Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة تسع وعشرين ومائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة 127 مبايعة مروان
سنة ثمان وعشرين ومائة
سنة تسع وعشرين ومائة
سنة ثلاثين ومائة
سنة إحدى وثلاثين ومائة
سنة 132 قتل الخليفة مروان

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

الجزء الثالث

ثمم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة
ذكر شيبان الحروري إلى أن قتل

وهو شيبان بن عبد العزيز أبو الدلف اليشكري.
وكان سبب هلاكه أن الخوارج لما بايعوه يعد قتل الخيبري أقام يقاتل مروان، وتفرق عن شيبان كثير من أصحاب الطمع، فبقي في نحو أربعين ألفاً، فأشار عليهم سليمان بن هشام أن ينصرفوا إلى الموصل فيجعلوها ظهرهم، فارتحلوا وتبعهم مروان حتى انتهوا إلى الموصل، فعسكروا شرقي دجلة وعقدوا جسوراً عليها من عسكرهم إلى المدينة، فكانت ميرتهم ومرافقهم منها، وخندق مروان بإزائهم، وكان الخوارج قد نزلوا بالكار ومروان بخصة، وكان أهل الموصل يقاتلون مع الخوارج، فأقام مروان ستة أشهر يقاتلهلم، وقيل تسعة أشهر.
وأتي مروان بابن أخ لسليمان بن هشام يقال له أمية بن معاوية بن هشام، وكان مع عمه سليمان في عسكر شيبان أسيراً، فقطع يديه وضرب عنقه، وعمه ينظر إليه.
وكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بالمسير من قرقيسيا بجميع من معه إلى العراق، وعلى الكوفة المثنى بن عمران العائذي، عائذة قريش، وهو خليفة للخوارج بالعراق، فلقي ابن هبيرة بعين التمر فاقتتلوا قتالاً شديداً وانصرفت الخوارج ثم اجتمعوا بالكوفة بالنخيلة، فهزمهم ابن هبيرة. ثم اجتمعوا بالبصرة، فأرسل سيبان إليهم عبيدة بن سوار في خيل عظيمة، فالتقوا بالبصرة، فانهزمت الخوارج وقتل عبيدة، واستباح ابن هبيرة عسكرهم فلم يكن لهم همة بالعراق، واستولى ابن هبيرة على العراق. [ج3 (2/467)]
وكان منصور بن جمهور مع الخوارج فانهزم وغلب علا الماهين وعلى الجبل أجمع، وسار ابن هبيرة إلى واسط فأخذ ابن عمر فحبسه، ووجه نباتة بن حنظلة إلى سليمان بن حبيب، وهو على كور الأهواز، فسمع سليمان الخبر فأرسل إلى نباتة داو بن حاتم، فالتقوا بالمرتان على شاطئ دجيل، فانهزم الناس وقتل داود بن حاتم.
وكتب مروان إلى ابن هبيرة لما استولى على العراق يأمره بإرسال عامر بن ضبارة المي إليه فسيره في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف، فبلغ شيبان خبره فأرسل الجون بن كلاب الخارجي في جمع، فلقوا عامراً بالسن فهزموه ومن معه، فجدخل السن وتحصن فيه، وجعل مروان يمده بالجنود على طريق البر حتى ينتهوا إلى السن، فكثر جمع عامر.
وكان منصور بن جمهور يمد شيبان من الجبل بالأموال، فلما كثر من مع عامر نهض إلى الجون والخوارج فقاتلهم فهزمهم، وقتل الجون، وسار ابن ضبارة مصعداً إلى الموصل.
فلما انتهى خبر قتل الجون إلى سيبان ومسير عامر نحوه كره أن يقيم بين العسكرين فارتحل بمن معه من الخوارج، وقدم عامر على مروان بالموصل، فسيره في جمع كثير في أثر شيبان، فإن أقام أقام، وإن سار سار، وأن لا يبداه قتال، فإن قاتله شيبان قاتله، وإن أمسك أمسك عنه، وإن ارتحل ابتعه. فكان على ذلك حتى مر على الجبل وخرج على بيضاء فارس وبها عبد الله بن معاوية بن حبيب بن حعفر في جموعكثيرة، فلم يتهيأ الأمر بينهما، فسار حتى نزل ججيرفت من كرمان، وأقبل عامر بن ضبارة حتى نزل بإزاء ابن معاوية أياماً، ثم ناهضه وقاتله، فانهزم ابن معاوية فلحق بهراة، وسار ابن ضبارة بمن معه فلقي شيبان بجيرفت فاقتلوا قتالاً شديداً فانهزمت الخوارج واستبيح عسكرهم، ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها، وذلك في سنة ثلاثين ومائة.
وقيل: بل كان قتال مروان وسيبان على الموصل مقدار شهر ثم انهزم شيبان حتى لحق بفارس وعامر بن ضبارة يتبعه، وسار شيبان إلى جزيرة ابن كاوان، ثم خرج منها إلى عمان، فقتله جلندى بن مسعود بن جيفر بن جلندي الأزدي سنة أربع وثلاثين ومائة؛ ونذكره هناك إن شاء الله تعالى. وركب سليمان ومن معه من أهله ومواليه السفن إلى السند.
ولما ولي السفاح الخلافة حضر عنده سليمان، فأكرمه وأعطاه يده فقلبها فلما رأى ذلك سديف مولى السفاح أقبل عليه وقال:
لا يغرنك ما ترى من رجال ... إن تحت الضلوع داءً دوياً
فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فو ظهرها أموياً
فأقبل عليه سليمان، وقال: قتلتني أيها الشيخ! وقام السفاح فدخل، فأخذ سليمان فقتل.
وانصرف مروان بعد مسير شيبان عن الموصل إلى منزله بحران فأقام بها حتى سار إلى الزاب.
ذكر إظهار الدعوة العباسية بخراسان
وفي هذه السنة شخص أبو سملم الخراساني من خراسان إلى إبراهيم الإمام، وكان يختلف منه إلى خراسان ويعود إليه.
فلما كانت هذه السنة كتب إبراهيم إلى أبي مسلم يستدعيه ليسأله عن أخبار الناس، فسار نحوه في النصف من مادى الآخرة مع سبعين نفساً من النقباء، فلما صاروا بالدنانقان من أرض خاسان عرض له كامل، فسأله عن مقصده، فقال: الحج، ثم خلا به أبو مسلم فدعاه فأجابه؛ ثم سار أبو مسلم إلى نسا، وعاملهم سليمان بن قيس السلمي لنصر بن سيار، فلما قرب منها ارسل الفضل بن سليمان الطوسي إلى أسيد بن عبد الله الخزاعي ليعلمه قدومه، فدخل قرية من قرى نسا فلقي رجلاً من الشيعة فسأله عن أسيد، فانتهره وقال له: إنه كان في هذه القرية شاً، سعى إلى العامل برجلين قيل إنهما داعيان؛ فأخذهما وأخذ الأحجم بن عبد الله وغيلان بن فضالة وغالب بن سعيد وهاجر ابن عثمان، فانصرف الفضل إلى أبي مسلم وأخبره، فتنكب الطريق، وأرسل طرخان الحمال يستدعي أسيداً ومن قدر عليه من الشيعة، فدعا له أسيداً، فأتاه، فسأله عن الأخبار، فقال: قدم الأزهر بن شعيب وعبد الملك بن سعد بكتب الإمام إليك فخلفا الكتب عندي وخرجا فأخذوا فلا أدري من سعى بهما. قال: فأين الكتب؟ فأتاه بها.
ثم سار حتى أتى قومس وعليها بن بديل العجلي، فأتاهم بيهس فقال: أينتريدون؟ قالوا: الحج، وأتاه هو بقومس كتاب إبراهيم الإمام إليه وإلى سليمان بن كثير يقول لأبي مسلم فيه: إني قد بعثت إليك براية النصر، فارجع من حيث لقيك كتابي ووجه إلي قحطبة بما معك يوافني به في الموسم. [ج3 (2/468)]
فامصرف أبو مسلم إلى خراسان ووجه قحطبة إلى الإمام بما معه من الأموال والعروض، فلما كانوا بنيسابور عرض لهم صاحب المسلحة فسألهم عن حالهم، فقالوا: اردنا الحج فبلغنا عن الطريق شيء خفناه. فأمر المفضل بن السرقي السلمي بإزعاجهم، فخلا به أبو مسلم وعرض عليه أمرهم فأجابه، وأقام عندهم حتى ارتحلوا على مهل.
فقدم أبو مسلم مرو فدفه كتاب الإمام إلى سليمان بن كثير يأمره فيه بإظهار الدعوة، فنصبوا أبا مسلم وقالوا: رجل من أهل البيت، ودعوا إلى طاعة بني العباس، وأرسلوا إلى من قرب منهم أو بعد ممن أجابهم، فأمروه بإظهار أمرهم والدعاء إليهم.
فنزل أبو مسلم قرية من قرى مرو يقال لها فنين على أبي الحكم عيسى ابن أعين النقيب، ووجه منها أبا داود النقيب ومعه عمرو بن أعين إلى طخارستنا فما دون بلخ فأمرهما بإظهار الدعوة في شهر رمضان، وكان نزلوه في هذهالقرية في شعبان ووجه نصر بن صبيح التميمي وشريك إلى الطالقان. ووجه الجهم بن عطية إلى العلاء بن حريث بخوارزم بإظهار الدعوة في رمضان لخمس بقين منه، فإن أعجلهم عدوهم دون الوقت بالأذى والمكروه فقد حل لهم أن يدفعوا عن أنفسهم ويجردوا السيوف ويجاهدوا أعداء الله، ومن شغله منهم عدوهم عن الوقت فلا حرج عليهم أن يظهروا بعد الوقت.
ثم تحول أبو مسلم من عند أبي الحكم فنزل قرية سفيذنج، فنزل على سليمان بن كثير الخزاعي لليلتين خلتا من رمضان، والكرماني وسيبان يقاتلان نصر بن سيار، فبص ملمسم دعاته في الناس وأظهر أمره، فأتاه في ليلة واحدة أهل ستين قرية، فما كان ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان من السنة عقد اللواء الذي بعث به الإمام الذي يدعى الظل على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً، وعقد الراية التي بعث بها إليه، وهي التي تدعى السحاب، على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً، وهو يتلو: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " الحج:39، ولبسوا السواد هو وسليمان بن كثير وإخوة سليمان ومواليه ومن كان أجاب الدعوة من أهل سفيذنج، وأوقدوا النيران لليلتهم لسيعتهم من سكان ربع خرقا، وكانت علامتهم، فتجمعوا إليه حين أصبحوا معدين، وتأول الظل والسحاب أن السحاب يطبق الأرض وأن الأرض كما لا تخلو من الظل كذلك لا تخلو من خليفة عباسي إلى آخر الدهر.
وقدم على أبي مسلم الدعاة بمن أجاب الدعوة، فكان أول من قدم عليه أهل التقادم مع أبي الوضاح في تسعمائة راجل وأربعة فرسان، ومن أهل هرمز قره ججماعة، وقدم أهل التقادم مع أبي القاسم محرز بن إبراهيم الجوباني في ألف وثلاثمائة راجل وستة عشر فارساً، فيهم من الدعاة أبو العباس المروزي. فجعل أهل التقادم يكبرون من ناحيتهم ويجيبهم أهل التقادم بالتكبير، فدخلوا عسكر أبي مسلم بسفيذنج بعد ظهوره بيومين. وحصن أبو سملم حصن سفيذنج ورمه وسد دروبها.
فلما حضر عيد الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلي به وبالشيعة، ونصب له منبراً بالعسكر، وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، وكان بنو أمية يبدأون بالخطبة قبل الصلاة وبالأذان والإقامة، وأمر أبو سملم أيضاً سليمان بن كثير بست تكبيرات تباعاً، ثم يقرأ ويركع بالسابعة ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعاً، ثم يقرأ ويركع بالسادسة ويفتح الخطبة بالتكبير ثم يختمها بالقرآن.
وكان بنو أمية يكبرون في الولى أربع تكبيرات يوم العيد وفي الثانية ثلاث تكبيرات.
فلما قضى سليمان الصلاة انصرف أبو سملم والشيعة إلى طعام قد اعده لهم، فأكلوا مستبشرين.
وكان أبو مسلم وهو في الخندق إذا كتب ألى نصر بن سيار كتاباً يكتب: للأمير نصر، فلما قوي أبو مسلم بمن اجتمع إليه بدأ بنفسه، فكتب إلى نصر: أما بعد فإن الله تباركت أسماؤه عير أقواماً في القرآن فقال: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً استكباراً في الأرض ومكر السيئ، ولا يحيق المرك السييء إلا بأهله، فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً غافر:42 - 43.فتعاظم نصر الكتاب وكسر له إحدى عينيه وقال: هذا كتاب ما له جواب. [ج3 (2/469)]
وكان من الأحداث وأبو مسلم بسفيذنج أن نصراً وجه مولى له يقال له يزيد لمحاربة أبي مسلم بعد ثمانية عشر شهراً من ظهوره، فوجه إليه أبو مسلم مالك بن لهيثم الخزاعي، فالتقوا بقرية ألين، فدعاهم مالك إلى الرضا من آل رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، فاستكبروا عن ذلك، فقاتلهم مالك، وهو في نحو مائتين من أول النهار إلى العصر؛ وقدم على أبي مسلم صالح بن سليمان الضبي وإبراهيم بن زيد وزياد بن عيسى، فسيرهم إلى مالك، فقوي بهم، وكان قدومهم إليه مع العصر، فقال مولى نصر: إن تركنا هؤلاء الليلة أتتهم أمدادهم، فاحملوا على القوم. فحملوا عليهم، واشتد القتال، فحمل عبد الله الطائي على مولى نصر فأسره وانهزم أصحابه، فأرسل الطائي بأسيره إلى أبي مسلم ومعه رؤوس القتلى، فنصب الرؤوس وأحسن إلى يزيد مولى نصر وعالجه حتى اندمت جراحه، وقال له: إن شئت أن تقيم معنا فقد أرشدك الله، وإن كرهت فارجع إى مولاك سالماً وأعطنا عهد الله أنك لا تحاربنا ولا تكذب علينا وأن تقول فينا ما رأيت. فرجع إلى مولاه. وقال أبو سملم: إن هذا سيرد عنكم أهل الورع والصلاح فما نحن عندهم على الإسلام، وكذلك كان عندهم يرجفون عليهم بعبادة الأوثان واستحلال الدماء والأموال والفروج.
فملا قدم يزيد على نصر قال: لا مرحباً! فوالله ما ساتبقاك القوم إلا ليتخذوك حجة علينا. فقال: يزيد: هو والله ما ظننت، وقد استحلفوني أن لا أكذب عليهم، وأنا أقول: إنهم والله يصلون الصلاة لمواقيتها بأذان وإقامة، ويتلون القرآن، ويذكرون الله كثيراً، ويدعون إلى ولاية رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وما أحسب أمرهم إلا سعلو، ولولا أنك مولاي لما رجعت إليك ولأقمت معهم. فهذه أول حرب كانت بينهم.
وفي هذه السنة غلب خازم بن خزيمة على مرو الروذ وقتل عامل نصر بن سيار.
وكان سبب ذلك أنه لما أراد الخروج بمرو الروذ، وهو من شيعة بني العباس، منعه بنو تميم، فقال: إنما أنا رجل منكم أريد أن أغلب على مرو، فإن ظفرت فهي لكم، وإن قتلت فقد كفيتم أمري. فكفوا عنه، فعسكر بقرية يقال لها كنج رستاق، وقدم عليه من عند أبي مسلم النضر بن صيح، فلما أمسى خازم بيت أهل مرو فقتل بشر بن جعفر السعدي عامل نصر بن سيار عليها في أول ذي القعدة وبعث بالفتح إلى أبي مسلم مع ابنه خزيمة بن خازم.
وقد قيل في أمر أبي مسلم غير ما ذكرنا، والذي قيل: إن إبراهيم الإمام زوج أبا مسلم لما توجه إلى خراسان ابنة أبي النجم وساق عنه صداقها، وكتب إلى البقاء بالسمع والطاعة، وكان أبو مسلم من أهل خطرنية من سواد الكوفة، وكان قخهرماناً لإدريس بن معقل العجلي، فصار أمره ومنتهى ولائه لمحمد ابن علي، قم لابنه إبراهيم بن محمد، ثم للأئمة من ولد محمد، فقدم خراسان وهو حديث السن، فلم يقبله سليمان بن كثير وخاف أن لا يقوى على أمرهم فرد.
وكان أبو دواد خالد بن إبراهيم غائباً خلف نهر بلخ، فلما رجع إلى مرو أقرأوه كتاب الإمام إبراهيم، فسأل عن أبي مسلم، فأخبره أن سليمان بن كثير رده،فجمع النقباء وقال لهم: أتاكم كتاب الإمام فيمن بعثه إليكم فرددتموه، فما حجتكم؟ فقال سليمان: حداثة سنة وتخوفاً أن لا يقدر على هذا الأمر فخفنا على من دعونا وعلى أنفسنا. فقال: أو داود: هل فيكم أحد ينكر أن الله تعالى أبعث، صلى الله عليه وسلم، واصفاه وبعثه إلى جميع خلقه؟ وقالوا: لا. قال أفتشكون أن الله أنزل عليه كتابه فيه حلاله وحرامه وشرائعه وأنباؤه وأخبر بما كان قبله وبما يكون بعده؟ قالوا:لا. قال: أفتشكون أن الله قبضه إليه بعد أن أدى ما عليه من رسالة ربه؟ قالوا.لا. قال: أفتظنون أن العلم الذي أنزل إليه رفع معه أو خلفه؟ قالوا: بل خلفه؟ قالوا: بل خلفه. قال: أفتظنون خلفه عند غير عترته وأهل بيته الأقرب فالأقرب؟ قالوا: لا. قال: أفتشكون أن أهل هذا البيت معدن العلم وأصحاب ميراث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي علمه الله؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأراكم قد شككتم في أمركم ورددتم عليهم علمهم، ولو لم يعلموا أن هذا الرجل الذي ينبغي له أن يقوم بأمرهم لم يبعثوه إليكم. وهو لا يتهم في نصرتهم وموالاتهم والقيام بحقهم.
فبعثوا إلى أبي مسلم فردوه من قومس بقول أبي دواد وولوه أمرهم وأطاعوه، فلم تزل في نفس أبي مسلم على سليمان بن كثير، ولم يزل يعرفها لأبي داود. [ج3  (2/470)]
وبث الدعاة في أقطار خراسان، فدخل الناس أفواجاً وكثروا، وفشت الدعاة بخراسان كلها، وكتب إليه إبراهيم الإمام أن يوافيه في موسم سنة تسع وعشرين ليأمره بأمره في إظهار دعوته وأن يقدم معه قحطبة بن شبيب ويجمل إليه ما اجتمع عنده من الأموال. ففعل ذلك وسار في جماعة من النقباء والشيعة، فلقيه كتاب الإمام يأمره بالرجوع إلى خراسان وإظهار الدعوة بها؛ وذكر قريباً مما تقدم من تسيير المال مع قحطبة وأن قحطبة سار فنزل بنواحي جرجان، فاستدعى خالد بن برمك وأبا عون فقدما عليه ومعهما ما اجتمع عندهما من مال الشيعة، فأخذ منهما وسار نحو إبراهيم الإمام.
ذكر مقتل الكرماني
قد ذكرنا مقتل الحارث بن سريج وأن الكرماني قتله؛ ولما قتله خلصت له مرو وتنحى نصر عنها، فأرسل نصر إليه سالم بن أحوز في رابطته وفرسانه، فوجد يحيى بن نعيم الشيباني واقفاً في ألف رجل من ربيعة، ومحمد بن المثنى في سبعمائة من فرسان الأزد، وابن الحسن بن الشيخ في ألف من فتيانهم، والجرمي السعدي في ألف من أبناء اليمن. فقال سالم لمحمد بن المثنى: يا محمد قل لهذا الملاح ليخرج إلينا؛ يعني الكرماني. فقال محمد: يا ابن الفاعلة لأبي علي تقول هذا! واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم سالم بن أحوز وقتل من أصحابه زيادة على مائة، ومن أصحاب الكرماني زيادة على عشرين.
فلما قدم أصحاب نصر عليه منهزمين قال له عصمة بن عبد الله الأسدي: يا نصر شأمت العرب! فأما إذ فعلت فشمر عن ساق. فوجه عصمة في جمع، فوقف موقف سالم فنادى يا محمد بن المثنى! لتعلمن أن السمك لا يأكل اللخم واللخم دابة من دواب الماء تشبه السبع يأكل السمك فقال له محمد: يا بن الفاعلة قف لنا إذاً! وأمر محمد السعدي، فخرج إليه في أهل اليمن فاقتلوا قتالاً شديداً، وانهزم عصمة حتى أنى نصراً وقد قتل من أصحابه أربعمائة.
ثم أرسل نصر مالك بن عمرو التميمي في اصحابه، فنادى: يابن المثنى ابز إلي! فبرز إليه، فضربه مالك على حبل عاتقه فلم يصنع شيئاً، وضربه محمد بعمود فشدخ رأسه، والتحم القتال فاقتتلوا قتالاً شديداً، وانهزم أصحاب نصر وقد قتل منهم سبعمائة، ومن أصحاب الكرماني ثلاثمائة، ولم يزل الشر بينهم حتى خرجوا إلى الخندقين فاقتتلوا قتالاً شديداً.
فلما استيقن أبو مسلم أن كلا الفريقين قد أثخن صاحبه وأنه لا مدد لهم جعل يكتب إلى سيبان ثم يقول للرسول: اجعل طريقك على مضر فإنهم سأخذون كتبك، فكانوا يأخذونها فيقرأون فيها: إني رأيت أهل اليمن لا وفاء لهم ولا خير فيهم فلا تثقن بهم ولا تطئن إليهم، فإني أرجو أن يريك الله في اليمانية ما تحب، ولئن بقيت لا أدع لها شرعاً ولا ظفراً. ويرسل رسولاً آخر بكتاب فيه ذكر مضر بمثل ذلك ويأمر الرسول أن يجعل طريقه على اليمانية، حتى صار هوى الفريقي معه، ثم جعل يكتب إلى نصر ابن سيار وإلى الكرماني: إن الإمام أوصاني بكم ولست أعدو رأيه فيكم. وكتب إلى الكور بإظهار الأمر؛ فكان أول من سود أسد بن عبد الله الخزاعي بنسا، ومقاتل بن حكيم، وابن غزوان، ونادوا: يا محمد! يا منصور! وسود أهل أبيورد وأهل مرو الزوذ وقرى مرو.
وأقبل أبو مسلم حتى نزل بين خندق الكرماني وخندق نصر، وهابه الفريقان، وبعث إلى الكرماني: إني معك. فقبل ذلك الكرماني، فانضم أبو مسلم إليه، فاشتد ذلك على نصر بن سيار، فأرسل إلى الكرماني، ويحك لا تغتر! فوالله إني لخائف عليك وعلى أصحابك منه، فادخل مرو ونكتب كتاباً بيننا بالصلح. وهو يريد أن يفرق بين وين أبي مسلم. فدخل الكرماني منزله، واقام أبو مسلم في العسكر، وخرج لنكتب بيننا ذلك الكتاب. فأبصر نصر منه غرة، فوجه إليه ابن الحارث بن سريج في نحو من ثلاثمائة فارس في الرحبة، فالتقوا بها طويلاً ثم إن لكرماني طعن في خاصرته فخر عن دابته وحماه أصحابه حتى جاءهم ما لا قبل لهم به، فقتل نصر ابن سيار الكرماني وصلبه وصلب معه سمكة. [ج3 (2/471)]
وأقبل ابنه علي وقد جمع جمعاً كثير، فصار إلى أبي مسلم واستصحبه معه فقاتلوا نصر بن سيار حتى أخرجوه من دار الإمارة، فمال إلى بعض دور مرو وأقبل أبو مسلم حتى دخل مرو، وأتاه علي بن الكرماني وأعلمه أنه مع وسلم عليه بالإمرة وقال له: مرني بأمرك بإني مساعدك على ماتريد. فقال: أقم على ما أنت عليه حتى آمرك بأمري. ولما نزل أبو مسلم بين خندق الكرماني ونصر ورأى نصر قوته كتب إلى مروان بن محمد يعلمه حال أبي مسلم وخروجه وكثرة من معه، فإنه يدعوا إلى إبراهيم بن محمد،وكتب بأبيات، شعر:
أرى بين الرماد وميض نارٍ ... وأخشى أن يكون له ضرام
فإن الناس بالعودين تذكى ... وإن الحرب مبدأها كلام
فقلت من التعجب ليت شعري ... أأقاظ أمية أم نيام
نصر: أما صاحبكم فقد أعلمكم أنه لا نصر عنده. فكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يستمده، وكتب له بأبيات، شعر:
أبلغ يزيد وخير القول صدقه ... وقد تيقنت أن لا خير في الكذب
أن خراسان أرض قد رأيت بها ... بيضاً لو أفرج قد حدثت بالعجب
فراخ عامين إلا أنها كبرت ... لما يطرن وقد سربلن بالزغب
ألا تدارك بخيل الله معلمةً ... الهبن نيران حربٍ إيما لهب
فقال يزيد: لاتكثر فليس له عندي رجل.
فلما قرأ مروان كتاب نصر تصادف وصول كتابه وصول رسول لأبي مسلم إلى إبراهيم، وقد عاد من عند إبراهيم ومعه جواب أبي مسلم يلعنه إبراهيم ويسبه حيث لم ينتهز الفرصة من نصر والكرماني إذ أمكناه، ويأمر أن لا يدع بخراسان متكلماً بالعربية إلا قتله. فلما قرأ الكتاب كتب إلى عامله بالبلقاء ليسير إلى الحميمة وليأخذ إبراهيم بن محمد فيشده وثاقاً ويبعث به إلى، ففعل ذلك، فأخذه مروان وحبسه.
ذكر تعاقد أهل خراسان على أبي مسلم
وفي هذه السنة تعاقدت عامة قبائل العرب بخراسان على قتال أبي مسلم وفيها تحول أبو مسلم من معسكره بسفيذنج إلى الماخوان.
وكان سبب ذلك أن أبا مسلم لما ظهر أمره سارع إليه الناس، وجعل أهل مرو يأتونه ولا يعرض لهم نصر ولا يمنعهم، وكان الكرماني وشيبان لا يكرهان أمر أبي مسلم لأنه دعا إلى خلع مروان، وأبو مسلم في خباء ليس له حرس ولا حجاب، وعظم أمره عند الناس وقالوا: ظهر رجل من بني هشام له حلم ووقار وسكينة. فانطلق فتية من أهل مرو نساك يطلبون الفقه إلى أبي مسلم فسألوه عن نسبه، فقال: خيري حخير لكم من نسبي؛ وسألوه أشياء من الفقه فقال: أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر خير لكم من هذا، ونحن إلى عونكم أحوج منا إلى مسألتكم فاعفونا.
فقالوا: ما نعرف لك نسباً ولا نظنك تبقى إلا قليلاً حتى تقتل، وما بينك وبين ذلك إلا أن يتفرع أحد هذين الأميرين. فقال أبو مسلم: أنا أقتلهما إن شاء الله. فأتوا نصراً فأخبروه، فقال: جزاكم الله خيراً، مثلكم من يفتقد هذا ويعرفه. وأتوا شيبان فأعلمه فأرسل إليه نصر: إنا قد أشجى بعضنا بعضاً، فأكفف عني حتى أقاتله، وإن شئت فجامعني إلى حربه حتى أقتله أو انفيه ثم نعود إلى أمرنا الذي نحن عليه. فهم شيبان أن يفعل ذلك، فأتى الخبر أبا مسلم، فكتب إلى علي بن الكرماني: إنك موتور قتل أبوك، ونحن تعلم أنك لست على راي شيبان، وإنما تقتل لثأرك. فامتنع شيبان من صلح نصر. فدخل على شيبان فثناه عن رأيه، فأرسل نصر إلى شيبان: إنك لمغرور، والله ليفاقمن هذا الأمر حتى يستصغرني في جنبه كل كبير؛ وقال شعراً يخاطب به ربيعة واليمن ويحثهم على الاتفاق معه على حرب أبي مسلم:
أبلغ ربيعة في مروٍ وفي يمنٍ ... أن اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب
ما بالكم تنشبون الحرب بينكم ... كأن أهل الحجى عن رأيكم غيب
وتتركون عدواً قد أحاط بكم ... ممن تأشب لا دين ولا حسب
لا عرب مثلكم في الناس نعرفهم ... ولا صريح موالٍ إن هم نسبوا
من كان يسألني عن أصل دينهم ... فإن دينهم أن تهلك العرب
قوم يقولون قولا ما سمعت به ... عن النبي ولا جاءت به الكتب [ج3 (2/472)]
فبينا هم كذلك إذ بعث أبو مسلم النضر بن نعيم الضبي إلى هراة وعليها عيسى بن عقيل بن معقل الليثي، فطرده عنها، فقدم على نصر منهزماً وغلب النضر على هراة.
فقال يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني لابن الكرماني وشيبان: اختاروا إما أنكم تهلكون أنتم قبل مضر أو مضر قبلكم. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: إن هذا الرجل إنما ظهر أمره منذ شه وقد صار في عسكره مثل عسكركم. قالوا: فما الرأي؟ قال: صالحوا نصراً، فإنكم إن صالحتموه قاتلوا نصراً وتركوكم لأن الأمر في مضر، وإن لم تصالحوا نصراً صالحوه وقاتوكم، فقدموا مضر قبلكم ولو سعة من نهار فتقر أعينكم بقتلهم.
فأرسل شيبان إلى نصر يدعوه إلى الموادعة، فأجابه وأرسل سالم بن أحوز بكتاب الموادعة، فأتى شيبان وعنده ابن الكرماني: يا أعور! ما أخلقك أن تكون الأعور الذي يكون هلاك مضر على يده! ثم توادعوا سنة وكتبوا كتاباً.
فبلغ ذلك أبا مسلم فكتب إلى شيبان: إنا نوادعك أشهراً فوادعنا ثلاثة أشهر. فقال ابن الكرماني: إني ما صالحت نصراً إنما صالحه شيبان، وأنا لذلك كاره، وأنا موتور بقتله أبي ولا أدع قتاله. فعاود القتال، ولم تعنه شيبان وقال: لا يحل الغدر.
فأرسل ابن الكرماني إلى أبي مسلم يستنصره، فأقبل حتى نزل الماخوان، وكان مقامه بسفيذنج اثنين وأربعين يوماً، ولما نزل الماخوان حفر بها خندقاً وجعل للخندق بابين فعسكر به، واستعمل على الشرط أبا نصر مالك بن الهيثم، وعلى الحرس أبا إسحاق خالد بن عثمان، وعلى ديوان الجند كامل ابن مظفر أبا صالح، وعلى الرسائل أسلم بن صبيح، وعلى القضاء قاسم ابن مجاشع النقيب، وكان القاسم يصلي بأبي مسلم فيقص القصص بعد العصر فيذكر فضل بني هاشم ومعايب بني أمية.
ولما نزل أبو مسلم الماخوان أرسل إلى ابن الكرماني: إني معك على نصر. فقال ابن الكرماني: إني أحب أن يلقاني أبو مسلم. فأتاه أبو مسلم فأقام غنده يومين ثم رجع إلى الماخوان، وذلك لخمس خلون من المحرم سنة ثلاثين ومائة.
وكان أول عامل استعمله أبو مسلم على شيء من العمل داود بن كرار، فرد أبو مسلم العبيد عنه واحتفر لهم خندقاً في قرية شوال وولى الخندق داود بن كرار، فلما اجتمعت للعبيد جماعة وجههم إلى موسى بن كعب بأبيورد.
وأمر أبو مسلم كامل بن مظفر أن يعرض الجند ويكتب أسمائهم وأسماء آبائهم ونسبتهم إلى القرى، ويجعل ذلك في دفتر، فبلغت عدتهم سبعة آلاف رجل، ثم إن القبائل من ربيعة ومضر واليمن توادعوا على وضع الحرب وأن تجتمع كلمتهم على محربة أبي مسلم. وبلغ أبا مسلم الخبر معظم عليه وناظر فإذا الماخوان سافلة الماء، فتخوف أن يقطع نصر عنه الماء فتحول إلى آلين، وكان مقامه بالماخوان أربعة أشهر، فنزل آلين وخندق بها.
وعسكر نصر بن سيار على نهر عياض، وجعل عاصم بن عمرو ببلاش جرد، وأبا الذيال بطوسان، فأنزل أبو الذيال جنده على أهلها، وكان عامة أهلها مع أبي مسلم في الخندق، فآذوا أهل طوسان وعسفوهم وسير إليهم أبو مسلم جنداً، فلقوا أبا الذيال فهزموه وأسروا من أصحابه نحواً من ثلاثين رجلاً، فكساهم أبو مسلم وداوى جراحهم وأطلقهم.
ولما استقر بأبي مسلم معسكره بآلين أمر محرز بن إبراهيم أن يسير في جماعة ويخندق بجيرنج ويجتمع عنده جمع من الشيعة ليقطع مادة نصر من مرو الروذ وبلخ وطخارستان، ففعل ذلك، واجتمع عنده نحو من ألف رجل، فقطع المادة عن نصر.
ذكر غلبة عبد الله بن معاوية على فارس وقتله
وفي هذه السنة غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعقر على فارس وكورها، وقد تقدم ذكر ظهوره بالكوفة وانهزامه وخروجه من الكوفة نحو المدائن.
فلما وصل إليها أتاه ناس من أهل الكوفة وغيرها، فسار إلى الجبال وغلب عليها وعلى حلوان وقومس وأصبهان والري، وخرج إليه عبيد أهل الكوفة وأقام بأصبهان. [ج3 (2/473)]
وكان محرب بن موسى مولى بني يشكرعظيم القدر بفارس، فجاء إلى دار الإمارة بإصطخر فطرد عامل بن عمر عنها وبايع الناس لعبد الله بن معاوية،وخرج محارب إلى كرمان فأغار عليها، وانضم إلى محارب قواد من أهل الشام، فسار إلى مسلم بن المسيب، وهو عامل ابن عمر بشيراز، فقتله في سنة ثمان وعشرين، ثم خرج محارب إلى اصبهان إلى عبد الله بن معاوية فحوله إلى اصطخر، فأقام بها، وأتاه الناس بنو هاشم وغيرهم، وجبا المال وبعث العمال، وكان معه منصور بن جمهوروسليمان بن هشام بن عبد الملك، وأتاه شيبان بن عبد العزيز الخارجي، على ما تقدم، وأتاه أبو جعفر المنصور، وأتاه عبد الله وعيسى ابنا علي بن عبد الله بن عباس.
ولما قدم ابن هبيرة على العراق أرسل نباتة بن حنظلة الكلابي إلى عبد الله ابن معاوية، وبلغ سليمان ابن حبيب أن ابن هبيرة استعمل نبلتة على الأهواز فسرح داود بن حاتم، فأقام بكرخ دينار يمنع نباتة من الأهواز، فقاتله فقتل داود وهرب سليمان من الأهواز إلى سابور، وفيها الأكراد قد غلبوا عليها، فقاتلهم سليمان وطردهم عن سابور وكتب إلى ابن معاوية بالبيعة.
ثم إن محارب بن موسى اليشكري نافر ابن معاوية وفارقه وجمع جمعاً فأتى سابور فقاتله يزيد بن معاوية أخو عبد الله، فانهزم محارب وأتى كرمان فأقام بها حتى قدم محمد بن الأشعث فصار معه، ثم نافره فقتله ابن الأشعث وأربعة وعشرين ابناً له، ولم يزل عبد الله بن معاوية باصطخرحتى أتاه ابن ضبارة مع داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة، وسير ابن هبيرة أيضاً معن بن زائدة من وجه آخر، فقاتلهم معن عند مرو شاذان؛ ومعن يقول:
ليس أمير القوم بالخب الخدع ... فر من الموت وفي الموت وقع
وانهزم ابن معاوية فكف معن عنهم، وقتل في المعركة رجل من آل أبي لهب، وكان يقال: يقتل رجل من بني هاشم بمرو الشاذان، وأسروا أسرى كثيرة، فقتل ابن ضبارة منهم عدة كثيرة، وهرب منصور بن جمهور إلى السند، وعبد الرحمن بن يزيد إلى عمان، وعمرو بن سهل بن عبد العزيز بن مروان إلى مصر،وبعث ببقية الأسرى إلى ابن هبيرة فأطلقهم، ومضى ابن معاوية إلى خراسان. فسار معن بن زائدة يطلب منصور بن جمهور فلم يدركه، فرجع.
وكان ابن معاوية من الخوارج وغيرهم خلق كثير، فأسر منهم أربعون ألفاً، فيهم: عبد الله بن علب بن عبد الله بن عباس، فسبه ابن ضبارة وقال له: ما جاء بك إلى ابن معاوية وقد عرفت خلافة لأمير المؤمنين؟ فقال: كان علي دين فأتيته. فسفع فيه حرب بن قطن الهلالي وقال: هو ابن أختنا، فوهبه له.
فعاب عبد الله بن معاوية ورمى أصحابه باللواط، فسبره ابن ضبارة إلى ابن هبيرة ليخبره أخبار ابن معاوية، وسار في طلب عبد الله بن معاوية إلى شيراز فحصره، فخرج عبد الله بن معاوية منها هارباً ومعه أخواه الحسن ويزيد ابنا معاوية وجماعة من أصحابه، وسلك المفازة على كومان، وقصد خراسان طمعاً في أبي مسلم لأنه يدعو إلى الرضاء من آل محمد وقد استولى على خراسان، فوصل إلى نواحي هراة وعليها أبو نصر مالك بن الهيثم الخزاعي، فأرسل إلى ابن معاوية يسأله عن قدومه، فقال: بلغني أنكم تدعون إلى الرضاء من آل محمد فأتيتكم. فأرسل إليه مالك: انتسب نعرفك. فانتسب له، فقال: أما عبد الله وجعفر فمن أسماء آل رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وأما معاوية فلا نعرفة في أسمائهم، فقال: إن جدي كان عند معاوية لما ولد له أبي، فطلب إليه أن يسمي إبنه باسمه ففعل، فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم. فأرسل إليه مالك: لقد اشتريتم الإسم الخبيث بالثمن اليسير ولا نرى لك حقاً فيما تدعو إليه. ثم أرسل إلى أبي مسلم يعرفه خبره، فأمره بالقبض عليه وعلى من معه، فقبض عليهم وحبسهم، ثم ورد عليه كتاب أبي مسلم يأمره بإطلاق الحسن ويزيد ابني معاوية وقتل هبد الله بن معاوية، فأمر من وضع فراشاً على وجهه فمات، فأخرج فصلي عليه ودفن؛ وفبره بهراة معروف يزار، رحمه الله.[ج3 (2/474)]
ذكر أبي حمزة الخارجي وطالب الحق
وفي هذه السنة قدم أبو حمزة وبلج بن عقبة الأزدي الخارجي من الحج من فبل عبد الله بن يحيى الحضرمي طالب الحق محكماً للخلاف على مروان بن محمد، فبينما الناس بعرفة ما شعروا إلا وقد طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رؤوس الرماح وهم سبعمائة، ففزع الناس حين رأوهم وسألوهم عن حالهم، فأخبروهم بخلافهم مروان وآل مروان. فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ على مكة والمدينة، وطلب منهم هدنة، فقالوا: نحن بحجنا أضن وعليه أشح. فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الأخير، فوقفوا بعرفة على حدة.
فدفع بالناس عبد الواحد فنزل بمنى في منزل السلطان، ونزل أبو حمزة بقرن الثعالب. فأرسل عبد الواحد إلى أبي حمزة الخارجي عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعبيد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وربيعة بن أبي عبد الرحمن في رجال أمثالهم، فدخلوا على أبي حمزة وعليه إزار قطن غليظ، فتقدمهم إليه عبد الله بن الحسن ومحمد بن عبد الله فنسبهما فانتسبا إليه، فعبس في وجههما وأظهر الكراهة لهما ثم سأل عبد الرحمن بن القاسم وعبيد الله بن عمر فانتسبا له، فهش إليهما وتبسم في وجوههما وقال: والله ما خرجنا إلا لنسير بسيرة أبويكما. فقال له عبد الله بن الحسن: والله ما خرجنا لتفضل بين آبائنا، ولكن بعثنا إليك الأمير برسالة، وهذا ربيعة يخبركما.
فلما ذكر له ربيعة نقض العهد قال أبو حمزة: معاذ الله أن ننقض العهد أو نخيس به، لا والله لا أفعل ولو قطعت رقبتي هذه ولكن تنقضي الهدنة بيننا وبينكم. فرجعوا إلى عبد الواحد فأبلغوه. فلما كان النفر الأول نفر عبد الواحد فيه ووخلى مكة، فدخلها أبو حمزة بغير قتال؛ فقال بعضهم في عبد الواحد:
زار الحجيج عصابة قد خالفوا ... دين الإله ففر عبد الواحد
ترك الحلائل والإمارة هارباً ... ومضى يخبط كالبعير الشارد
ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة فضرب على أهلها البعث وزادهم في العطاء عشرة عشرة، واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فخرجوا، فلما كانوا بالحرة تلقتهم جزر منحورة فمضوا.
ذكر ولاية يوسف بن عبد الرحمن الفهري بالأندلس
وفي هذه السنة توفي ثوابة بن سلامة أمير الأندلس، وكانت ولايته سنتين وشهوراً، فلما توفي اختلف الناس، فالمضرية أرادت أن يكون الأمير منهم، واليمانية أرادت كذلك أن يكون الأمير منهم، فبقوا بغير أمير، فخاف الصميل الفتنة فأشار بأن يكون الوالي من قريش، فرضوا كلهم بذلك، فاختار لهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكان يومئذ بإلبيرة، فكتبوا إليه بما اجتمع عليه الناس من تأميره، فامتنع. فقالوا له: إن لم تفعل وقعت الفتنة ويكون إثم ذلك عليك. فأجاب حينئذ وسار إلى قرطبة فدخلها وأطاعه الناس.
فلما انتهى إلى أبي الخطار موت ثوابة وولاية يوسف فقال: إنما أراد الصميل أن يصير الأمر إلى مضر؛ وسعى في الناس حتى ثارت الفتنة بين اليمن ومضر.
فلما رأى يوسف ذلك فارق قصر الإمارة بقرطبة وعاد إلى منزله، وسال أبو الخطار إلى شقندة، فاجتمعت إليه اليمانية، واجتمعت المضرية إلى الصميل وتزاحفوا واقتتلوا أياماً كثيرة قتالاً لم يكن بالأتدلس أعظم منه، ثم أجلت الحرب عن هزيمة اليمانية، ومضى أبو الخطار منهزماً فاستتر في رحى كانت للصميل، فدل عليه، فأخذه الصميل وقتله، ورجع يوسف بن عبد الرحمن إاى القصر، وازجاد الصميل شرفاً، وكان اسم الإمارة ليوسفوالحكم إلى الصميل.
ثم خرج على يوسف بن عبد الرحمن ابن علقمة اللخمي بمدينة أربونة، فلم يلبث إلا قليلاً حتى قتل وحمل رأسه إلى يوسف.
وخرج عليه عذره المعروف بالذمي؛ فإنما قيل له ذلك لأنه استعان بأهل الذمة؛ فوجه إليه بوسف عامر بن عمرو، وهو الذي تنسب إليه مفبرة عامر من أبواب قرطبة، فلم يظفر به وعاد مفلولاً، فسار إليه يوسف بن عبد الرحمن فقاتله فقتله واستباح عسكره.
وقد وردت هذه الحادثة من حهة أخرى وفيها بعض الخلاف، وسنذكرهاسنة تسع وثلاثين ومائة عند دخول عبد الرحمن الأموي الأندلس. [ج3 (2/475)]
ذكر عدة حوادث
وحج بالناس عبد الواحد، وهو كان العامل على مكة والمدينة والطائف. وكان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي، وعلى البصرة عباد بن منصور، وكان على خراسان نصر بن سيار والفتنة بها.
وفيها مات سالم أبو نصر. وفيها مات يحيى بن يعمر العدوي بخراسان، وكان قد تعلم النحو من أبي الأسود الدؤلي، وكان من فصحاء التابعين. وفيها مات أبو الزناد بن عبد الله بن ذكوان. وفيها مات وهب بن كيسان. ويحيى بن أبي كثير اليمامي أبو نصر. وسعيد بن أبي صالح. وأبي اسحاق الشيباني. والحارث بن عبد الرحمن. ورقبة بن مصقلة الكوفي. ومنصور بن زادان مولى عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي، وشهد جنازته المسلمون واليهود والنصارى والمجوش لإتفاقهم على صلاحه، وقيل: مات سنة إحدى وثلاثين.

 

This site was last updated 06/22/11