أوغسطس قيصر

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الإمبراطور الرومانى أوغسطس قيصر الذى ولد فى أيامه السيد المسيح

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
اكتتاب الوالى كيرينيوس
هيرودس الكبير

 

أوغسطس (27 ق . م  - 14 م ) 'Augustus' Gaius Julius Octavius  63 BC - AD 14)

ينتمى أوغسطس قيصر إلى فترة من الحكم سميت تاريخيا بفترة السلالة اليوليوكلودية ( التى إمتدت من أوغسطس حتى نيرون) (27 ق. م - 68 م )  وهو أول من حول نظام الحكم فى روما من الجمهورية للإمبراطورية وكان هو أول إمبراطورا لهذه الفترة  حكم الإمبراطورية الرومانية من 27 يناير عام 27 ق.م حتى وفاته في 19 أغسطس عام 14 م.

وأسمه كاملاً جايوس يوليوس قيصر أغسطس (23 سبتمبر 63 ق.م - 19 أغسطس 14 م) حمل هذا الإمبراطور أسماء مختلفة، لهذا إستقرت المصادر التاريخية أن تسمى بأسم أوكتافيوس عند الإشارة إلى الفترة بين 63 ق.م و44 ق.م أوكتافيان عند الإشارة إلى الفترة بين 44 ق.م و27 ق.م وأغسطس عند الإشارة إلى فترة إمبراطوريته.

 

 ولد فى عائلة جايوس أوكتافيوس ثورينوس وهى أسرة إهتمت بالفروسية  كان والده جايوس أوكتافيوس هو الأول فى اسرته الذى يصبح عضوا في مجلس الشيوخ ولكنه توفي عندما كان أوكتافيان أربعة سنين فقط وكانت والدته لها إتصالات وعلاقات متميزة  لأنها كانت ابنة جوليا شقيقة ليوليوس قيصر.

وكان أوغسطس قصير القامة وسيم ولكنه كان يمتلك تلك المناورة والخطابة التى تميز بها حكام روما  وقد عانى من أسنانه وكانت عموما من صحة ضعيفة. وكان جسده مغطى بالعديد من الوحمات المنتشرة فوق صدره والبطن والتى كانت تعتبر علامات للمستقبل فى الأزمنة القديمة

أما بالنسبة لشخصيته فقد ذكر عنه أنه كان قاسيا فى شبابه لكنه أصبح معتدلا في وقت لاحق. هذا لأنه أصبح يشغل وظائف أكثر أمنا، والحاجة إلى وحشية قلت ولكن مع إعتداله كان لا يزال على استعداد ليتحول فلا يرحم عند الضرورة وكان متسامح من الانتقادات يمتلك روح الدعابة وكان لها ولع خاص للعب النرد، ولكن كثيرا ما تقدم ضيوفه مع المال لوضع الرهانات.

على الرغم من أن غير مخلص لزوجته ليفيا دروسيلا  Livia Drusilla  إلا انه لا يزال يكرس نفسه بشدة لها فى تحقيق رغباتها وطلباتها  وكانت له مواقف أخلاقية صارمة (ومما يذكر أنه قد تم تعيينه بونتيفكس (كاهن) في سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة) وليبرهن على عدله وأخلاقياته أمر بنفى ابنته وحفيدته من أبنه وكلاهما تدعى جوليا، حتى لا يكون ضد مبادئه الأخلاقية

خدم أوكتافيان تحت رئاسة الإمبراطور يوليوس قيصر في البعثة العسكرية لأسبانيا  46 قبل الميلاد على الرغم من ضعف صحته . وكان من ضمن القيادة العسكرية العليا في وضع الخطط لبعثة قيصر البارثيين سنة 44 قبل الميلاد، على الرغم من أنه لم يبلغ في هذا الوقت الحالي 18 سنة.

وكان أوكتافيوا مع أصدقائه ماركوس أغريبا وماركوس سالفدينوس  روفوس Marcus Agrippa and Marcus Salvidienus Rufus في أبولونيا بـ إبيروس يستكملون دراساتهم الأكاديمية والعسكرية، عندما وصلت أنباء لهم عن اغتيال قيصر. بعد خلاف خاله يوليوس قيصر مع مجلس الشيوخ الروماني وحروبه مع بومبي قرر أربعين من مجلس الشيوخ إغتيال قيصر كلهم بضربه بالخناجر واغتياله وكان آخرهم بروتوس الذلا كان صديقا حميما ليوليوس عندشذ قال يوليوس قيصر وهو يموت على يد صديقه : حتى أنت يا بروتس !!!

بعد ساعات من دفنه عمت الاضطرابات في المدينة التي يسكنها أكثر من مليون شخص، وأصبحت روما أسيرة الفوضى، انطلق مارك أنطونيو صديق القيصر الحميم والذي يليه في القيادة لوقف أعمال الشغب ثم حمل عباءته فوق رأس القيصر ودعا للانتقام. مما أُجبر قتلة القيصر على الهرب من روما، تسلم مارك أنطونيو زمام الحكم بأكمله في روما، وكان يتوقع أن تمنحه وصية القيصر السلطة والشهرة اللتين يحتاجهما كي يتمكن من الحكم، ولكن عند قراءة الوصية على مسامع مواطني روما إتضح أن غالبية أملاك القيصر ولقبه لم تُترك له بل إلى قريب له مغمور ولا يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا هو "جايوس أوكتافيو" مما وضع مارك أنتونى فى موقف صعب

وقرر جايوس أوكتافيو العودة إلى روما وفى أثناء عودته  علم أن القيصر المقتول تبناه فى وصيته مما يعنى أحقيته فى ميراثه طبقا القوانين والتقاليد الرومانية لا شك أن هذا فقط زاد من رغبته للانتقام ممن قتل قيصر الذى كان خال والدته وكان يعده ليخلفه  مما جعله نبيلاً من نبلاء روما مما مكنه من مزاولة العمل السياسي وحسم أمره للعودة إلى روما كي يطالب بميراثه الخطير فانطلق يبحر نحو إيطاليا وبعد أسبوع من ذلك رست سفينته سرًا في ميناء إلى الشرق من روما.

وعندما وصل وجد أوكتافيان إلى روما وجد السلطة في أيدي من مارك أنتوني وأمسليوس ليبيدوس.   Mark Antony and Aemilius Lepidus. وكانوا يطلبون العفو.

كانت ملامح أنطونيو توحي بالشهامة والنبل كانت جبهته عريضة وكان طويل الأنف ما منح شكله شيئًا من الرجولة لم ينزعج أنطونيو لوصول أوكتافيو فقد كان يكبر أوكتافيو بعشرين عامًا وهو عضو ناجح في مجلس الشيوخ،

جاءت المواجهة حتمية في حديقة بومباي حين وجد "أوكتافيو" نفسه يعامل بشيء من الرعاية من قبل أنطونيو، كان أنطونيو في بداية الأمر يميل إلى الاستخفاف بأوكتافيو وبذل كل ما بوسعه لإهانته فعامله على أنه مجرد طفل.

  وعندما فشل في إقناع مارك أنتوني لتسليم اصول ووثائق قيصر اضطر أوكتافيوا لتوزيع تركات قيصر للجمهور الروماني من أموال مما أدى إلى رفع صورته بين السياسيين والشعب الرومانى إلى حد كبير وبواسطة حزمة  فى أمر التركة وثقته فى نفسه وإصراره سرعان ما نجح في الفوز بالعديد من أنصار قيصر لجأ أوكتافيو إلى مواطني روما الأكثر صلابة، وطلب الدعم بسرعة من أعضاء مجلس الشيوخ الذين كانوا يعارضون أنطونيو، وبتصرف مشحون بالمعاني السياسية غير اسمه ليصبح "يوليوس قيصر أوكتافيو" حتى أنه أصدر قطعة نقدية تجمع بين رأسه ورأس يوليوس وكتب عليها القيصر وابن القيصر.
وأصبحت سيطرة أنطونيو على روما محل شك وبعد أن استخف بذلك الشاب عمل على استعادة قدره فقرر أنطونيو الخروج مع فرقه المخلصة لمواجهة قتلة القيصر في شمال إيطاليا ولكنها كانت أوقاتًا حرجة وروما تنتشر فيها الفوضى وعدم الإستقرار غادر أنطونيو  روما انتهز أوكتافيو فرصة وجود خلافات حادة بين أعضاء مجلس الشيوخ نتيجة تورط الكثيرين في مقتل سلفه وظن شيشرون رئيس مجلس الشيوخ أن اوكتافيوا طوع يديه  وتمكن من إقناع ما يكفي من أعضاء مجلس الشيوخ بأن أطماع أنطونيو السياسية تشكل خطرًا على أمنهم. وبدأ أنطونيوا يحشد الدعم والمؤنات بموافقة مجلس الشيوخ بعد أن منحه مجلس الشيوخ السلطة باستخدام القوة ضد أنطونيو وهكذا استخدم أوكتافيو ما ما تبقى ثروات القيصر الطائلة واشترى لنفسه جيشًا، عندما التقى المتنافسان على السلطة في  المطينة  (43 قبل الميلاد)  Mutina شمال إيطاليا بدأت المعركة إلا أن جيوش أنطونيو لم تكن ترغب بمقاتلة رفاقهم في السلاح فتحولت المعركة إلى هزيمة لحقت بأنطونيو وأجبر على التراجع إلى اليونان. وأظهرت نتائج الحرب قوة أوكتافيان الشاب وأدت ايضا إلى فقدان شيشرون السيطرة عليه . وحدث أن اثنين من قناصل روما قتلوا في المعركة، وفي آب 43 قبل الميلاد ومع هذا كان أنطونيو لا يزال يشكل قوة هائلة ولاحظ الفريقان أنهما فقط بالعمل معًا يمكن أن يحولا دون وقوع حرب أهلية أخرى
فاتفقا على جمع قواتهما وتجميع تحالفهما بين ليلة وضحاها ظهرت لوائح لمعارضيهما تزيد على أربعمائة سيناتور وألفي مالك للأراضي على طول روما وعرضها، كل من ظهر اسمه على اللائحة كان محكومًا بالموت، لم يكن هنا استئناف ولا محاكمات وكانت جميع الممتلكات مصادرة.
وحدهم الذين رأوا اللائحة قبل وصول الوحدات إليهم سارعوا إلى بيوتهم للانتحار فهكذا فقط يمكنهم الاحتفاظ بممتلكاتهم لأولادهم، وساد السلام في روما بعد أن قتل أعدائها المباشرون، بعد أن أصبح قتلة القيصر يمثلون التهديد الوحيد للقوة الديكتاتورية الجديدة خرج أنطونيو وأوكتافيو من المدينة على رأس جيش بلغ عدده مئات الآلاف من الجنود مصرين على النيل من بروتوس وكاسيوس، فعثروا عليهما في خراج بلدة فيليب الصغيرة، حُسمت المعركة.
عندما حشد أنطونيو قواته وسحق آخر مؤيدي الجمهورية القديمة، بعد أن تمكن تحالفهما من تحقيق أهدافه اتفق أوكتافيو وأنطونيو على تقسيم الجمهورية إلى جزئين  في معاهدة Brundisium يجعل أنطونيو من أثينا عاصمة له فيسيطر على الولايات الشرقية في حين يسيطر أوكتافيو على المحافظات الغربية ومدينة روما، مع وصول أوكتافيو إلى روما أمل أبنائها بأن يعم السلام أخيرًا هناك بعد أن تنسى المدينة عملية قتل القيصر.

إتفق أوكتافيوا ومارك أنتوني االمنتصرين في فيلبي اتفاقا جديدا في اكتوبر تشرين الاول 40 قبل الميلاد. فقسموا الإمبراطورية الرومانية بينهما، أنتوني حكم الشرق، أوكتافيان الغرب. أما الرجل الثالث، يبيدس، فلم يعد شريكا على قدم المساواة. ولذلك اضطروا لإعطائه أفقر مناطق الإمبراطورية الرومانية فحكم مقاطعة أفريقيا وذلك حتى يستمر اتفاقهما السابق قائما ولضمان إستمرارية الإتفاق وتوثيقه تزوج  مارك أنتوني شقيقة اوكتافيا. لكنه لم يدم الزواج مدة طويلة حتى تخلي أنتوني عنها وعاد إلى عشيقته كليوباترا.

 سار أوكتافيوا إلى روما وأجبر مجلس الشيوخ لتنصيبه فى منصب القنصل وبذلك أصبح يسمى رسمياً جايوس يوليوس قيصر . في 27 ق.م، منحه مجلس الشيوخ لقب أغسطس الذي يعني "المقدس"، فأصبح أسمه جايوس يوليوس قيصر أغسطس . ثلاثة أشهر بعد ذلك التقى مع أنطونيو ويبيدس في بولونيا وأتفق الثلاثة على حكم روما ثلاثيا . هذا الاتفاق بين ثلاثة أقوى رجال فى روما أدى إلى إضعاف مجلس الشيوخ وإقصاؤه من القوة

ثم تزايدت قوة يوليوس قيصر بواسطة تأليهه في مطلع عام 42 ق. وبهذا لم يعد يتعامل مع روما بإسم أوكتافيوا  وأصر على أن يطلق قيصر أى " المقدس"  وانه نصب نفسه الآن باسم 'DIVI filius' - 'ابن الإلهة'.  كما إتخذ مارك أنطونيو لنفسه لقب ("المواطن الأول") وقبوله لقب أغسطس من مجلس الشيوخ. وكأغسطس قيصر, فكان سيحتفظ بكل سلطات وتشريفات الجمهورية المستعادة، إلا أن العديد من المؤرخين رأوا استجماعه للسلطة واتخاذه الألقاب التشريفية بعد ذلك النابعة من انتصاره في أكتيوم كنهاية للجمهورية الرومانية وبداية الامبراطورية الرومانية.
وبينما كان نجم أوكتافيوا الذى أصبح قيصر فى روما يزيد كان مارك أنتونى أسبر حب كيلوباترا التي كانت يومًا خليلة ليوليوس قيصر روما السابق ، أما اليوم فقد أصبحت حاكمة ناجحة على مصر

كان لشخصية كليوپاترا جاذبية كبيرة، كانت من سلالة اليونانيين الذين غزوا مصر وتحولت مصر إلى سلة القمح للرومان، فقد كان النيل يطعم ولايات  روما الشاسعة. وقد تمكن المصريون قبل بضعة قرون من تطوير سبل الري ما جعل منها مصدر الغذاء في العالم، طالما بقي قادة مصر تحت سلطة الرومان كانت روما تشعر بالأمان، أما اليوم فقد جلس الأمير الصغير "قيصريون" ابن كليوباترا من يوليوس قيصر إلى جانبها على عرش مصر.
وبلغ طموح كيلوباترا انها كانت تريد حكم روما من خلال إبنها قيصريون فكانت تطالب بلقب وسلطة القيصر، طالما بقيت كليوباترا على قيد الحياة كان هناك تهديد جدي لسلطات أنطونيو وأوكتافيو في أثينا وروما على التوالي، وجد أنطونيو فرصة سانحة لاستخدام كليوباترا في مصلحته فالتقيا في مركب وكان لهذا اللقاء أثر كبير في عالم الرومان، وجدت كليوباترا نفسها تنشئ سلالة إغريقية رومانية جديدة تعيد فيها بناء إمبراطورية الإسكندر والفراعنة. اعتقد أنطونيو أن علاقته مع كليوباترا ستمنحه قوة أكبر للمطالبة بلقب وسلالة القيصر.
حملة اوكتاڤيو الدعائية

إستغل اوكتاڤيو تحالف أنطونيو الجديد كذريعة لإعلان الحرب، فسعى لإزالة الدعم عن أنطونيو عبر حملة إعلامية أثيمة عززت خوف روما القديم من مصر. وادعى بأن مصر كانت بلادًا للشعوذة والسحر الأسود حيث يُقدم البشر قربانًا وتتم أفعال يعجز اللسان عن شرحها، أوقف مباريات في ملاعب حاشدة ليكيل التهم لخصمه مارك أنطونيو واستخدم أهم الشعراء المعاصرين لتكوين صورة عن مارك أنطونيو وكأنه هرقل مهزوم والمحارب الذي أذلته الهزيمة الساحقة وحرمته من إنسانيته ومن روحه. وبهذا أسس أوكتافيو أنجح حملة سياسية وإعلامية في التاريخ ، بعد أسابيع كانت حشود الناس تدعوه لإعلان الحرب على مصر، وإستطاع طرد مؤيدو أنطونيو في مجلس الشيوخ وأجبرهم على الرحيل رغم أنهم كانوا يشكلون ما يزيد عن نصف المقاعد، وأوكتافيو الذى تعلم الخطط الحربية لم يخاطر بحرب على الأراضي الإيطالية فأراد أن يقاتل أنطونيو في منطقة يختارها بنفسه.
معركة أكتيوم

معركة أكتيوم ي البحر الأيوني بالقرب من المستعمرة الرومانية أكتيوم في اليونان كانت آخر حروب الجمهورية الرومانية بين قوات اوكتاڤيان ضد القوات المشتركة لكل من مارك أنطونيو وكليوپاترا. وقد نشبت في 2 سبتمبر 31 ق.م.، ف أسطول اوكتاڤيان كان يقوده ماركوس ڤيپسانيوس أگريپـّا, بينما أسطول أنطونيو كان مدعوماً من أسطول خليلته كليوپاترا السابعة ملكة مصر البطلمية.
أسطول اوكتاڤيو
سنوات الحرب الأهلية فى روما وهجمات القراصنة حرمت روما من بحريتها الفعالة استخدم أوكتافيو بحيرة بركانية محمية خارج ناپولي  بدأ فيها بإنشاء أسطوله الكبير .حتى يبنى أسطول يتناسب مع أسطول أنطونيو وكليوباترا،  وكان عندما ينتهي من بناء السفن وتدريب طواقمها حتى ينزلها عبر قناة تفصلها عن البحر بأقل من نصف ميل واحد،
أسطول أنطونيو وكليوپاترا
وفي الطرف الآخر كان أنطونيو وكيلوباترا يحثان آلاف الرجال فى الإسكندرية وأثينا على العمل الجاد يجهزان بناء جيوشهما وأساطيلهما الخاصة أيضًا.
وكانت مصر في هذا الحين تعرف بأنها صاحبة واحد من أهم حضارات بناء السفن. وكانت سفن كليوپاترا ومارك أنطونيو في معظمها خماسية المجاديف  ضخمة بناطحات هائلة زنة كل ناطح نحو 3 أطنان. مقدمات القوادس كانت مصفحة بصفائح البرونز وأجذاع شجر مقطعة بشكل مربع, مما يجعل من الصعوبة أن تنطحهم بنجاح ناطحات مشابهة.
وكانت مغ أنطونيو قوة من الجيش الرومانى  تبلغ تسعين ألف رجل ما جعلهما يثقان بالنصر الأكيد، حصل هذا قبل عامين من المواجهة النهائية بين الطرفين في شهر مجاعة البحر، وأقام أنطونيو قاعدة له في بلدة صغيرة تعرف بأكتيوم، وبلغ الخبر أوكتافيو فجعل قواته ترسو في أعالي الشواطئ محققًا بذلك أول هدف له فقد حاصر أنطونيو.

المعركة البحرية
فى صباح 2 سبتمبر, 31 ق.م., كان مارك أنطونيو يقود 230 سفينة حربية خلال المضايق لكسر الحصار متجهاً  للبحر الواسع. وهناك قابل أسطول اوكتاڤيو الذى يقوده , يقوده الأدميرال أگريپـّا. ولسوء حظ أنطونيو كان العديد من سفنه ينقصها الرجال بسبب تفشي شديد للملاريا بين قواته ومات العديد من المجدفين حتى قبل بدء المعركة, بينما كان ينتظر وصول أسطول اوكتاڤيو . وقد  مما جعل تلك السفن غير قادرة على على تنفيذ المناورة والقدرة على التحرك السريع وتنفيذ أوامر الخطة : النطح رأساً, بقوة. كما عانت قواته من قطع خطوط الإمداد. وقد قام أنطونيو بإحراق السفن التي لم يعد يستطع توفير الرجال لها, وجمع باقي السفن بالقرب من بعضها البعض. وقبل المعركة, فر جنرال من جيش ماركوس أنطونيو اسمه دليوس إلى اوكتاڤيوس وأخذ معه خطط أنطونيو للمعركة. أنطونيو كان يأمل في استخدام أكبر سفنه لصد جناح أگريپـّا إلى الشـَمال على النهاية الشمالية لـِخـَطـِّه, إلا أن كامل أسطول اوكتافيان بقي بحذر خارج مرمي أنطونيو. وبـُعـَيـْد منتصف النهار, اُجبـِر أنطونيو لأن يمد خطوطه خارج نطاق حماية الساحل, لكي يشتبك مع العدو.
وكان أسطول اوكتاڤيان بدرجة كبيرة من سفن ليبورنية أصغر، وكاملة الرجال, ومسلحة بطواقم على قدر عالٍ من التدريب والراحة. سفنه كانت أيضاً أخف ويمكنها حماية نفسها بقدرتها الأعلى على المناورة حول quinqueremes في معركة بحرية رومانية, حيث أحد الأهداف نطح سفينة العدو وفي نفس الوقت قتل الطواقم على سطح تلك السفينة بزخات من الأسهم وصخور منجنيق كبيرة بدرجة كافية لفصم رأس عدو.
وبمضى الوقت كان سير المعركة يميل في غير صالح أنطونيو, فقد انسحب أسطول كليوپاترا إلى عرض البحر بدون مشاركة. وقد انسحب مارك أنطونيو إلى سفينة أصغر ومعه العلم ونجح في الفرار من المعركة, آخذاً معه بعض السفن كمرافقين لكسر خطوط حصار اوكتاڤيان. أما السفن الباقية, فلم يكونوا بنفس الحظ: فأسطول اوكتاڤيو أمسك ببعضهم وأغرق الباقي. وخسر أنطونيو 19 فيلق مشاة و 12,000 من الفرسان تحت جنح الظلام قبل أن تتاح له فرصة ملاقاة اوكتاڤيان على الأرض. وبالرغم من نصر في الإسكندرية في 31 يوليو 30 ق.م., فقد استمرت أعداد متزايدة من الجنود في الفرار من جيوش مارك أنطونيو, الأمر الذي تركه بدون قوة فعالة لقتال اوكتاڤيان. ماركوس أنطونيوس حاول بعد ذلك لأن يهرب من المعركة. وفي اختراق لخطوط اتصالاته, فقد دس أعداؤه رسالة كاذبة مفادها إلقاء القبض على كليوپاترا, ولذلك فقدانتحر.
سمعت كليوپاترا بأخبار أنطونيو انتحرت, في 12 أغسطس, 30 ق.م.. فقد تركت صل مصري سام ليعضها، وكان مخبأ لها في سلة تين. أما اوكتاڤيو فقد قتل قيصريون إبن القيصر يوليوس الشرعى لاحقاً في ذلك العام, ليبقى هو 'الابن' الوحيد المتبنى ليوليوس قيصر.
وبذلك, فقد أمـّن انتصار اوكتاڤيو في معركة أكتيوم سيطرة مطلقة لا منازع فيه على كافة الممتلكات الرومانية في البحر المتوسط; وأصبح "المواطن الأول" بروما. واستجمع سلطاته على كافة مؤسسات الإدارة الرومانية, ك "أغسطس قيصر", وإنتقلت روما من الجمهورية إلى الامبراطورية. ووإنتحار كليوپاترا أيضاً  وقتل اوكتاڤيو شقيق بطليموس الخامس عشر (قيصرون) الإبن الشرعى ليوليوس قيصر آخر حكام البطالمة الذين لبسوا زى الفراعنة ،كان بمثابة الاستسلام النهائي لمصر , أشارا العديد من المؤرخين إلى نهاية كل من العصر الهلنستي والمملكة البطلمية ودخلت مصر فى إحتلال جديد هو الإحتلال الرومانى الوثنى  وكانت مصر تتمتع بموقع جغرافي هام وبثروة طائلة خاصة بالنسبة لروما التي كانت تعيش على قمح مصر منذ وقت طويل ككانت سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية، لذلك رأى الإمبراطور أغسطس أن يضع لمصر نظاماً خاصاً متميزاً عن الولايات الأخرى، فكانت تتبع الإمبراطور مباشرة وليس للسناتور، كما أن حاكمها كان ذو مرتبة أرفع من باقى حكام الولايات

وكعادة الرومان خلد أوكتافيو ذكرى إنتصاره على ماركوس أنطونيوس , فقد أمر أوكتافيو الذى أسبح أغسطس قيصر العيد الروماني أكتيا. وكذلك فقد شيد أغسطس قيصر نصباً فوق موقع المعركة, ضم ناطحات برونزية اُخذت من السفن المهزومة. المغارز الباقية في الحجر تدل على الحجم الهائل لتلك الناطحات

مصر وأوغسطس قيصر
قام «أوكتافيوس» بقتل ولدَى «كليوباترا» بعد دخوله مِصر، وذكر المؤرخون أنه بهذه المناسبة قد أُصدرت عُملة تاريخية كُتب عليها «فتْح مِصر»، وذكر القيصر ضمه مِصر فى السجلات الرسمية لروما. وقد كانت الولايات الرومانية مُقسمة إلى ولايات خاضعة للإمبراطور، وولايات خاضعة للسناتو (مجلس الشيوخ الرومانى) حيث كانت مِصر تابعة للإمبراطور مباشرة، والقيصر هو الذى يعيِّن واليها الذى كان يُلقَّب «حاكم عام الإسكندرية ومِصر».
وقد كانت مِصر مهمة لروما؛ فهى المصدر الرئيسى للقمح والأموال مما جعل قيصر روما يسيطر على مِصر من خلال تعيين حكامها بنفسه، وإقصاء أعضاء السناتو عن مِصر؛ فلم يكن مسموحًا لأحد بزيارة مِصر إلا بإذن خاص من القيصر؛ وفى هذا يقول المؤرخ الرومانى «تاكيتوس» - كما ذكر د. مصطفى العبادى: [إن من بين أسرار توطيد حكم أُغسطس، أنه أمَّن مِصر عن طريق منع أعضاء السناتو والشخصيات البارزة من الفرسان الرومان من دخولها إلا بإذنه، وذٰلك حتى لا يصيب أحد إيطاليا بمجاعة عن طريق السيطرة على تلك الولاية ومنافذها البرية والبحْرية، فيصمد بقوة مهما كانت صغيرة أمام جيوش عظيمة]. وأيضًا نشر الحاميات العسكرية فى أقطار البلاد. وقد فرضت روما على مِصر دفع أموال كثيرة لروما.
وقد قام «أُغسطس قيصر» أيضًا بالقضاء على النشاط السياسى ليُحكم قبضته على مِصر؛ فلم يسمح للسكندريين بأن يكون لهم مجلس تشريعى لئلا يقوى أى نشاط سياسى ضد روما. وفى المقابل، قدَّموا الكثير من الامتيازات إلى اليهود فى مِصر. وقد أضعف نفوذ الكهنة من خلال ضم المعابد إلى الحكومة. إلا أن «أُغسطس قيصر» ترك للمِصريين حرية التمسك بديانتهم وحرية التعبد، وعدم الدخول فى شؤون عقائدهم فعمل المِصريون على تجديد الهياكل فى جميع أنحاء مِصر، وخلَّدوا اسم «أُغسطس قيصر» على مبانيهم. وقد أصبح الإمبراطور الرومانى هو الملك الرسمى للبلاد ـ متمثلاً بالفراعنة وملقَّبًا بالألقاب الفرعونية.
الولاة الذين حكموا مصر فى عصره
أ. كورنيليوس غالوس
كان أول وُلاة مِصر، وقد قام بعدد من الإصلاحات فى مِصر؛ وبخاصة ما يتعلق بالزراعة من تطهير التُّرع والخُلجان وإقامة القناطر والجسور. كذلك واجه ثورة المِصريين بعد مغادرة «أُغسطس قيصر» مِصر، التى كانت قد اندلعت بسبب الضرائب الجديدة التى فرضها القيصر على الشعب. وقد كانت الثورة عارمة فى عدة مدن إلا أنها كانت على أشدها فى مدينة «طيبة»؛ حتى إن «غالوس» اتجه بالجيش إلى السيطرة عليها، وقد ضيَّق على أهلها وتمكن من فرض سَطوته ونهب البلاد. وقد أدت انتصاراته وقمع الثورة إلى تكبره وتجبره؛ فأمر بنحت التماثيل على صورته مما أثار «أغسطس قيصر» فقام بخلعه، واختلف المؤرخون فى أمر نفيه إلا أنهم اتفقوا على أنه انتحر. وعُيِّن والٍياً على مِصر إلا أن المؤرخين اختلفوا فى ترتيب الوُلاة.
ب. بطرنيوس
واجه ثورة فى الإسكندرية إلا أنه استطاع فرض سيطرته على الشعب، وقد قام بإرسال جيش إلى بلاد العرب لإخضاعهم تأمينًا للطرق التِّجارية لمِصر. ولم تكُن الحملة التى استمرت قُرابة السنة موفَّقة. وقد انتهز أهل السودان فرصة انشغال الجنود وتغيبهم عن الحدود المِصرية فقاموا بتجهيز جيش واستطاعوا الاستيلاء على أُسوان؛ إلا أن «بطرنيوس» قاتلهم وهزمهم، وعقد صلحاً مع «أغسطس قيصر» نفسه. وبعد حرب ضد السودان وانتصاره، عاد «بطرنيوس» إلى إدارة البلاد وتدبير أمورها حسنًا، ثم أعقبه «آليوس غالوس».
ج. آليوس غالوس
كان قائد الجيش لتأمين الطرق التِّجارية المِصرية والتى لم تأتِ حملته بالنتائج المَرجُوَّة. وبعد أن صار حاكمًا لمِصر سار إلى صعيدها مصطحبًا أحد الجغرافيين «اسطرابونس»؛ لاستكشاف مواقع البلاد ومعرفة كل ما يخصها. وامتدت مدة ولايته حتى موت «أُغسطس قيصر». ومن أهم الأحداث فى مِصر وقت حكم «أغسطس قيصر» هروب العائلة المقدسة إلى مِصر... والذى سيأتى الحديث عنه فى موقعه و... والحديث عن مِصر لا ينتهى...!
.

 

 

*****************

 

الاسم الكامل گايوس يوليوس قيصر اوكتاڤيانوس Gaius Julius Caesar Octavianus
ولد 23 سبتمبر 63 ق.م.
روما, الجمهورية الرومانية
توفي August 19 AD 14 (age 76)
نولا، إيطاليا، الإمبراطورية الرومانية
دفن ضريح أغسطس
سبقه گايوس يوليوس قيصر
تبعه Tiberius, stepson by third wife and adoptive son
زوج ل 1) Clodia Pulchra ? – 40 BC
2) Scribonia 40 BC – 38 BC
3) Livia Drusilla 38 BC – AD 14
الأنجال Julia the Elder
البيت الملكي اليوليوسية-الكلاودية
الأب گايوس أوكتافيوس;
تبناه يوليوس قيصر
الأم  Atia Balba Caesonia

النظام الجديد

والآن فلندرس حكومة الزعامة ببعض من التفصيل لأنها كانت في كثير من نواحيها من أعظم الأعمال السياسية في التاريخ ومن أكثرها دقة. لقد جمع الزعيم في يده كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ فكان من حقهِ أن بقترح القوانين على الجمعيات أو على مجلس الشيوخ ويعرض المراسيم؛ وكان في وسعه أن ينفذها وأن يفرضها بالقوة إذا شاء، وأن ينشرها ويعاقب الخارجين عليها. ويقول سوتونيوس إن أغسطس كان يجلس في مجلس القاضي بانتظام وإن مجلسه كان يدوم في بعض الأحيان حتى يجن الليل "وكان يأمر بوضع محفنة فوق المنصة يلجأ إليها إذا أصابته وعكة...وكان رجلاً حي الضمير ليناً في أحكامهِ إلى حد كبير" وإذ كان قد ألقيت عليهِ تبعة مناصب كثيرة فقد شكل له مجلساً غير رسمي من المستشارين أمثال مانياس، ومن المنفذين لقراراته أمثال أجربا، ومن القواد أمثال تيبيريوس، كما أنشأ له هيئة من أرقائه ومعاتيقه. وكان كيس ماسناس من أثرياء رجال الأعمال، وكان قد قضى نصف حياته يساعد أغسطس في الحرب والسلم وفي أعماله السياسية الداخلية والخارجية، وساعده أخيراً على الرغم منه في مغامراته النسائية. واشتهر قصره العائم على تل الأكولين بحدائقه الغناء وببركة استحمامه ذات الماء الساخن. وكان أعداؤه يصفونه بأنه شخص. مخنث أبيقوري لأنه كان يتباهى بلبس الحرير والتحلي بالجواهر، وأنه يعرف كل ما يعرفه المبطان الروماني. وكان يستمتع بالأدب والفن ويناصرهما بكرم وسخاء، وقد أعاد إلى فرجيل ضيعته ووهب هوراس ضيعة أخرى. وكان هو الموحي بكتاب الجورجيين Geprgics والأناشيد. وأبى أن يشغل أي منصب من المناصب العامة. مع أنه كان في وسعه أن يحصل منها على أي منصب يريده إلا القليل. وقد ظل سنين طوالاً يجهد نفسه في بحث مبادئ السياسة الخارجية ووقائعها، وبلغ من شجاعته أن كان يعنف أغسطس إذا ظنه قد وقع في خطأ موبق. ولما مات (في عام 8 ق.م.) حزن عليه الزعيم وعدّ موتهُ خسارة لا تعوض. ولعل أغسطس (أصله من الطبقة الوسطى ولم يكن يحتقر التجارة كما يحتقرها الأشراف) كان يعمل بمشورته حين رشح كثيرين من رجال الأعمال للمناصب الإدارية الكبرى وإلى حكم الولايات نفسها. ولما تذمر مجلس الشيوخ من هذه البدعة، استرضاه بأشياء كثيرة: فمنح بعض لجانه سلطات استثنائية، وجمع حوله مجلساً من الزعماء المستشارين مؤلفاً من حوالي عشرين رجلاً كلهم تقريباً من الشيوخ، وأصبح لقرارات هذا المجلس على مدى الأيام ما لقرارات مجلس الشيوخ نفسه من قوة، وكانت سلطاته واختصاصاته تزداد كلما ضعفت سلطات مجلس الشيوخ، ونقصت اختصاصاته. ولكن مجلس الشيوخ لم يكن إلا أداته العليا على الرغم مما كان يغدق عليه من ضروب العطف والمجاملة. وقد استخدم حقه بوصفهِ رقيباً فأعاد النظر في عضويته أربع مرات، وكثيراً ما استخدم حقه في حقه في طرد بعض أعضائه منه لعجزهم عن القيام بالأعمال الرسمية أو لسوء سلوكهم الشخصي، وقد رشح هو نفسه معظم أعضائه الجدد؛ وكان من دخلوه من الكوسترين والبريتورين والقناصل بعد انقضاء المدة المحددة لتوليهم مناصبهم، كانوا كلهم ممن اختارهم هو أو ممن وافق على اختيارهم. وقد حشد في هذا المجلس أغنى رجال الأعمال في إيطاليا وانضمت الطبقتان إلى حد ما في ذلك الائتلاف الذي هيئته لهما سيطرتهما المتحدة التي اقترحها شيشرون في الأيام الخالية. وبذلك وقفت قوة المال في وجه كبرياء المولد وامتيازاته، كما وقفت الأرستقراطية الوراثية في وجه مساوئ الثروة وأعمالها التي لا تتحمل لها تبعة. واقتصرت اجتماعات مجلس الشيوخ بناء على اقتراح أغسطس على اليومين الأول والخامس عشر من كل شهر، ولم يكن اجتماعه يدوم في العادة أكثر من يوم واحد. وإذ كان الذين يرأسون اجتماعه هم "زعماء الشيوخ" فإنه لم يكن يُستطاع عرض أي اقتراح عليهِ بغير موافقتهِ، والحق أن كل اقتراح يُعرض عليهِ كان يعده من قبل هو أو أعوانه. وأصبحت اختصاصات المجلس القضائية والتنفيذية وقتئذ أهم من اختصاصاته التشريعية، فكان بمثابة محكمة عليا، وكان يحكم إيطاليا بوساطة لجان، ويوجه أعمال الأشغال العامة المختلفة. وكان يحكم الولايات التي لا تحتاج إلى إشراف عسكري كبير، ولكن الزعيم هو الذي كان يشرف على العلاقات الخارجية. ولما جرّد المجلس بهذه الطريقة من سلطاتهِ القديمة أهمل هو نفسه اختصاصاته الضيقة نفسها وصار يتخلى بستمرار عن كثير من التبعات للإبمراطور وموظفيهِ. وظلت الجمعيات تعقد جلساتها، ولكن عدد هذه الجلسات أخذ يقلُ شيئاً فشيئاً؛ وظلت تقترع ولكنها لم تكن تقترع إلا على المشروعات أو الترشيحات التي يوافق عليها الزعيم، وقضى على حق العامة في تولي المناصب أو كاد يقضي عليه في عام 18 ق.م. حين صدّر قانون يُقصر تولي هذه المناصب على الرجال الذين تبلغ قيمة أملاكهم أربعمائة ألف سسترس (60.000 ريال أمريكي) أو أكثر(2). ورشح أغسطس نفسه للقنصلية ثلاث عشر مرة، وسعى لنيل أصوات الناخبين كما كان يسعى غيره من المرشحين؛ ونزل بذلك من عليائه للاشتراك في المسرحية التي كانت تمثل فصولها على مسرح السياسة الرومانية. وقد عمل على منع الرشا في الأنتخابات بأن طلب إلى كل مرشح أن يودَع قبل عملية الانتخاب مبلغاً من المال ضماناً منه بأنه لن يلجأ إلى الرشوة.

بيد أن أغسطس نفسه وزع في وقت من الأوقات ألف سسترس على كل عضو ناخب في قبيلته حتى يضمن بذلك صحة أصوات القبيلة. وظل القناصل والتربيونون يُنتخبون حتى القرن الخامس بعد الميلاد. غير أن المنصبين أصبحا بعد أن آلت معظم حقوقهما إلى الزعيم منصبين إداريين لا تنفيذيين، ثم انتهيا إلى أن صارا منصبي شرف لا أكثر. أما حكم رومة الفعلي فقد وضعه أغسطس في أيدي موظفين إقليميين يتقاضون مرتبات من الدولة وتساعدهم في عملهم شرطة مؤلفة من ثلاثة آلاف رجل يرأسهما "كبير شرطة البلدية Praefectus Urbi" وفضلاً عن هذا فقد وُضع ست كتائب قوام كل منها ألف جندي بالقرب من رومة، وثلاث كتائب في داخلها ليضمن بذلك استتباب النظام من النوع الذي يريده، وليؤيد بها سلطانه، وإن كان قد اعتدى بعمله هذا على جميع السوابق أشد الاعتداء. وأصبحت هذه الكتائب فيما بعد هي الحرس البريتوري، أي حرس البريتوريوم Praetorium أو مقر القائد الأكبر. وهذه الفرق هي التي جعلت كلوديوس إمبراطور في عام 41 ب.م، وهي التي بدأت عملية إخضاع الحكومة للجيش. ثم امتدت عناية أغسطس الإدارية من رومة إلى إيطاليا وإلى الولايات الخارجية. فمنح حق المواطنية الرومانية أو حق الانتخاب الضيق المعروف "بالحقوق اللاتينية" لجميع العشائر التي اشتركت في تحمل أعباء الحرب على مصر. ثم أعان المدن الإيطالية بما نفحها به من هبات، وزينها بالمباني الجديدة، وابتكر طريقة تمكن أعضاء مجلسها من إعطاء أصواتهم في انتخاب الجمعيات في رومة بطريق البريد. ثم قسم الولايات فئتين: أولاهما ما تحتاج إلى دفاع جدي والثاني ما كانت في غير حاجة إلى هذا الدفاع. فأما الثانية (وكانت تشمل صقلية، وبتكا، وغالة النربونية، ومقدونية، وآخية، وآسية الصغرى، وبيثينيا، وبنطتس، وقبرص، وكريت، وقورينة، وأفريقية الشمالية، فقد وضع حكمها في يد مجلس الشيوخ. أما الثانية-وهي الولايات الإمبراطورية- فكان يحكمها سفراؤه، ووكلاؤه، أو رؤساء حرسه. وقد أمكنه هذا النظام البديع من أن يختفض بسيطرته على الجيش، الذي كان يقيم معظمه في الولايات "المعرضة للخطر". وهذا إلى أنه وضع في يده موارد مصر الغنية وأمكنه من أن يراقب الحكام المعنيين من قِبَل مجلس الشيوخ بأعين وكلائه الذين كان يعينهم لجباية الخراج من الولايات جميعها بلا استثناء. وكان كل حاكم يتقاضى في أيامه مرتباً محدوداً، وبذلك قلت رغبته إلى حد ما في ابتزاز المال من أهل الولاية التي يحكمها.

وكان إلى جانب الوالي هيئة من الموظفين المدنيين تساعد على الدوام الاتصال في الأعمال الإدارية وتمنع إلى حد ما رؤساءهم المؤقتين من الإقدام على الأعمال غير المشروعة. أما أقيال الدول التي كانت خاضعة لنفوذ رومة فكانوا يعاملون معاملة طيبة حكيمة، وظلوا بسببها موالين لأغسطس كل الولاء، وقد أقنع الكثيرين منهم بأن يرسلوا إليهِ أبنائهم ليعيشوا في قصره، وليتلقوا فيه تربية رومانية؛ وأصبح هؤلاء الشبان بفضل هذا التدبير الكريم رهائن لديهِ حتى يحين وقت تتويجهم، ثم صاروا بعئذ على غير علم منهم أداة لصبغ بلادهم بالصبغة الرومانية. ويبدو أن أغسطس بعد انتصاره في أكتيوم، وما بهثه هذا الانتصار في نفسه من حماسة وزهو، وبعد أن رأى من حوله جيشاً ضخماً وأسطولاً قوياً، يبدو أنه أخذ بعد هذا يُعد العدة لتوسيع رقعة الإمبراطورية ومد حدودها إلى المحيط الأطلنطي، والصحراء الكبرى، ونهر الفرات، والبحر الأسود، ونهر الدانوب والألب، وأنه كان يعتزم الاحتفاظ بالسلم الرومانية بسياسة العدوان عند هذه الحدود جميعها لا بسياسة الدفاع السلبي. وقد أتم الإمبراطور بنفسه فتح أسبانيا، ونظم الإدارة في بلاد غالة تنظيماً يدل على مقدرته ومهارته، وكان من نتائجه أن ساد السلام ربوع تلك البلاد نحو قرن كامل. واكتفى في بارثيا باسترجاع الأعلام، ومن بقي على قيد الحياة من الأسرى الذين أخذوا من كراسس في عام 53؛ أما في أرمينية فقد أعاد إلى عرشها ملكها تجرانيس Tigranes الموالي لرومة. وأرسل بعثات لفتح بلاد العرب ولكنها أخفقت. وأخضع ربيباه تيبيريوس ودورسس في العشر السنين المحصورة بين 19، 9 ق.م بلاد إليريا Illyria وبانونيا Pannonia وريتيا Raetia. ولما غزا الألمان غالة تذرع أغسطس بهذه الحجة فأمر دروسس أن يعبر بهر الرين؛ ولشد ما اغتبط حين علم أن هذا الشاب قد شق طريقه إلى نهر الإلب. غير أن دروسس أصيبت أحشاؤه على أثر سقطة سقطها على الأرض عانى على أثرها المرض ثلاثين يوماً. وكان تيبيريوس شديد الحب لأخيه، فسار على ظهر جواده أربعمائة ميل من غالة إلى ألمانيا ليضمه إلى صدره في آخر ساعات حياته؛ ولما تم له ذلك نق جثته إلى رومة، وسار وراء الجنازة طول الطريق (9ق.م) ثم عاد بعدئذ إلى ألمانيا وحمل على القبائل الضاربة بين الإلب والرين حملتين (8-7 ق.م 4-5 ب.م) خضعت على أثرهما روما. وحلت برومة وقتئذ في وقت واحد تقريباً كارثتان بدلت حمى الفتح والتوسع سياسة سلام. ذلك أن بانوينا ودلماشيا اللتين فتحتا حديثاً ثارتا على رومة، وقتل أهلهما جميع من كان فيهما من الرومان، وأعدتا جيشاً مؤلفاً من مائتي ألف رجل وهددتا إيطاليا نفسها بالغزو. واسرع تيبيريوس فعقد الصلح مع القبائل الألمانية، وسار على رأس قواته القليلة إلى بانونيا، واستطاع بصبره وخططه العسكرية الفنية أن يستولي على محصولات البلاد أو يتلفهما فيحرم العدو من مصادر تموينه، كما استطاع بحرب العصابات أن يمنعه من إنتاج محصولات جديدة، وعمل في الوقت نفسه على أن يوفر المؤن لجنوده.وأصر على العمل بهذه السياسة ثلاث سنين رغم ما وجه إليهِ من النقد في بلاده، حتى نال أخيراً بغيته، فرأى الثوار الجياع يلقون أسلحتهم، وبسط هو السلطة الرومانية من جديد على ربوع البلاد. ولكن حدث في تلك السنة نفسها (9 ب.م) أن نظم أرمنيوس الثورة في ألمانيا، وأوقع فيالق فاروس الروماني في كمين، وقتل جنودها عن آخرها إلا من انتحر بإلقاء نفسه على سيفه مثل فاروس نفسه. ولما سمع أغسطس بهذا النبأ "تأثر أشد التأثير" كما يقول سوتونيوس. وظل عدة شهور لا يحلق لحيته ولا يقص شعر رأسه، وكان في بعض الأحيان يضرب الباب برأسه ويصيح بأعلى صوته: "أي كونتليوس فاروس أعد إليَّ فيالقي!" وأسرع تيبيريوس إلى ألمانيا، وأعاد فيها تنظيم الجيش، وصد هجمات الألمان، ورد حدود الدولة الرومانية، بناء على أوامر أغسطس إلى نهر الرين.

وكان هذا قراراً خسر فيهِ أغسطس شطراً كبيراً من كبريائه، ولكنه دل على حكمته وحصافة عقله. وقد أسلمت ألمانيا بمقتضاه إلى "البربرية" أي إلى ثقافة غير رومانية ولا يونانية، وتركت حرة تسلح سكانها المتزايدين لمحاربة رومة. على أن الأسباب التي حملت الرومان على السعي لفتح ألمانيا كان من شأنها أن تتطلب منهم إخضاع سكوذيا-أي جنوبي الروسيا. ولكنهم لم يفعلوا لأن الإمبراطورية يجب أن يقف امتدادها في مكان ما؛ وكان نهر الرين حداً للدولة خيراً من أي حد آخر غرب جبال أورال. هذا إلى أن أغسطس بعد أن ضم أسبانيا الشمالية والغربية، وريشيا، ونوركم، وبامونيا، وموزيا، وجلاتيا، وليسيا، وبمفيليا شعر بأنه قد استحق بأعماله لقب "الإله المكثر". وكانت الإمبراطورية حين وفاته تشمل مساحة قدرها 3.340.000 ميل مربع أي أكثر من مساخة الولايات المتحدة في القارة الأمريكية، وكانت تعادل مساحة رومة قبل الحروب البونية مائة مرة. ونصح أغسطس خليفته بأن يقنع بهذه الإمبراطورية وهي أعظم إمبراطورية شهدها التاريخ حتى ذلك الوقت، وأن يوجه همه إلى توحيدها وتقويتها في الداخل بدل أن يوسعها في الخارج، وأظهر دهشته من أن "الإسكندر لم يرد أن تنظم الإمبراطورية التي أنشأها أصعب من كسبها". وبهذا بدأت السلم الرومانية Pax Romana.
عهد الرخاء

لا يمكن أن يقال عن أغسطس إنه "فر من الميدان وسمى هذا الفرار سلماً"؛ ذلك أنه لم يكد تمضِ عشر سنين بعد معركة اكتيوم حتى انتعشت بلاد البحر الأبيض المتوسط انتعاشاً لم يضارعه في سرعته انتعاش قبله. وقد كانت عودة النظام في حد ذاتها باعثاً قوياً على هذا الانتعاش؛ وكيف يتمنع الرخاء من إجابة هذه الدعوة الإجماعية التي يتقدم بها إليه ما عاد إلى البحر من أمن وسلامة، وإلى الحكومة من الاستقرار، مضافاً إلى استمساك أغسطس بالقديم الموروث وتحفظه، وإلى استهلاك كنوز مصر المدخرة، واستغلال المناجم الجديدة، وإنشاء دور سك جديدة، وإلى ثقة الأهلين بالنقد وسرعة تداوله، وكعالجة الزحام في إيطاليا بإقطاع الأهلين أرضاً يفلحونها، وبنقلهم إلى أراضي المستعمرات؟ ومن القصص المأثورة في هذا الصدد أن جماعة من بحارة الإسكندرية نزلوا في بتيولي، وكان أغسطس قريباً منها، فأقبلوا في ملابسهم الزاهية وأهدوا إليهِ البخور كما يهدى البخور إلى الآلهة، وقالوا له إنهم استطاعوا بفضله أن يسيروا في البحر آمنين، وأن يتاجروا واثقين، وأن يعيشوا سالمين. ولم يكن اغسطس، وهو حفيد رجل مصرفي، يخالجه أدنى شك في أن خير سياسة اقتصادية هي السياسة التي تجمع بين الحرية والأمان.

ومن أجل ذلك وفر الحماية لجميع طبقات الأمة بسن القوانين، وبالدقة في تطبيقها؛ ووضع في الطرق العامة حراسة قوية، وأقرض ملاك الأراضي المال من غير فائدة ؛ وهدأ ثائرة الفقراء بما وزعه عليهم من قمح الدولة، و"بالقرعة" والهدايا بعض الاحيان. أما فيما عدا هذا فقد ترك للمشروعات الخاصة، والإنتاج، والتبادل، حرية أوسع مما كان لها من قبل. عل أن الأعمال التي تديرها الدولة كانت مع هذه الحرية كثيرة متنوعة إلى حد لم تبلغه من قبل، وكان لها شأن أيما شأن في إنعاش الحياة الاقتصادية؛ فقد شُيد في خلال هذه المدة اثنان وثمانون هيكلاً، وأنشئت سوق عامة جديدة وباسلقا جديدة لتيسير الأعمال المالية وأعمال المحاكم، وأقيم بناء جديد لمجلس الشيوخ بدل البناء الذي احترق فيهِ كلوديوس؛ وشُيدت صفوف الأعمدة لتخفيف حرارة الشمس، وأكمل الملهى الذي بدأه قيصر وسمّي باسم مرسلس زوج ابنة أغسطس؛ واستحث الإمبراطور الأثرياء على أن ينفقوا بعض أموالهم في تجميل إيطاليا بالباسلقات، والهياكل، ودور الكتب، والملاهي، والطرق.

ويقول ديوكاسيوس إنه "أمر الذين يحتفلون بالنصر أن ينفقوا مغانمهم في تشييد مباني عامة تخلد ذكرى أعمالهم". وكان أغسطس يرجو من وراء ذلك أن يجعل عظمة روما في ازدياد سلطانه ورمزاً لهذا السلطان. ومن أقواله في آخر أيامه أنه وجد رومة مدينة من اآجر ثم تركها وهي من الرخام ؛ وذلك مغالاة تُغتفر لقائلها، فقد كان فيها قبل أيامه كثير من الرخام، وبقي فيها من بعدهِ كثير من الآجر، ولكن الحقيقة أنه قلما فعل رجل لمدينة ما فعله أغسطس لرومة. وكان ساعده الأيمن في إعادة بناء رومة ماركس فسيانيوس أجربا Marcus Vispanius Agrippa. وكان صديقه هذا قد اشترك مع ماسنياس في تنفيذ سياسة أغسطس. ولما كان أجربا إيديلاً عام 33 ق.م ضم الجماهير إلى جانب أكتافيان بأن فتح لهم 170 حماماً، ووزع عليم الزيت والملح بلا ثمن، وأقام لهم ألعاباً عامة دامت خمسة وخمسين يوماً، وعين حلاقين لجميع المواطنين من غير أجور-ولعله أنفق ما تطلبه هذا كله من ماله الخاص. وكانت كفايته خليقة بأن تجعله فيصراً ثانياً؛ وكنه فضل أن يخدم أغسطس مدى جيل كامل. ومبلغ علمنا أنه لم يرتكب إثماً يشين حياته العامة أو الخاصة، فقد تركه المغتابون الرومان، الذين لم يتركوا أحداً غيره إلا سلقوه بألسنة حداد، دون أن يمسوه بقالة سوء.

وكان هو أول روماني أدرك ما للقوة البحرية من خطر عظيم، فوضع خطة لإنشاء عمارة بحرية وأنشأها، وتولى قيادتها، وهزم بها سكستس بمبي، وطهر البحر من القراصنة، وكسب العالم لأغسطس في معركة أكتيوم. وعُرض عليهِ ثلاث مرات أن يقام له موكب نصر بعد هذه الانتصارات الرائعة، وبعد أن هدأ أسبانيا وغالة والمملكة اليسبورية، ولكنه رفض في كل مرة. وقد وهبه زعيمه ثروة طائلة اعترافاً منه بفضلهِ، ولكنه ظل رغم هذه الثروة يعيش عيشة خالية من البذخ والترف. وبذل جهوده كلها في إقامة المنشآت العامة كما بذلها من قبل في خفظ كيان الدولة، فكان يستأجر بماله الخاص مئات من العمال لإصلاح الطرقن والمباني، والمجاري العامة، وإعادة فتح قناة مارسيس المغطاة. وأنشأ هو قناة من نوعها جديدة، هي قناة يوليوس، وأصلح وسائل مد رومة بالماء باحتفار سبعمائة بئر وإنشاء خمسمائة عين فوّارة، ومائة وثلاثين خزاناً. ولما شكا الناس من ارتفاع أثمان النبيذ أجابهم أغسطس بدهائهِ المعروف: "لقد عمل صهري أجربا على ألا تظمأ رومة أبداً". وأنشأ أجربا، وهو أعظم المهندسين الرومان بلا منازع، مرفأ واسعاً عظيماً، ومركزاً لبناء السفن بإيصال بحيرتي لكريتس وأفرنس بالبحر. وهو الذي أنشأ أول الحمامات العامة الرائعة الفخمة، التي امتازت بها رومة فيما بعد على سائر مدن العالم. وشاد من ماله الخاص هيكلاً لفينوس والمريخ أعاد بناءه هدريان وهو المعروف لنا بهيكل الآلهة Pantheon في هذه الأيام، ولا يزال يظهر عليهِ حتى الآن هذه العبارة M. AGRIPA...PECIT. ونظم أعمال مسح أراضي الإمبراطورية مرة كل ثلاثين عاماً، وكتب رسالة في الجغرافية، ورسم للعالم خريطة ملوّنة على الرخام.

وكان مثل ليوناردو دافنشي عالماً طبيعياً، ومهندساً، ومخترعاً للمقذوفات الحربية وفنّاناً. وكان موته المبكر وهو في سن الخمسين (12ق.م) من الأحزان الكثيرة التي عكرت صفاء سني أغسطس الأخيرة. وقد زوجه أغسطس بابنته يوليا، وكان يرجو أن يرث الإمبراطورية من بعدهِ لأنه خير مَن يستطيع أن يحكمها حكماً صالحاً نزيهاً شريفاً. وكانت المنشآت العامة الكثيرة النفقة، مضافة إلى الخدمات الواسعة التي تقوم بها الحكومة سبباً في زيادة المصروفات العامة زيادة لم يكن لها نظير من قبل. ذلك أن المرتبات كانت تؤدي وقتئذ للموظفين في الولايات وفي المدن، وللحكام ورجال الشرطة؛ وكان يقوم على حراسة البلاد جيش قوي دائم وأسطول ضخم، وكانت المباني العامة التي لا عداد لها تشاد أو تُصلح، وكان العامة يرشون بالحبوب والألعاب ليظلوا هادئين. وإذ كانت هذه النفقات كلها إنما تؤدى من الإيرادات العادية، ولم تحمل الأجيال التالية بدين أهلي ما، فقد أصبحت الضرائب في أيام أغسطس علماً وصناعة دائمة. ولم يكن أغسطس نفسه بالرجل الصلب الذي لا يلين، فكثيراً ما أعفى الأفراد المأزومين والمدن المأزومة من الضرائب أو أداها من ماله الخاص. وأعاد إلى البلديات خمسة وثلاثين ألف رطل من الذهب قدمت إليهِ "هدية تتويج"، حينما اختير قنصلاً للمرة الخامسة، ورفض هبات أخرى كثيرة ، وألغى ضريبة الأراضي التي فرضت على إيطاليا في أثناء الحرب الأهلية؛ وفرض بدلاً منها على جميع سكان الإمبراطورية ضريبة مقدارها خمسة في المائة على الأموال التي يوصى بها لأي إنسان عدا الأقارب الأدنين والفقراء ، كما فرض ضريبة مقدارها واحد في المائة على المزادات العامة، وأربعة في المائة من أثمان الأرقاء، وخمسة في المائة عند تحريرهم، وقرر عوائد جمركية تتراوح بين اثنين ونصف وخمسة في المائة على جميع البضائع الواردة إلى كل المواني تقريباً.

وكان سكان المدن جميعاً يؤدون ضرائب للبلديات، ولم تكن الأملاك الرومانية معفاة من الضرايبة كما كانت الأراضي الإيطالية. وكانت الضرائب تؤدى على الماء المستمد من القنوات العامة. وكان دخل الخزانة كبيراً من تأجير الأراضي العامة، والمناجم، ومصائد الأسماك، واحتكار الدولة للملح، ومن الغرامات التي تفرضها المحاكم. وكانت الولايات تؤدي ضريبة على الأراضي Tributum Soli، وضريبة الفرضة Tributum Capitis، ومعناها الحرفي ضريبة على الرؤوس، ولكنها كانت في واقع الأمر ضريبة على الأملاك الشخصية. وكانت الضرائب تجمع في خزانتين في رومة كلتاهما في معبد، وهما الخزانة الأهلية (Aerarium) التي يشرف عليها مجلس الشيوخ، والخزانة الإمبراطورية (Fiscus) التي كان يملكها ويديرها الإمبراطور . وكانت ترد إلى الخزانة الثانية الأموال من أملاك الإمبراطور الخاصة، ومن الأموال التي يوصي بها الخيرون والأصدقاء. وبلغ ما تجمَّع من هذه الوصايا في أيام أغسطس 1.400.000.000 سسترس. ويمكن القول بوجه عام إن الضرائب في أيام الزعامة لم تكن فادحة، وإن ما أنفقت فيهِ حصيلتها إلى عهد كمادوس كان يبرز ما عاناه الناس في أدائها. وقد عم الرخاء الولايات وأقام الأهلون مذابح لأغسطس الإله شكراً له أو تطلعاً إلى ما سوف يأتيهم بهِ من خير. وقد أضطر في رومة نفسها لأن يعنف الناس على إسرافهم في مديحهِ. ومن أمثلة هذا الإسراف أن أحد المتحمسين أخذ يجري في شوارع المدينة ويدعو رجالها ونساءها لأن "يهبوا" حياتهم لأغسطس؛ أي أن يقطعوا على أنفسهم عهداً بأن يقتلوا أنفسهم حين يموت. وحدث في عام 2 ب.م. أن اقترح مسالا كرفينس Messala Corvinus الذي استولى على معسكر أكتافيان في فلباي أن يمنح أغسطس لقب "أبي البلاد". ولشد ما اعغتبط مجلس الشيوخ بمنح الإمبراطور هذا اللقب وكثيراً غيره من ألقاب الثناء والتكريم، فقد سره ألا يتحمل إلا القليل من تبعة الحكم، وأن يحتفظ مع ذلك بالثراء ومظاهر الشرف. وكانت طبقة رجال الأعمال التي زادت ثروتها كثيراً عن ذي قبل تحتفل بذكرى مولده احتفالاً يدوم يومين كاملين في كل عام. ويقول سوتونيوس "إن الناس جميعاً على اختلاف أصنافهم وطبقاتهم كانوا يقدمون له الهدايا في اليوم الأول من شهر يناير"-أي في عيد رأس السنة. ولما أن دمرت النيران قصره القديم تبرعت إليهِ كل مدينة في الإمبراطورية بمقدار من المال ليستعين بهِ على إعادة بنائه، ويبدو أن كل قبيلة وكل نقابة فعلت هي الأخرى مثل ما فعلت المدن. وأبى أن يأخذ من أي فرد أكثر من دينار واحد، ومع ذلك فقد حصل على ما يكفي لبناء القصر وزيادة. وقصارى القول أن جميع بلاد البحر الأبيض المتوسط قد أحست بالسعادة بعد محنتها الطويلة، وكان في وسع أغسطس أن يعتقد أنه استطاع بصبره أن ينجز العمل العظيم الذي أخذ على عاتقه أن ينجزه.
إصلاحات أغسطس

لقد أشقى أغسطس نفسه إذ حاول أن يصلح قلوب الناس ويسعدهم معاً، وكان ذلك تطاولاً منه لم تغفره له رومة أبداً، ذلك أن إصلاح الأخلاق أشق أعمال الحكام وأكثرها دقة وخطورة، وقل من الحكام من جرؤ على محاولته، وقد تركه أكثرهم للمنافقين أو القديسيين. وبدأ أغسطس هذا الإصلاح بداية متواضعة لوقف تيار الانقلاب العنصري في رومة. ذلك أن سكان رومة لم يكونوا يتناقصون كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل كان هؤلاء السكان يزدادون زيادة مطردة بفضل المغريات الكثيرة، وما كان يوزع عليهم من الأرزاق وما يستورد من الثروة ومن الرقيق. وإذ كان المحررون ينالهم نصيبهم من الأرزاق التي توزعها الدولة، فقد أعتق كثيرون من المواطنين عبيدهم المرضى أو الطاعنين في السن لكي تطعمهم الدولة، وحرر أكثر من هؤلاء لبواعث إنسانية، كما استطاع كثيرون منهم أن يقتصدوا من المال ما يبتاعون بهِ حريتهم. وإذ كان أبناء المحررين يصبحون مواطنين رومانيين من تلقاء أنفسهم، فقد تضافر تحرير الأرقاء وتكاثر الغرباء مع قلة تناسل عناصر السكان الأصليين على تبديل الطابع العنصري لسكان رومة. وكان أغسطس يشك في إمكان استقرار أحوال بلد يسكنه هذا الخليط المختلف العناصر من الأهلين، ويرتاب في ولاء هؤلاء السكان إلى الإمبراطورية وهم الذين تجري في عروقهم دماء الشعوب المغلولة على أمرها. لذلك عمل على قانون فوفيا كانينيا Lex Fufia Caninia (2 ب.م) وغيره من القوانين التي تبيح لكل من يملك عبداً أو عبدين لا أكثر أن يعتقه أو يعتقهما جميعاً، ولمن يملك-ثلاثة عبيد إلى عشرة أن يعتق نصفهم، ومن يملك أحد عشر إلى ثلاثين أن يعتق ثلثهم، ومن يملك واحداً وثلاثين إلى مائة أن يعتق ربعهم، ومن يملك مائة عبد وعبد إلى ثلثمائة أن يعتق خمسهم، والتي لا تبيح لسيد أن يعتق أكثر من مائة من عبيده. وقد يتمنى الإنسان أن لو حدد أغسطس اقتناء العبيد لا تحريرهم. ولكن القدماء كانوا يرون الاسترقاق قضية مسلماً بها لا تحتمل جدلاً، ولو أنه طلب إليهم أن يحرروا العبيد جملة لنظروا إلى ما ينجم عن هذا العمل من النتائج الاقتصادية والاجتماعية نظرة الرعب والهلع، كما يخشى أصحاب الأعمال في وقتنا الحاضر ما عساه أن ينجم عن الضمان الاجتماعي للعمال من تراخٍ في العمل وقلة في الإنتاج. لقد كان تفكير أغسطس قائماً على المصالح العنصرية ومصلح الطبقات، ولم يكن في مقدوره أن يرسم في ذهنهِ صورة لرومة القوية لا يتصف أفرادها بالخلق والشجاعة والمقدرة السياسية التي كان يمتاز بها الرومان الأقدمون بوجه عام والأشراف الأقدمون بوجه خاص. وكان ضعف العقيدة الدينية القديمة بين الطبقات العليا سببا في القضاء على ما كان للزواج والوفاء والأبوة من حرمة وقداسة، وكانت هجرة الناس من الأرياف إلى المدن قد جعلت الأطفال عبئاً ثقيلاً على آبائهم أو لعباً يتسلون بها على أحسن تقدير، بعد أن كانوا مصدر ربح لهم. واشتدت رغبة النساء في التجمل واجتذاب الأموال بعد أن كن يرين أن خير زينة لهن هي إنجاب الأبناء. وقصارى القول أن الرغبة في الحرية الفردية بدت في ذلك الوقت مجانية لحاجات العنصر الروماني الأصيل. ومما زاد الطين بلة أن السعي وراء الهبات والوصايا أضحى وقتئذ أكثر الأعمال ربحاً في إيطاليا. فقد كان الرجال الذين لا أبناء لهم إذا بلغوا مرحلة العمر الأخيرة يجدون أحسن الترحيب في بيوت لهم أبناء، يستقبلون فيها ويطعمون، وكان كثير من الرومان يحبون هذه المتعة وهذا النوع من الحياة اللينة، حتى أصبحت سبباً آخر من أسباب العقم. يضاف إلى هذا أن طول سني الخدمة العسكرية حال بين كثيرين من الشبان وبين الزواج في أكثر سني العمر صلاحية له. وامتنع كثيرون من الرومان الأصليين عن الزواج بتاتاً، وفضلوا الاتصال بالعاهرات أو اتخاذ السراري والعشيقات حتى على تعدد الزوجات متفرقات. ويلوح أن الكثرة العظمى من المتزوجين عمدت إلى تحديد عدد أفراد أبنائها باللجوء إلى إجهاض الزوجات وقتل الأطفال ومنع الحمل.

وأقلقت هذه المظاهر وأمثالها من مستلزمات الحضارة بال أغسطس وأقضّت مضجعه، وبدأ يشعر أن لابد من العودة إلى العقائد والأخلاق القديمة. وعاد إليهِ بعد أن صفا ذهنه وأنهك جسمه بفعل السنين احترامه لتراث الآباء والأجداد، فأخذ يشعر أن ليس من المصلحة في شيء أن ينفصل عن الماضي انفصالاً تاماً، بل الواجب أن تعمل الأمة-إذا أرادت لنفسها حياة حياة صحيحة سليمة-على استمرار تقاليدها الماضية، كما يجب على الفرد أن تكون له ذاكرة. ولذلك أخذ يقرأ بجد أكسبته إياه السنون تواريخ رومة القديمة ويعجب بالفضائل التي يعزوها المؤرخون إلى أهلها، ويحسدهم عليها, وأشد ما كان يعجب بخطبه كونتس متلس في الزواج، فتلاها في مجلس الشيوخ وأصدر أمراً إمبراطورياً بإذاعتها بين طبقات الشعب. وكان كثيرون من رجال الجيل القديم يتفقون معه في آرائه فألفوا من بينهم حزباً متزمتاً شديد الرغبة في تقويم الأخلاق عن طريق التشريع؛ وأكبر الظن أن ليفيا Livia أمدتهم بنفوذها. واستخدم أغسطس ماله من حقوق بوصفهِ رقيباً وتربيوناً فأصدر طائفة من القوانين-أو لعله حمل الجمعية على إصدارها-تهدف كلها إلى تقويم الأخلاق، وتشجيع الزواج، والوفاء بين الأزواج، والأبوة الصالحة، والحياة البسيطة، والعودة بها إلى السنن القديمة. وحرمت هذه القوانين على المراهقين-والمراهقات-أن يحضروا دور اللهو العامة في صحبة الكبار من أقاربهم؛ ومنع النساء من مشاهدة الاستعراضات الرياضية، وقصر أماكنهم في المجتلدات على المقاعد العليا؛ ثم حدد مقدار ما ينفق من المال في البيوت، وعلى الخدم، والولائم، والزواج، والجواهر، والملابس. وكان أهم هذه "القوانين اليوليائية" كلها "القانون اليوليائي الخاص بالعفة ومنع الزنى "Lex Julia de Pudicitia et de Coercendis Adulterus" (18ق.م).

وبهذا القانون وضع الزواج لأول مرة في التاريخ الروماني تحت حماية الدولة بعد أن كان متروكاً لسلطة الآباء في أسرهم Patria Potestas، واحتفظ الأب بحقهِ في قتل ابنتهِ الزانية هي وشريكها ساعة أن يضبطهما متلبسين بهذه الجريمة، وأجيز للزوج أن يقتل عشيق زوجته إذا ضبطه في منزلهِ، أما زوجته فلم يكن له أن يقلها إلا إذا ارتكبت الفحشاء في بيتهِ هو. وكان يطلب إلى الزوج الذي يكشف عن خيانة زوجته أن يأتي بها إلى المحكمة في خلال ستين يوماً من هذا الكشف؛ فإذا لم يفعل هذا كان يُطلب إلى والد الزوجة أن يقوم هو بهذا العمل؛ فإذا لم يفعل الوالد نفسه ذلك جاز لأي مواطن أن يتهمهما. وكان عقاب المرأة الزانية أن تُنفى من البلاد طوال حياتها، وأن تجرّد من ثلث ثروتها ومن نصف بائنتها، وأن يُحرم عليها الزواج مرة أخرى. وقد قُررت هذه العقوبات نفسها على الزوج الذي يتغاضى عن زوجته الزانية. غير أنه لم يكن من حق الزوجة أن تتهم زوجها بالزنى، فقد كان له أن يتصل بالعاهرات الرسميات المسجلات دون أن يعاقبهُ القانون على هذا الاتصال. ولم يكن هذا القانون يطبق إلا على المواطنين الرومان. وأكبر الظن أن أغسطس سن حوالي ذلك الوقت قانوناً آخر يُعرف عادة باسم القانون اليوليائي الخاص بالزواج بين الطبقات Lex Julia de Maritandis Ordiniyrdus ذلك لاحتوائهِ على فصل خاص بالزواج بين الطبقات أي بين الطبقتين العليين. وكان الهدف الذي يرمي إليهِ مزدوجاً، فقد كان يرمي إلى تشجيع الزواج وإلى تحديده معاً، وذلك لأنه كان يعطل امتزاج الدم الروماني بالدم الغريب ، ويعيد إلى الزواج فكرته الأولى فكرة الاتحاد لإنجاب الأبناء. وكانت السبيل التي سلكها القانون للوصول إلى هذين الهدفين هي فرض الزواج على جميع الصالحين له من الرجال إذا كانوا أقل من سن الستين، وعلى الصالحات له من النساء إذا كن أقل من الخمسين. وألغيت الوصايا التي كانت تشترط في الموصى له أن يظل عزباً؛ وفرضت عقوبات على العزاب: فحرموا من الميراث عدا ميراث الأقارب إلا إذا تزوجوا في خلال مائة يوم بعد وفاة الموروث؛ كما مُنعوا من مشاهدة الحفلات والأعياد العامة. ولم تكن الأرامل أو المطلقات يرثن إلا إذا تزوجن مرة أخرى في خلال ستة شهور من موت الزوج في الخالة الأولى ومن الطلاق في الحالة الثانية.

وحرمت العنس والزوجة العقيم من الميراث إذا بلغت الخمسين من عمرها، أو كانت أصغر من ذلك وكانت تملك خمسين الف سسترس (75000 ريال أمريكي). وحرم على الرجال من طبقة أعضاء مجلس الشيوخ أن يتزوجوا من المحرَّرات أو الممثلات أو العاهرات، كما حرم على الممثل والمحرَّر أن يتزوج ابنة من طبقة أعضاء مجلس الشيوخ. وفرضت على النساء اللاتي يمتلكن أكثر من عشرين ألف سسترس أن يؤدين ضريبة سنوية قدرها 1% من أموالهن حتى يتزوجنَ، ثم تخفض هذه الضريبة بالتدريج كلما رزقن ابناً، فإذا رزقن الطفل الثالث رفعت الضريبة عنهن، وإذا كان لأحد القنصلين أبناء أكثر من زميله تقدم عليهِ. وكان يفضل في تولي المناصب العامة أكبر المتقدمين إليها أسراً متى كان صالحاً لتولي المنصب. وكان من حق الأم ذات الثلاثة الأبناء أن ترتدي جلباباً خاصا Ius Trium Liberorum وأن تحرر من سيطرة زوجها عليها. وقد أغضبت هذه القوانين الطبقات جميعها حتى طبقة المتزمتين، فقد اشتكى هؤلاء من أن "حق الثلاثة الأبناء" قد حرر الأم من سلطان الرجل تحريراً شديد الخطورة. ومن الرجال من أخذوا يبررون عدم الزواج بقولهم إن "المرأة الحديثة" قد تطرفت في استقلالها، وغطرستها، ونزقها، وإسرافها. وكانوا يرون أن حرمان العزّاب من مشاهدة المعارض والألعاب العامة عقاب قاس مستحيل التنفيذ، ولهذا أمر أغسطس بإلغائهِ في عام 12ق.م؛ ثم خففت القوانين اليوليائية مرة أخرى بمقتضى قانون بُبْيَا بُبّيَا Popia Poppea، وذلك بتخفيف شروط الميراث على العزّاب، وبمضاعفة الفترة التي تستطيع الأرامل والمطلقات في أثنائها أن يرثن قبل أن يتزوجن مرة أخرى، وبزيادة القدر الذي يستطيع أن يرثه مَن لا أبناء لهُ.

ثم أعفيت أمهات الأبناء الثلاثة من القيود التي وضعها قانون فوكونيا Lex Voconia على الوصايا للنساء. وخفضت السن المحددة للتقدم للمناصب العامة بنسبة حجم أسرة من يتقدم لهذه المناصب. ولاحظ الناس بعد أن سُنت هذه القوانين أن القناصل الذين وضعوا صيغتها وأطلقوا أسماءهم عليها عزّاب لا أبناء لهم. وأصناف النمامون إلى ذلك أن الذي اقترح هذه القوانين على أغسطس-وهو الذي لم يكن له إلا ولد واحد-هو ماسناس الذي لم يكن له ولد، وأنه في الوقت الذي سنت فيهِ كان ماسناس يعيش عيشة الترف والخنوثة، وكان اغسطس يغوي زوجة ماسناس على الفحشاء(19). وليس في وسعنا أن نحكم على أثر هذه الشرائع التي تعد أهم الشرائع الاجتماعية في التاريخ القديم، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنها لم تسن بالعناية والدقة الواجبتين، وإن من أرادوا خرقها كانوا يجدون فيها كثيراً من الثغرات؛ فمنهم من تزوجوا إطاعة للقانون ثم ما لبثوا أن طلقوا زوجاتهم؛ ومنهم من يبنّوا أطفالاً ليحصلوا بذلك على المناصب أو الوصايا، ثم "حرروهم"-أي طردوهم من ديارهم بعدئذ. وأعلن تاستس بعد قرن من ذلك الوقت أن هذه الشرائع أخفقت في الغرض الذي كانت ترمي إليهِ: "فالزواج وإنجاب الأبناء لم يزيدا على ما كانا عليهِ من قبل، وذلك لأن مغريات عدم النسل مغريات عظيمة القوة". ولم ينقطع الفساد الخلُقي وإن أصبح الناس أكثر تأدباً فيهِ عما كانوا من قبل؛ ونتبين من أقوال أوفد أنه كان في طريقه إلى أن يصير فناً من الفنون الجميلة، وموضوعاً يعني مهرة الخبراء بتعليمه للمبتدئين. والحق أن أغسطس نفسه كان يرتاب في قوة هذه الشرائع. وكان يتفق مع هوراس في أن القوانين عبث لا طائل منه إذا لم تتغير القلوب.

ولقد كافح كفاح الأبطال ليصل إلى قلوب الناس؛ فكان يعرض من مقصورتهِ في ساحة الألعاب أبناء جرمنيكوس الكثيرين، وكان جرمنيكوس مضرب المثل في الأبوة؛ وكان يهب ألف سسترس للآباء ذوي الأسر الكبيرة ؛ وأقام نصباً تذكارياً لأَمة ولدت خمسة أبناء (وهي لم تفعل ذلك بالطبع لبواعث وطنية) ؛ ولشد ما اغتبط حين رأى فلاحاً يأتي راجلاً إلى رومة ومن ورائهِ ثمانية أبناء، وستة وثلاثون حفيداً، وتسعة عشر من أبناء أحفاده. ويصوره ديو كاسيوس يخطب في الناس ويشهر "بانتحار العنصر" الروماني الأصيل. وكان يلذ له أن يقرأ مقدمة تاريخ ليفي الأخلاقية، ولعله هو الموحي بها. وقد أصبحت الآداب في عصرهِ وبتأثيرهِ آداباً تعليمية عملية الصبغة، وأقنع بنفسهُ أو عن طريق ماسيناس فرجيل وهوراس بأن يستخدما شعرهما في الدعاية إلى الإصلاح الخلقي والديني، فحاول فرجيل في كتاب الزراعة Georgics أن يعيد الرومان بأغنيهِ إلى المزارع، كما حاول في الإنياذة Aeneid أن يجتذبهم إلى الآلهة القدامى. أما هوراس فبعد أن ذكر أمثلة كثيرة لمسرات العالم حول أغانيهِ إلى الموضوعات الراقية. وأقام أغسطس في عام 17ب.م "الألعاب القرنية Ludi Saeculares -التي ظلت قائمة ثلاثة أيام، وشملت حفلات، ومباريات، واستعراضات؛ وقد أقامها احتفالاً بعودة عصر زحل الذهبي، وكلف هوراس أن يكتب Carmen Saecular لكي يغنيها في الموكب سبعة وعشرون فتى ومثلهم من الفتيات. وحتى الفن نفسهُ قد استخدم للإشارة إلى الأخلاق، فقد مُثلت في نقش أراباسس Ara Pacis البارز الجميل حياة رومة وحكومتها؛ وشُيدت المباني العامة لتمثيل قوة الإمبراطورية وعظمتها، وأقيمت عشرات الهياكل لتستثير في قلوب الناس ذلك الإيمان الذي كاد يموت. واقتنع أغسطس في آخر الأمر-وهو الرجل المتشكك الواقعي-بأن إصلاح الأخلاق لا بد أن ينتظر نهضة دينية. ذلك أن جيل المتشككين أمثال لكريشيوس وكانلس وقيصر كان قد مضى وانقضى، وأدرك أبناء هذا الجيل أن خشية الآلهة هي شباب الحكمة، بل إن أوفد الساخر نفسهُ أخذ يكتب بعد قليل من ذلك الوقت على طريقة فلتير: "إن أسباب الرحمة للإنسان أن تكون هنالك آلهة، وأن نعتقد بوجودها Expenditesses Deos et Un Expedit Esse Putemuse ".

وكانت عقول المتحفظين تعزو أسباب الحرب الأهلية وما جرته على الدولة من كوارث إلى إهمال الدين، وما استتبع هذا الإهمال من غضب آلهة السماء. وأصبح الناس الذين حل بهم عقاب الآلهة في كل مكان من إيطاليا على استعداد لأن يعودوا إلى مذابح البلاد القديمة، وأن يسبحوا بحمد الآلهة الذين أبقوا عليهم ليستمتعوا بعودة الدين إلى سالف عهدهِ السعيد. ولما خلف أغسطس لبدس Lepidus الفاتر الإيمان-بعد أن ظل صابراً زمناً طويلاً يترقب موته-لما خلفه من منصب الكاهن الأكبر "احتشدالناس من كافة أنحاء إيطاليا لينتخبوني لهذا المنصب حتى بلغ عددهم حداً لم يبلغ مثله في رومة من قبل"(28). وتزعم هو حركة إحياء الدين وسار على بهجها، وكان يرجو أن يكون الناس أكثر قبولاً لإصلاحاتهِ السياسية والأخلاقية إذا ما ربطها رباطاً وثيقاً بالآلهة الرومانية. ومن أجل هذا رفع مقام الجماعات الأربع الكهنوتية، وزاد ثروتها إلى حد لم يكن له مثيل في الأيام السلفة، واختار نفسه عضواً في كل منها، واضطلع بواجب اختيار أعضائها الجدد، وكان يحرص كل الحرص على حضور اجتماعاتها ويشترك في مواكبها الفخمة الرهيبة.

ثم حرم ممارسة العبادات والطقوس المصرية الآسيوية في روما ، ولكنه استثنى اليهود من ذلك التحريم، وأطلق الحرية الدينية لسكان الولايات، وأغدق الهبات على الهياكل، وجدد الاحتفالات والمواكب والأعياد الدينية القديمة. ولم تكن الألعاب القرنية احتفالات دنيوية كما يظن لأول وهلة، فقد كانتت تقام في كل يوم من أيامها الثلاثة طقوس وتتلى فيهِ أناشيد، أهم ما تُشعر بهِ عودة صلات الود الوثيقة بالآلهة. ولما أن تغذت العبادات القديمة بهذه المعونة الملكية العليا سرت فيها حياة جديدة ومست من جديد شغاف قلوب الناس وآمالهم السماوية. ومن أجل هذا ظلت ثلاثة قرون صامدة للفوضى الناشئة من العبادات المتعارضة التي تسربت إلى رومة بعد أيام أغسطس. ولما أن ماتت بعد هذه القرون الثلاثة عادت من فورها إلى الحياة من جديد، وإن اتخذت لها رموزاً جديدة وتسمت بأسماء جديدة. وكان أغسطس نفسهُ من أكبر المنافسين لآلهتة، وكان قيصر قد ضرب له المثل في هذا التنافس: ذلك أن مجلس الشيوخ اعترف بألوهية قيصر بعد عامين من مقتله، وما لبثت عبادته أن انتشرت في سائر أنحاء الإمبراطورية. وكانت بعض المدن الإيطالية منذ عام 36ق.م قد أفسحت لأكتافيان مكاناً بين معبوداتها؛ وما وافى عام 27ق.م حتى أضيف اسمه إلى أسماء الآلهة في الترانيم الرسمية التي كانت تنشد في رومة، وحتى أصبح يوم مولده يوماً مقدساً لا عيداً فحسب؛ ولما مات أصدر مجلس الشيوخ قراراً أن تعبده رومة من ذلك الوقت وأن تعده من الآلهة الرسمية. وكان ذلك كله يُعد عملاً طبيعياً لا غبار عليهِ عند الأقدمين لأنهم لم يدر بخلدهم قط أن ثمة تفصل على الدوام بين الآلهة والآدميين؛ فما أكثر ما كانت الآلهة تتخذ لنفسها أشكالاً آدمية، ولقد كان ما لهرقل، وليقورغ والإسكندر، وقيصر، وأغسطس وأمثالهم من عبقرية مبدعة يبدو للشرق المتدين بنوع خاص إعجازاً خليقاً بالتقديس. ألم يعتقد المصريون أن الفراعنة، والبطالمة، بل وأنطونيوس نفسه أرباب يعبدون؟ ولقد كان عسيراً عليهم أن يضعوا أغسطس في منزلة تقل عن هؤلاء. ولم يكن الأقدمون وهم يفعلون هذا من الغفلة والبلاهة بالدرجة التي يرميهم بها من يفعلون فعلهم في هذه الأيام؛ فلقد كانوا على علم تام بأن أغسطس بشر، فإذا ألهوا روحه أو أرواح غيره فإنهم لم يكونوا يستعملون لفظ إله Theos, Deus إلا بالمعنى الذي نستعمل نحن فيهِ لفظ قديس في هذه الأيام. والحق أن تقديس الموتى وليد التألية الروماني، وأن الصلاة للآدمي المؤلفة لم تكن تبدو لهم في ذلك أكثر سخفاً مما تبدو الصلاة للقديس في هذه الأيام.

وارتبطت عبادة عبقرية الإمبراطور في البيوت الإيطالية بعبادة أرباب المنازل وعبقرية أبي الأسرة. ولم يكن في هذه العبادة شيء عسير على شعب ظل عدة قرون يؤله الموتى من آبائهِ، ويبني لهم المذابح، ويسمي مقابر أسلافه هياكل. ولما أن زار أغسطس آسية اليونانية في عام 21ق.م وجد أن عبادته قد انتشرت فيها انتشاراً سريعاً؛ وكانت النذور تقدم إليهِ والخطب ترحب بهِ بوصفه "المنقذ" و "ناقل الأنباء السارة" و "الإله ابن الإله". وقال بعض الناس أنه هو المسيح الذي طال انتظاره أقبل يحمل السلام والسعادة لبني الإنسان(29). وجعلت مجالس الولايات الكبرى عبادته المحور الذي تدور عليهِ احتفالاتها، وعينت مجالس الولايات والبلديات طائفة جديدة من الكهنة يدعون بالأغسطيين لخدمة الإله الجديد. وأبدى أغسطس استيائه من هذا كلهِ، ولكنه قبله آخر الأمر على أنه تمجيد روحي للزعامة، وتقوية للرابطة بين الدين والدولة، وعبادة مشتركة موحدة بين عقائد مختلفة مفرقة، وهكذا رضي حفيد المرابي أن يكون إلهاً.
أغسطس الإنسان

تُرى أي رجل هذا الذي ورث ملك قيصر في الثامنة عشرة من عمرهِ، وكان سيد العالم في الحادية والثلاثين. والذي حكم روما نصف قرن من الزمان، والذي شاد أعظم إمبراطورية في التاريخ القديم؟ لقد كان كئيباً جذاباً معاً، ولم يكن أحد أسمج منه، ولكن نصف عالم قد عبده رغم هذه السماجة. وكان ضعيف البنية، لا يمتاز بالشجاعة النادرة، ولكنه كان قادراً على أن يهزم جميع أعدائه وينظم شؤون الممالك، وينشيء حكومة أفادت على الدولة المترامية الأطراف مدى قرنين من الزمان رخاءً منقطع النظير. وقد استنفذ المثّالون كثيراً من الرخام والبرونز في صنع تماثيل وصوَر له يظهره بهضها في صورة الشاب الجاد المهذب الفخور الوجل، وبعضها في صورة الكاهن المنقبض الصدر، وبعضها قد غطت فيهِ نصف جسمه شارت الملك، وبعضها في ثياب القائد العسكري-فقد اضطر الفيلسوف على كره منه وبمشقة على نفسه أن يضطلع بواجب القواد. ولكن هذه الصور لا تكشف عن الأمراض التي كان يشكو منها-وإن أوحت بها في بعض الأحيان-وهي الأمراض التي جعلت حربه ضد الفوضى تتأثر في كل خطوة بكفاحهِ في سبيل صحتهِ. ولم يكن بالرجل الوسيم الخلق، وكان ذا شعر أصفر بلون الرمل، ورأس مثلث عجيب الشكل، وحاجبين مقترنين، وعينين صافيتين نافذتي النظرات؛ ولكن ملامحه مع ذلك كانت هادئة ساكنة-على حد قول سوتنيوس-وقد بلغ هدوؤه وسكونه حداً جعل أحد الغاليين، وكان قد جاء ليغتاله، يبدل نيته ويرتد عنه. وكان ذا جسد حساس يشوبه القوب من آن إلى آن؛ وقد أضعف داء المفاصل ساقه اليسرى فكان يعرج قليلاً، وكان يصاب في بعض الأحيان بنوع من التصلب شبيه بتصلب المفاصل تعجز معه يده اليمنى عن الحركة. وأصيب هو وعدد كبير من الرومان في عام 23 ق.م بوباء يشبه التيفوس، وكان يشكو من وجود حصا في المثانة، ولا يستطيع النوم إلا بمشقة، ويعاني في كل ربيع تمدداً في الحجاب الحاجز، ويصاب بالزكام إذا هبت الريح من الحبوب". وكان شديد التأثر بالبرد، ولذلك كان يلبس في الشتاء "صدرية من الصوف يقي بها صدره، ويلف اللفائف على فخذيهِ وساقيهِ، ويلبس شعاراً وأربعة إشارات وعباءة ثقيلة". ولم يكن يجرؤ على تعريض رأسه للشمس، وكان يتعبه ركوب الخيل، فكان يحمل أحياناً في محفة إلى ميدان القتال.

وظهرت عليهِ آثار الشيخوخة وهو في سن الخامسة والثلاثين بعد أن عاش في إحدى الفترات الحاسمة في تاريخ الإنسانية فأصبح عصبياً، معتلاً، سريع التعب، ولم يكن أحد يحلم وقتئذ بأنه سيعيش أربعين سنة أخرى. وجرّب عدداً كبيراً من الأطباء على اختلاف أنواعهم وجزاهم كلهم أحسن جزاء، وكان منهم أنطونينس موسى الذي عالجه من مرض لم يكن معروفاً على وجه التحقيق (ولعله خرَّاج في الكبد) بالكمادات والحمامات، وقد كرم موسى هذا بأن أعفى جميع الأطباء من الضرائب(31). ولكنه كان يعالج نفسه بنفسهِ في أكثر الأحيان، فكاد يعالج داء المفاصل بالاستحمام بالماء المالح الساخن وبالحمامات الكبريتية، وكان يقل من الطعام، ولا يتناول الأطعمة البسيطة الخفيفة كالخبز الخشن، والجبن، والسمك، والفاكهة. وقد بلغ من عنايته بمأكلهِ أن كان "في بعض الأحيان يتناول طعامه بمفردهِ قبل المآدب أو بعدها، ولا يطعم أو يشرب شيئاً في أثنائها"(32). وقصارى القول أن روحهُ هي التي أبقت على جسمه وحملته حمل الصليب شأنه في هذا شأن القديسين في العصور الوسطى. وكان جوهر طباعه حيويتة أعصابه، وقوة عزيمته، ونفاذ بصيرته، وسعة صدرهِ وحسن تفكيره. وقد قبل من المناصب عدداً يخطئه الحصر، واضطلع بتبعات لم يضطلع أحد بأكثر منها إلا قيصر وحده، وأدى ما تتطلبه هذه المناصب من واجبات بأمانة وذمة، ولم تمنعه هذه الواجبات من أن يرأس جلسات مجلس الشيوخ بانتظام، وأن يحضر المؤتمرات والاجتماعات، وأن يحكم في مئات من القضايا، وأن يتحمل على مضض حضور المآدب والحفلات، وأن يدبر الحملات الحربية في البلاد النائية، وأن يصرف أموال الفيالق الحربية والولايات، وأن يزورها كلها، وأن يشرف على كل صغيرة وكبيرة من الأعمال الإدارية في دولاب الحكومة. وفوق هذا كله ألقى مئات الخطب، وأعدها هو حصراً يفخر بهِ على أن يجعلها واضحة، سهلة، جميلة الأسلوب، وكان يقرؤها بعد إعدادها ويفضل ذلك على أن يرتجلها حتى لا ينطق بألفاظ يندم عليها بعد النطق بها. ويحاول سوتونيوس أن يقنعنا بأنه لهذا السبب عينه كان يكتب مقدماً أحاديثه الهامة مع الأفراد، حتى مع زوجته نفسها، ويقرأها لهم.

وقد ظل يؤمن بالخرافات كما كان يؤمن بها معظم المتشككين في عصره بعد أن فقد إيمانه بدينه بزمن طويل. من ذلك أنه كان يحمل جلد عجل البحر ليتقي به شر الصواعق، وكان يعتقد بالفأل والطيرة، ويعمل في بعض الأحيان بما يتراءى له في منامه من نُذُر، وكان يأبى أن يبدأ رحلة في الأيام التي يرى أنها أيام مشئومة(34). وقد اشتهر في الوقت عينه بأنه واقعي في أحكامه، عملى في تفكيره، وكان ينصح للشبان بأن يبادرون بالانخراط في سلك الأعمال التي تتطلب منهم همه ونشاطاً حتى تقوَّم التجارب وضرورات الحياة، ما أخذوه عن الكتب من آراء. وقد اختفظ إلى آخر أيام حياته بعقليتهِ الطيبة البرجوازية وبتحفظه وحذره واعتدالهِ في نفقاته. وكانت الحكمة المحببة إليهِ هي قوله "بادر على مهل". وكان يفوق معظم أمثاله من ذوي السلطان العظيم في تقبل النصح واحتمال التأنيب بصدر واسع وتواضع عظيم. وقد زوّده الفيلسوف أثندورس Athendorus عندما همّ بوداعة وهو عائد من عنده إلى أثينة بعد أن عاش معهُ سنين بنصيحة قال له فيها: "إذا غضبت فلا تقل كلمة أو تفعل شيئاً قبل أن تعدّ لنفسك الحروف الهجائيةالأربعة والعشرين". وشكر أغسطس للفيلسوف تحذيره وتوسل إليهِ أن يبقى معه عاماً آخر وقال له: "لا خطر يتهدد الخير الذي يعود على الإنسان بفضل السكوت".

لقد قلنا من قبل إن مما يثير الدهشة أن يتحول قيصر من رجل سياسي صخاب إلى قائد سياسي محنك؛ ولكن أكثر من هذا إثارة للدهشة تحول أكتافيان القاسي القلب المنطوي على نفسه إلى أغسطس المتواضع الكبير العقل النبيل الطبع. ولقد حدث هذا التحول في خلال نموه. إن الشاب الذي أجاز لأنطونيوس أن يعلق رأس شيشرون في السوق العامة، والذي تنقّل من حزب إلى حزب دون أن يجد من ضميره تأنيباً على هذا التنقل، والذي أطلق العنان لشهواتهِ الجنسية، والذي طارد أنطونيوس وكليوبطرة إلى منيتهما دون أن تؤثر فيهِ صداقة أو شهامة-إن هذا الشاب العنيد الذي لا يحب أحداً لم يُسَمم عقله السلطان والجاه، بل أصبح في الأربعين سنة الأخيرة من حياته مضرب المثل في العدل والاعتدال، والإخلاص والنبل والتسامح، يضحك من سخرية الشعراء بهِ وهجوهم إياه، وينصح تيبيريوس أن يقنع بمنع أعمال العدوان أو محاكمة المعتدين، وألا يسعى لتكميم أفواههم، ولا يصر على أن يعيش غيره من الناس عيشة البساطة التي فرضها هو على نفسهِ. فكان إذا دعا إلى وليمة، انسحب منها في بدايتها لكي يترك لضيوفها الحرية التامة في الاستمتاع بالطعام والمرح. ولم يكن مزهواً بنفسهِ وكان يستوقف الناخبين ليطلب إليهم أن يعطوه أصواتهم في الانتخاب، وينوب عن أصحابهِ من المحامين في القضايا. وكان إذا دخل رومة أو خرج منها يفعل ذلك في السر لأنه يبغض مظاهر الأبهة، وهو لا يظهر في نقش أراباسيز Ara Pacis مميزاً عن غيره من المواطنين بأية علامة من علامات الامتياز، وكانت استقبالاته الصباحية مباحة لجميع المواطنين، وكان يستقبلهم كلهم بالبشاشة والترحيب. ولما تردد أحد الناس في أن يعرض عليهِ ماتمساً، لامه مازحاً بقولهِ إنه يعرض عليهِ وثيقة "كأنه يقدم فَلساً لفيل". ولما بلغ سني الشيخوخة، وأحفظته الخيبة، واعتاد عظيم السلطة، بل اعتاد الألوهية، تبدلت حاله فخرج عن تسامحه، واضطهد أعداءه من الكتاب، وصادر التواريخ التي تسرف في الانتقاد، وأصم أذنهُ عن سماع أشعار أوفد التي يقول فيها إنه تاب وأناب، ويقال إنه أمر في يوم من الأيام أن تكسر ساقا ثالس Thallus أمين سره لأنه أخذ خمسمائة دينار ليبوح بما يحتويه أحد الخطابات الرسمية، وإنه أرغم أحد محرريهِ على الانتحار حين تبين له أنه زنى برومانية متزوجة. وقصارى القول أن الإنسان إذا نظر إلى أخلاقه في جملتها لم يكن من السهل عليهِ أن يحبه؛ وإن من واجبنا أن نتصور ما كان يعانيه من الضعف الجسم وما قاساه في شيخوختهِ من أحزان قبل أن تتفتح قلوبنا له كما تتفتح لقيصر المقتول أو لأنطونيوس المغلوب.
آخر أيام أغسطس

تكاد مآسي أغسطس وهزائمه كلها أن تكون في داخل بيتهِ. وأول ما نذكره من هذه المآسي أنه لم يُرزق من زوجاته الثلاث-كلاديا وأسكربونيا وليفيا- إلا طفلة واحدة! ذلك أن أسكربونيا قد ثأرت لطلاقها منه على غير علم منها بـأن ولدت له يوليا Julia . وكان يأمل أن تلد ليفيا ولداً ينشئهُ ويعلمهُ أساليب الحكم، ولكن زواجها من أغسطس قد تكشف لسوء حظهِ عن زواج عقيم، وإن كانت قد كافأت زوجها الأول بأن أنجبت لهُ ولدين عظيمين هما تيبيريوس ودروسس. وإذا استثنينا هذا العقم فقد كانت هي وأغسطس سعيدين بهذا الزواج؛ فقد كانت هي ذات جمال وجلال، وخلق مكين وذكاء عظيم؛ وكان أغسطس يعيد على مسامعها أنباء أهم ما يعتزم القيام به القيام من الأعمال، ولم يكن تقديره لمشورتها ينقص عن تقديره لمشورة أرجح أصدقائهُ عقلاً. وسئلت مرة كيف صار لها هذا النفوذ العظيم، فأجابت بقولها إن سبب ذلك أني "عفيفة إلى أقصى حد العفة...لا أتدخل مطلقاً في شؤونهِ، أني كنت أدعي أني لم أرَ خليلاته ولم أسمع شيئاً عنهن أو عما كان بينه وبينهن من وقائع غرامية(38)". وكانت مضرب المثل في الفضائل القديمة، ولعلها كانت تُسرف في الإصرار على الدعاية لهذه الفضائل. وكانت تقضي أوقات فراغها في أعمال البر، فتساعد الآباء ذوي الأسر الكبيرة، وتهب البائنات للعرائس الفقيرات، وتنفق على كثير من اليتامى من مالها الخاص. وكان قصرها نفسه أشبه بملجأ للأيتام؛ ذلك أن أغسطس كان يشرف في هذا القصر وفي قصر أخته أكتافيان على تربية أحفاد، وأبناء إخوتهِ وأخواتهِ، وبناتهن، وحتى على أبناء أنطونيوس الستة الذين بقوا أحياء. وكان يرسل الذكور في سن مبكرة إلى الحروب، يعنى بتعليم البنات الغزل الحياكة، "ويحرم عليهن أن يفعلن أو يقلن شيئاً خفية، إن كان مما يصح أن يسجل في يومية المنزل". وأحب أغسطس دروسس ابن ليفيا، وتبناه ورباه، وكان يسره أن يورثه ثروته وملكهُ، وكان موت هذا الفتى في سبابهِ من أولى مآسي الإمبراطور. أما تيبيريوس فقد كان يحترمهُ ولكنه لا يحبهُ، ذلك بأن تيبيريوس خليفة أغسطس كان صلفاً مفرطاً في ثقتهِ بنفسهِ، ينزع إلى الكآبة والخفاء. ولا شك في أن جمال ابنتهُ يوليا وخفة روحها قد متعاه بالكثير من أوقات السعادة في أيام طفولتها. ولما بلغت الرابعة عشرة من عمرها أقنع أكتافيان بأن تسمح بطلاق ابنها مارسلس من زوجتهِ، وأغرى الشاب بأن يتزوج يوليا، ولكن مارسلس توفي بعد سنتين من هذا الزواج؛ وبعد أن حزنت عليهِ يوليا حزناً قصير الأجل شرعت تستمع بحرية طالما تاقت نفسها إليها. غير أن الإمبراطور الشديد الولع بعقد عقود الزواج لم يلبث أن حمل أجربا على كره منه على أن يطلق زوجته ويقترن بالأرملة المرحة (21ق.م) راجياً أن يثمر هذا الزواج حفيداً له يرثهُ بعد وفاتهِ. وكانت يوليا وقتئذ في الثامنة من عمرها، أما أجربا فكان في الثانية والأربعين، ولكنه كان رجلاً صالحاً عظيماً وكان له من الثروة ما يحبب الناس فيهِ. وقد جعلت يوليا بيته في المدينة ندوة للمرح والفكاهة، وأضحت هي روح الشباب المرح في العاصمة، على نقيض ليفيا التي كانت تتزعم طائفة المتزمتين. وانطلقت الألسن تتهم يوليا بخيانة زوجها الجديد وتعزو إليها جواباً غير معقول عن سؤال غير معقول كذلك. فقد قيل إنها سئلت لم كان أبناؤها الخمسة الذين ولدتهم لأجريا مشابهين له فأجابت: "إني لا أقبل راكباً قط إذا كانت السفينة قد امتلأت Munquam Nisi Nave Plena Tollo Vectorem(40)". ولما مات أجربا عقد أغسطس آمالهُ على ولدي يوليا الأكبرين جيوس ولسيوس وغمرهما بحبه، وعني بترقيتهما إلى منصبين كبيرين لا تجيز قوانين البلاد ترقيتهما إليها في مثل سنهما.وأضحت يوليا أرملة مرة أخرى، وكانت أبرع جمالاً وأكثر ثراء من ذي قبل، فاندفعت مستهترة في كثير من مغامرات العشق أطلقت فيها ألسنة أهل رومة وجعلتها موضع تندرهم ولهوهم، وخففت عنهم ما كانوا يجدونه من الضيق بسبب "القوانين اليوليوسية". وأراد أغسطس أن يقطع ألسنة السوء عن الولوغ في عرضهِ ولعله أراد أيضاً أن يزيل ما بين زوجته وابنته من شقاق فزوجها مرة ثالثة؛ فأرغم تيبيريوس ابن ليفيا على أن يطلق زوجته الحامل فبسانيا أجربنا Vipsania Agrippina، ابنة أجربا، وأن يتزوج يوليا التي لم تكن أقل منهُ كرهاً لهذا الزواج (9ق.م). وبذل هذا الشاب-وكان من الطراز الروماني القديم-غاية جهدهِ لكي يكون زوجاً صالحاً، ولكن يوليا لم تلبث أن امتنعت عن بذل أي جهد للتوفيق بين حياتها الأبيقورية وحياتهِ الرواقية، وعادت إلى مغامرات الحب الخفية. وصبر تيبيريوس على هذه الفضائح وكظم غيظه إلى حين؛ وكان قانون يوليا الخاص بالزانيات Lex Julia de Adulteriis يطلب إلى زوج الزانية أن يشكوها إلى المحاكم؛ ولكن تيبيريوس عصى هذا القانون لكي يرد الأذى عن واضعهِ، ولعلهُ أراد بذلك أيضاً أن يرد الأذى عن نفسهِ، لأنه هو وليفيا كانا يأملان أن يتبناه أغسطس، وأن يوليهِ زعامة الإمبراطورية من بعدهِ.

ولما تبين أن الإمبراطور يؤثر عليهِ أبناء يوليا من أجربا اعتزل مناصبهِ الرسمية، وآواى إلى رودس، وعاش فيها سبع سنين معيشة الرجل العادي البسيط قضاها في الوحدة والفلسفة والتنجيم. وخلا الجو ليوليا، وكان لها من الحرية ما لم تستمتع به قط من قبل، فأخذت تتنقل من عشيق إلى عشيق حتى كان قصف عشاقها ومرحهم يملآن السوق العامة صخباً وضجيجاً طوال الليل(41). وقاسى أغسطس وقتئذ (2ق.م)، وهو شيخ محطم في الستين من عمره، كل ما يقاسيه أب وحاكم يشهد بعينيهِ انهيار أسرته وشرفه وشرائعه. وكانت هذه القوانين تحتم على أبي الزانية أن يتهمهما بالزنى علناً إذا لم يقم زوجها بهذا الاتهام. وقد عرضت عليهِ أدلة على سوء سلوكها، ولما أعلن أصدقاء تيبيريوس أنهم سيتولون هم اتهام يوليا أمام المحاكم إذا لم يتهمهما أغسطس، قرر أن يسبقهم إلى العمل؛ فأصدر قراراً ينفي ابنتهُ إلى جزيرة بندتيريا Pandateria، وهي صخرة جرداء بالقرب من شاطئ كمبانيا، في الوقت الذي بلغ فيهِ مرحها وفسادها ذروتهما، وأرغم أحد عشاقها وهو ابن من أبناء أنطونيوس أن ينتحر، ونفى عدداً آخر من العشاق خارج البلاد. وقتلت فوبي Phoebe إحدى معتوقات يوليا نفسها شنقاً مفضلة ذلك على الشهادة عليها.ولما سمع الوالد المنكوب بهذا النبأ قال:

"وددت لو أني كنت والد فوبي ولا أكون والد يوليا"

وكان ولداها جيوس ولوسيوس قد سبقاها إلى الدار الآخرة بزمن طويل؛ فأما لوسيوس فقد توفي في مرسيليا في العام الثاني قبل الميلاد على أئر مرض من الأمراض، وأما جيوس فقد مات من جرح أصيب بهِ في أرمينية (4ب.م). وألفى أغسطس نفسهُ في شيخوختهِ من غير أنيس ولا وريث، في الوقت الذي كانت فيهِ ألمانيا، وبانونيا، وغالة تُهدد بالانقضاض عليهِ، فاضطر على الرغم منهُ إلى استدعاء تيبيريوس (2ب.م)، وتبناه، وأشركه معهُ في الحكم، وأرسلهُ لإخماد نار الثورة؛ ولما عاد في العام التاسع بعد الميلاد بعد حروب طاحنة مظفرة دامت خمس سنين أقرت رومة، وكانت تحقد عليهِ لتزمتهِ، بأن تيبيريوس قد شرع يحكم البلاد وإن كان أغسطس لا يزال زعيمها. وبعد فإن آخر مآسي الحياة أن تدوم مأساتها على الرغم من صاحبها-أي أن يعيش الإنسان بعد أن يخسر كل شيء، وأن يُحرم حتى الموت. ولم يكن أغسطس، إذا نظرنا إلى عدد السنين وحدهُ، قد بلغ أرذل العمر حين أخرجت يوليا من البلاد، فقد كان غيره من الرجال وهم في سن الستين أقوياء أشداء؛ أما هو فقد حيي أكثر من حياة، ومات أكثر من ميتة، مذ جاء إلى روما غلاماً في الثامنة عشرة من عمرهِ ليثأر لمقتل قيصر وينفذ وصيتهِ. وكم من حرب خاض غمارها من ذلك الحين، وكم من هزيمة أوشكت أن تحيق بهِ، وما أكثر ما عانى من آلام وأمراض، وتعرض لمؤامرات وأخطار، وما أكثر ما شاهد من مرارة الخيبة، وانهيار أغراضه النبيلة وتبددها؛ وقد حدث له كل ذلك في فترة لا تزيد على أربعين عاماً، ملئت كلها بالآلام والمنغصات، ورأى فيها آمالهُ تضيع أملاً بعد أمل، وأعوانهُ يُختطفون من واحداً بعد واحد، حتى اختطف من آخر الأمر تيبيريوس العنيد الشجاع نفسهُ! ولعله كان يرى وقتئذ أنهُ كان خيراً له وأحكم أن يموت ميتة أنطونيوس في أوج العظمة وبين ذراعي حبيبتهِ.

وما من شك في أنه كان يتحسر إذا ما عاد بذاكرتهِ إلى تلك الأيام الجميلة، حين كان قلبه يفيض بالسعادة إذا رأى يوليا وأجربا من حولهُ، أو شاهد أحفادهُ يمرحون ويلعبون في أرض قصرهِ. وها هو ذا يرى يوليا أخرى ابنة ابنته قد شبت عن الطوق، وأخذت تسير سيرة أمها، وكأنها أخذت على نفسها أن توضح للناس جميع ما ورد في أشعار صديقها أوفد من أفانين العشق. ولما جاءت أغسطس الأدلة القاطعة على أنها زانية نفاها في عام 8ب.م إلى جزيرة في البحر الأدرياوي، ونفى أوفد في الوقت نفسهُ إلى تومي Tomi على شاطئ البحر الأسود؛ ويروى أن الإمبراطور اليائس الضعيف قال وقتئذ: "يا ليتني لم أتزوج قط، أو يا ليتني مت دون أن يكون لي ولد!" وقد فكر في بعض الأحيان أن يميت نفسه جوعاً. ولاح له أن الصرح الذي شاده قد انهار من أساسهِ، ذلك أن السلطات التي اضطلع بها لكي يحفظ الأمن والسلام في ربوع البلاد قد أضعفت مجلس الشيوخ والجمعيات التي استمد منها هذه السلطات، حتى فقدت كل مقومات الحياة. فقد مل الشيوخ التصديق على ما يطلب إليهم التصديق عليهِ كما ملوا إطراء أغسطس وتملقهُ، فلم يعودوا يحضرون الجلسات. وأما الجمعيات فلم تكن يجتمع فيها إلا حفنة من المواطنين، وأصبح الموظفون الأكفاء ينفرون من المناصب التي كانت من قبل مطامع الرجال المبدعين المبتكرين بما تخلعهُ عليهم من الجاة والسلطان، وأضحى هؤلاء يرونها من دواعي الغرور الكاذب الكبير الأكفاء. وحتى السلم التي بسط أغسطس لواءها على البلاد، والأمن الذي وطد دعائمه في روما ، قد أضعفا قوى الشعب وأوهنا عزيمتهُ، فلم يكن أحد يرغب في الانضمام إلى الجيش، أو يعترف بأن الحرب شر محتوم، وأن لا بد من خوض غمارها من آن إلى آن؛ وحل الترف محل البساطة في العيش، والعلاقات الجنسية الطليقة محل الأبوة والأمومة، وأخذ الشعب العظيم يسير مسرعاً بإرادتهِ المضمحلة المنهوكة في طريق الفناء. وكان الإمبراطور الشيخ يشهد هذه المآسي ويشعر بها ويدركها حق الإدراك.

ولم يكن في وسع أحد من الناس أن يقول لهُ وقتئذ إن الزعامة العجيبة الحاذقة التي أنشأها ستهب الإمبراطورية الرومانية أطول فترة من الرخاء عرفها البشر في تاريخهم كلهُ، وإن السلم الرومانية التي بدأت في صورة السلم الأغسطسية ستعد في عصور التاريخ المقبلة أجل الأعمال في تاريخ الحكم والسياسة رغم ما فيها من العيوب الكثيرة وعلى الرغم من أنه قد جلس على العرش في أثنائها بضعة ملوك بلهاء. لقد كان أغسطس وقتئذ يعتقد، كما يعتقد ليوناردو دافنشي، أنه أخفق فيما كان يبتغيهِ. ووافتهُ المنية وهو هادئ ساكن في نولا Nola، وكان قد بلغ السادسة والسبعين من عمره (14ب.م)، وقال لأصدقائهِ الذين التفوا حولهُ وهو على فراش الموت تلك الكلمات التي طالما اختتمت بها الملهاة الرومانية: "والآن وقد أتقنت تمثيل دوري، فصفقوا بأيديكم وأخرجوني من المسرح بتصفيقكم"، ثم عانق زوجتهُ وقال لها: "تذكّري عشرتنا الطويلة يا ليفيا. الوداع". ثم فاضت روحهُ بعد هذا الوداع البسيط(42). وبعد بضعة أيام من وفاتهِ حملت جثته في شوارع رومة على أكتاف الشيوخ إلى ميدان المريخ حيث أحرقت بينما كان أطفال كبار الأسر في البلاد يرتلون ندبة الأموات.

******



Augusts Caesar هو أول من انشأ النظام الإمبراطوري في روما، وكان أول إمبراطور للدولة الرومانية، وقد اشتهر بعد ذلك باسم اغسطس، ثم اصبح اسمه أغسطس قيصر. وكان أغسطس في الثامنة عشرة من عمره حين ورث سلطان قيصر، وكان نحيف الجسم، سقيم البنية، غير منسق التقاطيع، يشكو من أمراض عديدة، ويتعثر في مشيته بسبب داء في ساقيه. ومع ذلك كان يطلق العنان لشهواته، غائصًا في التهتك والمجون، ويرتكب أبشع الأعمال وأفظع الجرائم في فظاظة بشعة وغلظة لا رحمة فيها ولا وخز ضمير، فكان مثالًا صادقًا وصارخًا للحاكم الروماني، وقد اتصف بكل ما اشتهر به الطغاة الجبابرة في كل عصور التاريخ، فأمكنه بذلك أن يقبض على زمام إمبراطوريته المترامية الأطراف بيد من حديد، وظل زهاء نصف قرن من الزمان هو الحاكم بأمره في العالم كله وقد عاد أغسطس إلى روما عقب انتصاره على انطونيوس في معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد، واستيلائه على مصر، فاستقبله الرومان استقبالا منقطع النظر، وقد بهرهم بانتصاريه العظيمة وغنائمه الضخمة التي جاء بها من مصر، وأغدقها على العامة والجنود فلم يسع مجلس الشيوخ إلا الرضوخ له والتخلى عن كل سلطاته إليه، فأصبحت في يديه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية مجتمعة. وفي عام 27ق. م. أسبغ عليه مجلس الشيوخ لقبا كان قاصرا من قبل على الآلهة، وهو لقب " أغسطس " وإذ كان اسم قيصر قد أصبح لقبا للأباطرة، أضيف إلى لقبه الأول فأصبح يسمي (أغسطس قيصر). وبالرغم من أنه كان يسمي نفسه (زعيمًا) فحسب، فقد أصبح ملكًا بالفعل وإن لم يسبغ على نفسه هذه الصفة، بل أصبح ملك الملوك، بوصفه إمبراطور الدولة الرومانية. ثم لم يلبث مجلس الشيوخ أن أعتبره إلهًا وأضاف اسمه إلى أسماء الآلهة الرسميين لروما، وأصبح يوم ميلاده يومًا مقدسًا تقام فيه الطقوس لعبادته والتوجه إليه بالصلوات والترانيم. وقد بلغ من إيمان بعض الرومان به أنهم وهبوا حياتهم له فقطعوا على أنفسهم عهدًا بأن يقتلوا أنفسهم حين يموت. ويقول سونونوس "إن الناس جميعًا على اختلاف طوائفهم وطبقاتهم كانوا يقدمون له الهدايا والقرابين في عيد رأس السنة". ثم سرعان ما امتدت عبادة أغسطس من روما إلى غيرها من الولايات الرومانية وقد اتخذت بعض ولايات آسيا عبادته ديانة رسمية لها وعينت لخدمة مذبحة طائفة جديدة من الكهنة اسمهم الأغسطيون. بل لقد زعم البعض أنه هو المسيح ابن الله المُنتظر. وهكذا أصبح ذلك الفاسق الزاني، والآثم الظالم، عند الرومان وأتباع الرومان، إلهًا ابن إله، وأصبح في زعمهم هو الذي ينتظره العالم كي يخلص البشر. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وقد ظلت الدولة الرومانية في عهد أغسطس دولة رأسمالية يسيطر عليها كبار الأغنياء من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان وكان الإمبراطور هو الرأسمالي الأول في الدولة فكان أغنى أغنيائها وقد أعتبر أموال الدولة كلها أمواله، فاختلطت خزانة الدولة بخزانته الخاصة، واصبح يتصرف في موارد الدولة بنفس الطريقة التي يتصرف بها في موارده الشخصية، وقد ترك هذه وتلك في أيدي عبيده الخصوصيين بغير حسيب ورقيب، ومن ثم سيطر عبيده على كل شئون الدولة، وأصبح بأيديهم الأمر والنهي في طول البلاد وعرضها. وكان أغنى الناس في روما بعد الإمبراطور هم أقاربه، وأصدقائه الذين تربطه بهم أوثق الصلات، إذ كان الإمبراطور هو الوسيلة السحرية إلى الثروة التي لا حدود لها. أما سخطه فكان وسيلة الخراب والهلاك.

St-Takla.org Image: Emperor Augustus Caesar صورة في موقع الأنبا تكلا: الإمبراطور أغسطس قيصر

St-Takla.org Image: Emperor Augustus Caesar

صورة في موقع الأنبا تكلا: الإمبراطور أغسطس قيصر

وقد تزايد الأثرياء في روما في عهد اغسطس فتزايد الفساد وأشتد انحطاط أخلاق الرجال وانحلال النساء، واضمحلال الروابط بين الزوج وزوجته والوالد وولده، فأنطلق كل منهم في سبيل، واطلق كل منهم العنان لشهواته لا يردعه رادع ولا يدفعه دافع من عقل ومن ضمير. وقد زهد أغلب الرجال والنساء على السواء في رباط الزوجية فأصبحت العلاقات غير الشرعية هي السائدة، واصبح الزنا هو القاعدة، كما زهد الجميع في إنجاب الأبناء، فأصبحوا يمنعون الحمل ويجهضون الحوامل ويقتلون الأطفال بعد ولادتهم. وقد تفاقم هذا كله حتى أصبح يهدد الرومان بالاندثار وأصبح يهدد الدولة الرومانية بالانهيار، ومن ثم سارع أغسطس قيصر إلى إصدار سلسة من التشريعات محاولًا أن يوقف هذا الطوفان قبل فوات الأوان، فمنع الزنى بقانون، وأعطى الحق للأب في أن يقتل أبنته الزانية مع شريكها، كما اعطي الحق للزوج في أن يقتل زوجته الزانية مع شريكها كذلك، وأوجب على زوج الزانية أن يبلغ عنها وإلا تعرض للعقاب. أما زوجة الزاني فلا يحق لها أن تبلغ عنه لأن القانون يبيح له الاتصال بالعاهرات. وقد أصبح الزواج مفروضًا بحكم القانون على كل الصالحين له من الرجال والنساء، وإلا تعرضوا لعقوبات صارمة، منها الحرمان من الميراث، والحرمان من مشاهدة الحفلات والأعياد العامة، بيد أن هذه القوانين قد أغضبت الرومان جميعًا بغير استثناء، ولا سيما أنهم كانوا يعلمون أن الذي أقترحها هو (مانساس) الذي كان مضرب الأمثال في الفجور والفحشاء، وكانت زوجته عشيقة أغسطس نفسه من أكثر الرومان عهرًا وعارًا، وكانت الفضائح التي تحدث في بيته تزكم أنوف القريبين والبعيدين في كل أنحاء الإمبراطورية، وكانت له أبنه وحيده تدعى جوليا ملأت روما بأخبار زناها وخيانتها لأزواجها المتعاقبين وانتقالها من عشيق لعشيق وعربدتها التى كانت تملأ السوق العامة صخبًا وضجيجًا طول الليل. ولذلك سخر الرومان من أغسطس قائلين: كيف يريد بقوانينه أن يصلح أخلاق الدولة كلها، بينما هو عاجز عن إصلاح الأخلاق في بيته. ومن ثم أضطر أغسطس أن يبعد أبنته جوليا عن روما. ولكن جوليا كان لها ابنه لم تلبث أن بدأت تسلك مسلك أمها وتثير الفضائح كذلك فأضطر كذلك أغسطس أن يبعدها عن روما هي الأخرى. وهكذا فشلت قوانين أغسطس وقد فشل في إصلاح أخلاق بيته وأخلاق دولته، لأنه هو نفسه – ككل الرومان – كان فاسد الأخلاق، وكانت الفضيلة والرذيلة عنده سواء. مصدر المقال موقع الأنبا تكلاهيمانوت.

وحين انتصر اغسطس على انطونيوس وكليوباترا في موقعة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد ، أصبح الطريق مفتوحًا أمامه للاستيلاء على مصر والقضاء على البطالمة، الذين كان قد زعزع كيانهم وضعضع قوتهم تطاحنهم فيما بينهم وثورة الشعب المصري عليهم، فضلًا عن انحرافهم وانصرافهم إلى حياة التهتك والخلاعة والمجون، ولا سيما كيلوباترا التي جعلت عرشها عش غرام لها، وجعلت من انوثتها وسيلة لتحقيق مطامعها، فسقطت في هوة عارها، وسقطت مصر معها بين براثن الرومان، فأستولي أغسطس عليها دون مقاومة في أول أغسطس عام 30 قبل الميلاد، وأصبحت ولاية رومانية منذ ذلك التاريخ، ولكنها ولاية ذات مركز خاص نظرًا لأهميتها التاريخية والسياسية والاقتصادية، وموقعها الممتاز وصلابة اهلها الذين لم يستسلموا أبدأ للغاصبين ويستكينوا للغزاة وأنما كانوا على الدوام – رغم وداعتهم – حربًا على الغاصبين وكانت بلادهم مقبرة للغزاة. ولذلك جعلها أغسطس تحت إشرافه المباشر، بل أعتبرها ملكًا خاصًا له، فأبعد عنها كل نفوذ مجلس الشيوخ، بل لقد منع أعضاء ذلك المجلس من زيارتها إلا بعد استئذانه. وقد ظل المبدأ مراعيًا حتى بعد موت أغسطس، فقد حدث أن أرسل الإمبراطور طيباريوس ولي عهده جرمانيكوس إلى الشرق لتنظيم بعض ولاياته فلما سمع أنه أنتهز الفرصة وزار مصر عنفه تعنيفًا شديدًا لأنه فعل ذلك دون استئذانه. وبذلك ضمن الإمبراطور سيطرته الكاملة على مصر، وحال دون تطلع أي حاكم روماني إلى الاستقلال بحكمها كما سبق أن أستقل بطليموس بحكمها عن عرش مقدونيا. وقد عين أغسطس نائبًا عنه في مصر من مصر ووارث عرش الفراعنة. وقد امر برسم صورته على الآثار مقرونة بالألقاب الإلهية التي كانت مألوفة في الولايات الرومانية كلها، وعقد لواء قيادتها لحاكم مصر الذي كان مسئولًا أمامه عن كل الشئون العسكرية والإدارية والمالية والقضائية في البلاد، وكان أول حاكم عينه أغسطس لمصر هو كورنيليوس جاللوس.

 

 أوغسطس لقب لاتيني ومعناه "المبجّل" وقيصر اسم أسرة رومانية وهو أول امبراطور روماني (31 ق.م-14م.) وكان اسمه أصلًا أوكتافيوس كايبياس, ولكنه أخذ اسم الأسرة قيصر عن يوليوس قيصر الذي كان أخًا لجدته لأمه. وقد أرسى قواعد السلام في كل أنحاء الإمبراطورية وفي الأراضي المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط. وقد حكم هيرودس في فلسطين بسماح من أوغسطس وكن يرسل الجزية إلى روما. وقد جاءت مريم ويوسف إلى بيت لحم في وقت ولادة يسوع بناء على قرار أوغسطس بإجراء إحصاء (لو 2: 1) ولما أثبت أرخيلاوس ابن هيرودس بأنه غير كفء للحكم عزله أوغسطس وأرسل حكامًا رومانيين ليحكموا اليهودية. وقد أطلق هيرودس الكبير اسم قيصرية تكريمًا لأوغسطس وتخليدًا له. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). ولا تزال قيصرية باقية إلى اليوم. وكذلك اسم سبسطي وهي الترجمة اليونانية في المؤنث لاسم أوغسطس, أطلقه على مدينة السامراة القديمة وتدعى الآن سبسطية. وقد أطلق هيروقد أطلق هيرودوس فيليبس اسم قيصرية على مدينة أخرى تكريمًا له وتخليدًا لذكره وهذه المدينة تدعى الآن بانياس, وقد كان في هذه المدينة هيكل للإله أوغسطس. ولذا فقد كانت مناسبة جميلة أن يعلن بطرس في هذا المكان اعترافه المجيد بأن يسوع هو ابن الله الحقيقي (مت 16: 16) وقد سمي الشهر أغسطس كذلك لذكرى هذا الإمبراطور. وقد أصبح اسم أوغسطس واسم قيصر من ألقاب الأباطرة فيما بعد ذلك الحين, فنجد مثلًا في أعمال 25: 21 و26 أن لقب أوغسطس يستعمل لنيرون. كتيبة أوغسطس: هذا لقب شرف أعطي لكتيبة رومانية (1ع 27: 1) ويني كتيبة الإمبراطور وكان الاسم اوغسطس أحد ألقابها ولا يعرف إذا كان هذا اللقب أطلق على هذه الكتيبة في زمن الإمبراطور الأول أو فيما بعد.




This site was last updated 09/30/13