Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

اليهود والنصارى ومحمد

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 3000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
محمد واليهود والقرآن2
النصارى واليهود والقرآن
محمد والقرآن واليهود3
أسئلة اليهود / ذى القرنين

Hit Counter

 

  جارى العمل فى هذه الصفحة

الجزء التالى من السيرة النبوية لابن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري البصري المتوفي عام 213 الموافق لعام 828 م  ستة مجلدات - الجزء الثانى -  139/116

 

 تنازع اليهود والنصارى عند الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رافع بن حريملة ‏‏:‏‏ ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى وبالإنجيل ؛ فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ‏‏:‏‏ ما أنتم على شيء ، وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة ؛ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ، وهم يتلون الكتاب ، كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم ، فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ‏‏)‏‏ ، أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به ، أي يكفر اليهود بعيسى ، وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى عليه السلام بالتصديق بعيسى عليه السلام ، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى عليه السلام ، من تصديق موسى عليه السلام ، وما جاء به من التوراة من عند الله ، وكل يكفر بما في يد صاحبه ‏‏.‏‏‏

مانزل في طلب ابن حريملة أن يكلمه الله
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا محمد ، إن كنت رسولا من الله كما تقول ، فقل لله فَلْيُكلِّمنا حتى نسمع كلامه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ، أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ، قد بينا الآيات لقوم يوقنون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ما نزل في سؤال ابن صوريا للنبي عليه الصلاة و السلام بأن يتهود
وقال عبدالله بن صوريا الأعور الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تهتد ؛ وقالت النصارى مثل ذلك ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قول عبدالله بن صوريا وما قالت النصارى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ثم القصة إلى قول الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ تلك أمة قد خلت ، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ، ولا تُسئلون عما كانوا يعملون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ما قالته اليهود عند صرف القبلة إلى الكعبة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة ، وصُرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ، ورافع بن أبي رافع ، والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ‏‏؟‏‏ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ، وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، قل لله المشرق والمغرب ، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‏‏.‏‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ‏‏.‏‏ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ‏‏)‏‏ ، أي ابتلاء واختبارا ‏‏(‏‏ وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ‏‏)‏‏ ، أي من الفتن ‏‏:‏‏ أي الذين ثبَّت الله ‏‏(‏‏ وما كان الله ليضيع إيمانكم ‏‏)‏‏ ، أي إيمانكم بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة ، وطاعتكم نبيكم فيها ‏‏:‏‏ أي ليُعطينكم أجرهما جميعا ‏‏(‏‏ إن الله بالناس لرءوف رحيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
ثم قال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ، فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب
ابن هشام ‏‏:‏‏ شطره ‏‏:‏‏ نحوه وقصده ‏‏.‏‏ قال عمرو بن أحمر الباهلي - وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان - يصف ناقة له ‏‏:‏‏
تعدو بنا شطر جمع وهي عاقدة * قد كارب العقد من إيفادها الحقبا
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
وقال قيس بن خويلد الهذلي يصف ناقته ‏‏:‏‏
إن النَّعوس بها داء مخامرها * فشطرها نظر العينين محسورُ
وهذا البيت في أبيات له ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ والنعوس ‏‏:‏‏ ناقته ، وكان بها داء فنظر إليها نظر حسير ، من قوله ‏‏:‏‏ وهو حسير ‏‏.‏‏
‏‏(‏‏ وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ، وما الله بغافل عما يعملون ‏‏.‏‏ ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ، وما أنت بتابع قبلتهم ، وما بعضهم بتابع قبلة بعض ، ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ، إنك إذا لمن الظالمين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الحق من ربك ، فلا تكونن من الممترين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

كتمانهم ما في التوراة من الحق
وسأل معاذ بن جبل ، أخو بني سلمة ، وسعد بن معاذ ، أخو بني عبدالأشهل ؛ وخارجة بن زيد ، أخو بلحارث بن الخزرج ، نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه ، وأبوا أن يخبروهم عنه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

جوابهم للنبي عليه الصلاة و السلام حين دعاهم إلى الإسلام
قال ‏‏:‏‏ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذرهم عذاب الله ونقمته ؛ فقال له رافع بن خارجة ، ومالك بن عوف ‏‏:‏‏ بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم وخيرا منا ‏‏.‏‏
فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليك آباءنا ، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

جمعهم في سوق بني قينقاع
ولما أصاب الله عز وجل قريشا يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بني قينقاع ، حين قدم المدينة ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشا ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا محمد ، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش ، كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنَّا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ‏‏.‏‏ قد كان لكم آية في فئتين التقتا ، فئة تقاتل في سبيل الله ، وأخرى كافرة ، يرونهم مثليهم رأي العين ، والله يؤيد بنصره من يشاء ، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

دخوله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس
قال ‏‏:‏‏ ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ؛ فقال له النعمان بن عمرو ، والحارث بن زيد ‏‏:‏‏ على أي دين أنت يا محمد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ على ملة إبراهيم ودينه ؛ قالا ‏‏:‏‏ فإن إبراهيم كان يهوديا ؛ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فهلم إلى التوراة ، فهي بيننا وبينكم ، فأبيا عليه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ‏‏.‏‏ ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ، وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

تنازع اليهود والنصارى في إبراهيم عليه السلام
وقال أحبار يهود ونصارى نجران ، حين اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا ، فقالت الأحبار ‏‏:‏‏ ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى من أهل نجران ‏‏:‏‏ ما كان إبراهيم إلا نصرانيا ‏‏.‏‏ فأنزل الله عز وجل فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ، ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ،‏ فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ‏‏.‏‏ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ، ولكن كان حنيفا مسلما ، وما كان من المشركين ‏‏.‏‏ إن أولى الناس بإبراهيم لَلَّذين اتبعوه ، وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ما نزل في إيمانهم غدوة وكفرهم عشيا
وقال عبدالله بن صيف ، وعدي بن زيد ، والحارث بن عوف ، بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ، ونكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع ، ويرجعون عن دينه ‏‏.‏‏
فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ، وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ‏‏.‏‏ وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ‏‏.‏‏ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، قل إن الهدى هدى الله أن يُؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم ، قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله واسع عليم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ما نزل في قول أبي رافع و النجراني ‏‏(‏‏ أتريد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ‏‏)‏‏
وقال أبو رافع القرظي ، حين اجتمعت الأحبار من يهود ، والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعاهم إلى الإسلام ‏‏:‏‏ أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ‏‏؟‏‏ وقال رجل من أهل نجران نصراني ، يقال له ‏‏:‏‏ الرّبيِّس ، - ويروى ‏‏:‏‏ الريس ، والرئيس - ‏‏:‏‏ أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ‏‏؟‏‏ أو كما قال ‏‏.‏‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره ، فما بذلك بعثني الله ، ولا أمرني ؛ أو كما قال ‏‏.‏‏
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقولَ للناس كونوا عبادا لي من دون الله ، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب ، وبما كنتم تدرسون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ بعد إذ أنتم مسلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الربانيون ‏‏:‏‏ العلماء الفقهاء السادة ؛ واحدهم ‏‏:‏‏ رباني ‏‏.‏‏
قال الشاعر ‏‏:‏‏
لو كنت مرتهنا في القوس أفتنني * منها الكلام وربَّانيَّ أحبارِ
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القوس ‏‏:‏‏ صومعة الراهب ‏‏.‏‏ وأفتنني ، لغة تميم ‏‏.‏‏ وفتنني ، لغة قيس ‏‏.‏‏
قال جرير ‏‏:‏‏
لا وصل إذ صرمت هند ولو وقفت * لاستنزلتني وذا المسحين في القوس
أي صومعة الراهب ‏‏.‏‏ والربّاني ‏‏:‏‏ مشتق من الرب ، وهو السيد ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فيسقي ربه خمرا ‏‏)‏‏ ، أي سيده ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ما نزل في أخذ الميثاق عليهم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم ذكر ما أخذ الله عليهم ، وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه إذ هو جاءهم ، وإقرارهم ، فقال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ، قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى آخر القصة ‏‏.‏

سعيهم في الوقيعة بين الأنصار
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومر شأس بن قيس ، وكان شيخا قد عسا ، عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخرزج ، في مجلس قد جمعهم ، يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم ، وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية ‏‏.‏‏
فقال ‏‏:‏‏ قد اجتمع ملأ بن قيلة بهذه البلاد ، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار ‏‏.‏‏ فأمر فتى شابا من يهود كان معهم ، فقال ‏‏:‏‏ اعمد إليهم ، فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بُعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار ‏‏.‏‏

شيء عن يوم بعاث
وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج ، وكان على الأوس يومئذ حُضير بن سماك الأشهلي ، أبو أسيد بن حضير ؛ وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي ، فقتلا جميعا ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قال أبو قيس بن الأسلت ‏‏:‏‏
على أن قد فُجعت بذي حفاظ * فعاودني له حزن رصين
فإما تقتلوه فإن عمرا * أعضَّ برأسه عَضْبٌ سَنينُ
وهذا البيتان في قصيدة له ‏‏.‏‏ وحديث يوم بعاث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سنين ‏‏:‏‏ مسنون ، من سنَّه ، إذا شحذه ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ففعل ‏‏.‏‏ فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب ، أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة بن الحارث ، من الأوس ، وجبار بن صخر ، أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه ‏‏:‏‏ إن شئتم رددناها الآن جذعة ، فغضب الفريقان جميعا ، وقالوا ‏‏:‏‏ قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة - والظاهرة ‏‏:‏‏ الحرة - السلاح السلاح ‏‏.‏‏ فخرجوا إليها ‏‏.‏‏
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر المسلمين ، الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألف به بين قلوبكم ؛ فعرف أنها نزغة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في شأس بن قيس وما صنع ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ، والله شهيد على ما تعلمون ‏‏.‏‏ قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا ، وأنتم شهداء ، وما الله بغافل عما تعملون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
وأنزل الله في أوس بن قيظي ، وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأسُ من أمر الجاهلية ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ‏‏.‏‏ وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ‏‏.‏‏ ‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وأولئك لهم عذاب عظيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ما نزل في قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ما اتبع محمدا إلا شرارنا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما أسلم عبدالله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود معهم ، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ، ورسخوا فيه ، قال أحبار يهود ، أهل الكفر منهم ‏‏:‏‏ ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ آناء الليل ‏‏:‏‏ ساعات الليل ‏‏:‏‏ وواحدها ‏‏:‏‏ إِنْي ‏‏.‏‏ قال المتنخل الهذلي ، واسمه مالك بن عويمر ، يرثي أُثيلة ابنه ‏‏:‏‏
حلو ومر كعطف القِدح شيمته * في كل إِني قضاه الليل ينتعل
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وقال لبيد بن ربيعة ، يصف حمار وحش ‏‏:‏‏
يُطرِّب آناء النهار كأنه * غوي سقاه في التجار نديمُ
وهذا البيت في قصيدة له ، ويقال ‏‏:‏‏ إنى ‏‏(‏‏ مقصور ‏‏)‏‏ ، فيما أخبرني يونس ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويسارعون في الخيرات ، وأولئك من الصالحين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏


ما نزل في نهي المسلمين عن مباطنة اليهود
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رجال من المسلمين يُواصلون رجالا من اليهود ، لما كان بينهم من الجوار والحلف ، فأنزل الله تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ، لا يألونكم خبالا ، ودُّوا ما عنتُّم ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ‏‏.‏‏ ها أنتم أُولاء تحبونهم ولا يحبونكم ، وتؤمنون بالكتاب كله ‏‏)‏‏ ، أي تؤمنون بكتابكم ، وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم كنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم ‏‏(‏‏ و إذا لقوكم قالوا آمنا ، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ، قل موتوا بغيظكم ‏‏)‏‏ إلى آخر القصة ‏‏‏‏

دخول أبي بكر بيت المدراس ، و ما كان بينه و بين فنحاص

ودخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود ، فوجد منهم ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم ، يقال له فنحاص ، وكان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه حبر من أحبارهم ، يقال له ‏‏:‏‏ أشيع ؛ فقال أبو بكر لفنحاص ‏‏:‏‏ ويحك يا فنحاص ‏‏!‏‏ اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا لرسول الله ، وقد جاءكم بالحق من عنده ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوارة والإنجيل ؛ فقال فنحاص لأبي بكر ‏‏:‏‏ والله يا أبا بكر ، ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، وما هو عنا بغنيّ ، ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا ، كما يزعم صاحبكم ، ينهاكم عن الربا ويُعطيناه ، ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فغضب أبو بكر ، فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا ، وقال ‏‏:‏‏ والذي نفسي بيده ، لولا العهد الذي بيننا وبينكم ، لضربت رأسك ، أي عدو الله ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، انظر ما صنع بي صاحبك ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ‏‏:‏‏ ما حملك على ما صنعت ‏‏؟‏‏ فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولا عظيما ، إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء ، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال ، وضربت وجهه ‏‏.‏‏ فجحد ذلك فنحاص ، وقال ‏‏:‏‏ ما قلت ذلك ‏‏.‏‏
فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا عليه ، وتصديقا لأبي بكر ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ، سنكتب ما قالوا ، وقتلهم الأنبياء بغير حق ، ونقول ذوقوا عذاب الحريق ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ونزل في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وما بلغه في ذلك من الغضب ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولتسمعنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ‏‏.‏‏ وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
ثم قال فيما قال فنحاص والأحبار معه من يهود ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لَتُبينُّنه للناس ولا تكتمونه ، فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنا قليلا ، فبئس ما يشترون ‏‏.‏‏ لا تحسبن الذين يفرحون بما أَتَوْا ، ويحبون أن يحُمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ، ولهم عذاب أليم ‏‏)‏‏ يعني فنحاص ، وأشيع وأشباههما من الأحبار ، الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة ، ويحبون أن يحُمدوا بما لم يفعلوا ؛ أن يقول الناس ‏‏:‏‏ علماء ، وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هدى ولا حق ، ويحُبون أن يقول الناس ‏‏:‏‏ قد فعلوا ‏‏.

This site was last updated 11/07/10