Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة 

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة329 وخلافة المتقى لله
سنة330
سنة332 وسنة333

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة
ذكر مسير المتقي إلى الموصل

في هذه السنة أصعد المتقي لله إلى الموصل.
وسبب ذلك ما ذكرناه أولاً من سعاية ابن مقلة والترجمان مع المتقي بتوزون وابن شيرزاد، ثم إن ابن شيرزاد وصل خامس المحرم إلى بغداد في ثلاث مائة غلام جريدةً، فازداد خوف المتقي، وأقام ببغداد يأمر وينهى، ولا يراجع المتقي في شيء. (3/491)
وكان المتقي قد أنفذ يطلب من ناصر الدولة بن حمدان إنفاذ جيش إليه ليصحبوه إلى الموصل، فأنفذهم مع ابن عمه أبي عبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان، فلما وصلوا إلى بغداد نزلوا بباب حرب، واستتر ابن شيرزاد، وخرج المتقي إليهم في حرمه، وأهله، ووزيره، وأعيان بغداد، مثل سلامة الطولوني، وأبي زكرياء يحيى بن سعيد السوسي، وأبي محمد المارداني، وأبي إسحاق القراريطي، وأبي عبدالله الموسوي، وثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الطبيب، وأبي نصر محمد بن ينال الترجمان، وغيرهم.
ولما سار المتقي من بغداد ظلم ابن شيرزاد الناس وعسفهم وصادرهم وأرسل إلى توزون، وهو بواسط، يخبره بذلك، فلما بلغ توزون الخبر عقد ضمان واسط على البريدي وزوجه ابنته، وسار إلى بغداد، وانحدر سيف الدولة وحده إلى المتقي لله بتكريت، فأرسل المتقي إلى ناصر الدولة يستدعيه ويقول له: لم يكن الشرط معك إلا أن تنحدر إلينا؛ فانحدر، فوصل إلى تكريت في الحادي والعشرين من ربيع الآخر، وركب المتقي إليه، فلقيه بنفسه، وأكرمه.
وأصعد الخليفة إلى الموصل، وأقام ناصر الدولة بتكريت، وسار توزون نحو تكريت، فالتقى هو وسيف الدولة بن حمدان تحت تكريت بفرسخين، فاقتتلوا ثلاثة أيام، ثم انهزم سيف الدولة يوم الأربعاء لثلاث بقين من ربيع الآخر، وغنم توزون والأعراب سواده وسواد أخيه ناصر الدولة، وعادا من تكريت إلى الموصل ومعهما المتقي لله.
وشغب أصحاب توزون فعاد إلى بغداد، وعاد سيف الدولة وانحدر فالتقى هو وتوزون بحربي، في شعبان، فانهزم سيف الدولة مرة ثانية، وتبعه توزون.
ولما بلغ سيف الدولة إلى الموصل سار عنها هو وأخوه ناصر الدولة والمتقي لله ومن معهم إلى نصيبين، ودخل توزون الموصل، فسار المتقي إلى الرقة، ولحقه سيف الدولة، وأرسل المتقي إلى توزون يذكر أنه استوحش منه لاتصاله بالبريدي، وأنهما صارا يداً واحدة، فإن آثر رضاه يصالح سيف الدولة وناصر الدولة ليعود إلى بغداد، وتردد أبو عبدالله محمد بن أبي موسى الهاشمي من الموصل إلى توزون في ذلك فتم الصلح، وعقد الضمان على ناصر الدولة لما بيده من البلاد ثلاث سنين، كل سنة بثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف درهم، وعاد توزون إلى بغداد، وأقام المتقي عند بني حمدان بالموصل، ثم ساروا عنها إلى الرقة فأقاموا بها.
ذكر وصول معز الدولة إلى واسط وديالي وعوده
وفي هذه السنة بلغ معز الدولة أبا الحسين بن بويه إصعاد توزون إلى الموصل، فسار هو إلى واسط لميعاد من البريديين، وكانوا قد وعدوه أن يمدوه بعسكر في الماء، فأخلفوه.
وعاد توزون من الموصل إلى بغداد، وانحدر منها إلى لقاء معز الدولة، والتقوا سابق عشر ذي القعدة بقباب حميد، وطالت الحرب بينهما بضعة عشر يوماً، إلا أن أصحاب توزون يتأخرون، والديلم يتقدمون، إلى أن عبر توزون نهر ديالي، ووقف عليه، ومنع الديلم من العبور.
وكان مع توزون مقابلة في الماء في دجلة، فكانوا يودون أن الديلم يستولون على أطرافهم، فرأى ابن بويه أن يصعد على ديالي ليبعد عن دجلة وقتال من بها، ويتمكن من الماء، فعلم توزون بذلك، فسير بعض أصحابه، وعبروا ديالي وكمنوا، فلما سار معز الدولة مصعداً وسار سواده في أثره خرج الكمين عليه، فحالوا بينهما، ووقعوا في العسكر وهو على غير تعبية.
وسمع توزون الصياح، فتعجل، وعبر أكثر أصحابه سباحة، فوقعوا في عسكر ابن بويه يقتلون ويأسرون حتى ملوا، وانهزم ابن بويه ووزيره الصيمري إلى السوس رابع ذي الحجة ولحق به من سلم من عسكره، وكان قد أسر منهم أربعة عشر قائداً منهم ابن الداعي العلوي، واستأمن كثير من الديلم إلى توزون؛ ثم إن توزون عاوده ما كان يأخذه من الصرع، فشغل بنفسه عن معز الدولة وعاد إلى بغداد.
ذكر قتل أبي يوسف البريدي
في هذه السنة قتل أبو عبدالله البريدي أخاه أبا يوسف. (3/492)
نوكان سبب قتله أن أبا عبدالله البريدي كان قد نفذ ما عنده من المال في محاربة بني حمدان ومقامهم بواسط، وفي محاربة توزون، فلما رأى جنده قلة ماله مالوا إلى أخيه أبي يوسف لكثرة ماله، فاستقرض أبو عبدالله من أخيه أبي يوسف مرة بعد مرة، وكان يعطيه القليل من المال، ويعيبه ويذكر تضييعه وسوء تدبيره، وجنونه وتهوره، فصح ذلك عند أبي عبدالله، ثم صح عنده أنه يريد القبض عليه أيضاً، والاستبداد بالأمر وحده، فاستوحش كل واحد منهما من صاحبه.
ثم إن أبا عبدالله أنفذ إلى أخيه جوهراً نفيساً كان بجكم قد وهبه لبنته لما تزوجها البريدي، وكان قد أخذه من دار الخلافة، فأخذه أبو عبدالله منها حين تزوجها، فلما جاءه الرسول وأبلغه ذلك وعرض عليه الجوهر أحضر الجوهريين ليثمنوه، فلما أخذوا في وصفه أنكر عليهم ذلك، وحرد، ونزل في ثمنه إلى خمسين ألف درهم، وأخذ في الوقيعة في أخيه أبي عبدالله وذكر معايبه وما وصل إليه من المال، وأنفذ مع الرسول خمسين ألف درهم، فلما عاد الرسول إلى أبي عبدالله أبلغه ذلك، فدمعت عيناه: ألا قلت له: جنوني وقلة تحصيلي أقعدك هذا المقعد وصيرك كقارون ! ثم عدد ما عمله معه من الإحسان.
فلما كان بعد أيام أقام غلمانه في طريق مسقف بين داره والشط، وأقبل أخوه أبو يوسف من الشط، فدخل في ذلك الطريق، فثاروا به فقتلوه وهو يصيح: يا أخي، يا أخي، قتلوني ! وأخوه يسمعه ويقول: إلى لعنة الله ! فخرج أخوهما أبو الحسين من داره، وكان بجنب داره أخيه أبي عبدالله، وهو يستغيث: يا أخي قتلته ! فسبه وهدده، فسكت، فلما قتل دفنه وبلغ ذلك الخبر الجند، فثاروا وشغبوا ظناً منهم أنه حي، فأمر به فنبش وألقاه على الطريق، فلما رأوه سكتوا، فأمر به فدفن، وانتقل أبو عبدالله إلى دار أخيه أبي يوسف، فأخذ ما فيها، والجوهر في جملته، ولم يحصل من مال أخيه على طائل، فإن أكثره انكسر على الناس، وذهبت نفس أخيه.
ذكر وفاة أبي عبد الله البريدي
وفيها، في شوال، مات أبو عبدالله البريدي بعد أ، قتل أخاه بثمانية أشهر بحمى حادة، واستقر في الأمر بعده أخوه أبو الحسين، فأساء السيرة إلى الأجناد، فثاروا به ليقتلوه ويجعلوا أبا القاسم ابن أخيه أبي عبدالله مكانه، فهرب منهم إلى هجر، واستجار بالقرامطة فأعانوه، وسار معه إخوان لأبي طاهر القرمطي في جيش إلى البصرة فرأوا أبا القاسم قد حفظها، فردهم عنها، فحصروه مدة ثم ضجروا وأصلحوا بينه وبين عمه وعادوا، وخل أبو الحسين البصرة، فتجهز منها، وسار إلى بغداد فدخل علت توزون.
ثم طمع يأنس مولى أبي عبدالله البريدي في التقدم، فواطأ قائداً من قواد الديلم على أن تكون الرئاسة بينهما، ويزيلا أبا القاسم مولاه، فاجتمعت الديلم عند ذلك القائد، فأرسل أبو القاسم إليهم يأنس، وهو لا يشعر بالأمر، فلما أتاهم يأنس أشار عليهم بالتوقف، فطمع فيه ذلك القائد الديلمي، وأحب التفرد بالرئاسة، فأمر به فضرب بزوبين في ظهره فجرح، وهرب يأنس واختفى.
ثم إن الديلم اختلفت كلمتهم، فتفرقوا، واختفى ذلك القائد، فأخذ ونفي، وأمر أبو القاسم البريدي بمعالجة يأنس، وقد ظهر له حاله، فعولج حتى برأ، ثم قبض عليه أبو القاسم بعد نيف وأربعين يوماً، وصادره على مائة ألف دينار، وقتله، واستقام أمر أبي القاسم إلى أن أتاه أمر الله على ما نذكره.
ذكر مراسلة المتقي توزون في العود
وفيها أرسل المتقي لله إلى توزون يطلب منه العود إلى بغداد.
وسبب ذلك أنه رأى من بني حمدان تضجراً به، وإيثار المفارقة، فاضطر إلى مراسلة توزون، فأرسل الحسن بن هارون وأبا عبدالله بن أبي موسى الهاشمي إليه في الصلح، فلقيهما توزون وابن شيرزاد بنهاية الرغبة فيه والحرص عليه، فاستوثقا من توزون وحلفاه للمتقي لله، وأحضر لليمين خلقاً كثيراً، من القضاة، والعدول، والعباسيين، والعلويين، وغيرهم من أصناف الناس، وحلف توزون للمتقي والوزير، وكتبوا خطوطهم بذلك، وكان من أمر المتقي لله ما نذكره سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.
ذكر ملك الروس مدينة بردعة (3/493)
في هذه السنة خرجت طائفة من الروسية في البحر إلى نواحي أذربيجان، وركبوا في البحر في نهر للكر، وهو نهر كبير، فانتهوا إلى بردعة، فخرج إليهم نائب المرزبان بردعة في جمع الديلم والمطوعة يزيدون على خمسة آلاف رجلن فلقوا الروس، فلم يكن إلا ساعة حتى انهزم المسلمون منهم، وقتل الديلم عن آخرهم، وتبعهم الروس إلى البلد، فهرب من كان له مركوب وترك البلد، فنزله الروس ونادوا فيه بالأمان فأحسنوا السيرة.
وأقبت العساكر الإسلامية من كل ناحية فكانت الروس تقاتلهم، فلا يثبت المسلمون لهم، وكان عامة البلد يخرجون ويرجمون الروس بالحجارة، ويصيحون بهم، فينهاهم الروس عن ذلك، فلم ينتهوا، سوى العقلاء فإنهم كفوا أنفسهم وسائر العامة والرعاع لا يضبطون أنفسهم، فلما طال ذلك عليهم نادى مناديهم بخروج أهل البلد منه، وأن لا يقيموا بعد ثلاثة أيام، فخرج من كان له ظهر يحمله، وبقي أكثرهم بعد الأجل، فوضع الروسية فيهم السلاح فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسروا بعد القتل بضعة عشر ألف نفس، وجمعوا من بقي بالجامع، وقالوا: اشتروا أنفسكم وإلا قتلناكم؛ وسعى لهم إنسان نصراني، فقرر عن كل رجل عشرين درهماً، فلم يقبل منهم إلا عقلاؤهم، فلما رأى الروسية انه لا يحصل منهم شيء قتلوهم عن آخرهم، ولم ينج منهم إلا الشريد، وغنموا أموال أهلها واستعبدوا السبي، واختاروا من النساء من استحسنوها.
ذكر مسير المرزبان إليهم والظفر بهم
لما فعل الروس بأهل بردعة ما ذكرناه استعظمه المسلمون، وتنادوا بالنفير، وجمع المرزبان بن محمد الناس واستنفرهم فبلغ عدة من معه ثلاثين ألفاً، وسار بهم، فلم يقاوم الروسية، وكان يغاديهم القتال ويراوحهم، فلا يعود إلا مفلولاً، فبقوا كذلك أياماً كثيرة، وكان الروسية قد توجهوا نحو مراغة، فأكثروا من أكل الفواكه، فأصابهم الوباء، وكثرت الأمراض والموت فيهم.
ولما طال الأمر على المرزبان أعمل الحيل، فرأى أن يكمن كميناً، ثم يلقاهم في عسكره، ويتطارد لهم، فإذا خرج الكمين عاد عليهم، فتقدم إلى أصحابه بذلك، ورتب الكمين ثم لقيهم، واقتتلوا، فتطارد لهم المرزبان وأصحابه، وتبعهم الروسية حتى جازوا موضع الكمين، فاستمر الناس على هزيمتهم لا يلوي أحد على أحد.
فحكى المرزبان قال: صحت بالناس ليرجعوا، فلم يفعلوا لما تقدم في قلوبهم من هيبة الروسية، فعلمت أنه استمر الناس على الهزيمة قتل الروس أكثرهم، ثم عادوا إلى الكمين ففطنوا بهم، فقتلوهم عن آخرهم.
قال: فرجعت وحدي وتبعني أخي وصاحبي، ووطنت نفسي على الشهادة، فحينئذ عاد أكثر الديلم استحياء فرجعوا وقاتلناهم، ونادينا بالكمين بالعلامة بيننا، فخرجوا من ورائهم، وصدقناهم القتال، فقتلنا منهم خلقاً كثيراً منهم أميرهم، والتجأ الباقون إلى حصن البلد، ويسمى شهرستان، وكانوا قد نقلوا إليه ميرة كثيرة، وجعلوا معهم السبي والأموال، فحاصرهم المرزبان وصابرهم، فأتاه الخبر بأن أبا عبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان قد سار إلى أذربيجان، وأنه واصل إلى سلماس، وكان ابن عمه ناصر الدولة قد سيره ليستولي على أذربيجان، فلما بلغ الخبر إلى المرزبان ترك على الروسية من يحاصرهم وسار إلى ابن حمدان، فاقتتلوا، ثم نزل الثلج، فتفرق أصحاب ابن حمدان لأن أكثرهم أعراب، ثم أتاه كتاب ناصر الدولة يخبره بموت توزون، وأنه يريد الانحدار إلى بغداد، ويأمره بالعود إليه، فرجع.
وأما أصحاب المرزبان فأنهم أقاموا يقاتلون الروسية، وزاد الوباء على الروسية فكانوا إذا دفنوا الرجل دفنوا معه سلاحه، فاستخرج المسلمون من ذلك شيئاً كثيراً بعد انصراف الروس، ثم إنهم خرجوا من الحسن ليلا وقد حملوا على ظهورهم ما أرادوا من الأموال وغيرها، ومضوا إلى الكر، وركبوا في سفنهم ومضوا، وعجز أصحاب المرزبان عن أتباعهم وأخذ ما معهم، فتركوهم وطهر الله البلاد منهم.
ذكر خروج ابن أشكام على نوح
وفي هذه السنة خالف عبدالله بن أشكام على الأمير نوح، وامتنع بخوارزم، فسار نوح من بخارى إلى مرو بسببه، وسير إليه جيشاً، وجعل عليهم إبراهيم ابن بارس، وساروا نحوه، فمات إبراهيم في الطريق، وكاتب ابن أشكام ملك الترك، وراسله، واحتمى به.(3/494)
وكان لملك الترك ولد في يد نوح، وهو محبوس ببخارى، فراسل نوح أباه في إطلاقه ليقبض على ابن أشكام، فأجابه ملك الترك إلى ذلك، فلما علم ابن أشكام الحال عاد إلى طاعة نوح، وفارق خوارزم، فأحسن إليه نوح وأكرمه وعفا عنه.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في رمضان، مات أبو طاهر الهجري رئيس القرامطة، أصابه جدري فمات، وكان له ثلاثة إخوة منهم: أبو القاسم سعيد بن الحسن، وهو الأكبر، وأبو العباس الفضل بن الحسن، وهذا كانا يتفقان مع أبي طاهر على الرأي والتدبير، وكان لهما أخ ثالث لا يجتمع بهما، وهو مشغول بالشرب واللهو.
وفيها، في جمادى الأولى، غلت الأسعار في بغداد حتى بيع القفيز الواحد من الدقيق الخشكار بنيف وستين درهماً، والخبز الخشكار ثلاثة أرطال بدرهم.
وكانت الأمطار كثيرة مسرفة جداً حتى خرجبت المنازل، ومات خلق كثير تحت الهدم، ونقصت قيمة العقار حتى صار ما كان يساوي ديناراً يباع بأقل من درهم حقيقة، وما يسقط من الأبنية لا يعاد، وتعطل كثير من الحمامات، والمساجد، والأسواق، لقلة الناس، وتعطل كثير من أتاتين الآجر لقلة البناء، ومن يضطر إليه اجتزأ بالأنقاض، وكثرت الكبسات من اللصوص بالليل والنهار من أصحاب ابن حمدي، وتحارس الناس بالبوقات، وعظم أمر ابن حمدي فأعجز الناس، وأمنه ابن شيرزاد وخلع عليه وشرط معه أن يوصله كل شهر خمسة عشر ألف دينار مما يسرقه هو وأصحابه، وكان يستوفيها من ابن حمدي بالروزات، فعظم شره حينئذ وهذا ما لم يسمع بمثله.
ثم إن أبا العباس الديلمي، صاحب الشرطة ببغداد، ظفر بابن حمدي فقتله في جمادى الآخرة، فخف عن الناس بعض ما هم فيه.
وفيها، في شعبان، هو الواقع في نيسان، ظهر في الجو شيء كثير ستر عين الشمس ببغداد، فتوهمه الناس جراداً لكثرته، ولم يشكوا في ذلك، إلى أن سقط منه شيء على الأرض، فإذا هو حيوان يطير في البساتين وله جناحان قائمان منقوشان، فإذا أخذ الإنسان جناحه بيده بقي أثر ألوان الجناح في يده ويعدم الجناح، ويسميه الصبيان طحان الذريرة.
وفيها استولى معز الدولة على واسط، وانحدر من كان من أصحاب البريدي فيها إلى البصرة.
وفيها قبض سيف الدولة بن حمدان على محمد بن ينال الترجمان بالرقة وقتله؛ وسبب ذلك أنه قد بلغه أنه قد واطأ المتقي على الإيقاع بسيف الدولة.
وفيها عرض لتوزون صرع وهو جالس للسلام، والناس بين يديه، فقام ابن شيرزاد ومد في وجهه ما ستره عن الناس، فصرفهم وقال أنه قد ثار به خمار لحقه.
وفيها ثار نافع غلام يوسف بن وجيه صاحب عمان على مولاه يوسف، وملك البلد بعده.
وفيها دخل الروم رأس عين في ربيع الأول، فأقاموا بها ثلاثة أيام، ونهبوها، وسبوا من أهلها، وقصدهم الأعراب، فقاتلوهم، ففارقها الروم، وكان الروم في ثمانين ألفاً مع الدمستق.
وفيها، في ربيع الأول، استعمل ناصر الدولة بن حمدان أبا بكر محمد بن علي ابن مقاتل على طريق الفرات، وديار مضر، وجند قنسرين، والعواصم، وحمص، وأنفذه إليها من الموصل ومعه جماعة من الوقاد، ثم استعمل بعده، في رجب من السنة، ابن عمه أبا عبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان على ذلك، فلما وصل إلى الرقة منعه أهلها، فقاتلهم، فظفر بهم، وأحرق من البلد قطعة، وأخذ رؤساء أهلها إلى حلب.

 

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة
ذكر مسير المتقي إلى بغداد وخلعه

كان المتقي لله قد كتب إلى الإخشيد محمد بن طغج متولي مصر يشكو حاله ويستقدمه إليه، فأتاه من مصر، فلما وصل إلى حلب سار عنها أبو عبدالله بن سعيد بن حمدان، وكان ابن مقاتل بها معه، فلما علم برحيله عنها اختفى، فلما قدم الإخشيد إليها ظهر إليه ابن مقاتل، فأكرمه الإخشيد، واستعمله على خراج مصر، وانكسر عليه ما بقي من المصادرة التي صادره بها ناصر الدولة بن حمدان، ومبلغه خمسون ألف دينار.(3/495)
وسار الإخشيد من حلب، فوصل إلى المتقي منتصف محرم، وهو بالرقة، فأكرمه المتقي واحترمه، ووقف الإخشيد وقوف الغلمان، ومشى بين يديه، فأمره المتقي بالركوب فلم يفعل إلى أن نزل المتقي، وحمل إلى المتقي هدايا عظيمة، وإلى الوزير أبي الحسين بن مقلة وسائر الأصحاب، واجتهد بالمتقي ليسير معه إلى مصر والشام، ويكون بين يديه، فلم يفعل، وأشار عليه بالمقام مكانه، ولا يرجع إلى بغداد، وخوفه من توزون، فلم يفعل، وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر ليحكمه في جميع بلاده، فلم يجبه إلى ذلك، فخوفه أيضاً من توزون، فكان ابن مقلة يقول بعد ذلك: نصحني الإخشيد فلم أقبل نصيحته.
وكان قد أنفذ رسلاً إلى توزون في الصلح، على ما ذكرناه، فحلفوا توزون للخليفة والوزير، فلما حلف كتب الرسل إلى المتقي بذلك، فكتب إليه الناس أيضاً بما شاهدوا من تأكيد اليمين، فانحدر المتقي من الرقة في الفرات إلى بغداد لأربع بقين من المحرم، وعاد الإخشيد إلى مصر، فلما وصل المتقي إلى هيت أقام بها، وأنفذ من يجدد من اليمين على توزون، فعاد وحلف، وسار عن بغداد لعشر بقين من صفر ليلتقي المتقي، فالتقاه بالسندية، فنزل توزون وقبل الأرض وقال: ها أنا قد وفيت بيميني والطاعة لك؛ ثم وكل به وبالوزير وبالجماعة، وأنزلهم في مضرب نفسه مع حرم المتقي، ثم كحله فأذهب عينيه (سمل عينيه يوم ألأحد وكان يوم خلعه وكان عمره 36 سنة وحبس ووكل به وظل حيا بعد خلعه 24 سنة و7 أشهر ومات بداره)  ، فلما سلمه صاح، وصاح من عنده من الحرم والخدم، وارتجت الدنيا، فأمر توزون بضرب الدبادب لئلا تظهر أصواتهم، فخفيت أصواتهم، وعمي المتقي لله، وانحدر توزون من الغد إلى بغداد والجماعة في قبضته.
وكانت خلافة المتقي لله ثلاث سنين وخمسة أشهر وثمانية عشر يوماً، وكان أبيض أشهل العينين، وأمه أم ولد اسمها خلوب، وكانت وزارة ابن مقلة سنة واحدة وخمسة أشهر واثني عشر يوماً.

***************

 

This site was last updated 10/30/11