Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة سبعين ومائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة تسع وستين ومائة
سنة سبعين ومائة

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

 

حوادث سنة سبعين ومائة
ذكر ما جرى للهادي في خلع الرشيد

كان الهادي قد جد في خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر، وكان السبب في ذلك أن الهادي لما عزم على خلعه ذكر لقواده، فأجابه إليه يزيد بن مزيد الشيباني، وعبد الله بن مالك، وعلي بن عيسى وغيرهم، فخلعوا هارون، وبايعوا لجعفر، ووضعوا الشيعة، فتكلموا في ذلك، وتنقصوا بالرشيد في مجلس الجماعة، وقالوا لا نرضى به، وصعب أمرهم، وأمر الهادي أن لا يسار بين يدي هارون بالحربة، فاجتنبه الناس، وتركوا السلام عليه.
وكان يحيى بن خالد بن برمك يتولى أمور الرشيد بأمر الهادي، فقيل للهادي: ليس عليك من أخيك خلاف إمنا يحيى يفسده؛ فبعث إليه، وتهدده، ورماه بالكفر، ثم إنه استدعاه ليلة، فخاف، وأوصى، وتحنط، وحضر عنده، فقال له: يا يحيى! مالي وما لك؟ قال: ما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته. قال: لم تدخل بيني وبين أخي وتفسده علي؟ قال: من أنا حتى أدخل بينكما؟ إمنا صيرني المهدي معه، ثم أمرتني أنت بالقيام بأمره، فانتهيت إلى أمرك. فسكن غضبه.
وقد كان هارون طاب نفساً بالخلع، فمنعه يحيى عنه. فلما أحضره الهادي، وقال له في ذلك، قال يحيى: يا أمير المؤمنين! إنك إن حملت الناس على نكث الأيمان هانت عليهم أيمانهم، وإن تركتهم على بيعة أخيك ثم بايعت لجعفر بعده، كان ذلك أوكد للبيعة. قال: صدقت، وسكت عنه.
فعاد أولئك الذين بايعوه من القواد والشيعة، فحملوه على معاودة الرشيد بالخلع، فاحضر يحيى وحبسه، فكتب إليه: إن عندي نصيحة؛ فأحضره، فقال له: يا أمير المؤمنين! أرأيت إن كان الأمر الذي لا يبلغه، ونسأل الله أن يقدمنا قبله، يعني موت الهادي، أتظن الناس يسلمون الخلافة لجعفر، وهولم يبلغ الحنث، أويرضون به لصلاتهم، وحجهم، وغزوهم؟ قال: ما أظن ذلك! قال: يا أمير المؤمنين! أفنأمن أن يسموإليها أكابر أهلك، مثل فلان، ويطمع فيها غرهم، فتخرج من ولد أبيك؟ والله لوأن هذا الأمر لم يعقده المهدي لأخيك، لقد كان ينبغي أن تعقده أنت له، فكيف بأن تحله عنه وقد عقده المهدي له! ولكني أرى أن تقر الأمر على أخيك، فإذا بلغ جعفر أتيته بالرشيد، فخلع نفسه له وبايعه. فقبل قوله، وقال: نبهتني على أمر لم أنتبه له. وأطلقه.(3/82)
ثم إن أولئك القواد عاودوا القول فيه، فأرسل الهادي إلى الرشيد في ذلك، وضيق عليه؛ فقال له يحيى: استأذنه في الصيد، فإذا خرجت فأبعد، ودافع الأيام! ففعل ذلك وأذن له، فمضى إلى قصر بني مقاتل، فأقام أربعين يومأن فأنكر الهادي أمره، وخافه، فكتب إليه بالعود، فتعلل عليه، فأظهر الهادي شتمه، وبسط مواليه وقواده فيه ألسنتهم؛ فلما طال الأمر عاد الرشيد، وقد كان الهادي في أول خلافته جلس، وعنده نفر من قواده، وعنده الرشيد، وهوينظر إليه، ثم قال له: يا هارون! كأني بك وأنت تحدث نفسك بتمام الرؤيأن ودون ذلك خرط القتاد.
فقال له هارون: يا موسى إنك إن تجبرت وضعت، وإن تواضعت رفعت، وإن ظلمت قتلت وإن أنصفت سلمت، وإني لأرجوأن يفضي الأمر إلي، فأنصف من ظلمت، وأصل من قطعت، وأجعل أولادك أعلى من أولادي، وأزوجهم بناتي، وأبلغ ما تحب من حق الإمام المهدي.
فقال له الهادي: ذلك الظن بأنك يا أبا جعفر، ادن مني! فدنا منه، وقبل يده، ثم أرد العود إلى مكانه، فقال: لا والشيخ الجليل، والملك النبيل، اعني المنصور، لا جلست إلا معي؛ فأجلسه في صدر مجلسه، ثم أمر أن يحمل إليه ألف ألف دينار، وأن يعمل إليه نصف الخراج، وقال لإبراهيم الحراني: اعرض عليه ما في الخزائن من مالنأن وما أخذ من أهل بيت اللعنة، يعني بني أمية، فيأخذ منه ما أراد، فليأخذ منه ما أراد. ففعل ذلك. فقام عنه.
وسئل الرشيد عن الرؤيأن فقال: قال المهدي: رأيت في منامي كأني دفعت إلى موسى وإلى هارون قضيبأن فأورق من قضيب موسى أعلاه، وأوراق قضيب هارون من أوله إلى آخره، فعبرت لهما أنهما يملكان معأن فأما موسى فقتل أيامه، وأما هارون فيبلغ آخر ما عاش خليفة، وتكون أيامه أحسن أيام، ودهره أحسن دهر؛ فكان كذلك.
وذكر أن الهادي خرج إلى حديثه الموصل، فمرض بهأن واشتد مرضه، وانصرف، وكتب إلى جميع عماله شرقاً وغرباً بالقدوم إليه، فلما ثقل أجمع القواد الذين كانوا بايعوا جعفرأن وتآمروا في قتل يحيى بن خالد، وقالوا: إن صار الأمر إليه قتلنأن وعزموا على ذلك، ثم قالوا: لعل الهادي يفيق، فما عذرنا عنده؟ فأمسكوأن ولما اشتد مرض الهادي أرسلت الخيزران إلى يحيى تأمره بالاستعداد، فأحضر يحيى كتابأن فكتبوا الكتب من الرشيد إلى العمال بوفاة الهادي، وأنه قد ولاهم ما كان ويكون، فلما مات الهادي سيرت الكتب.
وقيل إن يحيى كان محبوساً. وكان الهادي قد عزم على قتله تلك الليلة، وإن هرثمة بن أعين هوالذي أقعد الرشيد، على ما سنذكره.
ولما مات الهادي قالت الخيزران: قد كنا نتحدث أنه يموت في هذه الليلة خليفة، ويملك خليفة، ويولد خليفة، فمات الهادي، وولي الرشيد، وولد المأمون، وكانت الخيزران قد أخذت العلم من الأوزاعي؛ وكان موت الهادي بعيساباذ.
ذكر وفاة الهادي
وفي هذه السنة توفي الهادي موسى بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس في شهر ربيع الأول.
واختلف في سبب وفاته، فقيل كان سببها قرحة كانت في جوفه؛ وقيل مرض بحديثه الموصل، وعاد مريضاً فتوفي، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وقيل إن وفاته كانت من قبل جوار لأمه الخيزران كانت أمرتهن بقتله، وكان سبب أمرها بذلك أنه لما ولي الخلافة كانت تستبد بالأمور دونه، وتسلك به مسلك المهدي، حتى مضى أربعة أشهر، فانثال الناس إلى بابهأن وكانت المواكب تغدو وتروح إلى بابهأن فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها سبيلأن فقالت: لا بد من إجابتي إليه، فإنني قد ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك. فغضب الهادي وقال: ويلي على ابن الفاعلة! قد علمت أنه صاحبها والله لا قضيتها لك. قالت: إذاً والله لا أسألك حاجة أبداً؛ قال: لا أبالي والله، وغضبت فقامت مغضبة، فقال: مكانك والله، وإلا أنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي وخاصتي لأضربن عنقه، ولأقبضن ماله. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك؟ أما لك مغزل يشغلك، أومصحف يذكرك، أوبيت يصونك؟ إياك! وإياك! لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمي. فانصرفت وهي لا تعقل، فلم تنطق عنده بعدها.
ثم إنه قال لأصحابه: أيما خير أنا أم أنتم، وأمي أم أمهاتكم؟ قالوا: بل أنت وأمك خير. قال: فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه، فيقال: فعلت أم فلان، وصنعت؟(3/83)
قالوا: لا نحب ذلك. قال: فما بالكم تأتون أمي، فتتحدثون بحديثها؟ فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها.
ثم بعث بأرز، وقال: قد استطبتهأن فكلي منها. فقيل لها: أمسكي حتى تنظري! فجاؤوا بكلب، فأطعموه، فسقط لحمه لوقته، فأرسل إليها: كيف رأيت الأرز؟ قالت: طيباً. قال: ما أكلت منهأن ولوأكلت منها لاسترحت منك، متى أفلح خليفة له أم! وقيل: كان سبب أمرها بذلك أن الهادي لما جد في خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر خافت الخيزران على الرشيد، فوضعت جواريها عليه لما مرض، فقتلنه بالغم والجلوس على وجهه، فمات، فأرسلت إلى يحيى بن خالد تعلمه بموته.
ذكر وفاته ومبلغ سنه
وصفته وأولاده

كانت وفاته ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول، وقيل لأربع عشرة خلت من ربيع الأول؛ وقيل لست عشرة منه؛ وقيل كانت خلافته سنة وثلاثة أشهر؛ وقيل كان أربعة عشر شهراً؛ وكان عمره ستاً وعشرين سنة، وقيل ثلاثاً وعشرين سنة، وصلى عليه الرشيد.
وكانت كنيته أبا محمد، وأمه الخيزران، أم ولد، ودفن بعيساباذ الكبرى في بستانه.
وكان طويلأن جسيماً أبيض، مشرباً حمرة، وكانت بشفته العليا نقص وتقلص.
وكان المهدي قد وكل به خادماً يقول له: موسى أطبق، فيضم شفته، فلقب: موسى أطبق.
وكان له من الأولاد تسعة: سبعة ذكور، وابنتان، فمن الذكور جعفر، وهوالذي كان يريد البيعة له، والعباس، وعبد الله، وإسحاق، وإسماعيل، وسليمان، وموسى بن موسى الأعمى، كلهم لأمهات أولاد، والابنتان أم عيسى كانت عند المأمون، وأم العباس وكانت تلقب نونة.
ذكر بعض سيرته
تأخر الهادي عن المظالم ثلاثة أيام، فقال له الحراني: يا أمير المؤمنين! إن العامة لا تحتمل هذا. فقال لعلي بن صالح: إيذن للناس علي بالجفلى لا بالنقري، فخرج من عنده ولم يفهم قوله، ولم يجسر على مراجعته، فأحضر أعرابيأن فسأله عن ذلك، فقال: الجفلى أن تأذن لعامة الناس، فأذن لهم، فدخل الناس عن آخرهم، ونظر في أمورهم إلى الليل، فلما تقوض المجلس له علي بن صالح ما جرى له، وسأله مجازاه الأعرابي، فأمر له بمائة ألف درهم؛ فقال علي: يا أمير المؤمنين! إنه أعرابي، ويغنيه عشرة آلاف. فقال: يا علي أجود أنأن وتبخل أنت! وقيل: خرج يوماً إلى عيادة أمه الخيزران، وكانت مريضة، فقال له عمر بن ربيع: يا أمير المؤمنين! ألا أدلك على ما هوأنفع لك من هذا؟ تنظر في المظالم. فرجع إلى دار المظالم، وأذن للناس، وأرسل إلى أمه يتعرف أخبارها.
وقيل: كان عبد الله بن مالك يتولى شرطة المهدي؛ قال: فكان المهدي يأمرني بضرب ندماء الهادي ومغنيه، وحبسهم صيانة له عنهم، فكنت أفعل، وكان الهادي يرسل إلي بالتخفيف عنهم، ولا أفعل، فلما ولي الهادي أيقنت بالتلف، فاستحضرني يومأن فدخلت إليه متحنطاً متكفناً وهوعلى كرسي، والسيف والنطع بين يديه، فسلمت، فقال: لا سلم الله عليك! أتذكر يوم بعثت إليك في أمر الحراني وضربه، فلم تجبني، وفي فلا وفلان، فعدد ندماءه؛ فلم تلتفت إلى قولي. قلت: نعم! أفتأذن في ذكر الحجة؟ قال: نعم. قلت: نشدتك الله أيسرك أنك وليتني ما ولاني المهدي وأمرتني بما أمر فبعث إلي بعض بنيك بما يخالف أمرك، فاتبعت أمره وخالفت أمرك؟ قال: لا! قلت: فكذلك أنا لك، وكذا كنت لأبيك.
فاستدناني، فقبلت يده، ثم أمر لي بالخلع، وقال: وليتك ما كنت تتولاه، فامض راشداً! فصرت إلى منزلي مفكراً في أمري وأمره، وقلت: حدث يشرب، والقوم الذين عصيته في أمرهم ندماؤه، ووزراؤه، وكتابه، فكأني بهم حين يغلب عليه الشراب قد أزالوه عن رأيه.
قال: فإني لجالس، وعندي بنية لي، والكانون بين يدي، ورقاق أشطره بكامخ، وأسخنه، وأطعم الصبية، وآكل، وإذا بوقع الحوافر، فظننت أن الدنيا قد زلزلت لوقعهأن ولكثرة الضوضاء، فقلت: هذا ما كنت أخافه.
وإذا الباب قد فتح، وإذا الخدم قد دخلوأن وإذا الهادي في وسطهم على دابته، فلما رأيته وثبت، فقبلت يده ورجله، وحافر دابته، فقال لي: يا أبا عبد الله! إني فكرت في أمرك، فقلت يسبق إلى وهمك أنني، إذا شربت وحولي أعداؤك، أزالوا حسن رأيي فيك، فيقلقك ذلك، فصرت إلى منزلك لأونسك، وأعلمك أن ما كان عندي لك من الحقد قد زال، فهات وأطعمني مما كنت تأكل لتعلم أني قد تحرمت بطعامك، فيزول خوفك.(3/84)
فأدنيت إليه من ذلك الرقاق والكامخ، فأكل، ثم قال: هاتوا الزلة التي أزللتها لعبد الله من مجلسي، فأدخلت إلي أربعمائة بغل موقرة دراهم وغيرهأن فقال: هذه لك، فاستعن بها على أمرك، واحفظ هذه البغال عندك لعلي أحتاج إليها لبعض أسفاري؛ ثم انصرف.
قيل: وكان يعقوب بن داود يقول: ما لعربي ولا لعجمي عندي ما لعلي بن عيسى بن ماهان، فأنه دخل إلي الحبس، وقال لي: أمرني أمير المؤمنين الهادي أن أضربك مائة سوط.
فأقبل يضع السوط على يدي ومنكبي يمسني به مساً إلى أن عد مائة سوط، ثم خرج، فقال: ، فقال له الهادي: ما صنعت به؟ قال: صنعت الذي أمرتني به، وقد مات الرجل. فقال الهادي: إنا لله وإنا إليه راجعون، فضحتني، والله، عند الناس، يقولون: قتل يعقوب بن داود؛ فلما رأى شدة جزعه قال: هو، والله، حي يا أمير المؤمنين. قال: الحمد لله على ذلك.
وقيل: كان إبراهيم بن سلم بن قتيبة من الهادي بمنزلة عظيمة، فمات له ولد، فأتاه الهادي يعزيه، فقال له: يا إبراهيم! سرك وهو عدو وفتنة، وحزنك وهو صلاة ورحمة. فقال: يا أمير المؤمنين! ما بقي مني جزء فيه حزن، إلا وقد امتلأ عزاء فلما مات إبراهيم صارت منزلته لسعيد بن سلم.
قيل: كان علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي يلقب الجزري قد تزوج رقية بنت عمروالعثمانية، وكانت قبله تحت المهدي، فبلغ ذلك الهادي، فأرسل إليه، وحمل إليه، وقال له: أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين؟ قال: ما حرم الله على خلقه إلا نساء جدي، صلى الله عليه وسلم، فأما غيرهن فلأن ولا كرامة، فشجه بمحضرة كانت في يده، وجلده خمسمائة سوط، وأراده أن يطلقهأن فلم يفعل، وكان قد غشي عليه من الضرب، وكان في يده خاتم نفيس، فأهوى بعض الخدم على الخاتم ليأخذه، فقبض على يده فوقهأن فصاح؛ وأتي الهادي، فأراه يده، فغضب، وقال: تفعل هذا بخادمي مع استخفافك بأبي وقولك لي ما قلت؟ قال: سله، واستحلفه أن يصدقك؛ ففعل. فأخبره الخادم وصدقه، فقال: أحسن الله، أشهد أنه ابن عمي، ولولم يفعل ذلك لانتفيت منه. وأمر بإطلاقه.
قيل: وكان المهدي قد قال للهادي يومأن وقد قدم إليه زنديق، فقتله، وأمر بصلبه: يا بني، إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنها تدعوالناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش، والزهد في الدنيأن والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذا إلى تحريم اللحوم، ومس الماء الطهور، وترك قتل الهوام تحرجأن ثم تخرجها إلى عبادة اثنين: أحدهما النور، والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات، والاغتسال بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب وجرد السيف فيهأن وتقرب بأمرها إلى الله، فإني رأيت جدي العباس، رضي الله عنه، في المنام قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين.
فلما ولي الهادي قال: لأقتلن هذه الفرقة. وأمر أن يهيأ له ألف جذع. فمات بعد هذا القول بشهرين.
قيل: وكان عيسى بن دأب من أكثر أهل الحجاز أدبأن وأعذبهم ألفاظأن وكان قد حظي عند الهادي حظوة لم تكن لأحد قبله، وكان يدعوله بما يتكئ عليه في مجلسه، وما كان يفعل ذلك بغيره، وكان يقول له: ما استطلت بك يوماً ولا ليلأن ولا غبت عن عيني إلا تمنيت أن لا أرى غيرك؛ وأمر له بثلاثين ألف دينار في دفعة واحدة، فلما أصبح ابن دأب أرسل قهرمانه إلى الحاجب في قبضهأن فقال الحاجب: هذا ليس إلي، فانطلق إلى صاحب التوقيع، وإلى الديوان، فعاد إلى ابن دأب فأخبره، فقال: اتركها.
فبيمنا الهادي في مستشرف له ببغداد رأى دأب وليس معه إلا غلام واحد، فقال للحراني: ألا ترى ابن دأب ما غير حاله، وقد وصلناه ليرى أثرنا عليه؟ فقال: إن أمرتني عرضت له بالحال. فقال: لأن هوأعلم بحاله. ودخل ابن دأب، وأخذ في حديثه، فعرض له الهادي بشيء وقال: أرى ثوبك غسيلأن وهذا شتاء يحتاج فيه إلى الجديد. فقال: باعي قصير! فقال: وكيف، وقد صرفنا إليك ما فيه صلاح شأنك؟ فقال: ما وصل إلي شيء. فدعا صاحب بيت مال الخاصة فقال: عجل الساعة ثلاثين ألف دينار؛ فأحضرت وحملت بين يديه.

This site was last updated 07/13/11