Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وسبعين وأربعمائة سنة سبع وسبعين وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة467 وسنة468
سنة469 وسنة470 وسنة471
من سنة472 إلى سنة473
سنة476 وسنة477
سنة478 وسنة479
سنة480 وسنة481
سنة482
سنة483 وسنة484
سنة485
سنة486 وسنة487

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست وسبعين وأربعمائة
ذكر عزل ابن جهير عن وزارة الخليفة ومسير والده فخر الدولة إلى ديار بكر
(4/316)
في هذه السنة، في صفر، عزل عميد الدولة بن جهير عن وزارة الخليفة، ووصل يوم عزل رسول من السلطان، ونظام الملك، إلى الخليفة يطلبان أن يرسل إليهما بنو جهير، فأذن لهما في ذلك، وساروا بجميع أهلهم ونسائهم إلى السلطان، فصادفوا منه، ومن نظام الملك، الإكرام والاحترام، وعقد السلطان على فخر الدولة بن جهير ديار بكر، وخلع عليه، وأعطاه الكوسات، وسير معه العساكر، وأمره أن يقصدها ويأخذها من بني مروان، وأن يخطب لنفسه، ويذكر اسمه على السكة، فسار إليها.
ولما فارق بنو جهير بغداد رتب في الديوان أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء، وكان قبل ذلك على أبنية الدار وغيرها.
ذكر عصيان أهل حران على شرف الدولة وفتحها
في هذه السنة عصى أهل حران على شرف الدولة مسلم بن قريش، وأطاعوا قاضيهم ابن حلبة، وأرادوا هم وابن عطير النميري تسليم البلد إلى جبنق، أمير التركمان، وكان شرف الدولة على دمشق، يحاصر تاج الدولة تتش بها، فبلغه الخبر، فعاد إلى حران وصالح ابن ملاعب، صاحب حمص، وأعطاه سلمية ورفنية، وبادر بالمسير إلى حران، فحصرها، ورماها بالمنجنيق، فخرب من سورها بدنة، وفتح البلد في جمادى الأولى، وأخذ القاضي ومعه ابنان له، فصلبهم على السور.
ذكر وزارة أبي شجاع محمد بن الحسين للخليفة
في هذه السنة عزل الخليفة أبا الفتح ابن رئيس الرؤساء من النيابة في الديوان، واستوزر أبا شجاع محمد بن الحسين، وخلع عليه خلع الوزراة في شعبان، ولقيه ظهير الدين، ومدحه الشعراء فأكثروا، فحسن مدحه وهنأه أبو المظفر محمد بن العباس الآبيوردي بالقصيدة المشهورة التي أولها:
ها إنها مقل الظباء العين ... فتكت بسر فؤادي المكنون
ومنها:
فانهل أسراب الدموع كأنها ... منح يتابعها ظهير الدين
ذكر قتل أبي المحاسن بن أبي الرضا
في هذه السنة، في شوال، قتل سيد الرؤساء أبو المحاسن بن كمال الملك أبي الرضا، وكان قد قرب من السلطان ملكشاه قرباً عظيماً، كوان أبوه يكتب الطغراء، فقال أبو المحاسن للسلطان: سلم إلي نظام الملك وأصحابه، وأنا أسلم إليك منهم ألف ألف دينار، فإنهم يأكلون الأموال، ويقتطعون الأعمال، وعظم عنده ذخائرهم.
فبلغ ذلك نظام الملك، فعمل سماطاً عظيماً، وأقام عليه مماليكه، وهم ألوف من الأتراك، وأقام خيلهم وسلاحهم على حيالهم، فلما حضر السلطان قال له: إنني قد خدمتك، وخدمت أباك وجدك، ولي حق خدمة، وقد بلغك أخذي لعشر أموالك، وصدق هذا، أنا آخذه وأصرفه إلى هؤلاء الغلمان الذين جمعتهم لك، وأصرفه أيضاً إلى الصدقات، والصلات، والوقوف التي أعظم ذكرها، وشكرها، وأجرها لك، وأموالي، وجميع ما أملكه بين يديك، وأنا أقنع بمرقعة وزاوية. فأمر السلطان بالقبض على أبي المحاسن وأن تسمل عيناه، وأنفذه إلى قلعة ساوة.
وسمع أبوه كمال الملك الخبر، فاستجار بدار نظام الملك، فسلم، وبذل مائتي ألف دينار، وعزل عن الطغراء، ورتب مكانه مؤيد الملك بن نظام الملك.
ذكر استيلاء مالك بن علوي على القيروان وأخذها منه
في هذه السنة جع مالك بن علوي الصخري العرب فأكثر، وسار إلى المهدية فحصرها، فقام الأمير تميم بن المعز قياماً تاماً، ورحله عنها، ولم يظفر منها بشيء، فسار مالك منها إلى القيروان فحصرها وملكها، فجرد إليه تميم العساكر العظيمة، فحصروه بها، فلما رأى مالك أنه لا طاقة له بتميم خرج عنها وتركها، فاستولى عليها عسكر تميم وعادت إلى ملكه كما كانت.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة عم الرخص جميع البلاد، فبلغ كر الحنطة الجيدة ببغداد عشرة دنانير.
وفيها، في جمادى الآخرة، توفي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وأكثر الشعراء مراثيه، فمنهم أبو الحسن الخباز، والبندنيجي، وغيرهما، وكان، رحمة الله عليه، واحد عصره علماً وزهداً وعبادة وسخاء، وصلي عليه في جامع القصر، وجلس أصحابه للعزاء في المدرسة النظامية ثلاثة أيام، ولم يتخلف أحد عن العزاء. (4/317)
وكان مؤيد الملك بن نظام الملك ببغداد، فرتب في التدريس أبا سعد عبد الرحمن بن المأمون المتولي، فلما بلغ ذلك نظام الملك أنكره، وقال: كان يجب أن تغلق المدرسة بعد الشيخ أبي إسحاق سنة، وصلي عليه بباب الفردوس، وهذا لم يفعل على غيره، وصلى عليه الخليفة المقتدي بأمر الله، وتقدم في الصلاة عليه أبو الفتح ابن رئيس الرؤساء، وهو ينوب في الوزارة، ثم صلي عليه بجامع القصر، ودفن بباب أبرز.


ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة
ذكر الحرب بين فخر الدولة بن جهير وابن مروان وشرف الدولة

قد تقدم ذكر مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر السلطانية إلى ديار بكر، فلما كانت هذه السنة سير السلطان إليه أيضاً جيشاً فيهم الأمير أرتق ابن اكسب، وأمرهم بمساعدته.
وكان ابن مروان قد مضى إلى شرف الدولة وسأله نصرته على أن يسلم إليه آمد، وحلف كل واحد لصاحبه، وكل منهما يرى أن صاحبه كاذب لما كان بينهما من العداوة المستحكمة، واجتمعا على حرب فخر الدولة، وسارا إلى آمد، وقد نزل فخر الدولة بنواحيها، فلما رأى فخر الدولة اجتماعهما مال إلى الصلح، وقال: لا أوثر أن يحل بالعرب بلاء على يدي. فعرف التركمان ما عزم عليه، فركبوا ليلاً وأتوا إلى العرب وأحاطوا بهم في ربيع الأول، والتحم القتال واشتد، فانهزمت العرب، ولم يحضر هذه الوقعة الوزير فخر الدولة، ولا أرتق، وغنم التركمان حلل العرب ودوابهم، وانهزم شرف الدولة، وحمى نفسه حتى وصل إلى فصيل آمد، وحصره فخر الدولة ومن معه.
فلما رأى شرف الدولة أنه محصور خاف على نفسه، فراسل الأمير أرتق، وبذل له مالاً، وسأله أن يمن عليه بنفسه، ويمكنه من الخروج من آمد، وكان هو على حفظ الطرق والحصار. فلما سمع أرتق ما بذل له شرف الدولة أذن له في الخروج، فخرج منها في الحادي والعشرين من ربيع الأول، وقصد الرقة، وأرسل إلى أرتق بما كان وعده به، وسار ابن جهير إلى ميافارقين، ومعه من الأمراء الأمير بهاء الدولة منصور بن مزيد، وابنه سيف الدولة صدقة، ففارقوه، وعادوا إلى العراق، وسار فخر الدولة إلى خلاط.
ولما استولى العسكر السلطاني على حلل العرب، وغنموا أموالهم، وسبوا حريمهم، بذل سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد الأموال، وافتك أسرى بني عقيل ونساءهم وأولادهم وجهزهم جميعهم وردهم إلى بلادهم، ففعل أمراً عظيماً، وأسدى مكرمة شريفة، ومدحه الشعراء في ذلك فأكثروا، فمنهم محمد بن خليفة السنبسي يذكر ذلك في قصيدة:
كما أحرزت شكر بني عقيل ... بآمد يوم كظهم الحذار
غداة رمتهم الأتراك طراً ... بشهب في حوافلها ازورار
فما جبنوا، ولكن فاض بحر ... عظيم لا تقاومه البحار
فحين تنازلوا تحت المنايا، ... وفيهن الرزية والدمار
مننت عليهم، وفككت عنهم، ... وفي أثناء حبلهم انتشار
ولولا أنت لم ينفك منهم ... أسير، حين أعلقه الإسار
في أبيات كثيرة، وذكرها أيضاً البندنيجي فأحسن، ولولا خوف التطويل لذكرت أبياته.
ذكر استيلاء عميد الدولة على الموصل
لما بلغ السلطان أن شرف الدولة انهزم وحصر بآمد لم يشك في أسره، فخلع على عميد الدولة بن جهير، وسيره في جيش كثيف إلى الموصل، وكاتب أمراء التركمان بطاعته، وسير معه من الأمراء آقسنقر، قسيم الدولة، جد ملوكنا أصحاب الموصل، وهو الذي أقطعه السلطان بعد ذلك حلب.
وكان الأمير أرتق قد قصد السلطان، فعاد صحبة عميد الدولة من الطريق. فسار عميد الدولة حتى وصل إلى الموصل، فأرسل إلى أهلها يشير عليهم بطاعة السلطان وترك عصيانه، ففتحوا له البلد وسلموه إليه، وسار السلطان بنفسه وعساكره إلى بلاد شرف الدولة ليملكها، فأتاه الخبر بخروج أخيه تكش بخراسان، على ما نذكره. (4/318)
ورأى شرف الدولة قد خلص من الحصر، فأرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة، وهو مقابل الرحبة، فأعطاه العهود والمواثيق، وأحضره عند السلطان، وهو بالبوازيج، فخلع عليه آخر رجب، وكانت أمواله قد ذهبت، فاقترض ما خدم به، وحمل للسلطان خيلاً رائقة، من جملتها فرسه بشار، وهو فرسه المشهور الذي نجا عليه من المعركة، ومن آمد أيضاً، وكان سابقاً لا يجارى، فأمر السلطان بأن يسابق به الخيل، فجاء سابقاً، فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب.
وأرسل الخليفة النقيب طراداً الزينبي في لقاء شرف الدولة، فلقيه بالموصل، فزاد أمر شرف الدولة قوة، وصالحه السلطان، وأقره على بلاده، وعاد إلى خراسان لحرب أخيه.
ذكر عصيان تكش على السلطان ملكشاه
قد تقدم ذكره، وذكر مصالحته للسلطان، فلما كان الآن، ورأى بعد السلطان عنه عاود العصيان، وكان أصحابه يؤثرون الاختلاط، فحسنوا له مفارقة طاعة أخيه، فأجابهم، وسار معهم، فملك مرو الروذ وغيرها إلى قلعة تقارب سرخس وهي لمسعود ابن الأمير ياخز، وقد حصنها جهده، فحصروه بها، ولم يبق غير أخذها منه.
فاتفق أبو الفتوح الطوسي، صاحب نظام الملك، وهو بنيسابور، وعميد خراسان، وهو أبو علي، على أن يكتب أبو الفتوح ملطفاً إلى مسعود بن ياخز، وكان خط أبي الفتوح أشبه شيء بخط نظام الملك، يقول فيه: كتبت هذه الرقعة من الري يوم كذا، ونحن سائرون من الغد نحوك، فاحفظ القلعة، ونحن نكبس العدو في ليلة كذا. واستدعيا فيجاً يثقون به، وأعطياه دنانير صالحة، وقالا: سر نحو مسعود، فإذا وصلت إلى المكان الفلاني فأقم به ونم وأخف هذا الملطف في بعض حيطانه، فستأخذك طلائع تكش، فلا تعترف لهم حتى يضربوك، فإذا فعلوا ذلك وبالغوا فأخرجه لهم وقل إنك فارقت السلطان بالري ولك منا الحباء والكرامة.
ففعل ذلك، وجرى الأمر على ما وصفا، وأحضر بين يدي تكش وضرب، وعرض على القتل، فأظهر الملطف وسلمه إليهم، وأخبرهم أنه فارق السلطان ونظام الملك بالري في العساكر، وهو سائر، فلما وقفوا على الملطف، وسمعوا كلام الرجل، وساروا من وقتهم، وتركوا خيامهم ودوابهم، والقدور على النار، فلم يصبروا على ما فيها، وعادوا إلى قلعة ونج. وكان هذا من الفرج العجيب. فنزل مسعود وأخذ ما في المعسكر، وورد السلطان إلى خراسان بعد ثلاثة أشهر، ولولا هذا الفعل لنهب تكش إلى باب الري.
ولما وصل السلطان قصد تكش وأخذه، وكان قد حلف له بالأيمان أنه لا يؤذيه، ولا يناله منه مكروه، فأفتاه بعض من حضر بأن يجعل الأمر إلى ولده أحمد، ففعل ذلك، فأمر أحمد بكحله، فكحل وسجن.
ذكر فتح سليمان بن قتلمش أنطاكية
في هذه السنة سار سليمان بن قتلمش، صاحب قونية وأقصروا وأعمالها من بلاد الروم، إلى الشم، فملك مدينة أنطاكية من أرض الشام، وكانت بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
وسبب ملك سليمان المدينة أن صاحبها الفردوس الرومي كان قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتب بها شحنة، وكان الفردوس مسيئاً إلى أهلها، وإلى جنده أيضاً، حتى إنه حبس ابنه، فاتفق ابنة والشحنة على تسليم البلد إلى سليمان بن قتلمش، وكاتبوه يستدعونه، فركب البحر في ثلاثمائة فارس وكثير من الرجالة، وخرج منه، وسار في جبال وعرة، ومضايق شديدة، حتى وصل إليها للموعد، فنصب السلاليم، باتفاق من الشحنة ومن معه، وصعد السور، واجتمع بالشحنة وأخذ البلد في شعبان، فقاتله أهل البلد، فهزمهم مرة بعد أخرى، وقتل كثيراً من أهلها، ثم عفا عنهم، وتسلم القلعة المعروفة بالقسيان، وأخذ من الأموال ما يجاوز الإحصاء، وأحسن إلى الرعية، وعدل فيهم وأمرهم بعمارة ما خرب، ومنع أصحابه من النزول في دورهم ومخالطتهم.
ولما ملك سليمان أنطاكية أرسل إلى السلطان ملكشاه يبشره بذلك، وينسب هذا الفتح إليه لأنه من أهله، وممن يتولى طاعته، فأظهر ملكشاه البشارة به، وهنأه الناس، فممن قال فيه الآبيوردي من قصيدة مطلعها:
لمعت كناصية الحصان الأشقر ... نار بمعتلج الكثيب الأعفر
وفتحت أنطاكية الروم التي ... نشرت معاقلها على الإسكندر
وطئت مناكبها جيادك، فانثنت ... تلقي أجنتها بنات الأصفر
وهي طويلة.
ذكر قتل شرف الدولة وملك أخيه إبراهيم
قد تقدم ذكر ملك سليمان بن قتلمش مدينة أنطاكية، فلما أرسل إليه شرف الدولة مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمله إليه الفردوس من المال، ويخوفه معصية السلطان، فأجابه: أما طاعة السلطان، فهي شعاري، ودثاري، والخطبة له، والسكة في بلادي، وقد كاتبته بما فتح الله على يدي بسعادته من هذا البلد، وأعمال الكفار.
وأما المال الذي كان يحمله صاحب أنطاكية قبلي، فهو كان كافراً، وكان يحمل جزية رأسه وأصحابه، وأنا بحمد الله مؤمن، ولا أحمل شيئاً. فنهب شرف الدولة بلد أنطاكية، فنهب سليمان أيضاً بلد حلب، فلقيه أهل السواد يشكون إليه نهب عسكره، فقال: أنا كنت أشد كراهية لما يجري، ولكن صاحبكم أحوجني إلى ما فعلت، ولم تجر عادتي بنهب مال مسلم، ولا أخذ ما حرمته الشريعة. وأمر أصحابه بإعادة ما أخذوه منهم فأعاده.
ثم إن شرف الدولة جمع الجموع من العرب والتركمان، وكان ممن معه جبق أمير التركمان في أصحابه، وسار إلى أنطاكية ليحصرها. فلما سمع سليمان الخبر جمع عساكره وسار إليه، فالتقيا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف من أعمال أنطاكية، واقتتلوا، فمال تركمان جبق إلى سليمان، فانهزمت العرب، تبعهم شرف الدولة منهزماً، فقتل بعد أن صبر، وقتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب، وكان قتله يوم الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وذكرته هاهنا لتتبع الحادثة بعضها بعضاً.
وكان أحول، وكان قد ملك من السندية التي على نهر عيسى إلى منبج من الشام، وما والاها من البلاد، وكان في يده ديار ربيعة ومضر من أرض الجزيرة والموصل وحلب، وما كان لأبيه وعمه قرواش، وكان عادلاً حسن السيرة، والأمن في بلاده عام، والرخص شامل، وكان يسوس بلاده سياسة عظيمة بحيث يسير الراكب والراكبان فلا يخافان شيئاً. وكان له في كل بلد وقرية عامل، وقاض، وصاحب خبر، بحيث لا يتعدى أحد على أحد.
ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش، وهو محبوس، فأخرجوه وملكوه أمرهم، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث أنه لم يمكنه المشي والحركة لما أخرج، ولما قتل شرف الدولة سار سليمان بن قتلمش إلى حلب فحصرها مستهل ربيع الأول سنة ثمان وسبعين، فأقام عليها إلى خامس ربيع الآخر من السنة، فلم يبلغ منها غرضاً، فرحل عنها.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في صفر، انقض كوكب من المشرق إلى المغرب، كان حجمه كالقمر وضوءه كضوئه، وسار مدى بعيداً على مهل وتؤدة، في نحو ساعة، ولم يكن له شبيه من الكواكب.
وفيها ولد السلطان سنجر بن ملكشاه في الخامس والعشرين من رجب، بمدينة سنجار من أرض الجزيرة مقارب الموصل بينهما يومان، عند نزول السلطان بها، وسماه أحمد، وإنما قيل له سنجر باسم المدينة التي ولد فيها، وأمه أم ولد.
وفي هذه السنة، في جمادى الأولى، توفي الشيخ أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ، الفقيه الشافعي، صاحب الشامل والكامل، وكفاية المسائل وغيرها من التصانيف، بعد أن أضر عدة سنين، وكان مولده سنة أربعمائة، والقاضي أبو عبد الله الحسين بن علي البغداذي المعروف بابن البقال، وهو من شيوخ أصحاب الشافعي، وكان إليه القضاء بباب الأزج، وحج لما انقطع الحج على سبيل التجريد، وإسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم أبو القاسم الإسماعيلي، الجرجاني، ومولده سنة أربع وأربعمائة، وكان إماماً فقيهاً شافعياً، محدثاً، أدبياً، وداره مجمع العلماء.

This site was last updated 07/27/11