Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثلاث وعشرين وستمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة622
سنة623

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وستمائة
ذكر ملك جلال الدين تفليس

في هذه السنة، ثامن ربيع الأول، فتح جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة تفليس من الكرج؛ وسبب ذلك أنا قد ذكرنا سنة اثنتين وعشرين وستمائة الحرب بينه وبينهم، وانهزامهم منه، وعوده إلى تبريز بسبب الخلف الواقع فيها، فلما استقر الأمر في أذربيجان عاد إلى بلد الكرج في ذي الحجة من السنة، وخرجت سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ودخلت هذه السنة، فقصد بلادهم، وقد عادوا فحشدوا وجمعوا من الأمم المجاورة لهم اللان واللكز وقفجاق وغيرهم، فاجتمعوا في جمع كثير لا يحصى، فطمعوا بذلك، ومنتهم أنفسهم الأباطيل، ووعدهم الشيطان الظفر، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً، فلقيهم، وجعل لهم الكمين في عدة مواضع، والتقوا واقتتلوا، فولى الكرج منهزمين لا يلو ي الأخ على أخيه، ولا الوالد على ولده، وكل منهم قد أهمته نفسه، وأخذتهم سيوف المسلمين من كل جانب، فلم ينج منهم إلا اليسير الشاذ الذي لا يعبأ به؛ وأمر جلال الدين عسكره أن لا يبقوا على أحد، وأن يقتلوا من وجدوا، فتبعوا المنهزمين يقتلونهم، وأشار عليه أصحابه بقصد تفليس دار ملكهم، فقال: لا حاجة لنا إلى أن نقتل رجالنا تحت الأسوار، إنما إذا أفنيت الكرج أخذت البلاد صفواً عفواً.
ولم تزل العساكر تتبعهم وتستقصي في طلبهم إلى أن كادوا يفنونهم، فحينئذ قصد تفليس ونزل بالقرب منها. وسار في بعض الأيام في طائفة من العسكر، وقصدها لينظر إليها، ويبصر مواضع النزول عليها، وكيف يقاتلها، فلما قاربها كمن أكثر العسكر الذي معه في عدة مواضع، ثم تقدم إليها في نحو ثلاثة آلاف فارس، فلما رآه من بها من الكرج طمعوا فيه لقلة من معه، ولم يعلموا أنه معهم، فظهروا إليه فقاتلوه، فتأخر عنهم، فقوي طمعهم فيه لقلة من معه، فظنوه منهزماً، فتبعوه، فلما توسطوا العساكر خرجوا عليهم ووضعوا السيف فيهم، فقتل أكثرهم، وانهزم الباقون إلى المدينة فدخلوها، وتبعهم المسلمون، فلما وصلوا إليها نادى المسلمون من أهلها بشعار الإسلام، وباسم جلال الدين، فألقى الكرج بأيديهم واستسلموا، لأنهم كانوا قد قتل رجالهم في الوقعات المذكورة، فقل عددهم، وملئت قلوبهم خوفاً ورعباً، فملك المسلمون البلد عنوة وقهراً بغير أمان، وقتل كل من فيه من الكرج، ولم يبق على كبير ولا صغير إلا من أذعن بالإسلام، وأقر بكلمتي الشهادة، فإنه أبقى عليه، وأمرهم فتختنوا وتركهم.
ونهب المسلمون الأموال، وسبوا النساء واسترقوا الأولاد، ووصل إلى المسلمين الذين بها بعض الأذى من قتل ونهب وغيره.
وتفليس هذه من أحصن البلاد وأمنعها، وهي على جانبي نهر الكر، وهو نهر كبير، ولقد جل هذا الفتح وعظم موقعه في بلاد الإسلام وعند المسلمين، فإن الكرج كانوا قد استطالوا عليهم، وفعلوا بهم ما أرادوا، فكانوا يقصدون أي بلاد أذربيجان أرادوا، فلا يمنعهم عنها مانع، ولا يدفعهم عنها دافع؛ وهكذا أرزن الروم، حتى إن صاحبها لبس خلعة ملك الكرج، ورفع على رأسه علماً في أعلاه صليب، وتنصر ولده رغبة في نكاح ملكة الكرج، وخوفاً منهم، ليدفع الشر عنه، وقد تقدمت القصة، وهكذا دربند شروان.
وعظم أمرهم إلى حد أن ركن الدين بن قلج أرسلان، صاحب قونية، وأقصرا، وملطية، وسائر بلاد الروم التي للمسلمين، جمع عساكره، وحشد معها غيرها فاستكثر، وقصد أرزن الروم، وهي لأخيه طغرل شاه بن قلج أرسلان، فأتاه الكرج وهزموه، وفعلوا به وبعسكره كل عظيم، وكان أهل دربند شروان معهم في الضنك والضيقة. (5/337)
وأما أرمينية، فإن الكرج دخلوا مدينة أرجيش، وملكوا قرس وغيرها، وحصروا خلاط، فلولا أن الله سبحانه من على المسلمين بأسر إيواني، مقدم عساكر الكرج، لملكوها، فاضطر أهلها إلى أن بنوا لهم بيعة في القلعة يضرب فيها الناقوس، فرحلوا عنهم، وقد تقدم تفصيل هذه الحلمة.
ولم يزل هذا الثغر من أعظم الثغور ضرراً على المجاورين له من الفرس، قبل الإسلام، وعلى المسلمين بعدهم، من أول الإسلام إلى الآن، ولم يقدر أحد عليهم هذا الإقدام، ولا فعل بهم هذه الأفاعيل، فإن الكرج ملكوا تفليس سنة خمس عشرة وخمسمائة، والسلطان حينئذ محمود بن محمود بن ملكشاه السلجوقي، وهو من أعظم السلاطين منزلة، وأوسعهم مملكة، وأكثرهم عساكر، فلم يقدر على منعهم عنها؛ هذا مع سعة بلاده، فإنه كان له الري وأعمالها، وبلد الجبل، وأصفهان، وفارس، وخوزستان، والعراق، وأذربيجان، وأران، وأرمينية، وديار بكر، والجزيرة، والموصل، والشام، وغير ذلك، وعمه السلطان سنجر له خراسان وما وراء النهر، فكان أكثر بلاد الإسلام بأيديهم، ومع هذا فإنه جمع عساكره سنة تسع عشرة وخمسمائة، وسار إليهم بعد أن ملكوها، فلم يقدر عليهم.
ثم ملك بعده أخوه السلطان مسعود، وملك الدكز بلد الجبل والري وأصفهان وأذربيجان وأران، وأطاعه صاحب خلاط، وصاحب فارس، وصاحب خوزستان، وجمع وحشد لهم، وكان قصاره أن يتخلص منهم، ثم ابنه البهلوان بعده؛ وكانت البلاد في أيام أولئك عامرة كثيرة الأموال والرجال، فلم يحدثوا أنفسهم بالظفر بهؤلاء، حتى جاء هذا السلطان والبلاد خراب قد أضعفها الكرج أولاً، ثم استأصلها التتر، لعنهم الله، على ما ذكرنا، ففعل بهم هذه الأفاعيل، فسبحان من إذا أراد أمراً قال له كن فيكون.
ذكر مسير مظفر الدين صاحب إربل إلى الموصل وعوده عنها
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، سار مظفر الدين بن زين الدين، صاحب إربل، إلى أعمال الموصل، قاصداً إليها. وكان السبب في ذلك أنه استقرت القاعدة بينه وبين جلال الدين بن خوارزم شاه وبين الملك المعظم، صاحب دمشق، وبين صاحب آمد، وبين ناصر الدين، صاحب ماردين، ليقصدوا البلاد التي بيد الأشرف، ويتغلبوا عليها، ويكون لكل منهم نصيب ذكره؛ واستقرت القواعد بينهم على ذلك، فبادر فظفر الدين إلى الموصل.
وأما جلال الدين فإنه سار من تفليس يريد خلاط، فأتاه الخبر أن نائبه ببلاد كرمان، واسمه بلاق حاجب، قد عصى عليه، على ما نذكره، فلما أتاه الخبر بذلك ترك خلاط ولم يقصدها، إلا أن عسكره نهب بعض بلدها وخرب كثيراً منه، وسار مجداً إلى كرمان، فانفسخ جميع ما كانوا عزموا عليه، إلا أن مظفر الدين سار من إربل ونزل على جانب الزابن ولم يمكنه العبور إلى بلد الموصل.
وكان بدر الدين قد أرسل من الموصل إلى الأشرف، وهو بالرقة، يستنجده، ويطلب منه أن يحضر بنفسه الموصل ليدفع مظفر الدين، فسار منها إلى حران، ومن حران إلى دنيسر، فخرب بلد ماردين وأهله تخريباً ونهباً.
وأما المعظم، صاحب دمشق، فإنه قصد بلاد حمص وحماة، وأرسل إلى أخيه الأشرف يقول: إن رحلت عن ماردين وحلب، وأنا عن حمص وحماة، وأرسلت إلى مظفر الدين ليرجع عن بلد الموصل؛ فرحل الأشرف عن ماردين وعاد كل منهم إلى بلده، وخربت أعمال الموصل، وأعمال ماردين بهذه الحركة، فإنها كانت قد أجحف بها تتابع الغلاء وطول مدته، وجلاء أكثر أهلها، فأتتها هذه الحادثة فازدادت خراباً على خراب.
ذكر عصيان كرمان على جلال الدين ومسيره إليها
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، وصل الخبر إلى جلال الدين أن نائبه بكرمان، وهو أمير كبير اسمه بلاق حاجب، قد عصى عليه، وطمع في البلاد أن يتملكها ويستبد بها لبعد جلال الين عنها، واشتغاله بما ذكرناه من الكرج وغيرهم، وأنه أرسل إلى التتر يعرفهم قوة جلال الدين وملكه كثيراً من البلاد، وإن أخذ الباقي عظمت مملكته، وكثرت عساكره، وأخذ ما بأيديكم من البلاد. (5/338)
فلما سمع جلال الدين ذلك كان قد سار يريد خلاط، فتركها وسار إلى كرمان يطوي المراحل، وأرسل بين يديه رسولاً إلى صاحب كرمان، ومعه الخلع ليطمئن ويأتيه وهو غير محتاط ولا مستعد للامتناع منه؛ فلما وصل الرسول علم أن ذلك مكيدة عليه لما يعرفه من عادته، فأخذ ما يعز عليه، وصعد إلى قلعة منيعة فتحصن بها، وجعل من يثق به من أصحابه في الحصون يمتنعون بها، وأسل إلى جلال الدين يقول: إنني أنا العبد والمملوك؛ ولما سمعت بمسيرك إلى هذه البلاد أخليتها لك لأنها بلادك، ولو علمت أنك تبقي علي لحضرت بابك، ولكني أخاف هذا جميعه؛ والرسول يحلف له أن جلال الدين بتفليس، وهو لا يلتفت إلى قوله، فعاد الرسول، فعلم جلال الدين أنه لا يمكنه أخذ ما بيده من الحصون لأنه يحتاج أن يحصرها مدة طويلة، فوقف بالقرب من أصفهان، وأرسل إليه الخلع، وأقره على ولايته.
فبينما الرسل تتردد إذ وصل رسول من وزير جلال الدين إليه من تفليس يعرفه أن عسكر الملك الأشرف الذي بخلاط قد هزموا بعض عسكره وأوقعوا بهم، ويحثه على العود إلى تفليس فعاد إليهم مسرعاً.
ذكر الحب بين عسكر الأشرف وعسكر جلال الدين
لما سار جلال الدين إلى كرمان ترك بمدينة تفليس عسكراً مع وزيره شرف الملك، فقلت عليهم الميرة، فساروا إلى أعمال أرزن الروم، فوصلوا إليها، ونهبوها، وسبوا النساء، وأخذوا من الغنائم شيئاً كثيراً لا يحصى، وعادوا فكان طريقهم على أطراف ولاية خلاط، فسمع النائب عن الأشرف بخلاط، وهو الحاجب حسام الدين علي الموصل، فجمع العسكر وسار إليهم، فأوقع بهم، واستنقذ ما معهم من الغنائم، وغنم كثيراً مما معهم، وعاد هو وعساكره سالمين.
فلما فعل ذلك خاف وزير جلال الدين منهم، فأرسل إلى صاحبه بكرمان يعرفه الحال، ويحثه على العود إليه، ويخوفه عاقبة التواني والإهمال، فرجع فكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.


ذكر وفاة الخليفة الظاهر بأمر الله
في هذه السنة، في الرابع عشر من رجب، توفي الإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله، وقد تقدم نسبه عند وفاة أبيه، رضي الله عنهما، فكانت خلافته تسعة أشهر وأربعة وعشرين يوماً، وكان نعم الخليفة، جمع الخشوع مع الخضوع لربه، والعدل والإحسان إلى رعيته، وقد تقدم عند ذكر ولايته الخلافة من أفعاله ما فيه كفاية؛ ولم يزل كل يوم يزداد من الخير والإحسان إلى الرعية، فرضي الله عنه وأرضاه، وأحسن منقلبه ومثواه، فلقد جدد من العدل ما كان دارساً، وأذكر من الإحسان ما كان منسياً.
وكان قبل وفاته أخرج توقيعاً إلى الوزير بخطه ليقرأه على أرباب الدولة، وقال الرسول: أمير المؤمنين يقول: ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم، أو نفذ مناك، ثم لا يبين له أثر، بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال؛ فقرأوه، فإذا في أوله بعد البسملة: اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالاً، ولا إغضاؤنا إغفالاً، ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملاً، وقد عفونا لكم ما سلف من إخراب البلاد، وتشريد الرعايا، وتقبيح السمعة، وإظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة ومكيدة، وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكاً لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل، وأنياب أسد مهيب، تتفقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد وأنتم أمناؤه وثقاته، فتميلون رأيه إلى هواكم، وتمرجون باطلكم بحقه، فيطيعكم وأنتم له عاصون، ويوافقكم وأنتم له مخالفون، والآن قد بدل الله سبحانه بخوفكم أمناً، وبفقركم غنى، وبباطلكم حقاً، ورزقكم سلطاناً يقيل العثرة ويقبل المعذرة، ولا يؤاخذ إلا من أصر، ولا ينتقم إلا ممن استمر؛ يأمركم بالعدل وهو يريده منكم، وينهاكم عن الجور وهو يكرهه لكم، يخاف الله تعالى، فيخوفكم مكره، ويرجوا الله تعالى، ويرغبكم في طاعته، فإن سلكتم مسالك خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا هلكتم، والسلام.
ولما توفي وجدوا في بيت، في داره، ألوف رقاع كلها مختومة لم يفتحها، فقيل له ليفتحها، فقال: لا حاجة لنا فيها، كلها سعايات.
ولم أزل، علم الله سبحانه، مذ ولي الخلافة، أخاف عليه قصر المدة لخبث الزمان وفساد أهله، وأقول لكثير من أصدقائنا: وما أخوفني أن تقصر مدة خلافته، لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته؛ فكان كذلك. (5/339)
 

This site was last updated 07/28/11