Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة خمس وخمسين ومائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة252
سنة253
سنة254
سنة255

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة خمس وخمسين ومائتين
ذكر استيلاء يعقوب بن الليث الصفار على كرمان

وفيها استولى يعقوب بن الليث الصفار على كرمان؛ وسبب ذلك أن علي ابن الحسين بن شبل كان على فارس، فكتب إلى المعتز يطلب كرمان، ويذكر عجز الطاهرية، وأن يعقوب قد غلبهم على سجستان، وكان علي بن الحسين قد تباطأ بحمل خراج فارس، فكتب إليه المعتز بولاية كرمان، وكتب إلى يعقوب ابن الليث بولايتها أيضأن يلتمس إغراء كل واحد منهما بصاحبه ليسقط مؤونة الهالك عنه، وينفرد بالآخر.
وكان كل واحد منهما يظهر طاعة لا حقيقة لهأن والمعتز يعلم ذلك منهمأن فأرسل علي بن الحسين طوق بن المغلس إلى كرمان، وسار يعقوب إليهأن فسبقه طوق واستولى عليهأن وأقبل يعقوب حتى بقي بينه وبين كرمان مرحلة، فأقام بها شهرين لا يتقدم إلى طوق، ولا طوق يخرج إليه، فلما طال ذلك عليه أظهر الارتحال إلى سجستان، فارتحل مرحلتين، وبلغ طوقاً ارتحاله فظن أنه قد بدا له في حربه، وترك كرمان، فوضع آلة الحرب، وقعد للأكل والشرب والملاهي.
واتصل يعقوب إقبال طوق على الشرب، فكر راجعأن فطوى المرحلتين في يوم واحد، فلم يشعر طوق إلا بغبرة عسكره، فقال: ما هذا؟ فقيل: غبرة المواشي، فلم يكن بأسرع من موافاة يعقوب، فأحاط به وأصحابه، فذهب أصحابه يريدون المناهضة والدفع عن أنفسهم، فقال يعقوب لأصحابه: أفرجوا لقوم! فمروا هاربين، وخلوا كل ما لهم، وأسر يعقوب طوقاً.
وكان علي بن الحسين قد سير مع طوق في صناديق قيوداً ليقيد بها من يأخذه من أصحاب يعقوب، وفي صناديق أطوقه وأسورة ليعطيها أهل البلاء من أصحاب نفسه، فلما غمن يعقوب عسكرهم رأى ذلك، فقال: ما هذا ياطوق؟ فأخبره، فأخذ الاطوقة والأسورة فأعطاها أصحابه، وأخذ القيود والأغلال فقيد بها أصحاب علي! ولما أخرج يد طوق ليضع فيها الغل رآها يعقوب وعليها عصابة، فسأله عنهأن فقال: أصابتني حرارة فقصدتها. فأمر بنزع خف نفسه، فتساقط منه كسر خبز يابسة، فقال: يا طوق! هذا خفي لم أنزعه منذ شهرين من رجلي، وخبزي في خفي منه آكل، وأنت جالس في الشرب؟ ثم دخل كرمان وملكها مع سجستان.
ذكر ملك يعقوب فارس
وفيهأن رابع جمادى الأولى، ملك يعقوب بن الليث فارس، ولما بلغ علي بن الحسين بن شبل بفارس ما فعله يعقوب بطوق أيقن بمجيئه إليه، وكان علي بشيراز، فجمع جيشه وسار إلى مضيق خارج شيراز، من أحد جانبيه جبل لا يسلك، ومن الجانب الآخر بهر لا يخاض، فأقام على رأس المضيق، وهوضيق ممره لا يسلكه إلا واحد بعد واحد، وهوعلى طرف البر، وقال: إن يعقوب لا يقدر على الجواز إلينا فرجع.
وأقبل يعقوب حتى دنا من ذلك المضيق فنزل على ميل منه، وسار وحده ومعه رجل آخر فنظر إلى ذلك المضيق والعسكر وأصحاب علي بن الحسين يسبونه وهوساكت، ثم رجع إلى أصحابه؛ فلما كان الغد الظهر سار بأصحابه حتى صار إلى طرف المضيق ممايلي كرمان، فأمر أصحابه بالنزول وحط الأثقال، ففعلوأن وركبوا دوابهم عريأن واخذ كلباً كان معه فألقاه في الماء، فجعل يسبح إلى جانب عسكر علي بن الحسين، وكان علي بن الحسين وأصحابه قد ركبوا ينظرون إلى فعله، ويضحكون منه.
وألقى يعقوب نفسه وأصحابه في الماء على خيلهم، وبأيديهم الرماح، يسيرون خلف الكلب، فلما رأى علي بن الحسين أن يعقوب قد قطع عامة النهر تحير في أمره، وانتقض عليه تدبيره، وخرج أصحابه يعقوب من وراء أصحاب علي، فلما خرج أوائلهم هرب أصحابه إلى مدينة شيراز، لأنهم كانوا يصيرون، إذا خرج يعقوب وأصحابه، بين جيش يعقوب والمضيق، ولا يجدون ملجأن فانهزموأن فسقط علي بن الحسين عن دابته، كبا به الفرس، فاخذ أسيرأن وأتي به إلى يعقوب، فقيده فلما أصبح نهب أصحاب دار علي ودور أصحابه، وأخذ ما في بيوت الأموال وبي الخراج ورجع إلى سجستان. (3/265)
وقيل إنه جرى بين يعقوب الصفار وبين علي بن الحسين، بعد عبوره النهر، حرب شديدة، وذلك أن علياً كان قد جمع عنده جمعاً جمعاً كثيراً من الموالي والأكراد وغيرهم، بلغت عدتهم خمسة عشر ألفاً بين فارس وراجل، فعبأ أصحابه ميمنة وميسرة، وقلباً ووقف هوفي القلب وأقبل الصفار فعبر النهر، فلما صار مع علي على أرض واحدة حمل هووعسكره حملة واحدة على عسكر علي، فثبتوا لهم، ثم حمل ثانية لهم عن مواقفهم، وصدقهم في الحرب، فانهزموا على وجوههم لا يلوي أحد على أحد.
وتبعهم علي يصيح بهم، ويناشدهم الله ليرجعوأن أوليقفوأن فلم يلتفت إليه أحد وقتل الرجالة قتلاً ذريعأن وأقبل المنهزمون إلى باب شيراز مع العصر، فازدحموا في الأبواب، فتفرقوا في نواحي فارس، وبلغ بعضهم في هزيمته إلى الأهواز.
فلما رأى الصفار ما لقوا من القتل أمر بالكف عنهم، ولولا ذلك لقتلوا عن آخرهم. وكان القتل خمسة آلاف قتي، وأصاب علي بن الحسين ثلاث جراحات، ثم أخذ أسيراً لما عرفوه، ودخل الصفار إلى شيراز، وطاف بالمدينة، ونادى بالأمان فأطمأن الناس، وعذب علياً بأنواع العذاب، وأخذ من أمواله ألف بدرة، وقيل أربع مائة بدرة، ومن السلاح والأفراس، وغير ذلك ما لا يحد، وكتب إلى الخليفة بطاعته، وأهدى له هدية جليلة منها عشرة بيزان بيض، وباز أبلق صيني، ومائة من مسك وغيرها من الطرائف، وعاد إلى سجستان ومعه علي، وطوق، تحت الأستظهار، فلما فارق بلاد فارس أرسل الخليفة عمالة إليها.
ذكر خلع المعتز وموته
وفيهأن في يوم الأربعاء لثلاث، بقين من رجب، خلع المعتز، لليلتين خلتا من شعبان ظهر موته.
وكان سبب خلعه أن الأتراك لما فعلوا بالكتاب ما ذكرناه، ولم يحصل منهم مال، ساروا إلى المعتز يطلبون أرزاقهم، وقالوا: أعطنا أرزاقنا حتى نقتل صالح بن وصيف، فلم يكن عنده ما يعطيهم، فزلوا معه إلى خمسين ألف دينار، فأرسل المعتز إلى أمه يسألها أن تعطيه مالاً ليعطيهم، فأرسلت إليه: ما عندي شيء.
فلما رأى الأتراك أنهم لا يحصل لهم من المعتز شيء، ولا من أمه، وليس في بيت المال شيء، اتفقت كلمتهم، وكلمة المغاربة، والفراغنة، على خلع المعتز، فساروا إليه وصاحوأن فدخل إليه صالح، ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر، وبابكيال في السلاح، فجلسوا على بابه، وبعثوا إليه أن اخرج إلينأن فقال: قد شربت أمس دواء، وقد أفرط في العمل، فإن كان أمر لا بد منه فليدخل بعضكم! وهويظن أن أمره واقف على حاله، فدخل إليه جماعة منهم، فجروه برجله إلى باب الحجرة، وضربوه بالدبابيس، وخرقوا قميصه، وأقاموه في الشمس في الدار فكان برفع رجلاً ويضع أخرى لشدة الحر، وكان بعضهم يلطمه وهويتقي بيده، وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم على خلعه، وشهدوا على صالح بن وصيف أن للمعتز وأمه وولده وأخته الأمان.
وكانت أمه قد اتخذت في دارها سربأن فخرجت منه هي وأخت المعتز، وكانوا أخذوا عليها الطريق، ومنعوا أحداً يجوز إليهأن وسلموا المعتز إلى من يعذبه، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام، فطلب حسوة من ماء البئر، فمنعوه، ثم أدخلوه سردابأن وجصصوا عليه فمات، فلما مات اشهدوا على موته بني هاشم والقواد، وأنه لا أثر فيه، ودفنوه مع المنتصر. (3/266)
وكانت خلافته من لدن بويع إلى أن خلع أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً، وكان عمره كله أربعاً وعشرين سنة؛ وكان أبيض، أسود الشعر، كثيفه، حسن العينين والوجه، أحمر الوجنتين، حسن الجسم طويلاً؛ وكان مولده بسر من رأى، وكان فصيحأن فمن كلامه لما سار المستعين إلى بغداد، وقد أحضر جماعة للرأي، فقال لهم: أما تنظرون إلى هذه العصابة التي ذاع نفاقها؟ الهمج، العصاة، الأوغاد الذين لا مسكة بهم، ولا اختيار لهم، ولا تمييز معهم، قد زين لهم تقم الخطأ سوء أعمالهم، فهم الأقلون وإن كثروأن والمذمومون إذا ذكروأن وقد علمت أنه لا يصلح لقود الجيوش، وسد الثقور، وإبرام الأمور، وتدبير الأقاليم، إلا رجل قد تكاملت فيه خصال أربع: حزم يتقي به عند موارد الأمور حقائق مصادرهأن وعلم يحجزه عن التهور والتعزير في الأشياء إلا مع إمكان فرصتهأن وشجاعة لا تفضها الملمات مع تواتر حوائجهأن وجود يهون تبذير الأموال عند سؤالهأن وسرعة مكافأة الإحسان، إلى صالح الأعوان، وثقل الوطأة على أهل الزيغ والعدوان، والاستعداد لحوادث إذ لا تؤمن حوادث الزمان.
وأما الاثنتان فإسقاط الحجاب عن الرعية، والحكم بين القوي والضعيف بالسوية.
وأما الواحد فالتيقظ للأمور، وقد اخترت لهم رجلاً من موالي أحدهم شديد الشكيمة، ماضي العزيمة، لا تبطره السراء، ولا تدهشه الضراء، ولا يهاب ما وراءه، ولا يهوله ما يلقاه، فهوكالحريش في أصل الإسلام إن حرك حمل، وإن نهش قتل؛ عدته عتيدة، ونعمته شديدة، يلقى الجيش في النفر القليل العديد، بقلب أشد من الحديد؛ طالب للثأر لا تفله العساكر، باسل البأس، ومقتضب الأنفاس، لا يعوزه ما طلب، ولا يفوته من هرب؛ واري الزناد مضطلع العماد، لا تشرهه الرغائب، ولا تعجزه النوائب، وإن ولي كفى، وإن قال وفى؛ وإن نازل فبطل، وإن قال فعل؛ ظله لوليه ظليل، وبأسه في الهياج عليه دليل، يفوق من ساماه، ويعجز من ناواه، ويتعب من جاراه، وينعش من والاه.


This site was last updated 07/14/11