| Encyclopedia - أنسكلوبيديا موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history بقلم عزت اندراوس عودة البابا كيرلس الخامس من المنفى |
هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 3000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناكأنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل |
هجــــرة الأقباط لكنـــائس مصر والقاهرة وأخيراً أستطاع المجلس الملى وأسقف صنبوا أن يدخلوا الدار البطريركية بالقاهرة ليباشروا اعمالهم .. ولكن لم يكن الأمر سهلاً فقد بدا الجو ملبداً شديد الغيوم صعب الرؤية فيه والأرض قد إمتلأت بالألغام التى أعدها البابا بذكاء شديد أمام أسقف صنبوا إذا حدث وقبل هذه الوظيفة . ** إمتنع الأقباط من دخول الدار البطريركية لأنه يسكن فيها رئيساً محروم ومجدف ومنشق على كنيسة الرب وأصبحت الدار البطريركية مهجورة وإنعزل الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو هو وأعضاء المجلس الملى عن المجتمع القبطى أما كيف عامل الشعب القبطى أعضاء المجلس الملى وأسقف صنبوا فما يأتى بعض الأمثلة : - *** أراد الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو زيارة أحد كبار رجال الأقباط فى بيته , فحدثت مشكلة كبيرة بين الوجيه المذكور وزوجته وأبنائه وأشقائه , فقد كانوا جميعاً يسكنون فى بيت واحد فى شقق مختلفه , والجميع أقباط ودارت مناقشات ومنازعات ووصلت إلى حد علو الصوت وكان من رأيهم جميعاً بأنهم لن يسمحوا لرجل محروم بقرار من البابا ومجمع مقدس أن يدخل بيتهم , بل أنهم لن يقبلوا مخالطته ولا الأكل معه على مائدة واحدة ولا حتى الحديث معه , بل يخافون حتى من أن يضع رجله وهو رجلاً محروما من رئيس شعبهم على عتبه دارهم .. فإضطر الرجل أن يعتذر إلى الأنبا أثناسيوس وكان موقفاً مؤلماً للطرفين , وقد تكرر هذا الموقف كثيراً معه . *** وكانت الكنيسة الكبرى فى ذلك اليوم تحت إشراف الإيغومانس فليتاؤس عوض - وكان من أشد مؤيدى المجلس الملى ومن الدعاة إلى تكوينة .. وكان هو أحد الكهنة الذين وقعوا على قرار نفى البابا الأنبا كيرلس الخامس , وعندما كان يتوفى أحد الأقباط لا يدخلوه إلى الكنيسة المرقسية الكبرى التى كانوا يتباهون بدفن كبرائهم وزواج أبنائهم فيها لما لها من عظمة عندهم . وحدث أن توفى جرجس بك شلبى وكان من كبار الأقباط وأغنيائهم فذهب القمص الإيغوماناس فلتاؤس عوض لدار المتوفى للصلاة عليه , فرفض أهله تواجده هناك , لأن القمص فلتاؤس عضو فى المجلس الملى ويخالط الأسقف المحروم وما دام تابعا للمحروم فهو محروم مثله , وطردوه من منزلهم , ولم يصلوا على ميتهم فى الكنيسة المرقسية الكبرى ولكنهم ذهبوا إلى كنيسة صغيرة غير مشهورة . أما أكاليل الزواج فقد تعطلت ولم يعقدوها فى القاهرة ولكنهم كانوا يذهبون إلى الجيزة لعقد الزواج *** وعندما هجر الأقباط الكنائس الأرثوذكسية بحثوا عن كنيسة يصلون فيها فلم يجدوى سوى كنيسة الروم الأرثوذكس بالحمزاوى أقرب مكاناً من الجيزة المختلفة معنا فى الإيمان ولكن كانت أقرب من من الطوائف الأخرى , فتوجهوا إليها فى أيام الآحاد التالية لدخول الأنبا أثناسيوس الدار البطريركية , ولما كانت هذه الكنيسة مخصصة لعدد محدود وجالية محدودة فإن الأعداد الكبيرة من الأقباط التى توجهت للصلاة فيها جعل القساوسة الروم الذين كانوا يصلون باللغة اليونانية يصلون باللغة العربية وفرح بعض الروم فتبرع بقطعة أرض مقدارها ألف متر ( فى حى الشماشرجى) لبناء كنيسة لهؤلاء الأقباط الذين ينفصلون عن أمهم وينضمون إليهم , وأضاف إلى هذا العمل إغراء آخر وهو التبرع بألف متر مربع أخرى لبناء مدرسة عليها , وهكذا خرج كثيرين من أبناء الطائفة أمام عند البابا والمجلس الملى وخلافهم مع بعضهم البعض ولما أسقط فى يد المجلس الملى وتعقدت الأمور وأصبحوا منبوذين من المجتمع القبطى حاولوا رفع الحرم الذى نطقه البابا من فمه فقرروا إرسال خطابات إلى الأساقفة لحل هذا الحرمان الذى أوقعه البابا كيرلس الخامس على الأنبا اثناسيوس أسقف صنبو , فقام بطرس غالى باشا بتحرير عدة خطابات إلى عدداً من الأساقفة, فإمتنع أكثرهم من الحضور , وحضر إلى القاهرة ثلاثة فقط منهم وهم أسقف أسيوط والمنيا وجرجا , ولكنهم أخذوا الحيطة حتى لا يكونون مدانين من الشعب أو البابا أو الرب , فرفضوا الإقامة فى دار البطريركية لوجود الأسقف المحروم فيها , ونزلوا فى عزبة تابعة لدير الأنبا بولا على مشارف القاهرة , وفى 23 سبتمبر سنة 1892 مذهب إليهم أعضاء المجلس الملى وسألوهم عن الحرم الباباوى وحله فقالوا : " أنه حرم صحيح وقانونى وينطبق على قواعد المذهب , ولا يمكن أن يحله إلا الذى أصدره يحسب قواعد قانون الكنيسة المقررة والمتبعة منذ أقدم العصور" وقالت المؤرخة أيريس حبيب المصرى (1) : " وزاد الأساقفة توكيداتهم دليلاً أستقوه من تصرف الأسقف المحروم نفسه , إذ أنه - منذ أن وقع تحت طائلة هذا العقاب الكنسى الرهيب - لم يستطع أن يتقدم للتناول من الأسرار المقدسة إطلاقاً - ولم يجسر على تأدية الشعائر المقدسة " وسألتهم جماهير الأقباط عما إذا كانوا قد جاءوا لحل الحرم من على أسقف صنبو فنفوا بشدة ذلك وأكدوا تمسكهم بنص القانون الكنسى القائل : " الفم الذى ربط هو وحده الذى يحل " وعاد الأساقفة الثلاثة إلى مقار أبرشياتهم ورفضوا دعوه المجلس لهم للأجتماع معهم . وفى تطور آخر صعد الموقف إلى درجة أعلى وهو أن الأساقفة تضامنوا مع البابا فى شبه إضراب فقد هجر الأساقفة مقر أبرشياتهم وعادوا إلى أديرتهم التى كانوا بها رهباناً . فترك أسقف بنى سويف مقر إيبروشيته وعاد إلى دير الأنبا بولا , ولما بلغ وزارة الداخلية ذلك أرسلت إلى مدير المديرية أمراً بأن يعيده قبل أن يدخل الدير وفعلاً أرسل خلفه معاون البوليس فلم يدركه , وفعل كل من أسقف منفلوط وأسقف أسنا نفس الشئ فقد عادا إلى دير البراموس ليقيما مع البطريرك فى المنفى بإختيارهما . موقف الصحافة - والدول الأجنبية - من نفى البابا القبطى إتخذت الصحافة المصرية موقف الحياد من المشكلة بين المجلس الملى والبابا , وأكتفت بالتغطية الإخبارية , وذلك لأن المشكلة كانت محرجة للغاية وكل جهة لها وجهة نظرها القوية ومن الصعب كان الإنحياز لأحداها , بيد لأن الكنيسة كانت فى حاجة إلى الإصلاح الداخلى ولا أحد ينكر ذلك وقالت الصحف فى ذلك الوقت : -المـــــؤيد .. قال الشيخ يوسف محرر المؤيد فى الإفتتاحية : " أملنا أن يستقيم ظهر أثقلته الحوادث حتى إنحنى " وأن ما يحدث من مشاكل بين المجلس الملى والبابا يهم المسلمين لأنها تخص شريحة من المجتمع : " تشاركنا فى روابط الجامعات الجنسية والوطنية والمدنية الكلية والجزئية .. بل هى منا , لها ما لنا وعليها ما علينا " وقد أوضحت المؤيد أن الأزمة قد تتخذ للتدخل الأجنبى فـ : " كثيراً ما تذرعت الدول الأجنبية بالوهم من مثل هذا لتتداخل فى شئون تلك الممالك " وطالب المؤيد الحكومة المصرية ببذل مزيد من الجهد لتقريب وجهات النظر بين الفريقين حتى : " كى نلقى بيننا الشعب القبطى الذى يؤلمنا ما ألم به , وهو يعيش فى راحه بال ورغد عيش وسلام " المحــــروسة .. أفردت صحيفة المحروسة صفحاتها للجمهور ليدلى برأيه فى مشكلة الأقباط فذكر كاتب مقالة وقع بالحرفين الأولين من أسمه ( ب . س ) فقال عن البراءات الشهانية : " التى أصدرها السلطان العثمانى لأحد بطاركة الروم الأرثوذكس , والتى تطبق على كافة الطوائف , وبمقتضى هذه البراءات الشاهانية فإن البطريرك هو المتصرف الأول فى شئون رجال الدين من مطارنة وأساقفة وقسس , ولا يجوز لأحد أن يجبره على ما لا يريد , وحق "تحريم" أى منهم خاص به وحده , ولا يجوز التداخل معه فيه " وكانت جريدة الوطن أقوى الجرائد دفاعاً عن البابا كيرلس وأستمرت تنشر المقالات الموصوفة بأنها : " تخلق الشجاعة فى قلب الجبان والنشاط فى رأس الكسلان " وقد كان نتيجة هذه المقالات سيل من الشكاوى والعرائض والتلغرافات التى أزعجت الحكومة ونقلت وكالة هافاس من لندن خبراً يذكر أن قيصر روسيا ينوى التدخل ويطلب من الخديوى أن يعيد بابا الأقباط , وكانت روسيا هى الدولة الأوربية الوحيدة التى يعتنق سكانها الأرثوذكسية ويهمها هذا الأمر , وكانت الدول الأوربية تنظر إلى إنجلترا بنظرة شك إلى نواياها لأنها أنفردت يقرار إحتلال مصر , فأقنع رجال الدين الروس المسيو " ششكين" وزير الخارجية الروسى بأن يطلب من القيصر الروسى بالتدخل لأعادة البابا أما فرنسا العدو اللدود لإنجلترا فقد أنتهزت هذه الفرصة لتضايق إنجلترا فى مصر - فقد قامت بالوقوف إلى جانب الروس وتشجيعهم على طلبهم بإعادة البابا .. فقام القيصر نيقولا الثانى (الصورة المقابلة ) بإرسال رسالة إلى الخديوى تحمل طلبه بإعادة البابا من المنفى ولم تكن فرنسا وروسيا هما الوحيدتان اللتان قد أبديا إمتعاضاً لنفى البابا بل أن الباب العالى فى الأسيتانة أبدى أستياءه أيضاً وقد كانت أكبر دولة أسلامية فى ذلك العصر فكتب مراسل جريدة الفلاح بالآسيتانة رسالة قال فيها : " إن بعض أرباب المراكز العالية الرسمية قد إستدعانى ليعلم منى تفاصيل الموقف " وقال أنه .. : " لا يستبعد أن تتدخل الدولة العلية إن لم يحصل تدارك هذه المسألأة وصرفها بالحسنى " إزدياد مقاطعة الأقباط لكنائسهم وظلت الشهور تتوالى كما ظل البابا كيرلس الخامس مصراً على موقفة لا يتحرك قيد أنملة !! وذهب أعضاء المجلس الملى لمقابلة البابا فى الدير ومفاوضته فقال لهم : " إنى أستبعدت من مركزى بأمر الخديوى , وأمرت من لديه ألا أتكلم كلمة ولا كلمة ولا أبدى أدنى عمل ولن أعود إلى مركزى إلا بأمر منه " وعندما سألوه أن يرفع الحرم الذى أوقعه على الأسقف قال : " أن أثناسيوس أسقف سنبو مقطوع ومفروز من شركة الكنيسة , هو ومن يتبعه ومن يسلم عليه ومن يساعده " وعندما أقترحوا عليه فى المساء أن يستبدلوا الأسقف بغيره يكون راضى عنه قال لهم : " كل من يقبل هذا المركز يكون محروماً مثله " وآخر الكلمات التى قالها البابا للوفد .. : " إن الأسقف محروم , وجميع من يتبعه من الشعب , ونسلهم إلى الأبد " وتوالت الشهور ومضت شهور الخريف أيضاً بطيئة وما زالت الأزمة قائمة وتزايد مقاطعة الأقباط لكنائسهم , ويذكر المؤرخون أنه فى عيد الصليب كانت كنيسة الملاك البحرى تمتلئ بالألاف من الناس , ولكن لم يذهب فى هذا العيد سوى ستة أشخاص , ولم يذهب الأقباط لذبح ذبائحهم فى دير العريان بالمعصرة , وادى الإمتناع عن ذهاب الكنائس إلى إقفال بعضها كما حدث لكنيسة الزقازيق , ونضبت إيرادات البطريركية ولم يرد إليها شئ من البلاد . أعيان وأغنياء وكبار طائفة القبط يطلبون عودة البابا من المنفى وزاد كبار الطائفة ضغطهم على الحكومة ولم يكلوا فى المطالبة بعودتهم , وقد حدث أن قرار نفيه صدر ورئيس الوزراء الأصلى "مصطفى فهمى باشا" فى مصيفه , وعندما عاد من الإسكندرية قابله 30 قبطياً وقدما طلباً لأعادة باباهم , وفى نهاية نوفمبر قابل وفد قبطى آخر الخديوى شخصياً وأعاد الإلتماس بإعادة البابا . وذهب وفد إلى رئيس النظار للطلب برجوع البابا على أنهم أخذ يماطلهم ويسوفهم بحجة أنه لا يستطيع أن يطلب من الخديوى أن يرجع فى حكم النفى إلا إذا طلب البابا نفسه إسترحاماً , ولكن البابا لن يقوم بهذا الطلب لأن البابا راهب والراهب معروفاً أنه زاهد . ثم قام خمسة من الأساقفة بحمل دعوى وطلب من الشعب إلى الخديوى كان مفاده هو إرجاع البابا حملة خمسة أساقفة ورئيس دير وأربعة وكلاء أديرة وثمانية عشر كاهناً , والأساقفة هم : أسقف المنيا , وأسقف الفيوم , أسقف أخميم وجرجا , أسقف أبو تيج .. وقدموا طلب الإسترحام شخصياً إلى الخديوى قى 3 يناير سنة 1893 م ثم حدثت أزمة سياسية . ثم حدثت أزمة سياسية وذهبت بوزارة مصطفى فهمى وتولى رياض باشا رئاسة الوزارة الذى قام بإستدعاء كبار الأقباط وناقشهم فى امر نفى البابا .. وتوجه رياض باشا إلى الخديوى لأطلاعة على مطالب الأقباط , ورفض الخديوى طلب إعادة البابا كيرلس الخامس نظراً لما قام به البابا فى تأييد الثورة العرابية ضد أومار الخديوى السابق , ولكن صمم رئيس الوزارة على موقفه فى إعادة البابا وأحتدت المناقشة بينهما لدرجة أنه قال للخديوى : " أنت يا فندينا لا تملك حق نفى فرد بسيط من الأفراد إلا بحكم صادر من محكمة , فكبف تأمر بتفى رئيس دينى جليل المقام يماثل بابا روما وكيف يكون موقف سموكم لو إلتجأ للمحاكم؟ " ولما هدد رئيس الوزراء بموضوع المحكمة ألقى الخديوى مسؤلية المشكلة على مستشارية من الأقباط مثل بطرس غالى باشا .. ووافق على إنهاء المشكلة وطلب من رياض باشا حل الأزمة الناجمة عن نفى البابا . وقام رياض باشا بأستقبال أطراف المشكلة القبطية وبعد مناقشات مضنية ومرهقة توصل إلى حل قدمه إلى قلينى فهمى باشا , وكان الحل الذى توصل إليه هو أن يتقدم المجلس الملى إلى رئيس الوزراء , يرجوا فيه الحكومة بإعادة البابا من المنفى , وكانت هذه الطريقة السياسية الفريدة فى نوعها سبباً لإرضاء جميع الأطراف بحيث يحفظ المجلس الملى كرامته , وأن يتنازل الأنبا أثناسيوس أسقف صنبوا عن سلطاته إلى الأساقفة حينما يعود قداسة البابا فأذعن الأسقف المحروم وفعل بما أمر به حتى يرضى جميع الأطراف ويبين أن الجميع ما زالوا يشعرون أن كيرلس هو أبيهم الروحى الذى يعتزون به ويطلبون إرجاعه من المنفى , كما أنه ترضى البابا بأن أولاده يحبوا رجوعه , وطالب قلينى فهمى باشا أن يعد إستقبال جماهيرى للبابا , وطلب من الخديوى أن يمنحه "الوشاح المجيدى" أكبر وسام فى الدولة .. وعارض بطرس غالى هذا الحل وكنه تم . وأصدر الأمر العالى بعودة البابا كيرلس الخامس من منفاه يوم الإثنين 30 يناير سنة 1893 م ويقول المؤرخ يوسف منقريوس عن هذه الحقبة : " .. وهنا يعجز بنانى عن وصف ما شمل جميع المصريين على إختلاف أجناسهم وبالأخص القبط من السرور والإنشراح على صدور هذه الإرادة السنية بإعادة رئيسهم الدينى " (2) وفى الساعة التاسعة من صباح الأربعاء 1 فبراير ذهب الأساقفة الخمسة وبصحبتهم عدد من الكهنة وثمانون من كبار القبط للتعبير عن شكرهم وإمتنانهم وإنشراحهم للخديوى لأنه أصدر أمراً بعودة البابا من المنفى , كما قصدوا رئيس النظار وأعربوا عما ملأ قلبهم من فرحة , وهنا قام رئيس الوزراء وكتب رسالة بخط يده يحيطه علماً بما جرى ويطلب إليه العودة إلى القاهرة وقيادة الكنيسة , وختم رسالته بالدعاء إلى الله ليوفق قداسته لما فيه الخير والنجاح " كما أوفدت الحكومة مندوبها الرسمى إدوار بك إلياس للتوجه إلى دير البراموس حاملاً رسالة رئيس النظار بعد الظهر من نفس اليوم , ورافقه ثلاثة من الأساقفة وعدد كبير من الأراخنة , وقبل مغادرتهم القاهرة أرسلت الحكومة إلى مدير (محافظ) البحيرة بتجهيز الركايب اللازمة , ووصل الوفد المبشر بالخيرات إلى الدير مساء الخميس وأنضم إليهم جمع من أهالى المنطقة المسلمين يبلغ عددهم مائتين ما بين هجانة وخيالة وعربان . وفى مساء الجمعة ترك البابا كيرلس الدير فى موكب من العربان والأراخنة والقسوس والكهنة ومن الحكومة وكان العربان يتغنون بالأناشيد ويطلقون نيران بنادقهم فى الهواء إبتهاجاً بعودة البابا وكانوا يركضون على صهوات جيادهم يميناً ويساراً إلى أن وصلوا إلى محطة كفر داود , فهرع من فى البلدة لأستقبال البابا القبطى , والجميع تزاحموا حوله أملاً فى تقبيل يده كعادة الأقباط ونوال بركته الرسولية , فقابلهم ببشاشته المعهودة ووداعته وهدوءه . وبعد إستراحة قصيرة طلب مدير البحيرة إلى البابا كيرلس الخامس أن ينتظروا القطار الحكومى المرسل خصيصاً له فأجابهم : إننا لا نسافر إلا فى قطار الركاب " وألحوا عليه لينتظر وبينما هم يقنعونه بالإنتظار وإذا بتلغراف يتسلمه ناظر المحطة يخبره فيها بأن عناك عطل فى القطار الخاص الذى سيركبه البابا , وطلب منهم البابا ان يقطعوا تذاكر ليركبوا القطار معه حتى يذهب لزيارة بعض الأهالى فترجوه إلا يذهب بعيداً وإلا سيفوتهم القطار ويضطروا لقضاء السبت بأكمله فى كفر داود إنتظاراً لقطار آخر . ولكنهم فوجئوا بقطار الركبا أنه أنكسر جزء من الآلة المحركة له فركنوه جنباً وأمروا قطاراً آخر بدلاً منه , فأتى القطار الآخر متأخراً حوالى ساعتين كان البابا خلالهما قد زار أولاده . وتحرك القطار المقل للبابا كيرلس الخامس وأرسل ناظر المحطة تلغرافا إلى محطة القاهرة يبلغهم بأن البابا سيصل الساعة الرابعه والنصف . وكان القطار كلما وقف على محطة الكثيرة التى يمر عليها ليأخذ ركاباً كانت هناك جماهير المصريين ينتظرون وقوفه من مسلمين وكهنة وشمامسة يرنمون الألحان الكنسية الجميلة , ووصل القطار إلى محطة القاهرة كان على رصيفها كبار رجال الدولة وعزفت فرقة حكومية للموسيقى السلام الوطنى , وخرج يحيط به مستقبلوه وشقوا طريقهم بصعوبة شديدة من كثرة الجماهير المتراصة وأطلقت النساء زغاريد القرح وركب العربة المرسلة له من الحكومة فأحاط به جنود الحكومة البيادة والسارى (3) على شكل نصف دائرة ولكن عربته سارت ببطئ شديد لتزاحم الناس حولها وكان الموكب مشكل كالآتى وهو عربته وحولها الجنود ثم عربة المحافظ ثم عربات كبار رجال الحكومة ثم عربات أكابر ووجهاء القبط وعندما وصل الركب إلى الدار الباباوية هنأوه بسلامة العودة وألتمسوا بركته .. وذكرت المؤرخة أيريس حبيب المصرى نقلاً عن أمها : أن الأقباط من فرط الفرح فرشوا الشارع والميدان بالسجاجيد من محطة السكة الحديد حتى الدار الباباوية وعلقوا الرايات , وكانوا يقدمون الشربات والحلوى لكل الجموع المحتشدة على طول الطريق . أما مؤرخ هذه الفترة يوسف منقريوس علق على هذا الإستقبال قائلاً : " إننا عاجزون عن وصف هذه الهيئة التى لم يسبق لها نظير , وغاية ما نقوله إن جميع الأقباط وإخواننا المسلمين خرجوا لإستقبال الرجل المشهور يالبسالة فى الدفاع عن كنيسته ونظامها ... وذبحت الذبائح فى الشوارع وعلى باب البطريكخانة وفرقت لحومها على الفقراء , ومن الإتفاقات الغريبة أن إبعاد غبطته كان يوم الجمعة 28 مسرى وكان وصوله الدير يوم السبت وكان قيامه من دير البراموس يوم الجمعة 28 طوبة ووصوله بالسلامة يوم السبت " وقال الكاتب الإنجليزى ليدر بقوله ما ترجمته : " لم يحدث فى أى وقت أن شهدت القاهرة إستقبالاً مثيراً إلى هذا الحد - الإستقبال الذى لاقاه البطريرك عند عودته " وقالت المؤرخة الإنجليزية بتشر (6) عن هذا الإستقبال : " وعاد البطريرك من منفاه ودخل القاهرة فى إحتفال باهر عظيم جداً كدخول القادة الفاتحين إذ تهافت المسلمون والأقباط من جميع أنحاء البلاد لأستقباله والترحيب به بالموسيقى وهم يهللون ويكبرون , وحل الأقباط الجياد المركبة التى نقلته إلى دار البطريركية وجروا المركبة بأنفسهم تعظيماً له , أما الإزدحام فكان شديداً جداً فى الطرق والمنازل والأشجار بل وأعمدة مصابيح الشارع الموصل للدار البطريركية حتى وقفت حركة المرور بالكلية فى ذلك الشارع " وقد قالت المؤرحة أيريس حبيب المصرى (7) : أن الرجال الذين إندفعوا وراء نزواتهم فقالوا ما قالوا جاءوا إلى قداسة البابا بعد عودته بعشرة أيام يقرون بذنبهم ويلتمسون الصفح فقبلهم البابا وأعلن عفوه عنهم أمام الجميع , كذلك قصد إليه الأسقف المحروم فحله لساعته من الحرم فى حضور الأساقفة والشعب ثم نزل الجميع إلى الكنيسة المرقسية حيث ؤفعوا صلاة شكر للآب السماوى الذى منحهم نعمة التصالح .. ثم توجه الجميع إلى قصر عابدين وقابلوا الخديوى مكررين له الشكر والعرفان ومما هو جدير بالتسجيل أن الخديوى منح الأنبا كيرلس الوشاح المجيدى الذى كان آنذاك أعلى أوسمة فى مصر , كذلك أهداه إمبراطور أثيوبيا تاجاً باباوياً " وأستمر المجلس الملى فى التشاحن والمناقشات الساخنة بينهم وبين البابا حول الموارد المالية ! وفى يوم الجمعة 22 مايو 1893 م دعا البابا كيرلس ثمانين من أرخنة الكنيسة القبطية للتفاهم حول موضوع المجلس الملى فلبى الجميع دعوته ثم ألقيت كلمات وأستعرض البابا الموقف أمامهم ثم وقف قلينى فهمى وتحدث بلباقة وطرح موضوع حل المجلس الملى وإنتخاب أعضاء جدد وفى الفترة ما بين الحل والإنتخاب يختار البابا كيرلس أربعة من الأراخنة يباشرون شئون الكنيسة تحت إدارته بالإتفاق مع قداسته . وطلب بطرس غالى باشا من قلينى فهمى وزملائه الذين توسطوا فى الصلح أن يطلبوا من قداسة البابا أن يزور كل أعضاء المجلس الملى فى بيوتهم ورحب البابا كيرلس ونفذ الإقتراح فى يوم السبت 23 مايو 1893 م أى فى اليوم التالى مبائرة , وإستمر المجلس الملى فى معاندتهم وأصروا على بقائهم فى مناصبهم وعضويتهم للمجلس الملى , فذهب قلينى فهمى وبعض الموافقين على لإقتراحه إلى بطرص غالى باشا وإستمروا يتكلمون فى هذا الموضوع حتى إتفقوا على أن يعين البابا من يراه فإنتخب قلينى فهمى وجنا باخوم وباسيلى تادرس ووهبة شلبى ليؤلفوا لجنة ملية - وكلهم من عائلات خدمت الكنيسة بأمانة وولاء وإنقضت أيام مشحونة بالتوتر نتيجة لإختلاف الآراء وسعى الشعب القبطى لإصلاح كنيسة الرب . وكتب البابا خطاباً يخطر رياض باشا رئيس مجلس النظار ( الوزراء) بالتطورات التى أتفقوا عليها بإختيار الأربعة وذلك فى يوم الأثنين 14 يونيو , وقد أستلم إبراهيم بك الوهابى هذا الخطاب وسلمة بنفسه إلى رياض باشا بعد ظهر اليوم نفسه , وقام رياض باشا ظهر الثلاثاء بعض الأمر على الخديوى وصدر الأمر بموافقة الخديوى بتعينهم ظهر الثلاثاء 15 يونيو 1893 م فشكروه على سرعة معاونته لهم . ووزع البابا كيرلس الأعمال اللازمة لإدارة البطريركية على هذه اللجنة الملية ثم أستقل القطار فى صحبة ثمانية من الأراخنة لمقابلة الخديوى - وفى أثناء رحلته هذه توافد الأقباط إكليروساً وشعباً على المحطات لنوال البركة ولتهنئته بإستقرار السلام وعندما وصل طلب مقابلة الخديوى وتمت هذه المقابلة يوم الجمعة الموافق 1 يوليو 1893 م . إعادة فتح الكلية الإكليريكية ومن المؤلم ما قالته المؤرخة الإنجليزية مسز بتشر (8) وهو : وأعاد لإفتتاح المدرسة الإكليريكية إلا أنه وضعها تحت إدارة قوم لا يليقون بالمرة لإدارتها فعادت الفضائح والغلطات الإكليريكية القديمة على مثل ما كانت قبلاً بدون أن يستطيع أحد التعرض لها . .. ويسرنا القول أنه بعد عودة البابا ن النفى بعدة سنوات تغيرت أحوال الكنيسة المصرية إلى أحسن من ذى قبل فإن البطريرك وحزب الإصلاح لاحظا أن كنيسة المسيح لا يمكن المحافظة عليها ولا إصلاحها بدون إشراك روح المسيح فى ذلك وظهرت رغبة كل من الطرفين إلى السلام وكان نتيجة ذلك الفكر أن مدرسى المدرسة الإكليريكية الغير لائقين للتعليم فيها تغيروا بآخرين من ذوى الكفاءة والعقول الراجحة القابلة للنور الجديد نور الإصلاح والإرتقاء الدينى والأدبى , ثم صرح البابا كيرلس 5 لنفر من طلاب هذه المدرسة للتبشير والوعظ فى الكنائس وبذلك أمل الشعب أن يخلق من هؤلاء الواعظين فريقاً جديداً ينشئ من طبقة القسوس أكثر تنوراً فى مهنتهم من الجيل السابق "إعادة تشكيل المجلس الملىوفى سنة 1904 أعيد تشكيل المجلس الملى , وقد تم تشكيل المجلس الجديد المجلس الملى , وكان تشكيلة فى هذه المرة بناء على رغبة عدد من المطارنة والأراخنة , فقابلوا البابا كيرلس وتفاهموا معه فى الأمر , فوافق على تحقيق رغبتهم ومنحته بركتهم قائلاً : " .... وعندما أشاهدكم هكذا راقيين وناجحين ترتاح روحى وتتعزى نفسى وتنشد القول الإلهى هاأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب ... فإذكروا أيها الأبناء المباركون آباءكم وأجدادكم , وما كانوا عليه من حسن الإستقامة والغيرة على الحق والتمسك بكلمة الحياة ... وقبل كل شئ كزنزا محافظين على كيان كنيستكم والعمل على ما يؤدى إلى رفع شأنها وإزدياد مجدها ... وبما أنى دعوتكم اليوم لغرض إنتخاب أعضاء المجلس الملى فأسأل الرب أن يبارك هذا الغرض ويكلل العمل بتاج نعمته .. ليعين الرب من يختاره لهذه الخدمة المباركة , وليحضر معكم وفى وسطكم , ويعضكم فى المحبة بعضكم لبعض ... " ومنذ ذلك الوقت والمجلس قائم دورة بعد أخرى يتعاون تارة ويثير مشاكل تارة أخرى , يتعثر ويقوم , يخدم ويبطئ أو يتكاسل فى تقديم خدمته للكنيسة , وكل هذه الأمور لأن إختيار الناس وإنتخابهم له تقوم طبقاً لمعايير مختلفة عما تطلبه الخدمات الإدارية للكنيسة . **************************المــــــــــراجع :(1) أيريس حبيب المصرى - قصة الكنيسة القبطية - طبعة 1998 - مكتبة كنيسة مار جرجس بأسبورتنج - أسكندرية - الجزء الخامس ص 34 (2) كتب المؤرخ يوسف منقريوس كتاباً تفصيليا عن هذه الحقبة فيها تفاصيل دقيقة عن هذه الحقبة أسم كتابه " القول اليقين فى مسألة الأقباط الأرثوذكسيين " - يوسف منقريوس - طبع فى مطبعة الوطن - القاهرة سنة 1893 م (3) البيادة والسوارى هم الجنود السائرون على أقدامهم وراكبوا الخيل . (4) أيريس حبيب المصرى - قصة الكنيسة القبطية - طبعة 1998 - مكتبة كنيسة مار جرجس بأسبورتنج - أسكندرية - الجزء الخامس ص 36 (5) القول اليقين فى مسألة الأقباط الأرثوذكسيين " - يوسف منقريوس - طبع فى مطبعة الوطن - القاهرة سنة 1893 م ص 230 (6) تاريخ ألأمة القبطية - أ . ل . بتشر صدر فى 1889م - الجزء الرابع ص 395 - 396 (7) أيريس حبيب المصرى - قصة الكنيسة القبطية - طبعة 1998 - مكتبة كنيسة مار جرجس بأسبورتنج - أسكندرية - الجزء الخامس ص 37 (8) تاريخ ألأمة القبطية - أ . ل . بتشر صدر فى 1889م - الجزء الرابع ص 396 - 397
|
This site was last updated 06/16/09