*************************************************************************************************************
هذه الصفحة تاريخ الظاهر لإعزاز دين الله رابع الخلفاء الفاطميين الشيعة الذين حكموا مصر من سنة 413 م نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 1 ص 14 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع لم نزيد أو ننقص منها وضعناها كما هى ولكننا وضعنا لكل مقطع عناوين للتسهيل على الدارس
*************************************************************************************************************
الظاهر لإعزاز دين الله
أبو الحسن علي ابن الحاكم بأمر الله أبي علي منصور أمه أم ولد تدعى رقية ويقال اسمها آمنة بنت الأمير عبد الله بن المعز وإن ست الملك سلطانة أخت الحاكم كانت تعادي آمنة هذه.
ومولده بالقصر من القاهرة على مضي ثلاث ساعات من ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان سنة خمس وتسعين وثلمثائة وبويع بالخلافة في يوم عيد الأضحى سنة إحدى عشرة وأربعمائة وله من العمر ست عشرة سنة وثلاثة أشهر واتفق في هذا اليوم أن صلى للحاكم في خطبة العيد ثم بويع الظاهر بعد عودة القاضي من المصلى فكان بين الدعاء في الخطبة للحاكم وبين أخذ البيعة للظاهر ثلاث ساعات ولم يتفق مثل ذلك.
وتوفي ببستان الدكة خارج القاهرة في ليلة الأحد النصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة وعمره إحدى وثلاثون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام.
ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وخمسة أيام كانت فيها قصص وأنباء.
ذلك أنه لما فقد الحاكم استدعت السيدة ست الملك سيف الدولة حسين بن علي بن دواس الكتامي إلى حيث كانت جالسة وقالت له: المعول في قيام هذه الدعوة عليك وهذا الصبي ولدك وينبغي أن تتولى الخدمة إلى غاية وسعك وتبذل فيها كل ما عندك.
فقبل الأرض وشكر ودعا ووعد بالإخلاص في الطاعة وبلوغ ما في القدرة والاستطاعة.
فأخرجت علي بن الحاكم بأمر الله ولقبته الظاهر لإعزاز دين الله وألبسته تاج المعز جد أبيه وهو تاج مرصع بالجواهر الفاخرة وجعلت على رأسه مظلة مرصعة.
وأركبته فرسا رائعا بمركب ذهب مرصع وأخرجت بين يديه الأمير الوزير رئيس الرؤساء خطير الملك أبا الحسن عمار بن محمد ونسيماً صاحب السيف في عدة من الأستاذين تخدم.
فلما برز وشوهد تقدم الوزير وصاح: يا عبيد الدولة مولاتنا تقول لكم هذا مولاكم أمير المؤمنين فسلموا عليه فقبل ابن دواس الأرض ومرغ خديه بين يديه وفعل ما يتلوه من سائر طبقات العسكر مثل ذلك وضربت البوقات والطبول وعلا الصياح بالتكبير والتهليل والظاهر يسلم على الناس يمينا وشمالا.
وفتحت أبواب القصر وأدخل الناس على العموم حتى سلموا ومدحوا ولم يزل واقفاً لهم إلى الظهر.
ثم صرفوا وجمعوا من غد وأخذت البيعة عليهم ووضع العطاء وأطلق مال الفضل للجند كافة ولم يجر خلاف من أحد إلا أن غلاما تركيا كان يحمل الرمح بين يدي الحاكم قال لا أبايع حتى أعرف خبر مولاي فأخذ وسحب على وجهه وغرق في النيل وقامت الهيبة.
وكتب إلى بلاد الشام والمغرب بوفاة الحاكم وقيام الظاهر ورسم لهم أخذ البيعة على نفوسهم ومن عندهم من سائر طبقات الناس.
وأقيمت المآتم على الحاكم في القصور والقاهرة ثلاثة أيام.
وجمعت السيدة عامة أهل مصر وخاطبتهم بالجميل والملاطفة ووعدتهم حسن السيرة والمعاملة وأمرتهم بذكر حوائجهم ومصالحهم في كل وقت والمطالعة بحيف إن لحقهم من عامل أو ناظر ليفعل في ذلك ما توجبه السياسة العادلة.
وأطلقت للنساء الخروج من منازلهن والتصرف في أمورهن.
وارتجعت جواهر كان الحاكم وهبها وحلت إقطاعا أقطعها ورتبت الأمور ترتيبا أصلحها وهذبها.
وزارت ابن دواس في منزله وجعلت مصادر التدبير على يده.
فلما أحكمت ما أحكمته وأكدت ما أكدته أحضرت ابن دواس وقالت له: قد علمت ما بيني وبينك من المواثيق والعهود وأنا امرأة وإنما أريد هذا الملك لهذا الصبي وقد أحسن الله المعونة وأجرى الأمور على المحبة وأنت زعيم الدولة فيها والمنظور إليه منها وقد رأيت أن أنجز وعدك وأظهره وأرد إليك أمر السيادتين مضافا إلى الشرطتين وأجعل أمرك في الأمور والخزائن نافذا ورأيك في التقريرات والتدبيرات معتمدا إذ كنت المولى المخلص والشريك المخالط وأشرفك بخلع وحملان يظهر للخاص والعام بها موضعك ومحلك وتخصصك وتحققك.
فادخل الخزائن واختر كل ما تريد لفخامته ولجلالته واطلب يوماً تختار لتفاض فيه عليك الخلع ويقرأ العهد بتقليدك.
فلما سمع من ذلك ما سمع سر به وقبل الأرض شكرا عليه.
وشاع هذا الحديث فركب الناس إليه وهنئوه بالنعم المتجردة له.
وأحضرت السيدة بعد ذلك كاتب ابن دواس وقالت له: قد تقدمنا إلى سيف الدولة بما عرفته وبما اعتمد التخفيف فيما أطعمه أو وقف فيه دون الغاية التي نريدها وينبغي لك أن تعمل أنت تذكرة بجميع ما يستوفي فيه شروط المنزلة التي قدمناه إليها والحال التي أهلناه لها وتستظهر له لا عليه في ذلك وتحضرها لنقف عليها وننجز ما فيها.
فقبل الأرض وقال: السمع والطاعة.
فقالت له واكتب أيضا رقعةً واذكر فيها مبلغ جاريك لنوقع بإضعافه وقد أمرنا عاجلاً باعطائك ألف دينار وعشرين قطعةً ثياباً وبغلين بمركبين.
فأعاد الشكر والدعاء وصار إلى ابن دواس فأعلمه ما خوطب به وعومل به من حسن الاعتقاد فيه فتضاعف سروره بذلك ووافقه على ما كتب به التذكرة من الثياب والسيوف المحلاة والمناطق المرصعة والدواب والمراكب الذهب الثقيلة وغير ذلك من أسباب التشريفات الزائدة وعاد الكاتب بها فعرضها وتقدم باعداد جميع ما فيها وكتب له العهد.
وأحضر ابن دواس وبنو عمه وكاتبه وامتلأ القصر بالخاصة والعامة وخرج معضاد الخادم وكان قريبا من السيدة وهو أستاذ الظاهر فحمل ابن دواس إلى الخزانة حتى يشاهد ما أعد له وكان عظيما جليلا وقال له: السيدة تقول لك إن أردت مزيدا فاطلبه فقبل الأرض ودعا وعاد فجلس في صفة على باب الستر ووجوه الدولة بين يديه وكل منهم يتطأطأ له ويعطيه من نفسه كل ما يتقرب إليه به.
فلما تعالى النهار خرج نسيم الصقلبي صاحب الستر والسيف وبين يديه مائة رجل تعرف بالسعدية يختصون بركاب السلطان ويحملون سيوفا محلاة بين يديه ويعرفون لأجلها بأصحاب سيوف الحلي وقد جرت عادتهم في أيام الحاكم بأن يتولوا قتل من يؤمر بقتله.
وقال لابن دواس: أمير المؤمنين يسلم عليك.
فقام وقبل الأرض وفعل الناس مثل ما فعله وقال: قد جعل هؤلاء القوم يعني أصحاب السيوف برسمك إكراما لك وتنويها بك.
فقبل الأرض ثلاثا ومرغ خديه ودعا هو والحاضرون للظاهر بما يدعى لمثله به ووقف القوم قياما بين يديه.
فعاد نسيم فألقى ما جرى فرسمت له السيدة أن يخرج ويضبط أبواب القصر بالخدم والصقالبة ففعل.
وقالت له بعد ذلك اخرج وقف بين يدي ابن دواس وقل: يا عبيد مولانا أمير المؤمنين يقول لكم هذا قاتل مولانا الحاكم.
واعله بالسيف وأمر العبيد السعدية بأن يقتلوه.
فخرج نسيم ومعه جماعة من الصقالبة وفعل ما أمر به وأخذ رأس ابن دواس ودخل به إلى حضرة السيدة فوضعه بين يديها.
فأمرته بإيفاد الصقالبة إلى دوره والتوكيل به والقبض على جميع أسبابه وقتل كاتبه وإخراج جثته ورميها على باب القصر ففعل جميع ذلك.
ولم يعترض فيه معترض وتفرق الناس.
وأحضر موجود ابن دواس فوجدت في بعض صناديقه السكين التي كان يحملها الحاكم في كمه أخذت عند قتله.
وأقامت جثة ابن دواس ثلاثة أيام ومناد ينادي عليها: هذا جزاء من غدر بمواليه ثم دفع إلى عبيده فدفنوه.
وقبضت السيدة بعد هذا على خطير الملك عمار بن محمد.
وكان يتولى ديوان الإنشاء وإليه زم المشارقة والأتراك وهو الواسطة بين الحضرة وبين هذه الطوائف ثم خلع عليه في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وأربعمائة ووقع عن حضرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله على ما يوقع عليه الحاكم فجعل توقيعه: الحمد لله رب العالمين ثم قام بعد الحاكم بالبيعة لأمير المؤمنين الظاهر كما تقدم.
فيها خلع عليه للوساطة وكتب سجله بذلك وزال أمره في ذي القعدة من السنة المذكورة فكانت مدة سبعة أشهر وأياما وقتل في الحج.
وولى بعده بدر الدولة أبو الفتوح موسى بن الحسن وكان يتولى الشرطة السفلى ثم خلع عليه أولا بالصعيد في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة ثم ولى ديوان الإنشاء عوضا عن ابن خيران وخلع عليه للوساطة في محرم سنة ثلاث عشرة عوضا عن خطير الملك.
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة
ثم قبض عليه في العشرين من شوال منها في القصر فاعتقل وزال أمره وكانت مدة وساطته تسعة أشهر.
ثم أخرج في يومه مسحوبا وسجن ثم أخرج من الغد وقتل في الفج فوجد له من العين ستمائة وعشرون ألف دينار.
وقتلت السيدة جماعة ممن كان اطلع على سرها في قتل الحاكم وعظمت هيبتها في نفوس الأباعد والأقارب.
وفي سنة ثمان عشرة شرب الظاهر الخمر وترخص فيه للناس وفي سماع الغناء وشرب الفقاع وأكل الملوخية وسائر أصناف السمك فأقبل الناس على اللهو.
قتل عزيز الدولة
وكان قد ولى حلب غلام يعرف بأمير الأمراء عزيز الدولة أبي شجاع فاتك الوحيدي غلام منجوتكين في شهر رمضان سنة سبع وأربعمائة وكان أرمنيا دينا عاقلاً فولاه الحاكم بأمر الله حلب وأعمالها ولقبه أمير الأمراء وعزيز الدولة تاج الملة.
ودخل حلب يوم الأحد ثاني شهر رمضان منها وتمكن من البلد واستفحل أمره وعظم شأنه فعصى الحاكم ودعا لنفسه على المنبر وضرب السكة باسمه.
فمات الحاكم عقب ذلك.
فلاطفته السيدة وآنسته وواصلته بما مال إليه من حمل الخلع والخيول بالمراكب في سنة اثنتي عشرة حتى استمالت قلبه.
ولم تزل تعمل الحيلة حتى أفسدت عليه غلاماً له يعرف ببدر كان يملك أمره وغلمانه تحت يده وبذلت له العطاء الجزيل على الفتك به ووعدته أن تقيمه مقامه في موضعه.
وكان لعزيز الدولة غلام هندي يهواه ويحبه حبا شديدا فاستغواه بدر وقال له: قد عرفت من مولاك ملالاً لك وتغيراً منه فيك واطلعت منه على عزمة في قتلك ودفعته دفعات عنك لأنني لا أشتهي أن يتم مكروه عليك.
وتركه مدة ووهب له دنانير وثيابا وأظهر له المحبة وتوصل إلى أن خلابه ثم قال له: إن علم نبأ التعير عزيز الدولة قتلنا وما إشفاقي على نفسي وإنما إشفاقي عليك.
فقال له الصبي: فأي شيء أعمل يا مولاي قال: قد عرفت محبتي لك وإن ساعدتني اصطنعتك وأعطيتك وعشنا جميعا في خفض وأمن.
قال له: فارسم ما شئت حتى أفعله قال: تحلف لي حتى أقول لك فاستحلفه وخدعه ووافقه على قتل عزيز الدولة.
فقال له الصبي كيف أقتله قال: الليلة يشرب وسأزيد في سقيه حتى أسكره فإذا استدعاك على الرسم لغمزه ونام فقم كأنك تهريق ماء فخذ سيفه واضربه حتى تفرغ منه. فقبل الصبي وصيته.
وكان عزيز الدولة في الصيد فلما عاد دخل الحمام وخرج منه فأكل ثم انتقل إلى مجلس الشراب وحضر من جرت العادة بحضوره من ندمائه ثم قام في آخر وقت وقد تبين فيه السكر والصبي بين يديه يحمل سيفه حتى وافى إلى مرقده واستلقى على فراشه وأمر الغلام أن يغمزه.
فلما مضى هزيل من الليل وثقل عزيز الدولة في النوم وتحقق الصبي ذلك سل السيف وضربه به وكان سيفا ماضيا ففلق رأسه وأتبع الضربة بأخرى فقتله.
ودخل بدر وشاهده ميتا فصاح واستدعى غلمان الدولة وأمرهم بقتل الصبي فقتلوه وحوط الخزائن والقلعة.
وشاع قتل عزيز الدولة وكان ذلك في ليلة السبت الرابع من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة.
وكتب بدر إلى السيدة بقتله فأجابته وأظهرت الوجد على عزيز الدولة وشكرت بدراً على ما كان منه في ضبط الأمر وحراسة الخزائن ولقبته وفي الدولة وقلدته موضع مولاه ووهبت له جميع ما حازه.
وكان سديد الدولة علي بن أحمد الضيف ناظرا بالشام فتلطف ببدر غلام عزيز الدولة حتى تسلم البلد منه والقلعة وولاها أصحاب الظاهر.
وسبب ذلك أن كتابا وصل إليه من الظاهر بخطه يطيب نفسه وأظهر هذا الكتاب في حلب في أيام الملك رضوان أخذه من بعض أهلها وكان في ورق إبريسم أسم عريض فيه ثلاثون سطرا بخط وسط.
وكان صدر الكتاب: عرض بحضرتنا يا بدر سلمك الله ما كتبت على يد كاتبك ابن مدبر وعرفنا ما قصدته ولم نسىء ظناً بك لقول فيك ولا شناعة ذكر.
وقد بعثنا بأحد ثقاتنا إليك وهو علي بن أحمد الضيف ليجدد الأخذ عليك.
فلما دخل ابن الضيف على بدر بالكتاب استرسل إليه وطرح القيد في رجليه فقبض عليه وأنزله من القلعة.وأقام بحلب سنة.
وسلمها موصوف الخادم إلى أصحاب الظاهر وثقاته.
كســـــر الحجــــــر الأسود
وفي سنة ثمان عشرة وأربعمائة في ذي الحجة والناس يطوفون بالكعبة قصد رجل ديلمي من الباطنية الحجر الأسود فضربه بدبوس فكسره وقتل في الحال وقتل معه جماعة ذكر أنهم كانوا معه وعلى اعتقاده الخبيث.