جارى العمل فى هذه الصفحة
*******************************************************
لجزء التالى من السيرة النبوية لابن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري البصري المتوفي عام 213 الموافق لعام 828 م ستة مجلدات - الجزء الثانى - 56/116
************************************************
ما قيل من الشعر في يوم بدر
ما قاله حمزة بن عبدالمطلب
قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر في يوم بدر ، وترادَّ به القوم بينهم لما كان فيه ، قول حمزة بن عبدالمطلب يرحمه الله :
- قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها - :
ألم تر أمراً كان من عجبِ الدهرِ * وللحَين أسبابٌ مبَينة الأمرِ
وما ذاك إلا أن قوما أفادهم * فخانوا تواصٍ بالعُقوق وبالكفرِ
عشيَّة راحوا نحو بدر بجمعهم * فكانوا رهونا للرَّكيَّة من بدرِ
وكنا طلبنا العير لم نبغِ غيرها * فساروا إلينا فالتقينا على قدرِ
فلما التقينا لم تكن مثنويةٌ * لنا غير طعن بالمثقَّفة السمرِ
وضرب ببيض يختلي الهام حدَّها * مشهَّرة الألوان بينةِ الأُثرِ
ونحن تركنا عُتبة الغي ثاويا * وشيبة في القتلى تجرجم في الجفر
وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم * فشُقت جيوب النائحات على عمرو
جيوب نساء من لؤي بن غالب * كرامٍ تفرَّعن الذوائبَ من فِهرِ
أولئك قوم قُتِّلوا في ضلالهم * وخلَّوا لواءً غير محتضِر النصرِ
لواء ضلال قاد إبليس أهله * فخاس بهم ، إن الخبيث إلى غدر
وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا * برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فإني أرى ما لا ترون وإنني * أخاف عقاب الله والله ذو قَسرِ
فقدمهم للحَين حتى تورطوا * وكان بما لم يَخبُرِ القومُ ذا خُبرِ
فكانوا غداة البئر ألفا وجمعُنا * ثلاثُ مئين كالمسدمة الزُهرِ
وفينا جنود الله حين يمدنا * بهم في مقام ثمَّ مستوضَح الذكر
فشدَّ بهم جبريل تحت لوائنا * لدى مأزق فيه مناياهم تجري
رد هشام بن المغير ة على ما قاله حمزة
فأجابه الحارث ابن هشام بن المغيرة ، فقال
ألا يا لقومي للصبابة والهجر * وللحزن مني والحرارة في الصدر
وللدمع من عينيَّ جوداً كأنه * فريدٌ هوى من سلك ناظمه يجري
على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى * رهينَ مقام للركَّيةِ من بدر
فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة * ومن ذي نِدام كان ذا خلق غَمر
فإن يك قوم صادفوا منك دولة * فلا بد للأيام من دول الدهر
فقد كنتَ في صرف الزمان الذي مضى * تُريهم هوانا منك ذا سبل وعرِ
فإلا أمتْ يا عمرو أتركك ثائرا * ولا أبق بقيا في إخاء ولا صِهر
وأقطع ظهرا من رجال بمعشر كرامٍ * عليهم مثل ما قطعوا ظهري
أغرهم ما جمَّعوا من وشيظة * ونحن الصميم في القبائل من فِهر
فيا للؤي ذبِّبوا عن حريمكم * وآلهة لا تتركوها لذي الفخر
توارثها أباؤكم وورثتم * أواسيَّها والبيت ذا السقف والستر
فما لحليم قد أراد هلاككم * فلا تعذروه آلَ غالبَ من عذر
وجِّدوا لمن عاديتم وتوازروا * وكونوا جميعاً في التأسي وفي الصبر
لعلكم أن تثأروا بأخيكم * ولا شيء إن لم تثأروا بذوي عمرو
بمَطّرِدات في الأكف كأنها * وميض تُطير الهام بيَّنة الأُثر
كان مَدبَّ الذَّر فوق متونها * إذا جردت يوما لأعدائها الخُزر
قال ابن هشام : أبدلنا من هذه القصيدة كلمتين مما روى ابن إسحاق ، وهما ( الفخر ) في أخر البيت و( فما لحليم ) ، في أول البيت ، لأنه نال فيهما من النبي صلى الله عليه وسلم .
شعر لعلي بن أبي طالب في يوم بدر
قال ابن إسحاق : وقال علي بن أبي طالب في يوم بدر :
قال ابن هشام : ولم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها ولا نقيضتها ، وإنما كتبناهما لأنه يقال : إن عمرو بن عبدالله بن جدعان قتل يوم بدر ، ولم يذكره ابن إسحاق في القتلى ، وذكره في هذا الشعر :
ألم تر أن الله أبلى ورسوله * بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة * فلاقوا هوانا من إسارٍ ومن قتل
فأمس رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله أرسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل * مبينةٌ آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا * فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
وأنكرأقوام فزاغت قلوبهم * فزادهمُ ذو العرش خَبلاَ على خبلا
وأمكن منهم يوم بدر رسوله * وقوماً غضاباً فِعلهم أحسن الفعل
بأيديهم بيض خفاف عصوا بها * وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل
فكم تركوا من ناشئ ذي حميَّة * صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
تبيت عيون النائحات عليهم * تجود بإسبال الرشاش وبالوبل
نوائح تنعى عُتبة الغيِّ وابنه * وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل
وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم * مسلِّبَةً حرَّى مبيَّنة الثُكل
ثوى منهم في بئر بدر عِصابة * ذوي نجدات في الحروب وفي المحل
دعا الغي منهم من دعا فأجابه * وللغيِّ أسباب مرمقة الوصل
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل * عن الشَغب والعداون في أشغل الشغل
شعر الحارث بن هشام يرد به على علي رضي الله عنه
فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة ، فقال :
عجبت لأقوام تغنىَّ سفيههم * بأمر سفاه ذي اعتراض وذي بطل
تغنى بقتلى يومَ بدر تتابعوا * كرام المساعي من غلام ومن كهل
مصاليتَ بيض من لؤي بن غالب * مَطاعين في الهيجا مَطاعيم في المحل
أُصيبوا كراما لم يبيعوا عشيرة * بقوم سواهم نازحي الدار والأصل
كما أصبحت غسان فيكم بطانة * لكم بدلا منا فيا لك من فعل
عقوقا وإثما بينا وقطيعة * يرى جَوركم فيها ذوو الرأي والعقل
فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم * وخير المنايا ما يكون من القتل
فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم * لكم كائن خبلا مقيما على خبل
فإنكم لن تبرحوا بعد قتلهم * شتيتا هواكم غيرُ مجتمعي الشمل
بفقد ابن جدعان الحميد فعاله * وعتبة والمدعو فيكم أبا جهل
وشيبة فيهم والوليد وفيهم * أمية مأوى المعترين وذو الرِجل
أولئك فابك ثم لا تبك غيرهم * نوائح تدعو بالرزية والثكل
وقولوا لأهل المكتين تحاشدوا * وسيروا إلى آطام يثرب ذي النخل
جميعاً وحاموا آل كعب وذبِّبُوا * بخالصة الألوان محدثة الصقل
وإلا فبيتوا خائفين وأصبحوا * أذل لوطء الواطئين من النعل
على أنني واللات يا قوم فاعلموا * بكم واثق أن لا تقيموا على تَبل
سوى جمعكم للسابغات وللقنا * وللبَيْض والبيض القواطع والنبل
شعر ضرار بن الخطاب في يوم بدر
وقال ضرار بن الخطاب بن مرادس ، أخو بني محارب بن فهر في يوم بدر :
عجبت لفخر الأوس والحَين دائر * عليهم غدا والدهر فيه بصائر
وفخر بني النجار إن كان معشر * أصيبوا ببدر كُلِّهم ثمَّ صابر
فإن تك قتلى غودرت من رجالنا * فإنا رجال بعدهم سنغادر
وتَردي بنا الجرد العناجيج وسطكم *بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر
ووسط بني النجار سوف نكرُّها * لها بالقنا والدارعين زوافر
فنترك صرعى تعصب الطير حولهم * وليس لهم إلا الأماني ناصر
وتبكيهم من أهل يثرب نسوة * لهن بها ليل عن النوم ساهر
وذلك أنا لا تزال سيوفنا * بهن دم ممن يحاربن مائر
فإن تظفروا في يوم بدر فإنما * بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر
وبالنفر الأخيار هم أولياؤه * يحامون في اللأواء والموت حاضر
يعد أبو بكر وحمزة فيهم * ويدعى علي وسط من أنت ذاكر
ويدعي أبو حفص وعثمان منهم * وسعد إذا ما كان في الحرب حاضر
أولئك لا من نتَّجت في ديارها * بنو الأوس والنجار حين تفاخر
ولكن أبوهم من لؤي بن غالب * إذا عُدت الأنساب كعب وعامر
هم الطاعنون الخيل في كل معرك * غداة الهياج الأطيبون الأكاثر
شعر كعب بن مالك يرد على ضرار بن الخطاب
فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال :
عجبت لأمر الله والله قادر * على ما أراد ، ليس لله قاهر
قضى يوم بدر أن نلاقيَ معشرا * بغوا وسبيل البغي بالناس جائر
وقد حشدوا واستنفروا من يليهم * من الناس حتى جمعهم متكاثر
وسارت إلينا لا تحاول غيرنا * بأجمعها كعب جميعا وعامر
وفينا رسول الله والأوس حوله * له معقل منهم عزيز وناصر
وجمع بني النجار تحت لوائه * يمشُّون في الماذيِّ والنقع ثائر
فلما لقيناهم وكل مجاهد * لأصحابه مستبسل النفس صابر
شهدنا بأن الله لا رب غيره * وأن رسول الله بالحق ظاهر
وقد عريت بيض خفاف كأنها * مقابيس يزهيها لعينيك شاهر
بهن أبدنا جمعهم فتبددوا * وكان يلاقي الحين من هو فاجر
فكبَّ أبو جهل صريعا لوجهه * وعتبة قد غادرنه وهو عاثر
وشيبة والتيمي غادرن في الوغى * وما منهم إلا بذي العرش كافر
فأمسوا وقود النار في مستقرها * وكل كفور في جهنم صائر
تلظى عليهم وهي قد شب حميها * بزبُر الحديد والحجارة ساجر
وكان رسول الله قد قال أقبلوا فولوا وقالوا :
إنما أنت ساحر
لأمر أراد الله أن يهلكوا به * وليس لأمر حمَّه الله زاجر
شعر عبدالله بن الزبعرى يبكي قتلى بدر
وقال عبدالله ابن الزبعرى السهمي ، يبكي قتلى بدر :
قال ابن هشام : وتروى للأعشى بن زرارة بن النباش ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ، حليف بني نوفل بن عبد مناف .
قال ابن إسحاق : حليف بني عبدالدار :
ماذا على بدر وماذا حوله * من فتية بيض الوجوه كرام
تركوا نُبيهاً خلفهم ومُنبها * وابني ربيعة خير خصم فئام
والحارث الفياض يبرق وجهه * كالبدر جلَّى ليلة الإظلام
والعاصي بن منبه ذا مرة * رمحا تميما غير ذي أوصام
تنمى به أعراقه وجدوده * ومآثر الأخوال والأعمام
وإذا بكى باك فأعول شجوه * فعلى الرئيس الماجد ابن هشام
حيا الإله أبا الوليد ورهطه * رب الأنام وخصهم بسلام