Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وعشرين ومائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة 226 وخلافة المعتصم
سنة219 وسنة220
سنة221
سنة222
سنة223
سنة224
سنة225
سنة226 وسنة227
عاصمة العباسيين سامراء

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة اثنتين وعشرين ومائتين
ذكر محاربة بابك أيضاً

في هذه السنة وجه المعتصم إلى الأفشين جعفراً الخياط مدداً له، ووجه إليه إيتاخ ومعه ثلاثون ألف ألف درهم للجند ولنفقات، فأوصل ذلك إلى الأفشين وعاد.
وفيها كانت وقعة بين أصحاب الأفشين وقائد لبابك اسمه آذين، وكان سببها أن الشتاء لما انقضى سنة إحدى وعشرين ومائتين، وجاء الربيع، ودخلت سنة اثنتين وعشرين، رحل الأفشين عند إمكان الزمان، فصار إلى موضع يقال له كلان روذ وتفسيره نهر كبير فاحتفر عنده خندقأن وكتب إلى أبي سعيد ليرحل من برزند إلى طرف رستاق كلان روذ، وبينهما قدر ثلاثة أميال، فأقام الأفشين بكلان روذ خمسة أيام، فأتاه من أخبره أن قائداً لبابك اسمه آذين قد عسكر بإزائه، وأنه قد صير عياله في خيل، فقال له بابك: ليجعلهم في الحصن، فقال: لا أتحصن من اليهود، يعني المسلمين، والله لا أدخلتهم حصناً أبداً.
فوجه الأفشين ظفر بن العلاء السعدي في جماعة من الفرسان والرجالة، فساروا ليلتهم، فوصلوا إلى مضيق لا يسلكه إلا الواحد بعد الواحد، وأكثر الناس قادوا دوابهم، وتسلقوا في الحبل، وأخذوا عيال آذين وبعض ولده.
وبلغ الخبر آذين، وكان الأفشين قد خاف أن يؤخذ عليهم الطريق، فأمرهم أن يجعلوا على رأس كل جبل رجالاً معهم الأعلام السود، فإن رأوا شيئاً يخافونه حركوا الأعلام، ففعلوا ذلك، فلما أخذوا عيال آذين ورجعوا إلى بعض الطريق قبل المضيق، أتاهم آذين في أصحابه، فحاربوهم فقتل منهم قتلى، واستنقذوا بعض النساء، فنظر الرجال المرتبون برؤوس الجبال، فحركوا الأعلام، وكان آذين قد أنفذ من يمسك عليهم المضيق، فلما رأى الافشين تحريك العلم الذي بإزائه سير جماعة من الجند مع مظفر بن كيذر، فأسرع نحوهم، ووجه أبا سعيد بعدهم وبخارااخذاه، فلما نظر إليهم رجالة آذين الذين على المضيق تركوه، وقصدوا أصحابهم، فنجا ظفر ابن العلاء ومن معه، ومعهم بعض عيال آذين.
ذكر فتح البذ وأسر بابك
وفي هذه السنة فتحت البذ، مدينة بابك، ودخلها المسلمون وخربوهأن واستباحوهأن وذلك لعشر بقين من شهر رمضان.
وكان سبب ذلك أن الأفشين لما عزم على الدنومن البذ، والرحيل من كلان روذ، جعل يتقدم قليلاً قليلاً خلاف ما تقدم، وكتب إليه المعتصم يأمره أن يجعل الناس نوائب، يقفون على ظهور الخيل نوباً في الليل، مخافة البيات، فضج الناس من التعب، وقالوا: بيننا وبين العدوأربعة فراسخ، ونحن نفعل أفعالاً كأن العدوبإزائنأن قد استحيينا من الناس، اقدم بنأن فإما لنا وإما علينا.
فقال: أعلم أن قولكم حق. ولكن أمير المؤمنين أمرني بهذا. فلم يلبث أن جاءه كتاب المعتصم يأمره أن يفعل كما كان يفعل، فلم يزل كذلك أيامأن ثم انحدر حتى نزل روذ الروذ، وتقدم حتى شارف الموضع الذي كانت به الوقعة في العام الماضي، فوجد عليه كردوساً من الخرمية، فلم يحاربهم، ولم يزل إلى الظهر، ثم رجع إلى معسكره فمكث يومين، ثم عاد في أكثر من الذين كانوا معهم، ولم يقاتلهم، وأقام الأفشين بروذ الروذ، وأمر الكوهبانية وهم أصحاب الأخبار أن ينظروا له في رؤوس الجبال مواضع يتحصن فيها الرجالة.
فاختاروا له ثلاثة أجبل كان عليها حصون فخربت، فاخذ معه الفعلة، وسار نحوهذه الجبال، وأخذ معه الكعك والسويق، وأمر الفعلة بنقل الحجارة، وسد الطريق إلى تلك الجبال، حتى صارت كالحصون، وأمر بحفر خندق على كل طريق وراء تلك الحجارة، ولم يترك مسلكاً إلى الجبال منها إلا مسلكاً واحدأن ففرغ من الذي أراد من حفر الخنادق في عشرة أيام، وهووالناس يحرسون الفعلة والرجالة ليلاً ونهاراً.
فلما فرغ منها ادخل الرجالة إليهأن وأنفذ إليه بابك رسولاً ومعه قثاء، وبطيخ، وخيار، ويعلمه أنه قد تعب وشقي من أكل الكعك، وأننا في عيش رغد. فقبل ذلك منه، وقال: قد عرفت ما أراد أخي، وأصعد الرسول، فأراه ما عمل، وأطاف به خنادقه كلهأن وقال اذهب فعرفه ما رأيت. (3/191)
وكان جماعة من الخرمية يأتون إلى قرب خندق الأفشين فيصيحون، فلم يترك الأفشين أحداً يخرج إليهم، فعلوا ذلك ثلاثة أيام؛ ثم إن الأفشين كمن لهم كمينأن فلما جاؤوا ثاروا عليهم، فهربوا ولم يعودوا.
وعبأ الأفشين أصحابه، وأمر كلاً منهم بلزوم موضعه، وكان يركب، والناس في مواقفهم، فكان يصلي الصبح بغلس، ثم يضرب ويسير زحفأن وكانت علامته في المسير والوقوف ضرب الطبول لكثرة الناس، ومسيرهم في الجبال والأودية على مصافهم، فإذا سار ضربهأن وإذا وقف أمسك عن ضربهأن فيقف الناس جميعأن ويسيرون جميعاً.
وكان يسير قليلاً قليلاً كلما جاءه كوهباني بخبر سار، أووقف؛ وكان إذا أراد أن يتقدم إلى المكان الذي كانت به الوقعة عام أول، خلف بخارااخذاه على رأس العقبة في ألف فارس، وستمائة راجل، يحفظون الطريق لئلا يأخذه الخرمية عليهم.
وكان بابك إذا أحس بمجيئهم وجه جمعاً من أصحابه، فيكمنون في واد تحت تلك العقبة، تحت بخارااخذاه، واجتهد الأفشين أن يعرف مكان كمين بابك، فلم يعلم بهم، وكان يأمر أبا سعيد أن يعر الوادي في كردوس، ويأمر جعفراً الخياط أن يعبر في كردوس، ويأمر أحمد بن الخليل بن هشام أن يعبر في كردوس آخر، فيصير في ذلك الجانب ثلاثة كراديس في طرف أبياتهم؛ وكان بابك يخرج عسكره فيقف بإزاء هذه الكراديس، لئلا يتقدم منهم أحد إلى باب البذ. وكان يفرق عساكره كمينأن ولم يبق إلا في نفر يسير.
وكان الأفشين يجلس على تل مشرف ينظر إلى قصر بابك، والناس كراديس، فمن كان معه من هذا الجانب من الوادي نزل عن دابته، ومن كان من ذلك الجانب مع أبي سعيد وجعفر وأحمد بن الخليل لم ينزل القرية من العدو؛ وكان بابك وأصحابه يشربون الخمر، ويضربون بالسرنائي، فإذا صلى الأفشين الظهر رجع إلى خندقه بروذ الروذ، فكان يرجع أولاً أقربهم إلى العدو، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، فكان آخر من يرجع بخاراخذاه لأنه كان أبعدهم عن العدو، فإذا رجعوا صاح بهم الخرمية.
فلما كان في بعض الأيام الخرمية من المطاولة، وانصرف الأفشين كعادته، وعادت الكراديس التي بذلك الجانب من الوادي؛ ولم يبق إلا جعفر الخياط، ففتح الخرمية باب البذ، وخرج منهم جماعة على أصحاب جعفر، وارتفعت الصيحة فتقدم جعفر بنفسه، فرد أولئك الخرمية إلى باب البذ، ووقعت الصيحة في العسكر، فرجع الأفشين فرأى جعفراً وأصحابه يقاتلون، وخرج من الفريقين جماعة، وجلس الأفشين في مكانه، وهويتلظى على جعفر، ويقول: أفسد عليّ تعبيتي.
وارتفعت الصيحة، فكان مع أبي دلف قوم من المتطوعة، فعبروا إلى جعفر بغير أمر الأفشين، وتعلقوا بالبذ، وأثروا فيه أثرأن وكادوا يصعدونه فيدخلون البذ، ووجه جعفر إلى الأفشين أن أمدني بخمس مائة راجل من الناشبة، فإني أرجوأن أدخل البذ إن شاء الله تعالى؛ فبعث إليه الأفشين: إنك أفسدت عليّ أمري، فتخلص قليلاً قليلأن وخلص أصحابك وانصرف؛ وارتفعت الصيحة من المتطوعة، حتى تعلقوا بالبذ، وظن الكمناء الذين لبابك أن الحرب قد اشتبكت، فوثب بعضهم من تحت بخاراخذاه، ووثب بعضهم من ناحية أخرى، فتحركت الكمناء من الخرمية، والناس على رؤوسهم، فلم يزل منهم أحد، فقال الأفشين: الحمد لله الذي بين مواضع هؤلاء.
ورجع جعفر وأصحابه والمتطوعة، فجاء جعفر إلى الأفشين، فأنكر عليه حيث لم يمده، وجرى بينهما نفرة شديدة، وجاء رجل من المتطوعة، ومعه صخرة، فقال للأفشين: أتردنا وهذا الحجر أخذته من السور؟ فقال: إذا انصرفت عرفت من على طريقك، يعني الكمين الذي عند بخارااخذاه. وقال لجعفر: لوثار هذا الكمين الذي تحتك كيف كنت ترى هؤلاء المتطوعة؟(3/192)
ثم رجع هووأصحابه على عادتهم، فلما رأى هؤلاء الكمين الذي عند بخاراخذاه علموا ما كان وراءهم، فإن بخاراخذاه لوتحرك نحوالقتال، لملكوا ذلك الموضع، وهلك المسلمون عن آخرهم؛ فأقام الأفشين بخندقه أيامأن فشكا المتطوعة إليه ضيق العلوفة، والزاد، والنفقة، فقال: من صبر فليصبر، ومن لا فالطريق واسع فلينصرف، وفي جند أمير المؤمنين كفاية. فانصرف المتطوعة يقولون: لوترك الأفشين جعفراً وتركنا لأخذنا البذ، لكنه يشتهي المطاولة، فبلغه ذلك وما تتناوله المتطوعة بألسنتهم حتى قال بعضهم: إني رأيت رسول الله في المنام قال لي: قل للإفشين إن أنت حاربت هذا وجددت في أمره وإلا أمرت الجبال أن ترجمك بالحجارة، فتحدث الناس بذلك فبلغ الأفشين، فأحضره وسأله عن المنام، فقصه عليه فقال: الله يعلم نيتي وما أريد بهذا الخلق، وإن الله لوأمر الجبال برجم أحد لرجم هذا الكافر فكفانا مؤونته. فقال رجل من المتطوعة: أيها الأمير لا تحرمنا شهادة إن كانت حضرت، وإمنا قصدنا ثواب الله ووجهه، فدعنا وحدنا حتى نتقدم بعد أن يكون بإذنك لعل اله أن يفتح علينا.
فقال الأفشين: إني أرى نياتكم حاضرة، وأحسب هذا الأمر يريده الله تعالى، وهوخير إن شاء الله، وقد نشطتم ونشط الناس، وكان هذا رأيي وقد حدث الساعة لما سمعت من كلامكم، اعزموا على بركة الله أي يوم أردتم حتى نناهضه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فخرجوا مستبشرين فتأخر من أراد الانصراف ووعد الأفشين الناس ليوم ذكره لهم، وأمر الناس بالتجهز وحمل المال والزاد والماء، وجعل المحامل على البغال تحمل الجرحى، وزحف بالناس ذلك اليوم وجعل بخاراخذاه بمكانه على العقبة، وجلس الأفشين بالمكان الذي كان يجلس فيه، وقال لأبي دلف: قل للمتطوعة أي ناحية أسهل عليكم فاقتصروا عليها. فقال لجعفر: العسكر كله بين يديك والنشابة والنفاطون، فإن أردت فخذ منهم ما تريد واعزم على بركة الله، وتقدم من أي موضع تريد.
فسار إلى الموضع الذي كان به ذلك اليوم، وقال لأبي سعيد: قف عندي أنت وأصحابك، وقال لجعفر: قف أنت ها هنأن لمكان عينه له، فإن أراد جعفر رجالاً أوفرساناً أمددناه.
وتقدم جعفر والمتطوعة فقاتلوا وتعلقوا بسور البذ، وضرب جعفر باب البذ ووقف عنده يقاتل عليه، ووجه الأفشين غليه وإلى المتطوعة بالأموال لتفرق فيهم ويعطي من تقدم، وأمدهم بالفعلة معهم الفؤوس، وبعث إليهم بالمياه لئلا يعطشوا وبالكعك والسويق، فاشتبكت الحرب على الباب طويلاً ففتحت الخرمية الباب وخرجوا على أصحاب جعفر فنحوهم عن الباب وشدوا على المتطوعة من الناحية الأخرى، فطرحوهم عن السور، ورموهم بالصخر، وأثروا فيهم، وضعفوا عن الحرب، وأخذ جعفر من أصحابه نحومائة رجل، فوقفوا خلف تراسهم متحاجزين لا يقدم أحد على الآخر، فلم يزالوا كذلك حتى صليب الظهر فتحاجزوا.
وبعث الأفشين الرجالة الذين كانوا عنده نحوالمطوعة، وبعث إلى جعفر بعضهم، خوفاً أن يطمع العدو، فقال جعفر: لست أوتي من قلة ولكني لا أرى للحرب موضعاً يتقدمون فيه، فأمره بالانصراف فانصرف.
وحمل الأفشين الجرحى ومن به من الحجارة فحملوا في المحامل على البغال وانصرفوا عنهم، وأيس الناس من الفتح تلك السنة وانصرف أكثر المطوعة.
ثم إن الأفشين تجهز بعد جمعتين، فلما كان جوف الليل بعث الرجالة الناشبة، وهم ألف رجل، وأعطى كل واحد منهم شكوة وكعكأن وأعطاهم أعلاماً غير مركبة وبعث معهم أدلاء، فساروا في جبال منكرة صعبة في غير طريق، حتى صاروا خلف التل الذي يقف آذين عليه وهوجبل شاهق وأمرهم أن لا يعلم بهم أحد، حتى إذا رأوا أعلام الأفشين وصلوا الغداة ورأوا الوقعة ركبوا تلك الأعلام في الرماح وضربوا الطبول وانحدروا من فوق الجبل، ورموا بالنشاب والصخر على الخرمية، وإن هم لم يروا الأعلام لم يتحركوا حتى يأتيهم خبره. ففعلوا ذلك فوصلوا إلى رأس الجييل عند السحر، فلما كان في بعض الليل وجه الأفشين إلى الجند، وأمرهم بالتجهز للحرب.(3/193)
فلما كان في بعض الليل وجه بشيراً التركي وقواداً من الفراعنه كانوا معه، فأمرهم أن يسيروا حتى يصيروا تحت التل الذي عليه آذين، وكان يعلم أن بابك يكمن تحت ذلك الجبل، فساروا ليلأن ولا يعلم بهم أكثر أهل العسكر، ثم ركب هووالعسكر مع السحر، فصلى الغداة، وضرب الطبل، وركب فأتى الموضع الذي كان يقف فيه، فقعد على عادته، وأمر بخاراخذاه أن يقف مع جعفر الخياط وأبي سعيد وأحمد بن الخليل بن هشام، ونزل الموضع الذي كان يقف فيه، فأنكر الناس ذلك، وأمرهم أن يقربوا من التل الذي عليه آذين فيحدقوا به، وكان قبل ينهاهم عنه.
ومضى الناس مع هؤلاء القواد الأربعة، فكان جعفر مما يلي الباب، وإلى جانبه أبوسعيد، وإلى جانب أبي سعيد بخاراخذاه وكان أحمد مما يلي بخاراخذاه، فصاروا جميعاً حول التل وارتفعت الضجة من أسفل الوادي، فوثب كمين بابك ببشير التركي والفراعنة، فحاربوهم، وسمع أهل العسكر صيحتهم، فأرادوا الحركة، فأمر الأفشين منادياً ينادي فيهم أن بشيراً قد أثار كمينأن فلا يتحركن أحد، فسكنوأن ولما سمع الرجال الذين كان سيرهم حتى صاروا في أعلى الجيل ضجة العسكر ركبوا الأعلام على الرماح، فنظر الناس إلى الأعلام تنحدر من الجبل على خيل آذين، فوجه آذين إليهم بعض أصحابه.
وحمل جعفر وأصحابه على آذين وأصحابه، حتى صعدوا إليه، فحملوا عليه حملة منكرة، فانحدر إلى الوادي، وحمل عليه جماعة من أصحاب أبي سعيد، فإذا تحت دوابهم آبار محفورة، فتساقطت الفرسان فيهأن فوجه الأفشين الفعلة يطمون تلك الآبار، ففعلوأن وحمل الناس عليهم حملة شديدة.
وكان آذين قد جعل فوق الجبل عجلاً عليها صخر، فلما حمل الناس عليه دفعتلك العجل عليهم، فأفرج الناس منها حتى تدحرجت، ثم حمل الناس من كل وجه، فلما نظر بابك إلى أصحابه قد أحدق بهم خرج من طرف البذ، ممايلي الأفشين، فأقبل نحوه، فقيل للأفشين: إن هذا بابك يريدك، فتقدم إليه، حتى سمع كلامه، وكلام أصحابه، والحرب مشتبكة في ناحية آذين، فقال: أريد الأمان من أمير المؤمنين، فقال له الأفشين: قد عرضت هذا عليك، وهولك مبذول متى شئت، فقال: قد شئت الآن على أن تؤخرني حتى أحمل عيالي وأتجهز، فقال له الأفشين: أنا أنصحك، خروجك اليوم خير من غد، قال: قد قبلت هذا، قال الأفشين: فابعث بالرهائن! فقال: نعم، أما فلان وفلان فهم على ذلك التل، فمر أصحابك بالتوقف.
فجاء رسول الأفشين ليرد الناس، فقيل له إن أعلام الفراغنة قد دخلت البذ، وصعدوا بها القصور، فركب وصاح بالناس، فدخل، ودخلوا وصعد الناس بالأعلام فوق قصور بابك، وكان قد كمن في قصوره، وهي أربعة، ستمائة رجل، فخرجوا على الناس، فقاتلوهم، ومر بابك، حتى دخل الوادي الذي يلي هشتادسر، واشتغل الأفشين ومن معه بالحرب على أبواب القصور، فأحضر النفاطين فأحرقوهأن وهدم الناس القصور، فقتلوا الخرمية عن آخرهم، وأخذ الأفشين أولاد بابك وعيالاته، وبقي هناك حي أدركه المساء، فأمر الناس بالانصراف، فرجعوا إلى الخندق بروذ الروذ.
وأما بابك فإنه سار فيمن معه، وكانوا قد عادوا إلى البذ، بعد رجوع الأفشين، فأخذوا ما أمكنهم من الطعام والأموال، ولما كان الغد رجع الأفشين إلى البذ، وأمر بهدم القصور وإحراقهأن ففعلوأن فلم يدع منها بيتأن وكتب إلى ملوك أرمينية وبطارقتهم، يعلمهم ان بابك قد هرب وعدة معه، وهومار بكم، وأمرهم بحفظ نواحيهم، ولا يمر بهم أحد إلا أخذوه، حتى يعرفوه.
وجاءت جواسيس الأفشين إليه فأعلموه بموضع بابك، وكان في واد كثير الشجر والعشب، طرفه بأذربيجان، وطرفه الآخر بأرمينية، ولم يمكن الخيل نزوله، ولا يرى من يستخفي فيه لكثرة شجره ومياهه، ويسمى هذا الوادي عيضة؛ فوجه الأفشين إلى كل موضع فيه طريق إلى الوادي جماعة من أصحابه يحفظونه، وكانوا خمس عشرة جماعة.
وورد كتاب المعتصم فيه أمان بابك، فدعا الأفشين من كان استأمن إليه من أصحابه، فأعلمهم ذلك، وأمرهم بالمسير إليه بالكتاب، وفيهم ابنه، فلم يجسر أحد منهم خوفاً منه، فقال إنه يفرح بهذا الأمان، فقالوا: نحن أعرف به منك، فقام رجلان فقالا: اضمن لنا أنك تجري على عيالاتنأن فضمن لهمأن فسارا بالكتاب، فلما رأياه أعلماه ما قدما له، فقتل أحدهما وأمر الآخر أن يعود بالكتاب إلى الأفشين.(3/194)
وكان ابنه قد كتب إليه معهما كتابأا فقال لذلك الرجل: قل لابن الفاعلة: لوكنت ابني للحقت بي ولكنك لست ابني ولأن تعيش يوماً واحداً وأنت رئيس خير من أن تعيش أربعين سنة عبداً ذليلاً! وقعد في موضعه فلم يزل في تلك الغيضة حتى فني زادهن وخرج من بعض تلك الطرق، وكان من عليه من الجند قد تنحوا قريباً منه، وتركوا عليه أربعة نفر يحرسونه.
فبيمنا هم ذات يوم، نصف النهار، إذ خرج بابك وأصحابه، فلم ير العسكر، ولا أولئك الذيم يحرسون المكان، فطن أن ليس هناك أحد، فخرج هووعبد الله أخوه، ومعاوية، وأمه، وامرأة أخرى، وساروا يريدون أرمينية، فرآهم الحراس، فأرسلوا إلى أصحابهم: إننا قد رأينا فرساناً لا ندري من هم، وكان أبوالساج هوالمقدم عليهم، فركب الناس وساروا نحوهم، فرأوا بابك وأصحابه قد نزلوا على ماء يتغذون، فلما رأى العساكر ركب هوومن معه، فنجا هو، وأخذ معاوية، وأم بابك والمرأة الأخرى، فأرسلهم أبوالساج إلى الأفشين.
وسار بابك في جبال أرمينية مستخفيأن فاحتاج إلى طعام، وكان بطارقة أرمينية قد تحفظوا بنواحيهم، وأوصوا أن لا يجتاز بهم أحد إلا أخذوه حتى يعرفوه، وأصاب بابك الجوع، فرأى حراثاً في بعض الأودية، فقال لغلامه: انزل إلى هذا الحراث، وخذ معك دنانير ودراهم، فغ، كان خبز فاشتر منه.
وكان للحراث شريك قد ذهب لحاجة، فنزل الغلام إلى الحراث ليأخذ منه الطعام، فرآه رفيق الحراث، فظن أنه يأخذ ما معه غصبأن فعدا إلى المسلحة، وأعلمهم أن رجلاً عليه سيف وسلاح قد أخذ خبز شريكه، فركب صاحب المسلحة، وكان في جبال ابن سنباط، فوجه إلى سهل بن سنباط بالخبر، فركب في جماعة فوافى الحراث والغلام عنده، فسأل عنه فأخبره الحراث خبره، فأخبره الغلام عن مولاه، ودله عليه، فلما رأى وجه بابك عرفه فترجل له، واخذ يده فقبلهأن وقال: أين تريد؟ قال: بلاد الروم، قال: لا تجد أحداً أعرف بحقك مني، وليس بيني وبين السلطان عمل، وكل من ها هنا من البطارقة إمنا هم أهل بيتك، قد صار لك منهم أولاد، وذلك أن بابك كان إذا علم أن عند بعضهم من النساء امرأة جميلة طلبهأن فإن بعث بها إليه، وإلا أسرى إليه فأخذها ونهب ماله وعاد، فخدعه ابن سنباط، حتى صار إلى حصنه.
وأرسل بابك أخاه عبد الله إلى حصن اصطفانوس، فأرسل ابن سنباط إلى الأفشين يعلمه بذلك، فكتب إليه الأفشين يعده ويمنيه، ووجه إليه أبا سعيد وبورماره، وأمرهما بطاعته، وأمرهما ابن سنباط بالمقام في مكان سماه، وقال: لا تبرحا حتى يأتيكما رسولي، فيكون العمل بما يقول لكما.
ثم إنه قال لبابك: قد ضجرت من هذا الحصن، فلونزلت إلى لاصيد، ففعل، فلما نزل من الحصن أرسل ابن سنباط إلى أبي سعيد وبورماره، فأمرهما أن يوافياه: أحدهما من جانب واد هناك، والثاني من الجانب الآخر، ففعلأن فلم يحب أن يدفعه إليهما.
فبيمنا بابك وابن سنباط يتصيدان إذ خرج عليهما أبوسعيد وبورماره في أصحابهمأن وعلى بابك دراعة بيضاء، فأخذوهمأن وأمروا بابك بالنزول، فقال: من أنتم؟ فقال: أنا أبوسعيد، وهذا فلان، فنزل ثم قال لابن سنباط القبيح، وشتمه، وقال: إمنا بعتني لليهود بشيء يسير، لوأردت المال لأعطيتك أكثر مما يعطيك هؤلاء؛ فأركبه أبوسعيد، وساروا به إلى الأفشين، فلما قرب من العسكر صعد الأفشين وجلس ينظر إليه، وصف عسكره صفين، وأمر بإنزال بابك عن دابته، ومشى بين الصفين، وأدخله الأفشين بيتأن ووكل به من يحفظه، وسير معه سهل بن سنباط ابنه معاوية، فأمر له الأفشين بمائة ألف درهم، وأمر لسهل بألف ألف درهم، ومنطقة مغرقة بالجواهر وتاج البطرقة.
وأرسل الأفشين إلى عيسى بن يونس بن اصطفانوس يطلب منه عبد الله أخا بابك، فأنفذه إليه، فحبسه مع أخيه، وكتب إلى المعتصم بذلك، فأمره بالقدوم بهما عليه.
وكان وصول بابك إلى الأفشين ببرزند لعشر خلون من شوال، وكان الافشين قد أخذ نساء كثيرة وصبياناً كثيراً ذكروا أن بابك أسرهم، وأنهم أحراراً من العرب والدهاقين، فأمر بهم فجعلوا في حظيرة كبيرة، وأمرهم أن يكتبوا إلى أوليائكم، فكل من جاء يعرف امرأة، أوصبيأن أوجارية، وأقام شاهدين أخذه، فأخذ الناس منهم خلقاً كثيرأن وبقي كثير منهم.
ذكر استيلاء عبد الرحمن على طليطلة (3/195)
قد ذكرنا عصيان أهل طليطلة على عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي، صاحب الأندلس، وإنفاذ الجيوش إلى محاصرتها مرة بعد مرة، فلما كان سنة إحدى وعشرين وائتين خرج جماعة من أهلها إلى قلعة رباح، وبها عسكر لعبد الرحمن، فاجتمعوا كلهم على حصر كليكلة، وضيقوا عليهأن وعلى أهلهأن وقطعوا عنهم باقي مرافقهم واشتدوا في محاصرتهم، فبقوا كذلك إلى أن دخلت سنة اثنتين وعشرين.
فسير عبد الرحمن أخاه الوليد بن الحكم إليها أيضأن فرأى أهلها وقد بلغ بهم الجهد كل مبلغ، واشتد عليهم طول الحصار، وضعفوا عن القتال والدفع، فافتتحها قهراً وعنوةً يوم السبت لثمان خلون من رجب، وأمر بتجديد القصر على باب الحصن الذي كان هدم أيام الحكم، وأقام بها إلى آخر شعبان من سنة ثلاث وعشرين ومائتين، حتى استقرت قواعد أهلها وسكنوا.
ذكر عدة حوادث
وحج بالناس هذه السنة محمد بن داود.
وفيها ظهر عن يسار القبلة كوكب، فبقي يرى نحواً من أربعين ليلة، وله شبه الذنب، وكان أول ما طلع نحوالمغرب، ثم رثي بعد ذلك نحوالمشرق، وكان طويلاً جدأن فهال الناس ذلك، وعظم عليهم. ذكره ابن أبي أسامة في تاريخه وهومن الثقات الأثبات.
وفيها توفي يحيى بن صالح أبوزكرياء الوحاظي، وهودمشقي، وقيل حمصي.
وفيها توفي أبوهشام محمد بن علي بن أبي خداش الموصلي؛ وكان كثير الرواية من المعافى بن عمران.

This site was last updated 07/14/11