إحتلال العرب للسودان: معاهدات الإسلام معهم شملت فى بنودها على إستعباد وإسترقاق أهل السودان وبيعهم كعبيد وجوارى وإماء
معاهدة البقط: ما يقبض من سبي النوبة في كل عام ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم فإن كانت هذه الكلمة عربية فهي إمّا من قولهم في الأرض بقط من بقل وعشب أي نبذ من مرعى فيكون معناه على هذا نبذة من المال أو يكون من قولهم إن في بني تميم بقطًا من ربيعة أي فرقة أو قطعة فيكون معناه على هذا فرقة من المال أو قطعة منه ومنه بقط الأرض فرقة منها وبقط الشيء: فرقه.
والبقط: أن تعطي الحبة على الثلث أو الربع والبقط أيضًا: ما سقط من التمر إذا قطع فأخطأ المخرف فيكون معناه على هذا بعض ما في أيدي النوبة وكان يؤخذ منهم في قرية يقال لها: القصر مسافتها من أسوان خمسة أميال فيما بين بلد بلاق وبلد النوبة وكان القصر فرضة لقوص وأوّل ما تقرّر هذا البقط على النوبة في إمارة عمرو بن العاص لما بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد فتح مصر إلى النوبة سنة عشرين وقيل: سنة إحدى وعشرين في عشرين ألفًا فمكث بها زمانًا فكتب إليه عمرو يأمره بالرجوع إليه.
فلما مات عمرو رضي الله عنه نقض النوبة الصلح الذي جرى بينهم وبين عبد الله بن سعد وكثرت سراياهم إلى الصعيد فأخربوا وأفسدوا فغزاهم مرّة ثانية عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو على إمارة مصر في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة إحدى وثلاثين وحصرهم بمدينة دنقلة حصارًا شديدًا ورماهم بالمنجنيق ولم تكن النوبة تعرفه وخسف بهم كنيستهم بحجر فبهرهم ذلك وطلب ملكهم واسمه: قليدوروث الصلح وخرج إلى عبد الله وأبدى ضعفًا ومسكنة وتواضعًا فتلقاه عبد الله ورفعه وقرّبه ثم قرر الصلح معه على ثلثمائة وستين رأسًا في كل سنة ووعده عبد الله بحبوب يهديها إليه لما شكا له قلة الطعام ببلده وكتب لهم كتابًا نسخته بعد البسملة.
عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حدّ أرض أسوان إلى حدّ أرض علوة أنّ عبد الله ابن سعد جعل لهم أمانًا وهدنةً جارية بينهم وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من المسلمين وأهل الذمّة إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن لا نحاربكم ولا ننصب لكم حربًا ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه وعليكم حفظ من نزل بلدكم أو يطرقه من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنكما وإنّ عليكم ردّ كل آبق خرج إليكم من عبيد المسلمين حتى تردّوه إلى أرض الإسلام ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه ولا تتعرّضوا لمسلم قصده وحاوره إلى أن ينصرف عنه وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم ولا تمنعوا منه مُصليًا وعليكم كنسه وإسراجه وتكرمته وعليكم في كل سنة ثلثمائة وستون رأسًا تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلادكم غير المعيب يكون فيها ذكران وإناث ليس فيها شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم تدفعون ذلك إلى والي أسوان وليس على مسلم دفع عدوّ عرض لكم ولا منعه عنكم من حدّ أرض علوة إلى أرض أسوان فإن أنتم آويتم عبد المسلم أو قتلتم مسلمًا أو معاهدًا أو تعرّضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم أو منعتم شيئًا من الثلثمائة رأس والستين رأسًا فقد برئت منكم هذه الهدنة والأمان وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين علينا بذلك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من ذمّة المسيح وذمّة الحواريين وذمّة من تعظمونه من أهل دينكم وملتكم الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك.
كتبه عمرو بن شرحبيل في رمضان سنة إحدى وثلاثين.
وكانت النوبة دفعت إلى عمرو بن العاص ما صولحوا عليه من البقط قبل نكثهم وأهدوا إلى عمرو أربعين رأسًا من الرقيق فلم يقبلها وردّ الهدية إلى كبير البقط ويقال له: سمقوس فاشترى له بذلك جهازًا وخمرًا ووجهه إليه وبعث إليهم عبد الله بن سعد ما وعدهم به من الحبوب قمحًا وشعيرًا وعدسًا وثيابًا وخيلًا ثم تطاول الرسم على ذلك فصار رسمًا يأخذونه عند دفع البقط في كل سنة وصارت الأربعون رأسًا التي أهديت إلى عمرو يأخذها والي مصر.
وعن أبي خليفة حميد بن هشام البحتريّ أن الذي صولح عليه النوبة ثلثمائة وستون رأسًا لفيء المسلمين ولصاحب مصر أربعون رأسًا ويدفع إليهم ألف أردب قمحًا ولرسله ثلثمائة أردب ومن الشعير كذلك ومن الخمر ألف اقتيز للمتملك ولرسله ثلثمائة اقتيز وفرسين من نتاج خيل الإمارة ومن أصناف الثياب مائة ثوب ومن القباطيّ أربعة أثواب للمتملك ولرسله ثلاثة ومن البقطرية ثمانية أثواب ومن المعلمة خمسة أثواب وجبة مجملة للملك ومن قمص أبي بقطر عشرة أثواب ومن أحاص عشرة أثواب وهي ثياب غلاظ.
قال أبو خليفة: ليس في كتاب عبد الله بن وهب ولا في كتاب الواقديّ تسمية ينتهي إليها وإنما أخذت التسمية من أبي زكريا قال أبو زكريا: سمعت والدي عمرو بن صالح يقول هذا الخبر فحفظت منه ما وقفت عليه وقال: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر وهو على مصر فقال: أنت عثمان بن صالح الذي وجهنا إليك في كتاب بقط النوبة قلت: نعم فأقبل علي محفوظ بن سليمان فقال: ما أعجب أمر هذه البلدة وجهنا إليهم نطلب عِلْمًا من علومهم وإلى هذا الشيخ فما شقانا أحد منهم فقلت: أصلح الله الأمير إنّ الذي طلبت من خبر النوبة عندي قد حفظه شيوخ عن الشيوخ الذين حضروا هناك والهدنة والصلح الذي جرى بين عبد الله بن سعد وبين النوبة ثم حدّثته عن أخبارهم كما سمعت فأنكر عطية الخمر فقلت: قد أنكرها عبد العزيز بن مروان وكان هذا المجلس بفسطاط مصر سنة إحدى عشرة ومائتين بعد أن تم الصلح بينه وبين عبد الله بن السريّ بن الحكم التميميّ الأمير كان قبله قال عثمان بن صالح فوجه الأمير إلى الديوان بظهر المسجد الجامع بمصر فاستخرج منه خبر النوبة فوجده كما ذكرت فسرّه ذلك.
وعن مالك بن أنس: أنه كان يرى أنّ أرض النوبة إلى حدّ علوة صلح وكان لا يجيز شراء رقيقهم وكان أصحابه مثل عبد الله بن عبد الحكم وعبد الله بن وهب والليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم من فقهاء مصر يرون خلاف ذلك.
قال الليث بن سعد: نحن أعرف بأرض النوبة من الإمام مالك بن أنس إنما صولحوا على أن لا تغزوهم ولا تمنع منهم عدوًّا فما استرقه متملكهم أو غزا بعضهم بعضًا فشراؤه جائز وما استرقه بغاة المسلمين وسرّاقهم فغير جائز وكان عند جماعة منهم جوارٍ نوبيات لفرشهم ولم يزل النوبة يؤدّون البقط في كل سنة ويدفع إليهم ما تقدّم ذكره إلى أيام أمير المؤمنين المعتصم بالله أبي إسحاق بن الرشيد وكبير النوبة يومئذٍ زكرياء بن بحنس وكانت النوبة ربما عجزت عن دفع البقط فشنت الغارة عليهم ولاة المسلمين القريبون من بلادهم ويمنع من إخراج الجهاز إليهم فأنكر فيَرْقي ولد كبيرهم زكرياء على أبيه بذله الطاعة لغيره واستعجزه فيما يدفع فقال له أبوه فما تشاء قال: عصيانهم ومحاربتهم قال أبوه: هذا شيء رآه السلف من آبائنا صوابًا وأخشى أن يفضي هذا الأمر إليك فتقدم على محاربة المسلمين غير أني أوجهك إلى ملكهم رسولًا فأنت ترى حالنا وحالهم فإن رأيت لنا بهم طاقة حاربناهم على خبرة وإلا سألته الإحسان إلينا فشخص فيرقى إلى بغداد وكانت البلدان تزين له ويسير على المدن وانحدر بانحداره رئيس البجة بأسبابه ولقيا المعتصم فنظرا إلى ما بهرهما من حال العراق في كثرة الجيوش وعظم العمارة مع ما شاهداه في طريقهما فقرّب المعتصم فيرقي وأدناه وأحسن إليه إحسانًا تامًّا وقبل هديته وكافأه بأضعافها وقال له: تمنّ ما شئت فسأله في إطلاق المحبوسين فأجابه إلى ذلك وكبر في عين المعتصم ووهب له الدار التي نزلها بالعراق وأمر أن يشتري له في كل منزل من طريقه دار تكون لرسلهم فإنه امتنع من دخول دارٍ لأحد في طريقه فأخذ له بمصر: دار بالجيزة وأخرى ببني وائل وأجرى لهم في ديوان مصر سبعمائة دينار وفرسًا وسرجًا ولجامًا وسيفًا محلَّىً وثوبًا مثقلًا وعمامة من الخز وقميص شرب ورداء شرب وثيابًا لرسله غير محدودة عند وصول البقط إلى مصر ولهم حملان وخلع على المتولي القبض البقط وعليهم رسوم معلومة لقابض البقط والمتصرّفين معه وما يهدي إليهم بعد ذلك فغير محدود وهو عندهم هدية يجازون عليها ونظر المعتصم إلى ما كان يدفعه المسلمون فوجده أكثر من البقط وأنكر عطية الخمر وأجرى الحبوب والثياب التي تقدّم ذكرها ومرّر دفع البقط بعد انقضاء كل ثلاث سنين وكتب لهم كتابًا بذلك بقي في يد النوبة وادّعى النوبيّ على قوم من أهل أسوان أنهم اشتروا أملاكًا من عبيده فأمر المعتصم بالنظر في ذلك فأحضر والي البلد والمختار للحكم فيه التابعين من النوبة وسألاهم: عما ادّعاه صاحبهم من بيعهم فأنكروا ذلك وقالوا: نحن رعية فزال ما ادّعاه وطلب أشياء غير ذلك من إزالة المسلحة المعروفة بالقصر عن موضعها إلى الحدّ الذي بينهم وبين المسلمين لأنّ المسلحة على أرضهم فلم يجبه إلى ذلك ولم يزل الرسم جاريًا بدفع البقط على هذا التقرير ويدفع إليهم ما أجراه المعتصم إلى أن قدمت الدولة الفاطمية إلى مصر ذكر ذلك مؤرخ النوبة.
وقال أبو الحسن المسعوديّ: والبقط هو ما يقبض من السبي في كل سنة ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم وهو ثلثمائة رأس وخمسة وستون رأسًا لبيت المال بشرط الهدنة بين النوبة والمسلمين وللأمير بمصر غير ما ذكرنا أربعون رأسًا ولخليفته المقيم بأسوان وهو المتولي لقبض البقط عشرون رأسًا وللحاكم المقيم بأسوان الذي يحضر مع أمير أسوان قبض البقط خمسة أرؤس ولاثني عشر شاهدًا عدول من أهل أسوان يحضرون مع الحاكم لقبض البقط اثنا عشر رأسًا من السبي على حسب ما جرى به الرسم في صدر الإسلام في بدء إيقاع الهدنة بين المسلمين والنوبة.
وقال البلاذري في كتاب الفتوحات: إنّ المقرّر على النوبة أربعمائة رأس يأخذون بها طعامًا أي غلة وألزمهم أمير المؤمنين المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور ثلثمائة وستين رأسًا وزراقة.
وفي سنة أربع وسبعين وستمائة كثر خبث داود متملك النوبة وأقبل إلى أن قرب من مدينة أسوان وحرق عدة سواق بعدما أفسد بعيذاب فمضى إليه والي قوص فلم يدركه وقبض على صاحب الخيل في عدّة من النوبة وحملهم إلى السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري بقلعة الجبل فوسطهم وقدم سكندة ابن أخت متملك النوبة متظلمًا من خاله داود فجرّد السلطان معه الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني الإستادار والأمير عز الدين إيبك الأفرم وأمير جاندار في جماعة كثيرة من العسكر ومن أجناد الولايات وعربان الوجه القبليّ والزراقين والرماة ورجال الحراريق فساروا في أوّل شعبان من القاهرة حتى وصلوا إلى أرض النوبة فخرجوا إلى لقائهم على النجب بأيديهم الحراب وعليهم دكادك سود فاقتتل الفريقان قتالًا كبيرًا انهزم فيه النوبة وأغار الأفرم على قلعة الدار وقتل وسبى وأوغل الفارقاني في أرض النوبة برًّا وبحرًا يقتل ويأسر فحاز من المواشي ما لا تعدّ ونزل بجزيرة ميكائيل برأس الجنادل ونفر المراكب من الجنادل ففرّ النوبة إلى الجزائر وكتب لقمر الدولة نائب داود متملك النوبة أمانًا فحلف لسكندة على الطاعة وأحضر رجال المريس ومن فرّ وخاض الأفرم إلى برج في الماء وحصره حتى أخذه وقتل به مائتين وأسر أخًا لداود فهرب داود والعسكر في أثره مدّة ثلاثة أيام وهم يقتلون ويأسرون حتى أذعن القوم وأسرت أم داود وأخته ولم يقدر على داود فتقرّر سكندة عوضه وقرّر على نفسه القطيعة في كل سنة ثلاث فيلة وثلاث زرافات وخمس فهود من إناثها ومائة نجيب أصهب وأربعمائة رأس من البقر المنتجة على أن تكون بلاد النوبة نصفين نصفها للسلطان ونصفها لعمارة البلاد وحفظها ما خلا بلاد الجنادل فإنها كلها للسلطان لقربها من أسوان وهي نحو الربع من بلاد النوبة وأن يحمل ما بها من التمر والقطن والحقوق الجارية بها العادة من قديم الزمان وأن يقوموا بالجزية ما بقوا على النصرانية فيدفع كل بالغ منهم في السنة دينارًا عينًا وكتب نسخة يمين بذلك حلف عليها الملك سكندة.
ونسخة يمين أخرى حلفت عليها الرعية وخرّب الأميران كنائس النوبة وأخذ ما فيها وقبض على نحو عشرين أميرًا من أمراء النوبة وأفرج عمن كان بأيدي النوبة من أهل أسوان وعيذاب من المسلمين في أسرهم وألبس سكندة تاج الملك وأقعد على سرير المملكة بعدما حلف والتزم أن يحمل جميع ما لداود ولكل من قتل وأسر من مال ودواب إلى السلطان مع البقط القديم وهو أربعمائة رأس من الرقيق في كل سنة وزرافة من ذلك ما كان للخليفة ثلثمائة وستون رأسًا ولنائبه بمصر أربعون رأسًا على أن يطلق لهم إذا وصلوا بالبقط تامًا من القمح ألف أردب لمتملكهم وثلثمائة أردب لرسله.
**************************
نص بردية
تلك العبارة القصيرة التى وردت فى النص السابق من كتاب (فتوح مصر) حيث ورد قوله «قاتلته النوبة..»
ومن هنا، نفهم السبب فى أن الوالى «عبدالله بن سعد» هادن النوبة ولم يُطقهم، وصالحهم على هدنة أورد المؤرخون (ابن عبدالحكم، وغيره) بنودَها، كالتالى: لا يغزو «النوبيون» المسلمين، ولا يغزوهم المسلمون. ويؤدون فى كل سنة عدداً من العبيد (ما بين ثلاثمائة وأربعمائة) الذين كانوا يُسمّون آنذاك «البَقَط» وفى المقابل، يؤدى لهم المسلمون كلَّ سنة القمح والعدس .. وقد ذكر ابن عبدالحكم، أن (برديةً) كانت محفوظة فى الفسطاط، قرأها البعض قبل أن تنخرق- بحسب تعبيره- وحفظ منها التالى:
«إنا عاهدناكم وعاقدناكم، على أن تُوَفُّونا فى كل سنة، ثلاثمائة رأس وستين رأساً (من العبيد) وتدخلون بلادنا (مصر) مجتازين غير مُقيمين، وكذلك ندخل بلادكم. على أنكم إن قتلتم من المسلمين قتيلاً، فقد برئتْ منكم الهُدنةُ. وإذا آويتم للمسلمين عبداً (هارباً) فقد برئتْ منكم الهُدنة. وعليكم ردُّ أُبَّاق المسلمين (الهاربين) ومن لجأ إليكم من أهل الذمة.
والبردية تتعلق بالمسألة النوبية. وهى ترجع إلى منتصف القرن الثانى الهجرى، لأن كاتبها (أو بالأحرى: مُرسلها إلى النوبة) هو الوالى «العباسى» على «مصر» موسى بن كعب.. الذى تولَّى منصبه فى الفترة من سنة ١٤١ إلى سنة ١٤٣ هجرية (٧٥٨- ٧٦٠ ميلادية) وكانت النوبة آنذاك مستقلة عن دولة الإسلام، وكان أهلها قد صاروا مسيحيين. ويظهر لنا من النص التالى، الذى نشره د. سعيد مغاورى فى كتابه (البرديات العربية فى مصر الإسلامية) أن النوبة كانت لا تزال على حالها الأول، من (مناكفة) المسلمين.. نقرأ:
«بسم الله .. من موسى بن كعب، إلى صاحب نوبة: سلام على أولياء الله وأهل طاعته، وأحمد الله الذى لا إله إلا هو. أما بعد، فقد عَرَفتَ الذى صولحتم عليه، والذى جعلتم على أنفسكم من الوفاء به، فأحرزتم بذلك دماءكم وأموالكم إن أنتم وفيتم به، والله تعالى يقول فى كتابه (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم..).
وقد وفينا لكم بالذى جعلنا لكم من الكفِّ عن دمائكم وأموالكم، وعَرَفْتَ أمْنكم فى بلادنا، وسكونكم حيث أحببتم منها، وباختلاف (انتقال) تُجَّاركم إلينا، لا يصل إليهم منا ظلمٌ، ولا غُشم .. وأنتم فيما بيننا وبينكم على غير ذلك، لا تؤدون إلينا ما عليكم من البقط الذى صولحتم عليه، ولا تردون من أَبَق (هرب) إليكم من أرقَّائنا، ولا يأمن فيكم تُجَّارنا، ولا تعجِّلون تسريح (عودة) رسلنا.
وأنت تعرف أن أهل الأديان كلها، والملل الذين لا يعرفون رباً ولا يؤمنون ببعثٍ ولا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً، لا يهجمون تاجراً، ولا يحبسون رسولاً. وأنت تُظهر لأهل مِلَّتك الإيمان بالذى خلق السماوات والأرض، وما بينهما، وتؤمن بعيسى بن مريم وبكتابه (الإنجيل).. وعملكم فيما بيننا، مخالفٌ لما تُظهر، فقد أتاكم تاجر من تجار بلدنا (مصر) يقال له سعد، فحبستموه.. وبعث إليكم رجلٌ من أهل أسوان، يقال له محمد بن زيد، تاجراً له فى تجارة، فاحتبستموه وما كان معه من المال.. وبعث إليكم سالم بن سليمان، عاملى على أسوان، رسولاً له منذ تسعة أشهر، ورسولاً منذ أربعة أشهر، فحبستموهما معاً عندكم.
وقد ذُكر لى أن عليكم بَقَطَ سنين، لم تؤدوه. وما بعثتم به من البَقَط، لا خير فيه. بين أعور أو أعرج أو كبير ضعيف أو صبى صغير.. فانظرْ فيما كتبتُ إليك به، وعجِّلْ البعثة (الإرسال) إلينا بما بقى عليكم من البَقَط، للسنين التى قبلكم. ولا تبعث بما لا خير فيه، وابعثْ إلينا بالتاجر محمد بن زيد، وبما كان معه من المال، إلا أن يكون قد قُتل، فتبعث بألف دينار، ديَّته، وبما كان معه من مال. وابعثْ إلينا سعد التاجر الذى قِبلكم (عندكم) ولا تؤخِّر من ذلك شيئاً، إن كنتم تحبون أن نَفى لكم بعهودنا، ونكون على ما كنا عليه من الاستقامة لكم، وعجِّل ذلك ولا تؤخِّره.. كتب (الرسالة) ميمون (كاتب الديوان) يوم الأحد، لاثنتىْ عشرة ليلة بقيتْ من شهر رجب، سنة إحدى وأربعين ومائة».
ويلفت النظر فى الرسالة السابقة، ما ورد فيها من إشارة إلى (سالم بن سليمان، العامل على أسوان) وهو ما يؤكد أن المسلمين كانت لهم سلطة سياسية على ما يقع جنوب النوبة..
وفى زمن الحكم الشيعى (الفاطمى) لمصر، دخلت النوبةُ فى الإسلام رويداً، مع احتفاظها بكثير من السمات الثقافية الفرعية التى طالما ميَّزت أهل النوبة..