Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

السماسرة والمخالفات بحملة فلسطين

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
ليست أسلحة فاسدة
أوراق محمود بك محمود
السماسرة والمخالفات بحملة فلسطين
‏الكوماندوز‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏العزيز‏
إحسان عبد القدوس والأسلحة الفاسدة
Untitled 1430

Hit Counter

 

لأسلحة الفاسدة.. أوراق «مجهولة».. ووثائق «سرية» (٣-٣)

جريدة المصرى اليوم ٢١/ ٨/ ٢٠٠٩

 أوراق رئيس ديوان المحاسبة تكشف السماسرة والمخالفات فى حملة فلسطين

قبل ٦١ عاماً وقعت نكبة ١٩٤٨ بهزيمة العرب أمام العصابات الصهيونية وضياع فلسطين، وعلى الرغم من مرور كل هذه السنين، فإن ما اصطلح على تسميته «قضية الأسلحة الفاسدة» لايزال يكشف كل يوم عن أسرار جديدة، آخرها ٤٠٠ وثيقة وقصاصة من الأرشيف الخاص بأحد الأبطال الرئيسيين فى تفجير القضية، وعلى الرغم من أن المحاكمات التى جرت فى ذلك الأمر انتهت إلى لا شىء، فإن التاريخ يثبت مجدداً أنه لا يعرف الحقائق الثابتة، وأن ما يظهر من الوقائع يخفى الكثير من الحقائق. أدت التجاوزات المالية التى حدثت فى مصروفات حملة فلسطين، وما تضمن من ملفات أخرى مثل استيلاء كريم ثابت على ٥٠٠٠ جنيه من مستشفى المواساة والإعانات المقدمة لشركة سعيدة للطيران، إلى تقديم محمد محمود باشا استقالته التى فجرت ما اصطلح على تسميته بقضية «الأسلحة الفاسدة» فى بدايات الخمسينيات من القرن العشرين.

يحتفظ ملف الوثائق الخاصة بمحمود بك محمد محمود الذى تحتفظ به مكتبة الإسكندرية، بمذكرة من أربع صفحات بخط يد محمود بك، ذكر فيها ظروف قيامه بتقديم استقالته، حيث يذكر: «اتصل بى تليفونيا معالى فؤاد سراج الدين باشا فى يوم ١٩ أبريل (١٩٥٠) صباحا، وطلب أن يزورنى فى الديوان، فرحبت بزيارته فى الموعد الذى يختاره، فحدد الساعة ١١، وقد حضر فعلا بعد ذلك بقليل.

وبعد تبادل التحية والمجاملات المعتادة بين زميلين صديقين، سألنى عن حالة العمل فشكوت له ما ألاقيه من وزارة الحربية، ثم أخبرنى أنه كان لدى النحاس باشا مساء يوم ١٨ أبريل، وأن النحاس باشا أخبره أن سعادة حسن يوسف باشا رئيس الديوان (الملكى) بالإنابة زاره فى المغرب موفدًا من قبل جلالة الملك ليبلغه استياءه من حسين سرى باشا، ومن تلسين رئيس ديوان المحاسبة على جلالة الملك فى المجالس الخاصة، وأن النحاس باشا قد أثبت كتابة المسائل المعنية، التى أشار إليها حسن يوسف باشا وهى الضريبة على الإيراد العام، ويخت المحروسة، وشركة سعيدة.... ورد محمود بك محمد محمود على فؤاد باشا بأنه لا يعلم شيئا خاصا عن الضريبة على الإيراد العام، أو يخت المحروسة، ولم يعرض عليه بالديوان أى مستندات خاصة بهما، قائلا: أنا لا أعرف شيئا خاصا عنهما حتى أستطيع أن ألسن على جلالة الملك، وأما فيما يختص بشركة سعيدة للطيران فصارحت فؤاد باشا بأنه كان استرعى نظرى بمناسبة بحث الديوان فى وضع نظام للتصرف فى العملة، صرف دولارات لهذه الشركة فى ١٩٤٨، فبدأ لى أن أتحقق من جنسية هذه الشركة خشية ألا تكون شركة مصرية فلا يكون من المستساغ إعطاؤها دولارات قد تكون البلاد أحوج إليها فى شراء حاجاتها التموينية.

كما استرعى نظرى أن الحكومة منحت هذه الشركة إعانة أخيرا، فطلبت من المراقب المختص بالديوان أن يحصل على القانون الإنجليزى الذى صدر منظمًا لمنح الإعانات لشركات الطيران حتى أوجه نظر الحكومة إلى وضع أسس ثابتة تراعى عند منح تلك الإعانات، وأنى لم أتكلم مع مخلوق فى أى مجلس عن شركة سعيدة، ولذلك من الغريب أن ينسب إلى أن ألسن فى المجالس على جلالة الملك، وأخوض فى هذه المسائل الثلاث. ووفقا لما كتبه محمود بك فإنه فاتح فؤاد باشا بأنه يشعر بأن السبب الحقيقى لاستياء السراى لا يمكن أن يكون إلا من فقرة وردت فى تقرير الديوان الماثل للطبع عن مخالفة من المخالفات التى كشفها الديوان لدى مراجعة حساب مستشفى المواساة باعتباره هيئة من الهيئات المعانة التى تخضع لرقابة الديوان، ذلك بأنه قد صرف بموجب شيك فى شهر يناير ١٩٤٨ مبلغ ٥٠٠٠ جنيه لشخص مدين للدعاية والبروباجاندة، دون أن تقدم أية مستندات خاصة بمفردات هذا المبلغ أو الأوجه التى أنفق فيها ودون أن يصرح مجلس الإدارة بصرف هذا المبلغ خلافًا لما تقضى به اللائحة الداخلية وأن الديوان قد استكثر صرف مثل هذا المبلغ الكبير فى شؤون الدعاية والبروباجندة.

 ثم قال لفؤاد باشا إن الشخص المعين الذى صرف له ذلك المبلغ هو كريم ثابت باشا ولست أشك فى أنه هو الذى أوغر صدر جلالة الملك على فافترى على ما افتراه. وهنا قال فؤاد باشا لقد أضاف حسن باشا يوسف فى حديثه مع النحاس باشا إلى الثلاث مسائل المنوه بها عبارة إلخ إلخ، ثم قلت لفؤاد باشا لقد توقعت أن يكون مجيئك لهذا السبب وأنا أريد أن أهون الأمر عليك وأجنب الوزارة أى صعوبات مع القصر، فأنا على استعداد لتقديم استقالتى... لكن فؤاد باشا ألح على فى زيارة حسن يوسف... وقد نزلت على رغبته واتصلت به تليفونيا وقابلته قبل الساعة الأولى بسراى عابدين.

وبعد أن سألنى عن الرحلة التى كنا قد قمنا بها أنا وسرى باشا وبعض الأصدقاء إلى سيوة ومرسى مطروح، حدثته فيما دار بينى وبين فؤاد باشا ورددت عليه ما قلته له بشأن المسائل الثلاث المنوه عنها ونفيت تماما أن أكون قد لسنت على جلالة الملك. وطلب منى حسن باشا يوسف أن أرسل إليه صورة مما كتبته فى التقرير خاصا بهذا الموضوع (يقصد موضوع مستشفى المواساة) فوعدته بأن أرسل إليه فى الغد صورة ما يطلب، وهنا قال حسن باشا فإذا ما قدمت إليك المستندات الخاصة بصرف هذا المبلغ ألا يفيد، وأن الموضوع منته، فقلت لقد أبديت وجهة نظرى فى هذا التصرف فى التقرير المرفوع منى للبرلمان، فتبريره يكون أمام البرلمان. تناول الحديث بعد ذلك ما أصادفه من صعوبات فى مواجهة حملة فلسطين والمخالفات الجسيمة التى ارتكبت، فلم «أخفى» عنه ما بلغنى عن طريق تفتيش الديوان من أن كبار موظفى وزارة الحربية قد سعوا لدى السراى لتنحيتى عن رئاسة الديوان. وفى الختام خبرنى حسن يوسف باشا بأنه سيبلغ جلالة الملك حقيقة أمرى، كما أخبرته بأننى سوف أقابل النحاس باشا غدا. .. فى اليوم التالى يوم ٢٠ أبريل طلب حسن يوسف باشا مقابلة محمود بك محمد محمود لتسليمه رسالة شفهية من الملك، يذكر محمود بك فى مذكراته أنه جاء بها: «أخبرنى (يقصد حسن باشا يوسف) بأن جلالة الملك بعد أن فكر فى الموضوع ثانية تبين له أن موقفى سليم ولا غبار عليه، فقلت له إنى أشكر الله أنه قد صفح عنى الملك، لكننى قد قررت بالأمس أن أستقيل... وأرجو أن تستأذن جلالة الملك فى إعفائى من مهام منصبى.

وقد حاول حسن باشا أن يرجعنى عن الاستقالة لكنى قلت له لقد اعترفت لك بالأمس بأنى أخطات إذا لم أخطر السراى مقدما بما جاء فى التقرير، فلا أقل من أن أستقيل للتكفير عن ذلك، واستطردت بعد ذلك إلى الاستعلام عن رأى جلالة الملك فى هذا الموضوع، فدهشت عندما علمت أنه يرى أن موقفه سليم أيضا، وأن المبلغ صرف فى شؤون خاصة بجريدة المقطم». بعد المقابلة، توجه محمود بك إلى الديوان، وطلب من النحاس باشا مقابلته، فحدد الساعة الواحدة للقاء، يذكر محمود بك: «قابلت النحاس باشا وسردت عليه ما دار بينى وبين فؤاد باشا ثم ما دار بينى وبين حسن باشا بالأمس.. أخذ رفعته فى بيان وجهة نظر الوزارة فى إصلاح يخت المحروسة، ثم عرج على مستشفى المواساة، وأنه محل عناية ورعاية جلالة الملك الشخصية، وأنه يقدم خدمات كبيرة للناس، وأنه يرى (أى النحاس باشا) ضرورة معاونة المستشفى المتكررة، وبين لى أنه قد منح إعانة لذلك المستشفى، وأنه يجب معالجة المسائل بشىء غير قليل من السرية ومراعاة ما تقضى به المصلحة العامة، وأنه يمكن تعديل أو حذف ما ورد فى التقرير بشأن المستشفى المذكور..  ثم أطلعت النحاس باشا عما دار بينى وبين حسن باشا اليوم، فأظهر اغتباطه بتسوية الموضوع بينى وبين السراى، قلت لكننى أبديت لحسن باشا أننى لا أستطيع أن أمكث بعد اليوم فى رئاسة الديوان، ومن أجل ذلك أقدم لك استقالتى.. وفى المساء اتصل بى تليفونيا فؤاد باشا، وقال أهكذا تفعل يا محمود، لم يكن هذا الاتفاق بيننا، قلت سامحنى يا باشا... لست مطمئنًا أن يطلب منى غدا أن أغير أو أحذف ما كتبت فى التقرير، قال فإن نحن سوينا لك هذا أيضا، قلت لن أستطيع مع ذلك أن أبقى فى منصبى.

وقد أبدى لى خوفه من أن تثير استقالتى الأقاويل، فوعدته بالتزام الصمت، وعدم محاولة إقامة أية صعوبات من جانبى». كشفت تلك الوثيقة جوانب مهمة حول أسباب استقالة محمود بك من رئاسة ديوان المحاسبة، وعلى رأسها ما جاء فى التقرير الذى كان معداً للطبع من تجاوزات تخص شخصية قريبة من الملك فاروق، هو كريم باشا ثابت، وما استولى عليه من أموال تخص مستشفى المواساة، وهو الأمر الذى دفع القصر ممثلا فى حسن باشا يوسف إلى التدخل لحذف ما جاء فى التقرير من كلمات وعبارات تخص كريم باشا. وتضمنت الوثيقة إشارات حول تسهيلات ممنوحة لشركة سعيدة للطيران وثيقة الصلة بالملك فاروق، واكتشاف ديوان المحاسبة حدوث تجاوزات فى ذلك.

 أما فيما يخص يخت المحروسة، فأبدى محمود بك عدم معرفته أى شىء عن هذا الموضوع إذ لم يعرض على ديوان المحاسبة أى مستندات خاصة به. أظهرت الوثيقة تحفظ وزارة النحاس باشا بشأن إصلاح يخت المحروسة، وهو الأمر الذى أثار ضجة فى البرلمان عام ١٩٥٠، موضحة أن محمود بك أثار موضوع تجاوزات حملة فلسطين لدى رئيس الديوان، وأنه يعلم أن مجموعة من كبار موظفى وزارة الحربية والبحرية يحاولون لدى السراى تنحيته عن منصبه بسبب هذا الموضوع. أخطر ما عرضته الوثيقة ذلك الاتفاق بين وزارة النحاس باشا والقصر حول الضغط على محمود بك فى تعديل تقرير ديوان المحاسبة، وهو الدور الذى لعبه فؤاد باشا سراج الدين وحسن يوسف باشا، وقالها مصطفى النحاس باشا صراحة لمحمود بك، وهو الأمر الذى جعل محمود بك يصر على تقديم استقالته خشية أن يجبر على ذلك. صدق حدس فؤاد باشا سراج الدين من أن استقالة محمود بك محمد محمود من رئاسة ديوان المحاسبة سوف تثير الأقاويل والأزمات، وهو الأمر الذى حدث بقيام الشيخ مصطفى بك مرعى من مجلس الشيوخ فى ٨ مايو عام ١٩٥٠ بتقديم استجواب للحكومة حول الأسباب التى دفعت رئيس الديوان إلى تقديم استقالته. وقرر الشيخ مرعى كشف الغموض، والاتصال برئيس الديوان الذى قرر أن سبب استقالته هو التقرير الذى كان يوشك على وضعه، والذى تضمن تجاوزات مالية جسيمة فى بعض القطاعات، ومنه المخصصات الخاصة بحملة فلسطين، وأن هناك سماسرة يعمل بعضهم فى الحكومة المصرية استفادوا من ذلك. قدم مصطفى بك استجوابا للحكومة حول موضوع استقالة رئيس الديوان، ووقف ساعتين يشرح الأمر، وتأزم الموقف، وتقرر تأجيل الرد على الاستجواب إلى يوم ٢٩ مايو ١٩٥٠، وكان ممثل الحكومة فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية آنذاك الذى أعرب عن استعداده للرد على الاستجواب لكن الرد سيطول فطلب إرجاء الأمر. كان الأمر بمثابة مناورة من فؤاد باشا لتفويت الفرصة على صاحب الاستجواب إحضار الرد خاصة أن مصطفى بك سافر فى اليوم التالى إلى أوروبا للاستشفاء، وإن تبين أن سفره كان بعد ذلك بيومين، ولم يحضر رد الحكومة، وتبنى الأمر بعد ذلك النائب إبراهيم مدكور.

كان فؤاد باشا عنيفًا فى إجابته أضعاف ما كان مصطفى بك عنيفًا فى عرضه واستجوابه، وذكر سراج الدين أن سبب استقالة رئيس الديوان ظروف عامة تتصل بعمله، وليس بسبب ملاحظاته على نفقات الحرب من أجل فلسطين. حاول فؤاد باشا أن يوحى للمستمعين أن تأخر وزارة الحربية فى الرد على رئيس ديوان المحاسبة لا يعد سببًا كافيًا لتقديم استقالته، حيث إن هناك آلاف الطلبات لها سنوات ولم يرد عليها بعد فى الهيئات والوزارات المختلفة. تمخضت المناقشات التى دارت أثناء الاستجواب عن ثلاث نتائج فى غاية الخطورة، أولا: أن ديوان المحاسبة لاحظ عدة أخطاء فى الصفقات التى عقدتها لجنة الاحتياجات أثناء حملة فلسطين، وثانيا: أن ملاحظات ديوان المحاسبة أهملت بالرغم من تقديمها إلى وزيرين متعاقبين لوزارة الحربية هما الفريق محمد حيدر ومصطفى نصرت ليضطر رئيس الديوان إلى الاستقالة، أما ثالثا فتمثل فى أن الحكومة سبقت القضاء بقولها إن صفقات السلاح لا غبار عليها. انتهى المجلس من مناقشة الاستجواب بتشكيل هيئة تحقيق، وإحالة الاستجواب إلى لجنة الشؤون الدستورية. أعقب ذلك إبداء الملك فاروق استياءه من هذا الاستجواب والرد عليه، إذ ذكر حسن يوسف رئيس الديوان الملكى بالإنابة وقتها أن الملك استدعاه فى قصر القبة، وقال له إن هذا مظهر من مظاهر التشنيع على رجال الحاشية، وإن ذلك يمسه شخصيا. أصدر الملك فاروق ثلاثة مراسيم ملكية فى ١٧ يونيو ١٩٥٠ عصفت بكيان مجلس الشيوخ، تضمن المرسوم الأول إخراج عدد كبير من المعارضين من مجلس الشيوخ بطريقة تنطوى على اعتداء صارخ على الدستور وعلى رأسهم أحمد باشا لطفى السيد، وإبراهيم باشا عبد الهادى، وحافظ بك رمضان، ومصطفى بك مرعى، فى حين قضى المرسوم الثانى بتعيين أعضاء جدد بدلا منهم، ليسقط المرسوم الثالث رئاسة الدكتور محمد حسين هيكل لمجلس الشيوخ وتعيين على زكى العرابى رئيسًا للمجلس. أثارت تلك القضية الصحفى إحسان عبدالقدوس، الصحفى بمجلة روزاليوسف آنذاك، وبدأ من ١٦ مايو ١٩٥٠بكتابة سلسلة مقالات حول القضية، موجها الاتهامات إلى بعض المسؤولين وسماسرة السلاح أنهم كانوا سبب إلحاق الهزائم بالجيش المصرى فى فلسطين، وأن معظم الذخائر والأسلحة التى حصل عليها الجيش كانت فاسدة حتى أن الجنود والضباط الذين يستخدمون تلك القنابل كانوا أولى ضحاياها حيث تنطلق إلى صدورهم قبل أن تنطلق إلى صدور أعدائهم، وأن العديد من ضباط الجيش استفادوا من عمولات تلك الصفقات فى شراء قصور فى أوروبا. أدت مقالات إحسان عبدالقدوس إلى إثارة الشارع المصرى، مما حدا بوزير الحربية والبحرية والقائد العام الفريق محمد حيدر إلى تقديم بلاغ إلى النيابة العامة للتحقيق مع إحسان عبدالقدوس، الذى استدعى إلى النيابة للإدلاء بأقواله، وتقديم المستندات التى تثبت مزاعمه. قدم عبدالقدوس صورة عقد مبرم بين زوجة الضابط جورج سعد وتاجر الأسلحة عبدالصمد محمد عبدالصمد، وصورة عقد بين وزارة الحربية وشركة أورليكون التى يمثلها النبيل عباس حليم، فتم إحالة القضية إلى النائب العام واللجنة الوزارية التى ألفها وزير الحربية والبحرية. تم القبض على جورج سعد وزوجته مرجريت إبراهيم صليب، كما طلبت النيابة من الحكومة الايطالية القبض على التاجر رودى أبو رجيلة، إلا أنها رفضت وطلبت الاطلاع على التهم المنسوبة إليه، غير أن أبو رجيلة عندما علم بذلك سارع بالعودة إلى مصر، ووضع نفسه رهن التحقيقات.

كما شمل التحقيق فى القضية أفراداً من الحاشية الملكية مثل: حسن عاكف الطيار الخاص للملك، والأميرالاى محمد حلمى حسين، وأنطوان بوللى، وأدمون جهلان. بعد انتهاء التحقيقات قدم ١٣ متهماً إلى المحاكمة وهم: توفيق أحمد باشا وكيل وزارة الحربية والبحرية، واللواء ابراهيم المسيرى بك رئيس لجنة الاحتياجات ومدير سلاح المهندسين، والبكباشى مصطفى شديد بسلاح الأسلحة والمهمات، والنبيل عباس حليم، والصاغ فؤاد محمد عاطف مفتش مفرقعات بقسم الذخيرة وقائد نزل رفح، وأمير البحر أحمد بدر بك قائد عام بحرية الملك بالإسكندرية، والبكباشى جورج إبراهيم سعد أركان حرب سلاح المهندسين ويعمل موظفًا فى مكتب النبيل عباس حلمى فى المساء، والقائم قام عبدالغفار عثمان كبير مفتشى مفرقعات الجيش، والبكباشى حسين مصطفى منصور كبير ضباط مخازن الذخيرة، والتاجر محمود فهمى، والتاجر جوزيف كلوكوترونس، والتاجرعبدالصمد محمد عبدالصمد، والصاغ فؤاد بقطر مفتش المفرقعات بالسلاح البحرى الملكي. كما تم وقف الفريق محمد حيدر والفريق عثمان المهدى عن العمل لحين انتهاء المحاكمة، ووجه للمتهمين عدة تهم منها الاستيلاء على مبلغ ٤.١٢٨.٠٠٠ ملايين دولار امريكى من نقود الحكومة المصرية، منها ٦٥٨.٣٣٦ ألف دولار أمريكى استولى عليها شركة أورليكون السويسرية والنبيل عباس حليم. كما تم توجيه اتهام توريد أسلحة غير صالحة للاستخدام خاصة للمتهم عبدالغفارعثمان الذى اتفق مع الكونت اتور مانزولينى على توريد ٢٥٠.٠٦ ألف قنبلة للجيش المصرى صنعت فى ايطاليا؛ وكذلك المتهم حسين مصطفى منصور الذى اتفق مع السنيور بوجونى اتورى على صنع ذخائر غير مطابقة للمواصفات. أخذت تلك القضية دورتها القضائية، وبعد قيام الثورة تم إحالة القضية إلى المستشار أحمد كامل ثابت الذى نظر القضية فى ٩ ديسمبر ١٩٥٢، وأصدر حكمه فى ١٠ يونيو عام ١٩٥٣، ببراءة كل من: المهندس توفيق احمد باشا، واللواء إبراهيم المسيرى بك، والبكباشى مصطفى شديد، والنبيل عباس حليم، والصاغ فؤاد محمد عاطف، وأمير البحر احمد بدر بك، والبكباشى جورج ابراهيم سعد، والتاجر محمود فهمى، والتاجر جوزيف كلوكوترونس، والتاجر عبدالصمد محمد عبدالصمد، والصاغ فؤاد بقطر. وتغريم القائم قام عبدالغفار عثمان، والبكباشى حسين مصطفى منصور، مائة جنيه لكل منهما بتهمة الإهمال الذى لا يصل إلى حد سوء النية.

 لم تستخدم صفقات تلك الأسلحة فى الحرب فى فلسطين، فيما عدا القنابل الايطالية التى بدأ استعمالها فى الحرب يوم ٣٠ أكتوبر عام ١٩٤٨. ثبت أن مدافع ١٠٥ ملليمتر وذخيرتها التى استوردتها لجنة الاحتياجات، لم ترسل إلى الميدان ولم تستعمل فى العمليات الحربية فى فلسطين، وقد ثبت صلاحيتها، كما أمكن إصلاح المدافع، أما ذخيرتها فقد ثبت صلاحيتها، كما أن صفقة ذخيرة المدافع ٧٥ ملليمتر، لم تستعمل فى العمليات الحربية ولم ترسل إلى ميدان فلسطين. أرجعت التجارب الأسلحة التى انفجرت فى الجنود إلى جهل الجنود للعمر الافتراضى لمواسير المدافع مما أدى إلى انفجارها بعد انتهاء عمرها الافتراضى خلال الاستعمال، كما أن الدبابات لوكاست التى كانت تحترق بأطقمها لم تكن ضمن صفقات الأسلحة. الألغام الأرضية التى لم تكن تنفجر كانت صناعة محلية، وترسل بدون الفتيل خشية انفجارها فى وسيلة النقل، ثم ترسل المتفجرات بعد ذلك، غير أن الجنود كانوا يستخدمونها قبل وصول المفجر، مما افقدها فاعليتها فى إيقاف تسلل اليهود إلى المواقع المصرية. الحقيقة أن تلك الأسلحة لم يكن لها أى تأثير على الجيش المصرى فى حرب فلسطين وهزيمته، وإنما كان للهزيمة أسباب أخري.

 يمكن القول بأن الموضوع قد اتخذ شكلا سياسيا أكثر منه فنيا، وأن أسلوب معالجته فى الصحافة آنذاك كان الهدف منه إثارة الرأى العام، ومن المرجح أن الحكومة سمحت بذلك كنوع من التنفيس، وكنوع من الترضية غير المباشرة للجيش باعتبار أن تلك الأسلحة هى التى هزمته. إن أسطورة الأسلحة الفاسدة التى زرعت بداخلنا ما هى إلا وهم كبير، وأن ما حدث ما هو إلا فساد فى النفوس التى رأت فى هذه المناسبة فرصة للاستيلاء على أموال الشعب والاغتناء على حساب قضية امة بأكملها. إن الوثائق سوف تلعب فى السنين القادمة دورًا فى تصحيح وقائع تاريخية عاشتها بلادنا، سوف تكشف الحقيقة وتعيد لأناس حقهم واحترامنا لهم، وسوف تفضح أناساً آخرين ليعرف الناس من هو العدو ومن هو الصديق.. إعــــــداد : دكتور خالد عزب المشرف على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة محمد السيد حمدى باحث مشروع فى مشروع ذاكرة مصر المعاصرة

This site was last updated 04/05/11