Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وتسعين ومائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
باقى سنة 193 وخلافة الأمين
سنة 194
سنة195
سنة196
سنة196
سنة198

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة ست وتسعين ومائة
ذكر توجيه الأمين الجيوش إلى طاهر
وعودهم من غير قتال

في هذه السنة سير الأمين أسد بن يزيد بن مزيد، وسير معه عمه أحمد بن مزيد، وعبد الله بن حميد بن قحطبة، إلى حلوان لحرب طاهر.
وكان سبب ذلك ما ذكره أسد قال: إنه لما قتل عبد الرحمن أرسل إلي الفضل بن الربيع يستدعيني، فجئته، ودخلت عليه وهوقاعد بيده رقعة قد قرأهأن وقد احمرت عيناه، فاشتد غضبه، وهويقول: ينام نوم الظربان وينتبه انتباه الذئب، همه بطنه، يخاتل الرعاة والكلاب ترصده، لا يفكر في زوال نعمة، ولا يروي في إمضاء رأي، قد ألهاه كأسه، وشغله قدحه، فهويجري في لهوه، والأيام توضع في هلاكه، قد شمر له عبد الله عن ساق، وفوق له أصوب أسهمه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ، والموت القاصد، وقد عبى له المنايا على ظهور الخيل، وناط له البلاء في أسنة الرماح وشفار السيوف؛ ثم استرجع وتمثل بشعر البعيث:
ومجدولة جدل العنان خريدة ... لها شعر جعد ووجه مقسم
وثغر نقي اللون عذب مذاقه ... يضيء له الظلماء ساعة تبسم
وثديان كالحقين والبطن ضامر ... خميص وجهم ناره تتضرم
لهوت بها ليل التمام ابن خالد ... أمية بهد المركلين عثمثم
طواه طراد الخيل في كل غارة ... لها عارض فيه الأسنة ترزم
يقارع تراك ابن خاقان ليله ... إلى أن يرى الإصباح ما يتلعثم
فيصبح كم طول الطراد وجسمه ... نحيل وأضحي في النعيم أصمم
أباكرها صهباء كالمسك ريحها ... لها أرج في دنها حين يرسم
فشتان ما بيني وبين ابن خالد ... أمية في الرزق الذي الله يقسم

(3/127)

ثم التفت إلي فقال: أبا الحارث! أنا وإياك نجري إلى غارية إن قصرنا عنها ذممنأن وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنأن وإمنا نحن شعب من أصل إن قوي قوينأن وإن ضعف ضعفنأن إن هذا الرجل قد ألقى بيده القاء الأموالوكعاء، يشاور النساء، ويعتزم على الرؤيأن وقد أمكن ما معه من أهل اللهووالجسارة، فهم يعدونه الظفر، ويمنونه عقب الأيام، والهلاك اسرع إليه من السيل إلى قيعان الوحل، وقد خشيت، والله، أن نهلك بهلاكه، ونعطب بعطبه، وأنت فارس العرب وابن فارسهأن وقد فزع إليك في هذاالأمر ولقاء هذاالرجل، وأطعمه فيما قبلك أمران: أحدهما صدق الطاعة، وفضل النصيحة، والثاني نقيبتك وشدة بأسك، وقد أمرني بإزاحة علل ما عليك، وبسط يدك فيما أحبت، عنير أن الاقتصاد رأس النصيحة، ومفتاح اليمن والبركة، فأنجز حوائجك، وعجل المبادرة إلى عدوك، فإني أرجوأن يوليك اله هذاالفتح، ويلم بك شعث هذه الخلافة والدولة.
فقلت: أنا لطاعة أمير المؤمنين وطاعتك مقدم ولكل ما دخل فيه الوهن على عدوه وعدوك حريص، غير أن المحارب لا يعمل بالغدر، ولا يفتح أمره بالتقصير والخلل، وإمنا ملاك المحارب الجنود، وملاك الجنود المال، والذي أسأل أن يؤمر لأصحابي برزق سنة، وتحمل معهم أرزاق سنة، ويخص أهل الغناء والبلاء، وأبدل من فيهم من الضعفى، وأحمل ألف رجل من معي على الخيل، ولا أسأل عن محاسبة ما افتتحت من المدن والكور. فقال: أشططت، ولا بد من مناظرة أمير المؤمنين.
ثم ركب، وركبت معه، فدخل قبلي على الأمين، وأذن لي فدخلت، فما كان إلا كلمتان حتى غضب وأمر بحبسي.
وقيل: إنه طلب أن يدفع ولدي المأمون، فإن أطاعه، وإلا قتلهمأن فقال الأمين: أنت أعرابي مجنون، أدعوك إلى ولاية أعنة العرب والعجم، وأطعمك خراج كور الجبال إلى خراسان، وأرفع منزلتك على نظرائك من أبناء القواد والملوك، وتدعوني إلى قتل ولدي، وسفك دماء أهل بيتي! إن هذا للخرق والتخليط.
وكان ببغداد ابنان للمأمون مع أمهما أم عيسى ابنة الهادي، وقد طلبهما المأمون من أخيه في حال السلام، فمنعهما من المال الذي كان له، فلما حبس أسداً قال: هل في أهل بيته من يقوم مقامه، فإني أكره أن أفسدهم مع نباهتهم، وما تقدم من طاعتهم ونصيحتهم.
قالوا: نعم عمه أحمد بن مزيد، وهوأحسنهم طريقة، له بأس ونجدة، وبصر بسياسة الحرب، فأنفذ إليه أحضره، فأتى الفضل، فدخل عليه وعنده عبد الله بن حميد بن قحطبة، وهويريده على المسير إلى طاهر وعبد الله يشط. قال أحمد: فلما رآني الفضل رحب بي، ورفعني إلى صدر المجلس، ثم أقبل على عبد الله يداعبه ثم قال:
إنا وجدنا لكم إذ رث حبلكم ... من آل شيبان أماً دونكم وأبا
الأكثرون إذا عد الحصى عدداً ... والأقربون إلينا منكم نسبا
فقال عبد الله: أقسم لكذلك، وفيهم سد الخلل، ونكء العدو، ودفع معرة أهل المعصية عن أهل الطاعة.
فقال له الفضل: إن أمير المؤمنين أجرى ذكرك، فوصفتك له، فأحب اصطناعك والتنويه باسمك، وأن يرفعك إلى منزلة لم يبلغها أحد من أهل بيتك.
ثم مضى ومضيت معه إلى الأمين، فدخلنا عليه، فقال لي في حبس أسد، واعتذر إلي، وأمرني بالمسير إلى حرب طاهر، فقلت: سأبذل في طاعة أمير المؤمنين مهجتي، وأبلغ في جهاد عدوه أفضل ما أمله عندي ورجاه من غنائي وكفايتي، إن شاء الله تعالى.
فأمر الفضل بأن يمكنه من العساكر بأخذ منهم من أراد،وأمره بالجد في المسير والتجهز، فأخذ من العسكر عشرين ألف فارس، وسار معه عبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألفاً، وسار بهم إلى حلوان، وشفع في أسد ابن أخيه، فأطلقه، وأقام أحمد وعبد الله بخانقين، وأقام طاهر بموضعه، ودس الجواسيس والعيون، وكانوا يرجفون في عسكر أحمد وعبد الله أن الأمين قد وضع العطاء لأصحابه، وأمر لهم بالأرزاق الوافرة، ولم يزل يحتال في وقوع الاختلاف بينهم، حتى اختلفوأن وانتقض أمرهم، وقاتل بعضهم بعضأن ورجعوا عن خانقين من غير أن يلقوا طاهرأن وتقدم طاهر، فنزل حلوان، فلما نزلها لم يلبث إلا يسيراً حتى أتاه هرثمة في جيش من عند المأمون، ومعه كتاب طاهر، يأمره بتسليم ما حوى من المدن والكور إلى هرثمة، ويتوجه هوإلى الأهواز، ففعل ذلك، وأقام هرثمة بحلوان، وحصنهأن وسار طاهر إلى الأهواز.
ذكر الفضل بن سهل

(3/128)

في هذه السنة خطب للمأمون بإمرة المؤمنين، ورفع منزلة الفضل بن سهل.
وسبب ذلك أنه لما أتاه خبر قتل ابن ماهان وعبد الرحمن بن جبلة، وصح عنده الخبر بذلك، أمر أن يخطب له، ويخاطب بأمير المؤمنين، ودعا الفضل بن سهل وعقد له على المشرق من جبل همذان إلى التبت طولأن ومن بحر فارس إلى بحر الديلم وجرجان عرضأن وجعل له عمالة ثلاثة آلاف درهم، وعقد له لواء على سنان ذي شعبتين ولقبه ذا الرياستين، رياسة الحرب، والقلم، وحمل اللواء علي بن هشام، وحمل القلم نعيم بن حازم، وولي الحسن بن سهل ديوان الخراج.
ذكر عبد الملك بن صالح بن علي وموته
قد ذكرنا قبض الرشيد على عبد الملك بن صالح، وحبسه إياه، فلم يزل محبوساً حتى مات الرشيد، فأخرجه الأمين من الحبس في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة،وأحسن إليه، فشكر عبد الملك ذلك له.
فلما كان من طاهر ما كان دخل عبد الملك على الأمين، فال له: يا أمير المؤمنين! أرى الناس قد طمعوا فيك، وجندك قد أعيتهم الهوام، وأضعفتهم الحروب، وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم، فإن سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم، وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم، وأهل الشام قوم قد ضرستهم الحرب، وأدبتهم الشدائد، وكلهم منقاد إلي متنازع إلى طاعتي، وإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جنداً يعظم نكايتهم في عدوه؛ فولاه الأمين الشام والجزيرة وقواه بمال ورجال، وسيره سيراً حثيثاً.
فسار حتى نزل الرقة، وكاتب رؤساء أهل الشام، وأهل القوة، والجلد، والبأس، فأتوه رئيساً بعد رئيس، وجماعة بعد جماعة، فأكرمهم، ومناهم، وخلع عليهم، وكثر جمعه، فمرض واشتد مرضه.
ثم إن بعض جنود خراسان المقيمين في عسكر الشام رأى دابة كانت أخذت منه في وقعة سليمان بن أبي جعفر تحت بعض الزواقيل من أهل الشام أيضأن فتعلق بهأن واجتمع جماعة من الزواقيل والجند، فتضاربوأن واجتمعت الأبناء، وتألبوأن وأتوا الزواقيل وهوغارون، فوضعوا فيهم السيوف، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وتنادى الزواقيل، فركبوا خيولهم، ونشبت الحرب بينهم.
وبلغ ذلك عبد الملك، فوجه إليهم يأمرهم بالكف، لم يفعلوأن واقتتلوا يومهم ذلك قتالاً شديدأن وأكثرت الأبناء القتل في الزواقيل، فأخبر عبد الملك بذلك، وكان مريضاً مدنفأن فضرب بيده على يد، وقال: واذلاه! تستضام العرب في دورها وبالدها! فغضب من كان أمسك عن الشر من الأبناء، وتفاقم الأمر، وقام بأمر الأبناء الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان، وأصبح الزواقيل فاجتمعوا بالرقة، واجتمع الأبناء وأهل خراسان بالرافقة، وقام رجل من أهل حمص فقال: يا أهل حمص! أهون من العطف، والموت أهون من الذل، إنكم قد بعدتم عن بلادكم، ترجون الكثرة بعد القلة، والعزة بعد الذلة، الا في الشر وقعتم، وفي حومة الموت أنختم؛ إن المنايا في شوارب المسودة وقلانسهم، النفير النفير، قبل أن ينقطع السبيل، وينزل لاأمر الجليل، ويفوت المطلب، ويعسر المهرب.
وقام رجل من كلب في غرز ناقته، فقال نحواً من ذلك، ثم قال: ألا وإني سائر، فمت أراد الانصراف فلينصرف معي! ثم سار فسار معه عامة أهل الشام، وأخرقت الزواقيل ما كان التجار قد جمعوه من الأعلاف، وأقبل نصر بن شبث العثيلي، ثم حمل وأصحابه، فقاتل قتالاً شديدأن وصبر الجند لهم، وكان أكثر القتل في الزواقيل لكثير بن قادرة، وأبي الفيل، وداود بن موسى بن عيسى الخراساني، وانهزمت الزواقيل، وكان على حاميتهم يومئذ نصر بن شبث، وعمروبن عبد العزيز السلمي، والعباس بن زفر الكلابي، ثم توفي عبد الملك بن صالح بالرقة في هذه السنة.
ذكر خلع الأمين والمبايعة للمأمون
وعود الأمين إلى الخلاف
فلما مات عبد الملك بن صالح نادى الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان في الجند، فجعل الرجالة في السفن، وسار الفرسان على الظهر في رجب، فلما قدم بغداد لقيه القواد وأهل بغداد، وعملت له القباب، ودخل منزله؛ فلما كان جوف الليل بعث إليه الأمين يأمره بالركوب إليه، فقال للرسول: ما أنا بمغن، ولا مسامر، ولا مضحك، ولا وليت له عملاً ولا مالأنفلأي شيء يريدني هذه الساعة.انصرف، فإءذا أصبحت غدوت إليه، إن شاء الله.

(3/129)

وأصبح الحسين، فوافى باب الجسر، واجتمع الناس فقال: بيا معشر الأبناء! إن خلافة الله لا تجاوز بالبطر، ونعمته لا تستصحب بالتجبر، وإن محمداص يريد أن يوقع أديانكم، وينقل عزكم إلى غيركم، وهوصاحب الزواقيل،وبالله إن طالت به مدة ليرجعن وبال ذلك عليكم، فاقطعوا أثره قبل أن يقطع آثاركم، وضعوا عزه قبل أن يضع عزكم، فوالله لا ينصره ناصر منكم إلا خذلب، وما عند الله، عز وجل، لأحد هوادة، ولا يراقب على الاستخفاف بعهوده، والحنث بإيمانه.
ثم أمر الناس بعبور الجسر، فعبروأن وصاروا إلى سكة باب خراسان؛ وتسرعن خيول الأمين إلى الحسين، فقاتلوه قتالاً شديدأن فانهزم أصحاب الأمين وتفرقوأن فخلع الحسين الأمين يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب، وأخذ البيعة للمأمون من الغد يوم الاثنين.
فلما كان يوم الثلاثاء وثب العباس بن موسى بن عيسى بن بالأمين، فأخرجه من قصر الخلد، وحبسه بقصر المنصور، وأخرج أمه زبيدة أيضأن فجعلها مع ابنها؛ فلما كان يوم الأربعاء طالب الناس الحسين بالأرزاق وماجوا بعضهم في بعض، فقام محمد بن خالد بباب الشام، فقال: أيها الناس! والله ما أدري بأي سبب يأمر الحسين بن علي علينأن ويتولى هذاالأمر دوننا؟ ما هوبأكبرنا سنأن وما هوبأكبرنا حسبأن ولا بأعظمنا منزلة وغنى، وإني أولكم أنقض عهده، وأظهر الإنكار لفعله، فمن كان على رأيي فليعتزل معي.
وقال أسد الحربي: يا معشر الحربية! هذا يوم له ما بعده، إنكم قد منتم فطال نومكم، وتأخرتم فتقدم عليكم غيركم، وقد ذهب أقوام بخلع الأمين، فاذهبوا أنتم بذكر فكه وإطلاقه.
وأقبل شيخ على فرس فقال: أيها الناس! هل تعتدون على محمد بقطع أرزاقهم؟ قالوا: لا! قال: فهل قصر بأحد من رؤسائكم، وعزل أحداً من قوادكم؟ قالوا: لا! قال: فما بالكم خذلتموه، وأعنتم عدوه على أسره؟ وايم الله ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف؛ انهضوا إلى خليفتكم فقاتلوا عنه من أراد خلعه. فنهضوأن وتبعهمأهل الأرباض، فقاتلوا الحسين قتالاً شديدأن فأسر الحسين بن علي، ودخل أسد الحربي على الأمين، فكسر قيوده وأقعده في مجلس الخلافة.
ورأى الأمين أقواماً ليس عليهم لباس الجند، وأمرهم بأخذ السلاح، فانتعبته الغوغاء، ونهبوا غيره، وحمل إليه الحسين أسيرأن فلامه، فأعتذر له الحسين، فأطلقه، وأمره بجمع الجند، ومحاربة أصحاب المأمون، وخلع عليه، وولاه ما وراء بابه، وأمره بالمسير إلى حلوان، فوقفالحسين بباب الجسر، والناس يهنئونه، فلما خف عنه الناس قطع الجسر وهرب، فنادى الأمين في الجند يطلبه، فركبوا كلهم، فأدركوه بمسجد كوثر على فرسخ من بغداد، فقاتلهم فعثر به فرسه، فسقط عنه، فقتل وأخذوا رأسه.
وقيل إن الأمين كان استوزره وسلم إليه خاتمه، وجدد الجند البيعة للامين، بعد قتل الحسين بيوم، وكان قتله خامس عشر رجب، فلما قتل الحسين بن علي هرب الفضل بن الربيع واختفى.
ذكر ما فعله طاهر بالاهواز
لما نزل طاهر بشلاشان وجه الحسين بن عمر الرستمي إلى الأهواز وأمره بالحذر، فلما توجه أتت طاهراً عيونه، فأخبروه أن محمد بن يزيدابن حاتم المهلبي، وكان عاملاً للأمين على الأهواز، قد توجه في جمع عظيم يريد جند يسابور ليحمي الأهواز من أصحاب طاهر، فدعا طاهر عدة من أصحابه، منهم: محمد بن طالوت، ومحمد بن العلاء، والعباس بن بخار أخذاه وغيرهم، وأمرهم أن يجدوا السير، حتى يتصل أولهم بآخر أصحاب الرستمي فإن احتاج إلى مدد أمدوه.

(3/130)

فساروا حتى شارفوا الأهواز ولم يلقوا أحداً. وبلغ خبرهم محمد بن يزيد، فسار حتى نزل عسكر مكرم، وصير العمران والماء وراء ظهره، وتخوف طاهر أن يعجل إلى أصحابه، فأمدهم بقريش بن شبل، وتوجه هوبنفسه، حتى كان قريباً منهم، وسير الحسين بن علي المأموني إلى قريش والرستمي، فسارت تلك العساكر حتى أشرفوا على محمد بن يزيد بعسكر مكرم، فاستشار أصحابه في المطاولة والمناجزة، فأشاروا عليه بالرجوع إلى لاأهواز والتحصن بهأن وأن يستدعي الجند من البصرة وقومه الأزد، ففعل ذلك، فسير طاهر وراءه قريش بن شبل، وأمره بمبادرته قبل أن يتحصن بالأهواز، فسبقه محمد بن يزيد، ووصل بعده بيوم قريش، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فالتفت محمد إلى من معه من مواليه، وكان أصحابه قد رجعوا عنه، فقال لمواليه: ما رأيكم؟ إني أرى من معي قد انهزم، ولست آمن خذلانهم ولا أرجورجعتهم، وقد عزمت على النزول والقتال بنفسي، حتى يقضي الله بما أحب، فمن أراد الانصراف فلينصرف، فوالله لئن تبقوا أحب إلي من أن تموتوا.
فقالوا: والله ما أنصفناك إذاص أن تكون قد أعتقتنا من الرق، ورفعتنا من الضعة، وأغنيتنا بعد القلة، ثم نخذلك على هذه الحال، فلعن الله الدنيا والعيش بعدك! ثم نزلوا فعرقبوا دوابهم، وحملوا على أصحاب قريش حملة منكرة، فاكثروا فيهم القتل، وقتل محمد بن يزيد المهلبي، واستولى طاهر على الأهواز وأعمالهأن واستعمل العمال على اليمامة والبحرين وعمان، وقال بعض المهالبة، وجرح في تلك الوقعة عدة جراحات، وقطعت يده:
فلما لمت نفسي غير أني لم أطق ... حراكأن وأني كنت بالضرب مثخناً
ولوسلمت كفاي قاتلت دونه ... وضاربت عنه الطاهري الملعنا
فتىً لا يرى أن يخذل السيف في الوغى ... إذا ادرع الهيجاء في النقع واكتنى
ولما دخل ابن أبي عيينة المهلبي على طاهر ومدحه، فحين انتهى إلى قوله:
ما ساء ظني إلا بواحدة ... في الصدر محصورة عن الكلم
تبسم طاهر، ثم قال: أما والله ساءني من ذلك ما ساءك، وأمني ما ألمك، ولقد كنت كارهاً لما كان، غير أن الحتف واقع، والمنايا نازلة، ولا بد من قطع الأواصر والشكر للأقارب في تأكيد الخلافة، والقيام بحق الطاعة؛ فظن من حضر أنه أراد محمد بن يزيد بن حاتم.
ذكر استيلاء طاهر على واسط
ثم سار طاهر من الأهواز إلى واسط وبها السندي بن يحيى الحرشي، والهيثم بن شعبة، خليفة خزيمة بن خازم، فجعل طاهر كلما تقدم نحوهم تقوضت المسالح والعمال بين يديه، حتى أتى واسطاً فهرب السندي والهيثم بن شعبة عنهأن واستولى طاهر على واسط، ووجه قائداً من قواده إلى الكوفة عليها العباس بن موسى الهادي، فلما بلغه الخبر خلع الأمين، وبايع المأمون، وكتب بذلك إلى طاهر.
ونزلت خيل طاهر فم النيل، وغلب على ما بين واسط والكوفة، وكتب المنصور بن المهدي، وكان عاملاً لأمين على البصرة، إلى طاهر ببيعته وطاعته، وأتته بيعة المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل للمأمون، وخلع الأمين، وكان هذا جميعه في رجب من هذه السنة، فأقرهم طاهر على أعمالهم وولى داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي الهاشمي مكة والمدينة واستعمل يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري البجلي على اليمن، ووجه الحارث بن هشام وداود بن موسى إلى قصر ابن هبيرة وأقام طاهر بجرجرايا.
فلما بلغ الأمين خبر عامله بالكوفة، وخلعه، والبيعة للمأمون، وجه محمد بن سليمان القائد، ومحمد بن حماد البربري، وأمرهما أن يبيتا الحارث بن هشام وداود بالقصر، فبلغ الحارث الخير، فركب هووداود، فعبرا في مخاضة في سوراء إليهم، فاوقعا بهم وقعة شديدة فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم أهل بغداد.
ووجه الأمين أيضاً الفضل بن موسى بن عيسى الهاشمي عاملاً على الكوفة في خيل، فبلغ طاهراً الخبر، فوجه محمد بن العلاء في جيش إلى طريقه، فلقي الفضل بقرية الأعراب، فبعث إليه الفضل: إني سامع مطيع، وإمنا كان مخرجي كيداً مني لمحمد الامين، فقال له ابن العلاء: لست أعرف ما تقول، فإن أردت طاهراً فارجع وراءك، فهوأسهل الطريق، فرجع الفضل، فقال محمد بن العلاء: كونوا على حذر، فلا آمن مكره.

(3/131)

ثم إن الفضل رجع إلى ابن العلاء، وهويظن أنه على غير أهبة، فرآه متيقظاً حذرأن فاقتتلوا قتالاًشديداً كأشد ما يكون من القتال، فانهزم الفضل وأصحابه.
ذكر استيلاء طاهر على المدائن
ونزوله بصرصر
ثم إن طاهراً سار إلى المدائن، وبها جيش كثير للأمين، عليهم البرمكي قد تحصن بهأن والمدد ياتيه كل يوم والخلع، والصلات، فلما قرب طاهر منه وجه قريش بن شبل، والحسين بن علي المأموني فقي مقدمته، فلما سمع أصحاب البرمكي طبول طاهر أسرجوا وركبوأن وأخذ البرمكي في التعبية، فكان كلما سوى صفاً انتقض، واضطرب، وانضم أولهم إلى آخرهم، فقال: اللهم إنا نعوذ بك في الخذلان! ثم قال لصاحب ساقته: خل سبيل الناس، فلا خير عندهم؛ فركب بعضهم بعضاً نحوبغداد فنزل طاهر بالمدائن، واستولى على تلك النواحي، ثم سار إلى صرصر، فعقد بها جسراً ونزلها.
ذكر البيعة للمأمون بمكة والمدينة
وفي هذه السنة خلع داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي الأمين، وهوعامله على مكة والمدينة، وبايع للمأمون.
وكان سبب ذلك أنه لما بلغه ما كان من الأمين والمأمون وما فعل طاهر، وكان الأمين قد كتب إلى داود بن عيسى يامره بخلع المأمون، وبعث أخذ الكتابين من الكعبة، كما تقدم، فلما فعل ذلك جمع داود وجوه الناس ومن كان شهد من الكتابين، وكان داود أحدهم، فقال لهم: قد علمتم ما أخذ الرشيد علينا وعليكم من العهد والميثاق، عند بيت الله الحرام، لا بنيه، لنكونن مع المظلوم منهما على الظالم ومع المغدور به على الغادر، وقد راينا ورأيتم أن محمداً قد بدأ بالظلم والبغي والغدر والنكث على أخويه المأمون والمؤتمن وخلعهما عاصياً لله، وبايع لابنه، طفل صغير، رضيع لم يفطم، وأخذ الكتابين من الكعبة، فحرقهما ظالمأن فقد رأيت خلعه، والبيعة للمأمون، إذ كان مظلوماص مبغياً عليه.
فأجابوه إلى ذلك، فنادى في شعاب مكة، فاجتمع الناس فخطبهم بين الركن والمقام، وخلع محمدأن وبايع للمأمون، وكتب إلى ابنه سليمان، وهوعامله على المدينة، يأمره أن يفعل مثل ما فعل، فخلع سليمان الأمين، وبايع للمأمون.
فلما أتاه الخبر بذلك سار من مكة على طريق البصرة، ثم إلى فارس، ثم إلى كرمان، حتى صار إلى المأمون بمرو، فأخبره بذلك، فسر المأمون بذلك سروراً شديدأن وتيمن ببركة مكة والمدينة.
وكانت البيعة بهما في رجب سة ست وتسعين ومائة، واستعمل داود على مكة والمدينة، وز أضاف إليه ولاية عك، وأعطاه خمسمائة ألف درهم معونة، وسير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى، وجعله على الموسم، فسارا حتى أتيا طاهراً ببغداد، فأكرمهما وقربهمأن ووجه معهما يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري البجلي عاملاً على اليمن، وبعث معه خيلاً كثيفة، فلما قدم اليمن دعا أهلها إلى خلع الأمين والبيعة للمأمون، ووعدهم العدل والإحسان وأخبرهم بسيرة المأمون، فأجابوه إلى ما طلب، وخلعوا محمداً وبايعوه للمأمون، وكتب بذلك إلى طاهر وإلى المأمون، وسار فيهم أحسن سيرة وأظهر العدل.
ذكر ما فعله الأمين
وفي هذه السنة عقد محمد الأمين، في رجب وشعبان، نحواً من أبعمائة لواء لقواد شتى، وأمر عليهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك، وأمرهم بالمسير إلى هرثمة بن أعين، فساروا إليه، فالتقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموأن وأسر علي بن محمد بن عيسى فسيره هرثمة إلى المأمون، ورحل هرثمة فنزل النهروان.
ذكر وثوب الجند بطاهر والأمين
ونزوله ببغداد

(3/132)

وأقام طاهر بصرصر مشمراً في محاربة الأمين وكان لا يأتيه جيش إلا هزمه، وبذل الأمين الأموال، فاشتد ذلك على أصحاب طاهر، فسار إليه منهم نحوخمسة آلاف، فسر بهم الأمين، وعدهم، ومناهم، وفرق فيهم مالاً عظيمأن وعلف لحاهم بالغالية، فسموا قواد الغالية، وقود جماعة من الحربية، ووجههم إلى دسكرة الملك والنهروان، فلم يكن بينهم قتال كثير،وندب جماعة من قواد بغداد، وجههم إلى الياسرية، والكوثرية، وفرق الجواسيس في اصحاب طاهر، ودس إلى رؤساء الجند، فاطعمهم، ورغبهم، فشغبوا على طاهر، واستأمن كثير منهم إلى الأمين، فانضموا إلى عسكره، وساروا حتى أتوا صرصرأن فعبأ طاهر أصحابه كراديس، وسار فيهم يمنيهم، ويحرضهم، ويعدهم النصر، ثم تقدم، فاقتتلوا ملياً من النهار، ثم انهزم أصحاب الأمين، وغمن عسكر طاهر ما كان لهم من السلاح والدواب وغير ذلك.
وبلغ ذلك لاأمين فأخرج الأموال وفرقهأن وجمع أهل الأرباض، وقود منهم جماعة، وفرق فيهم الاموال، وأعطى كل قائد منهم قارورة غالية، ولم يفرق في أجناد القواد وأصحابهم شيئاً.
فبلغ ذلك طاهرأن فراسلهم، ووعدهم، واستمالهم، وأغرى أصاغرهم بأكابرهم، فشغبوا على الأمين في ذي الحجة، فصعب الأمر عليه، فأشار عليه أصحابه باستمالتهم والإحسان إليهم، فلم يفعل، وأمر بقتالهم جماعة من المستأمنة والمحدثين، فقاتلوهم، وراسلهم طاهر، وراسلوه، وأخذ رهائنهم على بذل الطاعة، وأعطاهم الاموال.
ثم تقدم، فصار إلى موضع البستان الذي على باب الأنبار، في ذي الحجة، فنزل بقواده وأصحابه ونزل من استأمن إليه من جند الأمين في البستان والأرباص، وأضعف للقواد، وأبنائهم،والخواص،العطاء، ونقب أهل السجون السجون، وخرجوا منهأن وفتن الناس وساءت حالهم، وثب الشطار على أهل الصلاح، ولم يتغير بعسكر طاهر حال لتفقده حالهم، وأخذه على أيدي السفهاء، وغادى القتال، ورواحه، حتى تواكل الفريقان وخربت الديار.
وحج بالناس هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بن موسى، ودعا للمأمون بالخلافة، وهوأول موسم دعي له فيه بالخلافة.
ذكر الفتنة بإفريقية مع أهل طرابلس
في هذه السنة ثار أبوعصام ومن وافقه على إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، فحاربهم إبراهيم، فظفر بهم.
وفيها استعمل ابن الأغلب ابنه عبدالله على طرابلس الغرب، فلما قدم إليها ثار عليه الجند، فحضروه في داره، ثم اصطلحوا على أن يخرج عنهم، فخرج عنهم، فلم يبعد عن البلد حتى اجتمع إليه كثير من الناس، ووضع العطاء، فأتاه البربر من كل ناحية، وكان يعطي الفارس كل يوم أربعة دراهم، ويعطي الراجل في اليوم درهمين، فاجتمع له عدد كثير، فزحف بهم إلى طرابلس، فخرج إليه الجند، فاقتتلوأن فانهزم جند طرابلس، ودخل عبد الله المدينة، وأمن الناس وأقام بها؛ ثم عوزله أبوه، واستعمل بعده سفيان ابن المضاء، فثارت هوارة بطرابلس، فخرج الجند إليهم، والتقوا واقتتلوأن فهزم الجند إلى المدينة، فتبعهم هوارة، فخرج الجند هاربين إلى لاأمير إبراهيم ابن الأغلب، ودخلوا المدينة فهدموا أسوارها.
وبلغ ذلك إببراهيم ابن الأغلب، فسير إليها ابنه أبا العباس عبد الله في ثلاثة عشر ألف فارس، فاقتتل هووالبربر، فانهزم البربر، وقتل كثير منهم، ودخل طرابلس وبنى سورها.
وبلغ خبر هزيمة البربر إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، وجمع البربر، وحرضهم، وأقبل بهم إلى طرابلس، وهم جمع عظيم، غضباً للبربر ونصرة لهم، فنزلوا على طرابلس، وحصروها. فسد أبوالعباس عبد الله بن إبراهيم باب زناتة، وكان يقاتل من باب هوارة، ولم يزل كذلك إلى أن توفي أبوه إبراهيم بن الأغلب، وعهد بالإمارة لولده عبد الله، فأخذ أخوه زيادة الله بن إبراهيم له العهود على الجند، سير الكتاب إلى أخيه عبد الله، يخبره بموت أبيه، وبالإمارة له، فأخذ البربر الرسول والكتاب، ودفعوه إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، فأمر بأن ينادي عبد الله بن إبراهيم بموت أبيه، فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله، وما كان خارجاً عن ذلك يكون لعبد الوهاب، وسار عبد الله إلى القيروان، فلقيه الناس، وتسلم الأمر، وكانت أيامه أيام سكون ودعة.

This site was last updated 07/13/11