Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الخليفــــة الفاطمى المستنصر بالله

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك فاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أحداث سنة 427 - 440 هـ
أحداث سنة 441 - 446 هـ
أحداث سنة 447 هـ
أحداث سنة 452 - 461 هـ
أحداث سنة 462 - 487 هـ

الفصل الثالث : الخليفة المستنصر بالله الفاطمى

ومات الظاهر سنة 1036 م 427 هجرية
وفى سنة ( 427هـ - 487 هـ : 1036م- 1094م ) تولى الخلافة إبن الظاهر وإسمه " أبو تميم معد " وأطلق عليه لقب " المستنصر بالله "
هو معد بن علي (الظاهر لإعزاز دين الله) ابن المنصور (الحاكم بأمر الله)  وكان يبلغ من وقام بأمره وزير أبيه أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي العمر سبع سنين وظل يحكم كخليفة لمدة ستين سنة بويع بعد وفاة أبيه سنة 427 هـ وهو طفل في السابعة من عمره وقال إبن المقفع أنه ظل يحكم لمدة 51 سنة فقد ولد يوم الثلاثاء 16/ جمادى الآخر/ 420 هـ وجلس على كرسىالخلافة وعمره سبع سنين وذلك كان يوم الأحد النصف من / شعبان / 427 هـ الموافق برمودة لم يحدث فى تاريخ الإسلام أن ظل أحداً على كرسى الحكم هذه المدة الطويلة , وبالرغم من طول مدة حكمه إلا أنه حدث تدهور سريع فى الدولة الفاطمية 0وكان المستنصر ضعيف الرأى كثير التقلب وأمه سرية سودانية الأصل باعها أحد اليهود لأبيه الظاهر وكانت وصيه عليه هى وبعض الوزراء قبل أن يبلغ سن الرشد 

وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " وقام من بعده ابنه ولي العهد وبويع له وهو‏:‏ المتنصر بالله أبو تميم معد ومولده في السادس عشر من جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وبويع بالخلافة للنصف من شعبان سنة سبع وعشرين وعمره يومئذ سبع سنين فأقام ستين سنة وأشهرًا في الخلافة كانت فيها أنباء وقصص شنيعة بديار مصر منها‏:‏ أن أمه كانت أمة سوداء لتاجر يهودي يقال له‏:‏ أبو سعد سهل بن هارون التستري فابتاعها منه الظاهر واستولدها المستنصر فلما أفضت الخلافة إليه استدنت أمه أبا سعد ورقته درجة علية وكان الوزير يومئذ أبا القاسم الحرحراي فلم يتمكن أبو سعد من إظهار ما في نفسه حتى مات الحرحراي وتولى أبو منصور صدقة بن يوسف العلاجي الوزارة فانبسطت يد أبي سعد وصار العلاجي يأتمر بأمر فعمل عليه وقتله كما ذكر في خبر خزانة البنود فحقدت أم المتنصر على العلاجي وصرفته عن الوزارة واستقر أبو البركات صفي الدين الحسين بن محمد بن أحمد الحرحراي في الوزارة‏.‏  " أنتهى
ا . ارتفع شأن اليهود في عهده فقد تولى أبو سعيد التستري اليهودي إدارة أملاك أم الخليفة ، وفي سنة 439 هـ ثار عليه الجند الأتراك وقتلوه ، فولت أم الخليفة أخوه أبو نصر ، وكان أخوه قد أسند من قبله مناصب الدولة إلى اليهود الذين اضطهدوا المسلمين ، حتى إن شاعرا من الشعراء المعاصرين يسمى ابن البواب نظم في ذلك أبياتا قال فيها

يهــود هــذا الزمــان قـد بلغـوا  ** غايـــة آمــالهم وقــد ملكــوا
العـــز فيهــم والمــال عنــدهم
 ** ومنهـــم المستشـــار والملـــك
يـا أهـل مصـر قـد نصحـت لكـم
 **
تهـــودوا وقــد تهــود الفلــك


، فخطب البساسيري
وزير الخليفة العباسى في ببغداد باسمه مدة سنة قبل أن يستعين الخليفة البغدادى بالأتراك السلاجقة، وخطب له في اليمن ، وقطعت الخطبة باسمه في إفريقية سنة 443 هـ وانقطع اسمه من الخطب فى الحرمين سنة 449 هـ وذكر اسم الخليفة المقتدي العباسي بدلاً منه ،  وقد أعطى الوزير بدر الجمالي السلطة كاملة وابنه شاهنشاه بن بدر حتى توفي عن 58 عاما . ظل في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر فكان أطول الخلفاء عهدا وخلفه ابنه المستعلي

وما بين سنة ( 427 هـ - 442هـ : 1036م – 1050م ) ظهرت مشاحنات بين عدة وزراء قبضوا على زمام الأمور بالتوالى , وتقلصت السلطة المركزية الذى قام عليه نظام الحكم فى الإسلام فخرجت العديد من ولايات شمال أفرقيا من تحت الحكم الفاطمى ورفضت العقيدة الشيعية وعادت سنية مرة أخرى 0
وفى سنة 469 هـ - 1076م ثارت الولايات السورية وإنقسمت إلى ولايات عديدة حتى وقعت غنيمة سهله للأتراك السلجوقيين 0
ومن أغرب ما حدث أنه بلغت فى عهده الدعوه الفاطمية أقصى العراق حيث كان مقر هناك خليفة عباسى فى بغداد , وقيل أنه خُطب له ببغداد نحو أربعين ألف خطبة وهرب خليفها العباسى منها وأصبحت بغداد تابعة للفاطميين وزاد الرخاء فى مصر فى عهده وأصبح الشعب فى سعه وكان قصر الخليفة من أفخر وأعظم ما عُرف فى تاريخ الإسلام وقد قال سائح فارسى عما شاهدة فى القاهرة فقال (1) : " يضم القصر بين جدرانه ثلاثون ألف نسمة ويحرسه كل ليلة
ألف حارس ما بين فارس وراجل , ويبلغ عدد المساكن نحو عشرون ألف بيتاً متقنة البناء يفصل بعضها عن بعض الحدائق والبساتين ويبلغ عدد الحوانيت ما يقرب من ذلك ويدخل متحصلٌ الجميع للخليفة , ويمشى فى موكب الخليفة يوم فتح الخليج نحو مائة وثمانون ألفاً من الجنود والأعوان من أجناس مختلفة , وكثير ما كان يوجد بين حرس الخليفة الأمراء ولأولاد الملوك من أقاصى بلاد حتى من الهند "
وكان للمستنصر عمتان يركنان على ثروة طائلة وهما أختا أول خليفة من خلفاء الفاطمين تولى على مصر وكان كل خليفة يتوقع موتهما ليتمتع بأموالهما , إلا أنهما عمرتا طويلاً وتوفيتا زمن المستنصر فأنفق من تلك الثروة مبلغاً كبيراً فى تجديد جامع عمروا فى الفسطاط وتغيير طرازه القديم وكان قد تهدمت أجزاء منه وصنع فيه مشكاة ( كوه غير نافذة) وجعل قبتها تجاه مكة وأبدع فى زخرفتها ثم أمر ببناء مأذنة عظيمة فيها وامر أيضاً بتصميم منبراً للخطابة

والى حلب يريد الإستقلال عن الخليفة المستنصر وزوجته الجميلة تذهب للخليفة

ذكر  كتاب الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة  كتاب الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة للأسقف الأنبا اسيذورس ج 2 ص 327 - 328 : " أن سياسة مصر الخارجية قد أضطربت فقد حدث أن معز الدولة والى حلب حاول ان يستقل بها , فأرسل الخليفة حملة بقيادة ناصر الدولة فإنهزمت , فأرسل حملة ثانية فإنهزمت أيضاً , ولما رأت زوجة معز الدولة والى حلب أن الخليفة لن يسكت على إنفصال واليه حتى يخضعه ويذله سافرت إلى مصر ,  وقابلت الخليفة وكانت جميلة جداً فسحرته بجمالها وعذوبة كلامها وحلو حديثها , وجذبته إلى قبول الصلح مع زوجها فوافق عليه والياً على حلب , وبعد محاولة الزوجة الجميلة فى تأمين حلب من هجوم الجيوش المصرية , جرت حروب أخرى بين زوجها وبين عرب بنى كلاب إنتهت بهزيمة زوجها وإنسحابه من حلب وأستولى عرب بنى كلاب عليها
إ
عادة بناء كنيسة القبر المقدس
وفى سنة 1037 م - 429 هجرة عقد المستنصر بالله معاهدة مع الإمبراطور البيزنطى على أن يطلق الأخير أسرى المسلمين الذين اسروا فى الحرب التى نشبت بين الدولتين بشرط أن يسمح الخليفة للأمبراطور أن يعيد بناء كنيسة القبر المقدس التى خربتها أيدى المسلمين فى زمن جده الحاكم بأمر الله ونفذ الطرفان هذه المعاهدة وبنيت كنيسة القبر من جديد على أحسن ما تكون من الرونق والبهاء

الإستيلاء على كنوز كنيسة القيامة

وحدث غلاء شديد في مصر حتى بيع رغيف واحد بخمسين دينارا ، ودام الجوع سبع سنين ولما أشتد الجوع فى مصر طلب الخليفة من ملك الروم أن يرسل له مراكب قمح , فوعده بإرسال 400 أردب , ولكنه مات قبل أن يقوم بإرسالها , وملكت أبنته ونكثت وعد أبيها إلا إذا عقد الخليفة معها معاهدة , فغضب الخليفة وأرسل حملة إلى اللاذقية وأنطاكية لإحتلالها بقيادة ناصر الدولة فأسر وتفرق جيشة , فإتجه غضب المستنصر إلى كنوز كنيسة القيامة فأمر بالإستيلاء على ما فى كنيسة القيامة من الأوانى الثمينة راجع ذكر  كتاب الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة  كتاب الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة للأسقف الأنبا اسيذورس ج 2 ص  328

 

حروب فى داخل الخلافة
وبدأ الضعف يدب فى الحكم الفاطمى وبدأ الإضمحلال والشيخوخة تدب فى نسيج الولايات وبدا يسرى فى قلب الخلافة التى هى مصر وإزدادت الفوضى الداخلية وإنهيار الإقتصاد والأمن فى البلاد .
وبعد سنة 442 هـ - 1050 م هدأت بلاد الخلافة لمدة ثمانية أعوام لأن القابض على زمام الأمور فى هذا الوقت كان وزيراً إسمه " اليازُورى " فقام بإصلاح إقتصاد البلاد والمرافق العامة وفى وزارة اليازورى تحولت أنظار الفاطميين نهائياً إلى الشرق ولما ثارت تونس على خلافة الفاطمين فى مصر لم يجهز اليازورى حملة ضد الثوار – بل لجأ إلى قبيلتى "بنى هلال " و " بنى سليم" العربيتين حليفتى الفاطمين وكانت لهما شهرة واسعة فى أعمال السلب والنهب على حدود الدلتا الغربية فقال لهما : " لقد تركنا لكما ولاية تونس فإجتاحوها وخربوها " وذلك لأن الفاطمين كانوا وقتئذ يساعدون بأموالهم ثورة أحد قواد الأتراك ضد خلافة بغداد ( 450هـ- 1059م) فلم يهتموا إطلاقا بمصير البلاد التى نشأوا فيها ولما فشلت الثورة ضد العباسيين أقيل اليازورى ولكن الحال لم يبقى كما هو عليه فعادت الفوضى والإنشقاقات بين القابضين على زمام الحكم من الوزراء والكتاب .
ولما كانت أم الخليفة المستنصر سرية نوبية أو سودانية الأصل أى جارية سوداء إبتاعها أبوه الخليفة الظاهر ( 1020- 1036 م ) من تاجر يهودى فكان ميلها إلى أبناء جنسها أمراً طبيعيا ولما كانت وصية على إبنها فبدأت تستخدم أهل جنسها من السودان فى الوظائف الأميرية حتى غصت بهم الدواوين ونظمت منهم فرقاً عسكرية من الجيش وخصصتهم لحماية عرش الخليفة الذين يعرفون بالحرس الملوكى ويقول ابو المكارم المؤرخ عن خط حارة الريحانية(2): " وكان بهذه الحارة من عبيد السودان ما يناهز عشرة ألآف فارس ", فإغتاظ باقى فرق الجيش من جنود العرب والأتراك من هذه التفرقة فقامت المنافسات والمناوشات بين الفريقين
ووصل الأمر إلى حد العداء (
3) عندما كان المسلمون يحتفلون بسفر الحجاج إلى مكة فى مكان يقال له بركة تحميره المعروفة الآن ببركة الحج سكر أحد جنود الأتراك فشهر سيفه على أحد السودانيين فنصر السودانين إبن جلدتهم وقتلوا الجندى التركى ووقعت بين الفريقين مذابح دموية عجز الخليفة القاصر ووالدته عن إخمادها وزادت الفتن بين جند السودان والأتراك وإنعكس هذا على دخول الأفراد وأحدثت أثراً سيئاً فى البلاد وأحاطت الفرق التركية والعربية بقصر الخليفة تطالبه بطرد جنود السودان من خدمة الجيش فخاطبهم الخليفة يريد إقناعهم بالعدول عن مطالبهم فلم يفلح وأرسل لهم مندوبين لمصالحتهم فلم يذعنوا ونشبت الحروب الشديدة بين الطرفين ولما كانت والده الخليفة مياله للسودانيين فأمدتهم بالذخائر والجنود والعتاد فإنتصروا على الجنود التركيه فوزا ساحقاً إلا أن الأتراك عادوا فلموا شملهم وهجموا على السودانيين فدحروهم وقتلوا منهم أعداداً كبيره وإنتصروا إنتصاراً باهراً وطاردوا فلولهم إلى الصعيد فتبعهم حوالى خمسة الآف شخص من عائلات السودانيين الذين كانوا يقطنون القاهرة خوفاً من بطش جنود الأتراك وسرت القلاقل فى شمال أفريقيا وإمتدت إلى سوريا ولم يكن الخليفة يبطش بأحداً من الثائرين فطمع فيه الأتراك .
ورأى الخليفة نفسه أنه ليس له نفوذ يذكر حتى فى قصره وعلى خدمه وحاشيته لنفوذ أمه القوى فى داخل القصر وخارجه وشمل ايضاً حكم البلاد فحدثته نفسه أن يتنازل عن هذا الملك الأسمى والتخلص من صلف أمه وعنادها وتدخلها وذهب إلى الفسطاط ليقضى بقية حياته فى الزهد فى جامع
عمرو ولكن واالدته لم توافق فردته بعد مصالحته بأن أعطت له بعض النفوذ داخل القصر فقط .
ورأت أم الخليفة أن الوزراء متواطئون عليها وأنهم غير مخلصين لخدمة البلاد فوقفت أمامهم بحزم وشدة .وفى مدة حكم الخليفة المستنصر تولى إثنا عشر خليفة وكان يتم عزلهم واحداً وراء الآخر عند ظهور عدم أمانتهم والخيانة فى إجرآتهم وذلك بعكس الأقباط الذين كان المسلمون يضمرون لهم المؤآمرات والدسائس ويشيروا بطردهم طبقاً لقوانين الشريعة الإسلامية بالرغم من أمانتهم ومهارتهم فى الإداره ولم يلبثوا أن يعيدوهم إلى أماكنهم مبجلين ومكرمين إذ لم يكن بين المسلمين من يضاهيهم فى الأمانة وحل المسائل والمشاكل العويصة التى تواجه الدولة بين الحين والآخر والقيام بحسابات الحكومة على أكمل وجه.
واصيبت مصر بزلزلة هلك من جراءها 25 ألف نسمة
وكان قائد جنود الأتراك إسمه ناصر الدولة وجد المجال أمامه فسيحاً بعد الإنتصار على الجنود السودانيين وطردها إلى الصعيد فطمعت نفسه فى الخلافة فسعى فى إكتساب ثقة أم الخليفة التى إغترت بدهائة وجعلت أمره نافذاً فى كل إدارات الحكومة وصارت اوامر الخليفة التى كانت فى يدها غير نافذة ومد ناصر الدولة يده على الخزنة وإغترف منها الأموال ووزعها على جنوده
وإستمر" ناصر الدولة " فى خطته بتفكيك الدولة حتى بلغ مداه من الظلم والإستبداد حتى أنه خرج عليه بنى جلدته من الأتراك وثاروا عليه فإستغل المستنصر هذه الفرصة وراس الحزب المضاد ونشبت معركة بين الفريقين كان من نتيجتها فوز المستنصر وجنوده ففر هارباً من القاهرة ولكنهُ عاد مره أخرى إلى حدود الجيزة ورتب جيشة وعسكره للإنقضاض على جيوش المستنصر أما جيوش المستنصر فكانت على الضفة الغربيه بين بابليون والفسطاط جنوباً ومصر العتيقة والقاهرة شمالاً وكان هذا المكان ذاخر بالحدائق الغناء والرياض الفيحاء والقصور العامرة وبعد أن نشبت الحرب فى هذا المكان وإنجلت الموقعة عن إنهزام جيوش ناصر الدولة أصبحت منطقه قاحلة جرداء وهرب إلى الإسكندرية هذه المره وتحصن فيها .
وحالف ناصر الدولة القبائل العربية الليبية التى تسكن على الحدود وأعطاها الإذن لتعيث فى الدلتا فساداً وجمع منها جيشاً وأصبحا هما الإثنين قوة لا يستهان بها وزحف إلى القاهرة لسلب الخلافة من يد المستنصر فكانوا وهم زاحفون إليها ينهبون ما وصلت إليه أيديهم من مال ومتاع والويل لمن كان يقيم فى طريقهم فنهبوا البيوت والحقول وحيوانا الفلاحين فبارت الأرض وإشتدت يدهم على الأقباط خاصة فتركوا بيوتهم ومواشيهم وهاموا على وجوههم فى البرارى والقفار هرباً من تعسف وإضطهاد الناصر ووصلت القبائل المتحالفه معه إلى وادى النطرون فهدموا كنائسه وخربوا صوامعه وذبحوا الرهبان وعرفوا أن البطريرك خريستودلس كبير القبط فاسروه وإختطفوه من الدير ولم يقتلوه حتى يأخذوا فدية عنه وأخذوه معهم وأوسعوه ضرباً وإهانه وتعذيباً ولكن دبر الرب طريق النجاه وذلك أن رئيس كتبه الناصر كان قبطياً وإسمه أبا الطيب توسل إلى ناصر الدولة أن يتوسط للقبيله التى إختطفت البطريرك ففعل إكراماً لخاطره وطلبوا فديه ثلاثه ألآف دينار دفعها أبو الطيب – وسعى ابو الطيب فى إنقاذ حاكم طنتندا ( طنطا) لأنه كان يعمل عنده من قبل فلم يستطع الوصول إليه قبل أن يمزقه جنود ناصر الدولة فحمد الرب أنه انقذ البطريرك من براثن هؤلاء الوحوش
وتقدم ناصر الدولة ومعه ُ جيش مكون من العرب والبربر تعداده أربعون ألف مقاتل وجال وصال يفسد الترع ويهدم الجسور فى الوجه البحرى ومنعوا الزاد عن القاهره والفسطاط فمنع هذه الأعمال المزارعين من مزاوله زراعاتهم وإلتقت جيوشهما وقامت الحرب سجالاً تراوح النصر فيها بين الفريقين وأخيراً تفككت جيوش المستنصر فطمع ناصر الدولة فى الخلافة ولكنه خشى من منافسة بدر الدين الجمالى والى سورية فأراد أن يزيحه من طريقه فأرسل رجلاً إسمه طاهر من الأشراف ووعده أن يوليه الخلافة إذا قتل بدر الجمالى حاكم سوريا فوافق طاهر على أن يقوم بهذه المأمورية وذهب إلى سوريا ولكنه لم ينجح فى مهمته .
ولم تبلى مصر بالفوضى التى أحدثها ناصر الدولة فقط بل أن قحطاً ومجاعه بدأت تعم البلاد نتيجه لإنخفاض النيل , وإستفحل أمر القحط حتى إستمر سبع سنوات ( 457هـ - 465هـ : 1065م – 1072 ) كان يموت فيهاكل يوم عشرة ألاف نفس جوعاً وأكل بعضهم البعض وكانت الجنود تعترض الماره فى الشوارع والحوارى والأزقه فى المدن والطرقات بين القرى وبعضها البعض لنهب ما بأيديها لا فرق بين مسلم أو قبطى وكان هم المصرين الوحيد أن يسدوا جوعهم وجوع عيالهم بأى طريقه ممكنة فساءت الحال وعم الوباء وتفشت الأمراض وووقعت مصر فى مجاعة عظيمه شمل ضررها الغنى والفقير ومات كثير من الناس – وبلغ ثمن رغيف العيش الواحد فى ذلك الوقت 15 ديناراً وثمن البيضة ديناراً وثمن القط ثلاثة دنانير والكلب خمسة دنانير وعز وجود القطط والكلاب وعندما إشتدت المجاعة بالناس تاجروا فى اللحوم البشرية فكان بعضهم يخدع النساء والرجال والأطفال ويذبحهم ويبيع لحومهم عند القصابين وفنيت جميع الخيل والبغال والحمير .
ولم يبق للخليفة سوى ثلاثة خيول فقط ونبشت الناس قبور الخلفاء الذين دفنوا فى مصر وأخذوا النفائس التى وجدوها فيها وإشتروا بها طعاماً وتطاولوا إلى ما فى أعناق نساء الخليفة وما زال جنوده يجردونه حتى بلغت الفاقة به إلى درجة الإستعطاء ولم يقدر الخليفة على حماية نفسه ودفع الأذى عن بيته فإضره قواد حرسه من الأتراك إلى بيع القناطير المقنطرة من النفائس التى جمعها هو وأجداده وورثها عن آبائه مما لا يدخل تحت حصر , فقسموها على أنفسهم وباعوا النفائس الأخرى بأبخس الأثمان .– هذه الممتلكات جمعتها العائله الفاطميين فى ظرف مئات السنين بطريق القسوه والظلم وفرض الأتاوات على الشعوب وهذه بعض النفائس والمجوهرات الثمينة التى لا تقدر بثمن والتى أخذها جنود الأتراك وإقتسماها :- خريطة مطرزة بأسلاك الذهب الإبريز ومرسوم عليها جميع ممالك الأرض فى ذلك الوقت بجبالها وأنهارها ومدنها وشوارعها وقد كان الخليفة المعز قد أمر بصنعها فصنعت له – هذا عدا السيوف والدروع المرصعة بالأحجار الكريمة , والحلى وغيرها مما كان يهديه سلاطين وملوك الأرض إلى الخلفاء .. كل هذه النفائس لعبت به أيدى العابثين من الجنود وإستولت عليه وهى لا تعرف له قيمة واثناء الإستيلاء على هذه النفائس شب النار فى المفروشات الحريرية فإلتهمت النيران ما تبقى منها .

اوكثرت فى عهده تغيير الوزراء وإستبدالهم بغيرهم حتى تقلب على الوزارة نحو خمسة وثلاثون وزيراً فى مدة أثنتى عشرة سنة , ولم تكن هذه التقلبات تزيد الأعمال إلا إرتباكاً والبلاد إختلالاً (4)

المكتبة الملوكية تنتشر على تل الكتب
ولم تسلم المكتبة الملوكية من العبث (2
5) فامر ناصر الدولة جنوده بنهبها وكان فيها مئات الألوف من المجلدات فأخذها الجنود الجهلة الذين كانوا يتسلون بتمزيقها كما يتسلى الطفال بتمزيق الأوراق واللعب بها وحدث أن أحد قواد المستنصر كان عهد إليه بالهجوم على قصر الخليفة ونهبه فإعتنى بحمل جميع الكتب الثمينه وانقذ ما يمكن إنقاذه وحملها إلى الإسكندرية ولما شملت الفوضى أنحاء البلاد فقد إلتقى بحامليها عصابة من المتمردين التى إنتشرت مجموعات منهم فى ذلك الوقت فإستولوا على الكتب ونزعوا أغلفتها المصنوعة من الجلود الثمينة المزخرفة وحولوها إلى نعال يلبسونها أما ألوراق فاشعلوا فيها النار وما بقى طرحوه فى الصحراء فحملتها الرياح وشاهدها الناس وبقيت هذه الوراق منتشرة على سطح إحدى التلال فأطلق الناس على هذا التل إسم " تل الكتب"
وعندما إستتب الأمن والأمان عاود المفكرون فى إصلاح ما دمر من الكتب إلى حد أنه حين تولى صلاح الدين الملك بعد ذلك بما يقرب منقرن وجد فى القاهرة مكتبة تحوى 120 ألف مجلد(6)
ولم تجدى هذه النفائس الخليفة نفعاً وبقى محاصراً بالقاهرة يتكبد آلام الفاقة والعوز إلى درجة الإستعطاء فطلب إحساناً من بعض النسوة وكانت مشهوره بالغنى ولكنها سبقت فوزعت ثروتها على الجياع ولكنها لم ترفض طلبه فأمرا له بصحن من الشوربه كل يوم لسد جوعه أما نساؤه فإنهن همن على وجوهن يستجدين فخرجن من القصر مكشوفات الرؤوس حافيات الأقدام من سؤ الحاله وبمضى الأيام خارت قواهن من الجوع فسقطن إلى الرض وماتت الواحه بعد ألأخرى فكان الجياع يأخذون الذين يسقطون من الموت ويلتهموا لحومهم ولا إلتهام الجوارح لجثث الحيوانات .
وحدث أن الوزير قصد دار الخلافة راكباً بغلته فإعترضه بعض الجياع وأنزلوه من عليها وأخذوا البغلة وذبحوها وأكلوا لحمها نيئاً وإمتصوا عظامها فهرب على قدميه منهم حامدا ربه على خلاصة حياً من أيديهم وبعد ثلاثة أيام عثروا على ثلاثة من جنوده منفردين فقبضوا عليهم وذبحوهم وكشطوا لحومهم من عظامهم ولما مر الوزير بجنوده فى الصباح التالى رأى هياكلهم فعلم أنهم صاروا طعاماً لأجواف الجياع .

الوبـــــاء
وفى ذلك الوقت تفشى الوباء وصار يفتك بالناس فتكاً ذريعاً فكانوا يموتون ألوفاً ألوفاً وملايين ولم يجدوا من يدفنهم وكان شدة الوباء فى الفسطاط وبابليون عشرة فى المائة فقط – بالمقارنه بمدينة مثل تانيس ( صان الحجر ) بمديرية الشرقية فأهلك الوباء والجوع جميع سكانها ولم يبق فيها غير مائة نفس فقط وهلك أسقفها وإسمه الأنبا ميخائيل جوعاً مع قطيعه المساكين .
وأرسل جرجس ملك النوبة المسيحى رجلاً إسمه بامون ليرسمه مطراناً على النوبة فرسمه بطريرك الأقباط وأرسل معه رساله بالحالة السيئه التى عمت البلاد وطلب منه أن يطلب من الملك إرسال مؤونه فأرسل ملك النوبة قافله محمله , ولما وصلت القافلة مشارف القاهرة إعترضهم ناصر الدولة بجنوده وارغمهم على العودة من حيث أتوا .

وحدث أن إمراه من أغنياء الأقباط حضرت من القاهرة إلى الفسطاط تحمل عقداً نفيساً يساوى ألف دينار وإشترت به كيساً ( شوال ) من الدقيق ففرحت بذلك فرحاً لا يوصف وإستأجرت رجالاً لحراستها حتى تصل سالمه بهذا الكنز إلى منزلها حيث كانت تقطن حارة زويلة فساروا من حولها وهم يحملون السيوف والحراب وهم فرحون لأنهم سيأخذون أجرتهم شئ من الدقيق فلما
وصلت إلى باب الحارة صرفتهم وأعطتهم حصتهم من الدقيق وظنت أنها أصبحت فى مأمن ولكن فى لمح البصر تجمع حولها العامه والغوغاء من الجياع حتى إنقضوا على الشوال ومزقوه واخذوا ما فيه ولم تنل صاحبته إلا بمقدار ما يكفى لصنع رغيف واحد .
وصنعت المرأه رغيفاً وصعدت إلى سور المدينة وصاحت قائله : " إنظروا ما وصلت إليه حالنا من السعادة , إن هذا الرغيف كلفنى ألف دينار فإشكروا الخليفة على ما أوصلكم إليه من الراحه واليسر تحت حكمه "
فأحضر الخليفة رئيس الشرطه وعنفه وأقسم أنه سيقطع رقبته ويستولى على أملاكه إن لم يوفر فى السواق القمح بأسعار معتدله , فخرج قائد الشرطه وإستدعى تجار الغلال وأحضر ثلاثه من المسجونين المحكوم عليهم بالإعدام وألبسهم ملابس فاخرة مثل ملابس التجار ولما أحضروهم أمام إجتماع التجار على أساس انهم تجار ايضاً وصاح فى أحدهم قائلاً : " لماذا تخفى القمح أيها الرجل الطماع والمجاعة قد أهلكت الناس أو لست تخاف الله يوم الدين " ثم امر السياف بقطع رقبته وتدحرجت أمام التجار وهكذا فعل مع الثانى والثالث فإرتعدت فرائض التجار وخافوا خوفاً كبيراً وإستدعى واحداً من التجار الحقيقين فصاحوا جميعاً بصوت واحد يطلبون العفو وقالوا انهم سيخرجون حنطتهم ويبيوعونها فى الأسواق بالأثمان التى قدرها رئيس الشرطة وإنفرجت الحال قليلاً ولكنه لم يدم طويلاً على هذا المنوال وإستمر ناصر الدولة يضيق الخناق على القاهرة قاصداً خلع الخليفة والإستيلاء على الحكم .
وإحتل ناصر الدولة المدينة فى نفر من رجاله ممن كانوا يتقدمون من جهه الصالحية ودخل القاهرة
دخل ناصر الدولة القاهرة سنة 466 هـ – 1073م وعندما دخل رسوله قصر الخليفة الفاطمى وجده جالساً على حصير بالٍ ولم يجد عنده قوت سوى رغيفين أعطتهما إليه إحدى المحسنات . ولكنه لم يمكث ناصر الدولة كثيراً مستمتعا بالنصر فسرعان ما حقد عليه دكوز صهره وكان خصما عنيداً له فأظهر الفرح بإحتلال ناصر الدوله مصر خشيه من بطشه وصالحه وظل يلاطفه حتى تمكن منه وقتل الناصر فى ليله فى سنة 1073 م فخلصت البلاد من شره
فإستراح الخليفة من موت ناصر الدولة , ثم أرسل إلى " َبْدر الجماَلى " حاكم عكا وكان أرمنى الأصل (
7)
وترجاه أن يأتى إلى القاهرة لتنظيم أمورها وضبطها من الفوضى فهاجم مصر بجيش من أهل الشام عن طريق البحر حتى يفاجأ الجنود الأتراك بالرغم من معارضه قواد جيشة ووصل إلى ثغر دمياط وأنزل بها الجنود وسار فى الدلتا ففتك بالقوٌاد الأتراك .
وعندما دخل القاهرة سنة 1074 م وأخذ كبار قواد التراك بالحيلة فأعد وليمة عظيمه لهم وكان أوصى جنوده أن يبطشوا بهم ورتب لكل واحد من أمراء الأتراك أميراً من أمراؤه وكان أجرتهم أن يعطى لكل منهم منزل وقصر واملاك الأمراء الأتراك الذين يقتلونهم فسروا بذلك سروراً عظيماً وبعد إنتهاء الوليمه أخذ كل امير أميراً تركيا ومعه ثله من الجنود ليوصله إلى منزله فبطش كل أمير بأميره وقتله بالسيف بالقرب من منزله ولما اصبح الصباح كان كل أمراء بدر الجمالى يسكنون فى قصورهم واسرع إلى الخليفة المستنصر يخبره بنجاح الخطه والقضاء على خصومه ولهذا لقبه الخليفة بأمير الجيوش
وكان لناصر الدوله إثنين من المؤيدين أحدهما توجه إلى الإسكندرية والآخر إلى دمياط قاموا على الأهالى نهباً وسرقه وقتلاً فتوجه إليهم أمير الجيوش فى حمله قوية قضت عليهم وسبى نساؤهم وخيولهم وعتادهم الحربى وفرق أجودهن على جنوده وباع الباقى فى القاهره فباع المرآه بدينار والحصان بدينار ونصف .
ونما خبر قوة جيش خلافة المستنصر إلى سكان مكة فرجعوا إلى إعلان الولاء به وإعترفوا به أميراً للمؤمنين وكانوا قبلاً إعترفوا بخليفة بغداد ورفضوا خلافته عندما علموا بضعفه وقاموا وذهبوا إلى الكسوة النبوية السوداء التى أرسلها ووضعها خليفة بغداد ومزقوها ووضعوا بدلاً منها كسوة الخليفة الفاطمى البيضاء بمصر .
وبعد ان انتظمت البلاد ظهر غازياً جديداً من الأتراك إسمه عبد العزيز ظهر فى فلسطين وكانت جيوش أمير الجيوش مشتبكه فى مطارده العصاه بالصعيد 1086 م فإنتهز عبد العزيز غياب الجمالى عن الشام فإستولى عليها بدون مقاومة فدخل دمشق ثم القدس ثم طبرية وإستمر يزحف حتى وصل إلى مشارف القاهرة , ووقع بدر فى ورطه لأن جيوشه كانت فى الصعيد فعمد إلى الحيلة والدهاء وبدأ يظهر الود والمصالحه مع عبد العزيز وفى الوقت نفسه كان عبد العزيز لا يعرف هذه الحقيقة ودارت المناقشات بينهم على أن يدفع بدر إلى عبد العزيز مبلغاً من المال كتعويض عن تكاليف حملته فى الشام – وعدم الهجوم على مصر – وظل بدر يماطل فى الوعد ويطيل فى الرد ويختلق الأعذار والدخول فى مواضيع فرعيه وأثناء ذلك كان يحث جنوده فى الصعيد على سرعه العوده إلى القاهرة لحمايتها وأخيراً وصلت جنوده وفى نفس الوقت كان أعداد غفيره من حجاج المسلمين قدموا من أنحاء البلاد إلى القاهرة بهدف الذهاب إلى مكة فذهب إليهم بدر لأستقبالهم ووقف فيهم خطيباً وأخبرهم بالغزاه وأنه يجب عليهم الجهاد قبل الذهاب إلى الحج وإنقاذ مصر من مطامع الغزاه وإنقاذ بلادهم والزود عنها فأثر عليهم ببلاغته فإنصاعوا وتحمسوا لبلادهم وإنتخب ثلاثه ألاف فرد ووزع عليهم السلاح وأخذ يتخابر مع قبائل العرب الذين يعيشون على الحدود وإنضمت مع الغزاه ورغبهم فى الغنائم والأسلاب وبالأموال فسمعوا له وامدوه بالرجال فإنضم له جيش غفير فإقتادهم بنفسه وباغت بهم صفوف العدو وأبلى بلاء حسناً فإنهزم الغزاه وقتل منهم الألوف ففروا هاربين من أمامه تاركين أشلائهم وعشرة ألاف من الصبيان والصبايا كانوا سبوهم من الشام ليبيعوهم فى مصر بيع الرقيق
وراح يصلح شئون البلاد وإخضاع الخارجين من أهلها فخاف قطاع الطرق وساد الأمن والسلام البلاد وإزداد الخراج وعم الخير البلاد وبنى حول القاهرة سوراً جديداً لحمايتها وشيد فيه ثلاثة أبواب ضخمة لا تزال واقفه إلى الآن تشهد على ما قام به بدر الجمالى والأبواب فى باب النصر , وباب الفتوح تم بناؤهما ( سنة 480هـ : 1087م ) وباب زويلة ( المتولى ) تم بناؤه ( سنة 484هـ : 1094م ) وجدد الكثير من الجوامع وبنى جوامع جديده فى القاهرة والإسكندرية وجزيرة الروضة ثم تمرد عليه إثنان من العامة وإلتف حولهما مؤيدون وناصبوه العداء فسير عليهما حملة كبيرة بقيادة إبنه فهزمهما وشتت شمل الملتفين حولهما وقطع رقبة الأول وزج بالثانى فى غيابة السجون .
ولما رأى الخليفة أعماله لمصر ولحكمه خلع عليه لقٌباً فأسماه " أمير الجيوش سيف الإسلام بدر الجمالى " ومكث أمير الجيوش عشرين سنة أهدى الإستقرار إلى مصر ومات فى سنة واحدة مع الخليفة وكان ذلك ( سنة 487هـ : 1094م) 0

ألأمير بدر الدين جمالى يبنى جامع الجيوشى

يعرف اليوم المسجد الذى بناه الأمير بدر الدين بإسم مسجد الجيوشى لأن الخليفة الفاطمى أعطاه لقب  أمير الجيوشى وقد بنى مسجده سنة 478 هجرية = 1085م  على حافة جبل المقطم مشرفا على قلعة صلاح الدين  وتستطيع أن تراه  إذا اتجهت ببصرك إلى شرق القاهرة. 

وهو مسجد صغير ومئذنته تعتبر من أقدم المآذن الفاطمية القائمة بمصر. وهى تقع أعلى المدخل مباشرة وتبتدئ من سطح المسجد ببدنة مربعة تنتهى بحطائتين من المقرنص يعلوهما مكعب ثم مثمن تغطيه قبة.  و المسجد غير المألوف فى مساجد القاهرة فالمدخل  الباب الواقع فى منتصف الوجهة الغربية إلى دركاة على يمينها سلم يؤدى إلى المئذنة وعلى يسارها غرفة مسقوفة بقبو مصلب ومن هذه الدركاة

يعتبر محراب هذا المسجد من أجمل المحاريب الجصية وأحسنها صناعة فقد جمع بين دقة الحفر فى الجص وجمال التفريغ وبه زخارف مفرغة لم يبق سوى القليل منها.

وصحن الجامع مكشوف على يمينه ويساره حجرتان مستطيلتان ويتصدره عقد كبير يرتكز على زوجين من الأعمدة الرخامية وعلى جانبيه عقدان صغيران وتؤدى هذه العقود إلى القبلة الذى يشمل على رواق أمامى مسقوف بثلاثة قبوات مصلبة به ثلاث فتحات معقودة تؤدى الفتحة الوسطى منها إلى حيز مربع أمام المحراب تغطيه قبة محمولة رقبتها المثمنة بواسطة طاقية واحدة فى كل ركن من أركان المربع ويحلى هذا المربع من أعلى طراز من الكتابة الكوفية المزخرفة كما يحلى قمة القبة إطار دائرى مكتوب فيه بالخط الكوفى آيات قرآنية تحيط بكلمتى - محمد وعلى - مكررة لأن الفاطميين كانوا من الشيعة ويؤمنون بعلى ومحمد. وتؤدى الفتحتان الأخريان إلى إيوانين صغيرين على يمين المربع ويساره ويغطى كليهما قبو مصلب.  وهو يشمل على إطارين من الكتابة الكوفية المزخرفة تحصر بينهما زخارف جميلة تملأ توشيحتى عقد المحراب ويتوج أعلاه طراز به

 

حفر بحر أبي المنجا ‏:‏

ذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الأول   15 / 167  فقال هذا الخليج تسميه العامّة‏ :‏ بحر أبي المنجا الذي حفره‏:‏ الأفضل بن أمير الجيوش في سنة ست وخمس مائة وكان على حفره أبو المنجا بن شعيا اليهودي‏.‏  فعرف به وقد ذكر خبر هذا الخليج عند ذكر مناظر الخلفاء ومواضع نزههم من هذا الكتاب‏.‏

 

الشيطان يتلاعب بالكنيسة الأنطاكية ( المال أصل كل الشرور)
أثناء موت الظاهر وجلوس المستنصر بالله حدثت خصومة ومعركة بين الكهنة والأراخنة بسبب مال كنيسة اليعاقبة السريان بأنطاكية – فذهب الأرخن المذكور إلى بطرك الملكيين ودفع له مال ( بطرك الملكيين هو حاكم البلدة ) فأرسل أمراً بقفل الكنيسة والقبض على الكهنة وظل يعذبهم ستة أيام وأقنعهم أن ينكروا إيمانهم ويصبحوا ملكيين حتى يأخذ حقهم من ذلك الأرخن ويصيروا كهنه فى ملته فلما سمع ذلك الأرخن ذلك سبقهم وذهب إلى بطرك الملكيين وصار ملكياً وخرج الكهنه من سجن الإعتقال وذهبوا إلى الكنيسة المذكورة ونهبوها وحرقوها وهدموا هيكلها وأخذوا قربان كان فيها ورموه فى البحر وتسلطوا على الشعب وعذبوا غالبيتهم حتى تركوا عقيدة آبائهم وأصبحوا ملكيين وذكر ميخائيل الدمراوى (
8) أن الذى تحول من السريان الأنطاكيين بسبب هذه الواقعة حوالى إحدى عشر ألفاً إلى الطائفة الملكية

 

***************************
وتولى بعده
الخليفة " المستعلى" من سنه 487هـ - 495هـ : 1094م – 1101م
الخليفة " الآمــر " من سنة 495هـ - 524هـ : 1101م – 1131م
الخليفة " الحافظ " من سنة 524 هـ - 544هـ : 1131م – 1149م لم يتردد فى الإستعانه بالنصرانى " بهرام" وهو من الطائفة الملكية كعادة الفاطميين وقد منحه لقب " سيف الإسلام" (
9)
الخليفة " الظافر " من سنة 544هـ - 549هـ : 1149م – 1154م
الخليفة " الفائـز " من سنة 549هـ - 555هـ : 1154م – 1160م
الخليفة " العاضد " من سنة 555هـ - 567هـ : 160م – 1171م
كل الخلفاء السابقين تولوا الخلافة وهم أطفال ما عدا الخليفة الحافظ فإنه تولاها وهو يبلغ من العمر 57 سنة وكان الوزراء ورؤساء الديوان هم الحكام الفعليين والحقيقين للبلاد لهذا سلط التاريخ الضوء على أفعالهم وأعمالهم 0

--------------------------------------------------------------------------

المـــــــــــــراجع

(1) صفحات من تاريخ مصر 2- تاريخ مصر إلى الفتح العثمانى – تأليف عمر الإسكندرى و أ. ج. سَفِدْج – مكتبة مدبولى 1410هـ -1990م ص 217

(2) تاريخ ابوالمكارم تاريخ الكنائس والأديره فىالقرن 12 بالوجه البحرى طبع سنه 1999 ج1 ص 15
(
3) كتاب تاريخ الامه القبطيه وكنيستها تاليف ا0ل0بتشر تعريب اسكندر تادرس طبعة 1900 الجزء الثالث ص 51

(4) د/ على إبراهيم حسن – مصر فى العصور الوسطى ص 120
(
5) كتاب تاريخ الامه القبطيه وكنيستها تاليف ا0ل0بتشر تعريب اسكندر تادرس طبعة 1900 الجزء الثالث ص 53- 54

(6) تاريخ مصر فى العصور الوسطى (الإنجليزية ) – ستانلى لين بول ص 145 – 150 تفصيلات ما حدث من فظائع خلال فترة الحصار

(7) قال بعض المؤرخين أن بدر الدين الجمالى كان مسيحياً ولم يعتنق الدين الإسلامى إلا أنه يصعب التأكد من ذلك إلا أن الأمير المسيحى الذى يشير إليه أبو صالح المؤرخ وقال عنه أنه كان سيد مصر حينئذ إنما هو الملقب بتاج الدولة

(8) ميخائيل الدمراوى هو كاتب سيرة الأنبا شنودة ( سانوتيوس ) البابا رقم 65 ونقلها إبن المقفع فى كتابه تاريخ البطاركة وكان البابا زخارياس رسم ميخائيل شماساً ثم رسمة البابا شنودة قساً ثم رسمة انبا إخرسطودولوس أسقفاً على مدينة تانيس وقد أتم هذه السيرة فى 25 من بشنس 767 ش
(
9) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م إعداد د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951 ص 119

 

=============================

المقريزى يصف الأحداث التى حدثت فى عصر الخليفة المستنصر

وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " وفي سنة أربعين سار ناصر الدولة الحسين بن حمدان متولي دمشق بالعساكر إلى حلب وحارب متوليها‏:‏ ثمال بن صالح بن مرداس ثم رجع بغير طائل فقلد مظفر الصقلبي دمشق وقبض على ابن حمدان وصادره واعتقله بصور ثم بالرملة وخرج أمير الأمراء‏:‏ رفق الخادم على عسكر تبلغ عدته نحو الثلاثين ألفًا بلغت النفقة عليه أربعمائة ألف دينار يريد الشام ومحاربة بني مرداس‏.‏
وفي المحرم سنة إحدى وأربعين صرف قاضي القضاة قاسم بن عبد العزيز بن النعمان عن القضاء بعدما باشره ثلاث عشرة سنة وشهر أو أربعة أيام وتقلد وظيفة القضاء بعده القاضي الأجل خطير الملك أبو محمد البازوري‏.‏
وفيها حارب رفق بني حرداس فظفروا به وأسروه فمات بقلعة حلب فأفرج عن ابن حمدان وبقي بالحضرة وقبض على الوزير أبي البركات الحرحراي ونفي إلى الشام وعمل أبو المفضل صاعد بن مسعود واسطة لا وزيرًا ثم قلد القضاة أبو محمد البازوري الوزارة مع وظيفة القضاء ولقب بسيد الوزراء‏.‏
وفي سنة اثنتين وأربعين كانت حروب البحيرة وإخراج بني قرة منها وإنزال بني سنيس بعدهم بها وفيها دعا علي بن محمد الصليحي باليمن للمستنصر وبعث إليه بمال النجوة والهدن‏.‏
وفي سنة أربع وأربعين كتب ببغداد محاضر بالقدح في نسب الخلفاء المصريين ونفيهم من الانتساب إلى علي بن أبي طالب وسيرت إلى الآفاق وقصر مد النيل فتحرك السعر بمصر ثم قصر أيضًا مد النيل في سنة ست وأربعين فقوي الغلاء وكثر الموت في الناس‏.‏
وفي سنة ثمان وأربعين خرج أبو الحارث البساسيري من بغداد منتميًا للمستنصر فسيرت إليه الأموال والخلع‏.‏
وفي سنة خمسين قبض على الوزير الناصر للدين أبي محمد البازوري وتقلد بعده الوزارة أبو الفرج محمد بن جعفر المغربي بن عبد الله بن محمد وولي القضاء بعد البازوري أبو علي أحمد بن عبد الحكم ثم صرف بعبد الحاكم المليحي وفيها أخذ البساسيري بغداد وأقام فيها الخطبة للمستنصر وفر الخليفة القائم بأمر الله العباسي إلى قريش بن بدران فبعث به إلى غانة وسيرت ثياب القائم وعمامته وغير ذلك من الأموال إلى مصر وفيها سار ناصر الدولة إلى دمشق أميرًا عليها‏.‏
وفي سنة إحدى وخمسين أقيمت دعوة المستنصر بالبصرة وواسط وجميع تلك الأعمال فقدم طغريل إلى بغداد وأعاد الخليفة القائم بعدما خطب للمستنصر ببغداد أربعون خطبة وقتل البساسيري وفيها قطعت خطبة المستنصر أيضًا من حلب فسار إليها ابن حمدان وحارب أهلها فانكسر كسرة شديدة شنيعة وعاد إلى دمشق وفيها صرف أبو الفرج بن المغربي عن الوزارة وعبد الحاكم عن القضاء وأعيد إلى الوزارة أبو الفرج البابلي واستقر في وظيفة القضاء أحمد بن أبي زكري‏.‏
وفي سنة ثلاث وخمسين كثر صرف الوزراء والقضاة وولايتهم لكثرة مخالطة الرعاع للخليفة وتقدم الأرذال بحيث كان يصل إليه في كل يوم ثمانمائة رقعة فيها المرافعات والسعايات فاشتبهت عليه الأمور وتناقضت الأحوال ووقع الاختلاف بين عبيد الدولة وضعفت قوى الوزراء عن التدبير لقصر مدة كل منهم وخربت الأعمال وقل ارتفاعها وتغلب الرجال على معظمها مع كثرة النفقات والاستخفاف بالأمور وطغيان الأكابر إلى أن آل الأمر إلى حدوث الشدة العظمى كما قد ذكر في موضعه من هذا الكتاب وكان من قدوم أمير الجيوش بدر الجمالي في سنة ست وستين وأربعمائة وقيامه بسلطنة مصر ما ذكر في ترجمته عند ذكر أبواب القاهرة فلم يزل المستنصر مدة أمير الجيوش ملجمًا عن التصرف إلى أن مات في سنة سبع وثمانين فأقام العسكر من بعده في الوزارة ابنه الأفضل شاهنشاه فباشر الأمور يسيرًا ومات المستنصر ليلة الخميس لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة سبع وثمانين عن سبع وستين سنة وخمسة أشهر منها في الخلافة ستون سنة وأربعة أشهر وثلاثة أيام مرت فيها أهوال عظيمة وشدائد آلت به إلى أن جلس على نخ وفقد القوت فلم يقدر عليه حتى كانت امرأة من الأشراف تتصدق عليه في كل يوم بقعب فيه فتيت فلا يأكل سواه مرة في كل يوم وقد مر في غير موضع من هذا الكتاب كثير من أخباره فلما مات المستنصر أقام الأفضل بن أمير الجيوش في الخلافة من بعده ابنه‏:‏ المستعلي بالله أبا القاسم أحمد وكان مولده في العشرين من المحرم سنة سبع وستين وأربعمائة فحالف عليه أخوه نزار وفر إلى الإسكندرية وكان القائم بالأمور كلها وفي سنة تسعين وقع بمصر غلاء ووباء وقطعت الخطبة من دمشق للمستعلي وخطب بها للعباسي وخرج الفرنج من قسطنطينية لأخذ سواحل الشام وغيرها من أيدي المسلمين فملكوا أنطاكية‏.‏
وفي سنة إحدى وتسعين خرج الأفضل بعسكر عظيم من القاهرة فأخذ بيت المقدس من الأرمن وعاد إلى القاهرة‏.‏
وفي سنة اثنتين وتسعين ملك الفرنج الرملة وبيت المقدس فخرج الأفضل بالعساكر وسار إلى عسقلان فسار إليه الفرنج وقاتلوه وقتلوا كثيرًا من أصحابه وغنموا منه شيئًا كثيرًا وحصروه فنجا بنفسه في البحر وصار إلى القاهرة وفي سنة ثلاث وتسعين عم الوباء أكثر البلاد فهلك بمصر عالم عظيم‏.‏
وفي سنة أربع وتسعين خرج عسكر مصر لقتال الفرنج وكانت بينهما حروب كثيرة‏.‏
وفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة مات المستعلي بالله لثلاث عشرة بقيت من صفر وعمره سبع وعشرون سنة وسبعة وعشرون يومًا ومدة خلافته سبع سنين وشهران وفي أيامه اختلت الدولة وانقطعت الدعوة من أكثر مدن الشام فإنها صارت بين الأتراك والفرنج وصارت الإسماعيلية فرقتين‏:‏ فرقة نزارية تطعن في إمامة المستعلي وفرقة ترى صحة خلافته ولم يكن فلما مات أقام الأفضل من بعده في الخلافة ابنه‏:‏ الآمر بأحكام الله أبا علي منصورًا وعمره خمس سنين وشهر وأيام فقتل الأفضل في أيامه وأقام في الخلافة تسعًا وعشرين سنة وثمانية أشهر ونصفًا وقد ذكرت ترجمته عند ذكر الجامع الأقمر في ذكر الجوامع من هذا الكتاب ولما قتل الآمر بأحكام الله‏.‏
أقيم من بعده‏:‏ الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله وكان قد ولد بعسقلان في المحرم سنة سبع وقيل‏:‏ في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة لما أخرج المستنصر ابنه أبا القاسم مع بقية أولاده في أيام الشدة فلذلك كان يقال له في أيام الآمر بأحكام الله الأمير عبد المجيد العسقلاني ابن عم مولانا‏.‏
ولما قتل النزارية‏:‏ الخليفة الآمر أقام برغش وهزار الملوك الأمير عبد المجيد في دست الخلافة ولقباه بالحافظ لدين الله وأنه يكون كفيلًا لمنتظر في بطن أمه من أولاد الآمر واستقر هزاز الملوك وزيرًا فثار العسكر وأقاموا أبا علي بن الأفضل وزيرًا وقتل هزار الملوك ونهب شارع القاهرة وذلك كله في يوم واحد فاستبد أبو علي بالوزارة يوم السادس عشر من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وقبض على الحافظ وسجنه مقيدًا فاستمر إلى أن قتل أبو علي في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين فأخرج من معتقله وأخذ له العهد على أنه ولي عهد كفيل لمن يذكر اسمه فاتخذ الحافظ هذا اليوم عيدًا سماه عيد النصر وصار يعمل كل سنة ونهبت القاهرة يومئذ وقام يانس صاحب الباب بالوزارة إلى أن هلك في ذي الحجة منها بعد تسعة أشهر فلم يستوزر الحافظ بعده أحدًا وتولى الأمور بنفسه إلى سنة ثمان وعشرين فأقام ابنه سليمان ولي عهده مقام وزير فلم تطل أيامه سوى شهرين ومات فجعل مكانه ابن حيدرة فخنق ابنه حسن وثار بالفتنة وكان من أمره ما ذكر في خبر الحارة اليانسية من هذا الكتاب فلما قتل حسن قام بهرام الأرمني وأخذ الوزارة في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وكان نصرانيًا فاشتد ضرر المسلمين من النصارة وكثرت أذيتهم فسار رضوان بن ولخشي وهو يومئذ متولي الغربية وجمع الناس لحرب بهرام وسار إلى القاهرة فانهزم بهرام ودخل رضوان القاهرة واستولى على الوزارة في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين فأوقع بالنصارى وأذلهم فشكره الناس إلا أنه كان خفيفًا عجولًا فأخذ في إهانة حواشي الخليفة وهم بخلع وقال‏:‏ ما هو بإمام وإنما هو كفيل لغيره وذلك الغير لم يصح فتوحش الحافظ منه وما زال يدبر عليه حتى ثارت فتنة انهزم فيها رضوان وخرج إلى الشام فجمع وعاد في سنة أربع وثلاثين فجهز له الحافظ العساكر لمحاربته فقاتلهم وانهزم منهم إلى الصعيد فقبض عليه واعتقل فلم يستوزر الحافظ أحدًا بعده إلى أن كانت سنة ست وثلاثين فغلت الأسعار بمصر وفي سنة اثنتين وأربعين خلص رضوان من معتقله بالقصر وخرج من نقب وثار بجماعة وكانت فتنة آلت إلى قتله‏.‏
موت الخليفة المستنصر
وفي سنة أربع وأربعين ثارت فتنة بالقاهرة بين طوائف العسكر فمات الحافظ ليلة الخامس من جمادى الآخرة عن سبع وسبعين سنة منها مدة خلافته ثمان عشرة سنة وأربعة أشهر وتسعة يومًا أصابته فيها شدائد كثيرة وكان حازمًا سيوسًا كثير المداراة عارفًا جماعًا للمال مغرى بعلم النجوم يغلب عليه الحلم‏.‏
********************************************************************************

لماذا سميت أرض الطبالة بهذا الإسم ؟

ذكر المؤرخ المقريزى المسلم فى كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الثالث  119 / 167 : " ذكر أرض الطبالة هذه الأرض على جانب الخليج الغربيّ بجوار المقس كانت من أحسن منتزهات القاهرة يمرّ النيل الأعظم من غربيها عندما يندفع من ساحل المقس حيث جامع المقس الآن إلى أن ينتهي إلى الموضع الذي يعرف بالجرف على جانب الخليج الناصريّ بالقرب من بركة الرطليّ ويمرّ من الجرف إلى غربيّ البعل فتصير أرض الطبالة نقطة وسط من غربيها النيل الأعظم ومن شرقيها الخليج ومن قبالتها البركة المعروفة ببطن البقرة والبساتين التي آخرها حيث الآن باب مصر بجوار الكبارة وحيث المشهد النفيسيّ ومن بحريها أرض البعل ومنظرة البعل ومنظرة التاج والخمس وجوه وقبة الهواء فكانت رؤية هذه الأرض شيئًا عجيبًا أيام الربيع وفيها يقول يوسف الدين علي بن قزل المشدّ‏:‏ إلى طبالةٍ يُعزون أرضًا لها من سندسِ الريحان بُسْطُ وقد كتب الشقيق بها سطورًا وأحسنَ شكلها للطلِ نِقْطُ رياض كالعرائس حين تُجلى يزينُ وجهها تاجٌ وقرْطُ وإنما قيل لها أرض الطبالة‏:‏ لأنّ الأمير أبا الحارث أرسلان البساسيري لما غاضب الخليفة القائم بأمر الله العباسيّ وخرج من بغداد يريد الانتماء إلى الدولة الفاطمية بالقاهرة أمدّه الخليفة المستنصر بالله ووزيره الناصر لدين الله عبد الرحمن البازوريّ حتى استولى على بغداد وأخذ قصر الخلافة وأزال دولة بني العباس منها وأقام الدولة الفاطمية هناك وسيّر عمامة القائم وثيابه وشباكه الذي كان إذا جلس يستند إليه وغير ذلك من الأموال والتحف إلى القاهرة في سنة خمسين وأربعمائة فلما وصل ذلك إلى القاهرة سرّ الخليفة المستنصر سرورًا عظيمًا وزُينت القاهرة والقصور ومدينة مصر والجزيرة فوقفت نسب طبالة المستنصر وكانت امرأة مرجلة تقف تحت القصر في المواسم والأعياد وتسير أيام الموكب وحولها طائفتها وهي تضرب بالطبل وتنشد فأنشدت وهي واقفة تحت القصر‏:‏ يا بني العباس ردّوا ملك الأمر معدُّ مِلَّكُكُم مِلكُ مُعارٌ والعواري تُستردُّ فأعجب المستنصر ذلك منها وقال لها تمني فسألت ان تقطع الأرض المجاورة للمقس فأقطعها هذه الأرض‏.‏
وقيل لها من حينئذ أرض الطبالة وأنشأت هذه الطبالة تربة بالقرافة الكبرى تعرف بتربة نسب مغنية المستنصر‏.‏
قال‏:‏ أرض الطبالة منسوبة إلى امرأة مغنية تعرف بنسب وقيل بطرب مغنية المستنصر‏.‏
قال‏:‏ فوهبها هذه الأرض المعروفة بأرض الطبالة وحكرت وبنيت آدارًا وبيوتًا وكانت من ملح القاهرة وبهجتها انتهى‏
************************************************************************************************

الجزء التالى جريدة الأخبار 23/5/2007م السنة 55 العدد 17188 عن مقالة بعنوان " الوزراء اليهود والنصاري في العهد الفاطمي "
بقلم : جمال بدوي

مصطفي أمير المؤمنين
ومن الوزراء اليهود الذين برزوا في العهد الفاطمي: الوزيرالأجل تاج الرياسة فخر الملك مصطفي أمير المؤمنين ابونصر 'صدقة' بن يوسف الفلاحي. وتولي الوزارة فيما بين عامي 436 و439، وكان يهوديا واسلم، وكان مثل ابيه بارعا في ضروب الكتابة والبلاغة، ولي اولا نظر الشام، ولكنه هرب من امير الجيوش الارمني 'انوشتكين'، وقدم الي القاهرة ولاذ بالوزير 'الجرجراني' الذي قدر له انفصاله عن عدوه انوشتكسين، فوضعه تحت رعايته ورقاه واشار ان يستوزر من بعده، فاستوزره الخليفة المستنصر، ولم يكن للفلاحي نفوذ الي جانب الوزير الخطير 'النستري' الذي هيمن علي كل شئون الدولة، وكان هو رئيس ديوان أم المستنصر، ولم يكن للفلاحي وجود فعلي فعمل علي التخلص من النستري فأغري به الاتراك حتي قتلوه في الطريق، وظن الفلاحي ان الدنيا قد صفت له، ولكن ام المستنصر­ التي كانت تدير شئون الحكم­ لم تغفر له ما فعله برجلها القوي، فمازالت تكيد له حتي اعتقلته في خزانة البنود.
ولا نعرف جنسية 'الفلاحي' اذ لم يكن مصريا، ولم يعرف له جنسية.

مجموعة الوزراء الأرمن
وقد توالي علي مصر كثير من الأرمن الذين شغلوا منصب الوزارة، لعل ابرزهم، السيد الاجل امير الجيوش، سيف الاسلام. ناصر الامام كافل قضاة المسلمين. وهادي دعاة المؤمنين ابوالنجم بدر المستنصري.
وهو حاكم عكا القوي الذي استدعاه الخليفة المستنصر للقضاء علي فتنة الفيالق المتناحرة، فاعاد الاستقرار للبلاد. وهو صاحب الاثار التي لاتزال تحمل اسمه في حي 'الجمالية' وابرزها البوابات الحجرية، النصر وابوالفتوح وباب زويلة، وبه بدأ عهد الوزراء العظام الذين اصبح الخلفاء في ايديهم مجرد ألعوبة. وورثه في منصبه ابنه الملك الافضل شاهنشاه ثم حفيده احمد المشهور باسم 'كتيفان'.
اما اغرب وزير ارمني في الدولة الفاطمية فهو 'بهرام'.وقد ظل محافظا علي ديانته المسيحية ومع ذلك كانت ألقابه: 'سيف الاسلام تاج الملوك بهرام الأرمني'. قدم الي القاهرة والتحق بخدمة الدولة، وكان عاقلا مقداما في الحرب، حسن السياسة، جيد التدبير فترقي في الخدم حتي ولي 'المحلة' وخرج منها الي القاهرة فامسكه الجند وادخلوه علي الخليفة 'الحافظ' فولاه الوزارة ونعت 'بسيف الاسلام تاج الخلافة'.. فغضب المسلمون، ولكنه كان حسن السياسة، وادي الطاعة للخليفة، وانفق الاموال علي الجند فاستقامت له الاحوال، وراسله الملوك، ولم ينكر عليه احد انه نصراني، وظل بهرام في الوزارة حتي طرده منها رضوان بن الولخشي وحل مكانه ولما مات بهرام حزن عليه الخليفة وامر باغلاق الدواوين ثلاثة ايام

This site was last updated 11/17/13