جريدة وطنى بتاريخ 11/3/2007 م السنة 49 العدد 2459 مقالة بعنوان " تاريخ كنيسة السيدة العذراء بالمعادي " عرض: د. مكاري أرمانيوس
كنيسة العذراء بالمعادي
استغرق إعداد هذا الكتاب الوثائقي وقتا طويلا بلغ 24 عاما بداية من يناير عام 1975 عندما كلف قداسة البابا شنودة الثالث الباحث نبيه كامل داود بكتابته وبالفعل تمت كتابته في فبراير عام 1999, وقدمه نيافة الأنبا دانيال أسقف عام المعادي. حيث تم جمع حصيلة كبيرة من الوثائق بلغات مختلفة عربي, قبطي, إنجليزي, فرنسي, ألماني بلغ عددها 32 مخطوطا, بعضها متواجد بمكتبة البطريركية بالأزبكية, ومكتبة السيدة العذراء بالمعادي, ومكتبة كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة, والمكتبة الوطنية بباريس - فرنسا.
يحتوي الكتاب علي صور للعديد من الأيقونات الأثرية الموجودة داخل الكنيسة, وصورة رائعة لصفحات من الكتاب المقدس الذي عثر عليه بالشاطئ المجاور للكنيسة, وصورة للسلم الموصل بين الكنيسة ونهر النيل الذي يطلق عليه سلم العائلة المقدسة وصورة نادرة لقداسة البابا كيرلس السادس أثناء زيارته للكنيسة وإقامة القداس الإلهي بها يوم 1959/10/23..
موقع الكنيسة
تقع كنيسة السيدة العذراء بالمعادي جنوب مدينة القاهرة علي بعد حوالي 13كم من ميدان رمسيس علي شاطئ النيل مباشرة وهي بذلك تحتل موقعا سياحيا وأثريا ممتازا مما جعلها أحد المعالم السياحية الدينية المميزة خاصة وأن العائلة المقدسة كانت قد عبرت بهذا الموقع المقدس وهي في طريقها إلي صعيد مصر. حيث يوجد الدير المحرق غرب مدينة القوصية بمحافظة أسيوط.
مشتملات الكتاب
يضم الكتاب تسعة فصول. الفصل الأول يتناول الموقع الجغرافي لمنطقة الكنيسة عبر التاريخ حيث عرفت هذه المنطقة بعدة أسماء منها: تي كلابي وهي كلمة رومية بيزنطية وترجع إلي أواخر القرن الثالث عشر ميلادية وترجمتها بالعربية العدوية, مينة السودان وهو أول اسم عربي أطلق علي منطقة الكنيسة, العدوية علي اسم امرأة عدوية وصلت من المغرب 972-975م وكان لها مال كثير ونزلت بهذا المكان وعرف بها, المعادي وقد عرفت بهذا الاسم في عصر الحكم العثماني 1517-1805م نسبة إلي رجل يسمي علي الخبيري كان يتولي المعدية عبر النيل بهذه المنطقة.
وكانت المعادي إلي أوائل القرن العشرين جزءا من محافظة الجيزة, ثم ضمت إلي محافظة القاهرة.
وجاء الفصل الثاني بعنوان: (تبعية الكنيسة قديما لإيبارشية كرسي طمويه بالجيزة)
وتقع طمويه اليوم ناحية طموه بمركز الجيزة وهذا الكرسي كان أصلا بمدينة منف, ولما خربت المدينة في القرن التاسع الميلادي انتقل أساقفته إلي الشمال إلي طمويه وأقاموا بها, وتم إعمار الكنيسة في القرن الحادي عشر الميلادي يوليو 1085م في بطريركية البابا كيرلس الثاني وأسقفية الأنبا دانيال أسقف طمويه.
وفي الفصل الثالث يشير المؤلف إلي اسم الكنيسة عبر التاريخ حيث اتخذت العديد من الأسماء منها كنيسة المرتوتي.
ذكر هذا الاسم في كتاب سير البيعة المقدسة المعروف حاليا باسم تاريخ البطاركة في سيرة البابا كيرلس الثاني 67, والتي كتبها الشيخ موهوب بن منصور بن مفرج الإسكندراني الشماس مارس 1088م وهذا المؤرخ هو أقدم من ذكرها تاريخيا, كما سميت باسم بيعة السيدة العذراء الطاهرة مرتمريم المعروفة بالمرتوتي وأطلق عليها هذا الاسم المؤرخ الشيخ المؤتمن أبوالمكارم سعدالله بن جرجس بن مسعود في كتابه من الكنائس والأديرة المطبوع خطأ باسم تاريخ الشيخ أبي صلح الأرمني الذي وضعه في نحو عام 1209, وفيه يعقب علي الاسم بقوله وأنشأ القبط علي اسم السيدة العذراء, فإما أنها عرفت بالمرتوتي, وهي لفظة بالرومي متيرتا أعني أم الله الكلمة, وكلمة متيرتا هذه من الرومية يوناني قديم, أطلق عليها أيضا اسم تي ثيؤدوكس مارياتي كلابي ومقابلها بالعربية: والدة الإله مريم بالعدوية وذلك في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي.
وسميت الكنيسة كذلك باسم كنيسة ستنا السيدة بالعدوية وذكر هذا الاسم في الأعجوبة رقم 13 من عجائب القديس أنبا برصوما العريان بدير شهران بالمعصرة بين عامي 1302 - 1317م, وتم جمع وكتابة سيرة هذا القديس وعجائبه ومنها هذه الأعجوبة في 10 مسري 1072ش الموافق 3 أغسطس 1356م, كما أطلق عليها كنيسة مريم بناحية العدوية وجاء هذا الاسم في خطط المؤرخ العربي المقريزي بين عامي 1417 - 1436م, هناك اسم دير الست السيدة بالعداوية وذكره ابن أبي الفرج سنة 1354 ش 1638م, ودير العدوية وأطلق عليها هذا الاسم الأب فانسليب أثناء مروره عليها في رحلة إلي صعيد مصر عام 1672م وعدد من الأسماء الأخري.
ويتناول الفصل الرابع زيارة العائلة المقدسة للكنيسة حيث يروي التقليد القديم المتداول أن العائلة المقدسة حلت بموضعها المقدس أثناء هروبها من هيرودس ومنها أخذت مركبا في النيل إلي الصعيد, وبالبحث عن الميامر التي تتناول مجئ العائلة المقدسة إلي أرض مصر وجد ثلاثة تناولوا الرحلة في ربوع مصر, وهم حسب الترتيب الزمني البابا ثاوفيلس الإسكندري البطريرك 23 385-412م, أنبا هرياقوص قريا قوس أسقف البهنثا في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي, ثم أنبا زخارياس أسقف سخا 693-723م.
هذه الميامر كتبت أصلا باللغة القبطية, ثم فقدت أصولها وبقيت لنا ترجماتها باللغة العربية, ولم نتكلم عن كنيسة السيدة العذراء بالمعادي كأحد مواضع زيارة العائلة المقدسة لأرض مصر.. أما المصادر التاريخية الأخري التي تكلمت عن رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر وجاء فيها ذكر كنيسة المعادي منها: موهوب بن منصور بن مفرج الإسكندراني 1088م, أبوالمكارم سعدالله بن جرجس بن مسعود 1209م. الذي ذكر أن موقع الكنيسة كان في القديم معبدا لبني إسرائيل لما كانوا في العبودية بأرض بعد ثم جاءتها العائلة المقدسة فيما بعد.
تاريخ الكنيسة في ضوء الوثائق:
حيث كتب المؤرخ أبوالمكارم سعدالله بن جرجس في القرن الحادي عشر الميلادي عن تجديد عمارتها في عصر الدولة الفاطمية وذكرها كذلك في القرن الثالث عشر الميلادي أثناء فترة الدولة الأيوبية 1171-1250م.
أما في عصر دولة المماليك البحرية 1250-1382م فجاء اسم الكنيسة بهذا النص والدة الإله مريم بالعدوية متزامنا مع الوقت الذي عمل فيه الروك لكلمة قبطية بمعني قياس مساحة الأرض الزراعية وأطلق عليها الحسامي نسبة إلي السلطان المملوكي حسام الدين عام 1297م, بعد ذلك وفي القرن الرابع عشر الميلادي جاء ذكر تلك البيعة في عهد القديس أنبا برسوم العريان 1302-1317م, وفي القرن الخامس عشر الميلادي في عصر دولة المماليك 1382-1517م تكلم عن هذه الكنيسة المؤرخ ابن دقماق المتوفي عام 1407م.
ثم عثر في القرن السابع عشر الميلادي: علي أقدم مخطوط موجود حاليا في الكنيسة ويحوي تسابيح شهر كيهك للناسخ سليمان العريش عام 1629م.
كما عثر علي مخطوط آخر للمعلم صليب ابن أبوالفرج عام 1638م. مدون به حادثة مرور الأب فانسليب الدومينيكاني علي الكنيسة مرتين في عام 1672م في تجواله بمصر, وابتداء من القرن الثامن عشر الميلادي كانت الكنيسة عامرة ولها مكانتها المعروفة ونظارها الذين كانوا يعينون من قبل الأب البطريرك, حيث اشترك كاهنها القس سليمان الخفاني في الإعداد لعمل الميرون المقدس 1702-1703م في عهد البابا يوأنس السادس عشر البطريرك 103, وكذا المعلم يوحنا الطوخي وضع مخطوطا عنها في 1713م وقام البابا بطرس السادس 104 بتكريس الكنيسة 1718-1726م, كما تم إعادة بناء الكنيسة في عهد نظارة المعلم منقريوس لها 1717-1739م, أما الأنبا غبريال أسقف البهنسا فوضع مخطوطا عن الكنيسة عام 1737م, وقد زارها فريدريك نوردن الدانمركي وسجلها عام 1738م. وقام علي نظارة الكنيسة المعلم نيروز أبونوار 1739-1749م, كما توجد حجة نادرة للمعلم إبراهيم الجوهري ناظر الكنيسة بعمارتها عام 1772م, وأيضا المعلم جرجس أخو الحاج ملطي وضع مخطوطا آخر عنها عام 1786م ويتنالها المؤرخ الجبرتي في حولياته عام 1804م في القرن التاسع عشر الميلادي, كذلك القس عبدالملاك عام 1815م والمعلم ميخائيل الطويل تحدث عن وقف الكنيسة عام 1816م. وعند إنشاء المكتبة البطريركية بالأزبكية في نحو عام 1814م, في عهد البابا بطرس السابع البطريرك 109 تم تبادل بعض مخطوطات الكنيسة بأخري من الكنيسة المرقسية لاحتياج البابا إليها. أيضا اهتم أراخنة ونظار الكنيسة بعمارتها في مدة القمص تادرس خليل - الجبلاوي 1857 - 1907م وقد زار المستشرق الإنجليزي بتلر الكنيسة ووصفها عام 1883م.
الكنيسة في القرن العشرين
اهتم بعمارتها البابا كيرلس الخامس البطريرك 112, وفي ذات العام زارها الأنبا متاؤوس مطران الحبشة ومعه لفيف من المطارنة, ومن الأحداث المهمة للكنيسة عام 1942 أن تم نزع ملكية 311 مترا مربعا من حيز أرضها لعمل شارع الخديوي مصر - حلوان وتم تعويض الكنيسة بمبلغ 1011 جنيها مصريا, وفي عام 1955 تم نزع ملكية 4469 مترا مربعا أخري من حيز حديقة الكنيسة لعمل كورنيش النيل الذي تم في عهد عبداللطيف البغدادي وزير البلديات, ودفعت البلدية مبلغ 9679 جنيها كتعويض.
ثم وضع الجيش يده علي بقية أرض الحديقة ورفعت البطريركية قضية لاستردادها عام 1957.
في عام 1959م تمت سيامة قداسة البابا كيرلس السادس 116, وخلال مدة حبريته 1959-1971م اعتاد من وقت لآخر الحضور لزيارة الكنيسة مبكرا, وكان من عادته في يوم الجمعة العظيمة من كل سنة أن يصلي بكنيسة مارجرجس بطره ويحضر إلي كنيسة السيدة العذراء بالمعادي ويصلي بها بعض الوقت.
================