الخليفـــة رقم 2 فى سلسلة الخلفاء الفاطميين الشيعة : العزيز نزار - رقم 146 فى سلسلة خلفاء المسلمين الذين حكموا مصـــر
****************************************************************************************
الجزء التالى من مرجع عن الخلفاء الذين حكموا مصر وهى تحت إستعمار الأسرة الفاطمية الشيعية الإسلامية - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة
****************************************************************************************
ولاية العزيز نزار هو نزار أبو منصور العزيز بالله بن المعز لدين الله أبي تميم معد بن المنصور بالله أبي طاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدي أبي محمد عبيد الله العبيدي الفاطمي المغربي ثم المصري ثاني خلفاء مصر من بني عبيد والخامس من المهدي إليه ممن ولي من آبائه الخلافة بالمغرب.
مولده بالمهدية من القيروان ببلاد المغرب في يوم عاشوراء سنة أربع وأربعين وقيل: سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة.
وخرج مع أبيه المعز من المغرب إلى القاهرة ودام بها إلى أن مات أبوه المعز معد بعد أن عهد إليه بالخلافة.
فولي بعده في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة وله اثنتان وعشرون سنة وملك مصر وخطب له بها وبالشام وبالمغرب والحجاز وحسنت أيامه.
وكان القائم بتدبير مملكته مولى أبيه جوهرًا القائد.
وكان العزيز كريمًا شجاعًا سيوسًا وفيه رفق بالرعية.
قال المسبحي: وفي أيامه بني قصر البحر بالقاهرة الذي لم يكن مثله لا في الشرق ولا في الغرب وقصر الذهب وجامع القرافة.
قلت: وقد محي آثار هؤلاء المباني حتى كأنها لم تكن.
قال المسبحي: وكان أسمر أصهب الشعر أعين أشهل بعيد ما بين المنكبين حسن الخلق قريبًا من الناس لا يؤثر سفك الدماء وكان مغرى بالصيد وكان يتصيد السباع وكان أديبًا فاضلًا.
انتهى.
وذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر وذكر له هذه الأبيات وقد مات له ابن في العيد فقال: نحن بنو المصطفى ذوو محن يجرعها في الحياة كاظمنا عجيبة في الأنام محنتنا أولنا مبتلىً وخاتمنا يفرح هذا الورى بعيدهم طرًا وأعيادنا مآتمنا وقال أبو منصور أيضًا: سمعت الشيخ أبا الطيب يحكي أن الأموي صاحب الأندلس كتب إليه نزار هذا يعني العزيز صاحب مضر كتابًا يسبه فيه ويهجوه فكتب إليه الأموي: أما بعد قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك.
والسلام.
قال: فاشتد ذلك على نزار المذكور وأفحمه عن الجواب.
يعني أنه غير شريف وأنه لا يعرف له قبيلة حتى كان يهجوه.
انتهى كلام أبي منصور.
ولما تم أمر العزيز بمصر واستفحل أمره وأخذ في تمهيد أمور بلاده خرج عليه قسام الحارثي وغلب على دمشق.
وكان قسام المذكور من الشجعان وكان أصله من قرية تلفيتا من قرى جبل سنير.
كان ينقل التراب على الحمير وتنقلت به الأحوال حتى صار له ثروة وأتباع وغلب بهم على دمشق حتى لم يبق لنوابها معه أمر ولا نهي ودام على ذلك سنين.
فلما ملك العزيز وعظم أمره أراد زواله فندب إليه جيشًا مع تكين فسار تكين إليه وحاربه أيامًا وصار العزيز يمده بالعساكر إلى أن ضعف أمر قسام وأختفى أيامًا ثم استأمن فقيدوه وحملوه إلى العزيز إلى مصر.
وقال القفطي غير ذلك قال: فغلب على دمشق رجل من العيارين يعرف بقسام وتحصن بها يعني دمشق وخالف على صاحب مصر فسار لحربه الأمير الفضل من مصر فحاصر دمشق وضاق بأهلها الحال فخرج قسام متنكرًا فأخذته الحرس فقال: أنا رسول فأحضروه إلى الفضل فقال له: أنا رسول قسام إليك لتحلف له وتعوضه عن دمشق بلدًا يعيش به وقد بعثني إليك سرًا فحلف الفضل له.
فلما توثق منه قام وقبل يديه وقال: أنا قسام فأعجب الفضل ما فعله وزاد في إكرامه ورده إلى البلد وسلمه إليه وقام الفضل بكل ما ضمنه وعوضه موضعًا عاش به.
فلما بلغ ذلك العزيز أحسن صلته.
انتهى.
وقال الذهبي روايةً أخرى في أمر قسام قال: وهو الذي يتحدث الناس أنه ملك دمشق وأنه قسم البلاد وقدم لقتاله سلمان بن جعفر بن فلاح إلى دمشق بجيش فنزل بظاهرها ولم يمكنه دخولها فبعث إليه قسام بخطه: أنا مقيم على الطاعة.
وبلغ العزيز ذلك فبعث البريد إلى سلمان ليرده فترحل سلمان من دمشق وولى العزيز عليها أبا محمود المغربي ولم يكن له أيضًا مع قسام أمر ولا حل ولا عقد.
انتهى كلام الذهبي.
قلت: ولعل الذي ذكره الذهبي كان قبل توجه عسكر تكين والفضل فإن الفضل لما سار بالجيوش أخذ دمشق من قسام وعوضه بلدًا وهو المتواتر.
والله أعلم.
الفاطميين وعلاقتهم باليهود والنصارى الجيدة أسس خلافتهم فى بداية الأمر
وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: كان العزيز قد ولى عيسى بن نسطورس النصراني ومنشا اليهودي فكتبت إليه امرأة: بالذي أعز اليهود بمنشا والنصارى بابن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري.
فقبض العزيز على اليهودي والنصراني وأخذ من ابن نسطورس ثلاثمائة ألف دينا ر انتهى.
هـــل الفاطميين من أهل البيت حتى يصيروا خلفاء ؟
وقال ابن خلكان: وأكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله والد خلفاء مصر حتى إن العزيز في أول ولايته صعد المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها: إنا سمعنا نسبًا منكرًا يتلى على المنبر في الجامع إن كنت فيما تدعي صادقًا فاذكر أبا بعد الأب الرابع وإن ترد تحقيق ما قلته فانسب لنا نفسك كالطائع أو فدع الأنساب مستورة وادخل بنا في النسب الواسع فإن أنساب بني هاشم يقصر عنها طمع الطامع فقرأها العزيز ولم يتكلم.
ثم صعد العزيز المنبر يومًا آخر فرأى ورقة فيها مكتوب: بالظلم والجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقه إن كنت أعطيت علم غيب فقل لنا كاتب البطاقه قال: وذلك لأنهم ادعوا علم المغيبات والنجوم.
وأخبارهم في ذلك مشهورة.
انتهى كلام ابن خلكان باختصار.
وقال غيره: كأن العزيز ناهضًا وفي أيامه فتحت حمص وحماة وحلب وخطب له صاحب الموصل أبو الذواد محمد بن المسيب بالموصل وخطب له باليمن.
ثم انتقض ما بينه وبين صاحب حلب أبي الفضائل بن سعد الدولة ومدبر ملكه لؤلؤ بعد وفاة سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب لما قتل بكجور وهرب كاتبه أعني كاتب بكجور وهو علي بن الحسين المغربي من حلب إلى مشهد الكوفة على البرية ثم اجتهد حتى وصل إلى مصر واجتمع بالعزيز هذا وعظم أمر حلب عنده وكثرها وهون عليه حصونها وأمر متوليها أبي الفضائل.
قلت: ولؤلؤ وأبو الفضائل يأتي بيان ذكرهما فيما يقع بينهما وبين العزيز وتأتي أيضًا وفاتهما في الحوادث فيظهر بذلك أمرهما على من لا يعرفهما.
فلما هون علي بن الحسين أمر حلب على العزيز تشوقت نفسه إلى أخذ حلب من أبي الفضائل.
وكان للعزيز غلامان أحدهما يسمى منجوتكين والآخر بازتكين من الأتراك وكانا أمردين مشتدين فأشار على العزيز المغربي المذكور بإنفاذ أحدهما لقتال الحلبيين لتنقاد إليه الأتراك مماليك سعد الدولة فإنه كان قبل ذلك قد استأمن إلى العزيز جماعة من أصحاب سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان بعد موت سعد الدولة فأمنهم العزيز وأحسن إليهم وقربهم منهم وفي الصقلبي في ثلاثمائة غلام يعني مملوكًا وبشارة الإخشيذي في أربعمائة غلام ورباح السيفي فولى العزيز وفيًا الصقلبي عكا وولى بشارة طبرية وولى رباحًا غزة.
ثم إن العزيز ولى مملوكه منجوتكين حرب حلب وقدمه على العساكر وولاه الشأم واستكتب له أحمد بن محمد النشوري ثم ضم إليه أيضًا أبا الحسن علي بن الحسين المغربي المقدم ذكره ليقوم المغربي بأمر منجوتكين وتدبيره مع الحلبيين فإنه كان أصل هذه الحركة.
حرب الفاطميين للإستيلاء على الشام
فسار منجوتكين حتى وصل دمشق فتلقاه أهلها والقواد وعساكر الشام والقبائل فأقام منجوتكين بعساكره عليها مدة ثم رحل طالبًا لحلب في ثلاثين ألفًا.
وكان بحلب أبو الفضائل بن سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان ومعه لؤلؤ فأغلقا أبوابها واستظهرا في القتال غاية الاستظهار على المصريين.
وكان لؤلؤ لما قدم عسكر مصر إلى الشام كاتب بسيل ملك الروم في النجدة على المصريين ومت له بما كان بينه وبين سعد الدولة من المعاهدة والمعاقدة وأن هذا ولده قد حصر مع عساكر المصريين وحثه على إنجاده ثم بعث إليه بهدايا وتحف كثيرة وسأله في المعونة والنصرة على المصريين وبعث الكتاب والهدايا مع ملكون السرياني فتوجه ملكون السرياني إليه فوجد ملك الروم يقاتل ملك البلغر فأعطاه الهدية والكتاب فقبل الهدية وكتب إلى البرجي نائبه بأنطاكية أن يسير بالعساكر إلى حلب ويدفع المغاربة أعني عساكر العزيز عن حلب.
فسار البرجي في خمسين ألفًا ونزل البرجي بعساكره الجسر الجديد بين أنطاكية وحلب.
فلما بلغ ذلك منجوتكين استشار علي بن الحسين المغربي والقواد في ذلك فأشاروا عليه بالانصراف من حلب وقصد الروم والابتداء بهم قبل وصول الروم إلى حلب لئلا يحصلوا بين عدوين.
فساروا حتى نزلوا تحت حصن أعزاز وقاربوا الروم وصار بينهم النهر المعروف بالمقلوب.
فلما وقع بصرهم على الروم رموهم بالنشاب وبينهم النهر المذكور ولم يكن لأحد الفريقين سبيل للعبور لكثرة الماء.
وكان منجوتكين قد حفظ المواضع التي يقل الماء فيها وأقام جماعة من أصحابه يمنعون عسكره من العبور لوقت يختاره المنجم.
فخرج من عسكره من الديلم رجل شيخ كبير في السن وبيده ترس وثلاث روسات فوقف على جانب النهر وبإزائه قوم من الروم فرموه بالنشاب وهو يسبح حتى قطع النهر وصار على الأرض من ذلك البر والماء في النهر إلى صدره.
فلما رأوه عساكر منجوتكين رموا بأنفسهم في الماء فرسانًا ورجالة ومنجوتكين يمنعهم فلا يمتنعون حتى صاروا مع الروم في أرض واحدة وقاتلوا الروم فأنزل الله نصره على المسلمين فولى الروم وأعطوهم ظهورهم وركبهم المسلمون فأثخنوهم قتلًا وأسرًا وأفلت كبير الروم البرجي في عدد يسير إلى أنطاكية وغنم المسلمون من عساكرهم وأموالهم شيئًا لا يعد ولا يحصى.
وكان مع الروم ألفان من عسكر حلب المسلمين فقتل منجوتكين منهم ثلاثمائة.
وتبع منجوتكين الروم إلى أنطاكية فأحرق ضياعها ونهب رساتيقها ثم كر راجعًا إلى حلب وكان وقت الغلات فعلم لؤلؤ أنه لا له نجدة وأنه يضعف عن مقاومة المصريين فكاتب المغربي والنشوري كاتبي منجوتكين وأرغبهما في المال وبذل لهما ما أرضاهما وسألهما أن يشيرا على منجوتكين بالانصراف عن حلب إلى دمشق وأن يعود في العام المقبل فخاطباه في ذلك وصادف قولهما له شوق منجوتكين إلى دمشق وكان منجوتكين أيضًا قد مل الحرب فانخدع وكتب هو والجماعة إلى العزيز يقولون: قد نفدت الميرة ولا طاقة للعساكر على المقام ويستأذنونه في الرجوع إلى دمشق.
وقبل أن يجيء جواب العزيز رحلوا عن حلب إلى دمشق.
وبلغ العزيز ذلك فشق عليه رحيلهم ووجد أعداء المغربي طريقًا إلى الطعن فيه عند العزيز فصرف العزيز المغربي وقلد الأمر للأمير صالح بن علي الروذباري وأقعده مكانه.
ثم حمل العزيز من غلات مصر في البحر إلى طرابلس شيئًا كثيرًا ثم رجع منجوتكين إلى حلب في السنة الآتية وبنى الدور والحمامات والخانات والأسواق بظاهر حلب وقاتل أهل حلب.
واشتد الحصار على لؤلؤ وأبي الفضائل بحلب وعدمت الأقوات عندهم بداخل حلب فكاتبوا ملك الروم ثانيًا وقالوا له: متى أخذت حلب أخذت أنطاكية ومتى أخذت أنطاكية أخذت قسطنطينية.
فلما سمع ملك الروم ذلك سار بنفسه في مائة ألف وتبعه من كل بلد من معاملته عسكره فلما قرب من البلاد أرسل لؤلؤ إلى منجوتكين يقول: إن الإسلام جامع بيني وبينك وأنا ناصح لكم وقد وافاكم ملك الروم بجنوده فخذوا لأنفسكم ثم جاءت جواسيس منجوتكين فأخبروه بمثل ذلك فأحرق منجوتكين الخزائن والأسواق وولى منهزمًا وبعث أثقاله إلى دمشق وأقام هو بمرج قنسرين ثم سار إلى دمشق.
ووصل بسيل ملك الروم بجنوده إلى حلب ونزل موضع عسكر المصريين فهاله ما كان فعله منجوتكين وعلم كثرة عساكر المصريين وعظموا في عينه وخرج إليه أبو الفضائل صاحب حلب ولؤلؤ وخدماه.
ثم سار ملك الروم في اليوم الثالث ونزل على حصن شيزر وفيه منصور بن كراديس أحد قواد العزيز فقاتله يومًا واحدًا ثم طلب منه الأمان فأمنه فخرج بنفسه إليه فأهل به بسيل ملك الروم وأعطاه مالًا وثيابًا وسلم الحصن إليه فرتب ملك الروم عليه أحد ثقاته.
ثم نازل حمص فافتتحها عنوة وسبى منها ومن أعمالها أكثر من عشرة آلاف نسمة.
ثم نزل على طرابلس أربعين يومًا فقاتلهم فلم يقدر على فتحها فرحل عائدًا إلى الروم.
ووصل خبره إلى العزيز فعظم عليه ذلك إلى الغاية ونادى في الناس بالنفير وفتح الخزائن وأنفق على جنده.
ثم سار بجيوشه ومعه توابيت آبائه فنزل إلى الشام ووصل إلى بانياس فأخذه مرض القولنج وتزايد به حتى مات منه وهو في الحمام في سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
وقيل في وفاته غير ذلك أقوال كثيرة منها أنه مات بمدينة بلبيس من ضواحي القاهرة وقيل: إنه مات في شهر رمضان قبل خروجه من القاهرة في الحمام وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر.
مـــــــــــوت الخليفة العزيز الفاطمى الشيعى المسلم
وكانت مدة ولايته على مصر إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وأيامًا.
وتولى مصر بعده ابنه أبو علي منصور الملقب بالحاكم الآتي ذكره إن شاء الله.
وكان العزيز ملكًا شجاعًا مقدامًا حسن الأخلاق كثير الصفح حليمًا لا يؤثر سفك الدماء وكانت لديه فضيلة وله شعر جيد وكان فيه عدل وإحسان للرعية.
قلت: وهو أحسن الخلفاء الفاطميين حالًا بالنسبة لأبيه المعز ولابنه الحاكم على ما يأتي ذكره إن شاء الله.
قال ابن خلكان: وزادت مملكته على مملكة أبيه وفتحت له حمص وحماة وشيزر وحلب وخطب له المقلد العقيلي صاحب الموصل بالموصل وأعمالها في المحرم سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وضرب اسمه على السكة والبنود وخطب له باليمن.
ولم يزل في سلطانه وعظم شأنه إلى أن خرج إلى بلبيس متوجهًا إلى الشام فابتدأت به العلة في العشر الأخير من رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
ولم يزل مرضه يزيد وينقص حتى ركب يوم الأحد لخمس بقين من شهر رمضان من السنة المذكورة إلى الحمام بمدينة بلبيس وخرج إلى منزل الأستاذ أبي الفتوح برجوان وكان برجوان صاحب خزانته بالقصر فأقام عنده وأصبح يوم الاثنين وقد أشتد به الوجع يومه ذلك وصبيحة نهار الثلاثاء وكان مرضه من حصاة وقولنج فاستدعى القاضي محمد بن النعمان وأبا محمد الحسن بن عمار الكتامي الملقب أمين الدولة وهو أول من تلقب من المغاربة وكان شيخ كتامة وسيدها ثم خاطبهما في أمر ولده الملقب بالحاكم ثم استدعى ولده المذكور وخاطبه أيضًا بذلك.
ولم يزل العزيز في الحمام والأمر يشتد به إلى بين الصلاتين من ذلك النهار وهو الثلاثاء الثامن والعشرون من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة فتوفي في مسلخ الحمام.
هكذا قال المسبحي.
فطيـــــرة الخليفة العزيـــــز
قلت: والعزيز هذا هو الذي رتب الفطرة في عيد شوال وكانت تعملعلى غير هذه الهيئة.
وكانت الفطرة تعمل وتفرق بالإيوان ثم نقلت في عدة أماكن وكان مصروفها في كل سنة عشرة آلاف دينار.
وتفصيل الأنواع: دقيق ألف حملة سكر سبعمائة قنطار قلب فستق ستة قناطير لوز ثمانية قناطير بندق أربعة قناطير تمر أربعمائة إردب زبيب ثلاثمائة إردب خل ثلاثة قناطير عسل نحل خمسة قناطير شيرج مائتا قنطار حطب ألف ومائتا حملة سمسم إردبان آنيسون إردبان زيت طيب للوقود ثلاثون قنطارًا ماء ورد خمسون رطلًا مسك خمس نوافج كافور عشرة مثاقيل زعفران مائة وخمسون درهمًا.
ثمن مواعين وأجرة صناع وغيرها خمسمائة دينار.
انتهى باختصار.
ولنعد إلى ذكر وفاة العزيز صاحب الترجمة.
وقال صاحب تاريخ القيروان: إن الطبيب وصف له دواء يشربه في حوض الحمام وغلط فيه فشربه فمات من ساعته ولم ينكتم تاريخ موته ساعة واحدة.
وترتب موضعه ولده الحاكم أبو علي منصور.
وبلغ الخبر أهل القاهرة فخرج الناس غداة الأربعاء لتلقي الحاكم فدخل البلد وبين يديه البنود والرايات وعلى رأسه المظلة يحملها ريدان الصقلبي فدخل القصر عند اصفرار الشمس ووالده العزيز بين يديه في عمارية وقد خرجت رجلاه منها وأدخلت العمارية القصر وتولى غسله القاضي محمد بن النعمان ودفن عند أبيه المعز في حجرة من القصر.
وكان دفنه عند العشاء الأخيرة.
وأصبح الناس يوم الخميس سلخ الشهر والأحوال مستقيمة وقد نودي في البلدان: لا مؤونة ولا كلفة وقد أمنكم الله على أموالكم وأرواحكم فمن نازعكم أو عارضكم فقد حل ماله ودمه.
متى ولــــد العزيز ؟؟
وكانت ولادة العزيز يوم الخميس رابع عشر المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
انتهى كلام ابن خلكان باختصار رحمه الله.
وقال المختار المسبحي صاحب التاريخ المشهور: قال لي الحاكم وقد جرى ذكر والده العزيز: يا مختار استدعاني والدي قبل موته وهو عاري الجسم وعليه الخرق والضماد يعني كونه كان في الحمام قال: فاستدعاني وقبلني وضمني إليه وقال: واغفي عليك يا حبيب قلبي ودمعت عيناه ثم قال: امض يا سيدي فالعب فأنا في عافية.
قال الحاكم: فمضيت والتهيت بما يلتهي به الصبيان من اللعب إلى أن نقل الله تعالى العزيز إليه.
انتهى كلام المسبحي.
وكان العزيز حازمًا فصيحًا.
وكتابه إلى عضد الدولة بحضرة الخليفة الطائع العباسي يدل على فضل وقوة.
وكان كتابه يتضمن بعد البسملة: من عبد الله ووليه نزار أبي منصور الإمام العزيز بالله أمير المؤمنين إلى عضد الدولة الإمام نصير ملة الإسلام أبي شجاع بن أبي علي.
سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله الصلاة على جده محمد رسول رب العالمين وحجة الله على الخلق أجمعين صلاةً باقيةً ناميةً متصلةً دائمةً بعترته الهادية وذريته الطيبة الطاهرة.
وبعد فإن رسولك وصل إلى حضرة أمير المؤمنين مع الرسول المنفذ إليك فأدى ما تحمله من إخلاصك في ولاء أمير المؤمنين ومودتك ومعرفتك بحق إمامته ومحبتك لآبائه الطائعين الهادين المهديين.
فسر أمير المؤمنين بما سمعه عنك ووافق ما كان يتوسمه فيك وأنك لا تعدل عن الحق.
ثم ذكر كلامًا طويلًا في المعنى إلى أن قال: وقد علمت ما جرى على ثغور المسلمين من المشركين وخراب الشام وضعف أهله وغلاء الأسعار.
ولولا ذلك لتوجه أمير المؤمنين بنفسه إلى الثغور وسوف يقدم إلى الحيرة وكتابه يقدم عليك عن قريب فتأهب إلى الجهاد في سبيل الله.
وفي آخر الكتاب: وكتبه يعقوب بن يوسف فكتب إليه عضد الدولة كتابًا يعترف فيه بفضل أهل البيت ويقر للعزيز أنه من أهل تلك النبعة الطاهرة وأنه في طاعته ويخاطبه بالحضرة الشريفة وما هذا معناه.
انتهى.
قلت: وأنا أتعجب من كون عضد الدولة كان إليه أمر الخليفة العباسي ونهيه ويقع في مثل هذا لخلفاء مصر وقد علم كل أحد ما كان بين بني العباس وخلفاء مصر من الشنآن.
وما أظن عضد الدولة كتب له ذلك إلا عجزًا عن مقاومته فإنه قرأ كتابه في حضرة الخليفة الطائع وأجاب بذلك أيضًا بعلمه فهذا من العجب.
قال الوزير يعقوب بن كلس: سمعت العزيز بالله يقول لعمه حيدرة: يا عم أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة وأرى عليهم الذهب والفضة والجوهر ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار وأن يكون ذلك كله من عندي.
قال المسبحي: وهذا لم يسمع بمثله قط من ملك.
انتهت ترجمة العزيز.
ولما مات رثاه الشعراء بعدة قصائد.
السنة الأولى من ولاية العزيز نزار العبيدي على مصر
وهي سنة ست وستين وثلاثمائة.
وفيها جاء أبو بكر محمد بن علي بن شاهويه صاحب القرامطة ومعه ألف رجل من القرامطة إلى الكوفة وأقام الدعوة بها لعضد الدولة وأسقط خطبة عز الدولة بختيار.
وكان قدومه معونة لعضد الدولة.
بداية أنتشار المذهب الشيعى فى مصر
وفيها عمل في الديار المصرية المأتم في يوم عاشوراء على الحسين بن علي رضي الله عنهما وهو أول ما صنع ذلك بديار مصر.
فدامت هذه السنة القبيحة سنين إلى أن انقرضت دولتهم على ما سيأتي ذكره.
وفيها كانت وقعة بين عز الدولة بن معز الدولة أحمد وبين ابن عمه عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه وقعة هائلة أسر فيها غلام تركي لعز الدولة فاشتد حزنه عليه وامتنع عز الدولة من الأكل والشرب وأخذ في البكاء واحتجب عن الناس وحرم على نفسه الجلوس في الدست وبذل لعضد الدولة في الغلام المذكور جاريتين عوادتين كان قد بذل له في الواحدة مائة ألف درهم فرده عضد الدولة عليه.
وفيها حج بالناس أبو عبد الله أحمد بن أبي الحسين العلوي.
وحجت في السنة جميلة بنت ناصر الدولة بن حمدان ومعها أخواها إبراهيم وهبة الله حجةً ضرب بها المثل وفرقت أموالًا عظيمة منها أنها لما رأت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار وسقت جميع أهل الموسم السويق بالسكر والثلج.
كذا قال أبو منصور الثعالبي. وقتل أخوها هبة الله في الطريق.
وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية وفرقت المال في المجاورين حتى أغنتهم وخلعت على كبار الناس خمسين ألف ثوب.
وكان معها أربعمائة عمارية. ثم ضرب الدهر ضربانه واستولى عضد الدولة بن بويه على أموالها وحصونها فإنه كان خطبها فامتنعت ولم يدع لها شيئًا إلى أن احتاجت وافتقرت. فانظر إلى هذا الدهر كيف يرفع ويضع.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة الثانية من ولاية العزيز نزار وهي سنة سبع وستين وثلاثمائة.
وفيها زادت دجلة في نيسان حتى بلغت إحدى وعشرين ذراعًا فهدمت الدور والشوارع وهرب الناس في السفن وهيأ عضد الدولة الزبازب تحت داره والزبازب هي المراكب الخفيفة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة الثالثة من ولاية العزيز نزار وهي سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
وفيها توفي تميم بن المعز معد العبيدي الفاطمي أخو العزيز هذا صاحب مصر. وكان تميم أميز أولاد المعز وكان فاضلًا جوادًا سمحًا يقول الشعر. وشق موته على أخيه العزيز.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وخمس عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة.
السنة الرابعة من ولاية العزيز نزار وهي سنة تسع وستين وثلاثمائة.
فيها تزوج الخليفة الطائع ببنت عضد الدولة وقد مر ذلك ولكن الأصح في هذه السنة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء.
السنة الخامسة من ولاية العزيز نزار وهي سنة سبعين وثلاثمائة.
وفيها حج بالناس أبو الفتح أحمد بن عمر العلوي وخطب بمكة والمدينة للعزيز هذا صاحب مصر.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراع واحدة. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة السادسة من ولاية العزيز نزار وهي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وإصبعان.
السنة السابعة من ولاية العزيز نزار وهي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة الثامنة من ولاية العزيز نزار وهي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة.
وفيها توفي عبد الله بن محمد بن عثمان بن المختار أبو محمد المزني الواسطي الحافظ كان ثقة مات بواسط.
ومن كلامه قال: الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة: آدم وداود عليهما السلام وأبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال الله تعالى في حق آدم: " إني جاعل في الأرض خليفة " وقال في حق داود: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاثين ألف مسلم كلهم يقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبعان.
السنة التاسعة من ولاية العزيز نزار وهي سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.
مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة العاشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة خمس وسبعين وثلاثمائة
الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشر أصابع.
السنة الحادية عشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة ست وسبعين وثلاثمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإحدى وعشرون إصبعًا.
السنة الثانية عشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
وفيها كان قد هيأ العزيز صاحب مصر عدة شواني لغزو الروم فاحترقت مراكبه فآتهم بها أناسًا.
ثم بعد ذلك وصلت رسل الروم في البحر إلى ساحل القدس بتقادم للعزيز ودخلوا مصر يطلبون الصلح فأجابهم العزيز واشترط شروطًا شديدة التزموا بها كلها منها: أنهم يحلفون أنه لا يبقى في مملكتهم أسير إلا أطلقوه وأن يخطب للعزيز في جامع قسطنطينية كل جمعة وأن يحمل إليه من أمتعة الروم كل ما افترضه عليهم ثم ردهم بعقد الهدنة سبع سنين.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشره ذراعًا وعشر أصابع.
السنة الثالثة عشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.
فيها في المحرم أمر شرف الدولة بأن ترصد الكواكب السبعة في مسيرها وتنقلها في بروجها على مثال ما كان المأمون يفعل وتولى ذلك ابن رستم الكوهي وكان له علم بالهيئة والهندسة وبنى بيتًا في دار المملكة بسبب ذلك في آخر البستان وأقام الرصد لليلتين بقيتا من صفر.
وفيها ولى العزيز صاحب مصر على دمشق منيرًا الخادم وعزل عنها بكتكين التركي لأنه كان وفيها توفي أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد العلوي الدمشقي ويعرف بالعقيقي صاحب الدار المشهورة بدمشق وكان من وجوه الأشراف جوادًا ممدحًا مات بدمشق في جمادى الأولى.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا.
السنة الرابعة عشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة تسع وسبعين وثلاثمائة.
ولما قرىء نسب خلفاء مصر الفاطميين على منبر دمشق استهزأ بهم ونال منهم فبعث ابن كلس وزير العزيز من قبض عليه وحبسه بالإسكندرية إلى أن مات بها.
وفيها توفي الوزير يعقوب بن يوسف بن كلس أبو الفرج وزير العزيز صاحب مصر.
كان يهوديًا من أهل بغداد ثم انتقل إلى الرملة وعمل سمسارًا فانكسر عليه مال فهرب إلى مصر.
وتاجر لكافور الإخشيذي فرأى منه فطنةً فقال: لو أسلم لصلح للوزارة فأسلم فقصده الوزير يوم ذلك فهرب ابن كلس هذا إلى المغرب وترقى إلى أن وزره العزيز صاحب الترجمة سنة خمس وستين وثلاثمائة.
فاستقامت أمور العزيز بتدبيره إلى أن مات.
فلما أشرف على الموت عاده العزيز وغمه أمره.
فقال له العزيز: وددت أنك تباع فأشتريك بملكي أو تفتدى فأفديك بولدي فهل من حاجة توصي بها فبكى ابن كلس وقبل يده وجعلها على عينيه ثم أوصى العزيز بوصايا ومات.
فصلى عليه العزيز وألحده في قبره بيده في قبة في دار العزيز كان بناها العزيز لنفسه وأغلق الدواوين بعده أيامًا.
وقيل: إنه كان حسن إسلامه وقرأ القرآن والنحو وكان يجمع العلماء والفضلاء.
ولما مات خفف شيئًا كثيرًا.
وقيل: إنه كفن وحنط بما قيمته عشرة آلاف دينار قاله الذهبي وغيره من المؤرخين ورثاه مائة شاعر.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا.
السنة السادسة عشرة من ولاية العزيز نزار هي سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع واثنتا عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا.
السنة السابعة عشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع واثنتا عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا.
السنة الثامنة عشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
فيها تزوج الخليفة القادر بالله سكينة بنت بهاء الدولة على صداق مائة ألف دينار فماتت قبل الدخول بها.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وثماني عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإحدى وعشرون إصبعًا.
السنة التاسعة عشرة من ولاية العزيز نزار وهي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع.
السنة العشرون من ولاية العزيز نزار وهي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة
فيها تحركت القرامطة على البصرة فجهز بهاء الدولة إليهم جيشًا فرجعوا عنها.
وفيها زلزلت الدنيا زلزلة عظيمة مات فيها تحت الهم خلق كثير.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا.
**************************************************
وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 74 من 167 ) : " ولما مات المعز واستخلف من بعده ابنه العزيز وورد إلى دمشق: هفتكين الشرابي من بغداد ندب العزيز بالله جوهرًا القائد إلى الشام فخرج إليها بخزائن السلاح والأموال والعساكر العظيمة فنزل على دمشق لثمان بقين من ذي القعدة سنة خمس وستين وثلثمائة فأقام عليها وهو يحارب أهلها إلى أن قدم الحسن بن أحمد القرمطي من الإحساء إلى الشام فرحل جوهر في ثالث جمادى الأولى سنة ست وستين فنزل على الرملة والقرمطي في إثره فهلك وقام من بعده جعفر القرمطي فحارب جوهرًا واشتد الأمر على جوهر وسار إلى عسقلان وحصره هفتكين بها حتى بلغ من الجهد مبلغًا عظيمًا فصالح هفتكين وخرج من عسقلان إلى مصر بعد أن أقام بها وبظاهر الرملة نحوًا من سبعة عشر شهرًا فقدم على العزيز وهو يريد الخروج إلى الشام.
فلما ظفر العزيز بهفتكين واصطنعه في سنة ثمانين وثلثمائة واصطنع منجوتكين التركي أيضًا أخرجه راكبًا من القصر وحده في سنة إحدى وثمانين والقائد جوهر وابن عمار ومن دونهما من أهل الدولة مشاة في ركابه وكانت يد جوهر في يد ابن عمار فزفر ابن عمار زفرة كاد أن ينشق لها وقال: لا حول ولا قو إلا بالله فنزع جوهر يده منه وقال: قد كنت عندي يا أبا محمد أثبت من هذا فظهر منك إنكار في هذا المقام لأحدثنك حديثًا عسى يسليك عما أنت فيه والله ما وقف على هذا الحديث أحد غيري.
لما خرجت إلى مصر وأنفذت إلى مولانا المعز من أسرته ثم حصل في يدي آخرون اعتقلتهم وهم نيف على ثلثمائة أسير من مذكوريهم والمعروفين فيهم فلما ورد مولانا المعز إلى مصر أعلمته بهم فقال: أعرضهم علي واذكر في كل واحد حاله ففعلت وكانفي يده كتاب مجلد يقرأ فيه فجعلت آخذ الرجل من يد الصقالبة وأقدمه إليه وأقول: هذا فلان ومن حاله وحاله فيرفع رأسه وينظر إليه ويقول: يجوز ويعود إلى قراءة ما في الكتاب حتى أحضرت له الجماعة وكان آخرهم غامًا تركيًا فنظر إليه وتأمله ولما ولي أتبعه بصره فلما لم يبق أحد قبلت الأرض وقلت: يا مولانا رأيتك فعلت لما رأيت هذا التركي ما لم تفعله مع من تقدمه فقال: يا جوهر يكون عندك مكتومًا حتى ترى أنه يكون لبعض ولدنا غلام من هذا الجنس تنفق له فتوحات عظيمة في بلاد كثيرة ويرزقه الله على يده ما لم يرزقه أحد منا مع غيره وأنا أظن أنه ذاك الذي قال لي مولانا المعز ولا علينا إلى فتح الله لموالينا على أيدينا أو على يد من كان يا أبا محمد لكل زمان دولة ورجال أنريد نحن أن نأخذ دولتنا ودولة غيرنا لقد أرجل لي مولانا المعز لما سرت إلى مصر أولاده وإخوته وولي عهده وسائر أهل دولته فتعجب الناس من ذلك وها أنا اليوم أمشي راجلًا بين يدي منجوتكين أعزونا وأعزوا بنا غيرنا وبعد هذا فأقول: اللهم قرب أجلي ومدتي فقد أنفت على الثمانين أو أنا فيها فمات في تلك السنة وذلك أنه اعتل فركب إليه العزيز بالله عائدًا أو حمل إليه قبل ركوبه خمسة آلاف دينار ومرتبة مثقل وبعث إليه الأمير منصور بن العزيز بالله خمسة آلاف دينار توفي يوم الاثنين لسبع بقين من ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وثلثمائة فبعث إليه العزيز بالحنوط والكفن وأرسل إليه الأمير منصور بن العزيز أيضًا الكفن وأرسلت إليه السيدة العزيزية الكفن فكفنت في سبعين ثوبًا ما بين مثقل ووشي مذهب وصلى عليه العزيز بالله وخلع على ابنه الحسين وحمله وجعله في مرتبة أبيه ولقبه بالقائد ابن القائد ومكنه من جميع ما خلفه أبوه وكان جوهر عاقلًا محسنًا إلى الناس كاتبًا بليغًا فمن مستحسن توقيعاته على قصة رفعت إليه بمصر: سوء الاجترام أوقع بكم حلول الانتقام وكفر الإنعام أخرجكم من حفظ الذمام فالواجب فيكم ترك الإيجاب واللازم لكم ملازمة الاحتساب لأنكم بدأتم فأسأتم وعدتم فتعديتم فابتداؤكم ملوم وعودكم مذموم وليس بينهما فرجة إلا تقتضي الذم لكم والإعراض عنكم ليرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه رأيه فيكم ولما مات رثاه كثير من الشعراء.
******************************************************************************
حادثــــــــــة حرق الأسطول
المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 131 من 761) : " صناعة المقس : قال ابن أبي طيّ في تاريخه عند ذكر وفاة المعز لدي الله أنه أنشأ دار الصناعة التي بالمقس وأنشأ بها ستمائة مركب لم ير مثلها في البحر على ميناء.
وقال المسبحي: أن العزيز بالله بن المعز هو الذي بنى دار الصناعة التي بالمقس وعمل المراكب التي لم ير مثلها فيما تقدم كبرًا ووثاقة وحسنا.
وقال في حوادث سنة ست وثمانين وثلاثمائة: ووقعت نار في الأسطول وقت صلاة الجمعة لست بقين من شهر ربيع الآخر فأحرقت مس عشاريات وأتت على جميع ما في الأسطول من العدّة والسلاح واتهموا الروم النصارى وكانوا مقيمين بدار ماتك بجوار الصناعة التي بالمقس وحملوا على الروم هم وجموع من العامّة معهم فنبوا أمتعة الروم وتقولا منهم مائة رجل وسبعة رجال وطرحوا جثثهم في الطرقات وأخذ من بقي فحُبس بصناعة المقس ثم حضر عيسى بن نسطورس خليفة أمير المؤمنين العزيز بالله في الأموال ووجهها بديار مصر والشام والحجاز ومعه يانس الصقلبيّ وهو يومئذ خليفة العزيز بالله على القاهرة عند مسيره إلى الشام ومعهما مسعود الصقلبيّ متولي الشرطة وأحضروا الروم من الصناعة فاعترفوا بأنهم الذين أحرقوا الأسطول فكتب بذلك إلى العزيز بالله وهو مبرّز يريج السفر إلى الشام وذكر له في الكتاب خبر من قُتِلَ من الروم وما نُهب وأنه ذهب في النهب ما يبلغ تسعين ألف دينار فطاف أصحاب الشرط في الأسواق بسجل فيها الأمر برد ما نُهب من دار ماتك وغيرها والتوعد لمن ظهر عنده منه شيء وحفظ أبو الحسن يانس البلد وضبط الناس وأمر عيسى بن نسطورس أن يمد للوقت عشرون مركبًا وطرح الخشب وطلب الصناع وبات في الصناعة وجدّ الصناع في العمل وأغلب أحداث الناس وعامّتهم يلعبون برؤوس القتلى ويُجرّون بأرجلهم في الأسواق والشوارع ثم قرنوا بعضهم لى بعض على ساحل النيل بالمقس وأُحرقوا يوم السبت وضرب بالحرس على البلد أن لا يتخلف أحد ممن نهب شيئًا حتى يُحضر ما نهب ويردّه ومن عُلم عليه بشيء أو كتم شيئًا أو جحده أو أخره حلت به العقوبة الشديدة وتتبع من نهب فقبض على عدّة قتل منهم عشرون رجلًا ضربت أعناقهم وضُرب ثلاثة وعشرون رجلًا بالسياط وطيف بهم وفي عنق كلّ واحد راس رجل ممن قُتل من الروم وحبس عدّة أناس وأمر بمن ضُربت أعناقم فصُلبوا عند كوم دينار وردّ المصريون إلى المطبق وكان ضُرب من ضُرب من النهابة وقُتل من قُتل منهم برقاع كتبت لهم تناول كل واحد منهم رقعة فيها مكتوب إما بقتل أو ضرب فأمضى فيهم بحسب ما كان في رقاعهم من قتل أو ضرب واشتدّ الطلب على النهاية فكان الناس يدل بعضهم على بعض فإذا أُخذ أحد ممن اتُهم بالنهب حَلف بالأيمان المغلظة أنه ما بقي عنده شيء.
وجدّ عيسى بن نسطورس في عمل الأسطول وطلب الخشب فلم يدع عند أحد خشبًا علم به إلاّ أخذه منه وتزايد إخراج النهابة لما نهبوه فكانوا يطرحونه في الأزقة والشوارع خوفًا من أن يعرفوا به وحُبس كثير من أحضر شيئًا أو عرف عليه من النهب فلما كان يوم الخميس ثامن جمادى الأولى ضربت أعناقهم كلهم على يد أبي أحمد جعفر صاحب يانس فإنه قدم في عسكر كثير من اليانسية حتى ضربت أعناق الجماعة وأُغلقت الأسواق يومئذ وطاف متولى الشرطة وبين يديه أرباب النفط بعددهم والنار مشتعلة واليانسية ركاب بالسلاح وقد ضرب جماعة وشهرهم بين يديه وهم يُنادي عليهم هذا جزاء من أثار الفتن ونهب حريم أمير المؤمنين فمن نظر فليعتبر فما تُقال لهم عثرة ولا تُرحم لهم عبرة في كلام كثير من هذا الجنس فاشتدّ خوف الناس وعظم فزعهم فلما كان من الغد نودي: معاشر الناس قد آمن الله من أخذ شيئًا أو نهب شيئًا على نفسه وما له فليردّ من بقي عنده شيء من النهب وقد أجلناكم من اليوم إلى مثله وفي سابع جمادى الآخرة نزل ابن نسطورس إلى الصناعة وطرح مركبين في غاية الكبر من التي استعمالها بعد حريق الأسطول وفي غرّة شعبان نزل أيضا وطرح بين يديه أربعة مراكب كبارًا من المنشأة بعد الحريق واتفق موت العزيز بالله وهو سائر إلى الشام في مدينة بلبيس.
===========================================================================