Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

من سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة إلى سنة خمس وسبعين وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة467 وسنة468
سنة469 وسنة470 وسنة471
من سنة472 إلى سنة473
سنة476 وسنة477
سنة478 وسنة479
سنة480 وسنة481
سنة482
سنة483 وسنة484
سنة485
سنة486 وسنة487

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة
ذكر فتوح إبراهيم صاحب غزنة في بلاد الهند

في هذه السنة غزا الملك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فحصر قلعة أجود، وهي على مائة وعشرين فرسخاً من لهاوور، وهي قلعة حصينة، في غاية الحصانة، كبيرة، تحوي عشرة آلاف رجل من المقاتلة، فقاتلوه، وصبروا تحت الحصر، وزحف إليهم غير مرة، فرأوا من شدة حربه ما ملأ قلوبهم خوفاً ورعباً، فسلموا القلعة إليه في الحادي والعشرين من صفر هذه السنة.
وكان في نواحي الهند قلعة يقال لها قلعة روبال، على رأس جبل شاهق، وتحتها غياض أشبة، وخلفها البحر، وليس عليها قتال إلا من مكان ضيق، وهو مملوء بالفيلة المقاتلة، وبها من رجال الحرب ألوف كثيرة، فتابع عليهم الوقائع، وألح عليهم بالقتال بجميع أنواع الحرب، وملك القلعة، واستنزلهم منها. (4/312)
وفي موضع يقال له دره نوره أقوام من أولاد الخراسانيين الذين جعل أجدادهم فيها أفراسياب التركي من قديم الزمان، ولم يتعرض إليهم أحد من الملوك، فسار إليهم إبراهيم، ودعاهم إلى الإسلام أولاً، فامتنعوا من إجابته، وقاتلوه، فظفر بهم، وأكثر القتل فيهم، وتفرق من سلم في البلاد، وسبى واسترق من النسوان والصبيان مائة ألف. وفي هذه القلعة حوض للماء يكون قطره نحو نصف فرسخ لا يدرك قعره، يشرب منه أهل القلعة ما عندهم من دابة، ولا يظهر فيه نقص.
وفي بلاد الهند موضع يقال له وره، وهو بر بين خليجين، فقصده الملك إبراهيم، فوصل إليه في جمادى الأولى، وفي طريقه عقبات كثيرة، وفيها أشجار ملتفة، فأقام هناك ثلاثة أشهر ولقي الناس من الشتاء شدة، ولم يفارق الغزوة حتى أنزل الله نصره على أوليائه، وذله على أعدائه، وعاد إلى غزنة سالماً مظفراً.
هذه الغزوات لم أعرف تاريخها، وأما الأولى فكانت هذه السنة، فلهذا أوردتها متتابعة في هذه السنة.
ذكر ملك شرف الدولة مسلم مدينة حلب
في هذه السنة ملك شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي، صاحب الموصل، مدينة حلب.
وسبب ذلك أن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان حصرها مرة بعد أخرى، فاشتد الحصار بأهلها، وكان شرف الدولة يواصلهم بالغلات وغيرها.
ثم إن تتش حصرها هذه السنة، وأقام عليها أياماً ورحل عنها وملك بزاعة والبيرة، وأحرق ربض عزاز، وعاد إلى دمشق.
فلما رحل عنها تاج الدولة استدعى أهلها شرف الدولة ليسلموها إليه، فلما قاربها امتنعوا من ذلك، وكان مقدمهم يعرف بابن الحتيتي العباسي، فاتفق أن ولده خرج يتصيد بضيعة له، فأسره أحد التركمان، وهو صاحب حصن بنواحي حلب، وأرسله إلى شرف الدولة، فقرر معه أن يسلم البلد إليه إذا أطلقه، فأجاب إلى ذلك، فأطلقه، فعاد إلى حلب، واجتمع بأبيه، وعرفه ما استقر، فأذعن إلى تسليم البلد، ونادى بشعار شرف الدولة، وسلم البلد إليه، فدخله سنة ثلاث وسبعين، وحصر القلعة، واستنزل منها سابقاً ووثاباً ابني محمود بن مرداس، فلما ملك البلد أرسل ولده، وهو ابن عمة السلطان، إلى السلطان يخبره بملك البلد، وأنفذ معه شهادة فيها خطوط المعدلين بحلب بضمانها، وسأل أن يقرر عليه الضمان، فأجابه السلطان إلى ما طلب، وأقطع ابن عمته مدينة بالس.
ذكر مسير ملكشاه إلى كرمان
في أول هذه السنة سار السلطان ملكشاه إلى بلاد كرمان، فلما سمع صاحبها سلطانشاه بن قاورت بك، وهو ابن عم السلطان، بوصوله إليه خرج إلى طريقه ولقيه وحمل له الهدايا الكثيرة، وخدمه، وبالغ في الخدمة، فأقره السلطان على البلاد، وأحسن إليه، وعاد عنه في المحرم سنة ثلاث وسبعين إلى أصبهان.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ولد للخليفة المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين ولد سماه موسى، وكناه أبا جعفر، وزينت بغداد سبعة أيام.
وفيها وصل السلطان ملكشاه إلى خوزستان متصيداً، فوصل معه خمارتكين وكوهرائين وكانا يسعيان في قتل ابن علان اليهودي، ضامن البصرة، وكان ملتجئاً إلى نظام الملك، وكان بين نظام الملك وبين خمارتكين الشرابي وكوهرائين عداوة، فسعيا باليهودي لذلك، فأمر السلطان بتغريقه فغرق، وانقطع نظام الملك عن الركوب ثلاثة أيام، وأغلق بابه، ثم أشير عليه بالركوب فركب، وعمل للسلطان دعوة عظيمة قدم له فيها أشياء كثيرة، وعاتبه على فعله، فاعتذر إليه.
وكان أمر اليهودي قد عظم إلى حد أن زوجته توفيت، فمشى خلف جنازتها كل من في البصرة، إلا القاضي، وكان له نعمة عظيمة، وأموال كثيرة، فأخذ السلطان منه مائة ألف دينار، وضمن خمارتكين البصرة كل سنة بمائة ألف دينار ومائة فرس.
وفيها زادت الفرات تسع أذرع، فخربت بعض دواليب هيت، وخربت فوهة نهر عيسى، وزادت تامراً نيفاً وثلاثين ذراعاً، وعلا على قنطرتي طراستان وخانقين الكسرويتين فقطعهما.
وفيها، في ذي الحجة، توفي نصر بن مروان، صاحب ديار بكر، وملك بعده ابنه منصور ، ودبر دولته ابن الأنباري.
وفيها توفي أبو منصور محمد بن عبد العزيز العكبري، ومولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وهو من المحدثين المعروفين، وكان صدوقاً، ومحمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور أبو بكر بن أبي القاسم الطبري اللالكائي وولد سنة تسع وأربعمائة، وحدث عن هلال الحفار وغيره، وتوفي في جمادى الأولى.(4/313)
وفيها توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن حيوس الشاعر المشهور، وحدث عن جده لأمه القاضي أبي نصر محمد بن هارون بن الجندي.


ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة
ذكر استيلاء تكش على بعض خراسان وأخذها منه

في هذه السنة، في شعبان، سار السلطان ملكشاه إلى الري، وعرض العسكر، فأسقط منهم سبعة آلاف رجل لم يرض حالهم، فمضوا إلى أخيه تكش، وهو ببوشنج، فقوي بهم، وأظهر العصيان على أخيه ملكشاه، واستولى على مرو الروذ، ومرو الشاهجان، وترمذ، وغيرها، وسار إلى نيسابور طامعاً في ملك خراسان.
وقيل إن نظام الملك قال للسلطان لما أمر بإسقاطهم: إن هؤلاء ليس فيهم كاتب، ولا تاجر، ولا خياط، ولا من له صنعة غير الجندية، فإذا أسقطوا لا نأمن أن يقيموا منهم رجلاً ويقولوا هذا السلطان، فيكون لنا منهم شغل، ويخرج عن أيدينا أضعاف ما لهم من الجاري إلى أن نظفر بهم. فلم يقبل السلطان قوله، فلما مضوا إلى أخيه وأظهر العصيان ندم على مخالفة وزيره حيث لم ينفع الندم.
واتصل خبره بالسلطان ملكشاه، فسار مجداً إلى خراسان، فوصل إلى نيسابور قبل أن يستولي تكش عليها، فلما سمع تكش بقربه منها سار عنها، وتحصن بترمذ، وقصده السلطان، فحصره بها، وكان تكش قد أسر جماعة من أصحاب السلطان، فأطلقهم، واستقر الصلح بينهما، ونزل تكش إلى أخيه السلطان ملكشاه، ونزل عن ترمذ.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة تسلم مؤيد الملك بن نظام الملك تكريت من صاحبها المهرباط.
وفيها توفي أبو علي بن شبل الشاعر المشهور، ومن شعره في الزهد:
أهم بترك الذنب ثم يردني ... طموح شباب بالغرام موكل
فمن لي إذا أخرت ذا اليوم توبة ... بأن المنايا لي إلى الشيب تمهل
أأعجز ضعفاً عن أدا حق خالقي، ... وأحمل وزراً فوق ما يتحمل
وفيها أيضاً توفي العميد أبو منصور بالبصرة.
وفيها توفي عبد السلام بن أحمد بن محمد أبو الفتح الصوفي من أهل فارس، سافر الكثير، وسمع الحديث بالعراق، والشام، ومصر، وأصبهان وغيرها، وكانت وفاته بفارس، ويوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن أبو الهيثم التفكري، الزنجاني، ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وسمع من أبي نعيم الحافظ وغيره، وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأدرك أبا الطيب الطبري، وكان من العلماء العاملين، المشتغلين بالعبادة.


ثم دخلت سنة أربع وسبعين وأربعمائة
ذكر خطبة الخليفة ابنة السلطان ملكشاه

في هذه السنة أرسل الخليفة الوزير فخر الدولة أبا نصر بن جهير إلى السلطان يخطب ابنته لنفسه، فسار فخر الدولة إلى أصبهان، إلى السلطان يخطب ابنته، فأمر نظام الملك أن يمضي معه إلى خاتون زوجة السلطان في المعنى، فمضيا إليها فخاطباها، فقالت إن ملك غزنة وملوك الخانية بما وراء النهر طلبوها، وخطبوها لأولادهم، وبذولوا أربع مائة دينار، فإن حمل الخليفة هذا المال فهو أحق منهم. فعرفتها أرسلان خاتون التي كانت زوجت القائم بأمر الله ما يحصل لها من الشرف والفخر بالاتصال بالخليفة، وأن هؤلاء كلهم عبيده وخدمه، ومثل الخليفة لا يطلب منه المال، فأجابت إلى ذلك، وشرطت أن يكون الحمل المعجل خمسين ألف دينار، وأنه لا يبقي له سرية ولا زوجة غيرها، فأجيبت إلى ذلك، فأعطى السلطان يده، وعاد فخر الدولة إلى بغداد.
ذكر وفاة نور الدولة بن مزيد وإمارة ولده منصور
في هذه السنة، في شوال، توفي نور الدولة أبو الأغر دبيس بن علي بن مزيد الأسدي بمطيراباذ، وكان عمره ثمانين سنة، وإمارته سبعاً وخمسين سنة، وما زال ممدحاً في كل زمان مذكوراً بالتفضل والإحسان، ورثاه الشعراء فأكثروا، وولي بعده ما كان إليه ابنه أبو كامل منصور، ولقبه بهاء الدولة، فأحسن السيرة، واعتمد الجميل، وسار إلى السلطان ملكشاه في ذي القعدة، واستقر له الأمر، وعاد في صفر سنة خمس وسبعين وخلع الخليفة أيضاً عليه.
ذكر محاصرة تميم بن المعز مدينة قابس
في هذه السنة حصر الأمير تميم بن المعز بن باديس، صاحب إفريقية، مدينة قابس حصاراً شديداً، وضيق على أهلها، وعاث عساكره في بساتينها المعروفة بالغابة، فأفسدوها.
ذكر عدة حوادث (4/314)
في هذه السنة سار تتش، بعد عود شرف الدولة عن دمشق، وقصد الساحل الشامي، فافتتح أنطرطوس، وبعضاً من الحصون، وعاد إلى دمشق.
وفيها ملك شرف الدولة، صاحب الموصل، مدينة حران، وأخذها من بني وثاب النميريين، وصالحه صاحب الرها، ونقش السكة باسمه.
وفيها سد ظفر القائمي بثق نهر عيسى، وكان خراباً منذ ثلاث وعشرين سنة، وسد مراراً، وتخرب إلى أن سده ظفر.
وفيها أرسل السلطان إلى بغداد ليخرج الوزير أبو شجاع الذي وزر للخليفة بعد بني جهير، فأرسله الخليفة إلى نظام الملك، وسير معه رسولاً، وكتب معه إلى نظام الملك كتاباً بخطه، يأمره بالرضا عن أبي شجاع، فرضي عنه وأعاده إلى بغداد.
وفيها مات ابن السلطان ملكشاه، واسمه داود، فجزع عليه جزعاً شديداً، وحزن حزناً عظيماً، ومنع من أخذه وغسله، حتى تغيرت رائحته، وأراد قتل نفسه مرات، فمنعه خواصه، ولما دفن لم يطق المقام، فخرج يتصيد، وأمر بالنياحة عليه في البلد، ففعل ذلك عدة أيام، وجلس له وزير الخليفة في العزاء ببغداد.
وفيها توفي عبد الله بن أحمد بن رضوان أبو القاسم، وهو من أعيان أهل بغداد، وكان مرضه شقيقة، وبقي ثلاث سنين في بيت مظلم لا يقدر يسمع صوتاً ولا يبصر ضوءاً.
وفيها، في ذي الحجة، توفي أبو محمد بن أبي عثمان المحدث، وكان صالحاً، يقريء القرآن بمسجده بنهر القلائين.
وتوفي علي بن أحمد بن علي بو القاسم البسري البندار، ومولده سنة ست وثمانين وثلاثمائة، سمع المخلص وغيره، وكان ثقة صالحاً.
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عقيل بن حبش القرشي، النحوي.


ثم دخلت سنة خمس وسبعين وأربعمائة
ذكر وفاة جمال الملك بن نظام الملك

في هذه السنة، في رجب، توفي جمال الملك منصور بن نظام الملك، وورد الخبر بوفاته إلى بغداد في شعبان، فجلس أخوه مؤيد الملك للعزاء، وحضر فخر الدولة بن جهير، وابنه عميد الملك، معزيين، وأرسل الخليفة إليه في اليوم الثالث فأقامه من العزاء.
وكان سبب موته أن مسخرة كان للسلطان ملكشاه يعرف بجعفرك يحاكي نظام الملك، ويذكره في خلواته مع السلطان، فبلغ ذلك جمال الملك، وكان يتولى مدينة بلخ وأعمالها، فسار من وقته يطوي المراحل إلى والده والسلطان، وهما بأصبهان، فاستقبله أخواه، فخر الملك ومؤيد الملك، فأغلظ لهما القول في إغضائهما على ما بلغه عن جعفرك، فلما وصل إلى حضرة السلطان في هذا الجمع! فلما خرج من عند السلطان أمر بالقبض على جعفرك، وأمر بإخراج لسانه من قفاه وقطعه فمات.
ثم سار مع السلطان وأبيه إلى خراسان، وأقاموا بنيسابور مدة، ثم أرادوا العود إلى أصبهان، وتقدمهم نظام الملك، فأحضر السلطان عميد خراسان، وقال له: أيما أحب لك رأسك أم رأس جمال الملك؟ فقال: بل رأسي. فقال: لئن لم تعمل في قتله لأقتلنك. فاجتمع بخادم يختص بخدمة جمال الملك، وقال له سراً: الأولى أن تحفظوا نعمتكم، ومناصبكم، وتدبر في قتل جمال الملك، فإن الس يريد أن يأخذه ويقتله، ولأن تقتلوه أنتم سراً أصلح لكم من أن يقتله الس ظاهراً. فظن الخادم أن ذلك صحيح، فجعل له سماً في كوز فقاع، فطلب جمال الملك فقاعاً، فأعطاه الخادم ذلك الكوز، فشربه فمات، فلما علم الس بموته سار مجداً، حتى لحق نظام الملك، فأعلمه بموت ابنه، وعزاه، وقال: أنا ابنك، وأنت أولى من صبر واحتسب.
ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة
ورد إلى بغداد، هذه السنة، الشريف أبو القاسم البكري، المغربي، الواعظ، وكان أشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك، فأحبه ومال إليه، وسيره إلى بغداد، وأجرى عليه الجراية الوافرة، فوعظ بالمدرسة النظامية، وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم، ويقول: " وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا " ، والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا.
ثم إنه قصد يوماً دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني بنهر القلائين، فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة، وكثر جمعه، فكبس دور بني الفراء، وأخذ كتبهم، وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى، فكان يقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ، فيشنع به عليهم، وجرى له معهم خصومات وفتن. ولقب البكري من الديوان بعلم السنة، ومات ببغداد، ودفن عند قبر أبي الحسن الأشعري.
ذكر مسير الشيخ أبي إسحاق إلى السلطان في رسالة (4/315)
في هذه السنة، في ذي الحجة، أوصل الخليفة المقتدي بأمر الله الشيخ أبا إسحاق الشيرازي إلى حضرته، وحمله رسالة إلى الس ملكشاه، ونظام الملك، تتضمن الشكوى من العميد أبي الفتح بن أبي الليث، عميد العراق، وأمره أن ينهي ما يجري على البلاد من النظار. فسار فكان كلما وصل إلى مدينة من بلاد العجم يخرج أهلها إليه بنسائهم وأولادهم يتمسحون بركابه، ويأخذون تراب بغلته للبركة.
وكان في صحبته جماعة من أعيان بغداد منهم الإمام أبو بكر الشاشي وغيره.
ولما وصل إلى ساوة خرج جميع أهلها، وسأله فقهاؤها كل منهم أن يدخل بيته، فلم يفعل، ولقيه أصحاب الصناعات، ومعهم ما ينثرونه على محفته، فخرج الخبازون ينثرون الخبز، وهو ينهاهم، فلم ينتهوا، وكذلك أصحاب الفاكهة، والحلواء، وغيرهم، وخرج إليه الأساكفة، وقد عملوا مداسات لطافاً تصلح لأرجل الأطفال، ونثروها، فكانت تسقط على رؤوس الناس، فكان الشيخ يتعجب، ويذكر ذلك لأصحابه بعد رجوعه، ويقول: ما كان حظكم من ذلك النثار؟ فقال له بعضهم: ما كان حظ سيدنا منه. فقال: أما أنا فغطيت بالمحفة، وهو يضحك. فأكرمه الس ونظام الملك. وجرى بينه وبين إمام الحرمين أبي المعالي الجويني مناظرة بحضرة نظام الملك، وأجيب إلى جميع ما التمسه، ولما عاد أهين العميد، وكسر عما كان يعتمده، ورفعت يده عن جميع ما يتعلق بحواشي الخليفة.
ولما وصل الشيخ إلى بسطام خرج إليه السهلكي، شيخ الصوفية بها، وهو شيخ كبير، فلما سمع الشيخ أبو إسحاق بوصوله خرج إليه ماشياً، فلما رآه السهلكي ألقى نفسه من دابة كان عليها، وقبل يد الشيخ أبي إسحاق، فقبل أبو إسحاق رجله، وأقعده موضعه، وجلس أبو إسحاق بين يديه، وأظهر كل واحد منهما من تعظيم صاحبه كثيراً، وأعطاه شيئاً من حنطة ذكر أنها من عهد أبي يزيد البسطامي، ففرح بها ابو إسحاق.
ذكر حصر شرف الدولة دمشق وعوده عنها
في هذه السنة جمع تاج الدولة تتش جمعاً كثيراً، وسار عن بغداد، وقصد بلاد الروم: أنطاكية وما جاورها، فسمع شرف الدولة، صاحب حلب، الخبر، فخافه، فجمع أيضاً العرب من عقيل، والأكراد، وغيرهم، فاجتمع معه جمع كثير، فراسل الخليفة بمصر يطلب منه إرسال نجدة إليه ليحصر دمشق، فوعده ذلك فسار إليها. فلما سمع تتش الخبر عاد إلى دمشق، فوصلها أول المحرم سنة ست وسبعين سنة، ووصل شرف الدولة أواخر المحرم، وحصر المدينة وقاتله أهلها.
وفي بعض الأيام خرج إليه عسكر دمشق وقاتلوه، وحمل على عسكره حملة صادقة، فانكشفوا وتضعضعوا، وانهزمت العرب، وثبت شرف الدولة، وأشرف على الأسر، وتراجع إليه أصحابه، فلما رأى شرف الدولة ذلك، ورأى أيضاً أن مصر لم يصل إليه منها عسكر، وأتاه عن بلاده الخبر أن أهل حران عصوا عليه رحل عن دمشق إلى بلاده، وأظهر أنه يريد البلاد بفلسطين، فرحل أولاً إلى مرج الصفر، فارتاع أهل دمشق وتتش واضطربوا، ثم إنه رحل من مرج الصفر مشرقاً في البرية وجد في مسيره، فهلك من المواشي الكثير مع عسكره، ومن الدواب شيء كثير، وانقطع خلق كثير.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة قدم مؤيد الملك بن نظام الملك إلى بغداد من أصبهان، فخرج عميد الدولة بن جهير إلى لقائه، ونزل بالمدرسة النظامية، وضرب على بابه الطبول، أوقات الصلوات الثلاث، فأعطي مالاً جليلاً حتى قطعه، وأرسل الطبول إلى تكريت.
وفيها توفي أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني، في جمادى الآخرة، بأصبهان، وكان حافظاً فاضلاً، والأمير أبو نصر علي بن الوزير أبي القاسم هبة الله بن علي بن جعفر بن ماكولا، مصنف كتاب الإكمال، ومولده سنة عشرين وأربعمائة، وكان فاضلاً حافظاً، قتله مماليكه الأتراك بكرمان، وأخذوا ماله.

This site was last updated 07/27/11