الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله على مصر - الخليفة رقم 151 من سلسلة الخلفاء الذين حكموا مصر - وهو أيضاً الخليفة رقم 7 من سلسلة خلفاء الأسرة الفاطمية الشيعية الذين إحتلوا مصر
****************************************************************************************
لخليفة "الأمر بأحكام الله أبو علي المنصور" سابع الخلفاء الفاطميين ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (القاهرة: دار الكتب، د.ت) جـ5، ص170-236، دائرة المعارف الإسلامية (القاهرة: دار الشعب، 1969م) ج2 م1، ص103- 501.
- أما المقريزي فيقول: إن الآمر هو الخليفة الفاطمي العاشر. انظر: المقريزي، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، محمد حلمي أحمد، جـ3 (القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1973م) ص31-133.
الجزء التالى من مرجع عن الخلفاء الذين حكموا مصر وهى تحت إستعمار الأسرة الفاطمية الشيعية الإسلامية - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة
****************************************************************************************
خلافة الآمر بأحكام الله على مصر
خلافة الآمر بأحكام الله على مصر الآمر اسمه منصور وكنيته أبو علي ولقبه الآمر بأحكام الله بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر بالله علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدي عبيد الله العبيدي الفاطمي السابع من خلفاء مصر من بني عبيد والعاشر منهم ممن ملك بالمغرب.
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الذين محمد الذهبي في تاريخ الإسلام: كان رافضيًا كآبائه فاسقًا ظالمًا جبارًا متظاهرًا بالمنكر واللهو ذا كبر وجبروت وكان مدبر سلطانه الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش.
ولي الآمر وهو صبي فلما كبر قتل الأفضل وأقام في الوزارة المأمون أبا عبد الله محمد بن مختار بن فاتك البطائحي فظلم وأساء السيرة إلى أن قبض عليه الأمر سنة تسع عشرة وخمسمائة وصادره ثم قتله في سنة اثنتين وعشرين وصلبه وقتل معه خمسة من أخوته.
الحوادث التاريخية فى أيامه
وفي أيام الآمر أخذ الفرنج عكا سنة سبع وتسعين وأربعمائة وأخذوا طرابلس في سنة اثنتين وخمسمائة فقتلوا وسبوا وجاءتها نجمة المصريين بعد فوات المصلحة وأخذوا عرقة وبانياس.
وتسلموا في سنة إحدى عشرة وخمسمائة تبنين وتسلموا صور سنة ثماني عشرة وأخذوا بيروت بالسيف في سنة ثلاث وخمسمائة وأخذوا صيداء سنة أربع وخمسمائة.
ثم قصد الملك بردويل الإفرنجي مصر ليأخذها ودخل الفرما وأحرق جامعها ومساجدها فأهلكه الله قبل أن يصل إلى العريش.
فشق أصحابه بطنه وصبروه ورموا حشوته هناك فهي ترجم إلى اليوم بالسبخة ودفنوه بقمامة.
وهو الذي أخذ بيت المقدس وعكا وعدة حصون من السواحل.
وهذا كله بتخلف هذا المشؤوم الطلعة.
وفي أيامه ظهر ابن تومرت بالغرب.
خطبة الجامع وعادات الفاطميين فى الإحتفالات وموكب الخليفة
وقيل: إن الآمر كان فيه هوج عند طلوعه المنبر في خطبته في الجمع والأعياد فاستحيا وزيره المأمون بن البطائحي أن يشافهه بما يقع له من الهوج وأراد أن يفهمها له من غير مشافهة فقال له: يا مولانا قد مضى من الشهر أيام ولم يبق إلا الركوب إلى الجمعة الأولى قلت: وقد تقدم في ترجمة المعز لدين الله ترتيب خروج الخلفاء الفاطميين إلى صلاة الجمعة.
ويصلوا بالناس ثلاث جمع والجمعة الأولى من كل شهر يصلي بالناس الخطيب وتسمى تلك الجمعة جمعة الراحة - أعني يستريح فيها الخليفة - ونستطرد في هذه الترجمة أيضًا لذكر شيء من ذلك مما لم نذكره في قال الوزير: يا مولانا وبعد غد جمعة الراحة فإن حسن في الرأي أن يخرج مولانا بحاشيته خاصة من باب النوبة إلى القصر النافعي فما فيه سوى عجائز وقرائب وألزام ويجلس مولانا على القبة التي على المحراب قبالة الخطيب ليشاهد نائبه في الخطابة كيف يخطب فإنه رجل شريف فصيح اللسان حافظ القرآن. فأجابه الخليفة الآمر إلى ذلك.
ولما حضر الجامع وجلس في القبة وفتح الروشن وقام الخطيب فخطب فهو في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية وإذا بالهوى قد فتح الطاق فرفع الخطيب رأسه فوقع وجهه في وجه الخليفة فعرفه فأرتج عليه وارتاع ولم يدر ما يقول حتى فتح عليه فقال: معاشر المسلمين نفعكم الله وإياي بما سمعتم وعن الضلال عصمكم.
قال الله تعالى في كتابة العزيز: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا ". إن الله يأمر بالعدل والإحسان.
إلى آخر الآية وصفى بالناس. فلما انفصل المجلس تكلم الآمر مع وزيره المذكور بما وقع للخطيب.
فانفتح الكلام للوزير وتكلم فيما كان بصدده فرجع الآمر عن الخطابة واستناب وزيره المذكورة فصار الوزير يخطب بجامع القاهرة وجامع ابن طولون وجامع مصر.
وقال ابن أبي المنصور في تاريخه: إن ابتداء خطبة الوزير المأمون كانت في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وترك الآمر الخطابة مع ما كان له في ذلك من الرغبة الزائدة حتى إنه كان اقترح أشياء أخرى في خروجه إلى الجامع زيادة على ما كانت آباؤه تفعله غير أنه كان يخطب في الأعياد بعد ما استناب وزيره المأمون ابن البطائحي في خطبة الجمع.
فكان الآمر إذا خرج في خطبة العيد خرج إلى المصلى ويخرجون قبله على العادة السابقة المذكورة في ترجمة المعز بالفرش والآلات وعلق بالمحاريب الشروب المذهبة وفرش فيه ثلاث سجادات متراكبة وبأعلاها السجادة اللطيفة التي كانت عندهم معظمة وهي قطعة من حصير ذكر أنها كانت من حصير لجعفر الصادق - رضي الله عنه - يصلي عليها وكانت مما أخذه الحاكم بأمر الله عند فتح دار جعفر الصادق. ثم تغلق الأبواب الثلاثة التي بجنب القبة التي في صدرها المحراب.
قلت: والذي ذكرناه في ترجمة المعز لدين الله كانت صلاته بالجامع الأزهر والآمر هذا كانت صلاته في الجمعة بالجامع الحاكمي وفي العيد بالمصلى.
- قال: ثم تفرش أرض القبة المذكورة جميعًا بالحصر المحاريب المبطنة ثم تعلق الستور بالمحراب وجانبي المنبر ويفرش درجه وينصب اللواءان ويعلقان عليه ويقف متولي ذلك والقاضي تحت المنبر ويطلق البخور ويتقدم الوزير بألا يفتح الباب أحد وهو الباب الذي يدخل الخليفة منه ويقف عليه ويقعد الداعي في الدهليز ويقرأ المقرئون بين يديه ويدخل الأمراء والأشراف والشهود والشيوخ ولا يدخل غيرهم إلا بضمان من الداعي.
فإذا استحقت الصلاة أقبل الخليفة في زيه الذي ذكرناه في ترجمة المعز لدين الله وقضيب الملك بيده وجميع أخوته وبنو عمه في ركابه. فعند ذلك يتلقاه المقرئون ويرجع من كان حوله من بني عمه وأخوته وأستاذوه.
ويخرج من باب الملك إلى أن يصل إلى باب العيد فتنشر المظلة عليه - وقد ذكرنا أيضًا زي المظلة في ترجمة المعز - ويترتب الموكب في دعة لا يتقدم أحد ولا يتأخر عن مكانه وكذلك وراء الموكب العماريات - هم عوض المحفات - والزرافات والفيلة والأسود عليها الأسرة مزينة بالأسلحة.
ولا يدخل من باب المصلى أحد راكبًا إلا الوزير خاصة ثم يدخل الباب الثاني فيترجل الوزير ويتسلم شكيمة فرس الخليفة حتى ينزل الخليفة ويمشي إلى المحراب والقاضي والداعي عن يمينه ويساره يوصلان التكبير لجماعة المؤذنين.
وكاتب الدست وجماعة الكتاب يصلون تحت عقد المنبر لا يمكن غيرهم أن يكون معهم. ويكثر في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا على سنة القوم ثم يطلع الوزير ثم يسلم الدعو القاضي فيستدعي من جرت عادته بطلوع المنبر وكل لا يتعدى مكانه.
ثم ينزل الخليفة بعد الخطبة ويعود في أحسن زي على هيئة خروجه من رحبة باب العيد حتى يأكل الناس السماط.
وقد ذكرنا كيفية السماط وزي لبس الخليفة والمظلة وصفة ركوبه وطلوعه إلى المنبر ونزوله في ترجمة المعز لدين الله أول خلفائهم فينظر هناك من هذا الكتاب.
قلت: وكان الأمر يتناهى في العظمة ويتقاعد عن الجهاد.
إغتيــــــــــال الخليفة الآمر
وولد الآمر في أول سنة تسعين وأربعمائة واستخلف وله خمس سنين وبقي في الملك تسعًا وعشرين سنة وتسعة أشهر إلى أن خرج من القاهرة يومًا في ذي القعدة وعدى على الجسر إلى الجزيرة فكمن له قوم بالسلاح.
فلما عبر نزلوا عليه بأسيافهم وكان في طائفة يسيرة فردوه إلى القصر وهو مثخن بالجراح فهلك من غير عقب.
وهو العاشر من أولاد المهدي عبيد الله الخارج بسجلماسة. وبايعوا بالآمر ابن عمه الحافظ أبا الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله.
وكان الآمر ربعة شديد الأدمة جاحظ العينين حسن الخط جيد العقل والمعرفة. وقد ابتهج بقتله لفسقه وسفكه للدماء وكثرة مصادرته واستحسانه الفواحش. وعاش خمسًا وثلاثين سنة. وبنى وزيره المأمون بالقاهرة الجامع الأقمر. انتهى كلام الذهبي برمته.
وقال العلامة أبو المظفر من مرآة الزمان: لما كان يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة خرج من القاهرة يعني الآمر وأتى الجزيرة وعبر بعض الجسر فوثب عليه قوم فلعبوا عليه بالسيوف - وقيل: كانوا غلمان الأفضل - فحمل في مركب إلى القصر فمات في ليلته وعمره أربع وثلاثون سنة - وزاد غيره فقال: وتسعة أشهر وعشرون يومًا - وكانت أيامه أربعًا وعشرين سنة وشهرًا.
قلت: وهم صاحب مرآة الزمان في قوله: وكانت مدته أربعًا وعشرين سنة وشهرًا.
والصواب ما قاله الذهبي فإنه وافق في ذلك جمهور المؤرخين.
قال صاحب مرآة الزمان: ومولده سنة تسعين وأربعمائة. قلت: وزاد غيره وقال: في يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم.
قال: وكانت سيرته قد ساءت بالظلم والعسف والمصادرة.
وكان للآمر نظم ونظر في الأدب. ومما نسب إليه من الشعر قوله: السريع أصبحت لا أرجو ولا أتقي إلا إلهي وله الفضل جدي نبي وإمامي أبي ومذهبي التوحيد والعدل وقد نسب هذا الشعر لغيره من الفاطميين أيضًا وكان الآمر يحفظ القرآن انفرد بذلك دون جميع خلفاء مصر من الفاطميين وكان ضعيف الخط.
هل أغتيل الخليفة ألامر نتجة لثأر لأن أبيه قتل أخيه نزار؟
وأما ما وعدنا به من ذكر قتله فنقول: كان الآمر صاحب الترجمة مطلوبًا من جماعة من أعوان عمه نزار المقتول بيد أبيه الخليفة المستعلي. بعد واقعة الإسكندرية المقدم ذكرها لأن الآمر وأباه المستعلي غصبًا الخلافة وأن النص كان على نزار. فاتصل بالآمر أن جماعة من النزارية حصلوا بالقاهرة ومصر يريدون قتله فاحترز الآمر على نفسه وتحيل في قبضهم فلم يقدر له ذلك لما أراده الله. وفشا أمر النزارية وكانوا عشرة فخافوا أن يقع. عليهم الآمر فيقتلهم قبل قتله فاجتمعوا في بيت وقال بعضهم لبعض: قد فشا أمرنا ولا نأمن أن يظفر بنا فيقتلنا ومن المصلحة والرأي أن نقتل وأحدًا منا ونلقي رأسه بين القصرين وحلانا عندهم فإن عرفوه فلا مقام لنا عندهم وإن لم يعرفوه ثم لنا ما نريد لأن القوم في غفلة. فقالوا للذي أشار عليهم: ما يتسع لنا قتل واحد منا ينقص عددنا وما يتم بذلك أمرنا فقال الرجل: أليس هذا من مصلحتنا ومصلحة من تلزمنا طاعته فقالوا نعم.فقال: وما دللتكم إلا على نفسي وشرع في قتل نفسه بيده بسكين في جوفه فمات من وقته. فأخذوا رأسه فرموه في الليل بين القصرين وأصبحوا متفرقين ينظرون ما يجري في البلد بسبب الرأس. فلما وجد الرأس اجتمع عليه الناس وأبصروه فلم يقل أحد منهم أنا أعرفه. فحمل إلى الوالي فأحضره الوالي عرفاء الأسواق وأرباب المعايش فلم يعرف فأحضر أيضًا أصحاب الأرباع والحارات فلم يعرف ففرح التسعة بذلك ووثقوا بالمقام بالقاهرة لقضاء مرادهم. واتفق للخليفة الآمر أن يمضي إلى الروضة - حسب ما ذكر في أول ترجمته - وأنه يجوز على الجسر الذي من مصر إلى جزيرة الروضة للمقام بها أيامًا للفرجة.
وكان من شأن الخلفاء أنهم يشيعون الركوب في أرباب خدمتهم حيثما قصدوا حتى لا يتفرقوا عنه وأيضًا لا يتخفف أحد عن الركوب فعلم النزارية التسعة بركوبه فجاءوا إلى الجزيرة ووجدوا قبالة الطالع من الجسر فرنًا فدخلوا فيه قبل مجيء الخليفة الآمر ودفعوا إلى الفران دراهم وافرة ليعمل لهم بها فطيرًا بسمن وعسل ففرح الفران بها وعمل لهم الفطير فما هو بأكثر مما أكلوه ولم يتموا أكلهم إذ طلع الخليفة الآمر من آخر الجسر وقد تفلل عنه الركابية ومن يصونه لحرج الجواز على الجسر لضيقه فلما قابلوه وثبوا عليه وثبة رجل واحد وضربوه بالسكاكين حتى إن واحدًا منهم ركب وراءه وضربه عدة ضربات وأدركهم الناس فقتل التسعة. وحمل الآمر في عشاري إلى قصر اللؤلؤة وكان ذلك في أيام النيل ففاضت نفس الآمر قبل وصوله إلى اللؤلؤة.
وقيل: إن بعض منجميه كان عرفه أنه يموت مقتولا بالسكاكين فكان الآمر كثيرًا ما يلهج بقوله: الآمر مسكين المقتول بالسكين
قال: ولما قتل الآمر وثب غلام له أرمني فاستولى على القاهرة وفرق الأموال في العساكر وأراد أن يتآمر على الناس فخالفه جماعة ومضوا إلى أحمد بن الأفضل يعني الوزير فعاهدوه وجاءوا به إلى القاهرة فخرج الغلام الأرمني فقتلوه وولوا أبا الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر وولي الخلافة ولقبوه بالحافظ ووزر له أبو علي أحمد بن الأفضل بن أمير الجيوش وسماه أمير الجيوش. فأحسن إلى الناس وأعاد إليهم ما صادرهم به الآمر وأسقطه فأحبه الناس فحسده مقدمو الدولة فاغتالوه.
وقيل: إن الآمر لم يخلف ولدًا وترك امرأة حاملا فماج أهل مصر وقالوا: لا يموت أحد من أهل هذا البيت إلا ويخلف ولدًا ذكرًا منصوصة عليه الإمامة وكان قد نص على الحمل قبل موته فوضعت الحامل بنتًا فعدلوا إلى الحافظ وانقطع النسل من الآمر وأولاده. وهذا مذهب طائفة من شيعة المصريين فإن الإمامة عندهم من المستنصر إلى نزار.
وكان نقش خاتم الآمر هذا الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين. وابتهج الناس بقتله. انتهى كلام صاحب مرآة الزمان أيضًا برمته.
وقال قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان - رحمه الله -: وكان الآمر سيئ الرأي جائر السيرة مستهترًا متظاهرًا باللهو واللعب. وفي أيامه أخذت الفرنج مدينة عكا - ثم ذكر ابن خلكان نحوًا مما ذكره الذهبي من أخذ الفرنج للبلاد الشامية.
إلى أن قال: - خرج من القاهرة يعني الآمر صبيحة يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ونزل إلى مصر وعدى على الجسر إلى الجزيرة التي قبالة مصر يعني الروضة فكمن له قوم بالأسلحة وتواعدوا على قتله في السكة التي يمر فيها إلى فرن هناك. فلما مر بها وثبوا عليه ولعبوا عليه بالسيوف وكان قد جاوز الجسر وحده في عدة قليلة من غلمانه وبطانته وخاصته وشيعته فحمل في زورق في النيل ولم يمت وأدخل القاهرة وهو حي وجيء به إلى القصر فمات من ليلته ولم يعقب. وكان قبيح السيرة ظلم الناس وأخذ أموالهم وسفك الدماء وارتكب المحظورات واستحسن القبائح وابتهج الناس بقتله. انتهى كلام ابن خلكان.
الفرنجة يجتاحون البلاد ويستولون عليها
وما قاله الذهبي في ترجمته فبحق فإنه مع تلك المساوي التي ذكرت عنه كان فيه تهاون في أمر الغزو والجهاد حتى استولت الفرنج على غالب السواحل وحصونها في أيامه وإن كان وقع لأبيه المستعلي أيضًا ذلك وأخذ القدس في أيامه فإنه اهتم لقتال الفرنج وأرسل الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش بالعساكر فوصلوا بعد فوات المصلحة بيوم.
فكان له في الجملة مندوحة بخلاف الآمر هذا فإنه لم ينهض لقتال الفرنج البتة وإن كان أرسل مع الأسطول عسكرًا فهو كلا شيء. وسنبين ذلك عند استيلاء الفرنج على طرابلس وغيرها على سبيل الاختصار في هذا المحل فنقول: أول ما وقع في أيامه من طمع الفرنج في البلاد فإنهم خرجوا في أول سنة سبع وتسعين وأربعمائة من الرهاء وانقسموا قسمين قسم قصد حران وقسم قصد الرقة. فالذي توخه إلى الرقة خرج لهم سكمان بن أرتق صاحب ماردين وكان سالم بن بدر العقيلي في بني عقيل وقد نزلوا على رأس العين فخرج بهم سكمان المذكور والتقوا مع الفرنج واقتتلوا قتالا شديدًا أسر فيه سالم بن بدر المذكور ثم كانت الدائرة على الفرنج فانهزموا وقتل منهم خلق كثير.
والقسم الآخر من الفرنج الذي قصد حران والبلاد الشامية لم ينهض لقتالهم وصالحهم ابن عمار قاضي طرابلس وصاحبها وهادنهم على أن يكون لصنجيل ملك الفرنج ظاهر البلد وألا يقطع الميرة عنها وأن يكون داخل البلد لابن عمار. وهلك في أثناء ذلك صنجيل المذكور ملك الروم. ولم ينهض أحد من المصريين لقتال المذكورين. فعلمت الفرنج ضعف من بمصر.
ثم بعد ذلك في سنة اثنتين وخمسمائة قصد الفرنج طرابلس وأخذوها بعد أن اجتمع عليها ملوك الفرنج مع بلترام بن صنجيل المقدم ذكره في ستين مركبًا في البحر مشحونة بالمقاتلة وطنكري الفرنجي صاحب إنطاكية وبغدوين الفرنجي صاحب القدس بمن معهم جاءوا من البر وشرعوا في قتالها وضايقوها من أول شعبان إلى حادي عشر ذي الحجة وأسندوا أبراجهم إلى سور البلد. فلما رأى أهل طرابلس ذلك أيقنوا بالهلاك مع تأخر أسطول مصر عنهم. ثم حضر أسطول مصر من البحر. وصار كلما سار نحو البلد رده الفرنج إلى نحو مصر. قلت: ومن هذا يظهر عدم اكتراث أهل مصر بالفرنج من كل وجه. الأول: من تقاعدهم عن المسير في هذه المدة الطويلة.
والثاني: لضعف العسكر الذي أرسلوه مع أسطول مصر ولو كان لعسكر الأسطول قوة لدفع الفرنج من البحر عن البلد على حسب الحال. والثالث: لم لا خرج الوزير الأفضل بن أمير الجيوش بالعساكر المصرية كما كان فعل والده بدر الجمالي في أوائل الأمر. هذا مع قوتهم من العساكر والأموال والأسلحة. فلله الأمر من قبل ومن بعد.
وطمعوا في الغنائم فساروا إلى جبلة وبها فخر الملك بن عمار الذي كان صاحب طرابلس وقاضيها وتسلموها منه بالأمان في ثاني عشر ذي الحجة في يوم واحد وخرج منها ابن عمار سالمًا. ثم وصل بعد ذلك الأسطول المصري بالعساكر فوجدوا البلاد قد أخذت فعادوا كما هم إلى مصر.
وسار ابن عمار إلى شيزر فأكرمه صاحبها سلطان بن علي بن منقذ واحترمه وعرض عليه المقام عنده فأبى وتوجه إلى الأمير طغتكين صاحب دمشق فأكرمه طغتكين وأنزله وأقطعه الزبداني وأعماله.
ثم وقع بين بغدوين صاحب القدس وبين طغتكين المذكور أمور حتى وقر الاتفاق بينهما على أن يكون السواد وجبل عوف مثلثة الثلث للفرنج والباقي للمسلمين. ثم انقضى ذلك في سنة خمس وخمسمائة.
وقصد بغدوين الفرنجي المذكور صور فكتب واليها وأهلها إلى طغتكين يسألونه أنهم يسلمونها إليه قبل مجيء الفرنج لأنهم يئسوا من نصرة مصر فأبى وبعث إليهم الفرسان والرجالة وجاءهم هو من جبل عاملة ثم عاد. ثم سار إليهم بغدوين في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة فقطع أشجارها وقاتلها أيامًا وهو يعود خاسرًا.
وخرج طغتكين وخيم ببانياس وجهز الخيالة والرجالة إلى صور نجدة فلم يقدروا على الدخول إليها من الفرنج.ثم رحلت الفرنج عنها ونزلوا على الحبيس وهو حصن عظيم وحاصروه حتى فتحوه عنوة وقتلوا كل من كان فيه ثم عاد بغدوين إلى صور وشرع في عمل الأبراج وأخذ في قتالها والزحف في كل يوم. فلما بلغ ذلك طغتكين زحف عليهم ليشغلهم فخندق عليهم وهجم الشتاء فلم يبال الفرنج به لأنهم كانوا في أرض رملة والميرة تصل إليهم من صيدا في المراكب.
ثم ركب طغتكين البحر وسار إلى نحو صيداء وقتل جماعة من الفرنج وغرق مراكبهم وأوصل مكاتبته إلى أهل صور فقوى قلوبهم. ثم عمل الفرنج برجين عظيمين طول الكبير منهما زيادة على خمسين ذراعًا وطول الصغير زيادة على أربعين ذراعًا وزحفوا بهما أول شهر رمضان وخرج أهل صور بالنفط والقطران ورموا النار فهبت الريح فاحترق البرج الصغير بعد المحاربة العظيمة ونهب منه زرديات وطوارق وغير ذلك ولعبت النار في البرج الكبير أيضًا فأطفأها الفرنج. ثم إن الفرنج طموا الخندق وواتروا الزحف طول شهر رمضان وأشرف أهل البلد على الهلاك. فتحيل واحد من المسلمين له خبرة بالحرب فعمل كباشًا من أخشاب تدفع البرج الذي يلصقونه بالسور. ثم تحيل في حريق البرج الكبير حتى أحرقه وخرج المسلمون فأخذوا منه آلات وسلاحًا. فحينئذ يئس الفرنج من أخذها ورحلوا عنها بعد ما أحرقوا جميع ما كان لهم من المراكب على الساحل والأخشاب والعمائر والعلوفات وغيرها. وجاءهم طغتكين فما سلموا إليه البلدة فقال طغتكين: أنا ما فعلت الذي فعلته إلا لله تعالى لا لرغبة في حصن ولا مال ومتى دهمكم عدوكم جئتكم بنفسي وبرجالي ثم رحل عنهم - فلله عزه من ملك - كل ذلك ولم تأت نجدة المصريين. ودام الأمر بين أهل صور والفرنج تارة بالقتال وتارة بالمهادنة إلى أن طال على أهل صور الأمر ويئسوا من نصرة مصر فسلموها للفرنج بالأمان في سنة ثماني عشرة وخمسمائة. قلت: وما أبقى أهل صور - رحمهم الله تعالى - ممكنًا في قتالهم مع الفرنج وثباتهم في هذه السنين الطويلة مع عدم المنجد لهم من مصر. وقيل في أخذ صور وجه آخر. قال ابن القلانسي: وفي سنة تسع عشرة وخمسمائة ملك الفرنج صور بالأمان. وسببه خروج سيف الدولة مسعود منها وكان قد حمل إلى مصر وأقام الوالي الذي بها في البلد.
وهذا ما فعله إلا الآمر هذا صاحب الترجمة بنفسه بعد أن قبض على الأفضل ابن أمير الجيوش وقتله وقتل غيره أيضًا معه.
ونعود إلى كلام ابن القلانسي قال: وعرف الفرنج يعني بخروج سيف الدولة فتأهبوا للنزول عليها وعرف الوالي أنه لا قبل له بهم لقلة النجدة والميرة بها فكتب إلى صاحب مصر يخبره.
فكتب إليه: قد رددنا أمرها إلى ظهير الدين - أظنه يعني بظهير الدين طغتكين المقدم ذكره أمير دمشق - قال: ليتولى حمايتها والذب عنها وبعث منشورًا له بها. ونزل الفرنج عليها وضايقوها بالحصار والقتاله حتى خفت الأقوات وجاء طغتكين فنزل ببانياس وتواترت المكاتبات إلى مصر باستدعاء المؤن فتمادت الأيام إلى أن أشرف أهلها على الهلاك.
ولم يكن للأتابك طغتكين قدرة على دفع الفرنج ويئس من مصر فراسل أهلها الفرنج وطلبوا الأمان على نفوسهم وأهاليهم وأموالهم ومن أراد الخروج خرج ومن أراد الإقامة أقام. وجاء الأتابك بعسكره فوقف بازاء الفرنج وركبت الفرنج ووقفوا بازائه وصاروا صفين وخرج أهل البلد يمرون بين الصفين ولم يعرض لهم أحد وحملوا ما أطاقوه ومن ضعف منهم أقام. فمضى بعضهم إلى دمشق وبعضهم إلى غزة وتفرقوا في البلاد وعاد الأتابك إلى دمشق.
ودخل الفرنج صور وملكوها سنين إلى حين فتحت ثانيًا حسب ما سيأتي ذكره في ترجمة السلطان الذي يتولى فتحها.
السنة الأولى من خلافة الآمر منصور وهي سنة ست وتسعين وأربعمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا لإصبع واحدة.
السنة الثانية من خلافة الآمر منصور وهي سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا.
السنة الثالثة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا.
السنة الرابعة من خلافة الآمر منصور وهي سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا.
السنة الخامسة من خلافة الآمر منصور وهي سنة خمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وتسع أصابع. مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة.
السنة السادسة من خلافة الآمر منصور وهي سنة إحدى وخمسمائة.
فيها ظهرت ببغداد صبية عمياء تتكلم عن أسرار الناس فكانت تسأل عن نقوش الخواتم وما عليها وألوان الفصوص إلى غير ذلك.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا.
السنة السابعة من خلافة الآمر منصور وهي سنة اثنتين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وثماني عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا.
السنة الثامنة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثلاث وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وثماني عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس أصابع.
لسنة التاسعة من خلافة الآمر منصور وهي سنة أربع وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة العاشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة خمس وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة الحادية عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ست وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وخمس عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبعان.
السنة الثانية عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة سبع وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وخمس عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبعان.
السنة الثالثة عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثمان وخمسمائة
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وأربع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع.
السنة الرابعة عشرة من خلافة الآمر منصور وهى سنة تسعة وخمسمائة
المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول 43 / 167 : وقال ابن المأمون البطايحي في حوادث سنة تسع وخمسمائة: ووصلت النجابون من والي الشرقية تخبر بأن بغدوين ملك الفرنج وصل إلى أعمال الفرما فسَيَّر الأفضل بن أمير الجيوش للوقت إلى والي الشرقية بأن يسير المركزية والمقطعين بها وسيَّر الراجل من العطوفية وأن يسير الوالي بنفسه بعد أن يتقدّم إلى العربان بأسرهم بأن يكونوا في الطوالع ويطاردوا الفرنج ويشارفوهم بالليل قبل وصول العساكر إليم فاعتمد ذلك ثم أمر بإخراج الخيام وتجهيز الأصحاب والحواشي فلما تواصلت العساكر وتقدّمها العربان وطاردوا الفرنج وعلم بغدوين ملك الفرنج أنّ العساكر متواصلة إليه وتحقق أن الإقامة لا تمكنه أمر أصحابه بالنهب والتخريب والإحراق وهدم المساجد فأحرق جامعها ومساجدها وجميع البلد وعزم على الرحيل فأخذه الله سبحانه وتعالى وعجل بنفسه إلى النار فكتم أصحابه موته وساروا بعد أن شقوا بطن بغدوين وملأوه ملحًا حتى بقي إلى بلاده فدفنوه بها.
وأما العساكر الإسلامية فإنهم شنوا الغارات على بلاد العدوّ وعادوا بعد أن خيموا على ظاهر عسقلان وكتب إلى الأمير ظهير الدين طفدكين صاحب دمشق بأن يتوجه إلى بلاد الفرنج فسار إلى عسقلان وحملت إليه الضيافات وطولع بخبر وصوله فأمر بحمل الخيام وعدّة وافرة من الخيل والكسوات والبنود والأعلام وسيف ذهب ومنطقه ذهب وطوق ذهب وبدلة طقم وخيمة كبيرة مكملة ومرتبة ملوكية وفرشها وجميع آلاتها وما تحتاج إليه من آلات الفضة وسير برسم شمس الخواص وهو مقدم كبير خلعة مذهبة ومنطقة ذهب وسيمْ وسير برسم المميزين من الواصلين خلع وسيوف وسلم ذلك بثبت لأحد الحجاب وسير معه فرّاشان برسم الخيام وأمر بضرب الخيمة الكبيرة وفرشها وأن يركب والي عسقلان وظهير الدين وشمس الخواص وجميع الأمراء الواصلين والمقيمين بعسقلان إلى باب الخيمة ويقبلوه ثم إلى بساطها والمرتبة المنصوبة ثم يجلس الوالي وظهير الدين وشمس الخواص والمقدّمون ويقف الناس بأجمعهم إجلالًا وتعظيمًا ويخلع على الأمير ظهير الدين وشمس الخواص وتشدّ المناطق في أوساطهما ويقلدا بالسيوف ويخلع بعدهما على المميزين ثم يسير ظهير الدين والمقدّمون بالتشريف والأعلام والرايات المسيرة إليهم إلى أن يصلوا إلى الخيام التي ضربت لهم فإذا كان كل يوم يركب الوالي والأميران والمقدّمون والعساكر إلى الخيمة الملوكية ويتفاوضون فيما يجب من تدبير العساكر فامتثل ذلك وتواصلت الغارات على بلاد العدوّ وأسروا وقتلوا فسير إليهم الخلع ثانيًا وجعل الشمس الخواص خاصة في هذه السفرة عشرة آلاف دينار وتسلم ظهير الدين الخيمة الكبيرة بما فيها وكان تقدير ما حصل له ولأصحابه ثلاثين ألف دينار وبلغ المنفق في هذه النوبة وعلى ذهاب بغدوين وهلاكه مائة ألف دينار.
أمر النيل في هذه السنة: السنة الخامسة عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة عشر وخمسمائة.
السنة الخامسة عشرة من خلافة الآمر منصور وهى عشرة وخمسمائة
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وتسع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست أصابع.
السنة السادسة عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع واثنتا عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا.
السنة السابعة عشرة من خلافة الآمر منصور هى سنة أثنى عشرة وخمسمائة
بويع بالخلافة بعد موت أبيه المقتدي بالله في ثامن عشر المحرم سنة تسع وثمانين وأربعمائة وعمره سبع عشرة سنة وشهران.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة الثامنة عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع واثنتان وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وسبع أصابع.
السنة التاسعة عشرة من خلافة الآمر منصور وهي سنة أربع عشرة وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم تسع أذرع واثنتا عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا لإصبع واحدة.
السنة العشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وفيها قتل الأفضل شاهنشاه أمير الجيوش أبو القاسم بن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني وزير مصر ومدبر ممالكها.
ولي مملكة مصر بعد موت أبيه بدر الجمالي في أيام المستعلي إلى أن مات المستعلي فأقام الأفضل هذا ولده مكانه في الخلافة ولقبه بالآمر أعني صاحب الترجمة ودبر لدولته وحجر عليه. وكان الخليفة المستنصر جد الآمر هذا وولده المستعلي والد الآمر كلاهما أيضًا تحت حجر بدر الجمالي والد الأفضل هذا. فلما ملك الأفضل سار على سيرة أبيه مع الخلفاء من الحجر والتضييق عليهم. وزاد الأفضل هذا في حق الآمر صاحب الترجمة حتى إنه منعه من شهواته وأراد قتله بالسم.
فحمله ذلك على قتله واتفق الآمر مع جماعة وكان الأفضل يسكن بمصر فلما ركب في غير موكب وثبوا عليه وقتلوه في سلخ شهر رمضان بعد أمور وقعت. وخلف الأفضل من الأموال والنقود والقماش والمواشي ما يستحيا من ذكره كثرة.
قال ابن الأثير: كانت ولايته يعني الأفضل ثمانيًا وعشرين سنة وكان حسن السيرة عادلًا. ثم أخذ في تعداد أمواله.
وفيها توفي الإمام الحافظ المحدث أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي المعروف بابن الفراء. كان إمامًا حافظًا رحل إلى البلاد وسمع الكثير وحدث وألف وصنف. وكان يقال له محيي السنة. ومات في شوال.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع وقيل: خمس أصابع.
السنة الحادية والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة ست عشرة وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وست وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث أصابع.
السنة الثانية والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة سبع عشرة وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وعشر أصابع.
السنة الثالثة والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثماني عشرة وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وأربع وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا.
السنة الرابعة والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وفيها قبض الآمر على وزيره المأمون أبي عبد الله بن البطائحي وعلى أخيه أحمد المؤتمن واستولى على أموالهما وذخائرهما ثم قتلهما وكانا قد دبرا في القبض عليه. والمأمون هذا هو باني جامع الأقمر بالقاهرة. وكان الأمر استوزره بعد قتل الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم تسع أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا.
السنة الخامسة والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة عشرين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وثلاث أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبع واحدة.
السنة السادسة والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثماني أذرع وسبع عشرة إصبعًا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأصابع لم تحرر.
السنة السابعة والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا.
السنة الثامنة والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وست وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وخمس أصابع.
السنة التاسعة والعشرون من خلافة الآمر منصور وهي السنة التي قتل فيها الآمر صاحب الترجمة حسب ما ذكرناه مفصلا في ترجمته أولا.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
******************************************************************************
ذكر المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 93 من 167 ) : " الهودج: وكان من منتزهاتهم العظيمة البناء العجيبة البديعة الزي بناء في جزيرة الفسطاط التي تعرف اليوم: بالروضة يقال له: الهودج بناه الخليفة الآمر بأحكام الله لمحبوبته البدوية التي غلب عليه حبها بجوار البستان المختار وكان يتردد إليه كثيرًا وقتل وهو متوجه إليه وما زال منتزهًا للخلفاء من بعده.
قال ابن سعيد في كتاب المحلى بالأشعار: قال القرطبي في تاريخه: تذاكر الناس في حديث البدوية وابن مياح من بني عمها وما يتعلق بذلك من ذكر الآمر حتى صارت رواياتهم في هذا الشأن كأحاديث البطال وألف ليلة وليلة وما أشبه ذلك.
والاختصار منه أن يقال: إن الآمر كان قد بلي بعشق الجواري العربيات وصارت له عيون بالبوادي فبلغه أن جارية بالصعيد من أكمل العرب وأظرفهم شاعرة جميلة فيقال: إنه تزيا بزي بداة الأعراب وكان يجول في الأحياء إلى أن انتهى إلى حيها وبات هناك في ضائقة وتحيل حتى عاينها هنالك فما ملك صبره ورجع إلى مقر ملكه وأرسل إلى أهلها يخطبها وتزوجها فلما وصلت صعب عليها مفارقة ما اعتادته وأحبت أن تسرح طرفها في الفضاء ولا تنقبض نفسها تحت حيطان المدينة فبنى لها البناء المشهور في جزيرة الفسطاط المعروف بالهودج وكان غريب الشكل على شط النيل وبقيت متعلقة الخاطر بابن عم لها ربيت معه يعرف: بابن مياح فكتبت إليه من قصر الآمر: يا ابن مياح إليك المشتكي مالك من بعد قد ملكا كنت في حيي مطاعًا آمرًا نائلًا ما شئت منكم مدركا فأنا الآن بقصر مرصد لا أرى إلا خبيثًا ممسكًا كم تثنينا كأغصان اللوا حيث لا نخشى علينا دركا فأجابها: بنت عمي والتي غذيتها بالهوى حتى علا واحتبكا بحت بالشكوى وعندي ضعفها لو غدا ينفع منا المشتكى مالك الأمر إليه أشتكي مالك وهو الذي قد ملكا قال: وللناس في طلب ابن مياح واختفائه أخبار تطول وكان من عرب طي في قصر الآمر: طراد بن مهلهل السنبسي فبلغته هذه القضية فقال: ألا بلغوا الآمر المصطفى مقال طراد ونعم المقال قطعت الأليفين عن ألفة بها سمر الحي بين الرجال كذا كان آباؤك الأكرمون سالت فقل لي جواب السؤال فقال الخليفة الآمر: لما بلغته الأبيات جواب سؤاله قطع لسانه على فضوله وطلب في أحياء العرب فلم يوجد فقالت العرب: ما أخسر صفقة طراد باع أبيات الحي بثلاثة أبيات وكان بالإسكندرية: مكين الدولة أبو طالب احمد بن عبد المجيد بن أحمد بن الحسن بن حديد له مروءة عظيمة ويحتذى أفعال البرامكة وللشعراء فيه أمداح كثيرة مدحه ظافر الحداد وأمية بن أبي الصلت وغيرهما.
وكان له بستان يتفرج فيه به جرن كبير من رخام وهو قطعة واحدة وينحدر فيه الماء فيبقى كالبركة من كبره وكان يجد في نفسه برؤيته زيادة على أهل التنعم والمباهاة في عصره فوشى به للبدوية محبوبة الآمر فسألت الخليفة الآمر في حمل الجرن إليها فأرسل إلى ابن حديد بإحضار الجرن فلم يجد بدًا من حمله من البستان فلما صار إلى الآمر أمر بعمله في الهودج فقلق ابن حديد وصارت في قلبه حرارة من أخذ الجرن فأخذ يخدم البدوية ومن يلوذبها بأنواع الخدمة العظيمة الخارجة عن الحد في الكثرة حتى قالت البدوية: هذا الرجل أخجلنا بكثرة تحفه ولم يكلفنا قط أمرًا نقدر عليه عند الخليفة مولانا فلما قيل له هذا القول عنها قال: ما لي حاجة بعد الدعاء لله بحفظ مكانها وطول حياتها في عز ردد الفسقية التي قلعت من داري التي بنيتها في أيامها من نعمتهم ترد إلى مكانها فتعجبت من ذلك وردتها عليه فقيل له: حصلت في حد أن خيرتك البدوية في جميع المطالب فنزلت همتك إلى قطعة حجر فقال: أنا أعرف بنفسي ما كان لها أمل سوى أن لا تغلب في أخذ ذلك الحجر من مكانه وقد بلغها الله أملها وكان هذا المكين قضاء الإسكندرية ونظرها في أيام الآمر.
وبلغ من علو همته وعظم مروءته أن سلطان الملوك حيدرة أخا الوزير المأمون بن البطائحي: لما قلده الآمر ولاية ثغر الإسكندرية في سنة سبع عشرة وخمسمائة وأضاف إليه الأعمال البحرية ووصل إلى الثغر ووصف له الطبيب دهن شمع بحضور القاضي المذكور فأمر في الحال بعض غلمانه بالمضي إلى داره لإحضار دهن شمع.
فما كان أكثر من مسافة الطريق إلى أن أحضر حقًا مختومًا فك عنه فوجد فيه منديل لطيف مذهب على مداف بلور فيه: ثلاثة بيوت كل بيت عليه قبة ذهب مشبكة مرصعة بياقوت وجوه بيت دهن بمسك وبيت دهن بكافور وبيت دهن بعنبر طيب ولم يكن فيه شيء مصنوع لوقته فعندما أحضره الرسول تعجب المؤتمن والحاضرون من علو همته فعندما شاهد القاضي ذلك بالغ في شكر أنعامه وحلف بالحرام إن عاد إلى ملكه فكان جواب المؤتمن قد قبلته منك لا لحاجة إليه ولا لنظر في قيمته بل لإظهار هذه الهمة وإذاعتها وذكر أن قيمة هذا المداف وما عليه: خمسمائة دينار فانظر رحمك الله إلى من يكون دهن الشمع عنده في إناء قيمته: خمسمائة دينار ودهن الشمع لا يكاد أكثر الناس يحتاج إليه البتة فماذا تكون ثيابه وحلي نسائه وفرش داره وغير ذلك من التجملات وهذا إنما هو حال قاضي الإسكندرية ومن قاضي الإسكندرية بالنسبة إلى أعيان الدولة بالحضرة وما نسبة أعيان الدولة وإن عظمت أحوالهم إلى أمر الخلافة وأبهتها إلا يسير حقير.
وما زال الخليفة الآمر يتردد إلى الهودج المذكور إلى أن ركب يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة يريد الهودج وقد كمن له عدة من النزارية في فرن عند رأس الجسر من ناحية الروضة فوثبوا عليه وأثخنوه بالجراحة حتى هلك وحمل في العشاري إلى اللؤلؤة فمات بها وقيل: قبل أن يصل إليها وقد خرب هذا الهودج وجهل مكانه من الروضة ولله عاقبة الأمور.
****************************************************************************************
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 921 من 761 ) : " الروضة اعلم أنّ الروضة تُطلق في زماننا هذا على الجزيرة التي بين مدينة مصر ومدينة الجيزة وعرفت في أوّل الإسلام بالجزيرة وبجزيرة مصر ثم قيل لها جزيرة الحصن وعرفت إلى اليوم بالروضة ... بها كان الهودج الذي بناه الخليفة الآمر بأحكام الله لمحبوبته البدوية وبها بنى الملك الصالح نجم الدين أيوب القلعة الصالحية وبها إلى اليوم مقياس النيل وسأورد من أخبار الروضة هنا ما لا تجده مجتمعًا في غير هذا الكتاب.
ومن حينئذ صارت الجزيرة كلها تعرف بالروضة فلما قُتل الأفضل بن أمير الجيوش واستبدّ الخليفة الآمر بأحكام الله أبو عليّ منصور بن المستعلي بالله أشأ بجوار البستان المختار من جزيرة الروضة مكانًا لمحبوبته العلية البدوية سماه الهودج.
الهودج: قال ابن سعيد في كتاب المحلّى بالأشعار عن تاريخ القرطبيّ: قد أكثر الناس في حديث البدوية وأبن مياح من بني عمها وما يتعلق بذلك من ذكر الخليفة الآمر بأحكام الله حتى صارت رواياتهم في هذا الشأن كأحاديث البطال وألف ليلة وليلة وما أشبه ذلك والإختصار منه أن يقال أنّ الخليفة الآمر كان قد ابتلى بعشق الجواري العربيات وصارت له عيون في البوادي فبلغه أن بالصعيد جارية من أكمل العرب وأظرف نسائهم شاعرة جميلة فيقال أنه تزيا بزيّ بداة الأعراب وصار يجول في الأحياء إلى أن انتهى إلى حيها وبات هناك في ضائفة وتحيل حتى عايناه فما ملك صبره ورجعإلى مقرّ مُلكه وسرير خلافته فأرسل إلى أهلها يخطبها فأجابوه إلى ذلك وزوّجوها منه فلما صارت إلى القصور صعب عليها مفارقة ما اعتادت وأحبت أن تسرّج طرفها في الفضاء ولا تقبض نفسها تحت حيطان المدينة فبنى لها البناء المشهور في جزيرة الفسطاط المعروف بالهودج وكان على شاطيء النيل في شكل غريب وكان بالإسكندرية القاضي مكين الدولة أبو طالب أحمد بن عبد المجيد بن أحمد بن الحسن بن حديد قد استولى على أمورها وصار قاضيها وناظرها ولم يبق لأحد معه كلام وضمن أموالها بحملة يحملها وكان ذا مروءة عظيمة يحتذي أفعال البرامكة وللشعراء فيه مدائح كثيرة وممن مدحه ظافر الحدّاد وأمية بن أبي الصلت وجماعة وكان الأفضل بن أمير الجيوش إذا أراد الاعتناء بأحد كتب معه كتابًا إلى بن حديد هذا فيغنيه بكثرة عطائه وكان له بستان يتفرّج فيه به جرن كبير من رخام قطعة واحدة ينحدر فيه الماء فيبقى كالبركة من سعته وكان يجد في نفسه برؤية هذا الجرن زيادة على أهل النعم ويباهي به أهل عصره فوشي به للبدوية محبوبة الخليفة فطلبته من الخليفة فأنفذ في الحل بإحضاره فلم يسع ابن حديد إلاّ أن قلعه من مكانه وبعث به وفي نفسه حزازة من أخذه منه وخدم البدوية وخدم جميع من يلوذ بها حتى قالت: هذا الرجل أخجلنا بكثرة هداياه وتحفه ولم يكلفنا قط أمرًا نقدر عليه عند الخليفة مولانا فلما بلغه ذلك عنها قال: ما لي حاجة بعد الدعاء لله تعالى بحفظ مكانها وطول حياتها غير ردّ الجرن الذي أُخذ من داري التي بنيتها في أيامهم من نعمهم إلى مكانه فلما سمعت هذا عنه تعجبت منه وأمرت بردّ الجرن إليه فقيل له قد وصلت إلى حدّ أن خيرتك البدوية في جميع المطالب فنزلت همتك إلى قطعة حجر.
فقال: أنا أعَرف بنفسي ما كان لها أمل سوى أن لا تُغلب في أخذ ذلك الجرن من مكانه وقد بلغها الله أملها وبقيت البدوية متعلقة يا ابن ميّاح إليكَ المشتكى مالِكُ من بعدكم قد ملك كنتُ في حيى مرأ مطلقًا نائلًا ما شئتُ منكم مدركًا فأنا الآن بقصرِ مؤصدِ لا أرى إلاّ حبيسًا ممسكا وتلاعبنا برملاتِ الحمى حيثما شاءَ طليقٌ سلكا فأجابها: بنتُ عمي والتي غذيتها بالهوى حتّى علا واحتنكا بُحتِ بالشكوى وعندي ضعفها لو غدا ينفع منها المشتكى ما لك الأمر إليه يُشتكى هالكٌ وهو الذي قد هلكا شأن داود غدا في عصرنا مبديًا بالتيه ما قد ملكا فبلغت الآمر فقال: لولا أنه أساء الأدب في البيت الرابع لرددتها إلى حيه وزوّجتها به.
قال القرطبيّ وللناس في طلب ابن ميّاح واختفائه أخبار تطور وكان من عرب طيء في عصر الخليفة الآمر طراد بن مهلهل فلما بلغه قضية الآمر مع العالية البدوية قال: ألا أبلغوا الآمر المصطفى مقالَ طرادٍ ونِعمَ المقال فلما بلغ الآمر شعره قال: جواب السؤال قطع لسانه على فضوله وأمر بطلبه في أحياء العرب ففرّ ولم يقدر علي فقالت العرب: ما أخسر صفقة طراد باع أبيات الحيّ بثلاثة أبيات ولم يزل الآمر يتردّد إلى الهودج بالروضة للنزهة فيه إلى أن ركب من القصر بالقاهرة يريد الهودج في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة فلما كان برأس الجسر وثب عليه قوم من النزارية قد كمنوا له في فرن تجاه رأس الجسر بالروضة وضربوه بالسكاكين حتى أثخنوه وجرحوا جماعة من خدّمه فحمل إلى منظرة اللؤلؤة بشاطيء الخليج وقد مات.
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 031 من 761 ) : " قال العلامة عليّ بن سعيد في كتاب المغرب: وقد ذكر الروضة هي أمام الفسطاط فيما بينها وبين مناظر الجيزة وبها مقياس النيل وكانت منتزهًا لأهل مصل فاختارها الصالح بن الكامل سرير السلطنة وبنى بها قلعة مسوّرة بسور ساطع اللون محكم البناء عالي السمك لم ترعيني أحسن منه وفي هذه الجزيرة كان الهودج الذي بناه الآمر خليفة مصر لزوجته البدوية التي هام في حبها والمختار بستان الإخشيد.