Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وعشرين وستمائة سنة سبع وعشرين وستمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة623
سنة624 وسنة625
سنة626 وسنة627
سنة628

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست وعشرين وستمائة
ذكر تسليم البيت المقدس إلى الفرنج

في هذه السنة، أول ربيع الآخر، تسلم الفرنج، لعنهم الله، البيت المقدس صلحاً، أعاده الله إلى الإسلام سريعاً. (5/347)
وسبب ذلك ما ذكرناه سنة خمس وعشرين وستمائة من خروج الأنبرور، ملك الفرنج، في البحر من داخل بلاد الفرنج إلى ساحل الشام، وكانت عساكره قد سبقته، و نزلوا بالساحل، وأفسدوا فيما يجاورهم من بلاد المسلمين، ومضى إليهم، وهم بمدينة صور، طائفة من المسلمين يسكنون الجبال المجاورة لمدينة صور وأطاعوهم، وصاروا معهم، وقوي طمع الفرنج بموت الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، صاحب دمشق.
ولما وصل الأنبرور إلى الساحل نزل بمدينة عكا، وكان الملك الكامل، رحمه الله تعالى، ابن الملك العادل، صاحب مصر، قد خرج من الديار المصرية يريد الشام بعد وفاة أخيه المعظم، وهو نازل بتل العجول، يريد أن يملك دمشق من الناصر داود ابن أخيه المعظم، وهو صاحبها يومئذ، وكان داود لما سمع بقصد عمه الملك الكامل له قد أرسل إلى عمه الملك الأشرف، صاحب البلاد الجزرية، يستنجده، ويطلب منه المساعدة على دفع عمه عنه، فسار إلى دمشق، وترددت الرسل بينه وبين أخيه الملك الكامل في الصلح، فاصطلحا، واتفقا، وسار الملك الأشرف إلى الملك الكامل واجتمع به.
فلما اجتمعا ترددت الرسل بينهما وبين الأنبرور، ملك الفرنج، دفعات كثيرة، فاستقرت القاعدة على أن يسلموا إليه البيت المقدس ومعه مواضع يسيرة من بلاده، ويكون باقي البلاد مثل الخليل، ونابلس، والغور، وملطية، وغير ذلك بيد المسلمين، ولا يسلم إلى الفرنج إلا البيت المقدس والمواضع التي استقرت معه.
وكان سور البيت المقدس خراباً ق خربه الملك المعظم، وقد ذكرنا ذلك، وتسلم الفرنج البيت المقدس، واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه، ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه؛ يسر الله فتحه وعوده إلى المسلمين بمنه وكرمه، آمين.
ذكر ملك الملك الأشرف مدينة دمشق
وفي هذه السنة يوم الاثنين ثاني شعبان ملك الملك الأشرف ابن الملك العادل مدينة دمشق من ابن أخيه صلاح الدين داود بن المعظم.
وسبب ذلك ما ذكرناه أن صاحب دمشق لما خاف من عمه الملك الكامل أرسل إلى عمه الأشرف يستنجده، ويستعين به على دفع الكامل عنه، فسار إليه من البلاد الجزرية، ودخل دمشق، وفرح به صاحبها وأهل البلد، وكانوا قد احتاطوا، وهم يتجهزون للحصار، فأمر بإزالة ذلك، وترك ما عزموا عليه من الاحتياط، وحلف لصاحبها على المساعدة والحفظ له ولبلاده عليه، وراسل الملك الكامل واصلحا وظن صاحب دمشق أنه معهما في الصلح.
وسار الأشرف إلى أخيه الكامل، واجتمعا في ذي الحجة من سنة خمس وعشرين، يوم العيد، وسار صاحب دمشق إلى بيسان وأقام بها، وعاد الملك الأشرف من عند أخيه، واجتمع هو وصاحب دمشق، ولم يكن الأشرف في كثرة من العسكر، فبينما هما جالسان في خيمة لهما إذ قد دخل عز الدين أيبك، مملوك المعظم الذي كان صاحب دمشق، وهو أكبر أمير مع ولده، فقال لصاحبه داود: قم اخرج وإلا قبضت الساعة؛ فأخرجه، ولم يمكن الأشرف منعه لأن أيبك كان قد أركب العسكر الذي لهم جميعه، وكانوا أكثر من الذين مع الأشرف، فخرج داود وسار هو وعسكره إلى دمشق.
وكان سبب ذلك أن أيبك قيل له: إن الأشرف يريد القبض على صاحبه وأخذ دمشق منه، ففعل ذلك، فلما عادوا وصلت العساكر من الكامل إلى الأشرف، وسار فنازل دمشق وحصرها، وأقام محاصراً لها إلى أن وصل إليه الملك الكامل، فحينئذ اشتد الحصار، وعظم الخطب على أهل البلد، وبلغت القلوب الحناجر.
وكان من أشد الأمور على صاحبها أن المال عنده قليل لأن أمواله بالكرك، ولوثوقه بعمه الأشرف لم يحضر منها شيئاً فاحتاج إلى أن باع حلى نسائه وملبوسهن، وضاقت الأمور عليه، فخرج إلى عمه الكامل وبذل له تسليم دمشق وقلعة الشوبك على أن يكون له الكرك والغور وبيسان ونابلس، وأن يبقي على أيبك قلعة صرخد وأعمالها.
وتسلم الكامل دمشق، وجعل نائبه بالقلعة إلى أن سلم إليه أخوه الأشرف حران والرها والرقة وسروج ورأس عين من الجزيرة، فلما تسلم ذلك سلم قلعة دمشق إلى أخيه الأشرف، فدخلها، وأقام بها، وسار الكامل إلى الديار الجزرية فأقام بها إلى أن استدعى أخاه الأشرف بسبب حصر جلال الدين ابن خوارزم شاه مدينة خلاط، فلما حضر عنده بالرقة عاد الكامل إلى ديار مصر، وأما الأشرف فكان منه ما نذكره، إن شاء الله تعالى.
ذكر القبض على الحاجب علي وقتله (5/348)
وفي هذه السنة أرسل الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك، وهو أمير كبير في دولته، إلى مدينة خلاط، وأمره بالقبض على الحاجب حسام الدين علي بن حماد، وهو المتولي لبلاد خلاط والحاكم فيها من قبل الأشرف.
ولم نعلم شيئاً يوجب القبض عليه، لأنه كان مشفقاً عليه، ناصحاً له، حافظاً لبلاده، وحسن السيرة مع الرعية، ولقد وقف هذه المدة الطويلة في وجه خوارزم شاه جلال الدين، وحفظ خلاط حفظاً يعجز غيره عنه، وكان مهتماً بحفظ بلاده، وذاباً عنها، وقد تقدم من ذكر قصده بلاد جلال الدين والاستيلاء على بعضها ما يدل على همة عالية، وشجاعة تامة، وصار لصاحبه به منزلة عظيمة، فإن الناس يقولون: بعض غلمان الملك الأشرف يقاوم خوارزم شاه.
وكان رحمه الله كثير الخير والإحسان لا يمكن أحداً من ظلم، وعمل كثيراً من أعمال البر من الخانات في الطرق، والمساجد في البلاد، وبنى بخلاط بيمارستاناً وجامعاً، وعمل كثيراً من الطرق، وأصلحها كان يشق سلوكها.
فلما وصل أيبك إلى خلاط قبض عليه، ثم قتله غيلة، لأنه كان عدوه، ولما قتل ظهر أثر كفايته، فإن جلال الدين حصر خلاط بعد قبضه وملكها، على ما نذكه إن شاء الله، ولم يمهل الله أيبك بل انتقم منه سريعاً، فإن جلال الدين أخذ أيبك أسيراً لما ملك خلاط مع غيره من الأمراء، فلما اصطلح الأشرف وجلال الدين أطلق الجميع، وذكر أن أيبك قتل.
وكان سبب قتله أن مملوكاً للحاجب علي كان قد هرب إلى جلال الدين، فلما أسر أيبك طلبه ذلك المملومك من جلال الدين ليقتله بصاحبه الحاجب علي، فسلمه إليه فقتله، وبلغني أن الملك الأشرف رأى في المنام كأن الحاجب علياً قد دخل إلى مجلس فيه أيبك فأخذ منديلاً وجعله في رقبة أيبك وأخذه وخرج، فأصبح الملك الأشرف وقال: قد مات أيبك، فإني رأيت في المنام كذا وكذا.
ذكر ملك الكامل مدينة حماة
وفي هذه السنة أواخر شهر رمضان، ملك الملك الكامل مدينة حماة. وسبب ذلك أن الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر، وهو صاحب حماة، توفي، على ما نذكره، وملا حضرته الوفاة حلف الجند وأكابر البلد لولده الأكبر، ويلقب بالملك المظفر، وكان قد سيره أبوه إلى الملك الكامل، صاحب مصر، لأنه كان قد تزوج بابنته، وكان لمحمد ولد آخر اسمه قلج أرسلان، ولقبه صلاح الدين، وهو بدمشق، فحضر إلى مدينة حماة فسلمت إليه، واستولى على المدينة وعلى قلعتها، فأرسل الملك الكامل يأمره أن يسلم البلد إلى أخيه الأكبر، فإن أباه أوصى له به، فلم يفعل، وتردد الرسل في ذلك إلى الملك المعظم، صاحب دمشق، فلم تقع الإجابة.
فلما توفي المعظم، وخرج الكامل إلى الشام وملك دمشق، سير جيشاً إلى حماة فحصرها ثالث شهر رمضان، وكان المقدم على هذا الجيش أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، وأمير كبير من عسكره يقال له فخر الدين عثمان، ومعهما ولد محمد بن تقي الدين محمد الذي كان عند الكامل، فبقي الحصار على البلد عدة أيام.
وكان الملك الكامل قد سار عن دمشق ونزل على سلمية يريد العبور إلى البلاد الجزرية، حران وغيرها، فلما نازلها قصده صاحب حماة صلاح الدين، ونزل إليه من قلعته، ولم يكن لذلك سبب إلا أمر الله تعالى، فإن صلاح الدين قال لأصحابه: أريد النزول إلى الملك الكامل، فقالوا له: ليس بالشام أحصن من قلعتك، وقد جمعت من الذخائر ما لا حد له، فلأي شيء تنزل إليه؟ ليس هذا برأي، فأصر على النزول، وأصروا على منعه، فقال في آخر الأمر: اتركوني أنزل، وإلا ألقيت نفسي من القلعة؛ فحينئذ سكتوا عنه، فنزل في نفر يسير، ووصل إلى الكامل، فاعتقله إلى أن سلم مدينة حماة وقلعتها إلى أخيه الأكبر الملك المظفر، وبقي بيده قلعة بارين، فإنها كانت له، وكان هو كالباحث عن حتفه يظلفه.
ذكر حصر جلال الدين خلاط وملكها
وفي هذه السنة، أوائل شوال، حصر جلال الدين خوارزم شاه مدينة خلاط، وهي للملك الأشرف، وبها عسكره، فامتنعوا بها، وأعانهم أهل البلد خوفاً من جلال الدين لسوء سيرته، وأسرفوا في الشتم والسفه، فأخذه اللجاج معهم، وأقام عليهم جميع الشتاء محاصراً، وفرق كثيراً من عساكره في القرى والبلاد القريبة من شدة البرد وكثرة الثلج، فإن خلاط من أشد البلاد برداً وأكثرها ثلجاً. (5/349)
وأبان جلال الدين عن عزم قوي، وصبر تحار العقول منه، ونصب عليها عدة مجانيق، ولم يزل يرميها بالحجارة حتى خربت بعض سورها، فأعاد أهل البلد عمارته، ولم يزل مصابرهم وملازمهم إلى أواخر جمادى الأولى من سنة سبع وعشرين، فزحف إليها زحفاً متتابعاً وملكها عنوة وقهراً يوم الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأولى، سلمها إليه بعض الأمراء غدراً.
فلما ملك البلد صعد من فيه من الأمراء إلى القلعة التي لها وامتنعوا بها، وهو منازلهم، ووضع السيف في أهل البلد، وقتل من وجد به منهم، وكانوا قد قلوا، فإن بعضهم فارقوه خوفاً، وبعضهم خرج منه من شدة الجوع، وبعضهم مات من القلة وعدم القوت، فإن الناس في خلاط أكلوا الغنم، ثم البقر، ثم الجواميس، ثم الخيل، ثم الحمير، ثم البغال والكلاب والسنانير، وسمعنا أنهم كانوا يصطادون الفأر ويأكلونه، وصبروا صبراً لم يلحقهم فيه أحد.
ولم يملك من البلاد خلاط غيرها، وما سواها من البلاد لم يكونوا ملكوه، وخربوا خلاط، وأكثروا القتل فيها، ومن سلم هرب في البلاد، وسبوا الحريم، واسترقوا الأولاد، وباعوا الجميع، فتمزقوا كل ممزق، وتفرقوا في البلاد، ونهبوا الأموال، وجرى على أهلها ما لم يسمع بمثله أحد، لا جرم لم يمهله الله تعالى. وجرى عليه من الهزيمة بني المسلمين والتتر ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
في أواخر هذه السنة قصد الفرنج حصن بارين بالشام، ونهبوا بلاده، وأعماله، وأسروا وسبوا، ومن جملة من ظفروا به طائفة كثيرة من التركمان، فأخذوا الجميع، ولم يسلم منهم إلا النادر والشاذ، والله أعلم.


ثم دخلت سنة سبع وعشرين وستمائة
ذكر انهزام جلال الدين من كيقباذ والأشرف

في هذه السنة، يوم السبت الثامن والعشرين من رمضان، انهزم جلال الدين ابن خوارزم شاه من عبد الله بن كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان، صاحب بلاد الروم، قونية، وأقصرا، وسيواس، وملطية، وغيرها، ومن الملك الأشرف، صاحب دمشق وديار الجزيرة وخلاط.
وسبب ذلك أن جلال الدين كان قد أطاعه صاحب أرزن الروم، وهو ابن عم علاء الدن، ملك الروم، وبينه وبين ملك الروم عداوة مستحكمة، وحضر صاحب أرزن الروم عند جلال الدين على خلاط، وأعانه على حصرها، فخافهما علاء الدين، فأرسل إلى الملك الكامل، وهو حينئذ بحران، يطلب منه أن يحضر أخاه الأشرف من دمشق، فإنه كان مقيماً بها بعد أن ملكها.
وتابع علاء الدين الرسل بذلك خوفاً من جلال الدين، فأحضر الملك الكامل أخاه الأشرف من دمشق، فحضر عنده، ورسل علاء الدين إليهما متتابعة، يحث الأشرف على المجيء إليه والاجتماع به، حتى قيل إنه في يوم واحد وصل إلى الكامل والأشرف من علاء الدين خمسة رسل، ويطلب مع الجميع وصول الأشرف إليه ولو وحده، فجمع عساكر الجزيرة والشام وسار إلى علاء الدين، فاجتمعا بسيواس، وسارا نحو خلاط؛ فسمع جلال الدين بهما، فسارا إليهما مجداً في السير، فوصل إليهما بمكان يعرف بباسي حمار، وهو من أعمال أرزنجان، فالتقوا هناك.
وكان مع علاء الدين خلق كثير، قيل: كانوا عشرين ألف فارس، وكان مع الأشرف نحو خمسة آلاف فارس، إلا أنهم من العساكر الجيدة الشجعان، لهم السلاح الكثير، والدواب الفارهة من العربيات، وكل منهم قد جرب الحرب. وكان المقدم عليهم أمير من أمراء عساكر حلب يقال له عز الدين عمر بن علي، وهو من الأكراد الهكارية، ومن الشجاعة في الدرجة العليا، وله الأوصاف الجميلة والأخلاق الكريمة.
فلما التقوا بهت جلال الدين لما رأى من كثرة العساكر، ولا سيما لما رأى عسكر الشام، فإنه شاهد من تجملهم، وسلاحهم، ودوابهم ما ملأ صدره رعباً، فأنشب عز الدين بن علي القتال، ومعه عسكر حلب، فلم يقم لهم جلال الدين ولا صبر، ومرى منهزماً هو وعسكره وتمزقوا لا يلوي الأخ على أخيه، وعادوا إلى خلاط فاستصحبوا معهم من فيها من أصحابهم، وعادوا إلى أذربيجان فنزلوا عند مدينة خوي، ولم يكونوا قد استولوا على شيء من أعمال خلاط سوى خلاط، ووصل الملك الأشرف إلى خلاط وقد استصحبوا معهم من فيها فبقيت خاوية على عروشها، خالية من الأهل والسكان قد جرى عليهم ما ذكرناه قبل.
ذكر ملك علاء الدين أرزن الروم (5/350)
قد ذكرنا أن صاحب أرزن الروم كان مع جلال الدين على خلاط، ولم يزل معه، وشهد معه المصاف المذكور، فلما انهزم جلال الدين أخذ صاحب أرزن الروم أسيراً، فأحضر عند علاء الدين كيقباذ ابن عمه، فأخذه، وقصد أرزن الروم، فسلمها صاحبها إليه وهي وما يتبعها من القلاع والخزائن وغيرها، فكان كما قيل: خرجت النعامة تطلب قرنين، فعادت بلا أذنين.
وهكذا المسكين جاء إلى جلال الدين يطلب الزيادة، فوعده بشيء من بلاد علاء الدين، فأخذ ماله وما بيديه من البلاد وبقي أسيراً، فسبحانه من لا يزول ملكه.
ذكر الصلح بين الأشرف وعلاء الدين وبين جلال الدين
لما عاد الأشرف إلى خلاط، ومضى جلال الدين منهزماً إلى خوي، ترددت الرسل بينهما، فاصطلحوا كل منهم على ما بيده، واستقرت القواعد على ذلك، وتحالفا، فلما استقر الصلح وجرت الأيمان عاد الأشرف إلى سنجار، وسار منها إلى دمشق، فأقام جلال الدين ببلاده من أذربيجان إلى أن خرج عليه التتر، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ملك شهاب الدين غازي مدينة أرزن
كان حسام الدين صاحب مدينة أرزن من ديار بكر لم يزل مصاحباً للملك الأشرف، مشاهداً جميع حروبه وحوادثه، وينفق أمواله في طاعته، ويبذل نفسه وعساكره في مساعدته، فهو يعادي أعداءه، ويوالي أولياءه.
ومن جملة موافقته أنه كان في خلاط لما حصرها جلال الدين، فأسره جلال الدين، وأراد أن يأخذ منه مدينة أرزن، فقيل له: إن هذا من بيت قديم عريق في الملك، وإنه ورث أرزن هذه من أسلافه، وكان لهم سواها من البلاد فخرج الجميع من أيديهم؛ فعطف عليه ورق له، وأبقى عليه مدينة، وأخذ عليه العهود والمواثيق أنه لا يقاتله.
فلما جاء الملك الأشرف وعلاء الدين محاربين لجلال الدين لم يحضر معهم في الحرب، فلما انهزم جلال الدين سار شهاب الدين غازي ابن الملك العادل، وهو أخو الأشرف، وله مدينة ميافارقين، ومدينة حاني، وهو بمدينة أرزن، فحصره بها، ثم ملكها صلحاً، وعوضه عنها بمدينة حاني من ديار بكر.
وحسام الدين هذا نعم الرجل، حسن السيرة، كريم، جواد، لا يخلو بابه من جماعة يردون إليه يستمنحونه، وسيرته جميلة في ولايته ورعيته، وهو من بيت قديم يقال له بيت طغان أسلان، كان له مع أرزن بدليس ووسطان وغيرهما، ويقال لهم بيت الأحدب، وهذه البلاد معهم من أيام ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، فأخذ بكتمر صاحب خلاط منهم بدليس، أخذها من عم حسام الدين هذا، لأنه كان موافقاً لصلاح الدين يوسف بن أيوب، فقصده بكتمر لذلك، وبقيت أرزن بيد هذا إلى الآن، فأخذت منه، ولكل أول آخر، فسبحان من لا أول له ولا آخر لبقائه.
ذكر ملك سونج قشيالوا قلعة رويندر
وفي هذه السنة ظهر أمير من أمراء التركمان اسمه سونج، ولقبه شمس الدين، واسم قبيلته قشيالوا، وقوي أمره، وقطع الطريق، وكثر جمعه، وكان بين إربل وهمذان، وهو ومن معه يقطعون الطريق، ويفسدون في الأرض، ثم إنه تعدى إلى قلعة منيعة اسمها سارو، وهي لمظفر الدين، من أعمال إربل، فأخذها وقتل عندها أميراً كبيراً من أمراء مظفر الدين، فجمع مظفر الدين، وأراد استعادتها منه، فلم يمكنه لحصانتها، ولكثرة الجموع مع هذا الرجل، فاصطلحا على ترك القلعة بيده.
وكان عسكر لجلال الدين بن خوارزم شاه يحصرون قلعة رويندز، وهي من قلاع أذربيجان، من أحصن القلاع وأمنعها، لا يوجد مثلها، وقد طال الحصار على من بها فأذعنوا بالتسليم، فأرسل جلال الدين بعض خواص أصحابه وثقاته ليتسلهما وأرسل معه الخلع والمال لمن بها، فلما صعد ذلك القاصد إلى القلعة وتسلمها أعطى بعض من بالقلعة، ولم يعط البعض واستذلهم وطمع فيهم حيث استولى على الحصن، فلما رأى من لم يأخذ شيئاً من الخلع والمال ما فعل هم أسلوا إلى سونج يطلبونه ليسلموا إليه القلعة، فسار إليهم في أصحابه فسلموها إليه، فسبحان من إذا أراد أمراً سهله.
قلعة رويندز هذه لم تزل تتقاصر عنها قدرة أكابر الملوك وعظمائهم من قديم الزمان وحديثه، وتضرب الأمثال بحصانتها، لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يملكها هذا الرجل الضعفيف سهل له الأمور، فملكها بغير قتال ولا تعب، وأزال عنها أصحاب مثل جلال الدين الذي كل ملوك الأرض تهابه وتخافه، وكان أصحاب جلال الدين، كما قيل: (رب ساع لقاعد). (5/351)
فلما ملكها سونج طمع في غيرها، ولا سيما مع اشتغال جلال الدين بما أصابه من الهزيمة ومجيء التتر، فنزل من القلعة إلى مراغة، وهي قريب منها، فحصرها، فأتاه سهم غرب فقتله، فلما قتل ملك رويندز أخوه، ثم إن هذا الأخ الثاني نزل من القعلة، وقصد أعمال تبريز ونهبها، وعاد إلى القلعة ليجعل فيها من ذلك النهب والغنيمة ذخيرة خوفاً من التتر، وكانوا قد خرجوا؛ فصادفه طائفة من التتر، فقتلوه وأخذوا ما معه من النهب؛ ولما قتل ملك القلعة ابن أخت له، وكان هذا جميعه في مدة سنتين، فأف لدنيا لا تزال فرحة بترحة، وكل حسنة بسيئة.

This site was last updated 07/28/11