Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 بناء أول‏‏ سكك حديدية فى مصر

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك ,

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
بناء السكك الحديدية
زوجات عباس وأولاده
الطربوش غطاء الرأس الرسمى
وجهة نظر
إغتيال عباس حلمى الأول
القصور الملكية
Untitled 2090

Hit Counter

 

********************************************************************************************************

الجزء التالى من مقالة بعنوان السكة الحـــديد أيـام زمـــــــان‏!!‏ -  محرر الأهرام‏:‏ إذا طلب العامل المصري قوته كاملا وحقا متواضعا في الحياة‏..‏ قالوا‏:‏ لقد بطر‏!‏ بقلم : د‏.‏ يونان لبيب رزق نشرت فى جريدة الأهرام فى جريدة الأهرام بتاريخ 16/11/2006 م السنة 131 العدد 43809 - وموضوع سكك مصر الحديدية له تاريخ طويل وتستقبل الجامعات المصرية أصحاب رسائل جامعية حول هذا الموضوع وقد اشرنا هنا عن مقالة المؤرخ العلامة  د‏.‏ يونان لبيب رزق حتى يلم القارئ بالموضوع من بعيد لأن الموقع غير متخصص فى الدراسات الأكاديمية التاريخية العميقة ********************************************************************************************************

 

 بدأ عباس الأول عام‏1854‏ في بناء أول‏'‏ سكك حديدية‏'‏ بين القاهرة والإسكندرية‏,‏ فأتم في عهده مد الخط بين الإسكندرية وكفر الزيات‏,‏ ثم استكمله خلفه سعيد باشا إلي القاهرة‏.‏
وأسهم في أهمية السكك الحديدية في مصر‏,‏ وحتي ما بعد معاهدة‏1936‏ التي نصت من بين ما نصت عليه علي إنشاء شبكة من الطرق البرية‏,‏ عجز الطرق البرية عن استيعاب حركة المرور بالسيارات علي الرغم من محدوديتها‏,‏ ولعل تعليق الأهرام في عددها الصادر يوم أول نوفمبر عام‏1937‏ عن العاصفة التي هبت علي مصر قبل يومين وأثرها علي الطرق القائمة وقتئذ تغني عن كل تعليق‏..‏
قالت جريدتنا أن حركة المرور قد تعطلت علي الطرق الزراعية جميعا في الوجه البحري‏,‏ بل لقد كادت تنقطع الصلة بين الوجهين بسبب ما حاق بطريق القاهرة‏-‏الفيوم من جوارف السيل والأمطار‏'‏ ولم يقف الضرر الذي عطل حركة المرور علي الطرق الزراعية ولكنه طغي علي بعض الطرق الكبري الممهدة والمرصوفة‏,‏ فطريق القاهرة‏-‏الإسكندرية غطته المياه فيما بين قليوب ودمنهور فوقفت فيه حركة المرور وقوفا تاما‏,‏ وطريق القاهرة‏-‏السويس غمرته المياه في كثير من أجزائه واقتلعت السيول أجزاء أخري وأنزلت بعابريه الويلات‏'!‏
علي ضوء تلك التجربة طالبت جريدتنا بتحقيق أمرين‏:‏
‏1)‏ إنشاء الطرق الصالحة‏.‏ فهي قد رأت أن مصر من أفقر الدول في هذا الشأن‏,‏ واعتمدت في ذلك علي تصريح لوزير المواصلات جاء فيه‏:‏ إن بلادنا في حاجة قصوي إلي كثير من الطرق الصالحة‏,‏ وإنني لأسعي جادا في توفير المال اللازم للإكثار من الطرق التي تصل بين أنحاء البلاد‏,‏ إذ أنها من أهم وسائل العمران والتقدم‏'.‏
‏2)‏ صيانة الطرق القائمة فتقوم بالإشراف عليها مصلحة الطرق والكباري التابعة لوزارة المواصلات‏'‏ وتبلغ جملة أطوال هذه الطرق إلي آخر إبريل‏1937‏ حوالي‏7400‏ كيلومتر منها‏4256‏ في الوجه البحري و‏3147‏ في الوجه القبلي‏,‏ بينها‏4290‏ كيلومتر فقط مرصوفة بالمكدام معظمها حول مدينتي القاهرة والإسكندرية‏.‏
وتضيف الأهرام أن وزارة المواصلات كانت قد أنشأت بعد إتمام رصف طريق القاهرة‏-‏السويس الصحراوي نقطة لأعمال صيانة هذا الطريق في ألماظة وزودتها بالسيارات‏,‏ ولكنها عادت فألغت هذه النقطة من باب الوفر والاقتصاد‏,‏ وهي نقطة لم تكن تزيد نفقاتها علي ألف جنيه في العام‏(!)'‏ ولا نقول أن بقاء هذه النقطة كان كفيلا بمنع ما وقع بالطريق جميعا‏,‏ بل نقول أن وجودها كان كفيلا بتقليل الخسائر والإسراع في أخذ التدابير اللازمة لصيانة الطريق وحماية أرواح عابريه‏'.‏
‏ وقد عثرنا علي أحدهم علي صفحات الأهرام خلال النصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي‏.‏
الاسم‏:‏ عبد الرحمن نصر‏,‏ ظهر علي صفحات الأهرام‏,‏ وكان يكتب موضوعاته أحيانا تحت عنوان‏'‏ لمحات‏',‏ وهو عنوان استخدمه كثيرون قبله وبعده‏,‏ غير أنه كان يختار أحيانا أخري عنوانا يلائم الموضوع الذي يخوض فيه‏,‏ خاصة عندما تتعدد حلقات مثل هذا الموضوع‏.‏
وإذا كان ثمة ملاحظة علي اختيارات الرجل‏,‏ فإنه قد عني عناية خاصة بموضوع السكك الحديدية قي تلك الفترة من تاريخ مصر‏,‏ فكتب خمس حلقات تحت عنوان‏'‏ بين القاهرة والإسكندرية والعكس‏',‏ وهو كاتب المقال عن سوء الطرق البرية الذي قدمنا به لهذه الحلقة‏,‏ والذي جعل استخدام السكك الحديدية في السفر داخل أنحاء القطر خيارا لا يعادله خيار آخر‏,‏ الأمر الذي يمكن توصيفه معه بأنه مؤسس صفحة‏'‏ السفر والرحلات‏'‏ في الجريدة العريقة‏,‏ وإن كانت قد خلت من الهدف الإعلاني‏,‏ كما حدث لمثل هذه الصفحة في الجرائد المصرية‏,‏ حين غلب الإعلان في كثير من الأوقات علي الإعلام‏!‏
‏***‏
‏'‏بين القاهرة والإسكندرية والعكس‏'‏ موضوع سلسلة المقالات التي أبدي فيها عبدالرحمن نصر عنايته الخاصة بالسكك الحديدية في هذا الزمان‏,‏ ونتبين من مستهل مقاله الأول في هذا الشأن أن الرجل كان صاحب روح نقدية‏,‏ وأنه كان صاحب رؤية اجتماعية خاصة‏,‏ فلم يكن يحبس نفسه داخل الديوان الذي يجلس فيه‏,‏ ولكنه كان مسافرا من نوع فريد‏,‏ مما بدا من أول مقالاته في هذا الشأن الذي نستمتع هنا ببعض ما جاء فيه مع قارئ عدد جريدتنا الصادر يوم الخميس‏23‏ يوليو‏1936.‏
تحت عنوان‏'‏ صابون الوحل‏'‏ جاء‏:'‏قال صاحبي‏.‏ وقد غابت القاهرة عن ناظرينا وانطلق القطار في ملء قوته كأنه يبغي الفرار من قيظ العاصمة الذي اشتد هذه الأيام‏:‏
‏-‏ هل أغلقت النافذة لنتقي العفار‏!,‏ قلت‏:‏ لا‏..,‏ فسواء أغلقنا النافذة أو أبقيناها مفتوحة فإن العفار بالغ منا ما يريد‏,‏ فلماذا نحرم أنفسنا متعة النظر إلي هذه الخضرة النضرة‏.‏ واعتمد صاحبي رأسه علي أحد الأركان وتناوم حتي نام‏.‏
‏'‏وأطللت أنا من النافذة أمتع الطرف بمناظر الطبيعة البهيجة‏..‏ ولئن قد غاب عني في هذه اللحظة الوجه الحسن‏,‏ فقد بقيت تترامي أمامي واحة جميلة من الخضرة والماء‏.‏ وتهادي القطار في مشيته وئيدة فحسبت أننا دنونا من إحدي المحطات‏,‏ فلما أرسلت بصري إلي مكان القضبان رأيت رجالا شبه عراة يعالجون القضبان في جهد وعناء وقد اكتست أبدانهم العارية بطبقة لامعة سمراء‏,‏ هي العرق‏,‏ الذي يتصبب من جسم العامل المصري الجبار في وقت الهاجرة ولفحة الرمضاء دون أن يشكو تعبا أو يئن علي استخذاء‏,‏ حتي إذا طلب قوته كاملا وحقا متواضعا في الحياة‏,‏ قالوا‏:‏ لقد بطر‏..‏ فأمسكوا به قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه‏!‏
‏'‏ ورفعت بصري إلي أبعد مدي‏..‏ إلي قناة أو بركة أو مستنقع‏,‏ أو سمه كما تشاء‏,‏ وإذا بي أري صبية ورجالا قد نزلوا إلي الماء يستحمون إلي جانب بقرة وغاسلة ثياب‏,‏ ديموقراطية رائعة يتقاسمها الإنسان والحيوان علي حد المساواة‏!‏ ودنا رجل من شاطئ الماء‏,‏ ثم أخذ بقبضة من الوحل ومضي حتي وصل الماء إلي وسطه‏,‏ وهنا جلل رأسه بتلك القبضة وراح‏(‏ يدعك‏)‏ بها جسده الناحل ثم غطس في الماء‏,‏ وعاد إلي الظهور مرة أخري وعاود الدعك والانغماس في الماء‏..‏ ذلك حمام الفلاح وذاك صابون الفلاح‏.‏ ورفعت بصري إلي السماء‏,‏ وقد خيل إلي أن السائق يتباطأ في مشية القطار عمدا‏,‏ ليري سكان الحضر صورة من الريف وأهل الريف وما هم فيه من شقاء‏.‏
‏'‏ وكان القطار قد أدي رسالته فعاد ينطلق كالسهم ويثير علي جانبيه الغبار فإذا بي أحس دمعة تترقرق من عيني‏,‏ ولست أدري هل كانت احتجاجا صامتا ورثاء لذلك الفلاح أو هاجتها ذرات الغبار‏!‏ وهنا فقط أدركت أن صاحبي كان محقا في طلب إقفال النافذة‏,‏ فأقفلتها وأحكمت الرتاج وقبعت في ركن إلي جانب صديقي الذي نام‏'!!‏
ومن خارج القطار إلي داخله‏,‏ ولنا ملاحظة هنا وهي أن محرر الأهرام كان من ركاب الدرجة الأولي في القطارات السريعة‏,‏ الإكسبريس‏,‏ وبالتالي لم يقدم لنا ما كنا نطمع أن نعرفه عن ركاب الدرجة الثالثة من الفقراء وعامة الشعب‏,‏ الذين كانوا يعانون منذ ذلك الوقت المبكر ما يعانونه حتي الآن‏,‏ والذي تأكد خلال السنوات الأخيرة من طبيعة ضحايا حوادث القطارات بدءا من قطار الصعيد الذي احترق أغلب من فيه‏,‏ وانتهاء باصطدام قطاري قليوب وكان أحدهما مشحونا بأعداد كبيرة من ركاب الصباح المبكر من صغار الموظفين والحرفيين الساعين للحاق بأعمالهم‏.‏
تأسيسا علي هذا الفهم لا نجد غرابة في المقال الذي وضعه الرجل تحت عنوان‏'‏ محجوز‏',‏ وبعينه الناقدة وقلمه الساخر رصد الأستاذ عبد الرحمن نصر ظاهرة لا تعرفها سوي في قطارات مصر‏..‏ كان الرجل يستقل القطار الأول السريع الذي يعود من الإسكندرية صباح الاثنين‏,‏ وكان كالعادة عامرا بالذين يقرنون راحة‏'‏ الويك إند‏'‏ والمراهنة في ميادين السباق‏'‏ ولكن هذا القطار حمل إلي جانب هؤلاء لفيفا من النواب الذين يهربون من قيظ القاهرة وحرارة‏'‏ القبة‏'‏ فلا يعودون إلا يوم انعقاد الجلسات‏.‏
‏'‏وحمل الزحام الواقفين علي رصيف محطة سيدي جابر إلي القفز بمجرد أن وقف القطار أمامهم‏.‏ وقفز أمامي شيخ وقور فنسيت بدوري نعمة الوقار وقفزت أبحث عن مكان‏.‏ وطفت بالعربة الأولي وكان يتقدمني كبير من أعضاء مجلس الشيوخ وعضو ممتاز من أعضاء مجلس النواب‏.‏ وأسفر بحث ثلاثتنا عن لا شيء‏.‏ وانتقلنا إلي العربة التالية‏,‏ فإذا بها كالأولي مكتظة بالركاب في موضع‏,‏ وخاوية علي عروشها في موضع آخر‏.‏ أما تلك الخاوية فكانت مقفلة الأبواب وقد التصق علي زجاجها الخارجي إعلان يقول‏(‏ محجوز‏)!‏
‏'‏خمسة دواوين أو تزيد كلها محجوزة للسادة الذين تقضي اللوائح والقوانين بأن لا يجلسوا مع سائر عبيد الله‏.‏ خمسة دواوين تسع ثلاثين راكبا ولكنها حجزت لخمسة ركاب‏,‏ ولا بأس من أن يقف الباقون علي الأبواب وإن كانوا قد دفعوا أجر الركوب مقدما‏.‏ بينما أولئك السادة‏(‏ شكك‏)‏ علي حساب هذا البند أو ذاك الاعتماد‏!‏
‏'‏ووقف السيدان اللذان كانا يتقدماني لدي أحد الأبواب وصاح أصغرهما بـ‏(‏فراش‏)‏ العربة أن افتح هذا الباب‏..‏ وحمدت الله لجرأة النائب المحترم الذي لم ترعه كلمة‏(‏ محجوز‏)‏ الملتصقة فوق زجاج باب الديوان‏,‏ وكتبتها عندي حسنة من حسنات الدستور والبرلمان‏.‏ ودخل الشيخ الجليل والنائب المحترم ودخلت في أعقابهما إلي ذلك الديوان المحجوز الذي تداعي بابه أمام ممثلي الأمة اللذين لم يأبها بالورقة الحمراء التي تنبئ عن تفرقة بين الرعايا والأسياد‏.‏
‏'‏وطلب الشيخ طعام الإفطار‏,‏ أما النائب المحترم فقد أدار طربوشه بحركة بارعة ثم ألقي رأسه إلي إحدي الوسائد وسرعان ما نام‏.‏
غير أنه عقب وصول القطار إلي محطة القاهرة واجه الأستاذ عبد الرحمن نصر مفاجأة نتجت عن فضوله‏,‏ ويالها من مفاجأة‏,‏ نتركه ليرويها بنفسه‏,‏ قال‏:‏
‏'‏ حملني الفضول علي أن أقرأ الورقة الملصوقة علي باب الديوان لأشمت في ذلك الذي حجز الديوان فغلبته الديموقراطية وحمية النائب الجرئ‏..‏ وقرأت‏,‏ إذا بصاحب الديوان المحجوز هو حضرة الوكيل البرلماني لوزارة‏...‏ وتذكرت أن النائب المحترم الذي فاز بإعجابي وهو يقتحم باب الديوان المحجوز محطما فوارق الطبقات بين الحاكمين والمحكومين‏..‏ تذكرت أن النائب المحترم قد ترك صفوف معشر الشعب المسكين وارتقي وكيلا برلمانيا في صفوف الحاكمين‏',‏ يعني أن كل ما علقه من آمال علي الديموقراطية والدستور قد تبدد مع وقوف القطار السريع في محطة الوصول‏!‏
من ناحية أخري كانت الحراسة المشددة لحكام مصر المحروسة‏,‏ محل شكوي من صاحبنا في إحدي سفرياته فقد شاءت الصدفة أثناء عودته من الإسكندرية إلي القاهرة أن يجلس في ديوان تال لديوان كان يجلس فيه أحد الوزراء وخطر له أن ينهض من مكانه ويمر في الممشي ذاهبا إلي العربة التالية غير أنه عدل عن الفكرة ووقف يتطلع إلي ورقة‏'‏ محجوز‏'‏ وإذا برجل يخرج إلي ويعترض الطريق‏'‏ ويسألني في قحة لماذا أتطلع إلي الديوان ومن فيه؟‏'.‏
ويكمل ما جري بعدئذ بالقول‏'‏ وتطلعت إلي وجه الرجل فإذا به يحمل الطابع المعروف‏..‏ طابع رجل البوليس السري الذي يحاول بكل الطرق أن ينزع عن نفسه طابع السرية ليعلن للناس بما بين يديه من سطوة ونفوذ‏..‏ وما هو بصاحب سطوة ولا نفوذ‏.‏ البدلة السوداء القصيرة الأكمام والحذاء الأصفر الفاقع الذي لا يسر الناظرين والقميص الزفير المخطط والطربوش الميري الطويل والعصفورة المنقوشة علي الصدغ الأيمن ومن تحتها ثلاثة خطوط لعلها كانت نبوءة‏(‏ الغجرية‏)‏ يوم أن قامت بعملية الدق‏,‏ وتمنت للمحروس أن يترقي إلي منصب شاويش‏!‏ تلك تكاد تكون صورة واحدة لعشرات رجال البوليس السري الذين يقطعون علي الناس الطريق إذا كان في هذا الطريق كبير أو وزير‏.‏
وياليت الأمر اقتصر علي ذلك فإنه بعد لحظات خرج من غرفة صغيرة في آخر عربة السكة الحديد رجل بوليس آخر وساع وحاجب برتبة صول وكادت تنشب معركة بين صاحبنا وبين هذا الجيش‏-‏ علي حد توصيفه‏-‏ لولا تدخل الصول الذي ادعي أنه يعرف الأستاذ نصر وأنه من معارف الباشا الوزير‏!‏
أما ما حدث بعد ذلك فقد تراجعت القوة علي غرفة الحراسة وعاد الأستاذ عبد الرحمن نصر إلي ديوانه ولكن بعد أن ألقي نظرة علي ديوان الوزير نكاية في رجل البوليس وحارس الباب‏'‏ وعجبت من أربعة رجال يتجردون لحراسة ديوان وقطارات السكك الحديدية مأمونة والحمد لله ولم أسمع أنها هوجمت مرة أو اعترضها قطاع الطريق‏'!!‏
عن نفس الموضوع كتب في مقال آخر ينعي علي السكك الحديدية تمييزها لبعض القطارات‏,‏ ومنها قطار صباح الجمعة تخصيصه لطبقتين‏,‏ أولاهما‏:‏ من أصحاب المعالي الوزراء الذين فاتهم قطار مساء الخميس‏'‏ فانطلقوا في البكور يلتمسون نهارا كاملا للراحة من عناء الأعمال‏',‏ وثانيتهما‏:‏ من كبار الموظفين‏'‏ الذين سهدهم التفكير في شئون الدولة وتراءت لهم المسائل المستعجلة في الأحلام‏.‏ فحملهم البر بالصالح العام علي أن ينطلقوا فورا في أعقاب الوزراء ليدركوهم بالدوسيهات قبل موعد الإفطار‏!‏ وبين هؤلاء وأولئك تنحشر طبقة ثالثة من أمثالنا رعايا صاحبة الجلالة‏,‏ الذين لا هنا ولا هناك‏'!!‏
ويضيف الرجل أنه حتي ذلك الوقت لم تكن مصلحة السكة الحديد قد استعاضت عن عربات الدرجة الأولي بمركبات البولمان‏'‏ ومعني هذا أن تكثر الدواوين المحجوزة لأصحابها فلا تبقي مقاعد لكثير من الركاب‏,‏ وطفقت أجول في ممشي إحدي العربات فإذا بي أري ديوانا محجوزا باسم وزير‏..‏ ثم آخر باسم وزير‏..‏ ولاحت مني نظرة في أحدهما فرأيت الوزيرين وقد جلسا يتحدثان‏,‏ فحمدت لهما هذا التواضع الذي خليا به عن ديوان كامل لعبيد الله الركاب‏,‏ ومضيت من فوري إلي ذلك الديوان ألتمس في خلوته مقعدا لي‏',‏ وهنا حدثت المفاجأة ندعه يرويها بنفسه‏,‏ قال‏:‏
‏'‏أدرت الأكرة ودفعت الباب فانفتح في عنف ولكنه بقي مسدودا وعلي عتبته عملاق‏..‏ عملاق كان من حقه أن يركب في‏(‏ السبنسة‏)‏ إذا كانت الملابس مقياس الدرجات‏'‏ وقدم وصفا لهذا العملاق وكانت طبق الأصل لرجل البوليس السري الذي سبق له وصفه في الرحلة السابقة‏,‏ وأضاف أنه قد لاحظ بين الفرجات بقية الجالسين في الديوان‏,‏ وانفرجت شفتا الحارس العملاق عن كلمة واحدة هي‏(‏ محجوز‏)‏ ثم أغلق الباب في وجه صاحبنا‏'‏ وكان الديوان محجوزا فعلا‏,‏ إذ حشر فيه لفيف من الصولات والجاويشية والسعاة والحراس الذين يصحبون الوزراء في الحل والترحال‏',‏ الأمر الذي أنهي بها حديثه عن هذه التجربة المريرة التي تكررت معه علي قطارات سكك حديد الحكومة المصرية بالقول‏:'‏لقد كان‏(‏ مثلا‏)‏ حسنا أن استعاض الوزيران عن ديوانين لشخصيهما بديوان ولكنها‏(‏ أمثولة‏)‏ غير حسنة أن يتبعهما هذا الحشد من الحراس‏'!‏
وقد كان الأستاذ عبد الرحمن نصر حسن الظن بوزراء هذا الزمان‏,‏ أو أقرانهم حتي يومنا هذا‏,‏ الذين يعتبرون الحراسة أحد مظاهر الأبهة اللازمة للمنصب‏,‏ وهي الحراسة التي تبدأ من الكشك المقام علي باب الدار وتصحبه في الموكب إلي مقر الوزارة‏,‏ ولا تنتهي عند باب الوزارة‏,‏ ويكون يوم الحزن العميق عندما ترفع هذه الحراسة بعد تخليه عن المنصب‏,‏ أو بالأحري تخلي المنصب عنه‏!!‏
‏***‏
وكثيرا ما كانت بعض التغييرات التي تدخلها السكك الحديدية لا تلقي رضاء صاحبنا فيما عبر عنه في أكثر من مناسبة‏..‏ منها ما جري في صيف عام‏1938‏ حين قررت إحلال عربات البولمان محل عربات الدرجة الأولي بالقطارات السريعة بين القاهرة والإسكندرية‏.‏
يعبر الرجل عن عدم رضائه من أول تجربة له في العربات الجديدة فيقول أنه لم يكد يبرح القطار القاهرة ويشرف علي قليوب حتي أشرفنا علي الغرق‏..'‏ الغرق في عرق العافية الذي يتصبب من الجسم بسبب سوء التهوية في عربات البولمان المرتفعة الأجر المنخفضة السقوف‏,‏ لكن عرق العافية يهون بجانب عرق الكسوف‏..‏
مصدر العرق الأخير ما رآه من جلبة وضوضاء مصدرها خمسة رجال أشداء وقد وقفوا علي رأس أحد الركاب وأحاطوا به بينما يصيح أحدهم به‏'‏ طلع قوام اعمل معروف‏.‏ وكان الرجل يتحسس جيوبه في اضطراب لا شك أن مصدره ذلك الموقف العصيب‏.‏ وخيل إلي أن الرجل متهم هارب فوجئ في القطار وأن الملتفين حوله يقومون بالتفتيش‏,‏ وكان هناك تفتيش فعلا ولكنه للبحث عن الورقة التي تثبت أنه أدي الأجر الإضافي التي تتقاضاه شركة عربات النوم من ركاب البولمان‏'.‏
وزادت دهشة الأستاذ عبد الرحمن نصر عندما وصل إليه الفريق إياه وأخذوا يسألون أسئلة عجيبة‏..‏ قادم من أين؟ إلي أي مكان قاصد؟ يدونون رقم التذكرة‏'‏ ولم يكن ناقصا إلا أن يسألوا الراكب عن عمره وصناعته وعنوانه وشيخ الحارة الذي يضمنه‏!'.‏
لم يرض الرجل أيضا عن أسعار الوجبات التي تقدم في العربات الجديدة‏..‏ فمع أن تكلفة وجبة الغذاء وصلت إلي‏25‏ قرشا‏,‏ وكانت مبلغا كبيرا وقتذاك تصور معه أنهم سيقدمون له قلوب الظباء وأمخاخ العصافير غير أن ما قدم إليه حين غامر وطلب هذه الوجبة كان مخيبا للآمال بكل المقاييس‏..‏ بيضتان نصف مسلوقتين والثمن خمسة قروش وخبز بثلاثة قروش ومفرش يتكلف مثلها مما دفع الرجل أن يعرب عن أمنيته لو كانوا قد سمحوا له قبل أن يركب هذه البولمان بأن يتعامل مع بائع السميط الطيب الواقف علي رصيف المحطة‏,‏ ولكن حتي ذلك كان ممنوعا بمقتضي تعليمات الشركة التي تملك هذه العربات‏,‏ ولم يكن أمامه سوي أن يسلم أمره لله ويتناول ما قدم له دون هناء ولا شفاء‏!!‏
 

This site was last updated 12/04/08