جارى العمل فى هذه الصفحة
الجزء التالى من كتاب السيرة النبوية - تأليف: عبد الملك بن هشام المعافري - الجزء الرابع - 80 / 116
ما قيل من الشعر في أمر الخندق وبني قريظة
شعر ضرار بن الخطاب
قال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، في يوم الخندق :
ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قُدنا عرندسة طحونا
كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليَلَبَ الحصينا
وجردا كالقداح مسوَّمات * نؤم بها الغواة الخاطيينا
كأنهم إذا صالوا و صُلْنا * بباب الخندقين مصافحونا
أناس لا نرى فيهم رشيدا * وقد قالوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهمُ شهرا كريتا * وكنا فوقهم كالقاهرينا
نراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات * نقدّ بها المفارق والشئونا
كأن وميضهن معرَّيات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا
وميض عقيقة لمعت بليل * ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فإنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعدا رهينا
إذا جن الظلام سمعت نوحي * على سعد يُرجِّعْن الحنينا
وسوف نزوركم عما قريب * كما زرناكم متوازرينا
بجمع من كنانة غير عُزْل * كأسد الغاب قد حمت العرينا
كعب بن مالك يرد على ضرار
فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال :
وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلا * على مانابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا
نقاتل معشرا ظلموا وعقُّوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعاجلهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا
وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسدا * شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوسا معلمينا
لننصر أحمدا والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا
ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك * وأنا الله مولى المؤمنينا
فإما تقتلوا سعدا سفاها * فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيبات * تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردكم فَلاًّ شريدا * بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثَمَّ خيرا * وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريح عاصف هبت عليكم * فكنتم تحتها متكمِّهينا
شعر عبدالله بن الزبعرى في غزوة الخندق
وقال عبدالله بن الزبعرى السهمي ، في يوم الخندق :
حي الديار محا معارف رسمها * طول البِلى وتراوح الأحقاب
فكأنما كتب اليهود رسومها * إلا الكنيف ومعقد الأطناب
قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس التراب
فاترك تذكُّر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام يباب
واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الأنصاب
أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذي غياطل جحفل جبجاب
يدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشر ظاهر وشعاب
فيها الجياد شوازب مجنوبة * قُبُّ البطون لواحق الأقراب
من كل سلهبة وأجرد سلهب * كالسيد بادرَ غفلة الرقاب
جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الأحزاب
قرمان كالبدرَيْن أصبح في هام * غيث الفقير ومعقل الهُراب
حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرَّب قضّاب
شهرا وعشرا قاهرين محمدا * وصحابه في الحرب خير صحاب
نادوا برحلتهم صبيحة قلتم * كدنا نكون بها مع الخُيَّاب
لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سُغَّب وذئاب
رد حسَّان بن ثابت عليه
فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال :
هل رسم دارسة المقام يباب * متكلم لمحاور بجواب
قفر عفا رهم السحاب رسومه * وهبوب كل مطلة مرباب
ولقد رأيت بها الحلول يزينهم * بيض الوجوه ثواقب الأحساب
فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب
و اشك الهموم إلى الإله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب
ساروا بأجمعهم إليه وألبوا * أهل القرى وبوادي الأعراب
جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلبة الأحزاب
حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردوا بغيظهم على الأعقاب
بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الأرباب
فكفى الإله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الأجر خير ثواب
من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب
و أقرَّ عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب
عاتي الفؤاد موقَّع ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الأثواب
علق الشقاء بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الأحقاب
كعب بن مالك يرد على ابن الزبعرى
وأجابه كعب بن مالك أيضاً ، فقال :
أبقى لنا حدث الحروب بقية * من خير نحلة ربنا الوهاب
بيضاء مشرفة الذُّرى ومعاطنا * حُمَّ الجذوع غزيرة الأحلاب
كاللُّوب يبذل جمها وحفيلها * للجار وابن العم والمنتاب
ونزائعا مثل السِّراح نمى بها * علف الشعير وجزة المقضاب
عري الشوى منها وأردف نحضها * جرد المتون وسائر الآراب
قُودا تراح إلى الصياح إذ غدت * فعل الضراء تراح للكلاّب
وتحوط سائمة الديار وتارة * تُردي العدا وتئوب بالأسلاب
حوش الوحوش مطارة عند الوغى * عُبْس اللقاء مبينة الإنجاب
عُلفت على دعة فصارت بُدَّنا * دُخْس البضيع خفيفة الأقصاب
يغدون بالزغف المضاعف شكة * وبمترصات في الثقاف صياب
و صوارم نزع الصياقل غلبها * وبكل أروع ماجد الأنساب
يصل اليمين بمارن متقارب * وُكلت وقيعته إلى خبَّاب
وأغر أزرق في القناة كأنه * في طُخْية الظلماء ضوء شهاب
وكتيبة ينفي القرانَ قتيرُها * وترد حد قواحذ النُّشاب
جأوى ململمة كأن رماحها * في كل مجَمعة ضريمةُ غاب
يأوي إلى ظِل اللواء كأنه * في صعدة الخطِّي فيء عقاب
أعيت أبا كرب وأعيت تُبَّعا * وأبت بسالتها على الأعراب
ومواعظ من ربنا نهُدَى بها * بلسان أزهرَ طيب الأثواب
عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الأحزاب
حكما يراها المجرمون بزعمهم * حرجا ويفهمها ذوو الألباب
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليُغلبنَّ مُغالِبُ الغلاّب
قال ابن هشام : حدثني من أثق به ، حدثني عبدالملك بن يحيى بن عباد ابن عبدالله بن الزبير ، قال : لما قال كعب بن مالك :
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
من سره ضرب يمعمع بعضه * بعضا كمعمعة الأباء المحرق
فليأت مأسدة تُسنّ سيوفها * بين المذاد وبين جزع الخندق
درِبوا بضرب المُعلِمين وأسلموا * مهجات أنفسهم لرب المشرق
في عصبة نصر الإله نبيَّه * بهم وكان بعبده ذا مرفق
في كل سابغة تخط فضولها * كالنهي هبت ريحه المترقرق
بيضاء محكمة كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق
جدلاء يحفزها نجاد مهند * صافي الحديد صارم ذي رونق
تلكم مع التقوى تكون لباسنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق
نَصِل السيوف إذا قصرن بخطونا * قدما ونلحقها إذا لم تلحق
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها * بَلْهَ الأكف كأنها لم تخلق
نلقى العدو بفخمة ملمومة * تنفي الجموع كفصد رأس المشرق
ونُعِد للأعداء كل مقلَّص * ورد ومحجول القوائم أبلق
تَردي بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسود طَلّ مُلثق
صُدق يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيج المزهق
أمر الإله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق
لتكون غيظا للعدو وحُيَّطا * للدار إن دلفت خيولا النُّزَّق
ويُعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي
ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نُسبق
ومتى يناد إلى الشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نُعنق
من يتَّبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الأمر حق مصدَّق
فبذاك ينصرنا ويُظهر عزنا * ويُصيبنا من نيل ذاك بمرفق
إن الذين يكذبون محمدا * كفروا وضلوا عن سبيل المتَّقي
قال ابن هشام : أنشدني بيته :
تلكم مع التقوى تكون لباسنا
وبيته :
من يتبع قول النبي *
أبو زيد . وأنشدني :
تنفي الجموع كرأس قدس المشرق
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
لقد علم الأحزاب حين تألَّبوا * علينا وراموا ديننا ما نوادع
أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت * وخندف لم يدروا بما هو واقع
يذودوننا عن ديننا ونذودهم * عن الكفر والرحمن راء وسامع
إذا غايظونا في مقام أعاننا * على غيظهم نصر من الله واسع
وذلك حفظ الله فينا وفضله * علينا ومن لم يحفظ اللهُ ضائع
هدانا لدين الحق واختاره لنا * ولله فوق الصانعين صنائع
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
ألا أبلغ قريشا أن سلعا * وما بين العُريض إلى الصماد
نُواضح في الحروب مدرَّبات * وخوص ثُقِّبت من عهد عاد
رواكد يزخر المرار فيها * فليست بالجمام ولا الثماد
كأن الغاب والبرديَّ فيها * أجش إذا تبقَّع للحصاد
ولم نجعل تجارتنا اشتراء الـْ * ـحمير لأرض دوس أو مراد
بلاد لم تُثر إلا لكيما * نجالد إن نشِطتم للجلاد
أثرنا سكة الأنباط فيها * فلم تر مثلها جلهات واد
قصرنا كل ذي حضر وطول * على الغايات مقتدر جواد
أجيبونا إلى ما نجتديكم * من القول المبين والسداد
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * لكم منا إلى شطر المذاد
نصبحكم بكل أخي حروب * وكل مطهَّم سلس القياد
وكل طِمرَّة خفق حشاها * تدف دفيف صفراء الجراد
وكل مقلَّص الآراب نهد * تميم الخلق من أُخْر وهادي
خيول لا تُضاع إذا أُضيعت * خيول الناس في السنة الجماد
ينازعن الأعنة مصغيات * إذا نادى إلى الفزع المنادي
إذا قالت لنا النذر استعدوا * توكلنا على رب العباد
وقلنا لن يفرج ما لقينا * سوى ضرب القوانس والجهاد
فلم تر عصبة فيمن لقينا * من الأقوام من قار وبادي
أشد بسالة منا إذا ما * أردناه وألين في الوداد
إذا ما نحن أشرجنا عليها * جياد الجُدْل في الأُرَب الشداد
قذفنا في السوابغ كل صقر * كريم غير معتلث الزناد
أشم كانه أسد عبوس * غداة بدا ببطن الجزع غادي
يغشّي هامة البطل المذكَّى * صبيَّ السيف مسترخي النجاد
لنظهر دينك اللهم إنا * بكفك فاهدنا سبل الرشاد
قال ابن هشام بيته :
قصرنا كل ذي حُضْر وطَول *
والبيت الذي يتلوه ، والبيت الثالث منه ، والبيت الرابع منه ، وبيته :
أشم كأنه أسد عبوس *
والبيت الذي يتلوه ، عن أبي زيد الأنصاري .
ما بكى به مسافع عمرو بن عبد ود
قال ابن إسحاق : وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح ، يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه :
عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل
سمح الخلائق ماجد ذو مرة * يبغي القتال بشكة لم ينكل
و لقد علمتم حين ولوا عنكم * أن ابن عبد فيهم لم يعجل
حتى تكنَّفه الكماة وكلهم * يبغي مقاتله وليس بمؤتلي
ولقد تكنَّفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل
تسل النزال عليّ فارس غالب * بجنوب سلع ، ليته لم ينزل
فاذهب عليّ فما ظفرت بمثله * فخرا ولا لاقيت مثل المعضل
نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقى حمام الموت لم يتحلحل
أعني الذي جزع المذاد بمهره * طلبا لثأر معاشر لم يخذل
ما أنب به مسافع الفرسان أصحاب عمرو بن عبد ود
وقال مسافع أيضاً يؤنب فرسا عمرو الذين كانوا معه ، فأجلوا عنه وتركوه :
عمرو بن عبد والجياد يقودها * خيل تقاد له وخيل تنعل
أجلت فوارسه وغادر رهطه * ركنا عظيما كان فيها أول
عجبا وإن أعجب فقد أبصرته * مهما تسوم علي عمرا ينزل
لا تبعدن فقد أصبت بقتله * ولقيت قبل الموت أمرا يثقل
وهبيرة المسلوب ولى مدبرا * عند القتال مخافة أن يقتلوا
وضرار كأن البأس منه محضرا * ولى كما ولى اللئيم الأعزل
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له . وقوله : ( عمرا ينزل ) عن غير ابن إسحاق .
ما قاله هبيرة في فراره ورثائه عمر بن عبد ود
قال ابن إسحاق : وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره ، ويبكي عمرا ، ويذكر قتل علي إياه :
لعمري ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي
وقفت فلما لم أجد لي مقدما * صدرت كضرغام هزبر أبي شبل
ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلي
فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * وحق لحسن المدح مثلك من مثلي
ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل
فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل
هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل
فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل
فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل
ما قاله هبيرة في رثاء عمرو أيضاً
وقال هبيرة بن أبي وهب يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي إياه :
لقد علمت عليا لؤي بن غالب * لفارسها عمرو إذا ناب نائب
لفارسها عمرو إذا ما يسومه * علي وإن الليث لا بد طالب
عشية يدعوه علي وإنه * لفارسها إذ خام عنه الكتائب
فيا لهف نفسي إن عمرا تركته * بيثرب لا زالت هناك المصائب
حسَّان يفتخر بقتل عمرو
وقال حسَّان بن ثابت يفتخر بقتل عمرو بن عبد ود :
بقيتكم عمرو أبحناه بالقنا * بيثرب نحمي والحماة قليل
ونحن قتلناكم بكل مهند * ونحن ولاة الحرب حين نصول
ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت * معاشركم في الهالكين تجول
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في شأن عمرو بن عبد ود :
أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب ثأره لم ينظر
فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر
ولقد لقيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر
أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً :
الا أبلغ أبا هدم رسولا * مغلغلة تخب بها المطي
أكنت وليكم في كل كره * وغيري في الرخاء هو الولي
و منكم شاهد ولقد رآني * رفعت له كما احتمل الصبي
قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لربيعة بن أمية الديلي ، ويروى فيها آخرها :
كببت الخزرجي على يديه * وكان شفاء نفسي الخزرجي
وتروى أيضاً لأبي أسامة الجشمي .
ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت في يوم بن قريظة يبكي سعد بن معاذ ، ويذكر حكمه فيهم:
لقد سجمت من دمع عيني عبرة * وحق لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به * عيون ذواري الدمع دائمة الوجد
على ملة الرحمن وارث جنة * مع الشهداء وفدها أكرم الوفد
فإن تك قد ودعتنا وتركتنا * وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد
فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد * كريم وأثواب المكارم والحمد
بحكمك في حيي قريظة بالذي * قضى الله فيهم ما قضيت على عمد
فوافق حكم الله حكمك فيهمُ * ولم تعف إذ ذكرت ما كان من عهد
فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى * شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد
فنعم مصير الصادقين إذا دعوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد
ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ وغيره
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ، يبكي سعد بن معاذ ، ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء ، ويذكرهم بما كان فيهم من الخير :
ألا يا لقومي هل لما حُمّ دافع * و هل ما مضى من صالح العيش راجع
تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت * بنات الحشى وانهل مني المدامع
صبابة وجد ذكرتني أحبة * وقتلى مضى فيها طفيل ورافع
وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت * منازلهم فالأرض منهم بلاقع
وفوا يوم بدر للرسول و فوقهم * ظلال المنايا والسيوف اللوامع
دعا فأجابوه بحق وكلهم * مطيع له في كل أمر وسامع
فما نكلوا حتى تولوا جماعة * ولا يقطع الآجال إلا المضارع
لأنهم يرجون منه شفاعة * إذا لم يكن إلا النبيون شافع
فذلك يا خير العباد بلاؤنا * إجابتنا لله والموت ناقع
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا * لأوّلنا في ملة الله تابع
ونعلم أن الملك لله وحده * وأن قضاء الله لا بد واقع
ما قاله حسَّان في يوم بني قريظة
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
لقد لقيت قريظة ما سآها * وما وجدت لذل من نصير
أصابهم بلاء كان فيه * سوى ما قد أصاب بني النضير
غداة أتاهم يهوي إليهم * رسول الله كالقمر المنير
له خيل مجنَّبة تَعادَى * بفرسان عليها كالصقور
تركناهم وما ظفروا بشيء * دماؤهمُ عليهم كالغدير
فهم صرعى تحوم الطير فيهم * كذاك يُدان ذو العند الفَجور
فأنذرْ مثلها نصحا قريشا * من الرحمن إن قبلت نذيري
وقال حسَّان بن ثابت في بني قريظة
لقد لقيت قريظة ما سآها * وحل بحصنها ذل ذليل
وسعد كان أنذرهم بنصح * بأن إلهكم رب جليل
فما برحوا بنقص العهد حتى * فَلاهم في بلادهمُ الرسول
أحاط بحصنهم منا صفوف * له من حَرّ وقعتهم صليل
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه * وهم عمي من التوراة بور
كفرتم بالقرآن وقد أتيتم * بتصديق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبُويرة مستطير
أبو سفيان يرد على حسَّان
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، فقال :
أدام الله ذلك من صنيع * وحرّق في طرائقها السعير
ستعلم أينا منها بنُزه * وتعلم أي أرضينا تضير
فلو كان النخيل بها ركابا * لقالوا لا مُقام لكم فسيروا
جبل بن جوال يرد على حسان
وأجابه جبل بن جوال الثعلبي أيضاً ، وبكى النضير وقريظة ، فقال :
ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما لقيت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحمَّلوا لهو الصبور
فأما الخزرجي أبو حُباب * فقال لقينقاع لا تسيروا
وبُدّلت الموالي من حضير * أسيد والدوائر قد تدور
وأقفرت البويرة من سلام * وسعية وابن أخطب فهي بور
وقد كانوا ببلدتهم ثقالا * كما ثقلت بمَيْطان الصخور
فإن يهلك أبو حكم سلام * فلا رثُّ السلاح ولا دَثُور
وكل الكاهنَيْن وكان فيهم * مع اللين الخضارمة الصقور
وجدنا المجد قد ثبتوا عليه * بمجد لا تغيِّبه البدور
أقيموا يا سراة الأوس فيها * كأنكم من المخزاة عور
تركتم قدركم لا شيء فيها * وقدر القوم حامية تفور