Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 النشو يسيطر على السلطان الناصر بن قلاوون2

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل 

Home
Up
‏قصر‏ ‏الأمير‏ ‏بشتاك
النشو والناصر بن قلاون1
النشو والناصر بن قلاون2

Hit Counter

 

  قصة صعود شرف الدين عبدالوهاب النشو ، وسيطرته على السلطان الناصر بن محمد بن قلاوون وتوقفنا عند وصف المقريزى لممارساته فى كتابه «السلوك». يقول المقريزى: فى يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول ٧٣٦ هـ

عزل الأمير سيف الدين بغا عن الدوادارية، واستقر عوضه سيف الدين كاجار الماردينى، ثم أخرج بغا على أمرة عشر بصفد، فى ليلة الجمعة سادس ربيع الآخر، وسببه أن بعض تجار قيسارية جهاركس طرح عليه النشو ثياباً بضعفى قيمتها كما هى عادته، فرفع قصته، للسلطان على يد بغا، وأحضر بغا بين يديه فشكا حاله، فاستدعى السلطان النشو بحضور التاجر

وقال له: كم تشكو الناس منك، اسمع ما يقول هذا عنك من طرح القماش عليه بأغلى الأثمان، فقال «يا خوند: هذا ما يشتكى من أمر القماش، لكنه عليه للسلطان مبلغ ثلاثين ألف دينار، وقد هرب منى وأنا أتطلبه، وهذا المبلغ من إرث جارية تزوجها التاجر وهى من جوارى الشهير الملك الأشرف خليل، ماتت عنده وخلفت نحو ألف دينار وما بين جواهر وغيرها، فأخذ الجميع ولم يظهر على السلطان شىء»

ثم التفت النشو إلى التاجر وقال له:

«بحياة رأس السلطان: ما كنت متزوجاً بفلانة؟» يعنى الجارية المذكورة، فقال: «نعم» فأمره السلطان أن يسلمه لابن صابر المقدم حتى يستخلص منه المال، فأخذه ابن صابر وشهره بالقاهرة وعاقبه بالقيسارية مراراً حتى أخذ منه مبلغ خمسين ألف درهم، ثم تحول النشو على بغا، وراح يقول عنه أنه مرتش، وكان السلطان يكره الرشوة، فأثر فيه كلام النشو، فأخرجه، وسعى النشو أيضاً بطقتمر الخازن حتى غير السلطان عليه.

وفى ليلة الثلاثاء ثالث عشر رجب قبض على ابن هلال الدولة، وعلى ناصر الدين محمد ابن المحسنى، وأخرجا إلى الإسكندرية بسعاية النشو.

واشتدت وطأة النشو على الناس، وابتكر مظلمة لم يسبق إليها وهى أنه ألزم أهل الصاغة ودار الضرب ألا يبتاع منهم أحد ذهبا، بل يحمل الذهب جميعه إلى دار الضرب، ليصك بصكة السلطان، فجمع من ذلك مالاً كثيراً للديوان، ثم تتبع «النشو» الذهب المضروب فى دار الضرب، فأخذ ما كان للتجار والعامة، وعوّضهم عنه بضائع، وحمل ذلك كله للسلطان، وانحصر ذهب مصر بأجمعه فى دار الضرب، فلم يجسر أحد على بيع شىء منه فى الصاغة ولا فى غيرها،

 ثم إن السلطان استدعى منه بعشرة آلاف دينار، فاعتذر عنها فلم يقبل عذره ونهره فنزل «النشو» وألزم أمين الحكم بكتابة ما تحت يده من مال الأيتام، وطلب منه عشرة آلاف دينار قرضاً فى ذمته، فدله على مبلغ أربعمائة ألف درهم لأيتام الدوادارى تحت ختم بهاءالدين شاهد الجمال، فأخذها منه وعوضه عنها بضائع، ثم بعث «النشو» إلى قاضى القضاة تقى الدين محمد بن أبى بن عيسى الأخنائى المالكى فى تمكينه من مال أولاد «الأمير» أرغون النائب، وهو ستة آلاف دينار، وكانوا تحت حجره فامتنع،

وقال: «السلطان ما يحل له أخذ مال الأيتام». فرد عليه: «السلطان إنما يطلب المال الذى سرقه أخوك من خزانة الخاص حيث كان ناظرها، فإن الحساب يشهد عليه بما سرقه من الخزانة». وقام من فوره إلى السلطان، ومازال به حتى بعث إلى القاضى يلزمه بحمل المال الذى سرقه أخوه من الخزانة، ويقول له «إنت إيش كنت من مملوكى؟» فلم يجد قاضى القضاة بُداً من تمكين «النشو» من أخذ المال.

.. وفى ذى القعدة من نفس السنة، سقط طائر حمام بالميدان، وعلى جناحه ورقة تضمنت الوقيعة فى «النشو» وأقاربه، والقدح فى السلطان بأنه أخرب دولته، فغضب السلطان من ذلك غضباً شديداً، وطلب «النشو» وأوقفه على الورقة وتنمر عليه لكثرة ما يشكى منه، فقال: «يا خوند، الناس معذورون.. وحق رأسك لقد جاءنى خبر هذه الورقة ليلة كتبت. وهذه فعلة المعلم أبى شاكر بن سعيد الدولة ناظر البيوت، كتبها فى بيت الصفى كاتب الأمير قوصون، وقد اجتمع هو وأقاربه»، وأخذ «النشو» يعرف السلطان بما كان من أمر سعيد الدولة فى أيام بيبرس الجاشنكير وأغراه به حتى طلبه، وسلمه إلى الوالى علاء الدين على بن حسن المروانى، فعاقبه عقوبة مؤلمة،

وطلب السلطان الأمير قوصون وعنفه على فعل الصفى كاتبه، فطلبه قوصون وهدده، فحلف بكل يمين على براءته مما رُمى به، فتتبع «النشو» عدة من الكُتّاب وجماعة من الباعة، وقبض عليهم بسبب ابن شاكر، ونوّع العذاب عليهم بيد الوالى، وخرب دورهم بالمحراث، وقبض «النشو» على الموفق هبة الله بن سعيد الدولة، ثم أفرج عنه بعناية الأمير أقبغا عبدالواحد، وعذب ابن الأزرق ناظر الجهات.

أرباب الدواليب

يتضررون من سطوة «النشو»

سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

.. وفيها أجدبت زراعة الفول، فألزم «النشو» سماسرة الغلال ألا يباع الفول إلا للسلطان فقط، فتضرر أرباب الدواليب «المقصود بالدواليب جميع الآلات المستخدمة فى الزراعة والصناعة، وهذه الآلات كانت تدور بالأبقار، والأبقار تعتمد على أكل الفول».

وفيها صادر «النشو» جماعة من أرباب الدواليب بالوجه القبلى، وأخذ من محتسب البهنسا وأخيه مائتى ألف درهم وألفى إردب غلة، فرافع ابن زعازع من أمراء الصعيد أولاد قمر الدولة عند «النشو»، فاقتضى رأيه مصادرة ابن زعازع لكثرة ماله، وأوقع الحوطة على موجوده، وكتب إلى والى البهنسا ليعاقبه أشد العقوبة، فلف والى البهنسا على أصابعه الخروق وغمسها فى القطران وأشعل فيها النيران، ثم عراه ولوّحه على النار، حتى أخذ منه ما قيمته ألف ألف وخمسمائة ألف درهم، ووجد له أربعمائة فرجية بفرو، ومائة وعشرين جارية وستين عبداً، ثم كتب عليه حجة بعد ذلك بمائة ألف درهم، واحتج «النشو» بمصادرته بأنه وجد كنزاً.

وفيها ارتفع سعر اللحم لقلة جلب الأغنام حتى بيع الرطل بدرهم وربع، وسبب ذلك أن «النشو» كان يأخذ الغنم بنصف قيمتها، فكتب إلى نائب الشام ونائب حلب بجلب الأغنام، ثم إن «النشو» استجد للسواقى التى بالقلعة أبقاراً، وأحضر أبقارها التى ضعفت وعجزت مع الأبقار التى ضعفت بالدواليب، وطرحها على التجار والباعة بقياسر القاهرة ومصر وأسواقها حتى لم يبق صاحب حانوت إلا وخصه منها شىء على قدر حاله. فبلغ كل رطل منها درهمين وثلثاً، ورميت تلك الأبقار على الطواحين والحمامات كل رطل بمائة درهم ولا تكاد تبلغ عشرين درهماً فبلى الناس من ذلك بمشقة وخسارة كبيرة.

واتفق أن «النشو» أغرى السلطان بموسى بن التاج إسحق حتى رسم بعقوبته إلى أن يموت، فضرب زيادة على مائتين وخمسين شيباً «الشيب سير السوط أى الكرباج»، حتى سقط كالميت، ثم ضرب من الغد أشد من ذلك، وحُمل على أنه قد مات، فَسُرّ «النشو» بذلك سروراً زائداً، وذهب ليرى موسى وهو ميت فوجد به حركة، وفى أثناء ذلك طلب السلطان الأمير لؤلؤا فأخبره بأن موسى قد بدأ يئن، وبعد ساعة يموت، فرسم ألا يُضرب بعد ذلك، فشق هذا على «النشو».

وفيها قل فرو السنجاب من الأسواق، وذلك لقلة جلبه، فأمر «النشو» بأخذ ما على التجار من الفرجيات ذات الفرو، فهوجمت حوانيت التجار والبيوت حتى أخذ ما على الفرجيات من السنجاب، فبلغ «النشو» دعاء التجار عليه فسعى عند السلطان عليهم، ونسب إليهم أخذ الربا، وقال: إن عندهم كميات كبيرة من الأخشاب والحديد واستأذنه فى بيعها عليهم، فأذن له السلطان فنزل وطلب تجار القاهرة ومصر وكثيراً من أرباب الأموال، ووزع عليهم من ألف دينار، كل واحد، إلى ثلاثة آلاف دينار ليحضروا بها ويأخذوا عنها صنفاً من الأصناف، فبلغت الجملة خمسين ألف دينار، وضُرب من تخلف منهم بالمقارع،

ويبدو أن أحد هؤلاء التجار كان على معرفة بالست حدقة زوجة السلطان وأم ابنه أنوك، فذهب إليها وشكا «النشو»، وقال: إن الخشب الذى فرضه عليه قيمته الحقيقية ألفا درهم، وطلب منه «النشو» ألف دينار ثمناً له، عندئذ تحدثت السيدة حدقة إلى السلطان فى ظلم «النشو» للناس، فطلب السلطان «النشو»، وأنكر عليه ذلك، وتجهم له، فانصرف «النشو» وهو فى حالة شديدة من الغيظ، وبدأ يدبر انتقاماً من ذلك التاجر، استدعى رجلاً واتفق معه على الانتقام من التاجر، ذهب الرجل إلى التاجر وسأله فى قرض مبلغ من المال، فأخذ التاجر يشكو مما به من إلزامه بألفى دينار من ثمن خشب طرحه عليه «النشو»، فقال له الرجل: «أرنى الخشب فإنى محتاج إليه»،

فلما رآه أعجبه واشتراه منه بفائدة ألف درهم فى الشهر، امتلأ التاجر فرحاً، وأشهد عليه بذلك، ومضى الرجل ليأتى بثمن الخشب، عاد إلى «النشو» وأخبره بما تم ودفع إليه بنسخة المبايعة، فقام من فوره إلى السلطان وأعلمه أنه نزل ليرفع الخشب من حاصل التاجر فوجده قد باعه بفائدة ألف درهم فطلب السلطان التاجر وسأله عما رماه به «النشو»، فاغتر البائس وأخذ يقول: «ظلمنى وأعطانى خشباً بألفى دينار يساوى ألف درهم» فقال له السلطان: «وأين الخشب؟» قال: «بعته بالدين»، فقال «النشو»: «قل الصحيح فإن هذه معاقدتك بيعه»، فلم يجد بداً من الاعتراف، فحنق عليه السلطان وقال: «ويلك، تقيم الغاثة (تستغيث) وأنت تبيع بضاعتى بفائدة؟» ثم أمر «النشو» بضربه وأخذ الألف دينار منه مع مثلها، وعظم «النشو» عند السلطان، ثم عبر السلطان إلى نسائه وسبّهن وعرفهن ما جرى، وقال:

«مسكين «النشو» ما وجدت له أحداً يحبه كونه ينصحنى ويحصل مالى».

وفى نفس السنة شكا المماليك من تاجر كسوتهم، فطلب السلطان «النشو» وألزمه بحمل كسوتهم من الغد، ومعها مبلغ عشرين ديناراً فنزل «النشو» وألزم الطيبى ناظر المواريث بتحصيل خمسة آلاف دينار، وبعث المقدمين إلى الأسواق ففتحوا حوانيت التجار وأخذوا كسوة المماليك وحوائجهم وأخفافهم ونعالهم وغير ذلك، وأخذوا مركباً فيه عدة بضائع طرحوها على الناس بثلاثة أمثال قيمتها، وأحيط بتركة نجم الدين محمد الأسعودى، وقد مات وترك زوجة وابنة وابنا.. وأخذت كلها، وأخذت وديعة من تركته لأولاده أيتام تحت حجره مبلغاً نحو خمسين ألف درهم، وأنفقت فى يومها على المماليك والخدام، وفتحت قيسارية جهاركس، وأخذ منها مقاطع الشرب «قماش رفيع من الكتان» برسم الكسوة، فارتجت المدينة بأهلها،

وترك كثير من التجار حوانيتهم وغيبوا، فسارت مفتحة، والأعوان تنهب لأنفسها ما أرادت، فلم يُر يومئذ بالقاهرة ومصر إلا باك أو صائح أو نائح، فكانا يومين شنيعين، وعول أرباب الحوانيت على رفع ما فيها وخلوها، فعرف «النشو» السلطان ذلك فنودى: «من أغلق حانوته أخذ ماله وشنق» ففتحوها..

نعم..

لم يبق فى مصر إلا باك أو صائح أو نائح.

هكذا فى بساطة وقوة يلخص المقريزى ما وصل إليه حال الناس تحت سطوة «النشو»، وتمضى السنوات حافلة بظلمه، يمضى «النشو» إلى الأقاليم فيصادر الأموال، وإذا أفرج عن إنسان يشق هذا عليه، ولا يهدأ له بال حتى يعيده مرة أخرى إلى السجن، وفى هذا الخضم تجرى محاولة لاغتيال «النشو»، إذ حدث فى يوم الاثنين ثانى عشر رمضان أن اعترضه فارس، ضربه، فأخطأ سيفه رأس «النشو»، جرح كتفه فقط، فغضب السلطان غضباً شديداً، ولم يحضر السماط، وأرسل الأطباء لمعالجة «النشو»، وأغلظ على الأمراء بالكلام، ومازال يشتد ويحتد حتى عاد القصاد بسلامة «النشو» فسكن ما به.

وتجىء سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ولا يكف «النشو»، ولا يهدأ، يسعى فى الناس بالشر، ولا ينجو من أذاه أمير أو طحان، وعندما يبلغه أن الوعاظ يدعون عليه من فوق منابر الجوامع، يسعى لدى السلطان حتى يمنع الوعاظ جميعاً من الوعظ، وتستمر الأحوال على ما هى عليه فى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، يأخذ «النشو» مال الأقباط مع أنه كان فى الأصل قبطياً ثم أسلم، ويستولى على حلى النساء، يقول المقريزى:

«وفيها كثرت مصادرة «النشو» للناس من أهل مصر والقاهرة والوجه البحرى والقبلى، حتى خرج فى ذلك الحد».

ولكن لكل أول آخر، ولكل بداية نهاية..

النهاية

سنة أربعين وسبعمائة فى يوم الاثنين ثانى صفر قبض على «النشو»، وعلى أخيه شرف الدين رزق الله، وعلى أخيه المخلص، ورفيقه مجد الدين وعلى صهره ولى الدولة.

كيف؟

لنصغ إلى المقريزى محدثنا عن هذا الزمن البعيد..

«.. وسبب ذلك أنه لما أسرف «النشو» فى الظلم بحيث قل الجالب للبضائع وذهب أكثر أموال التجار لطرح الأصناف عليهم بأغلى الأثمان، وطلب السلطان منه يتزايد، خاف «النشو» العجز فرجع عن ظلم العامة، إلى التعرض إلى الخاصة ورتب مع أصحابه ذلك.

وكانت عادته فى كل ليلة أن يجمع إخوته وصهره ومن يثق فيه للنظر فيما يحدثه من مظالم فيدله كل منهم على داهية، ثم يفترقون وقد أبرم للناس بلاء يعذبهم الله به من الغد على يده، فكان مما اقترحه أن رتب أوراقاً تشتمل على فصول يتحصل فيها ألف ألف دينار عيناً، وقرأها على السلطان، ومنها التقاوى السلطانية المخلدة بالنواحى من الدولة الظاهرية بيبرس والمنصورية قلاوون فى إقطاعات الأمراء والأجناد وجملتها مائة ألف إردب. سوى ما فى بلاد السلطان من التقاوى ومنها الرزق الإحباسية على الجوامع والمساجد والزوايا وغير ذلك وهى مائة ألف فدان وثلاثون ألف فدان».

ويمضى المقريزى فى سرد تفاصيل ما خططه «النشو» مع أقاربه للإضرار بكبار الأمراء وكان ما تفتق عنه ذهنه هو إلزام متولى كل إقليم باستخراج التقاوى من أرضه وحملها إلى خزائن السلطان، ثم تباع من جديد إلى الناس بمعرفة الخاصة السلطانية، انزعج الأمراء من هذا القرار، وقال أحدهم للسلطان: «يا خوند والله إن «النشو» لضرك أكثر مما ينفعك».

ويبدو أن السلطان أمعن الفكر، وأحس أن «النشو» مكروه لدى الجميع، ولم يكن اتخاذه القرار سهلاً، فكتب إلى الأمير تنكر نائب الشام يستشيره فى الأمر، ويخبره أن «النشو» أصبح مكروهاً من الجميع، ولكنه يخدم السلطان وينفعه، وأجاب الأمير تنكر مؤيداً سوء سيرة «النشو»، وختم خطابه قائلاً: «ورأى السلطان فيه أعلى».

وكثرت الأوراق التى كانت تلقى إلى السلطان وتحوى ذماً لـ«النشو»، ومما قيل فى بعضها:

أيا ملكاً أصبح فى نشوة

من نشوة الظالم فى نشيه

انشيته فلتنشئن ضغائنا

سترى غباوتها بصحبة غيه

حكمته فحكمت أمراً فاسداً

وتوحشت كل القلوب لفحشه

سترى بوارقها إذا ما أظلمت

وتحكمت أيدى الزمان ببطشه

ولتندمن ندامة كسعيه

يوماً إذا ذبح الخروف بكبشه

وقرأ السلطان فى ورقة أخرى:

أمعنت فى الظلم وأكثرته

وزدت يانشو على العالم

ترى من الظالم فيكم لنا

فلعنة الله على الظالم

وحدث أن مرض الأمير يلبغا، وكان السلطان يثق فيه، فأقام عنده حتى يطمئن عليه، وخلال حديثهما قال يلبغا: «يا خوند: قد عظم إحسانك لى ووجب علىّ نصحك، والمصلحة تقضى بالقبض على «النشو»، فالأمراء جميعاً يكرهونه، ويكرهونك لحبك إياه، وما من مملوك من مماليك إلا يترقب غفلة منك ليقضى عليك انتقاماً منك لأنك تركت هذا الشخص يعبث بمصالح الناس».

وبكى يلبغا، وبكى الناصر، وقام من عنده مبلبل الخاطر، ليصدر أمراً بالقبض على «النشو».

يقول المقريزى:

«وطلب السلطان المقدم ابن صابر، وأسرَّ إليه أن يقف بجماعته على باب القلعة وباب القرافة، ولا يدعوا واحداً من حواشى «النشو» وأقاربه وإخوته أن ينزلوا، وأن يقبضوا عليهم كلهم، وأمر السلطان الأمير بشتاك والأمير برسبغا الحاجب أن يمضيا إلى «النشو»، ويقبضا عليه وعلى أقاربه فخرج بشتاك وجلس على باب الخزانة وطلب «النشو» من داخلها، فظن «النشو» أنه جاء لميعاده مع السلطان حتى يحتاطا على موجود أقبغا عبدالواحد، فساعة ما وقع بصره عليه أمر مماليكه بأخذه إلى بيته من القلعة، وبعث إلى الأمير ملكتمر الحجازى فأخذ أخاه رزق الله وأخذ أخاه المخلص وسائر أقاربه، فطار الخبر إلى القاهرة ومصر، فخرج الناس كأنهم جراد منتشر».

خرج الناس كالجراد المنتشر!!

لحظة مدببة فى مسار الزمن، عندما ينتهى الكابوس العام، فيسرى الأثر إلى كل إنسان، البعيد، الدانى، الكبير، الصغير، لحظة الخلاص، عندما يندفع الإنسان إلى خارج بيته، يظن أنه بمفرده، وإذا بالجميع فى الشارع، هكذا خرج الناس كالجراد المنتشر عندما سمعوا بخبر القبض على «النشو» وزمرته، وفى القلعة جلس السلطان ومازال فى نفسه شك، إنه يقول للأمراء:

«وكم تقولون «النشو» نهب أموال الناس! الساعة ننظر المال الذى عنده».

فى القاهرة يعم الفرح، أغلقت الأسواق، واتجه الجميع إلى ميدان الرميلة تحت القلعة، كما يتجهون إلى ميدان التحرير فى العصر الحديث، أو ميدان العتبة، أو إلى منشية البكرى «ليلة التاسع من يونيو ١٩٦٧، وليلة وفاة عبدالناصر»، جاء الليل والناس لم تنصرف بل أوقدوا الشموع، يرفعون على رؤوسهم المصاحف، وينشرون الأعلام، وهم يضجون ويصيحون استبشاراً وفرحاً بقبض «النشو»، والأمراء يشيرون إليهم أن يكثروا مما هم فيه، وقضوا الليل كله على ذلك، وفيه زاد النيل بعد توقفه، فقال علاء الدين الشاعر:

فى يوم الاثنين ثانى الشهر من صفر

نادى البشير إلى أن أسمع الفلكا

يا أهل مصر نجا موسى ونيلكم

طغا وفرعون وهو «النشو» قد هلكا

صباح الثلاثاء، نودى فى القاهرة: «بيعوا واشتروا واحمدوا الله على خلاصكم من «النشو». وصباح الثلاثاء أيضاً انتحر شقيق «النشو»، وأخرجوه فى تابوت امرأة حتى دفن فى مقابر الأقباط خوفاً عليه من العامة، وتمت الحوطة على أموال «النشو»، «النشو» الذى كان يتظاهر بالفقر والحاجة، الذى كان السلطان يظن حتى آخر لحظة أنه لا يمتلك شيئاً، فماذا وجدوا عند «النشو»؟، فى بستان جزيرة الفيل وجدوا أمه وامرأته وأخته وولديه، ومعهم ستون جارية، ومائتا جنيه «كيس من جلد البعير» وعصير عنب ثم حمل الأمراء ثروة «النشو» إلى السلطان ووضعوها بين يديه، وضعوا خمسة عشر ألف دينار ذهب، وألفين وخمسمائة حبة لؤلؤ قيمة كل حبة ما بين ألفى درهم إلى ألف درهم، وسبعين فصا بلخش،

قيمة كل فص ما بين خمسة آلاف درهم إلى ألفين، وقطعتى زمرد فاخر رطل ونيف وستين حبلاً من لؤلؤ كبار زنة ذلك أربعمائة مثقال، ومائة وسبعين خاتم ذهب وفضة بفصوص مثمنة، وكف مريم مرصعاً بجوهر، وصليب ذهب مرصعاً، وعدة قطع زركش سوى حواصل لم تفتح، فخجل السلطان لما رأى ذلك، واستمر الأمراء ينزلون كل يوم لإخراج حواصل «النشو»، فوجد له من الأوانى الصينى والبلور والتحف السنية الشىء الكثير، ثم وجدت عنده مائتا برميل مملوءة بالملوحة «سمك مملح» وثمانون بالجبن، وأحمال كثيرة من بضائع الشام ولحم كثير من لحم الخنزير، وأربعة آلاف جرة خمر، سوى ما نهب،

ووجد له أربعمائة بدلة قماش جدد، وثمانون بدلة مستعملة، وزراكش ومفرجات «عباءات»، وستون قفطاناً نسائياً، ومناديل زركش عدة كثيرة، ووجد له عدة صناديق بها قماش سكندرى كان قد صنع لحساب ملكة المغرب ولكنه اختلسه، وكثير من قماش الأمراء الذين ماتوا أو قبض عليهم، ووجد له مملوك تركى كان «النشو» قد خصاه هو واثنين معه ماتا، ثم وجدوا لإخوة «النشو» ذخائر نفيسة، منها لصهره ولى الدولة صندوق فيه مائة وسبعون فص بلخش، وست وثلاثون مرملة «ظرف كان يوضع فيه الرمل الذى يستخدمه الكتاب لتجفيف الكتابة» مكللة بالجواهر الرائعة وإحدى عشرة عنبرية مكللة باللؤلؤ كبار، وعشرون طراز زركش، وغير ذلك ما بين لؤلؤ ومنظوم وزمرد، وكوافى زركش، وقدر الجميع بأربعة وعشرين ألف دينار.

وفى نهاية هذه السنة ٧٤٠ هجرية، مات «النشو» واندثر أمره، مات «النشو» عام ٧٤٠ هجرية بالتحديد يوم الأربعاء ثانى ربيع الآخر.

قد تبدو حياته فى صعودها وانتهائها غريبة، لكن لكم عرفت مصر من المضحكات المبكيات، ليس «النشو» أغربها، الأغرب منه أولئك السلاطين الأطفال، لكن لنرجئ الحديث عنهم فقد اقتربنا من مسجد قجماس الإسحافى «أبوحريبة».. فلنتأهب.

 

This site was last updated 09/05/09