Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

العرب المسلمين وحرف ومهن الأقباط وأعمالهم

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
ستين عاما من العزلة
الأقباط المسلمين عبيد للعرب
حرف ومهن الأقباط وأعمالهم
المقريزى وصفات الأقباط
Untitled 5520
Untitled 5521

 

فيما يلى ما أورده كتاب صدر في القاهرة عام 1999م، بعنوان‏:‏ هوامش الفتح العربي لمصر، حكايات الدخول كتبته الباحثة سناء المصري - طبعة إشعاع للنشر

************************************************************************************************************************

العرب المسلمين وحرف ومهن الأقباط وأعمالهم

ورغم أن العرب كانوا إحتلوا وإستوطنوا  أرض القبط ، وينعمون بثرواتهم ويستخدمون ما يصنعه الأقباط بايديهم من حرفهم ومهنهم ، ويأكلون مما يزرع الفبط ويلبسون ثيابا ينسجها لهم الأقباط ، ويسكنون فى بيوت بناها لهم ألأقباط ... إلا أن شعرائهم يعبرون عن ترفع العرب على سائر القبط ومهنهم ، وكأنه من المسلمات الطبيعية أن يعمل القبط للعرب ، ويكونون فى مرتبة الخدم ، فكيف يخرق القبط هذه النواميس ويزاحمون العرب فى مكانتهم الشرفية ... !!!

يقول الشاعر "أبو شبيب أنيس بن دارم"

قبَّح الله زماناً                رَأَس فيه ابن تليد

بعد مقراضِ وخيطِ          وأُبَيراتِ حديد

وأبو الزنباغ خناق          غراميل العبيد

بعد سيفِ خشبى           وسهام من حديد

وابن تدراق الأفا           نين البَليدَينِ التليد

وابن بكار كراكير         وغطّاس الثريد

وأبو الروس المريسى       بن دبّاغ الجلود

واللقيط ابن بكير          نطفهُ القم الطريد

وابن سهم حارس         الجيزة حلوان البريد

عصبة من طينةِ النيلِ      ميامين الخدود

لبسوا بعد التبابين         نفيسات البرود

لازموا المسجد ضلاً      لا من الأمرِ الرشيد

لحوانيتَ بنوها            بفنا كل عمود

وتسوموا وتكنّوا         بعد جُرجِ وشنود

ويمكن أن نتعرف من خلال تلك القصيدة على أنواع الحرف التى يقوم بها الأقباط ما بين الحدادة والحياكة ، والشاعر يخصص الحداد الذى يصنع نوعاً من القيود تستخدم فى ربط العبيد وجرهم ، وهو هنا يعير القباط بحقارة عمل الحدادة ، ولكنه من ناحية أخرى لا يدين آلية تحويل الأحرار إلى عبيد ولا يدين التجارة فيهم ، وهى التجارة التى نشط فيها الكثير من العرب ، فقط يدين صناعة الطوق بصرف النظر عمن يقوم بإستخدامه وفى أى الأغراض يفعل ذلك . 

ومن الحرف الأخرى التى يعير الشاعر العربى القبط لقيامهم بها : النجارة وصناعة الطعام ودباغة الجلود والعسل بالبريد - كما يذكر أسماء رجال من القبط هم على ما يبدوا أطوات الحرف المشهوريين فى كل مهنة (أبو الزنباع - بن تدراك - أبن بكار - أبو الروس المريسى - ابن لقبط - وأبن سهم )

وشهرة حرفى القبط لم تكن مرتبطة بالمكان أو محصورة فى الزمان قط بل كانت تنتشر فى آفاق هذا الزمان من قبل الفتح / الغزو العربى ، ومنتجات القبط كانت إحدى عجائب ذلك الزمان ، فشكلت بملامحها الخاصة سمات الحضارة القبطية لقرون طويلة ، وبنيت على أساسها ما يسمى بالحضارة الإسلامية ، فأخذت كل سماة الحضارة القبطية وطوتها بين أجنحتها ، ولا زالت حتى الآن شواهد الحضارة القبطية حاضرة فى جميع متاحف العالم وخاصة فن النسيج الذى عرف بإسم القباطى ، ويرى بعض الباحثين أنه قد وجدت مصانع نسيج تخصصت فى صناعة ملابس الأغنياء أو الخاصة ، ومصانع أخرى إنتاج ملابس العامة (أطلق عليها طراز الخاصة) ولا زالت توقيعات نساجى القبط على العمائم الإسلامية فى المتحف ، تشهد وحدتها الزخرفية بسمات الحضارة القبطية المحبة لرسوم الطيور والحمام وألأعناب وغيرها من السمات المصرية الخاصة .

ويصف د. حسن الباشا فى كتاب فن التصوير الإسلامى : (عمامة من الكتان الأبيض يزخرفها شريط افقى منسوج بالصوف الملون به رسوم طير ، يعلوه شريط من الكتابة العربية بالخط الكوفى ينسب العمامة إلى صاحبها سويل بن موسى ويؤرخ صناعتها بسنة 88 هـ   ويتابع الباشا : أن الشريط من مناطق وفى كل منها رسم حمامة محورة عن الطبيعة يفصل كل منطقة عن الأخرى رسم هندسى ) [د. حسن الباشا : فن التصوير فى مصر الإسلامية دار النهضة 1966م ص 24]

وسنجد بصمات الحضارة القبطية فى عمارة المساجد نفسها فى المحراب المجوف المأخوذ عن محراب الكنيسة والمأذنة المأخوذة من المنارة فى الكنائس القبطية  ويذكر البلاذرى فى كتاب فتوح البلدان أن الوليد إستعان بالقبط فى إعادة بناء مسجد المدينة      

أثبتت الأوراق البردية التي عثر عليها في مصر أن الوليد استعان بالأقباط في بناء مسجد دمشق والمسجد الاقصي في القدس وقصر أمير المؤمنين هناك. ويذكر البلاذري في فتوح البلدان أن الوليد استعان بالقبط في إعادة بناء مسجد المدينة . وأثبتت العلماء أن قصر المشتي في شرق الأردن قد نقل الزخارف القبطية والتخطيط المعماري الخاص بالدير الأحمر والدير الأبيض بسوهاج وذكر المؤرخون أن عمر بن عبد العزيز لما أعاد بناء الجامع النبوي في المدينة استعان بمعماريين مصريين أي أقباط بنوا فيه أول محراب مجوف في الإسلام،  [د. حسن الباشا : فن التصوير فى مصر الإسلامية دار النهضة 1966م ] وهذا مأخوذ عن حنيات الكنائس. وذكر أيضا المقريزي أن مهندس قبطي شيد جامع ابن طولون بطريقة هندسية فريدة ولقد أوضح العالم كروزيل في كثير من مؤلفاته عن الأثر القبطي علي العمارة الإسلامية

والأكاديمون فى مصر لا يستطيعون أن يذكروا فى تلك المواضع أن الحضارة القبطية تركت بصماتها على ما يسمى بالحضارة الإسلامية .. ولكن : هلا سألنا أنفسنا عن ما هية الحضارة افسلامية فى القرن الأول والثانى للهجرة .. ؟!!

فى الوقت نفسه يمكننا الحديث عن إستمرار وجود الحضارة القبطية فى مصر نامية ومتجلية .. وإستمرار إزدهار مراكز صناعية متنوعة مثل : مركز صناعة السفن - مراكز صناعة نسيج الكتان ألبيض الشهير المشغول بخيوط الصوف الدقيقة والبديعة ألألوان وبخاصة اللون ألإرجوانى فى مدن نشا ودلاص وأنصنا وأشمون - أما صناعة المنسوجات الصوفية فكانت تنتشر فى مدن مصر العليا مثل : أخميم وقرية الشيخ عبادة وأسيوط وأهناص والبهنسا والفيوم ... وقد ذكر المقريزى مدينة تنيس كأحد مراكز صناعة القباطى ... ونجد فى المتحف القبطى ثروة من الوبريات ذات الزخارف الهندسية والرسوم الحيوانية ، كما نجد نماذج للأغطية والوسائد  والمفارش التى يستعملها الضعب من القرن السابع والثامن الميلادى / الأول والثانى الهجرى وغيرها من لوازم الحياة المستقرة الآمنة داخل البيوت ، مما يضفى عليها مسحة من ترف الحضارة ، حتى ولو كانت بيوتاً بسيطة لواحد من عامة الشعب   

وما بقى لنا الآن من آثار هى مجرد علامات وأدلة لحضارة غطت تفاصيلها شتى مناحى الحياة وتجلت وبرعت فى علوم : الطب - الصيدلة - الكيمياء - الحساب .. ألخ كما أبدعت فى فنون العمارة والبناءوالزخرفة والخشب المطعم بالصدف ، والذى ألصق به أسم العرب أشتهر به وهو "الأرابيسك" بالإضافة إلى صياعة المعادن وصناعة أدوات النجار ، والأدوات الزراعية التى لا زالت تستخدم حتى الآن ، كما هى فى أعماق الريف المصرى مثل الساقية والشادوف والمنجل والمذراة وغيرها من ألأدوات التى تبرهن على وجود حضارة للقبط بمصر

ويرى سليمان نسيم أنه مما ساعد على إزدهار الصناعات فى العصر القبطى هو إنتقالها من المنازل والمصانع إلى ألأديرة أيضاً حيث ( إنتقلت إلى الراهب المصرى "هو فرد من الشعب العامل المنتج صاحب الحرفة ترك العالم للدير" براعة الصانع المصرى وفنة الدقيق فنهض بصناعة النسيج والخزف والمسارج وألأوانى المعدنية والزجاج ) [ سليمان نسيم : تاريخ التربية القبطية]

وقد أجاد ألأقباط صناعة سبعة أصناف من ورق البردى التى تستعمل للكتابة مما يدل على مدى إزدهار العلوم الكتابية التى إهتمت بها الكنيسة على وجه الخصوص .

وكان مجئ العرب فى القرن السادس الميلادى وقت إزدهار الحضارة القبطية المختلفة فروعها المدنية والحياتية ... وإن كان صفوة العرب المشتغلين بالتجارة قد عرفوا مظاهر الحضارات المختلفة ، ولكنهم تعاملوا معها جميعاً تعامل التاجر والمستهلك لا تعامل الصانع والمبدع ، ينقلون قباطى مصر كما ينقلون حرير الشام وعطور الشرق وتوابله إلى بلادهم ، فيستهلك السادة تلك المنتجات ويزدادون ثراءً بالتجارة فيها ، مما يجعل إستهلاك هذه المنتجات الحضارية قاصراً على دوائر ضيقة فى المجتمعات العربية فى محكة بالذات وخصوصاً فى قريش ، وبعض زعماء القبائل الكبيرة ، أما فلول العرب وأعدادهم الغفيرة فلم تكن تستمتع بتلك المظاهر الحضارية لا منتجة ولا مستهلكة ، ومن هنا كانت الدهشة الكبرى التى لفتت أنظار الجيش العربى بطبقاته أثناء دخول الإسكندرية ورؤية القصور الشاهقة والشوارع اللامعة ومظاهر الترف الواضحة فى أحياء الرومان ... وعلى طول الطريق قبل الوصول إلى الإسكندرية كان ألأفق الأخضر الوافر بالمحاصيل المختلفة تملأ العيون ، والمياة العزبة تجرى بلا عوائق ، والفلاحون من الرجال ولالنساء ينطلقون فى الحقول .

جنة الله هى جنة مصر

كانت تجليات الجنة ونعيمها كما حلم بها العربى أبن الصحراء الغازى تقابلة فى كل مكان بمصر وتأخذه بسحرها ، وإن كان يفصله عنها بحر من الماء ، وهاجم العربى مصر وقضى على أعدائه وإمتلكها .. وأصبح كل ما فى الجنة بخياله مسخراً لخدمته فى الحياة : الفواكه وألأعناب .. الأشجار والطيور .. الأنهار الجارية .. اللبن والعسل ... الرجال والولدان والنساء ... الذهب والفضة "مثل معادن جبال العلاقى(1) التى نزحت إليها قريش وسيطرت عليها"

حتى الشهوات التى وعد الله بها المسلمين فى الجنة كانت متوافرة - وكثير من الحكايات التاريخية تشير إلى إقبال المسلمين الفاتحين / الغزاة على ممارسة كل الشهوات بما فيها إحتساء الخمر : وحادثة شرب إبن الخليفة عمر بن الخطاب للخمر لم تكن إستثناءً وحيداً بل ان الخليفة عمر إبن الخطاب كان يحتسى الخمر ، كما يروى عن القاضى البكرى الذى حكم ضد قبط أهل مصر فى قضية أهل الحرص ، أنه كان لا يجلس للقضاء إلا بعد الغذاء وبعد أن يشرب عدة أقداح من الخمر - ونجد فى أخبار دعبل بن على الذى حكم أسوان بعض الوقت أنه كان يشرب النبيذ [الأغانى للأصفهانى : الجزء العشرون ص 159]  

ويشير بعض المؤرخين إلى أن القبط كانوا يدفعون مقرر الجزية والخراج  من الخمور مساوياً لمثرر الجزية من المنتجات الأخرى كالخل والعسل والحالات التى قرر فيها الولاة تكسير دنان (أوعية) الخمور تؤكد أن صناعة الخمر وإستهلاكه ظلت قائمة طوال فترات الحكم العربى لمصر ، إلا فى إستثناءات حادة قليلة لبعض الحكام الذين يأمرون بالتضييق عليها .

وقال : صورة الجنة كما تخيلها العربى تغلف رؤيته لمصر ، ويروى عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال: ( لما خلق الله آدم ، مثل له الدنيا : شرقها وغربها وسهلها وجبالها وأنهارها وبحارها وعامرها وخرابها ومن يسكنها من الأمم‏.‏ ومن يملكها من الملوك فلما رأى مصر رآها أرضًا سهلة ذات نهر جارٍ مادته من الجنة تنحدر فيه البركة ورأى جبلًا من جبالها مكسوًا نورًا لا يخلو من نظر الرب عز وجل إليه بالرحمة في سفحه أشجار مثمرة فروعها في الجنة تسقى بماء الرحمة فدعا آدم في النيل بالبركة ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات ، وقال‏:‏ يا أيها الجبل المرحوم سفحك جنة وتربتك مسكة تدفن فيها عرائس الجنة أرض حافظة مطبقة رحيمة لا خلتك يا مصر بركة ولا زال بك حفظة ولا زال منك ملك وعز يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز ولك البر والثروة سال نهرك عسلًا كثر الله رزقك ودر ضرعك وزكا نباتك وعظمت بركتك وخصبت ولازال فيك يا مصر خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني فإذا فعلت ذلك عراك شر ثم يغور خيرك‏.‏ [ إبن الظهيرة : النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة]

وكثيراً ما كانوا يقولون : إن (نيلها يخرج من الجنة على حساب ما ورد به خير الشريعة ) [المسعودى : مروج الذهب ومعادن الجوهر ص346]

(وحكي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أرسل إلى عمرو بن العاص، وهو خليفة بمصر عرفني عن مصر وأحوالها وما تشتمل عليه وأوجز لي في العبارة فأرسل إليه شعرا: وما مصر مصر ولكنها ... جنة فردوس لمن كان يبصر )) [سليمان الجمل المتوفى سنة 1204هـ في حاشيته ( فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب ]

مصر سلة الخبز وبقرة حلوب للغزاة العرب المسلمين

فهى صورة الجنة على الأرض فى مخيلة العرب المسلمين الذين غزوا مصر ، وجمالها مشروط بمدى الخضوع للسيد العربى ، فإذا تمردت عليه إنقلب الجمال إلى شر مطلق .. خصوصاً وأن ملامح هذا الجمال ومفرداته هى الخبايا والكنوز والبر والثروة ، كما أن أهم شروط الإحساس بهذا الجمال ، هو إستمرار سيلان الثروة فى أيدى السيد العربى كما يستمر حلب اللبن من ضرع بقرة حلوب خصبة وسنجد تشبيه البقرة الحلوب كثير التكرار فى حديث العرب عن مصر ، فمرة يأتى على شكل دعاء ، كما فى قول عبدالله بن عرم "در ضرعك" يمعنى الدعاء لها بزيادة الثروة ، ومرة يأتى على شكل حث مجنون أنهب الثروة ، كما جاء فى وصية الخليفة سليمان بن عبد الملك لأسامة بن زيد التنوخى ، متولى خراج مصر ، فقال له :  ( أحلب حتى ينقيك الدم ، فإذا أنقاك الدم حتى ينقيك القيح ! لا تبقها لأحدى بعدى) [المقريزى : المقفى الكبير ص 39]

وجنون الإستنزاف الذى سيطر على الخليفة جعله لا يقنع بمجرد حلب اللبن أى خير مصر ، فطالب متولى الخراج بحلب الدم ، ثم لا يكتفى بحلب الدم فيطالبه بصديد الجروح العميقة ، حتى يترك البقرة "أى مصر" جثة هامدة ليس فيها شئ لأحد بعده ... وهو جنون لا يوازيه إلا نهم الخليفة إلى الطعام الذى كان يسيطر عليه ليل نهار حتى صار مضرب الأمثال فى الشرة ، ويحكى الدميرى فى (كتاب حياة الحيوان الكبرى) أن الخليفة السليمان بن عبد  الملك (كان نهماً فى الأكل وقد نقل عنه أشياء غريبة فمنها أنه أصطبح فى بعض الأيام بأربعين دجاجة مشوية وأربعين بيضة ، وأربع وثمانين كلوة يشممها وثمانين جر دقة ، ثم أكل مع الناس على السماط العام)

ومنها أنه دخل ذات اليوم بستاناً له ، وكان قد أمر قيمه أن يجنى ثماره ، ويستطيب له ، وكان معه أصحابه ، فأكل القوم حتى إكتفوا ، وإستمر هو يأكل فأكل ذريها ، ثم أستدعى بشاه مشوية فأكلها ، قم أقبل على الفاكهة فأكل أكلاً ذريها ، ثم أتى بقعى يفصد فيه الرجل مملوء سمناً وسيقاً وسكراً فأكله أجمع ، ثم سار للخلافة وأتى بالسماط) [كمال الدين الدميرى : كتاب حياة الحيوان الكبرى - الجزء ألأول ص 404]  

وقد تمسك "أسامة بن زيد التنوخى" متولى خراج مصر بنصيحة الخليفة سليمان الشرة فى الطعام إلى الطعام والثروات ، وعمل على جمع كل ما يستطيع من أموال وبعثها إليه ، ويعلق المقريزى على أفعال أسامة بن زيد التنوخى بأنه أتى بأفعال تفوق ما فعله فرعون وإشتد على نصارى مصر وأمر بقتلهم وأخذ أموالهم ، ووسم أيدى الرهبان بحديدة تدل على إسمه وأسم ديره وتاريخه ، فكل من وجد بغير وسم ضرب عنقه ، وكتب إلى الأعمال (القائمين بتنفيذ الأوامر) بأن من وجد من النصارى ولم يكن بيده منشور يؤخذ منه عشرة دنانير ) [المقريزى   ] راجع أيضاً (2)

وقد كان وصف البقرة الحلوب شائعا بين العرب ، نجده لدى الخليفة عمر بن الخطاب فى حديثه إلى عمرو بن العاص ، وفى حديث الخليفة عثمان بن عفان لعمرو بن العاص ( لقد درت اللقحة بعدك با أبن العاص) (3)

وبخلاف وصف البقرة أو أللقحة ، نجد آخرين يصفونها بسلة الخبز لأنها كانت تبعث بالقمح لمكة والمدينة ونمير أى تعيش الخلافة وتعطيها ما تحتاج له من طعام .

أما ابو بصرة الغفارى فيشبهها بخزائن الأرض كلها ، وإبن العاص كان يؤكد أن خلافة مصر تعدل الخلافة كلها !!

وسواء أكانت بقرة أو سلة خبز أو خزنة أو أنها تعدل الخلافة كلها فجميعها تشبيهات تفصح عن معانى الإستنزاف التى تعرضت لها مصر على يد الفاتح / الغازى العربى لأنها (معدن الذهب والجواهر والزمرد والأموال وكغارس الغلان ) [المسعودى : مروج الذهب ومعادن الجوهر ]  

فإستحلب العرب ، كما يقتضى منطق الغزو لدى كل الجيوش .. ذهبها وجواهرها وأموالها وغلاتها ، ونظروا  إلى أهلها نظرة التعالى المطلق.

فكان القبط يزرعون للعرب ، ويبنون للعرب ، ويصنعون للعرب ... ثم يحتقرهم العرب وينظرون إليهم من علو

وفى ذات الوقت الذى كان يبالغ فيه العرب فى مدح ثروات مصر ، كانوا يبالغون أيضاً فى ذم شعبها وتحقير شأن الرجال والنساء حتى وسموهم بكل علامات الشر المطلق (4)، فيقول من يصفها بأنها معدن الذهب أن فى (أهلها مكر ورياء وخبث ودهاء وخديعة) [المسعودى : مروج الذهب ومعادن الجوهر ]  

قال ابن عباس :‏ المكر عشرة أجزاء‏.‏ تسعة منها في القبط وواحد في سائر الناس‏.‏

وقال الخليفة معاوية بن أبي سفيان‏ الذى يقسم :‏ (أهل مصر ثلاثة أصناف‏:‏ فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لا ناس‏.‏ فأما الثلث الذين هم الناس‏:‏ فالعرب والثلث الذين يشبهون الناس‏:‏ فالموالي والثلث الذين لا ناس‏:‏ المسالمة يعني القبط‏.‏ ) [المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الأول - ( 11 من 167 ) ]

ويبدو أن التعبير عن نظرة العرب الدونية لقبط مصر كان ضرورياً لإستمرار منطلق العنجهية العرقية المبالغ فيها ، إستمرار منطق الإستنزاف والسيادة لصالح الفارس العربى الذى يجب أن يحتل المكانة العليا فى المجتمع المفروض على القبط بحد السيف ، فيحتكر معها كل الصفات النبيلة الرفيعة التى للأقباط وتضحياتهم لأجل أولادهم والمسيحية بحد السيف أيضاً  .

أما الشعب المحكوم والخاضع كلياً لمنطق الغزو ، فإن السادة العرب يرونه من زاوية عدم إستحقاقة للخيرات المحيطة به ، من زرع وماء وثروة فى بعض الأحيان يرونه من زاوية عدم الإستحقاق للحياة نفسها.

والنتيجة الطبيعية فى نظر الناس ، أو الأشراف من العرب أن القبط هم شعب من العبيد أشباه ناس ينتجون الثروة ، والعرب الغزاة السادة هم الناس الذين يستهلكونها ويغرقون فى الإستمتاع بها  ، والصواب الوحيد فى عين العربى الحاكم هو ضمان إستمرار خضوع القبط للعرب لضمان إستحواذ العربى للثروة وللذاته وشهواته ، ولذلك فإن الحكام العرب نظروا إلى الثورات القبطية على أنها خروج "اللاناس" على ناموس الطبيعة ، وربما من هذه الزاوية تجاهل معظم المؤرخين العرب أحداث ثورات القبط ، وتعاملوا مع مصر أثناء ذكر أخبار الفتح / الغزو وكأنها أرض بلا شعب ، وإستمروا على هذا النهج إزاء أحداث عام 107 هـ وتصاعدها حتى بلغت الذروة عام 132 هـ مع نهاية الدولة الأموية .

ومن المدهش أن نجد ثنائية الإشادة بمصر (وحضارتها وإنشائاتها ومدنها ونيلها  وزرعها) الأرض والثروة والخيرات من ناحية ، وذم الشعب ووصفه بشتى الصفات السلبية من ناحية أخرى ، لدى المؤرخ مرهف الشعور الإجتماعى مثل المقريزى الذى فطن إلى تفاصيل الحياة ألإجتماعية والسلوكية والعقائدية لدى الشعب ، كما قطن وسجل التمردات القبطية الكبرى ، وخصص لها فصولاً فى كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار ، بعكس ألاخرين الذين كتبوا عن مصر وكأنها بلا شعب ، فتحها العرب بعد سلسلة معارك ضد الرومان فإنتصروا عليهم وتمكنوا من تثبيت أقدامهم فيها وفرض الجزية على سكان يسمون فى العموم الأقباط .

وقد سجل المقريزى صورة تمتلئ بالتفاصيل الحيوية عن حياة الشعب المصرى فى ظل حكم الإستعمار العربى ، ورغم هذا الحس الإجتماعى المرهف إلا أننا نجد نفس الثنائية المتعالية على الشعب المصرى السكان ألصليين ... ولم لا .. ؟ وهو المؤرخ المصرى المولد وألإقامة ، العربى الثقافة والتكوين ، رباه جده لأمه ، ويدعى إبن الصائغ على المذهب الحنفى ، ثم إنقلب شافعياً بعد وفاته ، وقد تولى عدداً من الوظائف فى ديوان الحكومة حتى أصبح محتسباً وهو منصب له مكانته العالية فى شئون الحكم .

كما نجد فى كتابات المقريزى ، شأنه شأن مؤرخى مدرسة التاريخ المصرية التى تأسست على يد ابن عبد الحكم ، فكرة العرب عن أنفسهم  وهم الحكام الغزاة الغالبين ، ونظرتهم للشعب المصرى وهم المحكومين المغلوبين ، ونتعرف من خلاله على الأساطير السائدة وخرافات العرب عن المصريين .

ومن الغريب أن يفيض المقريزى فى وصف المصريين بالجبن والإستخذاء أكثر من مرة وأنها صفات طبيعية منحتها لهم الطبيعة فإلتصقت بهم جميعاً (بالرغم من سرده للثورات القبطية التى وقفت بشجاعة ضد العرب المسلمين المدربين على الحرب والقتال منذ الصغر وخاضوا معارك ضارية مع الروم اهل الحرب ايضا ) وفى المقابل يصف العرب بالشجاعة وألإحساس بالكرامة كصفات اصلية  فيقول أن أهل مصر يغلب عليهم : ( الدعة والجبن والقنوط والشح وقلة الصبر والرغبة فى العلم وسرعة الخوف والحسد والنميمة والكذب والسعى إلى السلطان وذم الناس بالجملة فيغلب عليهم الشر والدنية التى تكون من دنائة النفس ، وليست هذه الشرور عامة فيهم ، ولكنها موجودة فى أكثرهم ومنهم من خصه الله بالفضل وحسن الخلق وبرأه من الشرور الدنيئة فى النفس لم تسكنها ألسد ، وإذا دخلت ذلت ولم تتناسل ، وكلابها أقل جرأة من كلاب غيرها من البلدان ، وكذلك سائر ما فيها أضعف من نظيره فى البلدان الأخرى ما خلا ما كان منها فى طبعة ملاينة لهذا الحال كالحمار والأرنب )  [ المقريزى : المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار ص 43]

وهكذا يلصق المقريزى نموذج العقل العربى المتعالى على المصريين - كل الصفات السلبية بالشعب المصرى ويختمها بطابع الأزلية والثبوت كأنهم خلقوا من طين مختلف ليست من طينة العرب أو أن ليس أبوهم هو آدم أب البشرية  ، وهو حينما يدعى أنها صفات طبيعية تنبع من طبيعة الأرض ونوع المياة ولون السماء ، ولا أحد يعلم كيف تولد ألأرض الجبن والشرور الدنيئة فى النفس ، وكيف تولد أرض أخرى الشجاعة والخير والفضيلة ... ؟

 وكيف تولد الخضرة والمياة الجارية وتوافر المحصول الشر والدناءة ، بينما تولد الصحراء وحياة الندرة الشجاعة المطلقة؟

إنه فكر الفروسية ينشأ بالإغارة والحرب والإعتداء وغزو القبائل الأخرى طمعاً فى السلب والنهب ، فيعتقد العربى أنه السلوك ألأرقى طالما يمكنه الحصول على إحتياجاته وزيادته من تعب وكد وعرق الآخرين بوضع سيفه على رقابهم وهو راكباً على فرسه ، فيسمى القتال والفروسية والغزو جهاد فى سبيل الله وهذه هى الشجاعة فى مخيلته.. !!

وتأخذ عصبية العقل العربى حداً لا يكتفى بوصف المصريين فقط بتلك الصفات السلبية ، بل أنه يذهب إلى أبعد من ذلك بوصف حيوانات المكان بنفس الصفات تشبيه واضح يؤكد طابع ألزلية الكونية ، وحتى كلاب مصر تكون أقل جرأة من كلاب غيرها من البلدان ونباحها أضعف وأكثر الكائنات إنسجاماً مع طبيعة تلك البيئة هى الحمار والأرنب ... !!!

العرب يلقون الأقباط للأسود الجائعة مثل الرومان

وينسى المقريزى ، ومن خلفه العقل العربى وأجمعه ، أن الجزيرة العربية موطن السادة والأشراف والفرسان والمغاويير تخلوا أيضاً من الأسود رغم إختلاف بيئتها عن بيئة مصر ، ورغم إضافة العقل العربى فى مقارنة النفس بالأسود فى الشجاعة والقوة فى اشعارهم ومواطن فخرهم
كما ينسى المقريزى أن مصر لم  تخل تماماً من ألأسود التى استخدمها الحكام العرب فى عقاب الخارجين عن طاعة الحكام مثلما حدث فى نهاية الدولة الأموية ، حيث قبض الخليفة مروان بن محمد على رجال الكنيسة وسجنهم وسلم (أغناطيوس القديس الشهيد إلى عشرة من الأسد )  [تاريخ البطاركة : ساويروس أبن المقفع ص 198]     

وتذكرنا تلك الحادثة بتاريخ القبط الدامى مع الأسود منذ الحقبة الرومانية الوثنية ، حيث كان يتسلى الأباطرة والحكام الرومان بمشاهدة الأسود الجائعة تهاجم المسيحيين فى حلبة المصارعة وتفتك بهم وسط صيحات الفرح والنشجيع من الجمهور الوثنى المتعطش للدماء .. وقد أعاد العرب تمثيل نفس المشهد ضد مخالفيهم فى العقيدة من القبط .

وقد ترك هذا التاريخ الدامى أثراً قاتماً فى إستخدام القبط لتشبيه الأسود ، على عكس العرب الذى يتخذونه مضرباً فى الشجاعة ومثالاً لها .

وفى الكثير من النصوص القبطية القديمة ، نجد أن تشبيه الأسد يدل على الشراسة وحب سفك الدماء كما وصف ساويروس أبن المقفع كاتب تاريخ البطاركة لأحد الحكام العرب بأنه ( كان مبغضاً للنصارى سفاك للدماء رجل سوء كالسبع الضارى ) [تاريخ البطاركة : ساويروس أبن المقفع ص 139 ص 122]  

ويقول فى موضع آخر عن (ملك أسمه مروان ثار مثل الأسد إذا خرج من الغابة جائعاً يأكل ويدوس الباقى برجليه ) [تاريخ البطاركة : ساويروس أبن المقفع ]  بعكس العرب الذين يقرون صفة الأسد بالشجاعة ويتيهون بأنفسهم حينما يقرنون أنفسهم به.

الفن القبطى والحيوانات

وعلى عكس فكرة المقريزى السابقة عن خلو مصر من الحيوانات الضارية لعدم صلاحية أرضها المولدة للجبن والأخلاق الدنية نجد فى مصر الكثير من الحيوانات الضارية التى لا تسكن الجزيرة العربية مثل أنواع التمساح والنمس وذئاب البرارى والأفاعى وغيرها ، والحضارة القبطية أبدعت فى إدخال تلك الضوارى ضمن أنساقها الفنية ، كما أن العقل المصرى حفظ الكثير من الحكايات عن حب المصريين للحيوانات ومعاملتها برأفة وشفقة وهى عادة موروثة الفراعنة الذين كانوا يكتبون على مقابرهم أنهم لم يؤذوا حيواناً تقرباً للإله خالق الطبيعة .

وهناك منظر جميل لملاح محفور فى الخشب والملاح ذراعه ممتدان يداعب تمساحاً  بيده [مراد كامل : حضارة مصر فى العصر القبطى ص 142] والتمساح من الحيوانات الضارية التى تآلف خيال الفنان القبطى وصورها باسلوب محبب بجوار الحيوانات الأليفة مثل : الطيور وألسماك والأرنب والغزلان ، وهو يرى فيها جميعها (الأليف والضارى) وداعة ورقة مفرطة.

*******************************

المراجع

(1) قبيلة الكواهلة كاهل بن أسد بن خزعه بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ولأسد ابن خزيمه مالك وعمرو فبني مالك وبني عمرو هم أبناء عمومة بني كاهل. كما ان أسد بن خزيمة هو أخ لكنانة بن خزيمة الذي انحدرت منه قبيلة قريش وهو قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهد بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمه وقصي هو الذي لقب بقريش - هاجرت قبيلة بني كاهل من جزيرة العرب قبل الإسلام إلي العروة الغربية من البحر الأحمر بحثا عن المعادن مثل الذهب والأحجار الكريمة التي كانت توجد في سلسلت جبال العلاقي الذي يقع بالقرب من ميناء عيزاب شرق السودان (2) أخرج الإمام عبد الرزاق في مصنفه:(9/232 - 233)"من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : شرب أخي - عبد الرحمن بن عمر - وشرب أبو سروعة عقبة بن الحارث ، وهما بمصر في خلافة عمر فسكرا فلمَّا أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر ، فقالا : طهرنا فإنَّا سكرنا من شراب شربناه فقال عبد الله : فذكر لي أخي أنَّه سكر ، فقلت له ادخل الدار أطهرك ، ولم أشعر أنَّهما أتيا عمرواً ، فأخبرني أنَّه أخبر الأمير بذلك فدخل الدار ، فقال عبد الله : لا يحلق القوم على رؤوس عامة النّاس ، ادخل الدار احلقك - وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدود - فدخل الدار ، فقال عبد الله : فحلقت أخي بيدي ثم جلدهم عمرو ، فسمع بذلك عمر ، فكتب إلى عمرو أن أبعث إليَّ بعبد الرحمن على قتب ، ففعل ذلك فلمَّا قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه - أي ضرب عمر رضي الله عنه ليس من باب الحد بل من باب التأديب - ثم أرسله ، فلبث شهراً صحيحاً ثمَّ أصابه قدره فمات ، فيحسب عامة النَّاس إنَّما مات من جلد عمر ، ولم يمت من جلد عمر"
هذه القصة صحيحة الإسناد ، قال الحافظ في الإصابة:(5/ 44)"وقد أخرج عبد الرزاق القصة مطولة بالسند المذكور وهو صحيح"
وقد ذكر القصة ابن عبد البر في الاستيعاب:(2/ 842)0وابن الأثير في أسد الغابة:(3/ 493)0والحافظ في الأصابة:(5/ 44)والصفدي في الوافي بالوفيات:(18/ 122) والنووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات:(1/ 300) وغيرهم ، وقد ذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه    

(2) [الكتاب : المواعظ والاعتبار - المؤلف : المقريزي الجزء الثالث ص 237 ] ولما ولي مصر عبد الله بن عبد الملك بن مروان اشتد على النصارى، واقتدى به قرة بن شريك أيضا في ولايته على مصر، وأنزل بالنصارى شدائد لم يبتلوا قبلها بمثلها، وكان عبد الله بن الحبحاب متولي الخراج قد زاد على القبط قيراطا في كل دينار، فانتقض عليه عامة الحوف الشرقي من القبط، فحاربهم المسلمون وقتلوا منهم عدة وافرة في سنة سبع ومائة، واشتد أيضا أسامة بن زيد التنوخي متولي الخراج على النصارى، وأوقع بهم وأخذ أموالهم، ووسم أيدي الرهبان بحلقة حديد فيها اسم الراهب واسم ديره وتاريخه، فكل من وجده بغير وسم قطع يده، وكتب إلى الأعمال بأن من وجد من النصارى وليس معه منشور أن يؤخذ منه عشرة دنانير، ثم كبس الديارات وقبض على عدة من الرهبان بغير وسم، فضرب أعناق بعضهم وضرب باقيهم حتى ماتوا تحت الضرب، ثم هدمت الكنائس وكسرت الصلبان ومحيت التماثيل وكسرت الأصنام بأجمعها، وكانت كثيرة في سنة أربع ومائة، والخليفة يومئذ يزيد بن عبد الملك، فلما قام هشام بن عبد الملك في الخلافة، كتب إلى مصر بأن يجري النصارى على عوايدهم وما بأيديهم من العهد، فقدم حنظلة بن صفوان أميرا على مصر في ولايته الثانية، فتشدد على النصارى وزاد في الخراج، وأحصى الناس والبهائم، وجعل على كل نصراني وسما صورة أسد، وتتبعهم، فمن وجده بغير وسم قطع يده، ثم أقام اليعاقبة بعد موت الإسكندروس بطركا اسمه قسيما، فأقام خمسة عشر شهرا ومات، فقدموا بعده تادرس في سنة تسع ومائة بعد إحدى عشرة سنة. وفي أيامه أحدثت كنيسة يوقنا بخط الحمراء ظاهر مدينة مصر، في سنة سبع عشرة ومائة، فقام جماعة من المسلمين على الوليد بن رفاعة أمير مصر بسببها.  

(3) راجع الكتاب : رسائل الثعالبي - المؤلف : الثعالبي (وسمعت أبا زكريا يحيى بن اسماعيل الحربي يقول قد كنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن استخراج الخراج والعشر وسائر حقوق بيت المال بقوله وأدروا لقحة المسلمين أدار بلقحتهم درة الفيء والخراج التي منها عطاياهم " ومن ذلك " أن سيدنا عثمان بن عفان لما ولي الخلافة عزل عمر ا بن العاص عن مصر وكان اميرا عليها من يوم فتحها في خلافة الفاروق إلى أن ولى عثمان وولي مكانه عبد الله بن سعد بن ابي سرح فارسل الخراج لسنة أربعة عشر ألف ألف دينار وعمرو بن العاص حاضر اذ ذاك عند عثمان وكان عمرو يرسلها ثلاثة عشر ألف ألف دينار فقال عثمان قد درت اللقحة يا عمرو قال نعم يا أمير المؤمنين ولكنكم أجحفتم بفصالها )

(4) الاحاديث التي ذمت في مصر هي سنية منها:
مختصر تاريخ دمشق بابن عساكر: محمد بن عبد الرحيم البغدادي
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ذكرت مصر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " السوداء تربتها، المنتنة أرضها، الحلفاء نباتها، القبط أهلها، من دخل فيها وسكن فيها وأكل من آنيتها وغسل رأسه بطينها، ألبسه الله الذل والهوان، وأذهب عنه الغيرة؛ وإن كان ولا بد من السكنى فيها، فعليكم بجبلٍ يقال له المقطم فإنه مقدس، أو بقريةٍ يقال لها: الإسكندرية فإنها أحد العروسين يوم القيامة.
** المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الأول - ( 11 من 167 )
وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ أنه سأل كعب الأحبار عن طبائع البلدان وأخلاق سكانها فقال‏:‏ إن اللّه تعالى لما خلق الأشياء - جعل كل شيء لشيء فقال العقل‏:‏ أنا لاحق بالشام فقالت الفتنة‏:‏ وأنا معك وقال الخصب‏:‏ أنا لاحق بمصر فقال الذل‏:‏ وأنا معك وقال الشقاء‏:‏ أنا لاحق بالبادية فقالت الصحة‏:‏ وأنا معك‏.‏
ويقال‏:‏ لما خلق اللّه الخلق خلق معهم عشرة أخلاق‏:‏ الإيمان والحياء والنجدة والفتنة والكبر والنفاق والغنى والفقر والذل والشقاء فقال الإيمان‏:‏ أنا لاحق باليمن فقال الحياء‏:‏ وأنا معك‏.‏
وقالت النجدة‏:‏ أنا لاحقة بالشام فقالت الفتنة ‏:‏ وأنا معك‏.‏
وقال الكبر‏:‏ أنا لاحق بالعراق فقال النفاق‏:‏ وأنا معك‏.‏
وقال الغنى‏:‏ أنا لاحق وعن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ المكر عشرة أجزاء‏.‏ تسعة منها في القبط وواحد في سائر الناس‏.‏
ويقال‏:‏ أربعة لا تعرف في أربعة‏:‏ السخاء في الروم والوفاء في الترك والشجاعة في القبط والعمر في الزنج‏.‏ووصف ابن العربية أهل مصر فقال‏:‏ عبيد لمن كلب‏.‏
** و جاء في المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الأول - ( 11 من 167 ) :
قال المسعودي‏:‏ لما فتح عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه البلاد على المسلمين من العراق والشام ومصر وغير ذلك كتب إلى حكيم من حكماء العصر‏:‏ إنا لَناس عرب قد فتح اللّه علينا البلاد ونريد أن نتبوأ الأرض ونسكن البلاد والأمصار فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها وما تؤثره الترب والأهوية في سكانها‏.‏
فكتب إليه‏:‏ وأما أرض مصر فأرض قوراء غوراء ديار الفراعنة ومساكن الجبابرة ذمّها أكثر من مدحها هواؤها كدر وحرّها زائد وشرّها مائد تكدر الألوان والفطن وتركب الإحن وهي معدن الذهب والجوهر ومغارس الغلات‏.‏
غير أنها تسمن الأبدان وتسودّ الإنسان وتنمو فيها الأعمار وفي أهلها مكر ورياء وخبث ودهاء وخديعة‏.‏
وهي بلدة مكسب ليست بلدة مسكن لترادف فتنها واتصال شرورها‏.‏
وقال عمر بن شبه‏:‏ ذكر ابن عبيدة في كتاب أخبار البصرة عن كعب الأحبار‏:‏ خير نساء على وجه الأرض‏:‏ نساء أهل البصرة إلا ما ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم من نساء قريش وشرّ نساء على وجه الأرض‏:‏ نساء أهل مصر‏.‏
وقال عبد اللّه بن عمرو‏:‏ لما أهبط إبليس وضع قدمه بالبصرة وفرخ بمصر‏.‏
وقال كعب الأحبار‏:‏ ومصر أرض نجسة كالمرأة العاذل يطهرها النيل كل عام‏.‏
وقال معاوية بن أبي سفيان‏:‏ وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف‏:‏ فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لا ناس‏.‏ فأما الثلث الذين هم الناس‏:‏ فالعرب والثلث الذين يشبهون الناس‏:‏ فالموالي والثلث الذين لا ناس‏:‏ المسالمة يعني القبط‏.‏

This site was last updated 10/08/11