جريدة المصرى اليوم   عن مقالة بعنوان [ سيوة «واحة آمون» رفضت الحداثة.. فصارت أهم مزارات الملوك ] قام بالرحلة محمد السيد صالح ٢٣/٢/٢٠٠٨
عندما قادني الشاب الأسمر «الأمازيغي» عبدالخير هاشم إلي جناح الأمير تشارلز وزوجته كاميلا كنت أتوقعه مكاناً بسيطاً وطبيعياً، وفي الوقت نفسه جميلاً يتلاءم ويتماشي مع مكانة نزيل ولي عرش بريطانيا، لكنني لم أكن أتوقع هذه «الشياكة» والروعة لمكان تحتضنه «واحة آمون» سيوة ضمن فندق بيئي غيبت عنه كل مظاهر الحياة الحديثة.
قبل عامين نزلت هنا ملكة بلجيكا «فابيولا» وعندما أسكرها جمال المكان بطبيعته الرائعة، هاتفت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ونصحتها بأن تزور سيوة وأن تقيم في الفندق نفسه، لكن تشارلز ابن الملكة هو الذي أتي مع زوجته.
السكان في سيوة مازالوا يتحدثون عن أيام ولي العهد الثلاثة في الواحة، «السفاري» التي قام بها في الصحراء.. زياراته للآثار العديدة في الواحة.. جلوسه علي مقاهي وسط سيوة.
لكن تشارلز وملكة بلجيكا ما هما في النهاية إلا اثنان من الأجانب مرا بالواحة المصرية ضمن آلاف يزورونها سنوياً.. وملكان عشقا المكان ضمن ملوك وزعماء احتضنتهم سيوة علي مدار التاريخ.
وسيوة هي إحدي الواحات المنخفضة الكبري في الصحراء الغربية، فإلي جانب هذه الواحة توجد منخفضات القطارة والواحات البحرية والفرافرة، إضافة إلي واحتي الداخلة والخارجة، وهي إلي الجنوب الغربي من مرسي مطروح بنحو ٣٠٠ كيلو متر، وتبتعد عن حدود ليبيا بـ٦٥ كيلو مترا فقط، ويوجد بها أكثر من ٢٢٠ عين مياه عبارة عن آبار متدفقة منذ القدم ويطلق عليها اسم العيون الرومانية ويصل عمق تلك العيون ما بين ٤ أمتار و١٥ متراً أو أكثر.
ويسود الواحة مناخ قاري صحراوي وذلك لوقوعها في عمق الصحراء، حيث يكون شديد الحرارة صيفاً، وفي الشتاء دافئاً نهاراً وشديد البرودة ليلاً.. ونادراً ما تسقط الأمطار في الشتاء.
السكان الأصليون في سيوة يبلغ عددهم نحو ٢٧ ألفاً ينتمون جميعاً إلي ١١ قبيلة وهي: الظناين، الحدادين، اللحمودات، الجواسيس، الشرامطة، أغورمي، أولاد موسي، السراحنة، الشجاعة، الجارة، الشهيبات.. وكل هذه القبائل من «الأمازيغ» الذين قدموا جميعاً إلي الواحة في مجموعة من الهجرات المتتالية علي مدار التاريخ من الشمال الأفريقي حيث يعيش البربر (الأمازيغ) في الجزائر والمغرب وتونس.
قال لي محمد عمران -قائدنا في رحلة الواحة- إنهم يتحدثون لغة أمازيغية (عامية)، لكنهم يفهمون اللغة الأصلية التي يتحدث بها «الطوارق» في الجزائر، وإن وفداً من الأمازيغ الجزائريين زاروا الواحة قبل فترة وتفاهموا مع بعضهم البعض بلغتهم الأصلية، لكن الجزائريين قالوا لهم إن لغتهم (في سيوة) اختلطت كثيراً بالعربية حيث المصطلحات اليومية والحياتية.
وأهل سيوة رغم أنهم يتحدثون معاً، حتي في وجود العرب، بلغتهم الأمازيغية فإنهم لا يعرفون لها أبجدية محددة كتلك الموجودة في الجزائر والمغرب ويتم تداولها في وسائل الإعلام الأمازيغية، وحين يريد السيوي أن يكتب اسماً بلغته الأصلية علي واجهة محل أو بازار أو فندق، فإنه يكتبه باللغة العربية، لكن بعض الآثار المكتشفة حديثاً في الواحة وجد عليها كلمات مكتوبة بلغة أمازيغية وبحروف أمازيغية أيضاً.
يعيش السكان في ٥ قري تمتد علي مساحة سيوة الخضراء، المنخفضة عن سطح البحر بنحو ١٨ متراً تقريباً.. يزرعون صنفين رئيسيين فقط هما النخيل والزيتون.. وتشير الإحصاءات الرسمية إلي أن سيوة بها ما يزيد علي ١٢ ألف فدان مزروعة بالواحة، إضافة إلي ٢٥ ألفاً أخري قابلة للاستصلاح، وبها ٢٥٠ ألف نخلة من أصناف «السيوي والفريحي والعزاوي» تنتج أفضل أنواع التمر في مصر ويعرف جزء كبير من إنتاجها طريقه إلي الخارج.
وتؤكد شواهد أثرية أن سيوة، والصحراء الغربية بوجه عام، كانت عبارة عن سلة غلال للإمبراطورية الرومانية، ولكن الأهالي ابتداء من الخمسينيات، ومع وصول رجال ثورة يوليو إلي الواحة، بدأوا في الاعتماد علي الدقيق الذي يأتي إليهم جاهزاً في أجولة من قبل الجمعية الزراعية أو الاستهلاكية الحكومية، وبثمن رخيص جداً، مما شجع المزارعين لتحويل الأراضي المخصصة لزراعة القمح والشعير إلي زراعة النخيل.
قال أحد الرحالة وهو الألماني فريدرك هوفمان في ١٧٩٨: «إن الواحة بمثابة دولة مستقلة تماماً عن مصر»، لكن هذا الأمر لم يدم طويلاً، فبعدها بـ٢٢ عاماً قرر محمد علي إخضاع الواحات الواقعة غرب وادي النيل وتأمينها قبل القيام بحملة علي السودان.. وحاصر محافظ البحيرة حسن بك الشمشرجي الواحة.. واستبسل السيويون في مبانيهم القديمة فوق الجبل، وهي المعروفة حالياً باسم «شالي» وسط الواحة والتي كانت تشبه القلعة المحصنة.
وساعدت هذه الواقعة، والتي انتهت بشنق ١٨ من شيوخ الواحة ومعاونيهم ومعاقبة ٢٠ آخرين بعقوبات مختلفة في تغيير رأي أهالي سيوة تجاه الزائرين.. ومن يومها بدأت السياحة بحلوها ومرها تعرف طريقها إلي سيوة.
«شالي» القديمة عبارة عن أطلال فوق الجبل.. كلها مبنية من «الكرشيف»، وهي مادة يتم استخراجها من أراضي الواحة الممتزجة بالمياه والملح.. وعندما تجف هذه المادة تصبح قوية وصلبة جداً، وتولت هيئة الآثار ومجلس مدينة سيوة تجميل المكان وإضاءته، ومن أي مكان في سيوة تستطيع رؤية أطلال شالي الجميلة بلونها الأصفر الفاتح،
ولأن السائحين الأجانب، خاصة الأوروبيين، يعشقون الواحة بجمالها الطبيعي الفطري، فقد لجأ عدد من المستثمرين لبناء فنادق بيئية حديثة، لكنها تقاطع مفردات الحياة الحديثة كلها.. فندق «بانيشال» تم بناؤه ليكون جزءاً من شالي القديمة..
المادة المستخدمة في البناء الكرشيف هي نفسها المادة المستخدمة في جميع منازل الواحة، وتوجد في هذا الفندق، وعلي استحياء كهرباء ودورات مياه حديثة، لكن الإضاءة تعم المكان كله من خلال لمبات محاطة بأباجورات ونجف مصنوعة جميعها من مادة الملح المستخلص من الملاحات التي تحيط بالواحة.
الواحة جميلة، تدخلت أيادي بعض الفنانين والمسؤولين بذكاء وجمال وحكمة لتصمم الميدان الرئيسي بشكل متناغم مع البيئة المحيطة.
وكما يقول المسؤولون عن سيوة فإن لهم خططاً ومشاريع عديدة للحفاظ علي هوية الواحة وإبعاد العشوائية عنها.
لكني لم أقطع كل هذه المسافة إلا لمغامرة بعينها، وإن كانت الواحة قد جذبتني إلي تفاصيل عديدة.
طلبت من مضيفنا أن نزور الفندق الذي نزلت به ملكة بلجيكا فابيولا.. وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وزوجته كاميلا.. أقلتنا السيارة لما يزيد علي ٢٠ كيلو متراً.. وصلنا إلي حضن جبل يسمي جعفر نسبة إلي أحد الأولياء الصالحين، حيث يوجد ضريحه.. ومن الضريح والجبل اتخذ الفندق اسمه.
من النادر أن تقف في مكان واحد وتجد هذا التكثيف النادر لعناصر الطبيعة.. الجبل الشاهق إلي الخلف.. وبحر الرمال العظيم علي امتداد البصر.. وعيون المياه الطبيعية المعدنية تروي المكان.. وحين يتدخل الإنسان بذكاء لاستغلال هذه العناصر فإنه يكون قادراً علي تحويل السلبيات إلي عناصر إيجابية وإبداعية.. في هذا المكان..
وبسبب مياه الصرف الزراعي والاستخدام الجائر للمياه الجوفية، تخلقت بحيرة عملاقة من المياه ساعدت الملوحة في تنقيتها.. هذه المياه أعطت للمكان عناصر إبهار طبيعي تضاف إلي النخيل وعين المياه الطبيعية.. ومزرعة بسيطة للخضروات تكفي استهلاك المكان ونزلاءه.
مادة الكرشيف -مثلما سبق وذكرت- هي المستخدمة في البناء.. عقليات مصرية مبدعة صممت المكان، أما المنفذون فهم من السكان الأصليين حيث تظهر بصمات أصابعهم علي جدران المكان دون أي زخارف أو ألوان، لا كهرباء علي الإطلاق.. ولا شبكات حديثة للمياه أو للصرف الصحي.
قال لي مضيفنا الأمازيغي الأسمر عبدالخير هاشم: لن تجد بانيو واحداً في المكان كله إلا في جناح الأمير تشارلز، حيث اشترط ذلك قبل وصوله.
ودخلت جناح ولي العهد ولدي انطباع مبدئي قرأته من واجهات المباني والمصاطب البسيطة الموجودة عند المدخل، بأن الجناح بسيط وراق.. لكن المفاجأة أنني شاهدت مكاناً أروع من كل الفنادق الحديثة.. رغام غياب مظاهر الحياة الحديثة هنا.
الجناح من دورين يربطهما سلم داخلي وبه أربع أسرة جميعها ملتصقة بأرض المكان وهي مبنية من نوع من الملح الأبيض المضيء.. في الخلف توجد نوافذ خشبية بسيطة كتلك التي كانت موجودة في القري المصرية قبل عشرات السنين ولكنها مصممة بشكل عمودي مع بعضها لتصنع تياراً هوائياً.. ثم تزين الجدران بنفس المادة البيضاء علي شكل دوائر مضيئة لتنعكس عليها أضواء الشموع المنتشرة علي جانبي الأسرة.
طلبت من عبدالخير أن يلتقط لي عدة صور وأنا مستلق في نفس السرير الذي نام فيه تشارلز وزوجته الثانية.. لم أتخيل شيئاً.. عن نوم الملوك والأمراء ولكنني تذوقت للحظات تجربة عودتهم إلي الطبيعة وإلي الفطرة.. وهم تاركون قصورهم الفارهة بحثاً عن تجارب جديدة.
وسيوة رائعة بلا شك، ولكن لا تخلو من المشاكل بالطبع، فبالإضافة إلي مشاكل الصرف الزراعي والاستخدام الجائر للمياه الجوفية، وعدم وجود حلول علمية لها رغم شكاوي الأهالي والمسؤولين للرئيس مبارك من هذه الظاهرة عام ١٩٩٦ فإنه توجد مشاكل أخري أهمها تهافت المستثمرين علي شراء أراضي الواحة لمشروعات سياحية ضخمة.
وقال كثير من الأهالي لنا: لاتوجد أوراق تسجيل لأراضينا كتلك الموجودة في الوادي والدلتا للأراضي الزراعية، لكن الأصل لدينا هو البيع والشراء العرفي.. والآن يصر محافظ مرسي مطروح الفريق محمد الشحات علي تسجيل جميع الأراضي.. بعد أن ظهرت عمليات فردية قام فيها الأهالي بالنصب علي مستثمرين وقاموا ببيع قطعة أرض واحدة لأكثر من مشتر.
السكان معظمهم مازال يتخوف من التعامل مع الحكومة ويفضل الانغلاق علي عاداته ولغته الأمازيغية مستاءون من هذه الخطوة ويطلبون حلولاً حكومية وقضائية تتجاوز الفريق ورجاله سواء في مرسي مطروح أو سيوة، وبعضهم قال لي: نحن قادرون علي مواجهة هذه القرارات عند الضرورة حين تمس أراضي أجدادنا بشكل مباشر.. كما تعاملنا مع قضية تعذيب المواطن السيوي البسيط في قسم شرطة الواحة!
والمرأة السيوية تنقطع عن العالم تماماً بزواجها.. ولثمانية قرون متصلة، كما قال لي الأهالي، لم تتغير وظيفتها، فهي ربة البيت وراعية لأولادها، ونادراً ما تعمل بالحديقة خارج المنزل.
وسألت عدداً من الأهالي عن وجود سيدات من الواحة يعملن في أي عمل إداري أو صحي أو دراسي، فنفوا ذلك تماماً، وقالوا: ربما تعثر علي سيدتين منتقبتين في مجلس المدينة لكنهما من خارج الواحة ومتزوجتان هنا.
ومسموح للبنت باللعب في الشارع وهي كاشفة رأسها حتي سن البلوغ، وفي هذه السن يكون متاحاً للشباب الأكبر سناً أن يرونها ويحجزونها للزواج.. وتقليدياً تتم الخطبة في سن مبكرة جداً للبنت حتي إن بعضهن تتم خطبتها قبل العاشرة، ويكون العريس أكثر بنحو عشر سنوات تقريباً.. وهدية الخطوبة بسيطة ولا تتجاوز في الغالب نحو ألفي جنيه،
يتم شراء مشغولات ذهبية بها، لكن العريس الذي يظل يتردد علي بيت خطيبته الطفلة عليه إحضار هدايا مختلفة ومتنوعة في جميع الأعياد، وغير مسموح للخطيب أن يجلس مع خطيبته في غير وجود أهلها.. وغير مسموح له أيضاً أن يوقفها في الشارع ولو للحظات.. وعقود الزواج حتي الآن شفوية.
قال لي عدد من الأهالي، ونحن جالسون علي تراس أحد الفنادق في أطلال شالي، إشهار الزواج يتم علي الملأ وبشكل إسلامي من خلال مبدأ الإيجاب والقبول، ثم تتم الزفة والدخلة.. وبعد أسبوع كامل يذهب الزوج مع زوجته إلي المأذون مع أهليهما لتوثيق الزواج!
والطلاق في الواحة نسبته بسيطة للغاية، كما يقولون هنا، لكن المرأة المطلقة تظل حبيسة في منزل والدها أو أخيها أو أقاربها بعد أن تترك منزل زوجها السابق.
لكن هذه العادة (الطلاق) عرفت طريقها بشكل أكبر مع اتجاه بعض الشباب، خاصة المقربين من السائحات والمسؤولين عن رحلات السفاري، إلي الزواج من أجنبيات.
وفي مجتمع كهذا لا وجود لحالات خلع علي الاطلاق، وهذا شيء طبيعي، أما الغريب والفريد في هذا المجتمع أنه لم يسجل ولو حالة واحدة لختان الإناث علي امتداد تاريخه.
ومع استغرابي لهذه المعلومات مع مجتمع مغلق ومتدين تسيطر الصوفية علي حياته وحتي علي الاحتفال بأعياده، سألت عدداً أكبر من الأهالي ومن المسؤولين، وقرأت بعض الكتب السيوية وتأكدت من غياب ظاهرة ختان الإناث تماماً عن الواحة التي لا مكان فيها لملصقات..
«بداية النهاية.. لا لختان الإناث» ورغم هذه الأجواء، فإن التنويريين عرفوا طريقهم مبكراً إلي الواحة، حيث خرجت من هنا بطولات وحكايات أروع من التي شهدتها القاهرة والإسكندرية في زمن عاشت فيه مصر أسوأ الذكريات.
محمد علي جيدة، موظف بمجلس مدينة سيوة، يقترب من سن المعاش، لعائلته وله هو شخصياً حكاية تجمع كل هذه العناوين حكاها لي كالتالي.. يقول: كان والدي الشيخ علي جيدة شيخ مشايخ سيوة أثناء الحرب العالمية الثانية.. وكان متعهداً لتوريد الأغذية للجيش المصري المتحالف مع البريطانيين بالطبع ضد دول المحور،
ولما دخل جيشهم بقيادة ثعلب الصحراء روميل، الصحراء الغربية ووصلوا سيوة اعتقلوا والدي واعتبروه جاسوساً للحلفاء وجهزوا طائرة لنقله إلي روما لإعدامه هناك.. هو وأخويه الحاج عمران.
يضيف: تدخل مأمور سيوة عبدالرحمن زهير وقدم احتجاجاً رسمياً قال فيه: هاتوا الأدلة علي أنهما عميلان للإنجليز.. وبالفعل تدخلت روما وأطلقت سراحهما.
وبعد ذلك، كما يقول محمد جيدة، انسحبت القوة وقاد والدي المقاومة.. ودبر المؤن للواحة وتولي إطعام الناس في فترة حصار قاس انقطعت فيه الواحة عن العالم.
يتابع: أرسل جيش «المحور» بعض مخابراتهم للتأكد من أن أبي لايعمل جاسوساً للحلفاء.. وبعد أن تأكدوا من حياديته تغير الحال تماماً وأصبح والدي وسيطاً بين الأهالي من جهة وروميل ورجاله من ناحية أخري.
ويشير إلي أن روميل زار سيوة حين ضاق به طريق العلمين لاستطلاع طريق آخر غيره ليتمكن من خلاله الوصول إلي وادي النيل عبر سيوة.. الفرافرة.. الواحات البحرية.. لكنه أصيب باكتئاب شديد عندما تأكد من وجود موانع طبيعية أكثرها قسوة بحر الرمال العظيم الذي سبق أن ابتلع جيش قمبيز عن آخره.
يضيف: والدي استقبل روميل وسأله: متي تنتهي الحرب؟
.. فقال له: سؤالك لا يجيب عنه إلا الشيطان.. ويشير إلي أن والده كان أمياً، ولكنه علم أولاده وبناته.
ويقول: أخي الكبير أحمد كان زميلاً للملك حسين في «فيكتوريا كولدج» بالإسكندرية، حيث كانا يتجاوران بمقعديهما في الفصل الدراسي، إلي أن تم اختيار حسين ولياً للعهد في الأردن بعد اغتيال جده الملك عبدالله.
** الشاي باللغة الأمازيغية يعني «الشاهين»، أما المياه فهي «آمان».
وحين جلست علي أحد المقاهي البسيطة والجميلة مساء اليوم الأخير من رحلتي وطلبت «الشاهين، الزردة» كما يصفون الشاي المغلي هنا استمعت إلي حديث بالعربية بين صاحب المقهي وأحد الشباب من أهالي سيوة عن طلب أحد الأجانب لكي ينفذ رحلة برية «سفاري» إلي الواحات البحرية.. وبانتهاء الحوار سألت السيوي عن السفاري في الواحة، فتفتحت لي آفاق جديدة عن الصحراء تتجاوز حدود الواحة البسيطة.
في بداية حديثه قدم نفسه لي من خلال كارت شيك يحمل اسمه بالإنجليزية فقط: عبدالرحمن عزمي.. الشهير بعبده سفاري.
قال لي: ٩٠% من السائحين الأجانب يأتون إلي هنا من أجل رحلات السفاري.. الرحلة من سيوة إلي الواحات البحرية نقطعها في أسبوع كامل علي أن تمر بجميع المزارات والآثار الموجودة بالطريق، أما أطول الرحلات فهي إلي أقصي الجنوب حيث هضبة الجليف.. والتي تبعد نحو ألفي كيلو متر، علي حد قوله، ويتم الوصول إليها بعد أسبوعين.
ويشير إلي الوسائل الحديثة في رحلات السفاري عبر سيارات الدفع الرباعي، وأجهزة الـGBS المتصلة بالأقمار الصناعية، وبإشراف القوات المسلحة وشرطة السياحة.
عبده سفاري تحدث طويلاً عن نفسه وقال: إنه يجيد خمس لغات، وأن إحدي المجلات الألمانية المتخصصة كتبت عنه، خاصة حين نجح وفريق معه في تبديل موتور سيارة دفع رباعي بالكامل وهم في عمق الصحراء، وأن هذه العملية تمت في أقل من ساعة ونصف الساعة.
سفاري تحدث أيضاً كخبير في السياحة والآثار والسيارات لدرجة أنني استمعت إليه لما يزيد علي الساعتين في جو شديد البرودة.. لكنه حين تحدث عن معاناتهم كسيويين مع المسؤولين، خاصة في تسجيل الأراضي..
وعن معاناتهم حين يأتون إلي القاهرة وتكون النظرة إليهم فوقية للغاية وأنهم جميعاً تجار مخدرات.. لم أجد أي رد أو اعتذار، وفضلت أن أنهي الحوار متذرعاً ببرودة الجو.. ولأنني لم أرد في البداية إلا أن أكتب عن سيوة الجميلة كجزء من مصرنا الحلوة!