Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

صوت قبطى آخر : ساويروس أبن المقفع أسقف الشمونيين يصف الغزو إلإسلامى

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
قيرس أو المقوقس
قائد الروم تيودور
لونديوس وأسقوطاس
ميناس
المؤرخ ساويرس والغزو الإسلامى لمصر
Untitled 5423

 

فيما يلى ما أورده كتاب صدر في القاهرة عام 1999م، بعنوان‏:‏ هوامش الفتح العربي لمصر، حكايات الدخول كتبته الباحثة سناء المصري - طبعة إشعاع للنشر

************************************************************************************************************************

صوت قبطى آخر :

ساويروس أبن المقفع أسقف الشمونيين

صوت قبطى آخر : ساويروس أبن المقفع أسقف الشمونيين كتاب (سير الآباء البطاركة) وهو تجميع لسير آباء الكنيسة المصرية من مار مرقس  حتى تاريخ عصره فى القرن العاشر الميلادى (1) .

وساويروس هو صوت رسمى للكنيسة القبطية المصرية ، وفى حياته السابقة على الرهبنة ودخول سلك البطريركية ، كان يعيش فى الأوساط الرسمية لبلاط الخليفة المسلم ، وحياته كما يؤرخها من جاء بعده بدأت فى القرن العاشر الميلادى بين سنتى 905 / 910 - وتربى تربية دينية ودرس وتعلم وعمل بعد ذلك حتى وصل لوظيفة كاتب فى بلاط الدولة ألإخشيدية ، حتى أصبح كاتباً ماهراً فى ديوان الخليفة مما يدل على أنه كان متضلعاً فى اللغة العربية ، ملماً بآداب عصره وأسرار الكتابة وفنونها ، وعرف فى ذلك الوقت بإسم أبى البشر بن المقفع الكاتب ، وعرف أبوه بإسم المقفع " أى المنكس الراس أبداً - أو من كانت يده متشنجة "  وعرف هو بإسم المقفع ، وإنما يدل على أنه كان شخصاً محترفاً ذا مكانة عالية ، إذ لم يكن (أهل مصر المسيحيين لا  يتسموا بأبى فلان إلا إذا كانوا ذوى قدرة ومنزلة وعلو شأن ) 

ولأسباب غير معروفة ترك ابو المقفع وظيفته وكل ما يتعلق بالحياة الدنيوية وترهب فى أحد الأديرة فى البرية ... ( ولما كان ذا علم وفضل ذاع صيته بين المسيحيين فإختاره أراخنة الشعب - أى قادته - وسامه البطريرك فى ذلك الوقت أسقفاً على مدينة الأشمونيين ، وكانت يومئذ مدينة عظيمة لها شهرة فى التاريخ المصرى وهى ألآن قرية بمركز ملوى - مديرية أسيوط - فغير أسمه وعرف بإسم  الأنبا ساويروس ) [التراث العربى المسيحى (1) كتاب مصباح العقل تقديم وتحقيق الأب سمير خليل - القاهرة 1978 - ساويروس أبن المقفع حياته (آباء الكنيسة - رسالة الكنيسة 2 (1970) م ] وكان ساويروس محباً للكتابة وله مؤلفات عديدة يجادل فيها أصحاب المذاهب وألديان الأخرى لإثبات صحة العقيدة القبطية .

وقد جمع ما توفر فى الأديرة من سير آباء الكنيسة الأقباط المصريين ، أو كما يقول هو فى مقدمة كتابه : ( إستعنت بمن أعلم إستحقاقهم من الإخوة المسيحيين وسألتهم مساعدتى على نقل ما وجدناه منها بالقلم (اللغة) القبطى واليونانى إلى القلم العربى الذى هو معروف عند أهل الزمان بإقليم ديار مصر لعدم اللسان القبطى واليونانى من أكثرهم) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول / ص 9]  

فجمع تلك السير من الأديرة المختلفة ، وعمل على ترجمتها وصياغتها من جديد ، فجاء كتابه فى أربعة أجزاء يعنينا منها الآن الجزء الأول الممتد منمار مرقس وحتى البابا يوساب الأب رقم 52 للكنيسة

وحينما يكتب ساويروس عن تلك الفترة فإنه ينظر إلى أحداث القرن الهجرى / السابع الميلادى من مسافة بعيدة نسبياً فيرى الصورة ألإجمالية لتلك السنوات ، وقد سقطت منها تفاصيل الأحداث وبعض صور المذابح ورائحة الحرائق ، ووقع سياط السخرة أثناء حفر خليج تراجان ، أو قناة أمير المؤمنين كما سميت بعد ذلك ، وتلاشت صور جمع العبيد وشحنهم إلى مكة والمدينة ، وبقيت لديه صورة عامة مختصرة تتلخص فى سطرين :

( وبعد قتالهم ثلاث دفعات غلب المسلمون الروم فلما رأى رؤساء المدينة هذه الأمور مضوا إلى عمرو وأخذوا أماناً للمدينة لئلا تنهب )  [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول / ص 106]  

ويبدأ ساويروس فى الإفاضة حينما يصل لنقطة إدراك عمرو لأهمية رجال الكنيسة الأرثوذكسية ورجال ألأكليروس ، وندائه الموجه للبابا بعودته إلى البيعة آمنا  أينما كان .

وقال عمرو بعد عودة البابا بنيامين لأصحابه وخواصه أن جميع الكور التى ملكناها إلى الآن ما رأيت رجل الله يشبه هذا - وكان ألأب بنيامين حسن المنظر جدا جيد الكلام بسكون وقال - ثم إلتفت عمرو إليه وقال له : ( خذ جميع بيعتك ورجالك أضبطهم ودبر أحوالهم وإذا أنت صليت على حتى أمضى إلى المغرب والخمس مدن وأملكها مثل مصر وأعود إليك سالما بسرعة فعلت لك كل ما تطلبه منى ، فدعا له القديس بنيامين وأورد له كلاماً حسناً وأعجبه هو والحاضرين عنده فيه وعظ وربح كثير لمن يسمعه وأوحى إليه بأشياء وإنصرف من عنده مكرماً مبجلاً وكلما قال له الأب الطوباوى للأمير  عمرو بن العاص وجده صحيحاً لم يسقط منه حرف واحد ) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول / ص 107]

وكان ذلك بداية التعاون المزدوج بين الكنيسة التى أوحى بطريركها إلى القائد العربى باشياء ، وعمرو بن العاص الذى طلب منه أن يصلى ( من أجله حتى يفتح المدن الخمسة ويعود ، تلك المدن التى أستخدمت فيها المراكب المصرية ، وسخر للعمل فيها البحارة ألأقباط ، وقد أتى هذا التعاون المرحلى بينهما على أرضية إحراق عمرو بن العاص لبيع (كنائس الأقباط) بعد دخوله ألإسكندرية ومنها حرق كنيسة مارمرقس التى سيسمح لهم بإعادة بنائها بعد ذلك نظير تعاونهم معه ]

 الدوقس سانتوس أو الدياقون بطرس

 وساويروس يسند إلى شخص "الدوقس سانتوس"  دور حمامة السلام بين عمرو بن العاص والكنيسة المصرية ، ويبدو أن سانتوس هذا هو نفسه "الدياقون بطرس" الذى اشار إليه النقيوسى فى مخطوطته وأشار إليه أنه لعب دور المتعاون مع العرب ، الذى قدم لهم المراكب وكل ما يحتاجونه إتمام عملية الفتح (الغزو لليبيا) وألإنطلاق غرباً لقاء مساهمته فى عودة البابا بنيامين إلى منصبة الرسمى .

وفى الوقت نفسه الذى كان البابا يصلى فيه لأجل عمرو ويوحى إليه باشياء ، كان عمرو يسوق المصريين لتجهيز مراكب غزو شمال أفريقيا .. وإهتمام ساويروس بن المقفع لا ينصب على ذكر المراجع المواقع الحربية بقدر إهتمامه بتسجيل كل ما يخص الكنيسة القبطية المصرية ورجالها الأمر الذى أدركه عمرو بن العاص بدهائه السياسى ، حينما أستشعر أهمية تحييد الكنيسة القبطية ، ومنحها بعض أفمتيازات الخاصة لأنها الجهة الرسمية الطافية على سطح الشعب القبطى فبدأت تحت تلك المظلة :

(عمارة ديارات (أديرة) وادى هبيب وغيرها وكانت أعمال الأرثوذكسيين الصالحة تنمو وكانت الشعوب فرحين مثل العجول الصغار إذا حل رباطهم وأطلقوا على لبان أمهاتهم ، فلما عاد عمرو على مصر خرج منها إلى معونة كبيرهم - يقصد الخليفة عثمان بن عفان فى المدينة وأنفذ إلى مصر عوضه رجل يسمى عبدالله بن سعد )  [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ]

ولكن عبدالله بن سعد بن أبى السرح يختلف عن الخليفة أنه لم يراع الإستثناءات السياسية ولم يرفق بأحد حتى ولو بهدف تسكين جانب على حساب جانب ، فإشتد مع الكنيسة وأشتد مع الشعب القبطى ، وإشتد حتى مع جنوده العرب من ذوى ألصول اليمنية .

ولم يكن مهتما سوى بجمع الأموال وشحنها إلى الخليفة   وزاد خراج مصر فى عهده زيادة كبيرة ، ويعلق ساويروس على هذا الوضع بقوله : ( وصل - يقصد عبدالله بن سعد ابى سرح - ومعه خلق كثيرون وكان محباً للمال ، فجمع له بمصر أهراً وهو أول من بنى الديوان ، وأن يستخرج فيه جميع خراج الشكورة ، وحدث فى ايامه غلاء عظيم لم يحدث مثله من زمان أقلوديس (دقليديانوس) الملك الكافر وإلى ايامه وإنحدر كل من فى الصعيد إلى الريف فى طلب الغلة وكان الموتى مطروحين فى الشوارع والأسواق

 مثل السمك الذى يرميه الماء على الشاطئ ، لا يجدون من يطفنهم وأكلوا بعضهم بعضا ولو لم يترأف الرب بكثرة رحمته وصلاة أبينا بنيامين القديس ويزول ذلك الغلاء بسرعة كان قد فنى مل من فى كورة مصر لأنه كان يموت كل يوم من الناس ربوات لا يحصين )   [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ]

ولم يدم الحال لأبن أبى السرح الذى كان له خمس الخمس من الغنائم ، بخلاف ما جمعه من أموال مصر ، وكانت أحداث الفتنة الكبرى ثم عودة عمرو بن العاص مرة أخرى إلى ولاية مصر ، وعادت معه مراعاه الكنيسة القبطية ورجالها .

وبعد وفاة عمرو بن العاص وتولى مسلمة بن مخلد فى مدة ولايته الطويلة التى أستمرت خمسة عشرة سنة وأربعة أشهر من (47 هـ - 62 هـ )

ويحكى ساويروس واقعة حدثت فى زمنه وملخصها أنه ( جمع سبعة أساقفة وأنفذهم إلى سخا بسبب قوم على أنهم كانوا يحرقون بالنار من القوم المستخدمين ليكشفوا عن جريرتهم ، فوصلوا وإجتمعوا بإنسان أرخن أسمه إسحق وسددوا مالهم وأعفوه من الحريق )   [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص121 فى عهد البابا أغاثون ]

فلو حاولنا فك طلاسم حكاية ساويروس فسنجد أن مسلمة بنى ....... إستعان برجال الكنيسة المصرية لحل الأزمة المتصاعدة فى سخا - وهى إحدى المدن التى أمر عمرو بن العاص بحرقها اثناء الفتح / الغزو بسبب مقاومتها - ويبدو أن السلطات العربية التى غستمرت فى سخا كانت تستخدم أسلوب إحراق المتمردين أو الرافضين لدفع الضرائب حتى لا تتصاعد المقاومة فى منطقة لها نفس التاريخ وجملة ( سددوا مالهم وأعفوا عن الحريق) التى يذكرها ساويروس تؤكد أن هؤلاء القبط لم يدفعوا ضرائبهم أو جزيتهم وخراجهم لسبب أو آخر ، ومن ثم حكم عليهم القائمون بالأمر بالإحراق .. وأن المنطقة كانت على شفا الثورة نتيجة لهذه الأحكام القاسية .

ولكن رجال الكنيسة الموفدين من عند الوالى إستطاعوا بعد إجتماعهم بالأرخن القبطى بإقناعه بتسديد الجزية بدلاً من هؤلاء البائسين وتهدئة الموقف ... وبعد نجاح مهمتهم عادوا إلى مسلمة بن مخلد بنجاح مهمتهم فى تسكين الشعب القبطى ، فكافأهم بالموافقة على بناء كنيسة ، وربما هدأ الموقف فى سخا بعض الوقت .. ولكن ليس للأبد ..

فسوف تتجدد الإضطرابات مرة أخرى فى زمن "قرة بن شريك" عام 90 هـ وكان قرة محبا لجمع المال ( نهب جميع مال البيعة حتى الكاسات التى يرفع فيها الدم الذكى) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص145 ] مما إضطر الكنيسة إلى إستخدام كاسات من زجاج بدلاً من كاسات الذهب والفضة التى نهبها ، كما كان يستولى على أموال رجال الكنيسة القبطية بعد وفاتهم ، مما يعد كسر لقانون الكنيسة المعمول به منذ زمان طويل ، والقاضى بأن الكنيسة هى وارثة رجالها.

(كما زاد مقدار الضرائب المفروضة على الناس ، وكان القبط يفرون من القرى بنسائهم وغلمانهم من قسوة رجال قرة ، وولى قرة رجلاً من مدينة سخا ويبدوا انه كان مشهوراً بالشدة لأنه كلفه بجمع الهاربين من قراهم ) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص121 فى عهد البابا أغاثون ]

ولم ينقذ مصر من هذا الظلم الفادح سوى وفاة قرة بن شريك بعد أن قتل الوباء نساءه وغلمانه ، ثم اصابه هو الآخر وأودى بحياته.

وشدة هجوم ساويروس بن المقفع على الوالى المسلم قرة بن شريك لا  تنبع من قسوة هذا الوالى على الشعب فقط ، وإنما تعود إلى قسوته على رجال الكنيسة وإستيلائه على أموالهم ، كما رأينا فى الفقرة السابقة ، وذلك أن ولاة مصر التاليين لم يتحلوا بنفس الذكاء السياسى الذى تحلى به عمرو بن العاص ومسلمة بن مخلد الذين أعطيا الكنيسة بعض المميزات بعد أن أدركا طبيعة العلاقة بين الكنيسة والشعب من جهة والكنيسة والسلطة الحاكمة من جهة أخرى.

أما هؤلاء الذين كان يبلغ بهم العسف حد البطش ، فكانت التمردات تتسع فى عصرهم ، وسنلاحظ تظتهر ثورة القبط على الولاة العرب تزداد منذ عام 107 هـ وتتصاعد فى سلسلة من التمرد والقمع يسجلها ساويروس بقوله : ( من بعد موت قرة أنفذ الوليد عوضه إلى مصر واليا أسمه اسامة فلما وصل إلى الفسطاط إلتمس علام جميع الكور وكتبها بالعربى وكان كبير الفهم ، فلما بدأ بذلك حدث غلاء عظيم ولم يسمع بمثله من الجيل الأول ومات فى ذلك الغلاء أكثر ممن مات فى الوباء وأشرف جميع الأغنياء والفقراء على الموت ، ثم أقبل رخاء أقبل حتى إنتهى القمح إلى خمسة وعشرون إردباً بدينار وبعد قليل وافى وباء فأفنى العالم ولو لم يرحم الرب من بقى منهم على الأرض لم يبق منهم أحداً وكان ألأمير مقيماً على فعلة السوء وكان المسلمون والنصارى خائفون منه ثم تقدم ألا يأوى أحداً غريباً فى البيع والفنادق ولا فى السواحل وكانوا خائفين منه وطردوا من كان معهم من غرباء وتقدم إلى الرهبان أن لا يرهبوا من يأتى إليهم ، ثم أحصى الرهبان ووسمهم كل واحد منهم بحلقة حديد فى يده اليسرى ليعرف ووسم كل واحد ببيعته وديره بغير صليب بتاريخ مملكة الإسلام وكان فى سنة ست وتسعين للهجرة قلق على الرهبان وضيق على المؤمنين وإذا ظهروا بها رب أو غفير موسم قدموه إلى الأمير فيأمر بقطع أحد أعضاءه ويبقى أعرج ولم يكن يحصى عدد من شوه به على هذه القضية وحلق لحى كثير وقتل جماعة وقلع أعين جماعة بغير جماع بغير رحمة وكان يقتل جماعة تحت العقوبة بالسياط وكان من محبته للدنانير يامر الولاة أن يقتلوا الناس ويحضرون إليه مالهم ويكتبهم ويقول سلمت لكم أنفس الناس فتحملوه ما تقدرون عليه من أساقفة ورهبان أو بيع  أو كل الناس فإحملوا القماش والمال والبهائم وكل ما تجدونه لهم ولا تراعوا أحداً وأى موقع نزلتموه فإنهبوه وكانوا يخربون المواقع ويقلعون الأعمدة والأخشاب ويبيعون ما يساوى عشرة دنانير بدينار حتى صارت الفضة خمسة وثلاثين درهماً بدينار والقمح أربعين أردبا بدينار والنبيذ أربعين مطرا بدينار والزين مائة قسط بدينار وكل من معه شئ يخاف عليه أن يظهر لئلا يعاقب ومن الضيق والضنك هم الناس ببيع أولادهم وإذا أعلموا الأمير بهذا لم يرق قلبه ولا يرحم بل يزيد) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص146 ]      

وتشدد الوالى فى عمل سجل لكل إنسان يكتب فيه أسمه وموطنه وعمله ومقدار الضريبة المفروضة عليهم ثم لا يسمح لأى إنسان بالتحرك من موضع إلى آخر إلا بعد إظهار سجله وعلى نفس الشئ مع المراكب ومن لا يدفع (تنهب المراكب وما فيها وتضرب بالنار) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص147 ]    

وقبض فى زمنه على عدد كبير من الروم وأدار فيهم القتل وتقطيع الأطراف مما كان له أسوأ الأثر على حركة التجارة الداخلية والخارجية ( فإنقطع الطريق ولم يبق من يسافر ولا يبيع ولا يشترى وثمرات الكروم تتلف ولم يبق من يشتريها بدرهم واحد لأجل قيام أربابها عند داره شهرين ينتظرون السجل بالإفراج عنهم )  [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص148 ]

ووسط هذه المسلخة العامة التى لم ترحم قبطيا سواء كان تابعاً للكنيسة أم غير تابع للكنيسة ، من رجالها الرسميين أم من عامة الناس يحكى ساويروس قصة أرملة قبطية أخرجت بعد وفاة زوجها سجلاً لها ولولدها اليتيم حتى يتمكن من العمل فتعيش من أجرة عملة ، وفى رحلة البحث عن عمل خرجت به من الإسكندرية إلى مدينة صغيرة تسمى أغراوة وهناك (خرج الصبى إلى البحر يشرب ماء فخطفه التمساح والسجل مربوط معه وأمه تبكى وتحترق عليه فرجعت إلى الإسكندرية فأعلمت الأمير الغير مؤمن ما جرى عليها فلم يترأف عليها بل إعتقلها حتى وزنت عشرة دنانير بسبب السجل وأنها دخلت المدينة بغير سجل وباعت ثيابها وكل مالها وطافت تتصدق حتى اوفت العشرة دنانير) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص148 ]

أما الرهبان الذين وجدهم بغير حلق فى أيديهم (فمنهم من ضربت رقبته ومنهم من مات تحت السياط) وأغلق البيعة طالباً ألف دينار غرامة مع غرامة دينار عن كل راهب ، وهددهم إن لم يدفعوا هدم البيع وخربها وسرح الرهبان للعمل فى مراكب الأسطول مما أقلق شيوخ الرهبان فصاروا يجتمعون بأعداد كبيرة للصلاة والتضرع.

وظل الوضع على مأساويته السابقة حتى عزل هذا الوالى بامر الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز وقبض الوالى الجديد على "أسامة البائس" وقيد رجليه بربطهما فى "طوبة حديد" ووضع يديه فى خشبه ورماه فى سجن مظلم بالإسكندرية  وما كاد الناس يفرحون بتلك ألإجراءات حتى بدأت الإجراءات الصارمة للخليفة الذى أمر بعزل جميع ألقباط من دوائر العمل بالدواوين كما أمر أن تفرض جزية من أسلم على بقية ألأقباط الذين لم يسلموا ، وبذلك تزداد نسبة أعباء الجزية على الأقباط بينما يحاول الخليفة أن يبدو متسامحاً .

وهذا السلوك المزدوج من الخليفة "عمر بن عبد العزيز" جعل ساويوس يشبهه بالدجال ويفرح بسرعة هلاكه ، وكانت ألإجراءات ذات الطابع المضطهد للأقباط فى تزايد مستمر .

وجاءت أول قرارات للخليفة التالى لعمر بن عبد العزيد أشد جهامة وظلماً أيضاً حيث أمر بعودة الجزية على الكنائس والبيع بل وأمر (بكسر الصلبان وكشط الصور التى فى البيع) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص148 زمن البابا ألكسندروس الثانى البابا 43 للكنيسة القبطية]  

ثم جاء الخليفة هشام بن عبد الملك فأظهر تسامحه مع الكنيسة لكنه سرعان ما عين واليا شديد القسوة يذكر ساويروس بن المقفع أن اسمه عبدالله وأنه (أحصى الناس والبهائم واحصى الأراضى البور منها مختم بختم الرصاص على حلق كل الناس ، وجعل علامة الأسد (وشم) على أيدى النصارى ومن ليس على يده علامة (تقطع يديه ويخسر خسارة عظيمة) كما ضاعف الخراج على الناس حتى هلكوا وقبض على بطريرك النصارى حتى يختمه هو الآخر ، ويذكر ساويروس أن البطريرك (وشم) ظل يصلى فى محبسه ثلاثة أيام حتى يموت قبل أن يتمكن الوالى من وسمه (وشم) ، وأن الله إستجاب دعاءه ولم يمكن أعداءه منه ، بينما تمكن الوالى من راهب آخر كان بصحبة البطريرك ( فنزعوا عنه ثوبه وألبسوه مسخ شعر ، وعلقوه بذراعيه وهو عريان وهم يضربونه بالسياط من جلد حتى جرى دمه على الأرض وجميع الشعب ينظرونه ) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص151 ]

ويسترسل ساويروس فى ذكر المصائب التى حلت بأقباط مصر على أيدى هؤلاء الولاة  بما يفوق تعذيب الرومان للرهبان فى فترة الشدة العظمى ، وفرضهم الجزية على رهبان ورجال الكنيسة مما لم يكن مسبوقاً أبداً فى العهود السابقة.

وقد تمكن الوالى عبد الملك بن مروان (132هـ ) من القبض على الأنبا ميخائيل بطريرك الكنيسة القبطية وعدداً من الأساقفة وسجنهم " فى خزانة مظلمة لا تنظر منها الشمس ولا ليس فيها طاق لأنها كانت نقرت فى الحجر ، وكان أبونا البطريرك تحت ضيق عظيم من التكبيل بالحديد من 11 توت إلى 12 بابه ، ولم ينظر فى هذه المدة شمساً وكان فى الإعتقال معه ثلثمائة رجل ونساء أيضاً معتقلات فى ضيق أكثر من الرجال والحزن وتلبكا والضيق العظيم عند إنقضاء النهار ويغلق المتولى للسجن علينا ويمضى ولا يعود إلى سابع ساعة من النهار )  [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص177 ]

وظل ألأنبا ميخائيل ورجاله محبوسين فى تلك المغارة الجبلية الموحشة مع ما يقرب من 300 بائس وبائسة حوالى سبعة عشر يوماً حتى أمر الوالى بإحضارهم وطالب الولبى بسداد اموال قائلاً له ( بيعك كلها بغير خراج وأنا مطالبك عنها بما يجب عليها وضيق عليه فقال له : إذا كان هكذا أئذن لى أن أمضى إلى الصعيد مهما دفعوا لى النصارى وساعدونى به أحضرته لك ، وأطلقه وخرجنا من عنده وسرنا إلى الصعيد)  [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص178 ]  وعاد إلى الوالى الذى أخذ المال الذى تصدق به النصارى على بطريركهم ثم أطلقه.

ثم تتالت أحداث سقوط الدولة الأموية سريعة مدوية ، بكل ما صاحبها من إنهيار وتخبط وشره النهب السريع ، وأمام زحف العباسيين من الشرق هرب الخليفة مروان بن محمد إلى مصر ، ثم قام بإشعال النار فى جميع المدن والقرى التى يسكنها الأقباط التى تركها خلفه

ووصل إلى مصر أثناء ثورة البشموريين (أقباط تزاوجوا مع الروم وسكنوا مناطق ضحلة من ممرات مائية ورمال وطين وأعشاب طويلة فى شمال الدلتا على البحر) بقيادة مينا بن بقيرة وثورة أهل شبرا سنبوط ، وفشلت حملات الوالى فى تسكين الثورة وإخضاعهم عدة مرات ، ففكر الوالى فى إستخدام  البطريرك الأنبا ميخائيل لتسكين الشعب القبطى الثائر _ الأمر الذى سيتكرر بعد ذلك فى ثورة البشموريين الثانية تحت مظلة الخلافة العباسية وفى عهد الخليفة المأمون الذى إضطر أن يأتى بنفسه ليقود حملة للقضاء على البشموريين ، بعد أن فشلت جهود واليه فى القضاء عليهم ، وسوف يسيتخدم المأمون رجال الكنيسة فى تهدئة الثورة ، هذا وقد قبلت الكنيسة - غير مرة - القيام بدور الوسيط لتهدئة روح الثورة العارمة ، وكتب الأنبا يوساب لشعب البشموريين يعظهم : ( قال لسان العطر بولس كل من يقاوم السلطان فهو يقاوم حدود الله ، والذى يقاومه يدان )  [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص268 زمن الأنبا يوساب البابا 52 للكنيسة القبطية ]  فيعلن بذلك أن معصية الحاكم من معصية الله مطالباً شعبه بالخضوع للخليفة المسلم.

أما فى حالة مروان بن محمد - آخر خلفاء بنى أمية فقد جاء إلى مصر ووجدها فى حالة إضطراب وفوضى من جراء سياسته وسياسة واليه ( فالسجون كانت غاصة بالقبط الذين سقطوا أسرى بعد مقتل يؤنس السمنودى ) وقد رأى البشموريين (أن يقوموا بحرب عصابات بدلاً من الحرب النظامية ليستطيعوا أن يقتوا عضد الوالى ، وكان رئيس البشموريين واحد منهم أسمه مينا بن بقيرة ، فكان يخرج هو ورجاله ليلاً يقتلون وينهبون ويشيعون الفزع بين الجند المرابطين فى حدود مديريتهم ثم يختبئون بالنهار متحصنين خلف الترع والمستنقعات التى تكتنف أراضيهم والتى لا يعرف مخاضها غيرهم ) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ]   

وقد راى مروان مفاوضة البشموريين بإزاء حرج موقفة بإستعداد القوات الموالية لأبى العباس لمهاجمته فى مصر ، لكن البشموريين رفضوا المفاوضة وأصروا على القتال.

وزاد الموقف إشتعالاً بعصيان والى الإسكندرية ، وإعلانه إستقلاله بحكم المدينة (فضاق مروان ذرعاً بهذه النيران المشتعلة حوله من كل جانب ، ولم يجد بداً من إرسال "حوثرة" بالجيش للأسكندرية وفتك بالأهالى فتكاً ذريعاً ، وفى ثورة غضبه ألقى القبض على الأنبا ميخائيل الأول وزعماء القبط ) [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص151 ]  

وبعد وضعهم فى السجن طلب حوثرة من البابا التدخل لتهدئة ثورة البشموريين فوافق ففك قيوده وإقتاده إلى رشيد ومن هناك أستكتب البابا السكندرى خطابا إلى البشموريين وأخبرهم فيه بكل ما اصابه من آلام وحمل الثائرين وزر عذابه ولامهم على تماديهم فى الثورة ، وحينما قرأ الثوار خطاب البابا إشتد غضبهم وضاعفوا هجماتهم على جنود الوالى .

وفى الوقت الذى كانت الأزمة تشتد فيه حول الخليفة الأموى وتحاصرة من كل جانب ، دفعه اليأس والرغبة فى الإنتقام إلى حرق مدينة الفسطاط (العاصمة) ويصف ساويروس مشهد فزع الناس وهربهم قبل الحريق بقوله : ( وما أن أخذ عازف البوق يعلن أهالى الفسطاط بوجوب إخلاء المدينة ، حتى تملكهم الفزع ، فخرجت جموعهم على غير هدى متجهة نحو الجيزة والجزيرة ، وكانوا يتزاحمون على المراكب الراسية على شاطئ النيل ويندفعون بغير وعى ، فغرق العدد العديد منهم ، كذلك تناسى الناس فى رعبهم المرضى والمقعدين والمكفوفين فتركوهم لمصيرهم ، وحينما تفقد مروان الفسطاط بعد ألأيام الثلاثة التى حددها لم يجد غير هؤلاء العاجزين فلم يشفق عليهم بل أمر بحرق المدينة وهم فيها ، فراحوا جميعاً ضحية اللهب المتقد ، ونظرنا النار صاعدة فى الفسطاط وأخبرونا أن مروان أحرق مخازن غلة وقطن وتبن ومخازن الشعير)  [ساويروس ابن المقفع : تاريخ الآباء البطاركة ، الجزء ألأول ص191 ]  تلك المحاصيل التى جمعت من الفلاحين والأقباط بالقهر والعنف ، يشعل فيها إبن محمد النيران الان حتى لا تقع فى أيدى أعدائه (من المسودة) يقصد العباسيين ذوى الرداء الأسود - الغزاة القادمين لحكم مصر تحت مظلة الدولة العباسية.

وأكلت النار مدينة الفسطاط التى بناها العرب عام 20 هجرية ، وأحرقها العرب أيضاً عام 132 هـ 

كان أسلوب الحرق والتدمير هو الإسلوب الشائع فى ـأديب الأقباط المصريين ، ولنا أنقيس ما يذكره المؤرخون عند مدينة طحاى الصعيد ، التى كان يسكنها (فى صدر الإسلام خمسة عشرة ألف نفس وكلهم مسيحيين ، وبها ست وثلاثون كنيسة أغلبها تهدم فى العهد ألموى ، وخاصة فى خلافة مروان ، لرفض أهلها دفع الخراج فطردهم عامله ولم يعد منها إلا كنيسة مامينا) [ زبيدة عطا : إقليم المنيا فى العصر البيزنطى ، نقلاً ‘ن أبو صالح الأرمنى (تاريخ ابو المكارم) - أديرة وكنائس مصر]

وإذا كان نصيب مدينة واحدة : تدمير خمسة وثلاثين كنيسة وتشتيت أهلها ، بخلاف تدمير البيوت وأراضى الممتنعين عن دفع الخراج ، فكيف كان نصيب المدن الأخرى المتمسكة ببراية المقاومة زمناً طويلاً . 

   

*************************

المراجع

(1)  قام ساويروس أبن المقفع أسقف الشمونيين بتجميع كتاب (سير الآباء البطاركة / تاريخ البطاركة )  ومصدر هذا الكتاب هو أن كل بطرك من بطاركة الأقباط كان له تلميذ كاتبا يسجل ما يدور من حوادث فى عصره وكانت هذه الكتب فى الأديرة فجمعها  ساويروس أبن المقفع أسقف الأشمونيين فى كتاب واحد سمى تاريخ البطاركة أو سيرة ألآباء البطاركة ، وهو المرجع المعتمد للكنيسة القبطية ويأخذ منه كل مؤرخيين تاريخ الكنيسة القبطية مثل القمص منسى يوحنا وأيريس حبيب المصرى وغيرهم وكذلك موقعنا هذا تاريخ اقباط مصر قد نقل موقعنا هذا المرجع بالكامل ووضعنا أجزاءه تحت ما يخص تاريخ كل بطريرك تحت أسمه  

 

This site was last updated 09/22/11