Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة أربع وعشرين وستمائة سنة خمس وعشرين وستمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة623
سنة624 وسنة625
سنة626 وسنة627
سنة628

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة
ذكر دخول الكرج مدينة تفليس وإحراقه

في هذه السنة، في بيع الأول، وصل الكرج مدينة تفليس، ولم يكن بها من العسكر الإسلامي من يقوم بحمايته أن وسبب ذلك أن جلال الدين لما عاد من خلاط، كما ذكرنا قبل، وأوقع بالإيوانية، فرق عساكره إلى المواضع الحارة الكثيرة المرعى، ليشتوا بها، وكان عسكره قد أساؤوا السيرة في رعية تفليس، وهم مسلمون، وعسفوهم، فكاتبوا الكرج يستدعونهم إليهم، ليملكوهم البلد، فاغتنم الكرج ذلك لميل أهل البلد إليهم، وخلوه من العسكر، فاجتمعوا، وكانوا بمدينتي قرس وآني وغيرهما من الحصون، وساروا إلى تفليس، وكانت خالية كما ذكرناه، ولأن جلال الدين استضعف الكرج الكثرة من قتل منهم، ولم يظن فيهم حركة، فملكوا البلد، ووضعوا السيف فيمن بقي من أهله، وعلموا أنهم لا يقدرون على حفظ البلد من جلال الدين، فأحرقوه جميعه.
وأما جلال الدين فإنه لما بلغه الخبر سار فيمن عنده من العساكر ليدركهم، فلم ير منهم أحداً، كانوا قد فارقوا تفليس لما أحرقوها.
ذكر نهب جلال الدين بلد الإسماعيلية (5/343)
في هذه السنة قتل الإسماعيلية أميراً كبيراً من أمراء جلال الدين، وكان قد أقطعه جلال الدين مدينة كنجة وأعمالها، وكان نعم الأمير، كثير الخير، حسن السيرة، ينكر على جلال الدين ما يفعله عسكره من النهب وغيره من الشر.
فلما قتل ذلك الأمير عظم قتله على جلال الدين، واشتد عليه، فسار في عساكره إلى بلاد الإسماعيلية، من حدود الموت إلى كردكوه بخراسان، فخرب الجميع، وقتل أهلها، ونهب الأموال، وسبى الحريم، واسترق الأولاد، وقتل الرجال، وعمل بهم الأعمال العظيمة، وانتقم منهم؛ وكانوا قد عظم شرهم وازداد ضرهم، وطمعوا مذ خرج التتر إلى بلاد الإسلام إلى الآن، فكف عاديتهم وقمعهم، ولقاهم الله ما عملوا بالمسلمين.
ذكر الحب بين جلال الدين والتتر
لما فرغ جلال الدين من الإسماعيلية بلغه الخبر أن طائفة من التتر عظيمة قد بلغوا إلى دامغان. بالقرب من الري، عازمين على قصد بلاد الإسلام، فسار إليهم وحاربهم، واشتد القتال بينهم، فانهزموا منه، فأوسعهم قتلاً، وتبع المنهزمين عدة أيام يقتل ويأسر، فبينما هو كذلك قد أقام بنواحي الري خوفاً من جمع آخر للتتر، إذ أتاه الخبر بأن كثيراً منهم واصلون إليه، فأقام ينتظرهم، وسنذكر خبرهم سنة خمس وعشرين وستمائة.
ذكر دخول العساكر الأشرفية إلى أذربيجان وملك بعضها
في هذه السنة، في شعبان، سار الحاجب علي حسام الدين، وهو النائب عن الملك الأشرف بخلاط، والمقدم على عساكرها، إلى بلاد أذربيجان فيمن عنده من العساكر.
وسبب ذلك أن سيرة جلال الدين كانت جائرة، وعساكره طامعة في الرعايا، وكانت زوجته ابنة السلطان طغرل السلجوقي، وهي التي كانت زوجة أوزبك بن البهلوان، صاحب أذربيجان، فتزوجها جلال الدين، كما ذكرناه قبل، وكانت مع أوزبك تحكم في البلاد جميعها، ليس له ولا لغيره معها حكم.
فلما تزوجها جلال الدين أهملها ولم يلتفت إليها، فخافته مع ما حرمته من الحكم والأمر والنهي، فأسلت هي وأهل خوي إلى حسام الدين الحاجب يستدعونه ليسلموا البلاد، فسار ودخل البلاد، بلاد أذربيجان، فملك مدينة خوي وما يجاورها من الحصون التي بيد امرأة جلال الدين، وملك مرند، وكاتبه أهل مدينة نقجوان، فمضى إليهم، فسلموها إليه، وقويت شوكتهم بتلك البلاد، ولو داموا لملكوها جميعها، وإنما عادوا إلى خلاط، واستصحبوا معهم زوجة جلال الدين ابنة السلطان طغرل إلى خلاط، وسنذكر باقي خبرهم سنة خمس وعشرين إن شاء الله تعالى.
ذكر وفاة المعظم صاحب دمشق وملك ولده
في هذه السنة توفي الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل يوم الجمعة سلخ ذي القعدة، وكان مرضه دوسنطاريا، وكان ملكه لمدينة دمشق، من حين وفاة والده الملك العادل، عشر سنين وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً.
وكان عالماً بعدة علوم، فاضلاً فيها، منها الفقه على مذهب أبي حنيفة، فإنه كان قد اشتغل به كثيراً، وصار من المتيزين فيه، ومنها علم النحو، فإنه اشتغل به أيضاً اشتغالاً زائداً، وصار فيه فاضلاً، وكذلك اللغة وغيرها، وكان قد أمر أن يجمع له كتاب في اللغة جامع كبير، فيه كتاب الصحاح للجوهري، ويضاف إليه ما فات الصحاح من التهذيب للأرموي والجمهرة لابن دريد وغيرهما، وكذلك أيضاً أمر بأن يرتب مسند أحمد بن حنبل على الأبواب، ويرد كل حديث إلى الباب الذي يقتضيه معناه، مثاله: أن يجمع أحاديث الطهارة، وكذلك يفعل في الصلاة وغيرها من الرقائق، والتفسير، والغزوات، فيكون كتاباً جامعاً.
وكان قد سمع المسند من بعض أصحاب ابن الحصين، ونفق العلم في سوقه، وقصده العلماء من الآفاق، فأكرمهم، وأجرى عليهم الجرايات الوافرة، وقربهم، وكان يجالسهم، ويستفيد منهم، ويفيدهم، وكان يرجع إلى علم وصبر على سماع ما يكره، لم يسمع أحد ممن يصحبه منه كلمة تسوءه.
وكان حسن الاعتقاد يقول كثيراً: إن اعتقادي في الأصول ما سطره أبو جعفر الطحاوي؛ ووصى عند موته بأن يكفن في البياض، ولا يجعل في أكفانه ثوب فيه ذهب، وأن يدفن في لحد، ولا يبنى عليه بناء بل يكون قبره في الصحراء تحت السماء، ويقول في مرضه: لي عند الله تعالى في أمر دمياط ما أرجو أن يرحمني به.
ولما توفي ولي بعده ابنه داود ويلقب الملك الناصر، وكان عمره قد قارب عشرين سنة.
ذكر عدة حوادث (5/344)
في هذه السنة دام الغلاء في ديار الجزيرة، ودامت الأسعار تزيد قليلاً وتنقص قليلاً، وانقطع المطر جميع شباط وعشرة أيام من آذار، فازداد الغلاء، فبلغت الحنطة كل مكوكين بدينار وقيراطين بالموصل، والشعير كل ثلاثة مكاكيك بالموصلي بدينار وقيراطين أيضاً، وكل شيء بهذا السنة في الغلاء.
وفيها، في الربيع، قل لحم الغنم بالموصل، وغلا سعره، حتى بيع كل رطل لحم بالبغدادي بحبتين بالصنجة، وربما زاد في بعض الأيام على هذا الثمن.
وحكى لي من يتولى بيع الغنم بالموصل أنهم باعوا خروفاً واحداً لا غير، وفي بعضها خمسة أرؤس، وفي بعضها ستة، وأقل وأكثر، وهذا ما لم يسمع بمثله، ولا رأيناه في جميع أعمارنا، ولا حكي لنا مثله لأن الربيع مظنة رخص اللحم بها، لأن التركمان والأكراد والكيلكان ينتقلون من الأمكنة التي شتوا بها إلى الزوزان فيبيعون الغنم رخيصاً.
وكان اللحم كل سنة في هذا الفصل كل ستة أرطال وسبعة بقيراط، صار هذه السنة الرطل بحبتين.
وفيها عاشر آذار، وهو العشرون من ربيع الأول، سقط الثلج بالموصل مرتين، وهذا غريب جداً لم يسمع بمثله، فأهلك الأزهار التي خرجت كزهر اللوز، والمشمش، والإجاص، والسفرجل وغيرها، ووصلت الأخبار من العراق جميعه مثل ذلك، فهلكت به أزهارها والثمار، وهذا أعجب من حال ديار الجزيرة والشام فإنه أشد حراً من جميعها.
وفيها ظفر جمع من التركمان، كانوا بأطراف أعمال حلب، بفارس مشهور من الفرنج الدواية بأنطاكية فقتلوه، فعلم الداوية بذلك فساروا وكبسوا التركمان، فقتلوا منهم وأسروا، وغنموا من أموالهم، فبلغ إلى أتابك شهاب الدين المتولي لأمور حل، فراسل الفرنج، وتهددهم بقصد بلادهم، واتفق أن عسكر حلب قتلوا فارسين كبيرين من الداوية أيضاً، فأذعنوا بالصلح، وردوا إلى التركمان كثيراً من أموالهم وحريمها وأسراهم.
وفيها، في رجب، اجتمع طائفة كثيرة من ديار بكر، وأرادوا الإغارة على جزيرة ابن عمر، وكان صاحب الجزيرة قد قتل، فلما قصدوا بلد الجزيرة اجتمع أهل قرية كبيرة من بلد الجزيرة اسمها سلكون، ولقوهم من ضحوة النهار إلى العصر، وطال القتال بينهم، ثم حمل أهل القرية على الأكراد فهزموهم وقتوا فيهم، وخرجوا ونهبوا ما معهم وعادوا سالمين.


ثم دخلت سنة خمس وعشرين وستمائة
ذكر الخلف بين جلال الدين وأخيه

في هذه السنة خاف غياث الدين بن خوارزم شاه، وهو أخو جلال الدين من أبيه، أخاه، وخافه معه جماعة من الأمراء، واستشعروا منه، وأرادوا الخلاص منه، فلم يتمكنوا من ذلك إلى أن خرجت التتر، واشتغل بهم جلال الدين، فهرب غياث الدين ومن معه، وقصدوا خوزستان، وهي من بلاد الخليفة، وأرادوا الدخول في طاعة الخليفة، فلم يمكنهم النائب بها من الدخول إلى البلد، مخافة أن تكون هذه مكيدة، فبقي هناك، فلما طال عليه الأمر فارق خوزستان وقصد بلاد الإسماعيلية، فوصل إليهم، واحتمى بهم واستجار بهم.
وكان جلال الدين قد فرغ من أمر التتر وعاد إلى تبريز، فأتاه الخبر وهو بالميدان يلعب بالكرة أن أخاه قد قصد أصفها، فألقى الجوكان من يده، وسار مجداً، فسمع أن أخاه قد قصد الإسماعيلية ملتجئاً إليهم، ولم يقصد أصفهان، فعاد إلى بلاد الإسماعيلية لينهب بلادهم إن لم يسلموا إليه أخاه، وأرسل يطلبه من مقدم الإسماعيلية، فأعاد الجواب يقول: إن أخاك قد قصدنا، وهو سلطان ابن سلطان، ولا يجوز لنا أن نسلمه، لكن نحن نتركه عندنا ولا نكنه أن يأخذ شيئاً من بلادك، ونسألك أن تشفعني فيه والضمان علينا بما قلنا، ومتى كان منه ما تكره في بلادك، فبلادنا حينئذ بين يديك تفعل فيها ما تختار. فأجابهم إلى ذلك، واستحلفهم على الوفاء بذلك، وعاد عنهم وقصد خلاط، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر الحرب بين جلال الدين والتتر
في هذه السنة عاود التتر الخروج إلى الري، وجرى بينهم وبين جلال الدين حروب كثيرة اختلف الناس علينا في عددها، كان أكثرها عليه، وفي الأخير كان الظفر له. (5/345)
وكانت أول حرب بينهم عجائب غريبة، وكان هؤلاء التتر قد سخط ملكهم جنكزخان على مقدمهم، وأبعده عنه، وأخرجه من بلاده، فقصد خراسان، فرآها خراباً، فقصد الري ليتغلب على تلك النواحي والبلاد، فلقيه بها جلال الدين، فاقتتلوا أشد قتال، ثم انهزم جلال الدين وعاد ثم انهزم، وقصد أصفهان، وأقام بنيها وبين الري، وجمع عساكره ومن في طاعته، فكان فيمن أتاه صاحب بلاد فارس، وهو ابن أتابك سعد ملك بعد وفاة أبيه، كما ذكرناه، وعاد جلال الدين إلى التتر فلقيهم.
فبينما هم مصطفون كل طائفة مقابل الأخرى انعزل غياث الدين أخو جلال الدين فيمن وافقه من الأمراء على مفارقة جلال الدين، واعتزلوا، وقصدوا جهة ساروا إليها، فلما رآهم التتر قد فارقوا العسكر ظنوهم يريدون أن يأتوهم من وراء ظهورهم ويقاتلوهم من جهتين، فانهزم التتر لهذا الظن وتبعهم صاحب بلاد فارس.
وأما جلال الدين فإنه لما رأى مفارقة أخيه إياه ومن معه من الأمراء ظن أن التتر قد رجعوا خديعة ليستدرجوه، فعاد منهزماً، ولم يجسر أن يدخل أصفهان لئلا يحصره التتر، فمضى إلى سميرم.
وأما صاحب فارس فلما أبعد في أثر التتر، ولم ير جلال الدين ولا عسكره معه، خاف التتر فعاد عنهم.
وأما التتر فلما لم يروا في آثارهم أحداً يطلبهم وقفوا، ثم عادوا إلى أصفهان، فلم يجدوا في طريقهم من يمنعهم، فوصلوا إلى أصفهان فحصروها، وأهلها يظنون أن جلال الدين قد عدم، فبينما هم كذلك والتتر يحصرونهم إذ وصل قاصد من جلال الدين إليهم يعرفهم سلامته، ويقول: إني أدور حتى يجتمع إلي من سلم من العسكر وأقصدكم ونتفق أنا وأنتم على إزعاج التتر وترحيلهم عنكم.
فأرسلوا إليه يستدعونه إليهم، ويعدونه النصرة والخروج معه إلى عدوه، وفيهم شجاعة عظيمة، فسار إليهم، واجتمع بها، وخرج أهل أصفهان معه، فقاتلوا التتر، فانهزم التتر أقبح هزيمة، وتبعهم جلال الدين إلى الري يقتل ويأسر، فلما أبعدوا عن الري أقام بها، وأرسل إليه ابن جنكزخان يقول: إن هؤلاء ليسوا من أصحابنا، إنما نحن أبعدناهم عنا، فلما أمن جانب جنكزخان أمن وعاد إلى أذربيجان.
ذكر خروج الفرنج إلى الشام وعمارة صيدا
وفي هذه السنة خرج كثير من الفرنج من بلادهم، التي هي في الغرب من صقلية وما وراءها من البلاد، إلى بلادهم التي بالشام: عكا وصور وغيرهما من ساحل الشام، فكثر جمعهم، وكان قد خرج قبل هؤلاء جمع آخر أيضاً إلا أنهم لم تمكنهم الحركة والشروع في أمر الحب لأجل أن ملكهم الذي هو المقدم عليهم هو ملك الألمان، ولقبه أنبرور، قيل: معناه ملك الأمراء، ولأن المعظم كان حياً، وكان شهماً شجاعاً مقداماً، فلما توفي المعظم، كما ذكرناه، وولي بعده ابنه وملك دمشق طمع الفرنج، وظهروا من عكا وصور وبيروت إلى مدينة صيدا، وكانت مناصفة بينهم وبين المسلمين، وسورها خراب، فعمروها، واستولوا عليها.
وإنما تم لهم ذلك بسبب تخريب الحصون القريبة منها، تبنين وهونين وغيرهما. وقد تقدم ذكر ذلك قبل مستقصى؛ فعظمت شوكة الفرنج، وقوي طمعهم، واستولى في طريقه على جزيرة قبرس، وملكها، وسار منها إلى عكا، فارتاع المسلمون لذلك، والله تعالى يخذله وينصر المسلمين بمحمد وآله؛ ثم إن ملكهم أنبرور وصل إلى الشام.
ذكر ملك كيقباذ أرزنكان
وفي هذه السنة ملك علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان، وهو صاحب قونية، وأقصرا، وملطية، وغيرها من بلاد الروم، أرزنكان.
وسبب ملكه إياها أن صاحبها بهرام شاه كان قد طال ملكه لها، وجاوز ستين سنة، توفي ولم يزل في طاعة قلج أرسلان وأولاده بعده، فلما توفي ملك بعده ولده علاء الدين داود شاه، فأرسل إليه كيقباذ يطلب منه عسكراً ليسير معه إلى مدينة أرزن الروم ليحصرها، ويكون هو مع العسكر، ففعل ذلك، وسار في عسكره إليه، فلما وصل قبض عليه، وأخذ مدينة أرزنكان منه، وله حصن من أمنع الحصون اسمه كماخ، وفيه مستحفظ لداود شاه، فأرسل إليه ملك الروم يحصره، فلم يقدر العسكر على القرب منه لعلوه وارتفاعه وامتناعه، فتهدد داود شاه إن لم يسلم كماخ، فأرسل إلى نائبه في التسليم، فسلم القلعة إلى كيقباذ.
(5/346)
وأراد كيقباذ المسير إلى أرزن الروم ليأخذها وبها صاحبها ابن عمه طغرل شاه بن قلج أرسلان، فلما سمع صاحبها بذلك أرسل إلى الأمير حسام الدين علي، النائب عن الملك الأشرف بخلاط، يستنجده، وأظهر طاعة الأشرف، فسار حسام الدين فيمن عنده من العساكر، وكان قد جمعها من الشام، وديار الجزيرة، خوفاً من ملك الروم، خافوا أنه إذا ملك أرزن الروم يتعدى، ويقصد خلاط، فسار الحاجب حسام الدين إلى الروم ومنع عنها.
ولما سمع كيقباذ بوصول العساكر إليها لم يقدم على قصدها، فسار من أرزنكان إلى بلاده، وكان قد أتاه الخبر أن الروم الكفار المجاورين لبلاده قد ملكوا منه حصناً يسمى صنوب، وهو من أحصن القلاع، مطل على البحر السياه بحر الخزر، فلما وصل إلى بلاده سير العسكر إليه وحصره براً وبحراً، فاستعاده من الروم، وسار إلى أنطاكية ليشتي بها على عادته.
ذكر خروج الملك الكامل
في هذه السنة، في شوال، سار الملك الكامل محمد ابن الملك العادل، صاحب مصر، إلى الشام، فوصل إلى البيت المقدس، حرسه الله تعالى، وجعله دار الإسلام أبداً؛ ثم سار عنه، وتولى بمدينة نابلس، وشحن على تلك البلاد جميعها، وكانت من أعمال دمشق، فلما سمع الأشرف يستنجده، ويطلبه ليحضر عنده بدمشق، فسار إليه جريدة، فدخل دمشق.
فلما سمع الكامل بذلك لم يتقدم لعلمه أن البلد منيع، وقد صار به من يمنعه ويحميه؛ وأرسل إليه الملك الأشرف يستعطفه، ويعرفه أنه ما جاء إلى دمشق إلا طاعة له، وموافقة لأغراضه، والاتفاق معه على منع الفرنج عن البلاد، فأعاد الكامل الجواب يقول: إنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا بسبب الفرنج، فإنهم لم يكن في البلاد من يمنعهم عما يريدونه، وقد عمروا صيدا، وبعض قيسارية، ولم يمنعوا، وأنت تعلم أن عمنا السلطان صلاح الدين فتح البيت المقدس، فصار لنا بذلك الجميل على تقضي الأعصار وممر الأيام، فإن أخذه الفرنج حصل لنا من سوء الذكر وقبح الأحدوثة ما ينقض ذلك الذكر الجميل الذي ادخره عمنا، وأي وجه يبقى لنا عند الناس وعند الله تعالى؟ ثم إنهم ما يقنعون حينئذ بمن أخذوه، ويتعدون إلى غيره، وحيث قد حضرت أنت فأنا أعود إلى مصر، واحفظ أنت البلاد، ولست بالذي يقال عني إني قاتلت أخي، وحصرته، حاشا لله تعالى.
وتأخر عن نابلس نحو الديار المصرية، ونزل تل العجول، فخاف الأشرف والناس قاطبة بالشام، وعلموا أنه إن عاد استولى الفرنج على البيت المقدس وغيره مما يجاوره، لا مانع دونه، فترددت الرسل، وسار الأشرف بنفسه إلى الكامل أخيه، فحضر عنده، وكان وصلوه ليلة عيد الأضحى، ومنعه من العود إلى مصر، فأقام بمكانها.
ذكر نهب جلال الدين بلاد أرمينة
في هذه السنة وصل جلال الدين خوارزم شاه إلى بلاد خلاط، وتعدى خلاط إلى صحراء موش، وجبل جور، ونهب الجميع، وسبى الحريم، واسترق الأولاد، وقتل الرجال، وخرب القرى، وعاد إلى بلاده.
ولما وصل الخبر إلى البلاد الجزرية: حران وسروج وغيرهما، أنه قد جاز خلاط إلى جور، وأنه قد قرب منهم، خاف أهل البلاد أن يجيء إليهم، لأن الزمان كان شتاء، وظنوا أنه يقصد الجزيرة ليشتي بها، لأن البرد بها ليس بالشديد، وعزموا على الانتقال من بلادهم إلى الشام، ووصل بعض أهل سروج إلى منبج من أرض الشام، فأتاهم الخبر أنه قد نهب البلاد وعاد، فأقاموا، وكان سبب عوده أن الثلج سقط ببلاد خلاط كثيراً، لم يعهد مثله، فأسرع العود.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة رخصت الأسعار بديار الجزيرة جميعها، وجاءت الغلات التي لهم من الحنطة والشعير جيداً، إلا أن الرخص لم يبلغ الأول الذي كان قبل الغلاء، إنما صارت الحنطة كل خمسة مكاكيك بدينار، والشعير كل سبعة عشر مكوكاً بالموصلي بدينار.

This site was last updated 07/28/11