Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الخليفة الرابع عشر لبنى أمية :  مروان بن محمد بن مروان بن الحكم "الجعدي الحمار"

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة 127 مبايعة مروان
سنة ثمان وعشرين ومائة
سنة تسع وعشرين ومائة
سنة ثلاثين ومائة
سنة إحدى وثلاثين ومائة
سنة 132 قتل الخليفة مروان

الخليفة الرابع عشر لبنى أمية : أبو عبد الملك / مروان بن محمد بن مروان بن الحكم "الجعدي الحمار"

الخليفة مروان بن محمد بن المعروف بالحمار  آخر خلفاء بنى أمية
ولاه مروان بن محمد بن المعروف بالحمار على إمرة مصر وهو بالشأم فأرسل حسان من الشأم بكتاب إلى ابن نعيم باستخلافه على صلاة مصر إلى أن يحضر من الشأم فسلم حفص بن الوليد الأمر إلى أبن نعيم ثم قدم حسان المذكور إلى مصر في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة على الصلاة لا غير‏.‏
وزاد صاحب البغية وقال‏:‏ قدم في يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة‏.‏
وكان عيسى بن أبي عطاء على الخراج فلما أستقر أمر حسان في إمرة مصر أسقط الفروض التي كان قررها حفص بن الوليد في ولايته وقطع فروض الجند كلها فوثبوا عليه وقاتلوه وقالوا‏:‏ لا نرضى إلا بحفص‏.‏
وركبوا إلى المسجد ودعوا إلى خلع مروان الحمار من الخلافة وحصروا حسان في داره وقالوا له‏:‏ اخرج عنا فإننا لا نقيم معك ببلد‏.‏

فلم تطل مدة أيام يزيد وتوفي وبويع بالخلافة من بعده إبراهيم بن الوليد فلم يتم عليه أمره وتغلب عليه مروان بن محمد بن مروان الجعدي المعروف بالحمار ودعا لنفس

وبينما هم في ذلك إذ قدم عليهم الخليفة مروان الحمار من أرض الشام وقد انهزم من أبي مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس في يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من شوال وقيل لثلاث بقين من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏
ولما دخل مروان مصر وجد أهل الحوف الشرقي من بلاد مصر وأهل الإسكندرية والصعيد قد صاروا مسودة - أعني صاروا من أعوان بني العباس ولبسوا السواد - فعزم مروان الحمار على تعدية النيل فعدى إلى الجيزة وأحرق الجسرين والدار المذهبة وبعث بجيش إلى الإسكندرية فاقتتلوا مع من كان بها بالكريون وبينما هو في ذلك خالفت القبط فبعث إليهم مروان من قاتلهم أيضًا وهزمهم ثم بعث جيشًا إلى الصعيد‏.‏
وبينما هو في ذلك قدم صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في طلب مروان ومع صالح أبو عون عبد الملك بن يزيد وكان قدوم عبد الملك إلى الديار المصرية في يوم الثلاثاء النصف من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة المذكورة فلم يثبت مروان الحمار لصالح المذكور وتوجه إلى بوصير بالجيزة ومعه عبد الملك صاحب مصر وغيره من حواشيه وأمرائه وأقاربه من بني أمية‏.‏
فلحقه صالح بها فالتقاه مروان الحمار بمن معه وقاتله حتى انهزم وقتل في يوم الجمعة لتسع بقين من ذي الحجة‏.‏
ثم عاد صالح بن علي المذكور ودخل الفسطاط في يوم الأحد لثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وبعث برأس مروان إلى الشام والعراق وزالت دولة بني أمية‏.‏

وزالت في هذه السنة بقتل مروان الحمار دولة بني أمية وبويع السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة وهو أول خلفاء بني العباس‏.‏
ولا بد من ذكر كيفية انفصال دولة بني أمية وابتداء دولة بني العباس وكان عبد الملك أمير مصر فإنه آخر من ولي من أمراء بني أمية‏.‏

بيعة السفاح وبداية الخلافة العباسية
بيعة السفاح بالخلافة لما كان المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة بلغ ابن هبيرة أمير العراقين لبني أمية أن قحطبة أحد دعاة بني العباس توجه نحو الموصل يريد الكوفة‏.‏
فرحل ابن هبيرة بأصحابه نحو الكوفة وسار كل منهما حتى توا قعا فجاءت قحطبة طعنة فوقع في الفرات فهلك ولم يعلم به قومه‏.‏
وانهزم أيضًا أصحاب ابن هبيرة وغرق خلق منهم في المخايض‏.‏
وقال بيهس بن حبيب‏:‏ ونادى منادٍ في جمع الناس بعد أن جاوزنا الفرات‏:‏ من أراد الشام فهلم فذهب معه جمع من الناس ونادى آخر‏:‏ من أراد الجزيرة فتبعه خلق ونادى آخر‏:‏ من أراد الكوفة فذهب كل جند إلى ناحية‏.‏
فقلت‏:‏ من أراد واسط فهلم فاجتمعنا على ابن هبيرة وسرنا حتى دخلنا واسط يوم عاشوراء‏.‏
وأصبح وأصبحوا المسودة وقد فقدوا قائدهم قحطبة ثم استخرجوه من الماء وفيه طعنة في جبهته فدفنوه وأمروا عليهم ابنه الحسن فقصد بهم الكوفة فدخلوها يوم عاشوراء أيضًا وهرب متوليها من قبل بني أمية وهو زياد بن صالح‏.‏
فاستعمل ابن قحطبة على الكوفة أبا سلمة الخلال ثم قصد واسط فنزلها وخندق على جيشه‏.‏
فعبأ ابن هبيرة عساكره فالتقوا فانهزم عسكر ابن هبيرة وتحصنوا بواسط وقتل في الوقعة حكيم بن المسيب الجدلي‏.‏
ثم وثب أبو مسلم صاحب دعوة بني العباس على ابن الكرماني فقتله بنيسابور وجلس في دست الملك وخطب للسفاح وأخذ في أسباب بيعة السفاح بالخلافة فلما كان يوم ثالث شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين ومائة بويع بالخلافة في دار مولاهم الوليد بن سعد ولم ينتطح في ذلك عنزان‏.‏
وبلغ ذلك خليفة الوقت مروان بن محمد بن مروان الأموي المعروف بالحمار فسار من الشام في مائة ألف حتى نزل الرأس عون الموصل‏.‏
فجهز السفاح عمه عبد الله بن علي في جيش فالتقى الجمعان على كشاف في جمادى الآخرة فانكسر مروان وتقهقر إلى الجزيرة وقطع وراءه الجسر وقصد الشام ليتقى ويلتقي ثانيًا بالمسودة‏.‏
ودخل عبد الله بن علي العباسي الجزيرة فاستعمل عليها موسى بن كعب التميمي ثم طلب الشام مجدًا‏.‏
وأمده السفاح بعمه الآخر صالح بن علي فسار عبد الله حتى نزل دمشق فعجز مروان عن ملاقاته وفر إلى غزة فحوصرت دمشق مدة ثم أخذت في شهر رمضان وقتل خلق من بني أمية وجندهم لا يدخل تحت حصر‏.‏
فلما بلغ مروان ذلك هرب إلى مصر ثم قتل في آخر السنة ببوصير حسبما ذكرناه وهرب ابناه عبد الله وعبيد الله إلى النوبة ووقع ما ذكرناه في ترجمة عبد الملك أمير مصر من قتل حوثرة وحسان وغير ذلك‏.‏
قال محمد بن جرير الطبري‏:‏ كان بدء أمر بني العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عنه أعلم العباس عمه أن الخلافة تؤول إلى ولده فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ويتحدثون به بينهم‏.‏
وعن رشيد بن كريب أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال‏:‏ يا بن عم إن عندي علمًا أريد أن أبديه إليك فلا تطلعن عليه أحدًا‏.‏
إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم‏.‏
قال‏:‏ قد علمته فلا يسمعنه منك أحد‏.‏
وروى المدائني عن جماعة أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال‏:‏ لنا ثلاثة أوقات‏:‏ موت الطاغية يزيد بن معاوية ورأس المائة وفتق بإفريقية فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب ويستخرجوا ما كنز الجبارون فيها فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر بعث محمد الإمام رجلًا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا يسمي أحدًا‏.‏
ثم توجه أبو مسلم وغيره وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه ثم وقع في يد مروان الحمار كتاب إبراهيم بن محمد الإمام إلى أبي مسلم جواب كتاب يأمره بقتل كل من يتكلم بالعربية بخراسان فقبض مروان على إبراهيم وقد كان مروان وصف له صفة السفاح التي كان يجدها في الكتب‏.‏
فلما جيء بإبراهيم قال‏:‏ ليست هذه الصفة التي وجدت‏.‏
ثم ردهم وشرع في طلب الموصوف له فإذا بالسفاح وإخوته وعمومته قد هربوا إلى العراق فيقال‏:‏ إن إبراهيم كان قد نعى إليهم نفسه وأمرهم بالهرب فساروا حتى نزلوا في الحميمة في أرض البلقاء‏.‏
ثم قدموا الكوفة فأنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد‏.‏
فبلغ الخبر أبا الجهم فاجتمع بموسى بن كعب وعبد الحميد بن ربعي وسلمة بن محمد وإبراهيم بن سلمة وعبد الله الطائي وإسحاق بن إبراهيم وشراحيل وعبد الله بن بسام وجماعة من كبار شيعتهم فدخلوا على آل العباس فقالوا‏:‏ آيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية فأشاروا إلى السفاح فسلموا عليه بالخلافة‏.‏
ثم خرج السفاح يوم جمعة على برذون أبلق فصلى بالناس بالكوفة ثم عاد السفاح إلى المنبر ثانيًا وقال‏:‏ الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فشرفه وكرمه وعظمه واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به والذابين عنه‏.‏
ثم ذكر قرابتهم في آيات من القرآن الشريف إلى أن قال‏:‏ فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب وبنو مروان فجاروا واستأثروا فأملى الله لهم حينًا حتى أسفوه فانتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله‏.‏
يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا‏.‏
وقد زدت في أعطياتكم مائة مائة فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المبير‏.‏
وكان السفاح موعوكًا فجلس فقام عمه داود بن علي فخطب وأبلغ وقال‏:‏ إن أمير المؤمنين نصره الله نصرًا عزيزًا إنما عاد إلى المنبر لأنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك فادعوا له بالعافية فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان المتبع لسلفه المفسدين في الأرض الشاب المتكفل وسماه فضج الناس له بالدعاء‏.‏
وأما إبراهيم بن محمد أعني أخا السفاح الذي وقع له مع مروان ما ذكرناه فإن مروان قتله بعد ذلك غيلة وقيل‏:‏ بل مات في السجن بحران بالطاعون‏.‏
 

 

*****************************************************************************************

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء العاشر- السنة 72 ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

ذكر دخول مروان الحمار دمشق وولايته الخلافة

لما أقبل مروان بمن معه من الجنود من عين الجر واقترب من دمشق وقد انهزم أهلها بين يديه بالأمس، هرب إبراهيم بن الوليد، وعمد سليمان بن هشام إلى بيت المال ففتحه وأنفق ما فيه على أصحابه ومن اتبعه من الجيوش، وسار موالي الوليد بن يزيد إلى دار عبد العزيز بن الحجاج فقتلوه فيها، وانتهبوها ونبشوا قبر يزيد بن الوليد وصلبوه على باب الجابية، ودخل مروان بن محمد دمشق فنزل في أعاليها، وأتي بالغلامين الحكم وعثمان وهما مقتولان وكذلك يوسف بن عمر فدفنوه‏.‏

وأتي بأبي محمد السفياني وهو في حبوله فسلم على مروان بالخلافة فقال مروان‏:‏ مه‏.‏

فقال‏:‏ إن هذين الغلامين جعلاها لك من بعدهما‏.‏

ثم أنشد قصيدة قالها الحكم في السجن وهي طويلة منها قوله‏:‏

ألا من مبلغ مروان عني * وعمي الغمر طال بذا حنينا

بأني قد ظلمت وصار قومي * على قتل الوليد متابعينا

فإن أهلك أنا وولي عهدي * فمروان أمير المؤمنينا

ثم قال أبو محمد السفياني لمروان‏:‏ ابسط يدك‏.‏

فكان أول من بايعه بالخلافة، فمعاوية بن يزيد بن حصين بن نمير ثم بايعه رؤس أهل الشام من أهل دمشق وحمص وغيرهم، ثم قال لهم مروان‏:‏ اختاروا أمراء نوليهم عليكم‏.‏

فاختار أهل كل بلد أميراً فولاه عليهم، فعلى دمشق‏:‏ زامل بن عمرو الجبراني، وعلى حمص‏:‏ عبد الله بن شجرة الكندي، وعلى الأردن‏:‏ الوليد بن معاوية بن مروان، وعلى فلسطين‏:‏ ثابت بن نعيم الجذامي‏.‏

ولما استوت الشام لمروان بن محمد رجع إلى حران وعند ذلك طلب منه إبراهيم بن الوليد الذي كان خليفة وابن عمه سليمان بن هشام الأمان فأمنهما، وقدم عليه سليمان بن هشام في أهل تدمر فبايعوه، ثم لما استقر مروان في حران أقام فيها ثلاثة أشهر فانتقض عليه ما كان انبرم له من مبايعة أهل الشام، فنقض أهل حمص وغيرهم، فأرسل إلى أهل حمص جيشاً فوافوهم ليلة عيد الفطر من هذه السنة، وقدم مروان إليها بعد الفطر بيومين، فنازلها مروان في جنود كثيرة، ومعه يومئذ إبراهيم بن الوليد المخلوع، وسليمان بن هشام، وهما عنده مكرمان خصيصان لا يجلس إلا بهما وقت الغداء والعشاء، فلما حاصر حمص نادوه إنا على طاعتك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/26‏)‏

فقال‏:‏ افتحوا باب البلد، ففتحوه‏.‏

ثم كان منهم بعض القتال فقتل منهم نحو الخمسمائة أو الستمائة، فأمر بهم فصلبوا حول البلد، وأمر بهدم بعض سورها‏.‏

وأما أهل دمشق فأما‏:‏ أهل الغوطة فحاصروا أميرهم زامل بن عمر، وأمَّروا عليهم يزيد بن خالد القسري، وثبت في المدينة نائبها، فبعث إليه أمير المؤمنين مروان من حمص عسكراً نحو عشرة آلاف، فلما اقتربوا من دمشق خرج النائب فيمن معه، والتقوا هم والعسكر بأهل الغوطة فهزموهم، وحرقوا المزة وقرى أخرى معها، واستجار يزيد بن خالد القسري وأبو علاقة الكلبي برجل من أهل المزة من لخم، فدل عليهم زامل بن عمرو فقتلهما وبعث برأسيهما إلى أمير المؤمنين مروان وهو بحمص‏.‏

وخرج ثابت بن نعيم في أهل فلسطين على الخليفة وأتوا طبرية فحاصروها، فبعث الخليفة إليهم جيشاً فأجلوهم عنها واستباحوا عسكرهم، وفر ثابت بن نعيم هارباً إلى فلسطين فاتبعه الأمير أبو الورد فهزمه ثانية وتفرق عنه أصحابه، وأسر أبو الورد ثلاثة من أولاده فبعث بهم إلى الخليفة وهم جرحى فأمر بمداواتهم‏.‏

ثم كتب أمير المؤمنين إلى نائب فلسطين وهو الرماحس بن عبد العزيز الكناني يأمره بطلب ثابت بن نعيم حيث كان، فما زال يتلطف به حتى أخذه أسيراً، وذلك بعد شهرين، فبعثه إلى الخليفة وأمر بقطع يديه ورجليه، وكذلك جماعة كانوا معه، وبعث بهم إلى دمشق فأقيموا على باب مسجدها، لأن أهل دمشق كانوا قد أرجفوا بأن ثابت بن نعيم ذهب إلى ديار مصر فتغلب عليها وقتل نائب مروان فيها، فأرسل إليهم مقطع اليدين والرجلين ليعرفوا بطلان ما كانوا به أرجفوا‏.‏

وأقام الخليفة مروان بدير أيوب عليه السلام مدة حتى بايع لابنه عبد الله ثم عبيد الله وزوجهما ابنتي هشام، وهما‏:‏ أم هشام وعائشة، وكان مجمعاً حافلاً وعقداً هائلاً، ومبايعةً عامةً، ولكن لم تكن في نفس الأمر تامة‏.‏

وقدم الخليفة إلى دمشق، وأمر بثابت وأصحابه بعد ما كانوا تقطعوا أن يصلبوا على أبواب البلد، ولم يستبق منهم أحد إلا واحداً وهو‏:‏ عمر بن الحارث الكلبي، وكان عنده فيما زعم علم بودايع كان ثابت بن نعيم أودعها عند أقوام‏.‏

واستوسق أمر الشام لمروان ماعدا تدمر، فسار من دمشق فنزل القسطل من أرض حمص، وبلغه أن أهل تدمر قد غوروا ما بينه وبينهم من المياه، فاشتد غضبه عليهم ومعه حجافل من الجيوش، فتكلم الأبرش بن الوليد وكانوا قومه فسأل منه أن يرسل إليهم أولاً ليعذر إليهم‏.‏

فبعث عمرو بن الوليد أخا الأبرش، فلما قدم عليهم لم يلتفتوا إليه ولا سمعوا له قولاً فرجع، فهمَّ الخليفة أن يبعث الجنود فسأله الأبرش أن يذهب إليهم بنفسه فأرسله، فلما قدم عليهم الأبرش كلمهم واستمالهم إلى السمع والطاعة، فأجابه أكثرهم وامتنع بعضهم، فكتب إلى الخليفة يعلمه بما وقع، فأمره الخليفة أن يهدم بعض سورها، وأن يقبل بمن أطاعه منهم إليه، ففعل‏.‏

فلما حضروا عنده سار بمن معه من الجنود نحو الرصافة على طريق البرية، ومعه من الرؤوس‏:‏ إبراهيم بن الوليد المخلوع، وسليمان بن هشام، وجماعة من ولد الوليد، ويزيد، وسليمان، فأقام بالرصافة أياماً ثم شخص إلى البرية‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/27‏)‏

فاستأذنه سليمان بن هشام أن يقيم هناك أياماً ليستريح ويجم ظهره فأذن له، فانحدر مروان فنزل عند واسط على شط الفرات فأقام ثلاثاً، ثم مضى إلى قرقيسيا وابن هبيرة بها ليبعثه إلى العراق لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي الحروري، واشتغل مروان بهذا الأمر‏.‏

وأقبل عشرة آلاف فارس ممن كان مروان قد بعثهم في بعض السرايا، فاجتازوا بالرصافة وفيها سليمان بن هشام بن عبد الملك الذي كان استأذن الخليفة في المقام هناك للراحة، فدعوه إلى البيعة له وخلع مروان بن محمد ومحاربته، فاستزله الشيطان فأجابهم إلى ذلك، وخلع مروان وسار بالجيوش إلى قنسرين، وكاتب أهل الشام فانفضوا إليه من كل وجه‏.‏

وكتب سليمان إلى ابن هبيرة الذي جهزه مروان لقتال الضحاك بن قيس الخارجي يأمره بالمسير إليه، فالتفت إليه نحو من سبعين ألفاً، وبعث مروان إليهم عيسى بن مسلم في نحو من سبعين ألفاً، فالتقوا بأرض قنسرين فاقتتلوا قتالاً شديداً، وجاء مروان والناس في الحرب فقاتلهم أشد قتال فهزمهم، وقتل يومئذ إبراهيم بن سليمان بن هشام، وكان أكبر ولده، وقتل منهم نيفاً وثلاثين ألف‏.‏

وذهب سليمان مغلوباً فأتى حمص فالتف عليه من انهزم من الجيش فعسكر بهم فيها، وبنى ما كان مروان هدم من سورها‏.‏

فجاءهم مروان فحاصرهم بها ونصب عليهم نيفاً وثمانين منجنيقاً، فمكث كذلك ثمانية أشهر يرميهم ليلاً ونهاراً، ويخرجون إليه كل يوم ويقاتلون ثم يرجعون‏.‏

هذا وقد ذهب سليمان وطائفة من الجيش معه إلى تدمر وقد اعترضوا جيش مروان في الطريق وهموا بالفتك به وأن ينتهبوه فلم يمكنهم ذلك، وتهيأ مروان فقاتلهم فقتلوا من جيشه قريباً من ستة آلاف وهم تسعمائة، انصرفوا إلى تدمر، ولزم مروان محاصرة حمص كمال عشرة أشهر‏.‏

فلما تتابع عليهم البلاء، ولزمهم الذل، سألوه أن يؤمنهم فأبى إلا أن ينزلوا على حكمه، ثم سألوه الأمان على أن يمكنوه من سعيد بن هشام، وابنيه مروان وعثمان ومن السكسكي الذي كان حبس معه، ومن حبشي كان يفتري عليه ويشتمه‏.‏

فأجابهم إلى ذلك فأمنهم وقتل أولئك، ثم سار إلى الضحاك، وكان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز نائب العراق قد صالح الضحاك الخارجي على ما بيده من الكوفة وأعمالها‏.‏

وجاءت خيول مروان قاصدة إلى الكوفة، فتلقاهم نائبها من جهة الضحاك - ملحان الشيباني - فقاتلهم فقتل ملحان، واستناب الضحاك عليها المثنى بن عمران من بني عائذة، وسار الضحاك في ذي القعدة إلى الموصل، وسار ابن هبيرة إلى الكوفة فانتزعها من أيدي الخوارج، وأرسل الضحاك جيشاً إلى الكوفة فلم يجد شيئاً‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج الضحاك بن قيس الشيباني، وكان سبب خروجه أن رجلاً يقال له‏:‏ سعيد بن بهدل - وكان خارجياً - اغتنم غفلة الناس واشتغالهم بمقتل الوليد بن يزيد، فثار في جماعة من الخوارج بالعراق، فالتف عليه أربعة آلاف - ولم تجتمع قبلها لخارجي - فقصدتهم الجيوش فاقتتلوا معهم، فتارة يكسرون وتارة يُكسرون‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/28‏)‏

ثم مات سعيد بن بهدل في طاعون أصابه، واستخلف على الخوارج من بعده الضحاك بن قيس هذا، فالتف أصحابه عليه، والتقى هو وجيش كثير فغلبت الخوارج وقتلوا خلقاً كثيراً، منهم عاصم بن عمر بن عبد العزيز - أخو أمير العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز - فرثاه بأشعار‏.‏

ثم قصد الضحاك بطائفة من أصحابه مروان فاجتاز الكوفة، فنهض إليه أهلها فكسرهم ودخل الكوفة فاستحوذ عليها، واستناب بها رجلاً اسمه‏:‏ حسان، ثم استناب ملحان الشيباني في شعبان من هذه السنة، وسار هو في طلب عبد الله بن عمر بن عبد العزيز نائب العراق، فالتقوا فجرت بينهم حروب كثيرة يطول ذكرها وتفصيلها‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ اجتمعت جماعة من الدعاة إلى بني العباس عند إبراهيم بن محمد الإمام ومعهم أبو مسلم الخراساني، فدفعوا إليه نفقات كثيرة، وأعطوه خمس أموالهم، ولم ينتظم لهم أمر في هذه السنة لكثرة الشرور المنتشرة، والفتن الواقعة بين الناس‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج بالكوفة معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فدعا إلى نفسه، وخرج إلى محاربة أمير العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فجرت بينهما حروب يطول ذكرها، ثم أجلاه عنها فلحق بالجبال فتغلب عليها‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج الحارث بن سريج الذي كان لحق ببلاد الترك ومالأهم على المسلمين فمنَّ الله عليه بالهداية ووفقه حتى خرج إلى بلاد الشام، وكان ذلك عن دعاء يزيد بن الوليد إلى الرجوع إلى الإسلام وأهله فأجابه إلى ذلك، وخرج إلى خراسان فأكرمه نصر بن سيار نائب سورة، واستمر الحارث بن سريج على الدعوة إلى الكتاب والسنة وطاعة الإمام، وعنده بعض المناوأة لنصر بن سيار‏.‏

قال الواقدي وأبو معشر‏:‏ وحج بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أمير الحجاز ومكة والمدينة والطائف، وأمير العراق نضر بن سعيد الحرشي، وقد خرج عليه الضحاك الحروري، وعبد الله بن عبد العزيز‏.‏

وأمير خراسان نصر بن سيار، وقد خرج عليه الكرماني والحارث بن سريج‏.‏

وممن توفي هذه السنة‏:‏ بكر بن الأشج، وسعد بن إبراهيم، وعبد الله بن دينار، وعبد الملك بن مالك الجزري، وعمير بن هانئ، ومالك بن دينار، ووهب بن كيسان، وأبو إسحاق السبيعي‏

*****

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء العاشر- السنة 32 ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

 

آخر خلفاء بني أمية، وتحول الخلافة إلى بني العباس مأخوذة من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 247‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 26‏]‏ الآية‏.‏
وقد ذكرنا أن مروان لما بلغه خبر أبي مسلم وأتباعه وما جرى بأرض خراسان، تحول من حران فنزل على نهر قريب من الموصل، يقال له‏:‏ الزاب من أرض الجزيرة ثم لما بلغه أن السفاح قد بويع له بالكوفة والتفت عليه الجنود، واجتمع له أمره، شق عليه جداً، وجمع جنوده فتقدم إليه أبو عون بن أبي يزيد في جيش كثيف وهو أحد أمراء السفاح، فنازله على الزاب وجاءته الأمداد من جهة السفاح، ثم ندب السفاح الناس ممن يلي القتال من أهل بيته، فأنتدب له عبد الله بن علي فقال‏:‏ سر على بركة الله‏.‏
فسار في جنود كثيرة فقدم على أبي عون فتحول له أبو عون عن سرادقه وخلاه له وما فيه، وجعل عبد الله بن علي على شرطته حياش بن حبيب الطائي، ونصير بن المحتفز، ووجه أبو العباس موسى بن كعب في ثلاثين رجلاً على البريد إلى عبد الله بن علي يحثه على مناجزة مروان، والمبادرة إلى قتاله ونزاله قبل أن تحدث أمور، وتبرد نيران الحرب‏.‏
فتقدم عبد الله بن علي بجنوده حتى واجه جيش مروان، ونهض مروان في جنوده وتصافَّ الفريقان في أول النهار، ويقال‏:‏ إنه كان مع مروان يومئذ مائة ألف وخمسون ألفاً‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 10/47‏)‏
ويقال‏:‏ مائة وعشرون ألفاً، وكان عبد الله بن علي في عشرين ألفاً‏.‏
فقال مروان لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز‏:‏ إن زالت الشمس يومئذ ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل الزوال فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏
ثم أرسل مروان إلى عبد الله بن علي يسأله الموادعة، فقال عبد الله‏:‏ كذب ابن زريق، لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل، إن شاء الله‏.‏
وكان ذلك يوم السبت لإحدى عشر ليلة خلت من جمادى الآخرة من هذه السنة، فقال مروان‏:‏ قفوا لا تبتدئون بقتال‏.‏
وجعل ينظر إلى الشمس فخالفه الوليد بن معاوية بن مروان - وهو‏:‏ ختن مروان على ابنته - فحمل، فغضب مروان فشتمه فقاتل أهل الميمنة فأنحاز أبو عون إلى عبد الله بن علي، فقاتل موسى بن كعب لعبد الله بن علي، فأمر الناس فنزلوا ونودي‏:‏ الأرض الأرض‏.‏
فنزلوا وأشرعوا الرماح وجثوا على الركب وقاتلوهم، وجعل أهل الشام يتأخرون كأنما يدفعون، وجعل عبد الله يمشي قدماً، وجعل يقول‏:‏ يا رب حتى متى نقتل فيك ‏؟‏
ونادى يا أهل خراسان ‏!‏ يا شارات إبراهيم الإمام، يا محمد يا منصور، واشتد القتال جداً بين الناس، فلا تسمع إلا وقعاً كالمرازب على النحاس، فأرسل مروان إلى قضاعة يأمرهم بالنزول فقالوا‏:‏ قل لبني سليم فلينزلوا‏.‏
وأرسل إلى السكاسك أن احملوا فقالوا‏:‏ قل لبني عامر أن يحملوا‏.‏
فأرسل إلى السكون أن احملوا فقالوا‏:‏ قل إلى غطفان فليحملوا‏.‏
فقال لصاحب شرطته‏:‏ انزل‏.‏
فقال‏:‏ لا ‏!‏ والله لا أجعل نفسي غرضاً‏.‏
قال‏:‏ أما والله لأسوءنك‏.‏
قال‏:‏ وددت لو قدرت على ذلك‏.‏
ويقال‏:‏ أنه قال ذلك لابن هبيرة‏.‏
قالوا‏:‏ ثم انهزم أهل الشام واتبعتهم أهل خراسان في أدبارهم يقتلون ويأسرون، وكان من غرق من أهل الشام أكثر ممن قتل وكان في جملة من غرق إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع، وقد أمر عبد الله بن علي بعقد الجسر، واستخراج من غرق في الماء، وجعل يتلو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 50‏]‏‏.‏
وأقام عبد الله بن علي في موضع المعركة سبعة أيام، وقد قال رجل من ولد سعيد بن العاص في مروان وفراره يومئذ‏:‏
لج الفرار بمروان فقلت له * عاد الظلوم ظليماً همه الهرب
أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت * عنك الهوينا فلا دين ولا حسب
فراشة الحلم فرعون العقاب وإن * تطلب نداه فكلب دونه كلب
‏(‏ج/ص‏:‏ 10/48‏)‏
واحتاز عبد الله ما في معسكر مروان من الأموال والأمتعة والحواصل، ولم يجد فيه امرأة سوى جارية كانت لعبد الله بن مروان، وكتب إلى أبي العباس السفاح بما فتح الله عليه من النصر، وما حصل لهم من الأموال‏.‏
فصلى السفاح ركعتين شكراً لله عز وجل، وأطلق لكل من حضر الوقعة خمسمائة خمسمائة، ورفع في أرزاقهم إلى ثمانين، وجعل يتلو قوله‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 249‏]‏ الآية‏.‏

مقتل مـــــــــــــــروان
لما انهزم مروان سار لا يلوي على أحد، فأقام عبد الله بن علي في مقام المعركة سبعة أيام، ثم سار خلفه بمن معه من الجنود، وذلك عن أمر السفاح له بذلك‏.‏
فلما مر مروان بحران اجتازها وأخرج أبا محمد السفياني من سجنه، واستخلف عليها أبان بن يزيد - وهو ابن أخته، وزوج ابنته أم عثمان - فلما قدم عبد الله على حران خرج إليه أبان بن يزيد مسوِّداً فأمنه عبد الله بن علي وأقره على عمله، وهدم الدار التي سجن فيها إبراهيم الإمام، واجتاز مروان قنسرين قاصداً حمص، فلما جاءها خرج إليه أهلها بالأسواق والمعايش، فأقام بها يومين أو ثلاثة ثم شخص منها، فلما رأى أهل حمص قلة من معه اتبعوه ليقتلوه ونهبوا ما معه، وقالوا‏:‏ مرعوب مهزوم‏.‏
فأدركوه بواد عند حمص فأكمن لهم أميرين، فلما تلاحقوا بمروان عطف عليهم فنانشدهم أن يرجعوا فأبوا إلا مقاتلته، فثار القتال بينهم وثار الكمينان من ورائهم، فانهزم الحمصيون، وجاء مروان إلى دمشق وعلى نيابتها من جهته زوج ابنته الوليد بن معاوية بن مروان فتركه بها واجتاز عنها قاصداً إلى الديار المصرية، وجعل عبد الله بن علي لا يمر ببلد وقد سوِّدوا فيبايعونه ويعطهيم الأمان‏.‏
ولما وصل إلى قنسرين وصل إليه أخوه عبد الصمد بن علي في أربعة آلاف، وقد بعثهم السفاح مدداً له، ثم سار عبد الله حتى أتى حمص، ثم سار منها إلى بعلبك، ثم منها حتى أتى دمشق من ناحية المزة فنزل بها يومين أو ثلاثة، ثم وصل إليه أخوه صالح بن علي في ثمانية آلاف مدداً من السفاح، فنزل صالح بمرج عذراء‏.‏
ولما جاء عبد الله بن علي دمشق نزل على الباب الشرقي، ونزل صالح أخوه على باب الجابية، ونزل أبو عون على باب كيسان، ونزل بسام على الباب الصغير، وحميد بن قحطبة على باب توما، وعبد الصمد ويحيى بن صفوان والعباس بن يزيد على باب الفراديس، فحاصرها أياماً ثم افتتحها يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان هذه السنة، فقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأباحها ثلاث ساعات، وهدم سورها‏.‏
ويقال‏:‏ إن أهل دمشق لما حاصرهم عبد الله اختلفوا فيما بينهم، ما بين عباسي وأموي، فاقتتلوا فقتل بعضهم بعضاً، وقتلوا نائبهم ثم سلموا البلد، وكان أول من صعد السور من ناحية الباب الشرقي رجل يقال له‏:‏ عبد الله الطائي، ومن ناحية الباب الصغير بسام بن إبراهيم، ثم أبيحت دمشق ثلاث ساعات حتى قيل‏:‏ إنه قتل بها في هذه المدة نحواً من خمسين ألفاً‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 10/49‏)‏
وذكر ابن عساكر في ترجمة عبيد بن الحسن الأعرج من ولد جعفر بن أبي طالب، وكان أميراً على خمسة آلاف مع عبد الله بن علي في حصار دمشق، أنهم أقاموا محاصريها خمسة أشهر‏.‏
وقيل‏:‏ مائة يوم‏.‏
وقيل‏:‏ شهراً ونصفاً‏.‏
وأن البلد كان قد حصنه نائب مروان تحصيناً عظيماً، ولكن اختلف أهلها فيما بينهم بسبب اليمانية والمضرية، وكان ذلك بسبب الفتح، حتى إنهم جعلوا في كل مسجد محرابين للقبلتين حتى في المسجد الجامع منبرين، وإمامين يخطبان يوم الجمعة على المنبرين، وهذا من عجيب ما وقع، وغريب ما اتفق، وفظيع ما أحدث بسبب الفتنة والهوى والعصبية، نسأل الله السلامة والعافية‏.‏
وقد بسط ذلك ابن عساكر في هذه الترجمة المذكورة، وذكر في ترجمة محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي قال‏:‏ كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق، دخلها بالسيف، وأباح القتل فيها ثلاث ساعات، وجعل جامعها سبعين يوماً إسطبلاً لدوابه وجماله، ثم نبش قبور بني أمية فلم يجد في قبر معاوية إلا خيطاً أسود مثل الهباء، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجد جمجمته، وكان يجد في القبر العضو بعد العضو، إلا هشام بن عبد الملك فإنه وجده صحيحاً لم يبل منه غير أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وهو ميت وصلبه أياماً ثم أحرقه ودقَّ رماده ثم ذره في الريح، وذلك أن هشاماً كان قد ضرب أخاه محمد بن علي، حين كان قد اتهم بقتل ولد له صغير، سبعمائة سوط، ثم نفاه إلى الحميمة بالبلقاء‏.‏
قال‏:‏ ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفاً عند نهر بالرملة، وبسط عليهم الأنطاع ومد عليهم سماطاً فأكل وهم يختلجون تحته، وهذا من الجبروت والظلم الذي يجازيه الله عليه، وقد مضى ولم يدم له ما أراده ورجاه، كما سيأتي في ترجمته‏.‏
وأرسل امرأة هشام بن عبد الملك وهي‏:‏ عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية صاحبة الخال، مع نفر من الخراسانية إلى البرية ماشية حافية حاسرة على وجهها وجسدها وثيابها ثم قتلوها‏.‏
ثم أحرق ما وجد من عظم ميت منهم‏.‏
وأقام بها عبد الله خمسة عشر يوماً‏.‏
وقد استدعى بالأوزاعي فأوقف بين يديه فقال له‏:‏ يا أبا عمرو ‏!‏ ما تقول في هذا الذي صنعناه ‏؟‏
قال‏:‏ فقلت له‏:‏ لا أدري غير أنه قد حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏‏)‏، فذكر الحديث‏.‏
قال الأوزاعي‏:‏ وانتظرت رأسي أن يسقط بين رجلي ثم أخرجت، وبعث لي بمائة دينار، ثم سار وراء مروان فنزل على نهر الكسوة، ووجه يحيى بن جعفر الهاشمي نائباً على دمشق ثم سار فنزل مرج الروم، ثم أتى نهر أبي فطرس فوجد مروان قد هرب فدخل مصر، وجاءه كتاب السفاح‏:‏ ابعث صالح بن علي في طلب مروان وأقم أنت في الشام نائباً عليها‏.‏
فسار صالح يطلب مروان في ذي القعدة من هذه السنة، ومعه أبو عمرو عامر بن إسماعيل، فنزل على ساحل البحر وجمع ما هناك من السفن وبلغه أن مروان قد نزل الفرما، وقيل‏:‏ الفيوم‏.‏
فجعل يسير على الساحل والسفن تقاد معه في البحر حتى أتى العريش، ثم سار حتى نزل على النيل ثم سار إلى الصعيد فعبر مروان النيل وقطع الجسر وحرق ما حوله من العلف والطعام، ومضى صالح في طلبه‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 10/50‏)‏
فالتقى بخيل لمروان فهزمهم، ثم جعل كلما التقوا مع خيل لمروان يهزمزنهم حتى سألوا بعض من أسروا عن مروان فدلهم عليه، وإذا به في كنيسة أبو صير فوافوه من آخر الليل، فانهزم من معه من الجند وخرج إليهم مروان في نفر يسير معه فأحاطوا به حتى قتلوه، طعنه رجل من أهل البصرة يقال له‏:‏ معود، ولا يعرفه حتى قال رجل‏:‏ صرع أمير المؤمنين‏.‏
فابتدره رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه، فبعث به عامر بن إسماعيل أمير هذه السرية إلى أبي عون، فبعث به أبو عون إلى صالح بن علي فبعث به صالح مع رجل يقال له‏:‏ خزيمة بن يزيد بن هانئ كان على شرطته، لأمير المؤمنين السفاح‏.‏
وكان مقتل مروان يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة، وقيل‏:‏ يوم الخميس لست مضين منها سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وكانت خلافته خمس سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام على المشهور‏.‏
واختلفوا في سنه، فقيل‏:‏ أربعون سنة‏.‏  وقيل‏:‏ ست، وقيل‏:‏ ثمان وخمسون سنة‏.‏  وقيل‏:‏ ستون‏.‏  وقيل‏:‏ اثنتان، وقيل‏:‏ ثلاث، وقيل‏:‏ تسع وستون سنة‏.‏  وقيل‏:‏ ثمانون، والله أعلم‏.‏
ثم إن صالح بن علي سار إلى الشام واستخلف على مصر أبا عون بن أبي يزيد، والله سبحانه أعلم‏.‏

وهذا شيء من ترجمة مروان الحمار
وهو‏:‏ مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، القرشي الأموي، أبو عبد الملك، أمير المؤمنين، آخر خلفاء بني أمية، وأمه أمة كردية يقال لها‏:‏ لبابة، وكانت لإبراهيم بن الأشتر النخعي، أخذها محمد بن مروان يوم قتله فاستولدها مروان هذا، ويقال‏:‏ أنها كانت أولاً لمصعب بن الزبير‏.‏
وقد كانت دار مروان هذا في سوق الأكافين، قاله ابن عساكر‏.‏
بويع له بالخلافة بعد قتل الوليد بن يزيد، وبعد موت يزيد بن الوليد، ثم قدم دمشق وخلع إبراهيم بن الوليد، واستمر له الأمر في نصف صفر سنة سبع وعشرين ومائة‏.‏
وقال أبو معشر‏:‏ بويع له بالخلافة في ربيع الأول سنة تسع وعشرين ومائة، وكان يقال له‏:‏ مروان الجعدي، نسبة إلى رأي الجعد بن درهم، وتلقب بالحمار، وهو آخر من ملك من بني أمية، وكانت خلافته خمس سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام، وقيل‏:‏ خمس سنين وشهراً‏.‏
وبقي بعد أن بويع للسفاح تسعة أشهر، وكان أبيض مشرباً حمرة، أزرق العينين، كبير اللحية، ضخم الهامة، ربعة، ولم يكن يخضب‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 10/51‏)‏
ولاه هشام نيابة أذربيجان وأرمينية والجزيرة، في سنة أربع عشرة ومائة، ففتح بلاد كثيرة وحصوناً متعددة في سنين كثيرة، وكان لا يفارق الغزو في سبيل الله، وقاتل طوائف من الناس الكفار ومن الترك والخزر واللان وغيرهم، فكسرهم وقهرهم، وقد كان شجاعاً بطلاً مقداماً حازم الرأي لولا أن جنده خذلوه بتقدير الله عز وجل لما له من ذلك من حكمة سلب الخلافة لشجاعته وصرامته‏.‏
ولكن من يخذل الله يخذل، ومن يهن الله فما له من مكرم‏.‏
قال الزبير بن بكار، عن عمه مصعب بن عبد الله‏:‏ كان بنو أمية يرون أنه تذهب منهم الخلافة إذا وليها من أمه أمة، فلما وليها مروان هذا أخذت منهم في سنة ثنتين وثلاثين ومائة‏.‏
وقد قال الحافظ بن عساكر‏:‏ أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن، أخبرنا سهل بن بشر، أنبأ الخليل بن هبة الله بن الخليل، أنبأ عبد الوهاب الكلابي، حدثنا أبو الجهم أحمد بن الحسين، أنبأ العباس بن الوليد بن صبح، ثنا عباس بن يحيى أبو الحارث، حدثني الهيثم بن حمد، حدثني راشد بن داود، عن أسماء، عن ثوبان، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تزال الخلافة في بني أمية يتلقفونها تلقف الغلمان الكرة فإذا خرجت من أيديهم فلا خير في عيش‏)‏‏)‏‏.‏
هكذا أورده ابن عساكر وهو منكر جداً‏.‏
وقد سأل الرشيد أبا بكر بن عياش‏:‏ خير الخلفاء نحن أو بنوا أمية ‏؟‏
فقال‏:‏ هم كانوا أنفع للناس وأنتم أقوم للصلاة، فأعطاه ستة آلاف‏.‏
قالوا‏:‏ وقد كان مروان هذا كثير المروءة كثير العجب، يعجبه اللهو والطرب، ولكنه كان يشتغل عن ذلك بالحرب‏.‏
قال ابن عساكر‏:‏ قرأت بخط أبي الحسين علي بن مقلد بن نصر بن منقذ بن الأمير في مجموع له‏:‏ كتب مروان بن محمد إلى جارية له تركها بالرملة عند ذهابه إلى مصر منهزماً‏:‏
وما زال يدعوني إلى الصبر ما أرى * فآبى ويدنيني الذي لك في صدري
وكان عزيزاً أن تبيتي وبيننا * حجاب فقد أمسيت مني على عشر
وأنكاهما والله للقلب فاعلمي * إذا زدت مثليها فصرت على شهر
وأعظم من هذين والله أنني * أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر
سأبكيك لا مستبقاً فيض عبرة * ولا طالباً بالصبر عاقبة الصبر
وقال بعضهم‏:‏ اجتاز مروان وهو هارب براهب فاطلع عليه الراهب فسلم عليه فقال له‏:‏ يا راهب ‏!‏ هل عندك علم بالزمان ‏؟‏
قال‏:‏ نعم ‏!‏ عندي من تلونه ألوان‏.‏
قال‏:‏ هل تبلغ الدنيا من الإنسان أن تجعله مملوكاً بعد أن كان مالكاً ‏؟‏
قال‏:‏ نعم ‏!‏
قال‏:‏ فكيف ‏؟‏
قال‏:‏ بحبه لها وحرصه على نيل شهواتها، وتضييع الحزم وترك انتهاز الفرص، فإن كنت تحبها فإن عبدها من أحبها‏.‏
قال‏:‏ فما السبيل إلى العتق ‏؟‏
قال‏:‏ ببغضها والتجافي عنها‏.‏
قال‏:‏ هذا ما لا يكون‏.‏
قال الراهب‏:‏ أما إنه سيكون فبادر بالهرب منها قبل أن تسلبها‏.‏
قال‏:‏ هل تعرفني ‏؟‏
قال‏:‏ نعم ‏!‏ أنت ملك العرب مروان، تقتل في بلاد السودان، وتدفن بلا أكفان، فلولا أن الموت في طلبك لدللتك على موضع هربك‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 10/52‏)‏
قال بعض الناس‏:‏ كان يقال في ذلك الزمان‏:‏ يقتل ع بن ع بن ع م بن م بن م يعنون‏:‏ يقتل عبد الله بن علي بن عباس بن مروان بن محمد بن مروان‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ جلس مروان يوماً وقد أحيط به وعلى رأسه خادم له قائم، فقال مروان لبعض من يخاطبه‏:‏ ألا ترى ما نحن فيه‏؟‏ لهفي على أيد ما ذكرت، ونعم ما شكرت، ودولة ما نصرت‏.‏
فقال له الخادم‏:‏ يا أمير المؤمنين ‏!‏ من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والخفي حتى يظهر، وأخر فعل اليوم لغد، حل به أكثر من هذا‏.‏
فقال مروان‏:‏ هذا القول أشد عليَّ من فقد الخلافة‏.‏
وقد قيل‏:‏ إن مروان قتل يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة، سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وقد جاوز الستين وبلغ الثمانين، وقيل‏:‏ إنما عاش أربعين سنة، والصحيح الأول‏.‏
وهو آخر خلفاء بني أمية به انقضت دولتهم‏.‏
ما ورد في انقضاء دولة بني أمية وابتداء بني العباس من الأخبار النبوية
قال العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلاً اتخذوا دين الله دغلاً، وعباد الله خولاً، ومال الله دولاً‏)‏‏)‏‏.‏
ورواه الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعاً بنحوه‏.‏
وروى ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن ابن وهب، أنه كان عند معاوية فدخل عليه مروان بن الحكم فتكلم في حاجة فقال‏:‏ اقض حاجتي، فإني لأبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة‏.‏
فلما أدبر مروان، قال معاوية لابن عباس وهو معه على السرير‏:‏ أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله بينهم دولاً، وعباد الله خولاً، وكتاب الله دغلاً، فإذا بلغوا سبعة وتسعين وأربعمائة، كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة‏)‏‏)‏‏.‏
فقال ابن عباس‏:‏ اللهم نعم ‏؟‏
فلما أدبر مروان قال معاوية‏:‏ أنشدك بالله يا ابن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبو الجبابرة الأربعة‏)‏‏)‏‏.‏
فقال ابن عباس‏:‏ اللهم نعم‏.‏
وقال أبو داود الطيالسي‏:‏ حدثنا القاسم بن الفضل، ثنا يوسف بن مازن الراسبي، قال‏:‏ قام رجل إلى الحسين بن علي، فقال‏:‏ يا مسود وجوه المؤمنين ‏!‏
فقال الحسين‏:‏ لا تؤنبني رحمك الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلاً رجلاً فساءه ذلك فنزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏ ‏[‏الكوثر‏:‏ 1‏]‏ وهو نهر في الجنة، ونزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏ السورة إلى قوله‏:‏ ‏{‏خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ ‏[‏القدر‏:‏ 1-3‏]‏ مملكة بني أمية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/53‏)‏
قال‏:‏ فحسبنا ذلك فإذا هو كما قال لا يزيد ولا ينقص‏.‏
وقد رواه الترمذي، عن محمود بن غيلان، عن أبي داود الطيالسي، ثم قال‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل، وهو ثقة وثقه يحيى القطان وابن مهدي‏.‏
قال‏:‏ وشيخه يوسف بن سعد‏.‏
ويقال‏:‏ يوسف بن مازن، رجل مجهول، ولا يعرف هذا بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه‏.‏
أخرجه الحاكم في مستدركه، من حديث القاسم بن الفضل الحداني، وقد تكلمت على نكارة هذا الحديث في التفسير بكلام مبسوط، وإنما يكون متجهاً إذا قيل إن دولتهم ألف شهر بأن نسقط منها أيام ابن الزبير، وذلك أن معاوية بويع به مستقلاً بالملك في سنة أربعين، وهي عام الجماعة حين سلم إليه الحسن بن علي الأمر بعد ستة أشهر من قتل علي، ثم زالت الخلافة عن بني أمية في هذه السنة، وهي سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وذلك ثنتان وتسعون سنة، وإذا أسقط منها تسع سنين من خلافة ابن الزبير بقي ثلاث وثمانون سنة، وهي مباينة لما ورد في هذا الحديث، ولكن ليس هذا الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه و سلم، أنه فسر هذه الآية بهذا العدد، وإنما هذا من قول بعض الرواة، وقد تكلمنا على ذلك مطولاً في التفسير، وتقدم في الدلائل أيضاً تقريره، والله أعلم‏.‏
وقال علي بن المديني‏:‏ عن يحيى بن سعيد، عن سفيان الثوري، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رأيت بني أمية يصعدون منبري فشق ذلك عليَّ‏)‏‏)‏‏.‏
فأنزلت‏:‏ ‏(‏‏(‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏)‏‏)‏‏.‏ فيه ضعف وإرسال‏.‏
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة‏:‏ ثنا يحيى بن معين، ثنا عبد الله بن نمير، عن سفيان الثوري، عن علي بن يزيد، عن سعيد بن المسيب، في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 60‏]‏‏.‏
قال‏:‏ رأى ناساً من بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فقيل له‏:‏ إنما هي دنيا يعطونها وتضمحل عن قليل فسري عنه‏.‏
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع، قال‏:‏ لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً وهو من بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس فشق ذلك عليه فأنزل الله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 111‏]‏‏.‏
وقال مالك بن دينار‏:‏ سمعت أبا الجوزاء يقول‏:‏ والله لَيُعِزَّنَّ الله ملك بني أمية كما أعز ملك من كان قبلهم، ثم ليذلنّ ملكهم كما أذلّ ملك من كان قبلهم، ثم تلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 140‏]‏‏.‏
وقال ابن أبي الدنيا‏:‏ حدثني إبراهيم بن سعيد، ثنا أبو أسامة، ثنا عمر بن حمزة، أخبرني عمر بن سيف مولى لعثمان بن عفان، قال‏:‏ سمعت سعيد بن المسيب، وهو يقول لأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة - وذكروا بني أمية - فقال‏:‏ لا يكون هلاكهم إلا بينهم‏.‏
قالوا‏:‏ كيف ‏؟‏
قال‏:‏ يهلك خلفاؤهم ويبقى شرارهم فيتنافسونها، ثم يكثر الناس عليهم فيهلكونهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/54‏)‏
وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ أنبأ أحمد بن محمد الأزرقي، ثنا الزنجي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رأيت في النوم بني أبي الحكم أو بني أبي العاص ينزون على منبري، كما تنزوا القردة‏)‏‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً بعدها حتى توفي‏.‏
قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الداري - لعله الدرامي -، حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا سعيد بن زيد - أخو حماد بن زيد -، عن علي بن الحكم البنائي، عن أبي الحسن - هو الحمصي -، عن عمرو بن مرة - وكانت له صحبة -، قال‏:‏ جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف كلامه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ائذنوا له صبت عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة، ذوو دهاء وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق‏)‏‏)‏‏.‏
وقال أبو بكر الخطيب البغدادي‏:‏ أنبأ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد، أنبأ محمد بن المظفر الحافظ، أنبأ أبو القاسم تمام بن خريم بن محمد بن مروان الدمشقي، أنبأ أحمد بن إبراهيم بن هشام بن ملابس، ثنا أبو النظر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد مولى أم الحكم بنت عبد العزيز، حدثنا يزيد بن ربيعة، حدثنا أبو الأشعث الصنعاني، عن ثوبان، قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً واضعاً رأسه على فخد أم حبيبة بنت أبي سفيان، فنحب ثم تبسم، فقالوا‏:‏ يا رسول الله رأيناك نحبت ثم تبسمت‏.‏
فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏رأيت في منامي بني أمية يتعاورون على منبري فساءني ذلك، ثم رأيت بني العباس يتعاورون على منبري فسرني ذلك‏)‏‏)‏‏.‏
وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثني محمد بن خالد بن العباس، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني أبو عبد الله، عن الوليد بن هشام المعيطي، عن أبان بن الوليد، عن عقبة بن أبي معيط، قال‏:‏ قدم ابن عباس على معاوية وأنا حاضر فأجازه فأحسن جائزته، ثم قال‏:‏ يا أبا العباس ‏!‏ هل يكون لكم دولة ‏؟‏
فقال‏:‏ اعفني يا أمير المؤمنين‏.‏
فقال‏:‏ لتخبرني‏.‏
قال‏:‏ نعم ‏!‏
قال‏:‏ فمن أنصاركم ‏؟‏
قال‏:‏ أهل خراسان، ولبني أمية من بني هاشم نطحات‏.‏
وقال المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير‏:‏ سمعت ابن عباس، يقول‏:‏ يكون منا ثلاثة أهل البيت‏:‏ السفاح والمنصور والمهدي‏.‏
رواه البيهقي من غير وجه، ورواه الأعمش، عن الضحاك، عن ابن عباس، مرفوعاً‏.‏
وروى ابن أبي خيثمة، عن ابن معين، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد، عن ابن عباس، قال‏:‏ كما افتتح الله بأولنا فأرجو أن يختمه بنا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/55‏)‏
وهذا إسناد صحيح إليه، وكذا وقع ويقع للمهدي إن شاء الله‏.‏
وروى البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن، يقال له‏:‏ السفاح، يعطي المال حثياً‏)‏‏)‏‏.‏
وقال عبد الزراق‏:‏ حدثنا الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يقتتل عند حرتكم هذه ثلاثة كلهم ولد خليفة لا تصير إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات من خراسان فيقتلونكم مقتلة لم ير مثلها‏.‏ ثم ذكر شيئاً فإذا كان كذلك فأتوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي‏)‏‏)‏‏.‏
ورواه بعضهم، عن ثوبان، فوقفه وهو أشبه، والله أعلم‏.‏
وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثني يحيى بن غيلان وقتيبة بن سعيد، قالا‏:‏ ثنا راشد بن سعد، حدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن قصيبة، هو ابن ذؤيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيليا‏)‏‏)‏‏.‏
وقد رواه البيهقي في الدلائل من حديث راشد بن سعد المصري، وهو ضعيف‏.‏
ثم قال‏:‏ قد روي قريباً من هذا عن كعب الأحبار، وهو أشبه‏.‏
ثم رواه عن كعب أيضاً، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا الشام، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وعدو لهم‏)‏‏)‏‏.‏
وروى إبراهيم بن الحسين، عن ابن أبي أويس، عن ابن أبي ذؤيب، عن محمد بن عبد الرحمن العامري، عن سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس‏:‏ ‏(‏‏(‏فيكم النبوة وفيكم المملكة‏)‏‏)‏‏.‏
وروى عبد الله بن أحمد، عن ابن معين، عن عبيد بن أبي قرة، عن الليث، عن أبي قبيل، عن أبي ميسرة مولى العباس، قال‏:‏ سمعت العباس، يقول‏:‏ كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انظر هل ترى في السماء من شيء‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏
قلت‏:‏ نعم ‏!‏
قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما ترى‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏
قلت‏:‏ الثريا ‏!‏
قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنه سيملك هذه الأمة بعددها من صلبك‏)‏‏)‏‏.‏
قال البخاري‏:‏ عبيد بن أبي قرة لا يتابع على حديثه‏.‏
وروى ابن عدي، من طريق سويد بن سعيد، عن حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن العباس، قال‏:‏ مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل، وأنا أظنه دحية الكلبي، فقال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه لوسخ الثياب، وسيلبس ولده من بعده السواد‏)‏‏)‏‏.‏
وهذا منكر من هذا الوجه، ولا شك أن بني العباس كان السواد من شعارهم، أخذوا ذلك من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء، فأخذوا بذلك وجعلوه شعارهم في الأعياد والجمع والمحافل‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 10/56‏)‏
وكذلك كان جندهم لا بد من أن يكون على أحدهم شيء من السواد، ومن ذلك الشربوش الذي يلبسه الأمراء إذا خلع عليهم‏.‏
وكذلك دخل عبد الله بن علي دمشق يوم دخلها وعليه السواد، فجعل النساء والغلمان يعجبون من لباسه، وكان دخوله من باب كيسان‏.‏
وقد خطب الناس يوم الجمعة وصلى بهم وعليه السواد‏.‏
وقد روى ابن عساكر عن بعض الخراسانية قال‏:‏ لما صلى عبد الله بن علي بالناس يوم الجمعة صلى إلى جانبي رجل فقال‏:‏ الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، انظروا إلى عبد الله بن علي ما أقبح وجهه وأشنع سواده ‏؟‏‏!‏
وشعارهم إلى يومك هذا، كما تراه على الخطباء يوم الجمعة والأعياد‏.‏

This site was last updated 06/22/11