Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الصناديقي

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الصناديقي
سنة 295هـ

الفاطميين الذين أحتلوا مصر بأسم الإسلام نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 1  13/1 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع وضعنا لكل مقطع عناوين

****************************************************************************************************

سنة أربع وستين ومائتين

الصناديقي
وفيها استولى النجار أبو القاسم الحسن بن فرج الصناديقي على اليمن، وكانت جيوشه بالمذيخرة وسهفنة، وكان ابن أبي الفوارس أحد دعاة عبدان أنفذه داعيا إلى اليمن، وكان من أهل النرس موضع يعمل فيه الثياب النرسي، وكان يعمل من الكتان فصار إلى اليمن، ودخل في دعوته خلق كثير، فأظهر العظائم وقتل الأطفال، وسبا النساء، وتسمى برب العزة، وكان يكاتب بذلك، وأعلن سب النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء، واتخذ دارا خاصة سماها دار الصفوة يجتمع فيها النساء ويأمر الرجال بمخالطتهن ووطئهن، ويحفظ من تحبل منهن في تلك الليلة ومن تلد من ذلك، ويتخذ تلك الأولاد لنفسه خولاً، ويسميهم أولاد الصفوة.
قال بعضهم: دخلت إليها لأنظر فسمعت امرأة تقول: يا بني، فقال: يا أمة نريد أن نمضي أمر ولي الله فينا.
وكان يقول: إذا فعلتم هذا لم يتميز مال من مال، ولا ولد من ولد، فتكونوا كنفس واحدة.
فعظمت فتنته باليمن، وأجلى أكثر أهله عنه، وأجلى السلطان، وقاتل أبا القاسم محمدا ابن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الحسني الهادي، وأزاله عن عمله من صعدة ففر منه بعياله إلى الرس، ثم أظفره الله به فهزمه بأمر إلهي، وهو أن الله جلت قدرته ألقى على عسكره وقد بايته برداً وثلجا قتل به أكثر أصحابه في ليلة واحدة، وقلما عرف مثل ذلك في تلك الناحية.
وسلط الله عليه الأكلة، وذلك أن القاسم أنفذ إليه طبيبا بمبضع مسموم فصده به فقتله؛ وأنزل الله بالبلدان التي غلب عليها بثراً يخرج في كتف الرجل منهم بثرة فيموت سريعا، فسمى ذلك البثر بتلك البلاد حبة القرمطي مدة من الزمان.
وأخرب الله أكثر تلك البلاد التي ملكها، وأفنى أهلها بموت ذريع، فاعتصم ابنه بجبال وأقام بها، وكاتب أهل دعوتهم، وعنون كتبه: من ابن رب العزة.
فأهلكه الله، وبقي منهم بقية، فاستأمنوا إلى القاسم بن أحمد الهادي، ولم يبق للنجار لعنه الله ولا لمن كان على دعوته بقية.
وكان قرمط يكاتب من بسلمية، فلما مات من كان في وقته، وخلفه ابنه من بعده كتب إلى قرمط فأنكر منه أشياء، فاستراب وبعث ابن مليح أحد دعاته ليعرف الخبر فامتنع، فأنفذ عبدان، وعرف موت الذي كانوا يكاتبونه، فسأل ابنه عن الحجة، ومن الإمام الذي يدعو إليه، فقال الابن: ومن الإمام ؟ فقال عبدان: محمد بن إسماعيل بن جعفر صاحب الزمان.
فأنكر ذلك وقال: لم يكن إمام غير أبي، وأنا أقوم مقامه.
فرجع عبدان إلى قرمط؛ وعرفه الخبر، فجمع الدعاة وأمرهم بقطع الدعوة حنقا من قول صاحب سلمية: لا حق لمحمد بن إسماعيل في هذا الأمر ولا إمامة.
وكان قرمط إنما يدعو إلى إمامة محمد بن إسماعيل، فلما قطعوها من ديارهم لم يمكنهم قطعها من غير ديارهم، لأنها امتدت في سائر الأقطار، ومن حينئذ قطع الدعاة مكاتبة الذين كانوا بسلمية.
وكان رجل منهم قد نفذ إلى الطالقان يبث الدعوة، فلما انقطعت المكاتبة طال انتظاره، فشخص يسأل عن قرمط، فنزل على عبدان بسواد الكوفة، فعتبه وعتب الدعاة في انقطاع كتبهم، فعرفه عبدان قطعهم الدعوة، وأنهم لا يعودون فيها، وأنه تاب من هذه الدعوة حقيقة، فانصرف عنه إلى زكرويه بن مهرويه ليدعو كما كان أبوه، ويجمع الرجال، فقال زكرويه: إن هذا لا يتم مع عبدان لأنه داعي البلد كله والدعاة من قبله، والوجه أن نحتال على عبدان حتى نقتله.
وباطن على ذلك جماعة من قرابته وثقاته، وقال لهم: إن عبدان قد نافق وعصى وخرج من الملة.
فبيتوه ليلا وقتلوه، فشاع ذلك، وطلب الدعاة وأصحاب قرمط زكرويه بن مهرويه ليقتلوه فاستتر، وخالفه القوم كلهم إلا أصل دعوته، وتنقل في القرى وذلك في سنة ست وثمانين والقرامطة تطلبه إلى سنة ثمان وثمانين فأنفذ ابنه الحسن إلى الشام، ومعه من القرامطة رجل يقال له أبو الحسين القاسم بن أحمد، وأمره أن يقصد بني كلاب، وينتسب إلى محمد بن إسماعيل، ويدعوهم إلى الإمام من ولده، فاستجاب له فخذ من بني العليص ومواليهم وبايعوه، فبعث إلى زكرويه يخبر بمن استجاب له بالشام، فضم إليه ابن أخيه فتسمى بالمدثر لقبا، وبعبد الله اسما، وتأول أنه المذكور في القرآن بالمدثر ويقال إن المدثر هذا اسمه عيسى بن مهدي، وأنه تسمى عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن جعفر الصادق، وعهد إليه صاحب الخال من بعده، وغلاما من بني مهرويه يتلقب بالمطوق وكان سيافا وكتب إلى ابنه الحسن يعرفه أنه ابن الحجة، ويأمره بالسمع والطاعة له، وابن الحجة هذا ادعى أنه محمد بن عبد الله، وقيل علي بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وأنكر قوم هذا النسب، وقالوا إنما اسمه يحيى بن زكرويه بن مهرويه، وكنيته أبو القاسم، ويلقب بالشيخ ويعرف بصاحب الناقة، وبصاحب الجمل، وهو أخو صاحب الخال، القائم من بعده، فسار حتى نزل في بني كليب، فلقيه الحسن بن زكرويه، وسر به، وجمع له الجمع، وقال: هذا صاحب الإمام، فامتثلوا أمره، وسروا به، فأمرهم بالاستعداد للحرب، وقال: قد أظلكم النصر، ففعلوا ذلك.
واتصلت أخبارهم بشبل الديلمي مولى المعتضد في سنة تسع وثمانين، فقصدهم، فحاربوه وقتلوه في عدة من أصحابه بالرصافة من غربي الفرات، ودخلوها فأحرقوا مسجدها ونهبوا.
وساروا نحو الشام يقتلون ويحرقون القرى وينهبونها إلى أن وردوا أطراف دمشق، وكان عليها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون فبرز إليهم فهزموه وقتل كثير من أصحابه، والتجأ إلى دمشق فحصروه وقاتلوه.
وكان القرمطي يحضر الحرب على ناقة، ويقول لأصحابه: لا تسيروا من مصافكم حتى تنبعث بين أيديكم، فإذا سارت فاحملوا، فإنه لا ترد لكم راية، إذ كانت مأمورة.
فسمى بذلك: صاحب الناقة فأقام طغج سبعة أشهر محصورا بدمشق، فكتب إلى مصر بأنه محصور وقد قتل أكثر أصحابه وضرب البلد، فأنفذ إليه بدر الكبير غلام ابن طولون المعروف بالحمامي فسار حتى قرب من دمشق، فاجتمع هو وطغج على محاربة القرمطي بقرب دمشق، فقتل القرمطي واحتمى أصحابه وانحازوا، فمضوا، وكان القرمطي قد ضرب دراهم ودنانير وكتب عليها: قل جاء الحق وزهق الباطل.
وفي الوجه الآخر: لا إله إلا الله، قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
فلما انصرف القرامطة عن دمشق وقد قتل محمد بن عبد الله صاحب الناقة بايعوا الحسن بن زكرويه وهو الذي يقال له أحمد بن عبد الله، ويقال عبد الله بن أحمد بن محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق، ويعرف بصاحب الخال ، فسار بهم، وافتتح عدة مدن من الشام، وظهر على حمص، وقتل خلقا، وتسمى بأمير المؤمنين المهدي على المنابر وفي كتبه، وذلك في سنة تسع وثمانين وبعض سنة تسعين.
ثم صاروا إلى الرقة، فخرج إليهم مولى المكتفي وواقعهم فهزموه وقتلوه، واستباحوا عسكره، ورجعوا إلى دمشق وهم ينهبون جميع ما يمرون به من القرى، ويقتلون ويسبون، فخرج إليهم جيش كثيف عليه بشير غلام طغج وقاتلهم حتى قتل في خلق من أصحابه.
واتصل ذلك بالمكتفي بالله فندب أبا الأغر السلمى في عشرة آلاف وخلع عليه لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة تسعين، فسار حتى نزل حلب، ثم خرج فوافاه جيش القرامطة غفلة يقدمهم المطوق، فانهزم أبو الأغر، وركبت القرامطة أكتاف الناس يقتلون ويأسرون حتى حجز بينهم الليل وقد أتوا على عامة العسكر، ولحق أبو الأغر بطائفة من أصحابه، فالتجأوا بحلب، وصار في نحو الألف، فنازله القرامطة، فلم يقدروا منه على شيء فانصرفوا.
وجمع الحسن بن زكرويه بن مهرويه أصحابه، وسار بهم إلى حمص، فخطب له على منابرها.
ثم سار إلى حماة والمعرة، فقتل الرجال والنساء والأطفال، ورجع إلى بعلبك فقتل عامة أهلها.
ثم سار إلى سلمية فحارب أهلها وامتنعوا منه فأمنهم، ودخلها فبدأ بمن فيها من بني هاشم وكانوا جماعة فقتلهم.
ثم كر على أهلها فقتلهم أجمعين، وخربها، وخرج عنها وما بها عين تطرف، فلم يمر بقرية إلا أخربها، ولم يدع فيها أحدا، فخرب البلاد وقتل الناس، ولم يقاومه أحد، وفنيت رجال طغج، وبقي في عدة يسيرة، فكانت القرامطة تقصد دمشق فلا يقاتلهم إلا العامة وقد أشرفوا على الهلكة، فكثر الضجيج ببغداد، واجتمعت العامة إلى يوسف بن يعقوب القاضي، وسألوه إنهاء الخبر إلى السلطان.
ووردت الكتب من مصر إلى المكتفي بخبر قتل عسكرهم الذي خرج إلى الشام بيد القرامطة، وخراب الشام، فأمر المكتفي الجيش بالاستعداد، وخرج إلى مضربه في القواد والجند لاثنتي عشرة خلت من رمضان، ومضى نحو الرقة بالجيوش حتى نزلها، وانبثت الجيوش بين حلب وحمص، وقلد محمد بن سليمان حرب الحسن بن زكرويه، واختار له جيشا كثيفا وكان صاحب ديوان العطاء .
وعارض الجيش فسار إليهم والتقاهم لست خلون من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين بموضع بينه وبين حماة اثنا عشر ميلا، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى حجز الليل بينهم، وقتل عامة رجال القرامطة فولوا مدبرين.
وكان الحسن بن زكرويه لما أحس بالجيوش اصطفى مقاتلة ممن معه، ورتب أحوالهم، فلما انهزم أصحابه رحل من وقته، وتلاحق به من أفلت، فقال لهم: أتيتم من قبل أنفسكم وذنوبكم وأنكم لم تصدقوا الله؛ وحرضهم على المعاودة إلى الحرب، فاعتلوا بفناء الرجال وكثرة الجراح فيهم، فقال لهم: قد كاتبني خلق من أهل بغداد بالبيعة لي ودعاتي بها ينتظرون أمري، وقد خلت من السلطان الآن، وأنا شاخص نحوها لأظهر بها، ومستخلف عليكم أبا الحسين القاسم بن أحمد صاحبي ، وكتبي ترد عليه بما يعمل، فاسمعوا وأطيعوا.
فضمنوا ذلك له، وشخص معه قريبه عيسى ابن أخت مهرويه المسمى بالمدثر، وصاحبه المعروف بالمطوق، وغلام له رومى، وأخذ دليلا يرشدهم إلى الطريق، فساروا يريدون سواد الكوفة، وسلك البر، وتجنب القرى والمدن حتى صار قريبا من الرحبة بموضع يقال له الدالية، فأمر الدليل فمال بهم إليها، ونزل بالقرب منها خلف رابية، ووجه بعض من معه لابتياع ما يصلحه، فدخل القرية فأنكر بعض أهلها زيه، وسأله عن أمره، فورى وتلجلج، فارتاب به وقبض عليه، وأتى به واليها ويقال له أبو خبزة يخلف أحمد بن كشمرد صاحب الحرب بطريق الفرات، والدالية قرية من عمل الفرات فسأله أبو خبزة ورهب عليه، فعرفه أن القرمطي الذي خرج الخليفة المكتفي في طلبه خلف رابية أشار إليها، فسار الوالي مع جماعة بالسلاح فأخذوهم وشدوهم وثاقا، وتوجه بهم إلى ابن كشمرد، فصار بهم إلى المكتفي وهو بالرقة ، فشهرهم بالرقة، وعلى الحسن بن زكرويه دراعة ديباج وبرنس حرير، وعلى المدثر دراعة وبرنس حرير، وذلك لأربع بقين من المحرم.
وقدم محمد بن سليمان بجيوشه إلى الرقة ومعه الأسرى فخلف المكتفي عساكره مع محمد ابن سليمان بالرقة، وشخص في خاصته وغلمانه، وتبعه وزيره القاسم بن عبيد الله إلى بغداد، ومعه القرمطي وأصحابه.
فلما صار إلى بغداد عمل له كرسي سمكه ذراعان ونصف، وركب على فيل وأركب عليه، ودخل المكتفي وهو بين يده مع أصحابه الأسرى، وذلك ثالث ربيع الأول، ثم سجنوا.
فلما وصل محمد بن سليمان ببقية القرامطة لاثنتي عشرة خلت منه أمر المكتفي القواد بتلقيه والدخول معه، فدخل في زي حسن وبين يديه نيف وسبعون أسيرا، فخلع عليه، وطوق بطوق من ذهب، وسور سوارين من ذهب، وخلع على جميع من كان معه القواد وطوقوا وسوروا.
وأمر المكتفي ببناء دكة في الجانب الشرقي من مربعة، ذرعها عشرون ذراعا في مثلها، وارتفاعها عشرة أذرع، يصعد إليها بدرج، فلما كان لأربع بقين منه خرج القواد والعامة، وحمل القرامطة على الجمال إلى الدكة، وقتلوا جميعا وعدتهم ثلاثمائة وستون، وقيل دون ذلك.
وقدم الحسن بن زكرويه، وعيسى ابن أخت مهرويه إلى أعلى الدكة ومعهما أربعة وثلاثون إنساناً من قبل وجوه القرامطة ممن عرف بالنكاية، وكان الواحد منهم يبطح على وجهه، وتقطع يده اليمنى، فيرمى بها إلى أسفل ليراها الناس، ثم تقطع رجله اليسرى، ثم رجله اليمنى ويرمى بهما، ثم يضرب عنقه ويرمى بها.
ثم قدم المدثر ففعل به كذلك بعد ما كوى ليعذب، وضربت عنقه.
ثم قدم الحسن بن زكرويه فضرب مائتي سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، وكوى، وضربت عنقه، ورفع رأسه على خشبة، وكبر من على الدكة، فكبر الناس وانصرفوا.
وحملت الرءوس فصلبت على الجسر وصلب بدن القرمطي فمكث نحو سنة.
ومن كتب الحسن بن زكرويه إلى عماله ما هذه نسخته بعد البسملة: من عند المهدي، المنصور بالله، الناصر لدين الله، القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذاب عن حرم الله، المختار من ولد رسول الله، أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، ومذل المنافقين، وخليفة الله على العالمين، وحاصد الظالمين، وقاصم المعتدين، ومبيد الملحدين، وقاتل القاسطين، ومهلك المفسدين، وسراج المستبصرين وضياء المستضيئين، ومشتت المخالفين، والقيم بسنة سيد المرسلين، وولد خير الوصيين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم كثيراً .
كتاب إلى فلان: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد جدي رسول الله.
أما بعد: فقد أنهى إلينا ما حدث قبلك من أخبار أعداء الله الكفرة، وما فعلوه بناحيتك من الظلم والعبث والفساد في الأرض، فأعظمنا ذلك، ورأينا أن ننفذ إلى ما هنالك من جيوشنا من ينتقم الله به من أعدائه الظالمين الذين يسعون في الأرض فسادا؛ فأنقذنا عطيراً داعيتنا وجماعة من المؤمنين إلى مدينة حمص وأمددناهم بالعساكر، ونحن في أثرهم، وقد أوعزنا إليهم في المصير إلى ناحيتك لطلب أعداء الله حيث كانوا، ونحن نرجو أن يجزينا الله فيهم على أحسن عوائده عندنا في أمثالهم.
فينبغي أن تشد قلبك وقلوب من اتبعك من أوليائنا، وتثق بالله وبنصره الذي لم يزل يعودنا في كل من مرق عن الطاعة، وانحرف عن الإيمان، وتبادر إلينا بأخبار الناحية وما يحدث فيها، ولا تخف عنا شيئا من أمرها إن شاء الله.
سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على جدي محمد رسوله، وعلى أهل بيته وسلم كثيرا.
وكانت عماله تكاتبه بمثل هذا الصدد.
وسلم القاسم بن أحمد أبو الحسين خليفة الحسن بن زكرويه فقدم سواد الكوفة إلى زكرويه بن مهرويه، فأخبره بخبر القوم الذين استخلفهم ابنه عليهم، وأنهم اضطربوا فخافهم وتركهم، فلامه زكرويه على قدومه لوما شديدا، وقال له: ألا كاتبتني قبل انصرافك إلي ؟.
ووجده مع ذلك على خوف شديد من طلب السلطان ومن طلب أصحاب عبدان.
ثم إنه أعرض عن أبي الحسين، وأنفذ إلى القوم في سنة ثلاث وتسعين رجلا من أصحابه كان معلما يقال له محمد بن عبد الله بن سعيد، ويكنى بأبي غانم، فتسمى نصرا ليعمى أمره، وأمره أن يدور أحياء كلب ويدعوهم، فدار ودعاهم، فاستجاب له طوائف من الأصبغيين، ومن بني العليص، فسار بهم نحو الشام، وعامل المكتفي بالله يومئذ على دمشق والأردن أحمد بن كيغلغ، وهو بمصر في حرب ابن الخليج، فاغتنم ذلك محمد ابن عبد الله المعلم، وسار إلى بصرى وأذرعات فحارب أهلها، وسبى ذراريهم وأخذ جميع أموالهم، وقتل مقاتلنهم، وسار يريد دمشق، فخرج إليه جيش مع صالح بن الفضل خليفة أحمد بن كيغلغ، فظهروا عليه، وقتلوا عسكره، وأسروه فقتلوه، وهموا بدخول دمشق فدافعهم أهلها، فمضوا إلى طبرية، فكانت لهم وقعة على الأردن غلبوا فيها، ونهبوا طبرية، وقتلوا وسبوا النساء.
فبعث المكتفي بالحسين بن حمدان في طلبهم مع وجوه من القواد، فدخل دمشق وهم بطبرية، فساروا نحو السماوة، وتبعهم ابن حمدان في البرية، فأخذوا يغورون ما يرتحلون عنه من الماء، فانقطع ابن حمدان عنهم لعدم الماء، ومال نحو رحبة مالك بن طوق، فأسرى القرامطة إلى هيت، وأغاروا عليها لتسع بقين من شعبان سنة ثلاث وتسعين، ونهبوا الربض والسفن التي في الفرات، وقتلوا نحو مائتي إنسان.
ثم رحلوا بعد يومين بما غنموه، فأنفذ المكتفي إلى هيت محمد بن إسحاق بن كنداج في جماعة من القواد بجيش كثيف، وأتبعه بمؤنس، فإذا هم قد غوروا المياه، فأنفذ إليهم من بغداد بالروايا والزاد، وكتب إلى ابن حمدان بالنفوذ إليهم من الرحبة.
فلما أحسوا بذلك ائتمروا بصاحبهم المعلم، ووثب عليه رجل من أصحابه يقال له الذئب بن القائم فقتله، وشخص إلى بغداد متقربا بذلك، فأسنيت له الجائزة، وكف عن طلب قومه، وحملت رأس القائم المسمى بنصر المعلم إلى بغداد.
ثم إن قوما من بني كلب أنكروا فعل الذئب وقتله المعلم، ورضيه آخرون، فاقتتلوا قتالا شديدا، وافترقوا فرقتين، فصارت الفرقة التي رضيت قتل المعلم إلى عين التمر، وتخلفت الأخرى؛ وبلغ ذلك زكرويه وأحمد بن القاسم عنده فرده إليهم، فلما قدم عليهم جمعهم ووعظهم وقال: أنا رسول وليكم، وهو عاتب عليكم فيما أقدم عليه الذئب بن القائم، وأنكم قد ارتددتم عن الدين.
فاعتذروا، وحلفوا ما كان ذلك بمحبتهم، وأعلموه بما كان بينهم من الخلف والحرب، فقال لهم: قد جئتكم الآن بما لم يأتكم به أحد تقدمني، يقول لكم وليكم: قد حضر أمركم، وقرب ظهوركم، وقد بايع له من أهل الكوفة أربعون ألفا، ومن أهل سوادها أكثر، وموعدكم اليوم الذي ذكره الله في شأن موسى صلى الله عليه وسلم وعدوه فرعون إذ يقول: موعدكم يوم الزينة، وأن يحشر الناس ضحى فأجمعوا أمركم، وسيروا إلى الكوفة، فإنه لا دافع لكم عنها، ومنجز وعدي الذي جائتكم به رسلي.
فسروا بذلك، وارتحلوا نحو الكوفة، فنزلوا دونها بستة وثلاثين ميلا قبل يوم عرفة بيوم من سنة ثلاث وتسعين، فخلفوا هناك الخدم والأموال، وأمرهم أن يلحقوا به على ستة أميال من القادسية.
ثم شاور الوجوه من أصحابه في طروق الكوفة أي وقت، فاتفقوا على أن يكمنوا في النجف، فيريحوا الخيل والدواب، ثم يركبوا عمود الصبح فيشنوها غارةً والناس في صلاة العيد.
فركبوا وساروا، ثم نزلوا فناموا، فلم يوقظهم إلا الشمس يوم العيد لطفاً من الله بالناس، فلم يصلوا إلى الكوفة إلا وقد انقضت الصلاة، وانصرف الناس وهم متبددون في ظاهر الكوفة، ولأمير البلد طلائع تتفقد، وكان قد أرجف في البلد بحدوث فتن فأقبلوا ودخلت خيل منهم الكوفة، فوضعوا السيف وقتلوا كثيرا من الناس وأحرقوا، فارتجت الكوفة، وخرج الناس بالسلاح، وتكاثروا عليهم يقذفونهم بالحجارة، فقتلوا منهم عدةً، وأقبل بقيتهم فخرج إليهم إسحق بن عمران في يسير من الجند، وتلاحق به الناس، فاقتتلوا قتالا شديدا في يوم صائف شديد الحر، فانصرف القرامطة مكدودين، فنزلوا على ميلين من الكوفة، ثم ارتحلوا عشاء نحو سوادهم، واجتازوا بالقادسية وقد تأهبوا لحربهم، فانصرفوا عنها، وبعث أمير الكوفة بخبر ذلك إلى بغداد.
وسار القرامطة إلى سواد الكوفة، فاجتمع أحمد بن القاسم بزكرويه بن مهرويه وكان مستترا فقال للعسكر: هذا صاحبكم وسيدكم ووليكم الذي تنتظرونه.
فترجل الجميع وألصقوا خدودهم بالأرض، وضربوا لزكرويه مضربا عظيما، وطافوا به، وسروا سروراً عظيما، واجتمع إليهم أهل دعوته من السواد، فعظم الجيش جدا.
وسير المكتفي جيشا عظيما، فساروا بالأثقال والبنود والبزاة على غير تعبئة مستخفين بالقوم، فوصلوا وقد تعب ظهرهم وقل نشاطهم، فلقيهم القرامطة وقاتلوهم وهزموهم، ووضعوا فيهم السيوف، فقتل الأكثر، ونجا الأقل إلى القادسية، فأقاموا في جمع الغنائم ثلاثاً، فكان من قتل من الجيش نحو الألف وخمسمائة، فقويت القرامطة بما غنموا، وبلغ المكتفي فخاف على الحاج، وبعث محمد ابن إسحاق بن كنداج لحفظ الحاج، وطلب القرامطة، وضم إليه خلقا عظيما.
فسار القرامطة وأدركوا الحاج، فأخذوا الخراسانية لإحدى عشرة خلت من المحرم سنة أربع وتسعين، ووضعوا فيهم السيف وقتلوا خلقا عظيما، واستولى زكرويه على الأموال.
وقدم ابن كنداج فأقام بالقادسية وقد أدركه من هرب من حاج خراسان وقال: لا أغدر بجيش السلطان.
وقدمت قافلة الحاج الثانية والثالثة، فقاتلوا القرامطة قتالا شديدا حتى غلبوا، وقتل كثير من الحاج، واستولوا على جميع ما في القافلة، وأخذوا النساء ولم يطلقوا منهم إلا من لا حاجة لهم فيها، ومات كثير من الحاج عطشاً، ويقال إنه هلك نحو من عشرين ألفا، فارتجت بغداد لذلك.
وأخرج المكتفي الأموال لإنفاذ الجيوش من الكوفة لإحدى عشرة بقيت من المحرم . وخزائن السلاح.
ورحل زكرويه فلم يدع ماء إلا طرح فيه جيف القتلى، وبث الطلائع فوافته القافلة التي فيها القواد والشمسة وكان المعتضد جعل فيها جوهرا نفيسا ، ومعهم الخزانة ووجوه الناس والرؤساء ومياسير التجار، وفيها من أنواع المال ما يخرج عن الوصف، فناهضهم زكرويه بالهبير، وقاتلهم يومه، فأدركتهم قافلة العمرة، وكان المعتمرون يتخلفون للعمرة بعد خروج الحاج، ويخرجون إذا دخل المحرم، ويتفردون قافلة، وانقطع ذلك من تلك السنة، فاجتمع الناس وقاتلوا يومهم وقد نفد الماء، فملك القافلة، وقتل الناس، وأخذ ما فيها من حريم ومال وغيره، وأفلت ناس فمات أكثرهم عطشا، وسار فأخذ أهل فيد.
وأما بغداد فإنه حصل بها وبالكوفة وجميع العراق مصاب بحيث لم يبق دار إلا وفيها مصيبة، وعبرة سائلة، وضجيج وعويل، واعتزل المكتفي النساء هما وغما، وتقدم بالمسير خلف زكرويه، وأنفذ الجيوش فالتقوا مع زكرويه لسبع بقين من ربيع الأول، فاقتتلوا قتالا شديدا صبر فيه الفريقان حتى انهزم زكرويه وقتل أكثر من معه، وأسر منهم خلق كثير، وطرحت النار في قبته، فخرج من ظهرها، وأدركه رجل فضربه حتى سقط إلى الأرض، فأدركه رجل يعرفه. فأركبه نجيباً فارهاً، وسار به إلى نحو بغداد، فمات من جراحا كانت به، وصبر وأدخل به إلى بغداد ميتا فشهر كذلك، ومه حرمه وحرم أصحابه وأولادهم أسرى ورءوس من قتل بين يديه في الجوالقات، ومات خبر القرامطة بموت زكرويه.
ودعوتهم ذكرها شائع.
فلما دخلت

This site was last updated 11/02/11