جورج ودولت أبيض

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

جورج أبيض هو المؤسس الفعلى لفن المسرح فى مصر

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتم

Home
Up
جورج أبيض
فاطمة رشدى
نجيب الريحانى
نجيب الريحانى
يوسف وهبى

Hit Counter

 

جورج ودولت أبيض.. نصوص نادرة من زمن القرش والمليم
المصرى اليوم تاريخ العدد الخميس ١٦ ابريل ٢٠٠٩ عدد ١٧٦٨ بقلم سمـير غريـب
جورج أبيض هو المؤسس الفعلى لفن المسرح فى مصر رغم أنه لبنانى، ولد فى بيروت فى ٥ مايو ١٨٨٠. هاجر إلى مصر وهو مراهق سنه ١٨ سنة بعد أن حصل على دبلوم فى التلغراف. لكنه كان يعشق التمثيل. لا نعلم بالضبط لماذا اختار مصر بالذات لهجرته. هل لأنه فهم أنها مكان أفضل لممارسة هوايته فى التمثيل؟ سأندهش لهذا السبب لأن بيروت عرفت المسرح قبل القاهرة حيث قدمت أسرة نقاش (مارون وابن أخيه سليم نقاش) أول مسرحية عربية فى بيروت عام ١٨٤٧.
عمل جورج فى محطة السكك الحديدية فى الإسكندرية قبل أن يشاهده الخديو عباس حلمى الثانى حاكم مصر يمثل فى مسرحية مترجمة عام ١٩٠٤ فيقرر سفره فى بعثة لدراسة التمثيل فى باريس. فالأرجح أنه أتى إلى قدره فى مصر. فى باريس درس التمثيل والإخراج والموسيقى، بل وكون فرقة باسمه وعاد إلى مصر بعد ست سنوات. وبدأ «جوق أبيض» كما أطلق على فرقته فى تقديم مسرحياتها المترجمة والمؤلفة والتى بلغت كما يقال ١٣٠ مسرحية فى ٢٠ عاما، أى بواقع أكثر من ٦ مسرحيات فى العام، وفى بعض الأعوام أكثر من ذلك.
«جوق أبيض»
■ كان من الطبيعى أن يستعين جورج أبيض فى بداية عمله أوائل القرن العشرين فى مصر بفنانين أجانب ومتمصرين. وهنا عقد نادر من العقود التى وقعها جورج بصفته مدير «جوق أبيض» مع الممثلين فى الفرقة فى بدايات عملها. تاريخ العقد ١٦ ديسمبر ١٩١١ والطرف الثانى فيه هو الممثل «أنطون مسابكى». وكانت صياغة العقد تحمل لغة ذلك الزمان.
فهناك تعبير «الحكومة المحلية» للدلالة على الحكومة المصرية لأن مصر كانت مستعمرة بريطانية. وقيمة العقد الإجمالية مقسمة على أقساط تبدأ بنصف قسط لأنه استحق يوم ٣١ ديسمبر بينما وقع العقد فى ١٦ ديسمبر. وعدد الأقساط يدل على فترة العمل كلها وهى ٢٣ شهرا ونصف. ولم يكن التعاقد عن العمل فى مسرحية واحدة محددة، بل يعمل الممثل فيما يطلب منه من تمثيل خلال هذه المدة.
فتعبير القسط هنا بديل لتعبير الراتب الشهرى الذى ربما لم يكن قد استخدم بعد. كما نجد تعبير «غرش صاغ» بدلا من قرش ربما لأن جورج لبنانى، وفى لبنان تأثروا باللغة الفرنسية باللهجة الباريسية التى تقلب الجيم إلى غين خفيفة، فقلبوا القاف إلى غين أيضا. وهناك تفسير آخر لا علاقة له بالفرنسية وهو أن تكون تلك عادة محلية. ففى السودان وجنوب العراق تحول نطق القاف إلى غين. وفى اللهجة المصرية تحولت القاف فى بعض الكلمات الفصحى إلى غين مثل «زغزغ» وأصلها زقزق، ولكنها قليلة.
أما كلمة صاغ فكانت تستخدم إلى فترة قريبة ملازمة للقرش أو بدونه فكنا نقول خمسة قروش صاغ أو خمسة صاغ، وهى كلمة تركية الأصل ربما دخلت مصر فى عصر المماليك أو العثمانيين. وفى الجيش كانت هناك أيضا رتبة «صاغ» وتقابل اليوم «رائد». كما كانت النقود تحسب بالقرش وليس بالجنيه لأن القرش نشأ كعملة فى مصر قبل الجنيه. فقد ولد الجنيه المصرى فى ٢٥ يونيو ١٨٩٨م، بينما بدأ تقييم العملة المصرية بالقرش عام ١٨٣٤م بأمر من محمد على حاكم مصر.
يبدو أن جورج كان ديكتاتورا إلى حد ما لأنه نص فى العقد على قبول الممثل للدور «بدون أى معارضة ما»! وربما كان ذلك عاديا فى بداية فن التمثيل عندنا. لكن جورج يحفظ حق الممثل عندما يقر على نفسه بأنه لا يجوز أن يستغنى عن الممثل قبل انتهاء مدة العقد. لكن من الواضح فى العقد أنه كان قابلا للتجديد تلقائيا ما لم يخطر طرف الآخر بمدة بعدم التجديد. وهنا مدة إخطار الطرف الأول للثانى أقصر بشهر من مدة إخطار الثانى للأول !
وعلى كل حال فهذا هو العقد الأول الذى ينظم أجر الممثل فى حالة مرضه. ولم أقرأ مثل هذا النص فيما تلا من عقود عند آخرين غير جورج أبيض. وقد نظم قانون العمل الخاص أو الفردى مثل هذه الحالات بعد ذلك.
كما نجد فى العقد التالى مصطلح «الجمعيات التمثيلية» لأنه نشأت فى مصر فى بداية عهدها بالمسرح جمعيات لها فرق مسرحية. وجورج أبيض نفسه شارك فى تأسيس عشر من هذه الجمعيات.
على كل حال أخذ المنتجون بنودا من عقود جورج أبيض واستمرت فى جميع العقود الفنية بصياغات متنوعة تحافظ على المضمون ذاته طوال القرن العشرين. وفى الأغلب أن جورج استفاد من صيغ عقود فرنسية عندما كان فى باريس قبل احترافه فى مصر.
بدأ العقد بأن كلا الطرفين من رعايا الحكومة المحلية قد تم الاتفاق بإيجاب وقبول متبادلين على الشروط الآتية:
أولا: قبل الطرف الأول بأن يدفع من خزينة جوق أبيض للطرف الثانى مبلغا وقدره ثمانية عشر ألف وثمانماية غرش صاغ (أى ١٨٨ جنيها وهو مبلغ ضخم لكن هذا العجب يزول عندما نكمل قراءة البند فالمبلغ:) على أقساط عدد ٢٣.٥ ثلاثة وعشرين ونصف كل قسط فى نهاية كل شهر والقسط الأول منها يستحق يوم ٣١ ديسمبر سنة ١٩١١ والقسط قدره ثمانماية غرش صاغ (أى ثمانى جنيهات فى الشهر وهو مبلغ كبير أيضا) وذلك نظير قبول الطرف الثانى الاشتغال بوظيفة ممثل فى الجوق إدارة الطرف الأول.
ثانيا: يتعهد الطرف الثانى بحفظ الأدوار التى تعهد إليه من الإدارة وقبولها بدون أى معارضة ما واتقان تمثيلها ثم تمثيلها فى الليالى التى يحددها الجوق ويتعهد أيضا بالحضور إلى إدارة الجوق فى اوقات البروفات والليالى التمثيلية.
ثالثا: يتعهد الطرف الثانى بعدم الاشتغال بجوق آخر وعدم التمثيل فى الجمعيات التمثيلية إلا بتصريح من الطرف الأول.
رابعا: لا يجوز للطرف الثانى التخلى عن أداء وظيفته قبل انتهاء المدة المتفق عليها ولا يجوز للطرف الأول الاستغناء عن الطرف الثانى قبل انتهاء هذه المدة أيضا.
خامسا: مدة هذا الاتفاق ثلاثة وعشرين شهرا ونصف تبتدئ من يوم ١٦ ديسمبر سنة ١٩١١ وتنتهى فى آخر شهر نوفمبر ١٩١٣.
سادسا: إذا أراد الطرف الثانى عدم تجديد المدة فعليه أن يخبر الطرف الأول بمقتضى رسالة مسجلة بايصال مرتجع قبل انتهاء المدة بثلاثة اشهر ونصف على الأقل. وإذا أراد الطرف الأول عدم التجديد فعليه الاخبار بالطريقة المتقدمة قبل نهاية المدة بشهرين ونصف على الأقل.
سابعا: يتعهد الطرف الأول بوضع نظام عام للجوق يسرى على الجميع يحدد فيه مواعيد حضور الممثلين فى البروفات والليالى التمثيلية وكيفية سير الممثل فى أداء وظيفته وقد قبل الطرف الثانى السير على هذا النظام بحيث لو تأخر عن أداء واجباته من حضور وغيره فى المواعيد المحددة يكون للطرف الأول الحق فى توقيع الجزاءات عليه بمقتضى هذا النظام الذى يمضيه الطرف الثانى.
ثامنا: إذا مرض الطرف الثانى وثبت ذلك من شهادات طبية وعاقه المرض عن أداء وظيفته فعلى الطرف الأول أن يصرف له مرتبه بأكمله مدة شهرين كاملين (قسطين). وفى الشهر الثالث والرابع إذا استمر المرض تصرف له مدة ذلك نصف مرتبهما وبعد ذلك يفسخ العقد وينظر الطرف الأول فى أمره.
تاسعا: إذا تأخر الطرف الأول عن تكوين الجوق أو فضه بعد تكوينه وقبل انتهاء المدة المتفق عليها فيكون ملزما بدفع باقى الاقساط عن كامل المدة.
عاشرا: إذا أخل أحد الطرفين بشرط من شروط هذا العقد فللطرف الآخر الحق فى فسخ العقد مع تعويض قدره ماية جنيه مصرى.
حادى عشر: تكون محكمة عابدين الجزئية هى المختصة فى كل ما يتعلق بهذا العقد حيث يكون حكمها نهائيا فى كل الاحوال.
قد تحررت نسختان من هذا الاتفاق بيد كل طرف نسخة للعمل بموجبه
تحريرا بمصر فى ١٦ ديسمبر سنة ١٩١١».
مصاريف
■ من الوثائق الطريفة هنا أوراق حملت حسابات «جوق جورج أبيض»، مكتوبة بخط يد جميل، وكانت العناية بخط اليد من سمات ذلك الزمان، «مصاريف نثرية شهر ابريل ١٩١٢». فعلى ماذا أنفقت الفرقة وبكم؟ ما يلى مجرد أمثلة من كشف مصروفات الشهر:
المبلغ بالقرش
٣٨٥ مزين بالأوبرا بموجب وصل (أى حلاق داخل دار الأوبرا. والمقصود بالطبع دار الأوبرا القديمة التى كانت فى ميدان الأوبرا وحرقت فى السبعينيات من القرن العشرين، وبنوا مكانها جراجا قميئا. وهكذا بدل الأوبرا جراج، مثلما حلت محال الأحذية محل المكتبات فى وسط القاهرة.
«٢٠ عربات لسليم أبيض للجرائد». ولم أفهم المقصود بذلك. ظننت أن المبلغ إيجار سيارات لشراء صحف لسليم أخو جورج أبيض، لكنى وجدت مبلغا آخر مقابل ٣ ترومواى للجرائد، أى استخدام الترام لشراء الصحف، لذلك استبعدت استخدام سيارة للغرض ذاته. ومن الممكن أن يكون المقصود بعربة للجرائد هى عربة توضع عليها الصحف.
«٨٠ لمطبعة الحجر». وهى المطبعة التى تستخدم الحجر فى الطباعة.
«٨٣ للكهرباء للأوبرا ليلتين». أى ٨٣ قرشا فقط مقابل استهلاك الكهرباء فى دار الأوبرا لليلتين. فكم يدفع مسرح اليوم مقابل استهلاك الكهرباء لليلتين؟؟
«٥٠ سفرية لطنطا لمقابلة أرقش بخصوص التياترو». التياترو يعنى المسرح، فمن «أرقش «؟؟
١٢٤٩ أى حوالى ١٢ جنيها ونصف تحت بند مصروفات رواية لوسى.
١٠ للنشا. وماذا كانوا يفعلون بمادة النشا؟ أذكر أنها كانت تستخدم فى طفولتى كمادة لاصقة.
١٠ عتال لرحمى افندى. والعتال هو الحمال. وقد يكون رحمى أفندى أحد من كانوا يعملون فى الفرقة.
٣٩٠ إلى نقاش الستائر. فهل هو رسام رسم ستائر المسرح؟ أم ترزى ستائر؟؟
٢٧ إلى جورج افندى أبيض. هكذا كانوا يلقبونه. لكن ماذا فعل جورج أفندى بهذا المبلغ ؟؟ لقد حصل عليه لتوجهه للخديو !! يا سلام ! وخديو مصر سنة ١٩١٢ كان هو أيضا عباس حلمى الثانى آخر من حمل لقب خديو، ومن الواضح أنه كان يحب الفن وبخاصة المسرح، وتبنى جورج أبيض.
فهل حصل جورج أبيض على هذا المبلغ من الفرقة لكى يدفع به أجرة سيارة تقله إلى قصر الخديو؟ أم لمجرد أن يدخل على الخديو وجيبه ممتلئ؟! لكن المدهش أنه تكرر فى مصروفات الفرقة عن شهر أبريل ذاته. صرف مبلغ آخر هو ١٠ قروش فقط إلى جورج أفندى أبيض لذهابه إلى الخديو! فلماذا قل المبلغ هذه المرة؟ ومعنى ذلك أيضا أن جورج أفندى كان يذهب إلى الخديو كثيرا. فهل كانوا أصحابا؟ وإلا لماذا تكرر ذهابه إليه؟؟
المبلغ نفسه (١٠ قروش) حصل عليه جورج أفندى لتوجهه إلى محمد باشا سعيد، وكان رئيسا للنظارة وهو مجلس الوزراء حاليا. أى أن المبلغ الذى حصل عليه من الفرقة لمقابلة الخديو، هو ذاته المبلغ الذى حصل عليه لمقابلة رئيس الوزارة.
١٦ وهو المبلغ الذى حصل عليه سليم أبيض لذهابه إلى بائع الصحف ومحل النظارات، وهو أقل من المبلغ الأخير الذى حصل عليه أخوه ليذهب إلى الخديو.. لكن فى الحسابات يتكرر صرف مبالغ لسليم لذهابه إلى محل النظارات!!
١٢ عربات كارو لنقل صناديق. هكذا كانوا ينقلون الأشياء على عربات تجرها الخيول أو الحمير أو البغال وتسمى كارو. وهى ما زالت تسير فى شوارع مصر.

مرتبات الممثلين
■ هناك كشف آخر بمرتبات الممثلين والممثلات فى فرقة جورج أبيض عن شهر مايو ١٩١٢، ولم يكن مقصورا على الممثلين والممثلات، بل ضم الفراشين والميكانيكيين. ومما جاء بالكشف المرتبات التالية:
المبلغ بالقرش
٢٠٠٠ «الست» مريم سماط، تعبير «الست» كان يستخدم ليعنى سيدة مع الاحترام، ومازالت عاملات فى البيوت يستخدمنه حتى اليوم مع صاحبة البيت. وكنا نقول عن أم كلثوم «الست» أيضا. ومن الواضح أن الست مريم كانت الممثلة الأولى لأن هذا المبلغ (٢٠ جنيها) كان أعلى مبلغ. بل لقد حصلت على جنيه زيادة فوقه ومسجل بالكشف.
١٤٠٠ «الست» ابريذ استاكى، وربما كانت ممثلة تركية الأصل.
١٢٠٠ (١٢ جنيها فقط) هذا مرتب الفنان عزيز أفندى عيد، وكان فى بدايته.
١٠٠٠ الست صالحة قاضى.
٨٠٠ استر شطاح، ويبدو من اسمها أنها كانت يهودية.. أرايتم أى عهد كان فى مصر؟! الزمان المتسامح. صاحب الفرقة جورج مسيحى، ومعه الست صالحة مسلمة، واستر يهودية.. أين ذاك الزمان ؟؟؟
٦٠٠ نظلة مزراحى.. وهى من عائلة مزراحى اليهودية، لكن اسم نظلة تركى الأصل، وكان موجودا حتى فى طفولتى فى منفلوط، ولا أعتقد أن هناك من يسمى نظلة اليوم. ونظلة مزراحى كانت ممثلة ومطربة يهودية مثلت وغنت مع زكى مراد فى مسرحية العشرة الطيبة من اقتباس محمد تيمور وإخراج عزيز عيد. وكانت هناك فنانات يهوديات كثيرات فى ذلك العهد فى مصر، مثل الراقصة سرينا إبراهيم، والممثلة صالحة قاصين.

٣٠٠ مرتب بسيونى الفراش
١٧٠ مرتب انطون الميكانيكى.
لدى كشف ثالث أحدث من الكشفين السابقين لمبالغ حصل عليها كثير من الممثلين ومؤرخ فى ٢٧ فبراير ١٩٣٢ وقد وقع كل منهم أمام اسمه. هذا الكشف مكتوب على ورق اتحاد الممثلين وكان عنوانه: «عمارة الرفا نمرة ٢ شارع محمد على». وكعادة ذاك الزمان كانت الأسماء والعناوين تكتب باللغة الفرنسية مع العربية، رغم أن مصر كانت محتلة من الإنجليز. الغريب فى هذا الكشف أنه معتمد من عدد من كبار الفنانين موقعين عليه فى نهاية كل صفحة، ومن هؤلاء الفنانين جورج أبيض وزكى طليمات وأحمد علام ومنسى فهمى.
يبدو أن هذا الكشف تضمن تعديلا بالزيادة فى المبالغ التى حصل عليها الفنانون المذكورون فيه. وهنا أمثلة على ما حصل عليه بعض ممن وردت أسماؤهم بالكشف:
حصل عباس فارس على ٥ جنيهات، ومحمود المليجى على ٣ جنيهات، وزوزو الحكيم على ٤ جنيهات. أما أعلى مبلغ وهو ٦.٥ جنيهات فقد حصلت عليه كل من زينب صدقى، ودولت أبيض.

سينما «هونولولو»
جمعت دولت بين الشمال والجنوب، فأمها من أصل روسى وأبوها صعيدى بلدياتى من أسيوط اسمه حبيب بطرس قصبجى. حملت لقب أبيض بزواجها من جورج أبيض مع أن تقاليد المصريين وبخاصة الصعايدة لا تجيز ذلك. اكتشفها الفنان عزيز عيد عام ١٩١٧ ومثلت لأول مرة فى مسرحية «الكونتيسة». عملت مع نجيب الريحانى قبل أن تنتقل إلى فرقة جورج أبيض.
تبدو خطاباتها هنا المكتوبة بخط اليد مملاة ومسترسلة وتلقائية، ولا تخلو من طرافة، فهى ترسل لمدير شركة بهنا فيلما فى ٣٠ يوليو ١٩٤٧ تشكو من سوء نسخ الأفلام التى ترسلها الشركة لها لتعرضها فى سينما هونولولو، وكانت حديثة العهد. وتستخدم كلمات عامية فى خطابها مثل كلمة «تهزئ» أى سخرية. وكانت تكتب خطاباتها على ورق سينما هونولولو التى كانت تملكها.

تقول فى هذا الخطاب:
«القاهرة فى ٣٠ يوليو سنة ١٩٤٧
حضرة المحترم مدير توزيع شركة بهنا فيلم
بعد التحية - نفيد حضرتكم ان فيلم «ليلة الفرح» الذى عرض بسينما هونولولو فى الاسبوع الماضى من يوم الاثنين الموافق ٢١ يوليو سنة ١٩٤٧. أن النسخه التى استلمناها كانت مستهلكه بشكل فظيع لايمكن عرضها على الماكينات واضطررنا فى آخر الوقت ان نستحضر نسخه آخرى من مكتبكم بمصر حتى امكننا ان نوفق نسخه واحدة من الفيلمين وهذا كان شئ متعب جدا ورغم ذلك لم يكن الشريط كما يجب لعرضه امام الجمهور وحصل من الجمهور تهزئ واحتقار مما لا يشجعنا لعرض فيلم «بياعة التفاح» المحدد لعرضه تاريخ ٤ اغسطس سنة ١٩٤٧ المقبل فنحن إزاء لهذا مضطرين ان نؤجل مواعيد عرض هذه الافلام القديمة إلى ان تفيدونا بأنه لديكم نسخ صالحة للاستعمال لعرضها على الجمهور.
وتفضلوا فائق الاحترام
سينما هونولولو
دولت أبيض
٣٠/٧/١٩٤٧»

■ فى خطاب آخر بتاريخ ٢١/٨/١٩٤٧ تستخدم دولت أبيض مصطلحات أجنبية خاصة بعرض الأفلام مثل «اوبريتر» وهو فنى تشغيل ماكينة عرض الأفلام، و»امورسات». وتتحدث فى الخطاب عن مشاكل رافقت عروض أفلام «ليلة الفرح» و»الورشة» و»تحيا الستات». ويلفت النظر استخدامها تعبير «السينما الناشئة الجديدة» لوصف السينما المصرية، بينما تأسست أول شركة مصرية لدور العرض والتوزيع والإنتاج فى الإسكندرية عام ١٩٠٦ وكان اسمها شركة «عزيز ودوريس».
«القاهرة فى ٢١/٨/١٩٤٧
حضرة المحترم مدير شركة توزيع بهنا فيلم
بعد التحية - سبق ان ارسلنا خطاباً مسجلاً مؤرخاً فى ٣٠-٧-١٩٤٧ وشرحنا لكم متاعبنا فى عرض فيلم «ليلة الفرح» لعدم صلاحيته للعمل وما أدى لنا من تهزئ من الجمهور.
والبارحة أرسل لنا فيلم الورشة وبالكشف عليه وجد انه بدون امورسات ونظراً لضيق الوقت وعرض الفيلم باكراً فاضطر الأوبرايتر القيام بتجربته وتوفيقه بعد انتهاء الحفلات والسهر للساعة الرابعة صباحاً مما يكبدنا مصاريف ومتاعب لاترضون بها. مع الاحاطة بان اشارة فيلم «تحيا الستات» لن تصل مصر حتى يوم الاثنين ١٨ الجارى ميعاد عرض الاشاره مع العلم بان عرض الفيلم تحيا الستات يوم ٢٥ الجارى مما اضطرهم لتسليمنا احد الفصول المرموز بحرف F لتشغيله بدلاً من الاشاره وبالأسف هذا الفصل بدون امورس.
لذلك نأمل ضرورة اخطارنا بأقرب فرصه عما إذا كان لا يوجد من فيلم تحيا الستات نسخه صالحة للاستعمال لاننا لايمكننا عرض فيلمين متتاليين وهما فيلم الورشة وبعده فيلم «تحيا الستات» ويكون الفيلمان غير صالحين للعمل وطبعاً لا يرضيكم بالنسبه لتعاونكم معنا بالنهوض بهذه السينما الناشئة الجديدة.
وتقبلوا فائق الاحترام - سينما هونولولو - دولت أبيض - ٢١/٨/١٩٤٧»

*************************

خمسون‏ ‏عاما‏ ‏علي‏ ‏رحيله‏ ‏وما‏ ‏زال‏ ‏بيننا‏:‏ جورج‏ ‏أبيض‏...‏عملاق‏ ‏المسرح

جريدة وطنى 14/7/2009م  إعداد‏: ‏مريم‏ ‏مسعد‏ ‏صادق

من‏ ‏عجيب‏ ‏الأمر‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏المسرح‏ ‏في‏ ‏بلادنا‏ ‏قبل‏ ‏الجامعة‏,‏وهو‏ ‏الذي‏ ‏عرفنا‏ ‏بروائع‏ ‏الأدب‏ ‏العالمي‏ ‏هكذا‏ ‏تعجب‏ ‏الكاتب‏ ‏توفيق‏ ‏الحكيم‏ ‏من‏ ‏نهضة‏ ‏المسرح‏ ‏سريعا‏ ‏علي‏ ‏يد‏ ‏عملاق‏ ‏المسرح‏ ‏العربي‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏الذي‏ ‏رفع‏ ‏الستار‏ ‏عن‏ ‏فن‏ ‏صادق‏ ‏ومضمون‏ ‏هادف‏,‏وأحيا‏ ‏الروح‏ ‏علي‏ ‏خشبته‏,‏وكرس‏ ‏جهده‏ ‏وماله‏ ‏وكيانه‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏نهضته‏.‏ في‏ ‏عام‏ 1880‏م‏ ‏ولد‏ ‏النجم‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏ببيروت‏ ‏من‏ ‏أسرة‏ ‏متدينة‏ ‏يعمل‏ ‏غالبية‏ ‏أفرادها‏ ‏في‏ ‏المجال‏ ‏الديني‏,‏ونظرا‏ ‏لكونه‏ ‏الابن‏ ‏الأول‏ ‏تلقي‏ ‏جورج‏ ‏من‏ ‏أبويه‏ ‏إلياس‏ ‏وجوليا‏ ‏مهارات‏ ‏الثقة‏ ‏بالنفس‏ ‏وحب‏ ‏الفن‏ ‏والجمال‏,‏فالتحق‏ ‏بمدرسة‏ ‏الفرير‏ ‏والتي‏ ‏أنهي‏ ‏بها‏ ‏مرحلته‏ ‏الدراسية‏ ‏الأولي‏ ‏ثم‏ ‏انتقل‏ ‏لمدرسة‏ ‏الحكمة‏ ‏ببيروت‏ ‏والتي‏ ‏تعلم‏ ‏فيها‏ ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏وأحبها‏ ‏حبا‏ ‏جما‏,‏الأمر‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏له‏ ‏أشد‏ ‏الأثر‏ ‏علي‏ ‏براعته‏ ‏في‏ ‏اللغة‏ ‏التي‏ ‏عشق‏ ‏إلقاءها‏ ‏شعرا‏ ‏ونثرا‏,‏فلم‏ ‏يلبث‏ ‏وأن‏ ‏اجتاز‏ ‏امتحان‏ ‏البكالوريا‏ ‏بنجاح‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏سن‏ ‏السادسة‏ ‏عشر‏,‏حتي‏ ‏قام‏ ‏بتمثيل‏ ‏أولي‏ ‏الأدوار‏ ‏الفعلية‏ ‏في‏ ‏حياته‏ ‏وذلك‏ ‏في‏ ‏الحفل‏ ‏السنوي‏ ‏للخريجين‏ ‏في‏ ‏مدرسته‏,‏والذي‏ ‏أدي‏ ‏فيه‏ ‏دوره‏ ‏ببراعة‏ ‏في‏ ‏مسرحية‏ ‏القروش‏ ‏الحمراء‏,‏فأقبل‏ ‏عليه‏ ‏مدير‏ ‏المدرسة‏ ‏والممثل‏ ‏الفرنسي‏ ‏جان‏ ‏فريج‏ -‏والذي‏ ‏كان‏ ‏يؤدي‏ ‏الدور‏ ‏نفسه‏ ‏علي‏ ‏مسرح‏ ‏باريس‏- ‏ليحيياه‏ ‏علي‏ ‏براعته‏ ‏وإجادته‏ ‏للدور‏,‏وكان‏ ‏لهذا‏ ‏التشجيع‏ ‏أثره‏ ‏في‏ ‏مسامع‏ ‏جورج‏ ‏وحافزا‏ ‏لتحقيق‏ ‏أماله‏,‏فبعد‏ ‏أن‏ ‏أكمل‏ ‏دراسته‏ ‏عين‏ ‏في‏ ‏شركة‏ ‏السكة‏ ‏الحديد‏ ‏ببيروت‏,‏ولكن‏ ‏حلم‏ ‏التمثيل‏ ‏ظل‏ ‏يراوده‏,‏وطنين‏ ‏صافرات‏ ‏البواخر‏ ‏يعزف‏ ‏في‏ ‏أذنه‏ ‏أنشودة‏ ‏الرحيل‏,‏فاستقال‏ ‏جورج‏ ‏من‏ ‏وظيفته‏ ‏وغادر‏ ‏بيروت‏ ‏دون‏ ‏وداع‏ ‏أمه‏,‏قاصدا‏ ‏حلمه‏ ‏والبلد‏ ‏التي‏ ‏عشق‏ ‏لغتها‏ ‏وجمالها‏ ‏وسعي‏ ‏لإبراز‏ ‏فنونها‏ ‏الأصيلة‏.‏ اختار‏ ‏الإسكندرية‏ ‏وطنا‏ ‏ثانيا‏ ‏له‏,‏وبدأ‏ ‏في‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏عمل‏,‏حتي‏ ‏عين‏ ‏ناظرا‏ ‏لمحطة‏ ‏سيدي‏ ‏جابر‏ ‏والتي‏ ‏كانت‏ ‏محطة‏ ‏مصيف‏ ‏الخديوي‏,‏ولكنه‏ ‏لم‏ ‏ينس‏ ‏حلمه‏ ‏فاستخرج‏ ‏بطاقة‏ ‏عضوية‏ ‏من‏ ‏نادي‏ ‏خريجي‏ ‏كلية‏ ‏سان‏ ‏مارك‏ ‏وقدم‏ ‏عليها‏ ‏مسرحية‏ ‏القروش‏ ‏الحمراء‏ ‏للمرة‏ ‏الثانية‏ ‏وسط‏ ‏حشد‏ ‏من‏ ‏ممثلي‏ ‏السفارات‏ ‏الأجنبية‏ ‏والمثقفين‏,‏فتقدم‏ ‏إليه‏ ‏قنصل‏ ‏فرتسا‏ ‏وهنأه‏ ‏علي‏ ‏إجادته‏ ‏للدور‏ ‏وقال‏ ‏له‏: ‏ليست‏ ‏السكك‏ ‏الحديد‏ ‏بالمكان‏ ‏الذي‏ ‏يناسبك‏ ‏أبدا‏,‏وإنما‏ ‏مكانك‏ ‏الحقيقي‏ ‏هناك‏ ‏في‏ ‏كونسرفتوار‏ ‏المسرح‏ ‏بباريس‏,‏فأحيت‏ ‏تلك‏ ‏الكلمات‏ ‏الأمل‏ ‏في‏ ‏نفسه‏,‏وبزغت‏ ‏باريس‏ ‏في‏ ‏نظره‏ ‏المنارة‏ ‏الوحيدة‏ ‏التي‏ ‏تقود‏ ‏سفينته‏ ‏إلي‏ ‏أرض‏ ‏الأحلام‏.‏ وفي‏ ‏غضون‏ ‏تلك‏ ‏الأحلام‏ ‏قام‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏عام‏ 1902 ‏بتكوين‏ ‏فرقة‏ ‏مسرحية‏ ‏من‏ ‏المثقفين‏ ‏من‏ ‏أعضاء‏ ‏النادي‏ ‏الذين‏ ‏كانوا‏ ‏يشاركونه‏ ‏هواياته‏,‏ولم‏ ‏يكتف‏ ‏بذلك‏ ‏بل‏ ‏راح‏ ‏يكتب‏ ‏للخديوي‏ ‏رسالة‏ ‏تحمل‏ ‏في‏ ‏طياتها‏ ‏دور‏ ‏المسرح‏ ‏وأهميته‏ ‏في‏ ‏تقدم‏ ‏لشعوب‏ ‏وحاجة‏ ‏مصر‏ ‏الماسة‏ ‏لمسرح‏ ‏ومدرسة‏ ‏مدعمين‏ ‏من‏ ‏الدولة‏,‏غير‏ ‏أن‏ ‏الخديوي‏ ‏لم‏ ‏يرد‏ ‏علي‏ ‏رسالته‏ ‏وانتظر‏ ‏أبيض‏ ‏عامين‏ ‏دون‏ ‏يأس‏ ‏أو‏ ‏استسلام‏ ‏حتي‏ ‏عام‏ 1904,‏فأرسل‏ ‏للخديوي‏ ‏بطاقة‏ ‏يدعوه‏ ‏فيها‏ ‏لحضور‏ ‏رواية‏ ‏البرج‏ ‏الهائل‏ ‏علي‏ ‏مسرح‏ ‏زيزينيا‏,‏فقابل‏ ‏الخديوي‏ ‏الدعوة‏ ‏بترحيب‏ ‏شديد‏ ‏وجعل‏ ‏المسرحية‏ ‏تحت‏ ‏إشرافه‏ ‏لما‏ ‏لمس‏ ‏في‏ ‏أبيض‏ ‏من‏ ‏موهبة‏,‏فبعد‏ ‏انتهاء‏ ‏المسرحية‏ ‏وإعجاب‏ ‏الخديوي‏ ‏بها‏ ‏أرسله‏ ‏في‏ ‏بعثة‏ ‏إلي‏ ‏باريس‏ ‏ليتعلم‏ ‏فن‏ ‏التمثيل‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏سن‏ ‏العشرين‏,‏فتحقق‏ ‏حلمه‏ ‏أخيرا‏ ‏بعد‏ ‏طول‏ ‏انتظار‏,‏وهناك‏ ‏في‏ ‏باريس‏ ‏استقبله‏ ‏يعقوب‏ ‏صنوع‏ ‏رائد‏ ‏التمثيل‏,‏وأصبحا‏ ‏صديقين‏ ‏حميمين‏ ‏لما‏ ‏في‏ ‏قلوبهما‏ ‏من‏ ‏اشتراك‏ ‏في‏ ‏حب‏ ‏المسرح‏ ‏والوطن‏.‏ فبعد‏ ‏أن‏ ‏اكتسب‏ ‏جورج‏ ‏خبرة‏ ‏واسعة‏ ‏في‏ ‏فنون‏ ‏المسارح‏ ‏بباريس‏ ‏وحصل‏ ‏علي‏ ‏أعلي‏ ‏الشهادات‏ ‏عاد‏ ‏إلي‏ ‏مصر‏ ‏عام‏ 1910 ‏ليجد‏ ‏والدته‏ ‏التي‏ ‏باعت‏ ‏كل‏ ‏ممتلكاتها‏ ‏في‏ ‏بيروت‏ ‏لتستقر‏ ‏معه‏ ‏بالإسكندرية‏,‏وما‏ ‏أن‏ ‏ذاع‏ ‏صيته‏ ‏حتي‏ ‏طلب‏ ‏منه‏ ‏الزعيم‏ ‏الوطني‏ ‏سعد‏ ‏زغلول‏ ‏تمصير‏ ‏المسرح‏ ‏وإحلال‏ ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏محل‏ ‏اللغة‏ ‏الفرنسية‏,‏وتوعية‏ ‏الشارع‏ ‏المصري‏,‏الأمر‏ ‏الذي‏ ‏لاقي‏ ‏قبولا‏ ‏شديدا‏ ‏لدي‏ ‏جورج‏,‏فقد‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏حلما‏ ‏بداخله‏ ‏شجعه‏ ‏سعد‏ ‏زغلول‏ ‏في‏ ‏بزوغه‏ ‏للنور‏,‏فحل‏ ‏جورج‏ ‏فرقته‏ ‏الفرنسية‏ ‏وحل‏ ‏مكانها‏ ‏فرقة‏ ‏مصرية‏ ‏وقدم‏ ‏أول‏ ‏مسرحية‏ ‏شعرية‏ ‏عربية‏ ‏من‏ ‏تأليف‏ ‏شاعر‏ ‏النيل‏ ‏حافظ‏ ‏إبراهيم‏ ‏والتي‏ ‏كانت‏ ‏بعنوان‏ ‏جريح‏ ‏بيروت‏.‏ وتعد‏ ‏تلك‏ ‏هي‏ ‏أولي‏ ‏الخطوات‏ ‏التي‏ ‏نهضت‏ ‏بالمسرح‏,‏ففتحت‏ ‏أبواب‏ ‏الأوبرا‏ ‏للفرق‏ ‏المصرية‏,‏ونظم‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏العمل‏ ‏المسرحي‏ ‏فأنشأ‏ ‏أوركسترا‏,‏وجعل‏ ‏للممثلين‏ ‏رواتب‏ ‏ثابتة‏,‏فولدت‏ ‏الرواية‏ ‏المصرية‏ ‏علي‏ ‏يد‏ ‏أبيض‏ ‏بثوب‏ ‏جديد‏ ‏يعالج‏ ‏عيوب‏ ‏المجتمع‏ ‏في‏ ‏الصميم‏,‏غير‏ ‏مبال‏ ‏بما‏ ‏يتحمله‏ ‏من‏ ‏تكاليف‏ ‏مالية‏,‏فما‏ ‏تقاضاه‏ ‏من‏ ‏ميراثه‏ ‏أشرك‏ ‏أخاه‏ ‏سليم‏ ‏للإشراف‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏المالية‏ ‏والإدارية‏,‏وبفضل‏ ‏تعضيد‏ ‏سعد‏ ‏زغلول‏ ‏وعبد‏ ‏الرازق‏ ‏عنايت‏ ‏أحد‏ ‏الأثرياء‏ ‏ماديا‏ ‏ومعنويا‏,‏استطاع‏ ‏أبيض‏ ‏الدخول‏ ‏إلي‏ ‏المسرح‏ ‏بخطي‏ ‏قوية‏ ‏ثابتة‏.‏ وفي‏ ‏عام‏ 1914 ‏داهمت‏ ‏المسرح‏ ‏أزمة‏ ‏عالمية‏ ‏بسبب‏ ‏نشوب‏ ‏الحرب‏ ‏العالمية‏ ‏الأولي‏,‏والتي‏ ‏علي‏ ‏أثرها‏ ‏اندمجت‏ ‏فرقة‏ ‏سلامة‏ ‏حجازي‏ ‏مع‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏رغم‏ ‏فارق‏ ‏العمر‏ ‏بينهما‏,‏حيث‏ ‏كان‏ ‏جورج‏ ‏أربعة‏ ‏وثلاثين‏ ‏عاما‏,‏وسلامة‏ ‏حجازي‏ ‏ااثنين‏ ‏وستين‏ ‏عاما‏,‏غير‏ ‏أنهما‏ ‏اضطرا‏ ‏للانفصال‏ ‏بسبب‏ ‏ما‏ ‏اعترض‏ ‏الفرقة‏ ‏من‏ ‏عقبات‏,‏ثم‏ ‏اندلعت‏ ‏ثورة‏ 1919 ‏وتوقفت‏ ‏جميع‏ ‏المسارح‏ ‏عن‏ ‏التمثيل‏ ‏مشاركة‏ ‏في‏ ‏الثورة‏ ‏الوطنية‏.‏ وفي‏ ‏أوائل‏ ‏العشرينيات‏ ‏ذهب‏ ‏جورج‏ ‏مع‏ ‏فرقته‏ ‏إلي‏ ‏تونس‏,‏فطلبت‏ ‏منه‏ ‏جمعية‏ ‏الأدباء‏ ‏بتونس‏ ‏أن‏ ‏ينشئ‏ ‏لها‏ ‏مسرحا‏ ‏تونسيا‏,‏ويشرف‏ ‏عليه‏ ‏مدة‏ ‏عام‏ ‏ونصف‏,‏فعادت‏ ‏الفرقة‏ ‏إلي‏ ‏القاهرة‏,‏واستمر‏ ‏جورج‏ ‏بتونس‏ ‏مدة‏ ‏عام‏ ‏ونصف‏ ‏أنشأ‏ ‏خلالها‏ ‏أول‏ ‏معهد‏ ‏لفن‏ ‏المسرح‏ ‏بتونس‏,‏وما‏ ‏أن‏ ‏عاد‏ ‏إلي‏ ‏مصر‏ ‏حتي‏ ‏اعترضته‏ ‏موجة‏ ‏من‏ ‏الحزن‏ ‏والاكتئاب‏ ‏لوفاة‏ ‏أصدقائه‏ ‏محمود‏ ‏تيمور‏ ‏وفرح‏ ‏أنطوان‏ ‏وملكة‏ ‏المسرح‏ ‏سارة‏ ‏برنر‏,‏واشتد‏ ‏حزنه‏ ‏لفراق‏ ‏صديقه‏ ‏سيد‏ ‏درويش‏ ‏والذي‏ ‏لحن‏ ‏له‏ ‏أول‏ ‏أوبريت‏ ‏مصري‏ ‏فيروز‏ ‏شاه‏,‏غير‏ ‏أن‏ ‏تلك‏ ‏الأحزان‏ ‏جعلته‏ ‏يفكر‏ ‏في‏ ‏حياته‏ ‏الخاصة‏ ‏والزواج‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏سن‏ ‏الثالثة‏ ‏والأربعين‏,‏فتزوج‏ ‏من‏ ‏زميلته‏ ‏في‏ ‏المسرح‏ ‏دولت‏ ‏أبيض‏,‏وما‏ ‏أن‏ ‏وافقت‏ ‏حتي‏ ‏هرب‏ ‏الاثنان‏ ‏من‏ ‏المشاكل‏ ‏العائلية‏ ‏الخاصة‏,‏واتفقا‏ ‏علي‏ ‏إتمام‏ ‏مراسم‏ ‏الزواج‏ ‏في‏ ‏سرية‏ ‏تامة‏ ‏خارج‏ ‏مصر‏ ‏في‏ ‏بيروت‏,‏وتمكنا‏ ‏بصعوبة‏ ‏من‏ ‏الزواج‏ ‏إذ‏ ‏أن‏ ‏الكنيسة‏ ‏المارونية‏ ‏التابعة‏ ‏للفاتيكان‏ ‏لا‏ ‏تعترف‏ ‏بالطلاق‏ ‏الذي‏ ‏حصلت‏ ‏عليه‏ ‏دولت‏ ‏من‏ ‏زوجها‏ ‏السابق‏ ‏من‏ ‏الكنيسة‏ ‏القبطية‏ ‏الأرثوذكسية‏,‏غير‏ ‏أنهما‏ ‏تزوجا‏ ‏ببيروت‏ ‏وباركهما‏ ‏مطران‏ ‏الروم‏ ‏الأرثوذكس‏,‏وفي‏ ‏عام‏ 1926 ‏رزقا‏ ‏بابنتهما‏ ‏سعاد‏.‏ وما‏ ‏أن‏ ‏تزوجا‏ ‏حتي‏ ‏انضمت‏ ‏دولت‏ ‏لفرقة‏ ‏أبيض‏ ‏والتي‏ ‏كانت‏ ‏مؤلفة‏ ‏من‏ ‏حسين‏ ‏رياض‏ ‏وعباس‏ ‏فارس‏,‏والعمالقة‏ ‏روز‏ ‏اليوسف‏ ‏والتي‏ ‏أظهرت‏ ‏مواهبها‏ ‏في‏ ‏مسرحية‏ ‏الممثل‏ ‏كين‏ ‏إخراج‏ ‏عزيز‏ ‏عيد‏,‏وارتفعت‏ ‏فيها‏ ‏روز‏ ‏إلي‏ ‏مصاف‏ ‏ملكات‏ ‏المسرح‏.‏ ولم‏ ‏تستمر‏ ‏فرحة‏ ‏جورج‏ ‏بالاستقرار‏ ‏والزواج‏ ‏طويلا‏ ‏حتي‏ ‏داهمه‏ ‏المرض‏ ‏ولكنه‏ ‏لم‏ ‏يعبأ‏ ‏به‏ ‏بل‏ ‏راح‏ ‏يعمل‏ ‏بحماس‏ ‏وإصرار‏ ‏علي‏ ‏أداء‏ ‏رسالته‏,‏ففي‏ ‏عام‏ 1930 ‏جاء‏ ‏لزيارته‏ ‏زكي‏ ‏طليمات‏ ‏الذي‏ ‏أعاد‏ ‏لذهنه‏ ‏فكرة‏ ‏إنشاء‏ ‏معهد‏ ‏للتمثيل‏,‏فتحمس‏ ‏جورج‏ ‏وتقدم‏ ‏بطلب‏ ‏لوزير‏ ‏المعارف‏ ‏والذي‏ ‏وافق‏ ‏علي‏ ‏إنشائه‏ ‏وعين‏ ‏طليمات‏ ‏مديرا‏ ‏له‏ ‏بتعضيد‏ ‏من‏ ‏جورج‏,‏وبزغت‏ ‏منه‏ ‏الفرقة‏ ‏المصرية‏ ‏الحكومية‏ ‏عام‏ 1935 ‏والتي‏ ‏تقرر‏ ‏إعانتها‏ ‏سنويا‏ ‏بعد‏ ‏كفاح‏ ‏ومثابرة‏ ‏داما‏ ‏ثلاثة‏ ‏وعشرين‏ ‏عاما‏ ‏منذ‏ ‏تكوينه‏ ‏الفرقة‏ ‏العربية‏ ‏في‏ 1912.‏ هكذا‏ ‏آمن‏ ‏جورج‏ ‏بالفن‏ ‏الرفيع‏ ‏قائلا‏ ‏دوما‏: ‏إن‏ ‏المسرح‏ ‏هو‏ ‏جماعة‏ ‏الشعب‏,‏الجماعة‏ ‏التي‏ ‏ترفع‏ ‏مستوي‏ ‏المتفرجين‏ ‏ولا‏ ‏تتملقهم‏,‏وفي‏ ‏عام‏ 1943 ‏تأسست‏ ‏نقابة‏ ‏ممثلي‏ ‏المسرح‏ ‏والسينما‏ ‏بالقاهرة‏,‏وانتخب‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏أول‏ ‏نقيب‏ ‏لها‏ ‏بإجمالي‏ ‏الأصوات‏ ‏والريحاني‏ ‏وكيلا‏ ‏أول‏ ‏وحسين‏ ‏رياض‏ ‏وكيلا‏ ‏ثانيا‏.‏ ونظرا‏ ‏لجهودة‏ ‏المتوالية‏ ‏في‏ ‏النهوض‏ ‏بالعمل‏ ‏المسرحي‏ ‏وكتابة‏ ‏المسرحيات‏ ‏باللغة‏ ‏العربية‏ ‏الفصحي‏ ‏وتحاشي‏ ‏الألفاظ‏ ‏الركيكة‏ ‏والكلمات‏ ‏المبتذلة‏ ‏والنكت‏ ‏الفاضحة‏,‏وارتفاعه‏ ‏بالتراجيديا‏ ‏الكلاسيكية‏ ‏إلي‏ ‏القمة‏,‏كرمه‏ ‏الملك‏ ‏في‏ ‏الاحتفال‏ ‏باليوبيل‏ ‏الماسي‏ ‏لدار‏ ‏الأوبرا‏ ‏عام‏ 1945,‏حيث‏ ‏استدعاه‏ ‏بمقصورته‏ ‏بالإضافة‏ ‏إلي‏ ‏يوسف‏ ‏وهبي‏ ‏وسليمان‏ ‏نجيب‏,‏ومنح‏ ‏أبيض‏ ‏رتبة‏ ‏الباكوية‏ ‏من‏ ‏الدرجة‏ ‏الأولي‏ ‏ويوسف‏ ‏وهبي‏ ‏وسليمان‏ ‏نجيب‏ ‏رتبة‏ ‏الباكوية‏ ‏من‏ ‏الدرجة‏ ‏الثانية‏,‏وفي‏ ‏عام‏ 1948 ‏احتفل‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏مع‏ ‏زوجته‏ ‏دولت‏ ‏بزفاف‏ ‏ابنتهما‏ ‏سعاد‏ ‏علي‏ ‏عبد‏ ‏الحميد‏ ‏فؤاد‏ ‏مفتش‏ ‏المباحث‏ ‏الجنائية‏ ‏بوزارة‏ ‏الداخلية‏ ‏وذلك‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أشهروا‏ ‏جميعا‏ ‏إسلامهم‏.‏ وفي‏ ‏عام‏ 1952 ‏عين‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏مديرا‏ ‏للفرقة‏ ‏المصرية‏ ‏ولكنه‏ ‏لم‏ ‏يستمر‏ ‏في‏ ‏منصبه‏ ‏طويلا‏ ‏وذلك‏ ‏بأمر‏ ‏من‏ ‏الأطباء‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تدهورت‏ ‏حالته‏ ‏الصحية‏,‏فرشح‏ ‏يوسف‏ ‏وهبي‏ ‏خلفا‏ ‏له‏.‏ واستمرت‏ ‏حالته‏ ‏تتدهور‏,‏ولكنه‏ ‏لم‏ ‏يبال‏ ‏بهذا‏ ‏لما‏ ‏في‏ ‏قلبه‏ ‏من‏ ‏عشق‏ ‏للمسرح‏ ‏والفنون‏,‏فظل‏ ‏حتي‏ ‏النفس‏ ‏الأخير‏ ‏يقوم‏ ‏بمهامه‏ ‏في‏ ‏التدريس‏ ‏بنشاط‏ ‏ملحوظ‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏المرض‏ ‏يمزق‏ ‏جسده‏ ‏ألما‏,‏حتي‏ ‏رحل‏ ‏بجسده‏ ‏وإن‏ ‏ظل‏ ‏فنه‏ ‏حيا‏ ‏في‏ ‏قلوب‏ ‏عاشقيه‏,‏فحزنت‏ ‏مصر‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏رحيل‏ ‏رائدها‏ ‏المسرحي‏,‏واشتركت‏ ‏الدول‏ ‏والفنانون‏ ‏والجماهير‏ ‏في‏ ‏توديعه‏ ‏وكرمته‏ ‏الدولة‏ ‏بأن‏ ‏أقامت‏ ‏له‏ ‏تمثالا‏ ‏نصفيا‏ ‏في‏ ‏المعهد‏ ‏العالي‏ ‏للفنون‏ ‏المسرحية‏,‏وتمثالا‏ ‏آخر‏ ‏في‏ ‏المسرح‏ ‏القومي‏,‏وفي‏ ‏عام‏ 1972 ‏قامت‏ ‏وزارة‏ ‏الثقافة‏ ‏بتسمية‏ ‏مسرح‏ ‏الأزبكية‏ ‏بمسرح‏ ‏جورج‏ ‏أبيض‏ ‏ضمن‏ ‏تكريم‏ ‏الدولة‏ ‏لأسماء‏ ‏روادها‏.‏

This site was last updated 07/14/09