جارى العمل فى هذه الصفحة
الجزء التالى من كتاب السيرة النبوية - تأليف: عبد الملك بن هشام المعافري - الجزء الرابع - 72 / 116
شعر حسَّان أيضاً في بكاء حمزة
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يبكي حمزة بن عبدالمطلب :
أتعرف الدار عفا رسمها * بعدك صوب المسبل الهاطل
بين السراديح فأدمانة * فمدفع الروحاء في حائل
ساءلتها عن ذاك فاستعجمت * لم تدر ما مرجوعة السائل
دع عنك داراً قد عفا رسمها * وابك على حمزة ذي النائل
المالئ الشيزي إذا أعصفت * غبراء في ذي الشَّبم الماحل
والتارك القرن لدى لبدةٍ * يعثر في ذي الخروص الذابل
واللابس الخيل إذ اجحمت * كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من هاشم * لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم * شلت يدا وحشي من قاتل
أي امرىء غادر في أله * مطرورة مارنة العامل
أظلمت الأرض لفقدانه * واسود نور القمر الناصل
صلى عليه الله في جنة * عالية مكرمة الداخل
كنا نرى حمزة حرزا لنا * في كل أمر نابنا نازل
وكان في الإسلام ذا تدرأ * يكفيك فقد القاعد الخاذل
لا تفرحي يا هند واستجلبي * دمعا وأذري عبرة الثاكل
وابكي على عتبة إذ قطه * بالسيف تحت الرهج الجائل
إذا خر في مشيخة منكم * من كل عات قلته جاهل
أرداهم حمزة في أسرة * يمشون تحت الحلق الفاضل
غداة جبريل وزير له * نعم وزير الفارس الحامل
ما قاله كعب بن مالك في رثاء لحمزة
وقال كعب بن مالك يبكي حمزة بن عبدالمطلب :
طرقت همومك فالرقاد مَسَهَّدُ * وجزعت أن سُلخ الشباب الأغيد
ودعت فؤادك للهوى ضمرية * فهواك غوري وصحوك منجد
فدع التمادى في الغواية سادرا * قد كنت في طلب الغواية تفند
ولقد أنى لك أن تناهى طائعا * أو تستفيق إذا نهاك المرشد
ولقد هددت لفقد حمزة هدة *ظلت بنات الجوف منها ترعد
ولو أنه فجعت حراء بمثله * لرأيت راسي صخرها يتبدد
قرم تمكَّنَ في ذؤابة هاشم * حيث النبوة والندى والسودد
والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت * ريح يكاد الماء منها يجمد
والتارك القرن الكمي مجدلا * يوم الكريهة والقنا يتقصد
وتراه يرفل في الحديد كأنه * ذو لبدة شئن البراثن أربد
عم النبي محمد وصفيه * ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنية معلماً في أسرة * نصروا النبي ومنهم المستشهد
ولقد أخال بذاك هندا بشرت * لتميت داخل غصة لا تبرد
مما صبحنا بالعقنقل قومها * يوما تغيب فيه عنها الأسعد
وببئر بدر إذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد
حتى رأيت لدى النبي سراتهم * قسمين يقتل من نشاء ويطرد
فأقام بالعطن المعطن منهم * سبعون : عتبة منهم والأسود
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة *فوق الوريد لها رشاش مزبد
وأمية الجمحي قوَّم ميله * عضب بأيدي المؤمنين مهند
فأتاك فلُّ المشركين كأنهم * والخيل تثفنهم نعام شرد
شتَّان من هو في جهنَّم ثاويا * أبدا ومن هو في الجنان مخلَّد
وقال كعب أيضاً يبكي حمزة
صفية قومي ولا تعجزي * وبكي النساء على حمزة
ولا تسأمي أن تطيلي البكا * على أسد الله في الهزة
فقد كان عزاً لأيتامنا * وليث الملاحم في البزّة
يريد بذاك رضا أحمدٍ * ورضوان ذي العرش والعزة
ما قاله كعب في غزوة أحد
وقال كعب أيضاً في أحد :
إنك عمر أبيك الكريم * أن تسألي عنكك من يجتدينا
فإن تسألي ثم لا تُكذبي * يخبرك من قد سألت اليقينا
بأنا ليالي ذات العظام * كنا ثمالا لمن يعترينا
تلوذ البجود بأذرائنا * من الضر في أزمات السنينا
بجدوى فضول أولى وجدنا * وبالصبر والبذل في المعدمينا
وأبقت لنا جلمات الحروب * ممن نوازي لدن أن برينا
معاطن تهوى إليها الحقوق * يحسبها من رآها الفتينا
تخيَّس فيها عتاقُ الجمال * صحما دواجن حمرا وجونا
ودفَّاع رجلٍ كموج الفرات * يقدم جأواء جولا طحونا
ترى لونها مثل لون النجوم * رجراجة تبرق الناظرينا
فإن كنت عن شأننا جأهلا * فسل عنه ذا العلم ممن يلينا
بنا كيف نفعل إن قلَّصت * عوانا ضروسا عضوضا حجونا
ألسنا نشد عليها العصاب * حتى تدر وحتى تلينا
ويوم له رهج دائم * شديد التهاول حامي الأرينا
طويل شديد أوار القتال * تنفي قواحزه المقرفينا
تخال الكماة بأعراضه * ثمالاً على لذَّةٍ منزفينا
تعاور أيمانهم بينهم * كئوس المنايا بحد الظبينا
شهدنا ككنا أولي بأسه * وتحت العماية والمعلمينا
بخرس الحسيس حسَّان رواء * وبصريَّة قد أجمن الجفونا
فما ينفللن وما ينحنين * وما ينتهين إذا ما نهينا
كبرق الخريف بأيدي الكماة * يفجعن بالظل هاما سكونا
وعلمنا الضرب آباؤنا * وسوف نعلم أيضاً بنينا
جلاد الكماة وبذل التلاد * عن جل أحسابنا ما بقينا
إذا مر قرن كفى نسله * وأورثه بعده آخرينا
نشبّ وتهلك آباؤنا * وبينا نربي بنينا فنينا
سألت بك ابن الزبعرى فلم * أنبأك في القوم إلا هجينا
خبيثا تطيف بك المنديات * مقيما على اللؤم حينا فحينا
تبجست تهجو رسول المليك * قاتلك الله جلفا لعينا
بقول الخنا ثم ترمى به * نقي الثياب تقيا أمينا
قال ابن هشام : أنشدني بيته: " بنا كيف نفعل " والبيت الذي يليه ، والبيت الثالث منه ، وصدر الرابع منه ، وقوله "نشبُّ وتهلك أباؤنا" والبيت الذي يلييه والبيت الثالث منه ، أبو زيد الأنصاري
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك أيضاً في يوم أحد
سائل قريشا غداة السفح من أحد * ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب
كنا الأسود وكانوا النمر إذ زحفوا * ما إن نراقب من آل ولا نسب
فكم تركنا بها من سيد بطل * حامي الذمار كريم الجد والحسب
فينا الرسول شهاب ثم يتبعه * نور مضىء له فضل على الشهب
الحق منطقة والعدل سيرته * فمن يجبه إليه ينج من تبب
نجد المقدم ماضي الهم معتزم * حين القلوب على رجف من الرعب
يمضي ويذمرنا عن غير معصية * كأنه البدر لم يطبع على الكذب
بدا لنا فاتبعناه نصدقه * وكذبوه فكنا أسعد العرب
جالوا وجلنا فما فاءوا * ونحن نثفنهم لم نأل في الطلب
ليسا سواء وشتى بين أمرهما * حزب الإله وأهل الشرك والنصب
قال ابن هشام : أنشدني من قوله يمضي ويذمرنا إلى آخرها أبو زيد الأنصاري .
شعر ابن رواحة في رثاء حمزة
قال ابن إسحاق : وقال عبدالله ابن رواحة يبكي حمزة بن عبدالمطلب .
قال ابن هشام : أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك .
بكت عيني وحق لها بكاها * وما يعني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا * أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا * هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت * وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان * مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا * فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم * بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عني لؤيا * فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا * وقائعنا بها يشفي الغليل
نسيتم ضربنا بقليب بدر * غداة اتاكم الموت العجيل
غداة ثوى أبو جهل صريعا * عليه الطير حائمة تجول
وعتبة ابنه خرا جميعا * وشيبة عضه السيف الصقيل
ومتركنا أمية مجلعبا * وفي حيزومه لدن نبيل
وهام بنى ربيعة سائلوها * ففي أسيافنا منها فلول
ألا يا هند فابكي لا تملي * فانت الواله العبرى الهبول
ألا يا هند لا تبدي شماتا * بحمزة إن عزكم ذليل
ما قاله كعب بن مالك في أحد
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك
أبلغ قريشا على نأيها * أتفخر منا بما لم تلي
فخرتم بقتلي أصابتهم * فواضل من نعم المفضل
فحلوا جنانا وأبقوا لكم * أسودا تحامي عن الأشبل
تقاتل عن دينها ، وسطها * نبي عن الحق لم ينكل
رمته معدٌّ بعور الكلام * ونبل العداوة لا تأتلي
قال ابن هشام : أنشدني : قوله "لم تلي " وقوله : "من نعم المفضل " أبو زيد الأنصاري .
ما قاله ضرار بن الخطاب من الشعر في غزوة أحد
قال ابن إسحاق : وقال ضرار بن الخطاب في يوم أحد :
ما بال عينك قد أزرى بها السهد * كأنما جال في أجفانها الرمد
أمن فراق حبيب كنت تألفه * قد حال من دونه الأعداء والبعد
أم ذاك من شغب قوم لا جداء بهم * إذ الحروب تلظت نارها تقد
ما ينتهون عن الغي الذي ركبوا * وما لهم من لؤي ويحهم عضد
وقد نشدناهم بالله قاطبة * فما تردهم الأرحام والنشد
حتى إذا ما أبوا إلا محاربة * واستحصدت بيننا الأضعان والحقد
سرنا إليهم بجيش في جوانبه * قوانس البيض والمحبوكة السرد
والجرد ترفل بالأبطال شازبة * كأنها حدا في سيرها تؤد
جيش يقودهم صخر ويرأسهم * كأنه ليث غاب هاصر حرد
فأبرز الحين قوما من منازلهم * فكان منا ومنهم ملتقي أحد
فغودرت منهم قتلى مجدلة * كالمعز أصرده بالصردح البرد
قتلى كرام بنو النجار وسطهم * ومصعب من قنانا حوله قصد
وحمزة القرم مصروع تطيف به * ثكلى وقد حز منه الأنف والكبد
كأنه حين يكبو في جديته * تحت العجاج وفيه ثعلب جسد
حوار ناب وقد ولى صحابته * كما تولى النعام الهارب الشرد
مجلحين ولا يلوون قد ملئوا * رعبا ، فنجتهم العوصاء والكؤد
تبكي عليه نساء لا بعول لها * من كل سالبة اثوابها قدد
وقد تركناهم للطير ملحمة * وللضباع الى أجسادهم تفد
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار .
ما ارتجز به أبو زعنة يوم أحد
قال ابن إسحاق : وقال أبو زعنة بن عبدالله بن عمرو بن عتبة ؛ أخو بني جشم بن الخزرج ، يوم أحد :
انا أبو زعنة يعدو بي الهزم * لم تمنع المخزاة إلا بالألم
يحمي الذمار خزرجي من جشم*
ما نسب لعلي رضي الله عنه من الرجز يوم أحد
قال ابن إسحاق : وقال علي بن أبي طالب
قال ابن هشام : قالها رجل من المسلمين يوم أحد غير علي ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ، ولم أر أحدًا منهم يعرفها لعلي
لاهم إن الحارث بن الصمة * كان وفيا وبنا ذا ذمة
أقبل في مهامة مهمة * كليلة ظلماء مدلهمة
بين سيوف ورماح جمة * يبغي رسول الله فيما ثمة
قال ابن هشام : قوله : "كليلة " عن غير ابن إسحاق
ما قاله عكرمة يوم أحد
قال ابن إسحاق : وقال عكرمة بن أبي جهل في يوم أحد
كلهم يزجره أرحب هلا * ولن يروه اليوم إلا مقبلا
يحمل رمحا ورئيسا جحفلا
ما قاله أعشى بن زرارة التميمي يبكي قتلى أحد من بني عبدالدار
وقال الأعشى بن زرارة بن النباش التميمي - قال ابن هشام : ثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم - يبكي قتلى بني عبدالدار يوم أحد :
حيي من حيّ علي نأيهم * بنو أبي طلحة لا تصرف
يمر ساقيهم عليهم بها * وكل ساق لهم يعرف
لا جارهم يشكو ولاضيفهم * من دونه باب لهم يصرف
ما قاله ابن الزبعرى يوم أحد
وقال عبدالله بن الزبعرى يوم أحد :
قتلنا ابن جحش فاغتبطنا بقتله * وحمزة في فرسانه وابن قوقل
وأفلتنا منهم رجال فأسرعوا * فليتهم عاجوا ولم نتعجل
أقاموا لنا حتى تعض سيوفنا * سراتهم وكلنا غير عزل
وحتى يكون القتل فينا وفيهم * ويلقوا صبوحا شره غير منجلي
قال ابن هشام : وقوله " وكلنا " قوله : " ويلقوا صبوحا " : عن غير ابن إسحاق .
ما رثت به صفية أخاها حمزة
قال ابن إسحاق : وقالت صفية بنت عبدالمطلب تبكي أخاها حمزة بن عبدالمطلب :
أسائلة أصحاب أحد مخافة * بنات أبي من أعجم وخبير
فقال الخبير إن حمزة قد ثوى * وزير رسول الله خير وزير
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة * إلى جنة يحيا بها وسرور
فذلك ما كنا نرجِّي ونرتجي * لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا * بكاء وحزنا محضري ومسيري
على أسد الله الذي كان مدرها * يذود عن الإسلام كل كفور
فيا ليت شلوي عند ذاك وأعظمي * لدى أضبع تعتادني ونسور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي * جزى الله خيرا من أخ ونصير
بكاء وحزنا محضري ومسيري *
ما بكت به نعم زوجها شماسا
قال ابن إسحاق : وقالت نعم ، امرأة شماس بن عثمان ، تبكي شماسا ، وقد أصيب يوم أحد :
يا عين جودي بفيض غير إبساس * على كريم من الفتيان أبَّاس
صعب البديهة ميمون نقيبته * حمَّال ألوية ركَّاب أفراس
أقول لما أتى الناعي له جزعا * أودي الجواد وأودى المطعم الكاسي
وقلت لم خلت منه مجالسه * لا يبعد الله عنا قرب شماس
ما قاله أبو الحكم أخو نعم يعزيها
فأجابها أخوها ، وهو أبو الحكم بن سعيد بن يربوع ، يعزيها : فقال :
إقنى حياءك في ستر وفي كرم * فإنما كان شماس من الناس
لا تقتلي النفس إذ حانت منيته * في طاعة الله يوم الروع والباس
قد كان حمزة ليث الله فاصطبري * فذاق يومئذ من كأس شماس
ما قالته هند بنت عتبة بعد رجوعها من أحد
وقالت هند بنت عتبة ، حين انصرف المشركون عن أحد :
رجعت وفي نفسي بلابل جمة * وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي
من أصحاب بدر من قريش وغيرهم * بني هاشم منهم ومن أهل يثرب
ولكنني قد نلت شيئا ولم يكن * كما كنت أرجو في مسيري ومركبي
قال ابن هشام : وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر قولها :
" وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي "
وبعضهم ينكرها لهند ، والله أعلم .