الثورة المكابية : متياس
وعندما بدأ أنطيوخس الرابع إبيفانس بتدخل بين الشعتين ويساند الشيعة اليونانية وحلفاؤهم اليهود اليونانيين لجعل اليهود كباقى الشعوب التى تخضع له من حيث أوضاعها وعلاقاتها الداخلية سواء أكانت دينية أو سياسية (1مك 1: 41 و 42) لأنه من جهته كان يشعر هو الآخر بسلطان وشرعية ملوكيته على مستوى التقديس الإلهى كما يشعر اليهود تماما من جهة رآسة كهنوتهم وعلى نفس المستوى ، وإن كان لا بد من التحدى فلا بد من إستخدام القوة حتى الإبادة لحسم هذا الخلاف (1مك 30- 32)
وأول من أعلن المقاومة لرد هذه المحاولة من جانب أنطيوخس إبيفانس وشيعة اليهود اليونان الموالية له هو مَتَّتْياس الذي من قرية مودين بجوار اللد، وهو رئيس عائلة تسمَّى “هاسمون” التي اشتُق منها كلمة “هاسمونيين” (تنطق بالعبرية هاشمونيين) الذين دُعوا بالمكابيين. وقد بدأ المقاومة بأن ذبح رسول الملك الذي كان يأمر بتقديم ذبيحة للوثن على مذبح للوثنيين، ونادى الشعب، لكي كل مَنْ كان فيه أمانة للناموس أن يتبعه إلى الجبل والمناطق المحيطة لتنظيم المقاومة ( 1مك 2 : 19- 22) وقد استجاب الشعب لندائه بصورة غامرة ( 1مك 2 : 23- 28)
ولكن بسبب شيخوخة مَتَّتْياس أن تسلَّم منه ابنه يهوذا مقاليد القيادة، وهو الذي سمِّي “المكابي” أي “المطرقة”.
وفي سفريْ المكابيين الأول ( 1: 11- 15) والثانى (2مك 4: 7- 17) شرح للأسباب التي دعت إلى الثورة. كما أن المؤرِّخ يوسيفوس يعلن عنها بدقة
أمَّا وصف العنف الذي استخدمه أنطيوخس في إخضاع الثائرين في البداية، فقد اشعل النار فى المدينة وهدم بيوتها وسبى جزءا كبيرا من شعبها فوصفه سفر المكابيين الأول (1 1مك 1: 30- 32)
وهنا استظهرت الشيعة اليهودية اليونانية التي صارت مكروهة جداً من “الأتقياء”، وقد وصفوهم كأنهم غرباء وأعداء ، بل كأنهم من أمة أخرى غير أمتهم " أمة خاطئة متعدية للشريعة" (1مك 1: 34" (1مك 1: 34)
وهذه الشيعة اليهودية اليونانية استخدمت أيضاً العنف لحماية نفسها فأراقت الدماء حول الهيكل وداخله، فتعطَّلت مراسيم العبادة، وهرب كثيرٌ من اليهود إلى
الجبال ( 1مك 1 : 25- 40)
ولكن كان طابع الثورة حتى الآن يخلو من الصدام الديني بين أنطيوخس واليهود، أو بين اليهود الأتقياء واليهود اليونانيين. غير أن انحراف اليهود الأتقياء ضد الأوضاع السياسية التي لليهود اليونانيين إلى الوضع الديني الصرف، وإعلان العصيان على أساس ديني، جعل أنطيوخس إبيفانس يتحدَّى الديانة اليهودية علناً. فمنع إقامة الذبائح داخل الهيكل، وألغى نظام السبت، ومنع الأعياد، وأوقف مراسيم الختان، وإمعاناً في التحدِّي أقام هيكلاً للأوثان ومذابح للأصنام وقدَّم عليها حيوانات من المحسوبة نجسة عند اليهود، وأمر بإعدام الأسفار المقدَّسة، وعقوبة الموت للمخالفة.
(8) Antiq. xii,V.
- 225 -
وختم هذه الفظائع بأن أقام مذبحاً للإله “زيوس” فوق المذبح النحاس في الهيكل نفسه (وذلك في سنة 167 ق.م)، فكان هذا إشارة إلى أول رجسة الخراب التي أشار إليها دانيال (دا 11: 31 و32) [ وهى غير "رجسة الخراب " التي أشار إليها المسيح في (مت 15:24 ) كعلامة للقضاء الذي سيحل بأُورشليم واليهود، هذا الذي تمَّ في سنة 70 بعد الميلاد، أي بعد صعود المسيح بحوالي 37 سنة تقريباً).
وهنا يبلغ أنطيوخس إبيفانس إلى أقصى اعتزازه وتعظمه كمحطِّم للديانة اليهودية وعدو لإلهها، ويصفه دانيال في نبوته بدقة : " ويفعل الملك كإرادته ويرتفع ويتعظَّم على كل إله ويتكلَّم بأمور عجيبة على إله الآلهة (يهوه) وينجح لى إتمام الغضب لأن المقضيَّ به يُجرَى" (دا 11: 36)
وقد خضع له كثير من اليهود، ولكن كثيرين قاوموا وماتوا(9
64-41 ). وقد اشتد لهيب الثورة ودارت الدائرة على اليهود اليونانيين فقُتل منهم كثيرون ، وهربوا إلى البلاد المجاورة وكثيرةن هاجروا إلأى الأمم البعيدة (1مك 2: 44)
أمَّا “الحسيديم” الأتقياء فظلوا يتقوون جداً من يوم إلى يوم، وقد ذكرهم دانيال ووصفهم في نبوته « الشعب الذين يعرفون إلههم » وميزَّ هم عن الشيعة اليهودية اليونانية التي وصفها بأ نها: “المتعدُّون على العهد”
+ والمتعدُّون على العهد يغويهم بالتملقات، أمَّا الشعب الذين يعرفون » إلههم فيقوون ويعملون، والفاهمون من الشعب يعلِّمون كثيرين، ويعثرون بالسيف وباللهيب وبالسبي وبالنهب أياماً (دا 11: 32- 33)
واسترد “الأتقياء” وبقية اليهود الأمناء للشريعة والناموس قوتهم وحطموا الهياكل الوثنية، وختَّنوا الأطفال بالقوة، واستردوا سلطان الناموس ( 1مك
2: 43- 48)
وسلَّم مَتَّتْياس قيادة الثورة لأولاده، وهم: “سمعان” وجعله المشير العام، و“يهوذا” المدعو بالمكابي أي المطرقة وجعله القائد. وتوفِّي مَتَّتْياس في قرية مودين التي بجوار اللد سنة 166 ق.م ( 1مك 2 : 49- 70)
************
(9) " ويصغي إلى الذين تركوا العهد المقدَّس وتقوم منه أذرع وتنجِّس المقدس الحصين وتنزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرب. والمتعدون على العهد يغويهم بالتملقات(دا11: 30- 32)
(10) Josephus, Antiq., XII, VI, 2.