التعسف، بعد ما أصبح الإلتجاء إلى الأديرة لا يعفيهم من الالتزامات المادية. لكن الحكام قابلوا هذا بشراسة وفظاظة تليق بهم، فلم يعد مسموحا أن يترك الفرد موطنه للسفر أو الاستيطان في منطقة أخرى بدون تصريح محدد (جواز سفر!) لضمان دفع جزيته. وكانوا يستولون على أراضي من لا يعودون ويعطونها لقبائل الأعراب ثم يجبرون الفلاحين القبط على زراعتها دون مقابل! أما الأرض التي يزرعها العرب فقد كانت "عشرية" أي لا يدفع عنها خراج، بل الزكاة فقط.
٤ـ المقاومة الإيجابية: بسبب زيادة الضرائب الظالمة بشتى الطرق (بما في ذلك إجبار الأحياء على دفع جزية الأموات!)، وتعاظم أساليب القهر في جمعها، أخذت المقاومة شكل «الثورات» ودامت لأكثر من قرن وشملت الوجهين القبلي والبحري وأُخمدت كلها بالقوة. وكانت أولى الثورات أيام الأمويين في (٧٠٦م)، واحدة في الدلتا وأخرى بالصعيد. وقامت ثورة ثالثة (٧٣٨) ثم رابعة (٧٤٠م) وخامسة (٧٤٩) في آخر أيام الأمويين، قُمعت بعنف مما دعا القبط لمساندة العباسيين. ثم كانت ثورة الشموريين (٨٣١) التي انتهت بمذبحة وحشية وتهجير جماعي للباقين على قيد الحياة إلى مستنقعات الأهواز بجنوب العراق، وذلك على يد الخليفة العباسي عبد الله المأمون، الذي تُخلِّد الدولةُ المصرية ذكراه العطرة بإطلاق اسمه علي واحد من أكبر شوارع "مصر الجديدة" (!)
وقد كانت تلك الفترة استثناء لم يعد بعده القبط لمواجهة العنف بالعنف، والتزموا بالمسالمة التي دعت إليها وشجعت عليها الكنيسة.
٥ـ محاولات الترويض: قِبل القبط الأمر الواقع وحاولوا ـ على طريقتهم في ذلك الوقت ـ تجربة معادلة «الأرض مقابل السلام» وبها يتنازلون عن (استقلال) البلاد الكلي أو الجزئي وعن الأرض والحكم، في مقابل العيش في طمأنينة على أنفسهم وأملاكهم؛ ولكنهم خسروا طرفي المعادلة معا، ولم يلبث الخناق أن يضيق عليهم شيئا فشيئا حتي يفقدوا روح المقاومة. ثم بدأوا تجربة طرق التودد إلى والتقرب من الغزاة (المستقرين!)، وتأدية الخدمات، بل والتشبه بعادات المسلمين (انظر أدناه). ثم زادوها بتعلم لغة الغزاة لتحسين التواصل، وهي الخطوة التي أدت مع الوقت لإهمال لغتهم الوطنية، وانتهت بإضعاف هويتهم القومية. وعلى أي حال لم ُتؤد أيٌ من تلك المحاولات إلا لمزيد من القهر والإذلال والازدراء.
٦ـ الاستسلام: حاول القبط التمسك بما يضمن سبل معيشتهم، وبدور عام في إدارة البلاد؛ وهو دور «الكاتب المصري الجالس القرفصاء». فقد كان دولاب العمل في جهاز الحكم الإداري (أي البيروقراطية) معتمدا عليهم بالكامل، وذلك نظرا لمهارات المساحة والمحاسبة ومسك الدفاتر التي لم يكن للغزاة الأعراب البدو دراية بها، ولا بأي من نظم وفنون الإدارة، لذا تركوا الأنظمة القائمة كما هي، واهتموا فقط بما يأخذونه من ضرائب وجزية وخراج. وكان التخلص من القبط يعني استحالة تقدير وجمع الخراج والضرائب؛ الشئ الأهم بالنسبة للغزاة.
ولذلك لم يستطع الولاة الاستغناء عنهم برغم النصوص الشرعية والأوامر الحازمة من الخلفاء (مثل ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأحد الولاة الذي استخدم نصرانيا: «ماذا فعلت يا رجل؟ إن الله سيعاقبك. ألم تدرك معنى قول الله تعالى هذا: «يا أيها الذين آمنوا، لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولاه منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين». ولما احتج ذاك بأنه استخدمه للكتابة فقط وترك جانبا عقيدته، أجابه أمير المؤمنين: «ليس هذا عذرا، ولن أشرِّف أبدا الذين احتقرهم الله، ولن أرفع أبدا الذين وضعهم الله في حالة دنيئة، ولن أقترب من الذين أبعدهم الله منه»). وبعد سبعة قرون من كلام عمر، أكده الفقيه ابن النقاش: «اعلم أن الشرع لا يسمح باستخدام الذميين، وهذا رأي جميع المسلمين. أما العلماء، فقد أفتوا بعدم استخدام الذميين، فحرموه بتاتا أو أعربوا على الأقل عن عدم رضاهم».
وكان بعض الولاة يتجاهلون الأوامر، أو كانوا يفصلون القبط من العمل، ثم سرعان ما يعيدونهم، لعلمهم بأن الأهم ـ في النهاية ـ عند الخلفاء هو المال ولا شئ غيره. بينما حرص آخرون على الالتزام بأوامر الشرع، فمثلا صلاح الدين (الذي كان من بين ألقابه: «جامع الإيمان، قامع عبدة الصلبان») أشار «ألا يُستخدم النصارى نظارا على أموال الدولة ولا مشرفين، فلم يعد أحد من النصارى يُستخدم في نظرٍ ولا مشارفةٍ في أيام دولته ولا مَن ملك بعده من ذريته».
وإن استطاع الكتّاب الأقباط أن يشغلوا بعض المراكز الكبيرة، إلا أن «الشارع الإسلامي»، وخاصة في عصور المماليك وما بعدها، كان يظهر غضبه لرؤية قبطي ذي نفوذ، بل لم يعد يقبل أن يكون لأقلية دينية أي حقوق. وأغلب الظن أن خدمات كبار الأقباط للحكام، كما يقول محمد شفيق غربال، كان أساسها، إضافة للسعي (المشروع؟) للنفع الشخصي، «الخلاص مما كانوا فيه من امتهان، لا يرفعهم من حضيضه ما ملكوه من مال وجاه ولا يفارقهم مهما زادت حاجة الحكام إليهم».
وهكذا فقد قام القبط بالدور الوحيد المسموح لهم به على أفضل صورة، وذلك حتى القرن العشرين وانتشار التعليم... وبعدها لم تعد هناك «حاجة» إليهم. ولذا، أليس من «الطبيعي» جدا (التزاما بنص وروح الشرع) أن يكون تواجدهم اليوم في كافة أجهزة الدولة منعدما، أو لا يتجاوز نسبة «رمزية» لا تتعدى إطلاقا ٢ بالمائة، وهو الأمر الذي يليق بإيالة إسلامية تحافظ على تدينها؟
٧ـ الاضمحلال ـ معركة البقاء على الحياة: مع الوقت، كان الحكام يبتزون أموال القبط بسهولة دون أن يخشوا قيامهم بحركات ثورية، ورتبوا مصائرهم حسب هواهم أو هوى الشعب (الرعاع). وتماهى القبط مع ذميتهم واعتبروا غاية المنال البقاء في الحياة، وطاعة الرؤساء. وبهذا بدأت عصور الاضمحلال مع نهاية عصر الفاطميين ومجئ الأيوبيين. واستشرت عقلية «العنف الرمزي»، أي اقتناع الضحية برأي جلادها فيها (كما يقول عالم الاجتماع بورديو، وهي تقابل «عقدة استوكهولم» التي أطلقها علماء النفس المحدثون على «الرهائن» الذين يدافعون عن مختطفيهم)، إضافة إلى فكرة اعتبار النوائب التي تلم بالناس عقابا سمائيا، وأصبح الأقباط يلومون أنفسهم (بسبب عدم تقواهم) علي ما يحدث لهم. كما اضطروا إلى خفض «سقف طموحاتهم» إلى الحضيض. وقد توافقوا مع أوضاع ذميتهم الذليلة في الدولة الإسلامية «العادلة» لدرجة خروجهم ذات مرة في الشوارع يهتفون للسلطان لأنه أعاد لهم آنية كنسية كان قد استولى عليها بدون وجه حق، كما أنهم شعروا بالفرح لأن أحدا لم يتعرض لهم وهم يدعون للسلطان في الشوارع (!).
ومن ناحية أخرى تزايدت حالات خيانة وطعنات بعض الأقباط لذويهم من أجل مصالحهم الشخصية. وهذه، إضافة إلي التماهي مع ذميتهم الذليلة، آفة استمرت معهم واستشرت، ومازالت، حتى يومنا هذا...
وقد فُرض على القبط الكثير من أوامر ونواهي المسلمين، مثل استعمال حريمهم للحجاب، ومعها بدأ فصل النساء عن الرجال في الكنائس. ولكن القبط أخذوا أيضا ينقلون عنهم الكثير من العادات، مثل ختان الأطفال الذي ألغته المسيحية ولم يكن معمولا به قبل دخول العرب، ثم أمر البطريرك في مطلع القرن الثاني عشر بجعله إجباريا. وفي القرن الثالث عشر، كانت كتابات القبط تغص بالألفاظ الدينية الإسلامية كالبسملة. وكان مرتادو الكنائس يقلدون أحيانا بعض شعائر المسلمين، مثل «الوضوء» (الجزئي) قبل الصلاة، وذهب البعض لتحريم أكل لحم الخنزير. وأصبحت عقود الزواج تشير إلى المهر ومؤخر الصداق. كما تغاضى الكثيرون من الأقباط عن تعاليم الإنجيل بشأن الطلاق، واضطرت الكنيسة للتساهل فيه حرصا علي عدم هروب الناس من المسيحية (وهي نفس الحجة التي يتمسك بها اليوم دعاة تيسير قواعد الطلاق...).
ووصل الأمر أيام العثمانيين أن «اشتد الولاة على القبط وضيقوا عليهم وعملوا على إبعادهم عن أوطانهم، فأبعدوا منهم خلقا من خيار الناس ثم صادروا من بقى وأفحشوا في تخريب بيوتهم وتبديد أرزاقهم فكانت شدة عظيمة للغاية. وقد ذاقت النصرانية من البلايا والمحن أشكال».

خامسا: اللغة القبطية:
عند الغزو العربي، كانت لغة المصريين هي «اللغة المصرية» (في آخر مراحلها، «الديموطيقية»، والتي كانت عندئذ تكتب بحروف يونانية زائد سبعة حروف خاصة؛ وهي ما يسمي بالكتابة ـ أو اللغة ـ القبطية). وكانت النخب والأغنياء يعرفون أيضا اليونانية، التي كانت لغة وثائق الدواوين الرئيسية. استمر الحال حتى أمر الوالي عبد الله بن عبد الملك في ٧٠٦ أن تكون العربية هي لغة التعامل بالدواوين.
لكن الأمر لم ينفذ تماما إلا مع أواخر القرن الثامن، إذ بقيت الوثائق تحرر باليونانية أو القبطية أو (فيما بعد) أحدهما زائد العربية. والسبب في هذا بسيط جدا لأن العربية في ذلك الوقت كانت لغة بدائية لا تصلح لتدوين السجلات والمعاملات، ولم تبدأ في طريق النضج إلا مع جهود اللغوي الفارسي سيبويه (٧٦٠ـ٧٩٦) الذي كان أول من ابتكر وضع "النقط فوق الحروف" والتشكيل، كما نسّق ودوّن قواعد النحو.
وبدأ القبط يتعلمون تدريجيا العربية. وإن كانت الأسباب غير مفهومة تماما، إلا أن هناك عدد من العوامل المساعدة وراء هذا: مثل ضرورتها المتزايدة من أجل الاحتفاظ بوظائفهم في الدواوين ومن أجل التعامل مع الحكام والأعداد المتزايدة من الأعراب والمتعربين والمستعربين، (بعد اتضاح طبيعة "الفتح" العربي كاستعمار استيطاني). وبدأت كتابة الكلمات العربية بأحرف قبطية. ثم أدى استعار حرب الاستنزاف ضد القبط ومؤسستهم الدينية، وخصوصا الأديرة، إلى اضطرارهم لإهمال اللغة والتراث، وبدأت مسيرة الاضمحال التدريجي للغة القبطية. ومع القرن العاشر أصبحت العربية منتشرة، وكان ساويرس بن المقفع (المتوفي قبيل سنة ١٠٠٠) أول من ألف بها، فكتب «تاريخ البطاركة» (لغته كانت ركيكة، لكن الكتاب التالين له أجادوها أكثر)، الذي قال في مقدمته أنه استعان «بمن أعلم استحقاقهم من الإخوة المسيحيين وسألتهم مساعدتي علي نقل ما وجدناه من الأخبار بالقلم القبطي واليوناني إلي القلم العربي الذي هو اليوم معروف عند أهل الزمان بأقاليم ديار مصر لعدم اللسان القبطي واليوناني من أكثرهم».
ثم تلقت اللغة القبطية ضربة قاصمة على يد الحاكم بأمر الله، الذى أصدر أوامر مشددة بإبطال استخدامها تماما فى البيوت والطرقات والمدارس، ومعاقبة كل من يستعملها بقطع لسانه. بل أمر بقطع لسان كل أم تستخدم تلك اللغة مع أولادها فى المنزل. وكان ينزل بنفسه إلى الشوارع ويتجسس على أبواب البيوت ليرى ما إذا كان هناك أحد يستخدم اللغة القبطية. (د. سيدة الكاشف، «مصر في عهد الولاة»)
وفي أيام الأنبا غبريال ابن تريك (منتصف القرن الثاني عشر)، الذي كان قبل رسامته من أعيان الكُتّاب «وكان مجتهدا في قراءة الكتب وهو ناسخ جيد قبطي وعربي»، اهتم بترجمة الإنجيل وبقية الكتب الطقسية (بأمر من الوالي؟) وصرح بقراءة الأناجيل والعظة باللغة العربية فى الكنائس، بعد قراءتها باللغة القبطية. وإذ بدأ الإكليروس يستخدمون العربية لتعليم الشعب، ومع تدهور مستواهم الفكري، تركوا دراسة القبطية لانعدام فائدتها العملية. وهكذا، ومع نهاية الدولة الفاطمية، ذبلت اللغة القبطية وكادت تلفظ أنفاسها ـ وإن ظلت مستخدمة في الصعيد حتي القرن السادس عشر. وفى القرن الثامن عشر ظهرت اللغة القبطية المكتوبة بحروف عربية كما هو الحال إلى الآن في بعض الكتب الكنسية.
وبتركهم لغتهم القومية، انهارت أقوي دعائم شخصية القبط. بل انهارت دعائم شخصية المصريين جميعا، خاصة وأن اعتناق الإسلام لا يبرر ولا يتطلب العربية لغة. (احتفظ الفرس والأتراك وغيرهم بلغاتهم).
والمثير للانتباه أن الدولة المصرية الآن تستنكر اهتمام بعض المصريين (أقباطا ومسلمين) بدراسة لغة أجدادهم ـ القبطية ـ (حتي على طريقة اهتمام الأوروبيين بدراسة اللغة اللاتينية التي لم تعد لغة حياة)، وتعتبره أمرا قد يهدد «الأمن القومي».
***
وإلى مقال أخير لنختم به الملاحظات والاستنتاجات.
adel.guindy@gmail.com
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/1/403063.htm

=========================================================

حكايات الاحتلال (16): الأقباط تحت الحكم العربي الإسلامي

GMT 7:30:00 2009 الثلائاء 27 يناير

عادل جندي



--------------------------------------------------------------------------------


حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١٦)


وإلى ختام الملاحظات والاستنتاجات:

سادسا: الجزية وآثارها
يحلو للبعض من تلاميذ (عبيد؟) مدرستي «التاريخ المقدس» و «السلف الصالح المقدس» الزعم بأن «الجزية كانت مبلغا تافها» (الحقيقة أنها كانت مبلغا باهظا لا يقدر عليه الفقراء ومعظم متوسطي الدخول)؛ أو أن «الجزية فرضت على أهل الذمة كبديل عن تجنيدهم في جيوش المسلمين» (الحقيقة أن القبط كثيرا ما جُندوا، بل سُخروا، إضافة لدفع الجزية ودفع الضرائب الإضافية الخاصة أيام الحروب).
كان متوسط الجزية المفروضة على كل ذكر بالغ (عدا الشيوخ) ديناران (ذهباً)، لكنها في الأرياف كانت تحدد على القرية إجمالا ثم تحصل من الأفراد كل حسب ثروته وتتراوح عادة بين دينار للفقير ودينارين لمتوسط الدخل وأربعة للغني، يضاف إليها ما لا يقل عن ٣٠٪ «مصاريف جباية». فإذا قبلنا بأن الدينار الذهب تعادل قيمته الشرائية الجنيه الذهب الآن (وهو ما يساوي حوالي ألف جنيه ورق)؛ وأن متوسطات الدخل عندئذ تعادل قيمتها ما هي عليه الآن، أي أربعة آلاف جنيه في السنة للفقير، و ٢٠ ألف جنيه لمتوسط الدخل، و ١٠٠ ألف جنيه للغني؛ نجد أن الجزية تعادل ثلث دخل الفقير وحوالي سدس دخل المتوسط وحوالي ٥٪ من دخل الغني.
وقد توصل د. تامر الليثي (الأستاذ مساعد بجامعة نيويورك، والحائز على دكتوراه في التاريخ من جامعة برينستون)، إلى أن الجزية كانت تعادل أجر حوالي عشرين أسبوعا بالنسبة للعامل (المتوسط أو الفقير)، وهي نسبة تؤكد، بل تزيد عن، ما نجده في الحسبة التي قمنا بها.
وكما تذكر مصادر التاريخ، فقد كان الأغنياء والكنيسة يتكاتفون على دفع جزية الفقراء (وأيضا جزية الرهبان والإكليروس، الذين توقف إعفاؤهم). وإذا افترضنا أن الفقراء يمثلون حوالي نصف السكان والأغنياء من ٣ـ٥٪ وأن كل غني سيدفع عُشر دخله صدقات، فإننا سنجد بحسبة بسيطة أن بين ٤٠ و ٧٠٪ من الفقراء (بحد أقصى)، «قد» تُسدد عنهم الجزية بواسطة الأغنياء. أما الباقون فهم تحت رحمة السيف، ولا مناص أمامهم سوى دخول الإسلام. إذن فعلى عكس ما يتخيله، أو يزعمه، البعض، فقد كان للجزية أثر حاسم في تحول القبط لاعتناق الإسلام.
ومن ناحية أخرى، ومع تناقص نسبة الأغنياء نتيجة التحول القسري للإسلام (لتحاشي فقدان الوظيفة، في حالة الكتّاب وغيرهم، وهو ما حدث بالذات أيام المماليك) فقد قلّت بالتالي نسبة الفقراء الذين يمكن حمايتهم من التحول القسري.
لكن إذا كانت الجزية هي سبب «التحولات الجماعية في القرون الوسطى» (كما يقول د. الليثي)، فإنها لم تكن السبب الوحيد، إذ لا يمكن التهوين من عوامل التكدير والإذلال والقهر والاضطهاد المتراكمة، إضافة إلى تأثير «كرة الثلج»: فكلما زادت نسبة المسلمين بين السكان كلما تعاظمت الضغوط على غير المسلمين.

سابعا: أحوال الكنيسة
١ـ الكنيسة والحكام: بعد «حفاوة» عمرو بن العاص بالبطريرك بنيامين، بدأ الوجه القبيح لولاة الاحتلال يظهر على حقيقته، فما أكثر ما لاقى البطاركة من الإهانة والسجن والتعذيب والتهديد بالقتل. وما أبلغ ما رددته حوليات الكنيسة عند تسجيل وفاة أحد البطاركة، ويصلح كمقولة عامة، أن أيامه «كانت كلها شدة وعناء وضيق وفناء ومصائب وإحن ومحن على القبط الذين ذاقوا من جور الولاة وظلمهم وعسفهم».
فمن البطاركة من «اعتُقل ووُضع في رجليه خشبة وطوق حديد في رقبته، وسجن في خزانة لا تنظر الشمس وليس فيها طاق وكان تحت ضيق من التكبيل بالحديد شهرا». وقد قبض ابن طولون على البطريرك الأنبا شنودة الأول «وأودعوه حبسا ضيقا مع اللصوص والقتلة وكان الحبس مملوءا جدا. وبعد انقضاء سنة، دفع البطرك (المريض) للسجان شيئا حتى يعمل له (مرحاضا)». وأبقى الحاكم بأمر الله الأنبا زخاريوس معتقلا ثلاثة شهور «وهم يخيفونه كل يوم بالحرق والرمي للسباع إن لم يدخل في دين الإسلام، ويقولون له إن وافقت نلت مجدا عظيما ويجعلك قاضي القضاة وهو لا يلتفت إليهم». وقبض ناصر الدولة ابن حمدان على «الأنبا شنوده الثاني وعدد من الأساقفة وطولبوا بالمال وعوقب ثلاثة أساقفة منهم وماتوا». وقد استمر هذا «التقليد» في إهانة البطاركة حتي أنور الساداتي الذي عزل الأنبا شنودة الثالث ونفاه إلى أحد أديرة الصحراء، ثم أبقاه حسني مبارك منفيا إلى اكتمال أربعين شهرا.
ومنذ «الفتح»، أدرك الحكام مدي النفوذ الأدبي والروحي للبطريرك، فعملوا علي وضعه تحت رقابة شديدة ومطالبته بالخضوع للسلطة، ومنعوه من اتخاذ أي إجراء حتي في محيطه الديني دون استئذانهم. وأرادوا إقرار انتخاب البطريرك قبل أن يباشر أعماله. وفي أغلب الأحيان كان على الكنيسة دفع مبلغ من المال قبل أن يسمح بإقامة بطريرك جديد، وهو ما تسبب أحيانا في فراغ الكرسي البطريركي لفترات طويلة نظرا لعجز الكنيسة عن جمع المبلغ المطلوب. وكان الحكام دائما يريدون معرفة ما يقال، وخاصة في محيط البطريرك، وأيضا في كتب الصلوات والتعليم القبطية للتأكد من خلوها من أي انتقاد للإسلام.
٢ـ مسلسل الاعتداءات: إضافة لحظر بناء كنائس جديدة، أو تعمير المتهدم بشق الأنفس، فقد عانت الكنيسة من عدد لا يكاد يحصى من الاعتداءات، نعطي عينات منها للتذكير:
أمر الوالى الأموي عبد العزيز «بكسر جميع الصلبان فاضطرب نصاري أرض مصر». ثم أمر «بأن تمنع قداسات النصاري، وقال إنهم ضالون يجعلون لله زوجة وولدا». وأنزل الخليفة العباسي جعفر المتوكل «على الكنائس في كل مكان بلايا لا تحصى، وأمر بهدم البيع». أما الوالي عنبسة بن اسحاق فقد «جعل يكسر كل صليب في البيع بالجملة وضيق على النصارى حتى أنهم ما عادوا يتمكنون من الصلاة في البيع إلا بصوت خفي، ومنعوهم من الصلاة على نصراني إذا مات. وقطع ضرب الناقوس. ثم بدأ يمنع النصارى من القداسات وأن لا يقدسوا جماعة». وأمر الوالي ابن المدبر أن «تغلق الكنائس بمصر (الفسطاط) إلا بيعة واحدة. وكان نوابه يأخذون القائمين على كل مكان يحبسونهم ويقيدونهم بالحديد ويحملوهم إلى مصر». أما الحاكم بأمر الله فقد أمر «بأن تهدم الكنائس وأن يحمل ما فيها من الآنية الذهب والفضة إلى قصره وأن يطالب الأساقفة في كل مكان بالأموال وأن لا يباع شيء للنصارى ولا يشترى منهم. فجحد جماعة منهم دينهم». وقام الوزير الفاطمي ابن الوخشي «ونهب كنائس القاهرة والخندق، وحرق المسلمون دير الأرمن المعروف بالزهري». وفي بداية مملكته، أمر صلاح الدين «بنزع الصلبان من كل قبة في كل كنيسة من الكنائس التي بديار مصر وكل من رأى كنيسة ظاهرها مبيض، تليس بالطين الأسود من فوق البياض، وأن لا يدق ناقوس في جميع ديار مصر وأن يخفضوا أصواتهم في صلواتهم. وقد طمع أوباش المسلمين فيهم في ذلك الوقت وأهانوهم ورتبوا على بعض الكنائس في المدن والقرى فهدموها ونال الناس من ذلك مشقة عظيمة حتي خرج جماعة من كتاب مصر والقاهرة من دينهم وجحدوا مسيحهم». وفي أيام السلطان الأيوبي العادل شغب المسلمون بكنيسة القديس مرقس بالاسكندرية (القمحا) وأمر السلطان بهدمها». وفي أيام السلطان قلاوون «حدثت حرائق بكنائس كثيرة في القاهرة ومصر واسكندرية وجهات أخرى» يحصي المقريزي عددها بأربع وخمسين فضلا عن أديرة هدمت عن آخرها وقتل عدد كبير من الناس. وفي عصر السلطان المملوكي الظاهر جقمق «الذي عُرف عنه أنه كان معتدلا في حكمه!»، قُتل وأحرق عدد كبير من الأقباط بينما سُمِّر آخرون في ألواح خشبية وكانوا يُساقون في شوارع القاهرة على ظهور الجمال. وأيام السلطان قايتباي «قام العامة على النصارى بالقاهرة وأغلقت جميع كنائسهم ومُنعوا من إقامة شعائر دينهم ثم عمّ الأمر جميع الأقاليم القبلية والبحرية واشتدت نار الفتنة فوقع القتل والسبي والنهب والتخريب وأريقت الدماء هدرا في الأزقة والحارات». ثم اشتد السلطان الغوري على النصارى «شدة بالغة فصادر أموال الكثير منهم وزاد في نكايتهم حتى عاقب بعض النساء بالجلد».
٣ـ مواقف مبدئية: وبرغم كل شئ، فقد كان موقف الكنيسة ثابتا مع الأيام: رفض مقابلة العنف بالعنف كمسألة مبدأ، والخضوع للحكام أيا كانوا. واعترضت الكنيسة على أعمال البشموريين وحاولت إثناءهم عن ثورتهم، وربما كان هذا سببا في تقلص التأييد الشعبي للثوار وفشل محاولتهم... وكان البطاركة يستعملون الرقة واللين والاحترام والتبجيل (الزائد) في التعامل مع الحكام، ربما كوسيلة من وسائل «ترويض» (الوحوش). ونادرا ما كان الواحد منهم يواجه الحاكم ويطالبه بتخفيف الاضطهاد، بل كانوا يلجئون عادة للصلاة ومواساة المضطهدين وجمع الصدقات لحماية الفقراء.
٤ـ الكنيسة والشعب: أما عن علاقات الأقباط بكنيستهم، فيشوبها بعض التعقيد. فإضافة لالتفافهم حولها ودفاعهم المستميت عنها وعن عقيدتهم، نجد عددا لا يستهان به من حالات الاختلاف والانقسام بل والطعنات الداخلية. وبينما البعض منها نتيجة لتغليب المصالح والاعتبارات الشخصية، فقد يفسر علماء النفس البعض الآخر بكونه من نتائج التنفيس عن الضغوط الخارجية غير المحتملة (فيما يشبه حالة انفعال طفل ضد والدته إذا أهين في المدرسة بدون أن ينجح في الدفاع عن نفسه).
وقد أخذ مركز البطريرك يضعف مع الوقت. ورغم الاحترام الذي كان يظهره رعاياه، لم يحتل البطريرك في الواقع إلا المكانة الثانية بعد الشخصية القبطية التي تتمتع بثقة رجال الحكم (عادة «الكاتب» القائم علي مالية الدولة)، خصوصا وأن البطريرك لم يبدأ الإقامة بالقاهرة إلا في القرن الحادي عشر. وربما تسبب هذا الأمر في الخلاف علي الأسبقية الأدبية في حادث المجلس الملي في نهاية القرن التاسع عشر...
٥ـ نتائج الحصار: ومنذ مجئ العرب وتقدم الإسلام وعزلة الأقباط المعنوية وتحت وطأة الضربات المستمرة ضعف مركز المسيحية المصرية مع مرور الزمن. ويقدم جاك تاجر حكما قاسيا على الكنيسة إذ يقول: [وقد زاد من المشكلة، الإكليروس الذي كف عن دراسة الكتب والاهتمام بالتثقيف وانهمك في جمع المال لشراء الرتب. وقد حاول بعض الرهبان إصلاح النظم والقلوب ووضع بعضهم المؤلفات العلمية والدينية لكنهم كانوا أقلية ضئيلة، كما أن مؤلفاتهم لم يكن فيها أصالة ولا جدة. نتابع البطاركة الواحد تلو الآخر دون أن يأتوا بمفاخر جديدة. كان عصرهم موقوفا من حيث الهدوء والاضطراب علي رضي أو عدم رضي الحكام عليهم وهدوء الحالة العامة أو اضطرابها. ولم يبذل أحد جهدا حقيقيا لبث روح جديدة في الكنيسة التي كانت تضمحل تدريجيا. وكانت أحيانا تمضي فترات طويلة قبل انتخب البطريرك الجديد. واستفحل الأمر بعد احتلال العثمانيين: أصبح الإيمان صوريا والتعليم الديني منعدما والإكليروس لا يفهم أصول الدين، والبطريرك هدفه الأول العيش في سلام]. (أقباط ومسلمون ص ٢٥٨ـ ٢٦٤).
وقد أدت الضربات المتوالية إلى انهيار شبه كامل لمؤسسة الأديرة، وهي التي كانت الحافظة للتراث الثقافي والديني للأقباط على مرّ التاريخ. ففي الأجيال الأولى للرهبنة كانت هناك مئات الأديرة العامرة بالرهبان لكن تم تخريبها بالتدريج حتى أصبح عدد الرهبان في القرون الوسطى يعدون علي الأصابع. وجاءت الضربة القاصمة في منتصف القرن الرابع عشر عندما قرر الأمراء المماليك الاستيلاء على ما تبقى من أراضي أوقاف الأديرة والكنائس (خمسة وعشرين ألف فدان). ولم تعد للأديرة قائمة إلا في مطلع القرن العشرين.
٦ـ الكنيسة والعالم: كلما حاول البطريرك مواصلة علاقاته مع متحدي العقيدة مع الكنيسة القبطية (التابعين لها روحيا) خارج الحدود المصرية كان هذا يثير غضب الحكام، والويل له إذا تخاطب رأسا معهم بدون علمهم. على أن تبعية كنيسة الحبشة (والنوبة، حتى أسلمتها في القرن الخامس عشر) للكنيسة القبطية كانت من أهم عوامل استقرار أحوال مصر على حدودها الجنوبية، وهو ما جعل الحكام المسلمين يتحاشون القضاء عليها تماما. لكن كثيرا ما كان الولاة يبتزون الكنيسة للضغط على ملوك الحبشة من أجل نشر دعوة الإسلام وبناء المساجد في بلادهم. وكان النجاشي يضحي بعزة نفسه ويرسل الهدايا للحكام في مصر راجيا السماح بإرسال مطران له. كما كان النجاشي يحاول أحيانا التدخل لوقف الاضطهاد في مصر.
وقد وصل تدهور الحال بالكنيسة، والأقباط عموما، لدرجة أن [البطريرك جبرائيل الثامن أرسل في ١٥٩٧ مبعوثين ليطلبا من بابا روما «أن ينعم علينا ويتصدق في كل سنة بترتيب جامكية (عطية)، فإننا في غاية الضيق والشدة، وما تحتاجه كنائسنا وأديرتنا والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والذين بالسجون والحديد بسبب الجوالي (الجزية) وغيرها... ». وقد أرسل البابا بعض المساعدات. ومدفوعة باليأس الأدبي والمادي فقد طلبت الكنيسة القبطية الاشتراك في مجمع فلورنسا والانضمام إلى الكنيسة الكاثوليكية ودام «الاتحاد» مع روما قرنا ونصف قرن..] (أقباط ومسلمون ص ١٩٩).

ثامنا: التحول الديني
اعتادت القبائل العربية شن الغارات والسلب والنهب ضد بعضها البعض، وذلك لسوء أحوالها الاقتصادية، وبالأكثر اعتمادا على هذه الأساليب لتوزيع، بل «لإنتاج» الثروة بديلا عن الوسائل الأخرى التي تتطلب العمل والكد وتبادل المصالح. ولما حلت بينها روح الإخاء التي نشرها الإسلام، أمكن لقبائل المؤتلفة قلوبهم، والممتلئين بالحماس الديني، التحالف تحت لواء الدولة الإسلامية الجديدة وتوجيه أنشطتهم الدموية ضد الشعوب المحيطة، في غزوات وفتوحات لا يبدو أن الرغبة في نشر الدين كانت السبب الرئيسي لها.
ولما بويع عمر بن الخطاب، قام يحرض الناس على فتح العراق فقال: «إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النُجعة ولا يقوى عليه أهلُه إلا بذلك. أين القراء المهاجرون عن موعد الله، سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها». (ابن خلدون، «المقدمة» ج١ ف ٢١). وكان عمرو بن العاص يبرر رغبته في غزو مصر بقوله لعمر بن الخطاب: «إن فتحها كانت قوة للمسلمين وعونا لهم وهي أكثر الأرض أموالا وأعجزها عن القتال والحرب».
إذن فهدف الغزاة الأول، إن لم يكن الأوحد، كان في البداية هو الغنائم والنهائب والسلائب. وبما أن مصر «فُتحت عنوة» فإن التحول إلى «مذهب» الغزاة هربا من الجزية لم يكن يؤدي إلى الإعفاء منها، وإن ساعد علي التقرب من الغزاة والمشاركة في الغنائم (وإن كان المتحولون لا يدخلون المجتمع العربي بمجرد إسلامهم، بل كان عليهم أن يلتمسوا انتسابهم لإحدى القبائل العربية ـ «وليّ» ـ ويدفعون ثمنا له). وفي مقولة «الجزية أو الإسلام أو السيف»، بقي الخيار الثاني غامضا لمدة قرن، إذ لا نعرف بالضبط مصير من «أسلم» ولكنه عجز عن دفع الجزية.
لكن بدءا من حوالي ٧٤٥ أصبح كل من «يصلي بصلاة السُنّة وكل من يتخلي عن دينه لا تؤخذ منه بعد جزية». وقُدّر من دخل الإسلام وقتها بسبب ذلك القرار في مصر وأعمالها بأربعة وعشرين ألف إنسانا خلال سنتين. ولكن التحول كان يمثل مشكلة للحكام إذ يكبد خزانة الدولة الخسائر بحرمانها من الجزية، فكانوا يلجئون لتحصيل الجزية المضروبة على القرية بغض النظر عن تحول بعض السكان، مما يعني تلقائيا زيادة العبء على الباقين مما يؤدي لتسارع عملية التحول...
ومراجعة لبعض المحطات على مسار التحول تبين أن قرب نهاية عصر الأمويين، جاء الخليفة مروان لمصر وأمر بأن «كل من لا يدخل ديني ويصلي صلاتي ويتبع رأيي من أهل مصر قتلته وصلبته، ومن دخل معي في ديني خلعت عليه وأركبته وثبّتُّ اسمه في ديواني وأغنيته»، فتبعه ألف إنسان سريعا وصلوا صلاته. وفي بداية عصر العباسيين، أمر الخليفة عبد الله (السفاح) «أن كل من يصير على دينه ويصلي كصلاته يكون بغير جزية. فمن عٍظم الخراج والكلف عليهم أنكر كثير من الأغنياء والفقراء دين المسيح». ومع نهاية القرن التاسع «كان الإنسان الفقير الذي يعجز عن أن يجد قوته يؤخذ منه ديناران، حتى ضج أهل مصر من عظم هذا العذاب وجحد كثير من النصارى دينهم لأجل قلة ما بيدهم». وفي نهاية القرن الثالث عشر قرر السلطان الظاهر بيبرس «أن يحفروا حفرة كبيرة ويجمعوا النصارى ويحرقوهم فيها، لأنه لا يريد في دولته ديوانا نصرانيا». وأخيرا سمح «بأن من أسلم منهم يبقى في الخدمة ومن امتنع ضربت عنقه. فخرج الأمير بيدر إلى الكُتّاب وأخبرهم، فأسلموا جميعا وكتب شهادات عليهم ودخل بها للسلطان». وبالطبع كان من يدخل الإسلام بالخطأ (كأن يتفوه بغير قصد) أو تحت ضغط ثم يحاول الرجوع، تدق عنقه.
يضاف إلي العوامل السابقة تدهور أوضاع الكنيسة تحت وطأة الضربات المستمرة: الاستيلاء على أوقاف وموارد الكنيسة؛ فقدان الفئات المعفية من الجزية امتيازاتها وجمع الجزية من الرهبان (والإكليروس) وانهيار مؤسسة الأديرة؛ عدم كفاية الكنائس لانعدام العمارة؛ التدهور الفكري والروحي للإكليروس وعدم القدرة على القيام إلا بالحد الأدنى للدور الديني.
ولا شك أن انتشار اللغة العربية، حوالي القرن العاشر، قد ساعد علي زيادة التحول. وإذ بدأ القبط يتعاملون ويُصلّون بالعربية، استُعملت في الترجمات بعض المصطلحات الإسلامية (مثل اعتبار أن «الله» يساوي «الإله» كما يفهمونه)، الأمر الذي ربما سهّل عملية «العبور» إلى الإسلام لمن ضعفت عندهم العقيدة، وخاصة بين من أعياهم الإذلال والاضطهاد المستمر أو من وجدوا أن التحول هو الطريق الوحيد لاختراق حواجز التمييز وفتح أبواب التسلق المجتمعي.
وبرغم كل ما سبق، يبدو أن «المسيحيين» كانوا يشكلون أكثر من نصف سكان البلاد حتى نهاية الدولة الفاطمية. وبعدها تسارعت عملية التحول، لتصبح «جماعية» في أيام المماليك (انظر أعلاه).

تاسعا: محاولة الاستيقاظ:
كانت البداية المترددة مع الحملة الفرنسية، بما أتت به من أفكار ومبادئ جديدة، وبرغم استمرار معاناة الأقباط بسبب «السياسة الإسلامية» لبونابرت.
أما جهود اليقظة الحقيقية فقد بدأت في ظل سياسات التحديث والتغريب التي قام بها سعيد باشا والخديو اسماعيل. وقد صب الأنبا كيرلس الرابع (أبو الإصلاح) جهده في مجال التعليم فأنشأ مدرستين قبطيتين (مفتوحتين للجميع)، وجدد فيهما تعليم اللغة القبطية بعدما كادت تندثر، وأتى بكبار المعلمين المصريين والأجانب. وأنشأ دارا للطباعة أنتجت كثيرا من كتب الدين والتاريخ والأدب. بل حاول تعليم البنات برغم المقاومة. وتبعه على نفس الخطى الأنبا كيرلس الخامس الذي أنشأ ثلاث مدارس جديدة واعتنى بالأديرة (أصبح هناك في بداية القرن العشرين سبعة عامرة، بها بين أربعمائة أو خمسمائة راهب) وبنشر الكتب، وحث الرهبان على الدرس والقراءة وفتح لهم مدارس في الأديرة، وفي أيامه ارتفعت نوعا درجة الإكليروس في العلوم والمعارف. وساعد الحكام المستنيرون بوهب الأطيان للمدارس كأوقاف. وقد ساهم في اليقظة بشكل بارز ما قامت به البعثات التبشيرية الأجنبية من نشر المدارس في أنحاء البلاد، وما شكلته من «منافسة» وعظية وعقيدية حفزت الكنيسة القبطية على تطوير نفسها.
وفي أجواء التحديث، وبمساعدة حكام وقوى سياسية مستنيرة، نفض الأقباط تراب العزلة سريعا وانخرطوا في المشاركة السياسية، التي وصلت لقمتها مع ثورة ١٩١٩ وما تلاها من «فترة ليبرالية» قصيرة قبل هجمة الأفكار الفاشية. ولكن تلك المشاركة توقفت بعد ١٩٥٢ تماما.
إذن فإن فترة المائة سنة، التي سنطلق عليها «الـمُذهّبة» (وليست «الذهبية»)، ما بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، تبدو للأسف ـ ونتمنى أن نكون مخطئين في هذا الزعم ـ كمجرد استثناء تاريخي، عادت بعده مصر والأقباط لما كانت وكانوا عليه قبلها: مصرُ كدولة ثيوقراطية (إسلامية) عسكرية، أقرب نموذج لها هو الفترة المملوكية العثمانية؛ والقبط كطائفة (أو جالية) لا مكان لمواطنة أبنائها (على أساس المساواة التامة) في دولة تقوم على الدين والإخاء في الدين.
وبالطبع فهذه الفترة «المذهبة» قد شابها الاحتلال البريطاني. ولسنا هنا في مجال المقارنة بين أنواع الاحتلال، ولكن النظرة العادلة ستبين أن الآثار الضارة «للبريطاني» لا تقارن بما جرّه على مصر «العربي» وتوابعه؛ بل إنه كان عامل توحيد لكافة فئات الشعب حول قضية «وطنية» محورية بصورة لم تحدث قبله منذ قرون، ولا بعده حتى الآن.
وقد ساعدت موجات هجرة الأقباط للخارج في الثلث الأخير من القرن العشرين على بزوغ تيار استيقاظي إحيائي جديد يركز على العمل الحقوقي في سبيل الحصول على حقوق المواطنة الكاملة في وطنهم. لكن بعد ولادته على أيدي مجموعة صغيرة من «الرواد الملتزمين»، دخل الساحة (في مصر والمهجر) عددٌ من «النشطاء»، بينهم من يتسم بالأخلاص والجرأة والحكمة، الذين اختلط بينهم بعضٌ من هواة الضجيج الأجوف، أو من الباهتين الباحثين عن دور وضوء، أو من الانتهازيين الساعين لمنفعة ـ ناهيك عن محاولات الاختراق والتطويع والتجنيد التي تقوم بها أجهزة الدولة باستماتة غريبة (وبكثير من النجاح...) بهدف وأد أي عمل قد يساعد على وصول الأقباط إلي هدفهم المتواضع. لذلك فإن تلك الحركة تعيش الآن في مرحلة الصخب قليل التأثير.
ومن ناحية أخري، فإن الأغلبية الكبيرة من الأقباط ـ في مصر والمهجر على حد السواء ـ عادت، بعد الحقبة «المذهبة»، لتُفضِّل الانكماش والانسحاب عن العمل العام، والاهتمام ـ ربما بدافع غريزة البقاء ودروس التاريخ التي لا تبعث على التشجيع ـ بالمسائل المعيشية أو «الكنسية». وأحيانا يحاول البعض الاقتراب من العمل العام بالقدر الذي تمليه عليهم مصالحهم الشخصية أو التزاماتهم الذمية...
على أي حال فإن تلك الجهود الاستيقاظية الإحيائية تبقي، قبل كل شئ، بدون مردود سياسي بسبب إغلاق القوى الحاكمة، المتحالفة مع «الشارع الإسلامي»، الباب بالضبة والمفتاح أمام مواطنة الأقباط ومشاركتهم السياسية، ولتمسُّك ذلك «التحالف» بنموذج دولة «الثيوقراطية العسكرية»، الذي قد يتحول قريبا إلى «ديموقراطية ثيوقراطية فاشية» (!) على أيدي قوى «الجهاد» المستعدة لاستلام الحكم..

عاشرا: استنتاج عام:
تاريخ القبط تحت الحكم العربي الإسلامي هو، بصفة إجمالية، كتابٌ أسود، تتخلله بضع صفحات رمادية فيها قليل من السطور المضيئة. وهذه «السطور المضيئة» لم نعثر لها على أثر واضح فيما طالعناه، ولكننا لا نريد إغلاق الباب أمام احتمال وجودها!
قد يبدو هذا الاستنتاج العام متشائما، إن لم يكن مبالغا فيه. لكن من يقرأ المقتطفات التي قدمناها لصفحات التاريخ (والتي لا نجد سببا يشكك في مصداقيتها) وغيرها من مصادر، لا يسعه، إن كان أمينا مع نفسه وضميره وغيره، وإن ابتعد عن دواعي التملق السياسي (political correctness)، أن يصل لغير هذا الاستنتاج.
ويحلو للبعض التغنى بمقولات «حُسن معاملة القبط وتسامح الحكم العربي الإسلامي معهم»، ويعطون دليلا لهذا أنه «لم يتم القضاء عليهم تماما، بالسيف أو بالتحويل القسري» (!). إلا أن «بقاءهم» حتى الآن كأقلية «صغيرة» ليس، في الحقيقة، سوى دليل دامغ (في تناسب عكسي) علي «كِبَر» حجم الجريمة التاريخية التي مورست ضدهم. ولعل أحد أسباب السماح بترك من تبقى منهم هو تلك الرغبة السادية في الإبقاء دائما على من يمكن التمتع بإذلالهم، والتلذذ بممارسة أساليب الدعوة القسرية وبرؤية (وأخذ ثواب) دخولهم الدين الحق.
ويحلو للبعض أيضا (وكأنهم يقولون «لا أحد أفضل من غيره»)، إختراع حكايات لا أساس لها عن قيام المسيحيين المصريين، بعد أن «قويت شوكتهم» من القرن الخامس، «باضطهاد أتباع الديانات الفرعونية»، ودليلهم الأثير على هذا الزعم هو قصة مقتل «هيباتيا». ونكتفي بالقول بأن هذه الحادثة، على افتراض صحتها، تبقى أمرا استثنائيا، يؤكد بندرته القاعدة العامة بعدم إجبارهم أحدا علي اعتناق ديانتهم.

*******
خاتمة
كان الدافع الرئيسي وراء إعداد هذه الدراسة، وما تطلبته من غوص مؤلم في كتب التاريخ، ما لاحظناه من أن محاولات إرساء قواعد المواطنة في مصر على أسس المساواة التامة، وما تقوم به جماعات من مثقفين تقدميين، وإنسانيين منصفين، ووطنيين باحثين عن مشروع «قومي مصري» من جهود مخلصة، تبدو كلها كصوت صارخٍ في البرية، لأن الحكام ومعظم فئات الشعب والتيارات السياسية لا يرون سببا أو ضرورة لهذا! لذا وجدنا من الضروري الرجوع للوراء ومحاولة فهم الخلفية التاريخية، التي بدونها يستحيل معرفة العقبات ومتطلبات النجاح.
إذن ليس القصد هو «إثارة الأحقاد» أو «إيقاظ الفتن النائمة». وليس القصد أخذ المحدثين بجريرة الأقدمين أو «معاقبتهم». وسواء كان المصري المسلم اليوم مسلما لأن أجداده اعتنقوا الدين الوافد مع الغزاة عن اقتناع أو تحت ضغط مادي أو معنوي فالأمر لا يهم، لأن ما حدث قد حدث. وسواء كان المصري اليوم سليل قدماء المصريين أو تجري في عروقه دماءٌ وافدة أو مختلطة، فالأمر لا يهم أيضا ـ طالما كان انتماؤه (وليس فقط جواز سفره!) مصريا. وليس القصد، حتى، أن يعتذر أحدٌ عما حدث في الماضي؛ فالاعتذار يتطلب قدرا من الرقي الحضاري ما زلنا بعيدين عنه..

بل ليس القصد من هذه الدراسة سوى:
١ـ لفت النظر إلى أهمية رؤية حقائق التاريخ كما هي، والكف عن العيش في الأكاذيب والأوهام التي تنفخ الذات وتنفي الآخر، تصطنع البطولات وتخفي الجرائم.
٢ـ التنبيه إلي ضرورة فتح «دمل» الماضي وتطهير قروحه حتى يلتئم الجرح علي «نظافة».
٣ـ دعوة القبط لإدراك أنهم يتحملون جزءا كبيرا من مسئولية ما حدث لهم ولمصر، وأن عليهم تفهم أسباب التدهور، وعليهم المشاركة بقوة وفاعلية في محاولات إعادة بناء مصر («الوطن الذي يعيش فيهم قبل أن يعيشوا فيه»): وهي المحاولات التي يستحيل أن ينجحوا فيها بمفردهم، ولكنها لن تنجح بدونهم.
٤ـ دعوة المصريين للتصالح مع تاريخهم بكل ما فيه من آلام وآمال، والخروج بدروس قد تساعدهم على بناء مستقبل «أكثر إشراقا» (أو حتى «أقل ظلاما»!) لوطنهم. وأول الدروس وأهمها هو حيوية «تغيير وتصحيح مسار مصر» عن طريق «علمنتها وتحديثها»، بكل ما تعنيه هذه العبارة من معان، وتحريرها من وضعها كإيالة في الدولة الإسلامية الكبرى.
فهل من مستجيب؟



========================================
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/1/403387.htm

This site was last updated 09/16/11