Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الخليفة الآمر بأحكام الله وأحداث من سنة 496 - 512 هـ

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أحداث سنة 496 - 512 هـ
أحداث سنة 515 - 516 هـ
أحداث سنة 517 - 522 هـ
أحداث سنة 523 - 524 هـ

المقريزى سنة 496 - 512 هـ

*************************************************************************************************************

هذه الصفحة تاريخ الآمر بأحكام الله سابع الخلفاء الفاطميين الشيعة الذين حكموا مصر من سنة 496 - 512 هـ  نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 3 ص 22 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع لم نزيد أو ننقص منها وضعناها كما هى ولكننا وضعنا لكل مقطع عناوين للتسهيل على الدارس

**********************************************************************************************************************************

  الآمر بأحكام الله
ابن المستعلى بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معد ولد ضحى يوم الثلاثاء الثالث عشر من المحرم سنة تسعين وأربعمائة وبويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبوه وهو طفل له من العمر خمس سنين وشهر أيام في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين‏.‏
أحضره الأفضل وبايع له ونصبه مكان أبيه ونعته بالآمر بأحكام الله‏.‏
وكتب ابن الصيرفي سجلاً عظيما أبدع فيه ما شاء بانتقال الإمام المستعلى إلى رحمة الله وولاية ابنه الآمر وقرئ على رءوس الكافة من الأمراء والأجناد وغيرهم‏.‏
وأنشد ابن مؤمن الشاعر قصيدة طنانة يمدح الآمر‏.‏
وركب الأفضل فرساً وجعل في السرج شيئاً أركب الآمر عليه لينموا شخص الآمر وصار ظهره في حجر الأفضل‏.‏

سنة ست وتسعين وأربعمائة
فيها ندب الأفضل مملوك أبيه سعد الدولة ويعرف بالطواشي على عسكر لقتال الفرنج فلقيهم بغدوين على تبنا فكسرت عساكر الأفضل وتقنطر سعد الدولة فمات وأخذ الفرنج خيمه فانهزم أصحابه‏.‏
وبلغ الأفضل ذلك فجرد في أول شهر رمضان عسكراً قدم عليه ابنه شف المعالي سماء الملك حسيناً وسير الأسطول في البحر فاجتمعت العساكر بيازور من بلاد الرملة وخرج إليهم الفرنج فكانت بينهما حروب هزمهم الله فيها بعد مقتلة عظيمة‏.‏
ونزل شرف المعالي على قصر كان قد بناه الفرنج قريباً من الرملة وسبعمائة قومص من وجوه الفرنج فقاتلوه خمسة عشر يوماً فملكهم وضرب رقاب أربعمائة وبعث إلى القاهرة ثلثمائة‏.‏
وكان أصحاب شرف المعالي قد رأى بعضهم أن يمضوا إلى يافا ويملكوها ورأى بعضهم أن يسيروا إلى القدس‏.‏
فبينا هم في ذلك وصل مركب من الفرنج لزيارة قمامة فندبهم بغدوين للغزو معه فساروا إلى عسقلان وقد نزلها شرف المعالي وامتنع بها وكانت حصينة فتركها الفرنج ومضوا إلى يافا‏.‏
وعاد شرف المعالي إلى القاهرة بعد ما كتب إلى شمس الملوك دقاق صاحب دمشق يستنجده لقتال الفرنج فتقاعد عن المسير واعتذر‏.‏
فجرد الأفضل أربعة آلاف فارس وعليهم تاج العجم بمن معه عسقلان ونزل ابن قادوس على يافا وبعث يستدعي تاج العجم ليتفقا على الحرب فلم يجبه وتنافرا‏.‏
فلما بلغ ذلك الأفضل بعث يقبض على تاج العجم وولى تاج الملك رضوان تقدمة العسكر وسيره إلى عسقلان فأقام عليها إلى آخر سنة سبع وتسعين حتى قدم شرف المعالي بعساكر مصر‏.‏
وفيها مات تنكري ملك الفرنج بالساحل فقام بعده سرجار ابن أخيه‏.‏
فيها نازل بغدوين ملك الفرنج وصاحب القدس ثغر عكا وحاصر أهله وألح عليهم حتى ملكه‏.‏
وكان فيه من قبل الأفضل يومئذ زهر الدولة بنا الجيوشي ففر إلى دمشق وصار إلى ظهير الدين أتابك فأكرمه وأحسن إليه ثم جهزه إلى الأفضل فأنكر عليه وهدده على تضييع الثغر‏.‏
ولم تعد بعدها عكا إلى المسلمين‏.‏

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة
فيها جمع الأفضل جموعاً كثيرة من العربان وأنفق فيهم أموالا عظيمة وجهزهم صحبة العساكر مع ابنه شرف المعالي وكتب لظهير الدين أتابك صاحب دمشق بمعاونته ومعاضدته على محاربة الفرنج فاعتذر عن حضوره بما هو مشغول به من مضايقة بصرى فإن أرتاش بن تاج الدولة صاحب بصرى كاتب الفرنج وأغراهم بقتال المسلمين وأطمعهم في البلاد‏.‏
فسار أتابك من دمشق وحاصر بصرى وجهز عسكراً إلى شرف المعالي تقويةً له على الفرنج وقدم عليه إصبهبذ صبا وجهارتكين وعدته ألف وثلثمائة فارس من الأتراك وعدة عسكر مصر خمسة آلاف فارس‏.‏
وأتاهم بغدوين في ألف وثلثمائة فارس وثمانية آلاف راجل‏.‏
فاجتمعت عساكر المسلمين بظاهر عسقلان ودارت بينهم وبين الفرنج حروب كان ابتداؤها في الرابع عشر من ذي الحجة فيما بين عسقلان ويافا فانكسرت عساكر المسلمين واستشهد فوق الألف من المسلمين منهم جمال الملك صنيع الإسلام والي عسقلان وأخذ الفرنج رايته وأسر الفرنج زهر الدولة بنا الجيوشي‏.‏
وقتل ألف ومائتان من الفرنج ورجعوا وقد كانت الكرة لهم على المسلمين‏.‏
وعاد عسكر دمشق إلى أتابك وهو على بصرى‏.‏
وفيها مات كنز الدولة محمد في ثامن شعبان وقام من بعده أخوه فخر العرب هبة الله‏.‏

سنة تسع وتسعين وأربعمائة
في سادس عشر رجب قتل خلف بن ملاعب صاحب فامية قتله طائفة من الباطنية وملك الفرنج عكا عنوةً في سلخ شعبان من زهور الدولة بنا الجيوشي فسار إلى دمشق ثم قدم مصر‏.‏

سنة خمسمائة
أهلت والخليفة بمصر الآمر بأحكام الله ومدبر سلطنة مصر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي وليس للآمر معه حل ولا ربط وليس له من الأمر سوى اسم الخلافة والذي في وفيها بنى الأفضل دار الملك بشاطىء النيل من لدن مصر‏.‏
وفيها سار متولي صور فأوقع بالفرنج على تبنين فقتل واسر جماعة وعاد إلى صور فسار بغدوين إليه من طبرية فركب طغتكين من دمشق وأخذ الفرنج حصناً بالقرب من طبرية وأسر من كان فيه منهم‏.‏
وفيها ملك قلج بن أرسلان بن سليمان بن قطلمش بن أرسلان بيغو بن سلجوق صاحب قونية الموصل في شهر رجب فقتل في ذي القعدة منها وقام بعده بقونية وأقصرا ابنه مسعود‏.‏

سنة إحدى وخمسمائة
فيها نزل بغدوين على ثغر صور وعمر حصناً مقابل حصن صور على تل المعشوقة‏.‏
وكان على ولاية صور من قبل الأفضل سعد الملك كمشتكين أحد المماليك الأفضلية فصانع بغدوين على سبعة آلاف دينار وخرج من صور‏.‏
وفيها أحضر إلى القاهرة أهل فخر الدولة أبي علي عمار بن محمد بن عمار من طرابلس وكثير من أمواله وذخائره‏.‏
وذلك أن فخر الدولة حاصره الفرنج وأطالوا منازلته حتى ضاق ذرعه وعجز عن مقاومتهم فخرج من طرابلس في سنة خمسمائة ومعه هدايا جليلة فلقى ظهير الدين طغتكين أتابك بدمشق فأكرمه ووافقه على السير معه إلى بغداد ليستنجد بالسلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه فسارا‏.‏
ثم إن أتابك تركه وعاد إلى دمشق فثار في هذه المدة أبو المناقب ابن عمار على ابن عمه فخر الدولة ونادى بشعار الأفضل وأرسل يطلب منه من يتسلم منه طرابلس‏.‏
فبعث إليه الأفضل بالأمير مشير الدولة ابن أبي الطيب فدخل إلى طرابلس ونقل منها حريم فخر الدولة وأمواله ففت ذلك في عضد فخر الدولة‏.‏
وفيها اتصل أبو عبد الله محمد بن الأمير نور الدين أبي شجاع فاتك بن الأمير مجد الدولة أبي الحسن مختار بن الأمير أمين الدولة أبي علي حسن بن تمام المستنصري الأحول الإمامي الشيعي المعروف بالمأمون ابن البطائحي بخدمة الأفضل أبي القاسم شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر المستنصري‏.‏
وسبب ذلك تغير الأفضل على تاج المعالي مختار الذي كان اصطنعه وفخم أمره وسلم إليه خزائن أمواله وكسواته فسلم لأخويه ما يتولاه واستعان بهما فيه فحصل لهم من الإدلال على الأفضل ما حملهم على مد أيديهم إلى أمواله وذخائره وشاع أمرهم وكتب إلى الأفضل بسببهم فتغير عليهم وأخرج مختاراً إلى الولاية الغربية وخلع عليه‏.‏
فلما انحدروا إليها سير صاحب بابه سيف الملك خطلخ ويعرف بالبغل وكان من غلمان أبيه فقبض عليه وعلى إخوته من العشارى وكبل بالحديد ورمى بالاعتقال وأشيع أن مختاراً كاتب الفرنج وجعل فلما جرى لمختار وإخوته ما جرى ألزم الأفضل أبا عبد الله بن فاتك يتسلم ما كان بيد مختار من الخدمة فتصرف فيها‏.‏
وقرر له الأفضل ما كان باسم مختار من العين خاصةً دون الإقطاع وهو مائة دينار في كل شهر وثلاثون ديناراً عن جارى الخزائن مضافا إلى الأصناف الراتبة مياومة ومشاهرة ومسانهةً وحسن عند الأفضل موقع خدمته فسلم له جميع أموره وصرفه في كل أحواله‏.‏
ولما كثر الشغل عليه استعان بأخويه أبي تراب حيدرة وأبي الفضل جعفر فأطلق لهما الأفضل ما وسع به عليهما ونعت الأفضل أبا محمد ابن فاتك بالقائد‏.‏
فيها فتح ديوان سمي بديوان التحقيق تولاه أبو البركات يوحنا بن أبي الليث النصراني‏.‏
وكان يتولى ديوان المجلس رجل يعرف بابن الأسقف وكان قد كبر وضعف فتحدث ابن أبي الليث مع القائد أبي عبد الله في الدواوين والأموال والمصالح وفاوض في ذلك الأفضل‏.‏
واتفق موت ابن الأسقف فتسلم ابن أبي الليث الدواوين واستمر فيها حتى قتل في سنة ثمان عشرة وخمسمائة‏.‏
وفيها تحدث ابن أبي الليث في نقل السنة الشمسية إلى العربية وكان قد حصل بينهما تفاوت أربع سنين فأجاب الأفضل إليه وخرج أمره إلى الشيخ أبي القاسم ابن الصيرفي بإنشاء سجل به ثم رأى اختلال أحوال الرجال العسكرية والمقطعين وتضررهم من حسبة ارتفاع إقطاعاتهم وسوء حالهم لقلة المتحصل منها ولأن إقطاعات الأمراء قد تضاعف ارتفاعها وزادت عن غيرها وصار في كل ناحية للديوان جملة تجبى بالعسف وتتردد الرسل بين الديوان بسببها‏.‏
فحملت الإقطاعات كلها على أملاك البلاد وامر ضعفاء الجند بلزيادة في الاقطاعات التي للاقوياء فتزايد والى ان انتهت الزيارة فكتبت السجلات بأنها باقية في أيديهم مدة ثلاثين سنة ما يقبل منهم فيها زائد‏.‏
وأمر الأقوياء أن يبذلوا في الإقطاعات التي كانت بيد الأجناد ما تحتمله كل ناحية فتزايدوا فيها حتى بلغت إلى الحد الذي رغب كل منهم فيه فكتبت لهم السجلات على الحكم المتقدم فشملت المصلحة الفريقين وطابت نفوسهم وحصل للديوان بلاد مفردة بما كان مفرقا في الإقطاعات بما مبلغه خمسون ألف دينار‏.‏
وفيها فرغ بناء دار الملك وكان الأفضل يسكن القاهرة فتحول إلى مصر وسكن دار الملك على النيل واستقر بها فقال الشعراء فيها عدة قصائد‏.‏
وفيها بانت كراهة الأفضل لأولاده واحتجب عنهم أكثر الأوقات فانقطعوا عنه واستقروا بالقاهرة في دار القباب التي كانت سكن أبيهم الأفضل وهي الدار التي عرفت بدار الوزارة ولم يبق من أولاده من يتردد إليه سوى سماء الملك فإنه كان يؤثره ويميل إليه‏.‏
وأفرد الأفضل للقائد أبي عبد الله بن فاتك الموضع المعروف باللؤلؤة‏.‏
وفيها وردت الأخبار بأن متملك النوبة قد تجهز براً وبحراً وعول على قصد البلاد القبلية فسير الأفضل عسكراً إلى قوص وتقدم إلى والي قوص بأن يسير بنفسه إلى أطراف بلاد النوبة فورد الخبر بوثوب أخير الملك عليه وقتله‏.‏
واشتدت الفتنة بينهم حتى باد أهل بيت المملكة وأجلس صبي في الملك فأرسلت أمه تستجير بعفو الأفضل وتسأله ألا يسير إليهم من يغزوهم‏.‏
فكتب لوالي الصعيد الأعلى بأن يسير عسكراً إلى أطراف بلاد النوبة ويبعث إليهم رسولاً يجدد عليهم القطيعة الجاري بها العادة وهي كل سنة ثلثمائة وستون رأساً رقيقاً بعد أن يستخلص منهم ما يجب عليهم في السنين المتقدمة‏.‏
فلما دخلت العساكر نحوهم دخلوا تحت الطاعة وكتبوا المواضعات وسألوا في الإعفاء عما يخص السنين وحملوا ما تيسر لهم وعادت العساكر كاسبة‏.‏
وفيها كثر خوض الناس في القرآن هل هو محدث أو قديم وتفاقم الأمر فعرف الأفضل فأمر بإنشاء سجل بالتحذير من الخوض في ذلك وركب بنفسه إلى الجامع بمصر وجلس في المحراب بجوار المنبر وصعد الخطيب أربع درجات منه وقرأ السجل على الناس‏.‏
وفيها مات مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان صاحب قونية وأقصرا فقام بعده ابنه قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان وقسم أعماله بين أولاده‏.‏
في رمضان ورد الخبر بأن أهل مدينة طرابلس الشام نادوا بشعار الدولة عند خروج فخر الملك أبي علي عمار بن محمد بن الحسين بن قندس بن عبد الله بن إدريس بن أبي يوسف الطائي منها وقصده بغداد لطلب النجدة لما اشتد حصار الفرنج لها وغلا السعر بها‏.‏
وكان سماء الملك حسين بن الأفضل عند ما كان بالشام في السنة التي كسر الفرنج فيها قد سام ابن عمار تسليمها إليه فامتنع وغلق الباب في وجهه وأقام سماء الملك عليها مدةً بالعساكر إلى أن نازلها الفرنج ورحلوه عنها إلى عسقلان‏.‏
فلما سمع الأفضل أن أهل الثغر نادوا بشعاره سير إليهم شرف الدولة ابن أبي الطيب ومقدم الأسطول وأمره يأخذ المراكب التي على دمياط وعسقلان وصور معه إلى الثغر المذكور نصرةً للمسلمين‏.‏
فلما وصل إليه وجد الفرنج قد ملكوا الجوسق وأمهلوا المسلمين فأنفذ من كان بها وحمل في المراكب من أراد الخروج منهم بأهاليهم وأموالهم وفيهم صالح بن علاق الطائر بعد هروبه من الأفضل وحمل من دار ابن عمار ذخائره ومصاغه وكان بقيمة كبيرة‏.‏
وحمل أخا ابن عمار المعروف بفخر الدولة وأهله إلى مصر فأكرمهم الأفضل واعتقل صالح بن علاق بخزانة البنود‏.‏
وفي العشرين من شوال كانت ريح سوداء من صلاة العصر إلى المغرب‏.‏
وفيها جدد حفر خليج القاهرة فإن المراكب كانت لا تدخل فيه إلا بمشقة وجعل حفره بأبقار البساتين التي عليه فيحفر بأبقار كل بستان ما يحاذيه فإذا أنتهى أمر البساتين عمل في البلاد كذلك وأقيم له وال مفرد بجامكية ومنع الناس أن يطرحوا فيه شيئاً‏.‏
ولما تكاثرت الأموال عند ابن أبي الليث صاحب الديوان وحدث أن تبجح على الأفضل بخدمته وكان سبعمائة ألف دينار خارجاً عما أنفق في الرجال فجعل في صناديق بمجلس الجلوس‏.‏
فلما شاهد الأفضل المال قال‏:‏ يا شيخ تفرحني بالمال وتريد أمير الجيوش أن يلقى بئرا معطلة أو أرضاً بائرةً أو بلداً خراباً لأضربن رقبتك‏.‏
فقال‏:‏ وحق نعمتك لقد حاشا الله أيامك فيها بلد خراب أو بئر معطلة‏.‏
فتوسط القائد له بخلع فقال‏:‏ لا والله حتى أكشف عما ذكر‏.‏
وفيها وصل بغدوين إلى صيدا ونصب عليها البرج الخشب فوصل الأسطول من مصر للدفع عنهم وقاتلوا الفرنج فظهروا في مراكب الجنوية فبلغهم أن عسكر دمشق خارج في نجدة صيدا فرحل الأسطول عائداً إلى مصر‏.‏
وفي شعبان منها نزل الفرنج على طرابلس وقاتلوا أهلها من أول شعبان إلى حادي عشر ذي الحجة ومقدمهم ريمند بن صنجيل وأسندوا أبراجهم إلى السور فضعفت نفوس المسلمين لتأخر أسطول مصر عنهم فكان قد سار من مصر إليها بالميرة والنجدة فردته الريح لأمر قدره الله‏.‏
فشد الفرنج في قتالهم وهجموا من الأبراج فملكوها بالسيف في يوم الاثنين الحادي والعشرين من ذي الحجة ونهبوا ما فيها وأسروا رجالها وسبوا نساءها وأطفالها فحازوا من الأمتعة والذخائر ودفاتر دار العلم وما كان في خزائن أربابها ما لا يحد عدده ولا يحصى فيذكر‏.‏
والي لها في جماعة من جندها كانوا قد طلبوا الأمان قبل ذلك وعوقب أهلها واستصفيت أموالهم واستقهرت ذخائرهم ونزل بهم أشد العذاب‏.‏
وتقرر بين الفرنج والجنويين الثلث من البلد وما نهب منه للجنويين والثلثان لريمند ابن صنجيل وأفردوا للملك بغدوين ما رضى به‏.‏
ثم وصل أسطول مصر ولم يكن خرج فيما تقدم معه كثرة رحال ومراكب وعدد وغلال لحماية طرابلس فأرسى على صور في اليوم الثامن من أخذ طرابلس وقد فات الأمر فيها فأقام مدة وفرقت الغلة في جهاتها‏.‏
وتمسك أهل صور وصيدا وبيروت به لضعفهم عن مقاومة الفرنج فلم تمكنه الإقامة وعاد إلى مصر‏.‏

سنة ثلاث وخمسمائة
فيها سار الفرنج نحو بيروت وعملوا عليها برجاً من الخشب وزحفوا فكسره أهل بيروت‏.‏
وقدم الخبر بذلك على الأفضل فجهز تسعة عشر مركباً حربية فوصلت سالمةً إلى بيروت وقويت على مراكب الفرنج وغنيمت ودخلت إلى بيروت بالميرة والنجدة فقوي أهلها بذلك‏.‏
وبلغ بغدوين الخبر فاستنجد بالجنوبية فأتاهم منهم أربعون مركباً مشحونة بالمقاتلة فزحف على بيروت في البر والبحر ونصب عليها برجين وقاتل أهلها في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال فعظمت الحرب وقتل مقدم الأسطول وكثير من المسلمين ولم ير للفرنج فيما تقدم أشد من حرب هذا اليوم‏.‏
فانخذل المسلمون في البلد وهجم الفرنج من آخر النهار فملكوه بالسيف قهراً وخرج متولى بيروت في أصحابه وحمل في الفرنج فقتل من كان معه وغنم الفرنج ما معهم من المال ونهبوا البلد وسبوا من فيه وأسروا واستصفوا الأموال والذخائر‏.‏
فوصل عقب ذلك من مصر نجدة فيها ثلثمائة فارس إلى الأردن تريد بيروت فخرج عليها طائفة من الفرنج فانهزموا إلى الجبال فهلك منهم جماعة‏.‏
وفيها سار الأسطول من مصر إلى صور ليقيم بها فاتفق وصول ابن كند ملك الفرنج في عدة مراكب لزيارة القدس والجهاد في المسلمين فزار القدس وسار هو وبغدوين إلى صيدا فنازلاها بجمعهما وعملا عليها برجاً من خشب وزحفا عليها فلم يتمكن الأسطول من الوصول إليها‏.‏
في ثالث ربيع الآخر اشتد الحصار على أهل صيدا ويئسوا من النجدة فبعثوا قاضي البلد في عدة من شيوخها إلى بغدوين يطلبون الأمان فأجابهم وأمنهم على أنفسهم وأموالهم وإطلاق من أراد الخروج منها إلى دمشق وحلف على ذلك‏.‏
فخرج الوالي والزمام وجميع الأجناد والعسكرية وخلق كثير من الناس وتوجهوا إلى دمشق لعشر بقين من جمادى الآخرة‏.‏
وكانت مدة الحصار سبعة وأربعين يوماً‏.‏
وفيها خرج جماعة من التجار والمسافرين من تنيس ودمياط ومصر وأقلعوا في البحر فأخذهم الفرنج وغنموا منهم ما يزيد على مائة ألف دينار وعاقبوهم حتى افتدوا أنفسهم بما بقي لهم من الذخائر في دمشق وغيرها‏.‏
وفيها أغار بغدوين بعد عوده من صيدا على عسقلان فراسله أميرها شمس الخلافة أسد حتى استقر الحال على مال يحمله إليه ويرحل عنه‏.‏
وقرر على أهل صور سبعة آلاف دينار تحمل إليه في مدة سنة وثلاثة أشهر‏.‏
فقدم الخبر بذلك في شوال على الأفضل فأنكر ذلك وكتمه عن كل أحد وجهز عسكراً كثيفاً إلى عسقلان وقدم إليه عز الملك الأعز ليكون مكان شمس الخلافة وندب معه مؤيد الملك رزيق وأظهر أن هذا العسكر سار بدلاً‏.‏
فسار إلى قريب عسقلان وبلغ ذلك شمس الخلافة فأظهر الخلاف على الأفضل وكتب إلى بغدوين يطلب منه أن يمده بالرجال ويعده بتسليم عسقلان وأن يعوضه عنها‏.‏
فبلغ ذلك الأفضل‏.‏
فكتب إليه يطيب قلبه ويغالطه وأقطعه عسقلان وأقر عليه إقطاعه بمصر وأزال الإعتراض عما له بمصر من خيل وتجارة وأثاث‏.‏
فخاف شمس الخلافة على نفسه ولم يطمئن إلى أهل البلد واستدعى جماعة من الأرمن وأقرهم عنده‏.‏
وفي يوم الأحد العشرين من شوال حدثت ريح حمراء بالقاهرة‏.‏
وفيها أمر أمير المؤمنين الآمر بأحكام الله أن يبعث جليسه أبو الفتح عبد الجبار ابن إسماعيل المعروف بابن عبد القوي لعماد الدولة زيادة على إخوته‏.‏
وفيها هبت بمصر وأعمالها في هذه الأيام ريح سوداء مظلمة وطلع سحاب أسود أظلمت منه الدنيا حتى لم يبصر أحد يده وسفت رماداً حتى ظن الناس أنها القيامة ويئسوا من الحياة وأيقنوا بالبوار لهول ما عاينوه ولم يزل ذلك من وقت العصر إلى غروب الشمس‏.‏
ثم انجلى ذلك السواد وعاد إلى الصفرة والريح بحالها ثم انجلت الصفرة وظهرت الكواكب وقد خرج الناس من الأسواق والدور إلى الصحراء‏.‏
ثم ركدت الريح وأقلع السحاب فعاد الناس إلى منازلهم‏.‏

سنة خمس وخمسمائة
في يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الآخر نزل بغدوين على صور وبها عز الملك أنوشتكين الأفضلي وبنى عليها أبرجة خشب طول البرج سبعون ذراعاً يسع كل برج ألف رجل وهو موضوع على شيء يسمى اسقلوس وهو فخذان ملقيان على الأرض وفي كل برج من أسفله عشرون فرنجياً يصيح أحدهم بالفرنجية‏:‏ صند ماريا فيصيح الباقون كذلك ويدفعونه بأجمعهم فيسبح على ألواح عظيمة تجعل بين يديه وكانت ستائر كل برج ومناجيقه كأنها بلد يزحف‏.‏
فخرج من أهل صور ألف رجل وحملوا على البرج وطرحوا فيه النار فعلقت بالخشب فلم يتمكن الفرنج من إطفائه وهربوا منه واحترق فتناول المسلمون بالكلاليب ما قدروا عليه من سلاحهم فوصل إليهم ثلاثمائة درع‏.‏
وكان هذا البرج كبشا من حديد وزنة رأسه مائة وخمسون رطلاً فظفر به المسلمون‏.‏
وكانت الريح على المسلمين ثم صارت معهم وملأوا جراراً بالعذرة ورموها على الفرنج فصاحوا وذلوا ورحلوا فعاثوا ثم عادوا وقد قطعوا النخل أنابيب ورموا بها في الخندق‏.‏
وسار طغتكين من دمشق لإعانة أهل صور فنزل على يوم منهم لجولة بانياس وأنفذ إليهم مائتي غلام تركي عليهم جليل من الأتراك فقاتل الفرنج وقتل منهم ألفاً وخمسمائة وأكثر النكاية فيهم‏.‏
وأغار طغتكين على بلاد الفرنج فأخذ لهم موضعاً فرجعوا عن صور بغير شيء‏.‏
وخرج أهل صور إلى أصحاب طغتكين فخلعوا عليهم وأعادوهم إليه في أحسن زي وأخذ أهل صور في رم ما شعثه الفرنج في البلد‏.‏
وفيها حدث بمصر وباء مفرط هلك به تقدير ستين ألف نفس‏.‏

سنة ست وخمسمائة
فيها حفر البحر المعروف ببحر أبي المنجا فابتدئ في حفره في يوم الثلاثاء السادس من شعبان وأقام الحفر فيه سنتين‏.‏
وكان أبو المنجا يهوديا وكان يشارف على الأعمال الشرقية فلما عرض على الأفضل ما أنفقه فيه استعظمه وقال‏:‏ غرمنا هذا المال جميعه والاسم لأبي المنجا‏.‏
فغير اسمه ودعي بالبحر الأفضلي فلم يتم ذلك ولا عرف إلا بأبي المنجا‏.‏
وفيها أعلن شمس الخلافة أسد والي عسقلان بالخلاف فعهد إلى صاحب الترتيب والقاضي فأخرجهما على أنه يرسلهما إلى الباب في خدمة عرضت له وإلى العسكر الذي كان يخاف شوكته فأوهمهم أنه يسيرهم إلى بلاد العدو‏.‏
فلما حصلوا خارج الثغر أمرهم بالمسير إلى باب سلطانهم وكان قد سير قبل ذلك العسكر من الباب على جهة البدل‏.‏
فلما علم أسد المذكور بوصولهم إلى مدينة الفرما أنفذ إليهم يخيفهم ويشعرهم أن العدو قد تعداهم فامتنعوا من التوجه فلما بلغ الأفضل ذلك عزم على أن يسير بنفسه إليه‏.‏
ثم رأى أن إعمال الحيلة أنجع فخادعه وأنفذ الكتب إليه يطمئنه ويصوب رأيه فيما فعله في صاحب الترتيب والبدل ولم يغير مكاتبته عن حالها ولا تعرض لإقطاعاته ورسومه وأصحابه وسير في الباطن من يستفسد الكنانية والرجال المذكورة ويبذل لهم الأموال في أخذه‏.‏
ولم يزل يدبر عليه حتى اقتنصت المنية مهجته وذلك أن أهل بيروت أنكروا أمره فوثب عليه طائفة وهو راكب فجرحوه وانهزم إلى داره فتبعوه وأجهزوا عليه ونهبوا داره وماله وتخطفوا بعض دور الشهود والعامة‏.‏
فبادر صاحب السيارة إلى البلد وملكه وبعث برأس شمس الخلافة إلى الأفضل فسر بذلك وأحسن إلى القادمين به‏.‏
وكان قدوم الرأس في يوم الأربعاء رابع المحرم صحبة ثلاثة من الكنانية فخلع عليهم وطيف بالرأس وزينت البلد سبعة أيام‏.‏
وفيه خلع على ولده مختار ولقب شمس الخلافة وأنعم عليه بجميع مال أبيه‏.‏
وسير بدله مؤيد الملك خطلخ المعروف برزيق والياً على الثغر‏.‏
وفيها وصل يانس الناسخ من الشام فاستخدم في خزانة الكتب الأفضلية بعشرة دنانير في الشهر وثلاث رزم كسوة في السنة والهبات والرسوم‏.‏
وفيها كتب إلى عسقلان بمطالبة من نهب دار شمس الخلافة وماله بما أخذه فقبض على جماعة وحملوا إلى مصر فاعتقلوا بها‏.‏
وفيها تسلم نواب طغتكين صور من عز الملك أنوشتكين الأفضلي خوفاً من بغدوين أن يأخذها وقام بأمرها مسعود فاستقرت بيد الأتراك وأقروا بها الدعوة المصرية والسكة على حالها‏.‏
وكتب طغتكين إلى الأفضل بأن بغدوين قد جمع لينزل على صور وأن أهلها استنجدوني فبادرت لحمايتها ومتى وصل من مصر أحد سلمتها إليه‏.‏
فكتب يشكره على ما فعل‏.‏
وتقدم بتجهيز الأسطول إلى صور بالغلة معونة لها‏.‏

سنة سبع وخمسمائة
في أولها خرج الأسطول من مصر بالغلات والرجال إلى صور وعليه شرف الدولة بدر بن أبي طالب الدمشقي وكان متولى طرابلس عند أخذ الفرنج لها فوصل إلى صور سالماً ورخصت بها الأسعار واستقام أمرها‏.‏
وأنفذ معه بخلع جليلة إلى ظهير الدين طغتكين وولده تاج الملوك وخواصه ولمسعود متولى صور‏.‏
ثم أقلع في آخر شهر ربيع الأول‏.‏
فبعث بغدوين يطلب المهادنة من مسعود فأجابه وانعقد الأمر بينهما‏.‏
في ذي القعدة قفز على الأفضل عند باب الزهومة من دكان صيرفي يعرف بالغار وسلم فأخرجت الصدقات بسبب سلامته وقتل الصيرفي وصلب على دكانه‏.‏
وورد الخبر بأن بغدوين ملك الفرنج وصل إلى الفرما فسير الراجل من العطوفية وسير إلى والي الشرقية بأن يسير المركزية والمقطعين إليها ويتقدم إلى العربان بأسرهم أن يكونوا في الطوالع ويطاردوا الفرنج ويشارفوهم بالليل قبل وصول العساكر وأن يسير بنفسه فاعتد ذلك ثم أمر بإخراج الخيام وتجهيز الأصحاب والحواشي‏.‏
فوصلت العربان والعساكر فطاردوا الفرنج فخاف بغدوين من يلاحق العساكر فنهب الفرما وأخربها وألقى فيها النيران وهدم المساجد وعزم على الرجوع فأدركته المنية ومات‏.‏
فأخفى أصحابه موته وساروا وقد شقوا بطنه وحشوه ملحاً وشنت العساكر الإسلامية الغارات على بلاد العدو وخيموا على ظاهر عسقلان ثم عادوا‏.‏
وكانت الكتب قد نفذت من الأفضل إلى الأمير ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق بعتبه ويقول له‏:‏ لا في حق الإسلام ولا في حق الدولة التي ترغب في خدمتها والانحياز إليها أن يتوجه الفرنج بجملتها إلى الديار المصرية ولا يتبين لك فيها أثر ولا تتبعهم ولو كان وراءهم مثل ما كان أمامهم ما عاد منهم أحد‏.‏
فلما وصل إليه الكتاب سار بعسكره إلى عسقلان فتلقاه المقدمون ونزل أعظم منزل وحملت إليه الضيافات‏.‏
وحمل إليه من مصر الخيام وعدة وافرة من الخيل والكسوات والبنود والأعلام وسيف ذهب ومنطقة ذهب وطوق ذهب وبدنة طميم وخيمة كبيرة معلمة ومرتبة ملوكية وفرشها وجميع آلاتها وسائر ما تحتاج إليه من آلات الفضة‏.‏
وجهز لشمس الخواص وهو مقدم كبير كان معه على عدة كثيرة من العسكر خلعه مذهبة ومنطقة ذهب وسيف ذهب وجهز برسم المتميزين من الواصلين خلع مذهبة وحريرية وسيوف مغموسة بالذهب‏.‏
فتواصلت الغارات على بلاد العدو وقتل منهم وأسر عدد كبير‏.‏
فلما دخل الشتاء وتفرق العسكر والعربان استأذن ظهير الدين على الإنصراف فأذن له وسيرت إليه وإلى من معه الخلع ثانياً فحصل لشمس الخواص خاصة في هذه السفرة ما مقداره عشرة آلاف دينار وتسلم الأمير ظهير الدين الخيمة الكبيرة بفرشها وجميع آلاتها وكان مقدار ما حصل له ولأصحابه ثلاثين ألف دينار‏.‏
وذكر أن المنفق في هذه الحركة على ركاب بغدوين مائة ألف دينار‏.‏
ورعشت يد الأفضل وصعب عليه إمساك القلم والعلامة على الكتب فأقر أخاه أبا محمد جعفر المظفر في العلامة وجعل له خمسمائة دينار في الشهر مضافاً إلى رسمه فعلم عنه‏.‏
واستهل شهر رمضان فجرى الأمر في نيابة الأجل سماء الملك ولد الأفضل عنه في جلوسه بمحل الشباك وقرر له على هذه النيابة في هذا الشهر خمسمائة دينار وبذلة مذهبة ورزمة كسوة فيها شقق حرير وغيرها‏.‏
ولم يزل هذا الرسم مستقراً إلى أن أخذه عباس بن تميم في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة عند توليته حجبة بابه‏.‏
والبذلة وحدها تساوي خمسمائة دينار‏.‏
وفيها استخدم ذخيرة الملك جعفر في ولاية القاهرة والحسبة فظلم وعسف وبنى مسجداً عرف بمسجد لا بالله‏.‏

سنة عشر وخمسمائة
سنة إحدى عشرة وخمسمائة
في ذي الحجة خرج أمر الآمر بأحكام الله بنفي بني عبد القوى فنفوا إلى الأندلس بأهاليهم‏.‏
وفيها وصل بغدوين إلى الفرما وأحرق جامعها وأبواب المدينة ومساجدها وقتل بها رجلا مقعدا وابنة له ذبحها على صدره ورحل وهو مثخن مرضا فمات قبل العريش فشق بطنه ورمى ما فيه هناك فهو يرجم إلى اليوم ويعرف مكانه بسبخة بردويل ودفنت رمته بقمامة من القدس‏.‏
وقام من بعده بملك القدس القمص صاحب الرها بعهده إليه‏.‏
وفيها خرج محمد بن تومرت من مصر في زي الفقهاء ومضى إلى بجاية‏.‏

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة
فيها مات الأمير نور الدولة أبو شجاع فاتك والد القائد أبي عبد الله بن فاتك فأخرج له الأفضل من ثيابه بذلة حريرية وقارورة كافور وشققا مزيدي دبيقي ونصافي وطيباً وبخورا وشمعاً وحمل له من القصر أضعاف ذلك‏.‏
وخرج الأفضل والأمراء وجميع حاشية القصر إلى الإيوان فخرج الخليفة وصلى عليه ثم أخرج فدفن‏.‏
وتردد الناس إلى التربة‏.‏
وفرقت الصدقات إلى تمام الشهر‏.‏
وكان بيد نور الدين زمر الضاحكية والفراشين وصبيان الركاب والسلاح الخاص بجار ثقيل ورسوم كثيرة‏.‏
وهؤلاء الضاحكية كانوا يعرفون بهذه الرسوم قديماً عند وصولهم مع المعز إلى مصر وهم يلبسون المناديل ويرخون العذب ويلبسون الثياب بالأكمام الواسعة وفي أرجلهم الصاجات وفي الأعياد يشدون أوساطهم بالعراضى الدبيقي ولا يتقدمهم أحد إلى الخليفة على ما جرت به عادتهم في المغرب‏.‏
وفيها قفز على الأفضل ثانيا وخرج عليه ثلاثة نفر بالسكاكين فقتلوا وعاد سالما فاتهم أولاده وصرح بالقول فيهم وأخذ دوابهم وأبعد حواشيهم ومنعهم من التصرف وبالغ في الاحتراز والتحفظ‏.‏
وفيها وردت التجار من عيذاب ذاكرين أنه خرج عليهم في مراكب شنها قاسم بن أبي هاشم صاحب مكة فقطعت عليهم الطريق وأخذ جميع ما كان معهم‏.‏
فغضب الأفضل وقال‏:‏ صاحب مكة يأخذ تجاراً من بلادي أنا أسير إليه بنفسي بأسطول أوله عيذاب وآخره جدة‏.‏
ثم تقرر الحال على مكاتبة الأشراف بمكة وإعلامهم ما فعله أمير مكة وأقسم فيه أنه لا يصل إلى مكة من أعمال الدولة تاجر ولا حاج إلى أن يقوم بجميع ما أخذه من أموال التجار‏.‏
وكتب إلى والي قوص بأن يسير بنفسه أو من يقوم مقامه إلى عيذاب ومهما وصل من جدة من الجلاب لا يمكن أحداً من الركوب فيها وأن يتشوف ما يدخل عيذاب من الشواني والحراريق فمهما كان يحتاج إلى إصلاح ومرمة ينجز الأمر فيه ويشعر أهل البلاد بوصول الرجال والأموال لغزو البلاد الحجازية‏.‏
وتقدم إلى المستخدمين بصناعة مصر بتقديم خمسة حراريق وتكميلها ليسيروا إلى الحجاز‏.‏
فلما وردت المكاتبة على الأشراف بمكة ولم يصل إليها أحد اشتد الأمر عندهم وتحرك السعر فبعثوا رسولا من أميرهم فلما وصل ساحل مصر لم يؤبه له ولا أجرى عليه ضيافة وقيل له‏:‏ ما يقرأ لك الكتاب ولا يسمع منك خطاب دون إعادة المأخوذ من التجار إليهم‏.‏
وشاهد مع ذلك الجد والاهتمام بأمر الأساطيل وتجهيز العساكر إلى صاحبه فالتزم بإحضار جميع أموال التجار وسأل التوقف قبل الإسراع بما عول عليه من قصد صاحبه وأجل لعوده أجلا قريباً‏.‏
فأجيب إلى ذلك وسار‏.‏
فلم ينقض الأجل حتى عاد وصحبته جميع ما أخذ من التجار من البضائع والأموال فحملت إلى الجامع العتيق بمصر بمحضر من الرعايا وهم يعلنون بالشكر والدعاء‏.‏
واحتاط متولى الحكم عليه إلى أن تحضر جماعة التجار ويجري الأمر على ما توجبه الشريعة‏.‏
وخلع على الرسول وأحسن إليه ووصل‏.‏
ومرض الأفضل بحمى حادة ثم عوفي فدفع للطبيب ثلثمائة دينار‏.

 

This site was last updated 02/28/12