Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 دخلت سنة ثلاثين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة329 وخلافة المتقى لله
سنة330
سنة332 وسنة333

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثلاثين وثلاثمائة
ذكر وزارة البريدي

في هذه السنة وزر أبو عبدالله البريدي للمتقي لله.
وكان سبب ذلك أن ابن رائق استوحش من البريدي لأنه أخر حمل المال، وانحدر إلى واسط عاشر المحرم، فهرب بنو البريدي إلى البصرة، وسعى لهم أبو عبدالله الكوفي حتى عادوا وضمنوا بقايا واسط بمائة وتسعين ألف دينار، وضمنوها كل سنة بستمائة ألف دينار. (3/483)
وعاد ابن رائق إلى بغداد، فشغب الجند عليه ثاني ربيع الآخر، وفيهم توزون وغيره من القواد، ورحلوا في العشر الآخر من ربيع الآخر إلى أبي عبدالله البريدي بواسط، فلما وصلوا إليه قوي بهم، فاحتاج ابن رائق إلى مداراته، فكاتب أبا عبدالله البريدي بالوزارة، وأنفذ له الخلع، واستخلف أبا عبدالله بن شيرزاد، ثم وردت الأخبار إلى بغداد بعزم البريدي على الإصعاد إلى بغداد، فأزال ابن رائق اسم الوزارة عنه، وأعاد أبا إسحاق القراريطي، ولعن بني البريدي على المنابر بجانبي بغداد.
ذكر استيلاء البريدي على بغداد
وإصعاد المتقي إلى الموصل

وسير أبو عبدالله البريدي أخاه أبا الحسين إلى بغداد في جميع الجيش من الأتراك والديلم، وعزم ابن رائق على أن يتحصن بدار الخليفة، فأصلح سورها، ونصب عليه العرادات والمنجنيقات، وعلى دجلة، وانهض العامة، وجند بعضهم، فثاروا في بغداد وأحرقوا ونهبوا، وأخذوا الناس ليلاً ونهاراً.
وخرج المتقي لله وابن رائق إلى نهر ديالي منتصف جمادى الآخرة، ووافاهم أبو الحسين عنده في الماء والبر، واقتتل الناس، وكانت العامة على شاطئ دجلة في الجانبين يقاتلون من في الماء من أصحاب البريدي، وانهزم أهل بغداد، واستولى أصحاب البريدي على دار الخليفة، ودخلوا إليها في الماء وذلك لتسع بقين من جمادى الآخرة، وهرب المتقي وابنه الأمير أبو منصور في نحو عشرين فارساً، ولحق بهما ابن رائق في جيشه، فساروا جميعاً نحو الموصل، واستتر الوزير القراريطي، وكانت مدة وزارته الثانية أربعين يوماً، وإمارة ابن رائق ستة أشهر، وقتل أصحاب البريدي من وجدوا في دار الخليفة من الحاشية، ونهبوها، ونهبوا دور الحرم.
وكثر النهب في بغداد ليلاً ونهاراً، وأخذوا كورتكين من حبسه، وأنفذه أبو الحسين إلى أخيه بواسط فكان آخر العهد به، ولم يتعرضوا للقاهر بالله، ونزل أبو الحسين بدار مؤنس التي يسكنها ابن رائق وعظم النهب، فأقام أبو الحسين توزون على الشرطة بشرقي بغداد، وجعل نوشتكين على شركة الجانب الغربي، فسكن الناس شيئاً يسيراً، وأخذ أبو الحسين البريدي رهائن القواد الذين مع توزون وغيره، وأخذ نساءهم وأولادهم فسيرهم إلى أخيه أبي عبدالله بواسط.
ذكر ما فعله البريدي ببغداد
لما استولى على بغداد أخذ أصحابه في النهب والسلب وأخذ الدواب، وجعلوا طلبها طريقاً إلى غيرها من الأثاث، وكبست الدور، وأخرج أهلها منها ونزلت، وعظم الأمر، وجعل على كر من الحنطة، والشعير، وأصناف الحبوب، خمسة دنانير، وغلت الأسعار فبيع كر الحنطة بثلاثمائة وستة عشر ديناراً، والخبز الخشكوار رطلين بقيراطين صحيح أميري، وحبط أهل الذمة، وأخذ القوي بالضعيف، وورد من الكوفة وسوادها خمسمائة كر من الحنطة والشعير، فأخذه جميعه وادعى أنه للعامل بتلك الناحية.
ووقعت الفتن بين الناس، فمن ذلك أنه كان معه طائفة من القرامطة، فجرى بينهم وبين الأتراك حرب قتل فيها جماعة، وانهزم القرامطة، وفارقوا بغداد، ووقعت حرب بين الديلم والعامة قتل فيها جماعة من حد نهر طابق إلى القنطرة الجديدة.
وفي آخر شعبان زاد البلاء على الناس، فكبسوا منازلهم ليلاً ونهاراً، واستتر أكثر العمال لعظيم ما طولبوا به مما ليس في السواد، وافترق الناس، فخرج الناس وأصحاب السلطان إلى قرب من بغداد، فحصدوا ما استحصدوا من الحنطة والشعير، وحملوه بسنبله إلى منازلهم، وكان مع ذلك ينهب ويعسف أهل العراق ويظلمهم ظلماً لم يسمع بمثله قط، والله المستعان.
وإنما ذكرنا هذا الفصل ليعلم الظلمة أن أخبارهم تنقل وتبقى على وجه الدهر، فربما تركوا الظلم لهذا أن لم يتركوه لله سبحانه وتعالى.
ذكر قتل ابن رائق
وولاية ابن حمدان إمرة الأمراء
(3/484)
كان المتقي لله قد أنفذ إلى ناصر الدولة بن حمدان يستمده على البريديين، فأرسل أخاه سيف الدولة علي بن عبدالله بن حمدان نجدةً له في جيش كثيف، فلقي المتقي وابن رائق بتكريت قد انهزما، فخدم سيف الدولة للمتقي خدمة عظيمة، وسار معه إلى الموصل، ففارقها ناصر الدولة إلى الجانب الشرقي، وتوجه نحو معلثايا، وترددت الرسل بينه وبين ابن رائق، حتى تعاهدا واتفقا، فحضر ناصر الدولة ونزل على دجلة بالجانب الشرقي، فعبر إليه الأمير أبو منصور بن المتقي وابن رائق يسلمان عليه، فنثر الدنانير والدراهم على ولد المتقي، فلما أرادوا الانصراف من عنده ركب ابن المتقي، وأراد ابن رائق الركوب، فقال له ناصر الدولة: تقيم اليوم عندي لنتحدث فيما نفعله؛ فاعتذر ابن رائق بابن المتقي، فألح عليه ابن حمدان، فاستراب به، وجذب كمه من يده فقطعه، وأراد الركوب فشب به الفرس فسقط، فصاح به ابن حمدان بأصحابه: أقتلوه ! فقتلوه، وألقوه في دجلة.
وأرسل ابن حمدان إلى المتقي يقول: إنه علم أن ابن رائق أراد أن يغتاله، ففعل به ما فعل؛ فرد عليه المتقي رداً جميلاً، وأمره بالمسير إليه، فسار ابن حمدان إلى المتقي لله، فخلع عليه، ولقبه ناصر الدولة، وجعله أمير الأمراء، وذلك مستهل شعبان، وخلع على أخيه أبي الحسين علي، ولقبه سيف الدولة.
وكان قتل ابن رائق يوم الاثنين لتسع بقين من رجب، ولما قتل ابن رائق سار الإخشيد من مصر إلى دمشق، وكان بها محمد بن يزداد، خليفة ابن رائق، فاستأمن إلى الإخشيد، وسلم إليه دمشق فأقره عليها، ثم نقله عنها إلى مصر وجعله على شرطتها، ويقال إن لابن رائق شعراً منه:
يصفّر وجهي إذا تأمّله ... طرفي ويحمرّ وجهه خجلا
حتّى كأنّ الذي بوجنته ... من دم قلبي إليه قد نقلا
وقد قيل إنها للراضي بالله وقد تقدم.
ذكر عود المتقي إلى بغداد
وهرب البريدي عنها

لما استولى أبو الحسين البريدي على بغداد، وأساء السيرة كما ذكرناه، نفرت عنه قلوب الناس العامة والأجناد، فلما قتل ابن رائق سارع الجند إلى الهرب من البريدي، فهرب خجخج إلى المتقي، وكان قد استعمله البريدي على الراذانات وما يليها، ثم تحالف توزون، ونوشتكين، والأتراك على كبس أبي الحسين البريدي، فغدر نوشتكين فأعلم البريدي الخبر، فاحتاط، وأحضر الديلم عنده، وقصده توزون، فحاربه الديلم، وعلم توزون غدر نوشتكين به، فعاد ومعه جملة وافرة من الأتراك، وسار نحو الموصل خامس رمضان، فقوي بهم ابن حمدان، وعزم على الانحدار إلى بغداد، وتجهز وانحدر هو والمتقي، واستعمل على أعمال الخراج والضياع بديار مضر، وهي الرها وحران والرقة، أبا الحسن علي بن طياب، وسيره من الموصل.
وكان على ديار مضر أبو الحسين أحمد بن علي بن مقاتل خليفة لابن رائق، فاقتتلوا، فقتل أبو الحسين بن مقاتل واستولى ابن طياب عليها، فلما قارب المتقي لله وناصر الدولة بن حمدان بغداد هرب أبو الحسين منها إلى واسط، واضطرت العامة ببغداد، ونهب الناس بعضهم بعضاً، وكان مقام أبي الحسين ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يوماً، ودخل المتقي لله إلى بغداد ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة، واستوزر المتقي أبا إسحاق القراريطي، وقلد توزون شرطة جانبي بغداد، وذلك في شوال.
ذكر الحرب بين ابن حمدان والبريدي
لما هرب أبو الحسين البريدي إلى واسط، ووصل بنو حمدان والمتقي إلى بغداد، خرج بنو حمدان عن بغداد نحو واسط، وكان أبو الحسين قد سار من واسط إليهم ببغداد، فأقام ناصر الدولة بالمدائن، وسير أخاه سيف الدولة وابن عمه أبا عبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان في الجيش إلى قتال أبي الحسين، فالتقوا تحت المدائن بفرسخين، واقتتلوا عدة أيام آخرها رابع ذي الحجة، وكان توزون وخجخج والأتراك مع ابن حمدان، فانهزم سيف الدولة ومن معه إلى المدائن، وبها ناصر الدولة، فردهم وأضاف إليهم من كان عنده من الجيش، فعاودوا القتال، فانهزم أبو الحسين البريدي، وأسر جماعة من أعيان أصحابه، وقتل جماعة، وعاد أبو الحسين البريدي منهزماً إلى واسط، ولم يقدر سيف الدولة على اتباعه إليها لما في أصحابه من الوهن والجراح. (3/485)
وكان المتقي قد سير أهله من بغداد إلى سر من رأى، فأعادهم، وكان أعيان الناس قد هربوا من بغداد، فلما انهزم البريدي عادوا إليها، وعاد ناصر الدولة بن حمدان إلى بغداد، فدخلها ثالث عشر ذي الحجة، وبين يديه الأسرى على الجمال، ولما استراح سيف الدولة وأصحابه انحدروا من موضع المعركة إلى واسط، فرأوا البريديين قد انحدروا إلى البصرة، فأقام بواسط ومعه الجيش، وسنذكر من أخباره سنة إحدى وثلاثين.
ولما عاد ناصر الدولة إلى بغداد نظر في العيار، فرآه ناقصاً، فأمر بإصلاح الدنانير، فضرب دنانير سماها الإبريزية، عيارها خير من غيرها، فكان الدينار بعشرة دراهم، فبيع هذا الدينار بثلاثة عشر درهماً.
ذكر استيلاء الديلم على أذربيجان
كانت أذربيجان بيد ديسم بن إبراهيم الكردي، وكان قد صحب يوسف ابن أبي الساج، وخدم وتقدم حتى استولى على أذربيجان، وكان يقول بمذهب الشراة هو وأبوه، وكان أبوه من أصحاب هارون الشاري، فلما قتل هارون هرب إلى أذربيجان، وتزوج ابنة رئيس من أكرادها، فولدت له ديسم، فانضم إلى أبي الساج، فارتفع وكبر شأنه، وتقدم إلى أن ملك أذربيجان بعد يوسف بن أبي الساج، وكان معظم جيوشه الأكراد، إلا نفراً يسيراً من الديلم، من عسكر وشمكير، أقاموا عنده حين صحبوه إلى أذربيجان.
ثم إن الأكراد تقووا، وتحكموا عليه، وتغلبوا على بعض قلاعه وأطراف بلاده، فرأى أن يستظهر عليهم بالديلم، فاستكثر ذلك منهم، وكان فيهم صعلوك بن محمد بن مسافر، وعلي بن الفضل وغيرهما، فأكرمهم ديسم، وأحسن إليهم، وانتزع من الأكراد ما تغلبوا عليه من بلاده، وقبض على جماعة من رؤسائهم.
وكان وزيره أبا القاسم علي بن جعفر، وهو من أهل أذربيجان، فسعى به أعداؤه، فأخافه ديسم، فهرب إلى الطرم إلى محمد بن مسافر، فلما وصل إليه رأى ابنيه وهسوذان والمرزبان قد استوحشا منه، واستوليا على بعض قلاعه، وكان سبب وحشتهما سوء معاملته معهما ومع غيرهما، ثم إنهما قبضا على أبيهما محمد بن مسافر، وأخذا أمواله وذخائره، وبقي في حصن آخر وحيداً فريداً بغير مال ولا عدة، فرأى علي بن جعفر الحال فتقرب إلى المرزبان وخدمه وأطمعه في أذربيجان، وضمن له تحصيل أموال كثيرة يعرف هو وجوهها، فقلده وزارته.
وكان يجمعهما مع الذي ذكرنا أنهما كانا من الشيعة، فإن علي بن جعفر كان من دعاة الباطنية، والمرزبان مشهور بذلك، وكان ديسم كما ذكرنا يذهب إلى مذهب الخوارج في بغض علي، عليه السلام، فنفر عنه من عنده من الديلم، وابتدأ علي بن جعفر فكاتب من يعلم أنه يستوحش من ديسم يستميله، إلى أن أجابه أكثر أصحابه، وفسدت قلوبهم على ديسم، وخاصة الديلم، وسار المرزبان إلى أذربيجان، وسار ديسم إليه، فلما التقيا للحرب عاد الديلم إلى المرزبان، وتبعهم كثير من الأكراد مستأمنين، فحمل المرزبان على ديسم، فهرب في طائفة يسيرة من أصحابه إلى أرمينية، واعتصم بحاجيق بن الديراني، لمودة بينهما، فأكرمه، واستانف ديسم يؤلف الأكراد، وكان أصحابه يشيرون عليه بإبعاد الديلم لمخالفتهم أياه في الجنس والمذهب، فعصاهم، وملك المرزبان أذربيجان، واستقام أمره إلى أن فسد ما بينه وبين وزيره علي ابن جعفر.
وكان سبب الوحشة بينهما أن علياً أساء السيرة مع أصحاب المرزبان، فتضافروا عليه، فأحس بذلك، فاحتال على المرزبان، فأطمعه في أموال كثيرة يأخذها له من بلد تبريز، فضم إليه جنداً من الديلم وسيرهم إليها، فاستمال أهل البلد، فعرفهم أن المرزبان إنما سيره إليهم ليأخذ أموالهم، وحسن لهم قتل من عندهم من الديلم، ومكاتبة ديسم ليقدم عليهم، فأجابوه إلى ذلك.
وكاتب ديسم، ووثب أهل البلد بالديلم فقتلوهم، وسار ديسم فيمن اجتمع إليه من العسكر إلى تبريز، وكان المرزبان قد ساء إلى من استأمن إليه من الأكراد، فلما سمعوا بديسم أنه يريد تبريز ساروا إليه، فلما اتصل ذلك بالمرزبان ندم على إيحاش علي بن جعفر، ثم جمع عسكره وسار إلى تبريز، فتحارب هو وديسم بظاهر تبريز، فانهزم ديسم والأكراد، وعادوا فتحصنوا بتبريز، وحصرهم المرزبان وأخذ في إصلاح علي بن جعفر ومراسلته، وبذل له الأيمان على ما يريده، فأجابه علي: إنني لا أريد من جميع ما بذلته إلى السلامة وترك العمل؛ فأجابه إلى ذلك وحلف له.
واشتد الحصار على ديسم، فسار من تبريز إلى أردبيل، وخرج علي ابن جعفر إلى المرزبان، فساروا إلى أردبيل وترك المرزبان على تبريز من يحصرها، وحصر هو ديسم بأردبيل، فلما طال الحصار عليه طلب الصلح، وراسل المرزبان في ذلك، فأجابه إليه، فاصطلحا وتسلم المرزبان أردبيل، فأكرم ديسم وعظمه، ووفى له بما حلف له عليه، ثم إن ديسم خاف على نفسه من المرزبان، فطلب منه أن يسيره إلى قلعته بالطرم فيكون فيها هو وأهله، ويقنع بما يتحصل له منها، ولا يكلفه شيئاً آخر، ففعل المرزبان ذلك، وأقام ديسم بقلعته هو وأهله.
ذكر استيلاء أبي علي بن محتاج على بلد الجبل وطاعة وشمكير للسامانية
قد ذكرنا سنة تسع وعشرين مسير أبي علي بن محتاج صاحب جيوش خراسان للسامانية إلى الري، وأخذها من وشمكير، ومسير وشمكير إلى طبرستان، وأقام أبو علي بالري، بعد ملكها، تلك الشتوة، وسير العساكر إلى بلد الجبل، فافتتحها، واستولى على زنكان، وأبهر، وقزوين، وقم، وكرج، وهمذان، ونهاوند والدينور إلى حدود حلوان، ورتب فيها العمال، وجبى أموالها.
وكان الحسن بن الفيرزان بسارية، فقصده وشمكير وحصره، فسار إلى أبي علي واستنجده وأقام وشمكير متحصناً بسارية، فسار إليه أبو علي ومعه الحسن وحصراه بها سنة ثلاثين وضيق عليه، وألح عليه بالقتال كل يوم، وهم في شتاء شاتٍ كثير المطر، فسأل وشمكير المواعدة، فصالحه أبو علي، وأخذ رهائنه على لزوم طاعة الأمير نصر بن أحمد الساماني، ورحل عنه إلى جرجان في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، فأتاه موت الأمير نصر بن أحمد، فسار عنها إلى خراسان.
ذكر استيلاء الحسن بن الفيرزان على جرجان
كان الحسن بن الفيرزان عم ما كان بن كالي، وكان قريباً منه في الشجاعة، فلما قتل ما كان راسله وشمكير ليدخل في طاعته، فلم يفعل، وكان بمدينة سارية، وصار يسب وشمكير، وينسبه إلى المواطأة على قتل ما كان، فقصده وشمكير، فسار الحسن من سارية إلى أبي علي صاحب جيوش خراسان، فسار معه أبو علي من الري، فحصر وشمكير بسارية، وأقام يحاصره إلى سنة إحدى وثلاثين، واصطلحا.
وعاد أبو علي إلى خراسان، وأخذ ابناً لوشمكير، اسمه سالار، رهينة، وصحبه الحسن بن الفيرزان، وهو كاره للصلح، فبلغه وفاة السعيد نصر بن أحمد صاحب خراسان، فلما سمع الحسن ذلك عزم على الفتك بأبي علي، فثار به وبعسكره، فسلم أبو علي، ونهب الحسن سواده، وأخذ ابن وشمكير، وعاد إلى جرجان فملكها، وملك الدامغان وسمنان، ولما وصل أبو علي إلى نيسابور رأى إبراهيم بن سيمجور الدواتي قد امتنع عليه بها وخالفه، فترددت الرسل بينهم فاصطلحوا.
ذكر ملك وشمكير الري
لما انصرف أبو علي إلى خراسان، وجرى عليه من الحسن ما ذكرناه، وعاد إلى جرجان، سار وشمكير من طبرستان إلى الري فملكها واستولى عليها، وراسله الحسن بن الفيرزان يستميله، ورد عليه ابنه سالار الذي كان عند أي علي رهينة، وقصد أن يتقوى به على الخراسانية أن عادوا إليه، فألان له وشمكير الجواب، ولم يصرح بما يخالف قاعدته مع أبي علي.
ذكر استيلاء ركن الدولة على الري
لما سمع ركن الدولة وأخوه عماد الدولة ابنا بويه بملك وشمكير الري طمعا فيه لأن وشمكير كان قد ضعف، وقلت رجاله وماله بتلك الحادثة مع أبي علي، فسار ركن الدولة الحسن بن بويه إلى الري واقتتل هو وشمكير، فانهزم وشمكير، واستأمن كثير من رجاله إلى ركن الدولة، فسار وشمكير إلى طبرستان، فقصده الحسن بن الفيرزان، فاستأمن إليه كثير من عسكره أيضاً، فانهزم وشمكير إلى خراسان.
ثم إن الحسن بن الفيرزان راسل ركن الدولة وواصله، فتزوج ركن الدولة بنتاً للحسن، فولدت له ولده فخر الدولة علياً.
وكان ينبغي أن نذكر هذه الحوادث بعد وفاة السعيد نصر بن أحمد وإنما ذكرناها هاهنا ليتلو بعضها بعضاً.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة صرف بدر الخرشني عن حجبة الخليفة، وجعل مكانه سلامة الطولوني.
وفيها ظهر كوكب، في المحرم، بذنب عظيم في أول برج القوس، وآخر برج العقرب بين الغرب والشمال، وكان رأسه في المغرب وذنبه في المشرق، وكان عظيماً منتشر الذنب، وبقي ظاهراً ثلاثة عشر يوماً، وسار في القوس والجدي ثم اضمحل. (3/487)
وفيها اشتد الغلاء لا سيما بالعراق، وبيع الخبز أربعة أرطال بقيراطين صحيح أميري، وأكل الضعفاء الميتة، وكثر الوباء والموت جداً.
وفيها، في ربيع الآخر، وصل الروم إلى قرب حلب، ونهبوا وخربوا البلاد، وسبوا نحو خمسة عشر ألف إنسان.
وفيها دخل الثملي من ناحية طرسوس إلى بلاد الروم، فقتل، وسبى، وغنم وعاد سالماً، وقد أسر عدة من بطارقتهم المشهورين.
وفيها، في ذي القعدة، قلد المتقي لله بدراً الخرشني طريق الفرات، فسار إلى الإخشيد مستأمناً فقلده بلدة دمشق، فلما كان بعد مدة حم ومات بها.
وفيها، في جمادي الآخرة، ولد أبو منصور بويه بن ركن الدولة بن بويه وهو مؤيد الدولة.
وفيها توفي أبو بكر محمد بن عبدالله المعروف بالصيرفي، الفقيه الشافعي، وله تصانيف في أصول الفقه وفيها توفي القاضي أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل المحاملي، الفقيه الشافعي، وهو من المكثرين في الحديث، وكان مولده سنة خمس وثلاثين ومائتين، وكان على قضاء الكوفة وفارس، فاستعفى من القضاء وألح في ذلك، فأجيب إليه.
وفيها توفي أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري المتكلم صاحب المذهب المشهور، وكان مولده سنة ستين ومائتين، وهو من ولد أبي موسى الأشعري.
وفيها مات محمد بن محمد الجيهاني وزير السعيد نصر بن أحمد تحت الهدم.
وفيها توفي محمد بن يوسف بن النضر الهروي، الفقيه الشافعي، وكان مولده سنة تسع وعشرين ومائتين، وأخذ عن الربيع بن سليمان صاحب الشافعي وتعلم منه.


ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة
ذكر ظفر ناصر الدولة بعدل البجكمي

في هذه السنة ظفر أبو عبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان بعدل حاجب بجكم، وسلمه، وسيره إلى بغداد.
وسبب ذلك أن عدلاً صار بعد قتل بجكم مع ابن رائق، وسار معه إلى بغداد، وأصعد معه إلى الموصل، فلما قتل ناصر الدولة أبا بكر بن رائق، كما ذكرناه، صار عدل في جملة ناصر الدولة، فسيره ناصر الدولة مع علي ابن خلف بن طياب إلى ديار مضر، والشام الذي كان بيد ابن رائق، وكان بالرحبة من جهة ابن رائق رجل يقال له مسافر بن الحسن، فلما قتل ابن رائق استولى مسافر هذا على الناحية، ومنع منها، وجبى خراجها، فأرسل إليه ابن طياب عدلاً في جيش ليخرجه عن الرحبة، فلما سار إليها فارقها مسافر من غير قتال، وملك عدل الحاجب البلد، وكاتب من بغداد من البجكمية، فقصدوه مستخفين، فقوي أمره بهم، واستولى على طريق الفرات، وبعض الخابور.
ثم إن مسافراً جمع جمعاً من بني نمير وسار إلى قرقيسيا، فأخرج منها أصحاب عدل وملكها، فسار إليها، واستتر عنها، وعزم عدل على قصد الخابور وملكه، فاحتاط أهله منه، واستنصروا ببني نمير، فلما علم ذلك عدل ترك قصدهم.
ثم صار يركب كل يوم قبل العصر بساعة في جميع عسكره ويطوف صحاري قرقيسيا إلى آخر النهار، وعيونه تأتيه من أهل الخابور بأنهم يحذرون كلما سمعوا بحركته، ففعل ذلك أربعين يوماً، فلما رأى أهل الخابور اتصل ركوبه، وأنه لا يقصدهم، فرقوا جمعهم وأمنوه، فأتته عيونه بذلك على رسمه، فلما تكامل رجاله أمرهم بالمسير، وأن يرسلوا غلمانهم في حمل أثقالهم، وسار لوقته فصبح الشمسانية، وهي من أعظم قرى الخابور وأحصنها، فتحصن أهلها منه، فقاتلهم ونقب السور وملكها وقتل فيها، وأخذ من أهلها مالاً كثيراً، وأقام بها أياماً، ثم سار إلى غيرها، فبقي في الخابور ستة أشهر، فجبى الخراج والأموال العظيمة، واستظهر بها، وقوي أصحابه بما وصل إليهم أيضاً، وعاد إلى الرحبة، واتسعت حاله، واشتد أمره، وقصده العساكر من بغداد، فعظم حاله.
ثم إنه سار يريد نصيبين لعلمه ببعد ناصر الدولة عن الموصل والبلاد الجزيرية، ولم يمكنه قصد الرقة وحران لأنها كان بها يأنس المؤنسي في عسكر ومعه جمع من بني نمير، فتركها وسار إلى رأس عين، ومنها إلى نصيبين، فاتصل خبره بالحسين بن حمدان، فجمع الجيش وسار إليه إلى نصيبين، فلما قرب منه لقيه عدل في جيشه، فلما التقى العسكران استأمن أصحابه من عدل إلى ابن حمدان، وبقي معه منهم نفر يسير من خاصته، فأسره ابن حمدان، وأسر معه ابنه، فسمل عدلاً وسيرهما إلى بغداد، فوصلها في العشرين من شعبان، فشهر هو وابنه فيها.
ذكر حال سيف الدولة بواسط (3/488)
قد ذكرنا مقام سيف الدولة علي بن حمدان بواسط، بعد انحدار البريديين عنها، وكان يريد الانحدار إلى البصرة لأخذها من البريدي، ولا يمكنه لقلة المال عنده، ويكتب إلى أخيه في ذلك، فلا ينفذ إليه شيئاً، وكان توزون وخجخج يسيئان الأدب ويتحكمان عليه.
ثم إن ناصر الدولة أنفذ إلى أخيه مالاً مع أبي عبدالله الكوفي ليفرقه في الأتراك، فأسمعه توزون وخجخج المكروه، وثارا به، فأخذه سيف الدولة وغيبه عنهما وسيره إلى بغداد، وأمر توزون أن يسير إلى الجامدة ويأخذها وينفرد بحاصلها، وأمر خجخج أن يسير إلى مذار ويحفظها ويأخذ حاصلها.
وكان سيف الدولة يزهد بالأتراك في العراق، ويحسن لهم قصد الشام معه الاستيلاء عليه وعلى مصر، ويقع في أخيه عندهم، فكانوا يصدقونه في أخيه، ولا يجيبونه إلى المسير إلى الشام معه، ويتسحبون عليه، وهو يجيبهم إلى الذي يريدونه.
فلما كان سلخ شعبان ثار الأتراك بسيف الدولة فكبسوه ليلاً، فهرب من معسكره إلى بغداد، ونهب سواده، وقتل جماعة من أصحابه.
وأما ناصر الدولة فإنه لما وصل إليه أبو عبدالله الكوفي وأخبره الخبر برز ليسير إلى الموصل، فركب المتقي إليه، وسأله التوقف عن المسير، فأظهر له الإجابة إلى أن عاد، ثم سار إلى الموصل ونهبت داره، وثار الديلم والأتراك، ودبر الأمر أبو إسحاق القراريطي من غير تسمية بوزارة.
وكانت إمارة ناصر الدولة أبي محمد الحسين بن عبدالله بن حمدان ببغداد ثلاثة عشر شهراً وخمسة أيام، ووزارة أبي العباس الأصبهاني أحداً وخمسين يوماً؛ ووصل سيف الدولة إلى بغداد.
ذكر حال الأتراك بعد إصعاد سيف الدولة
لما هرب سيف الدولة من واسط عاد الأتراك إلى معسكرهم، فوقع الخلاف بين توزون وخجخج، وتنازعا الإمارة، ثم استقر الحال على أن يكون توزون أميراً وخجخج صاحب الجيش، وتصاهرا.
وطمع البريدي في واسط، فأصعد إليها، فأمر توزون خجخج بالمسير إلى نهر أبان، وأرسل البريدي إلى توزون يطلب أن يضمنه واسط، فرد رداً جميلاً، ولم يفعل. ولما عاد الرسول أتبع توزون بجاسوس يأتيه بخبره مع خجخج، فعاد الجاسوس فأخبر توزون بأن الرسول اجتمع هو وخجخج وطال الحديث بينهما، وأن خجخج يريد أن ينتقل إلى البريدي، فسار توزون إليه جريدة في مائتي غلام يثق بهم، وكبسه في فراشه ليلة الثاني عشر من رمضان، فلما أحس به ركب دابته بقميص، وفي يده لت، ودفع عن نفسه قليلاً، ثم أخذ وحمل إلى توزون فحمله إلى واسط، فسلمه وأعماه ثاني يوم وصوله إليها.
ذكر عود سيف الدولة إلى بغداد
وهربه عنها
لما هرب سيف الدولة، على ما ذكرنا، لحق بأخيه، فبلغه خلاف توزون وخجخج، فطمع في بغداد، فعاد ونزل بباب حرب، وأرسل إلى المتقي لله يطلب منه مالاً ليقاتل توزون إن قصد بغداد، فأنفذ إليه أربع مائة ألف درهم، ففرقها في أصحابه، وظهر من كان مستخفياً ببغداد وخرجوا إليه، وكان وصوله ثالث عشر رمضان.
ولما بلغ توزون وصول سيف الدولة إلى بغداد خلف بواسط كيغلغ في ثلاثمائة رجل وأصعد إلى بغداد، فلما سمع سيف الدولة بإصعاده رحل من باب حرب فيمن انضم إليه من أجناد بغداد، وفيهم الحسن بن هارون.
ذكر إمارة توزون
قد ذكرنا مسير سيف الدولة من بغداد، فلما فارقها دخلها توزون، وكان دخلوها بغداد في الخامس والعشرين من رمضان، فخلع عليه المتقي لله، وجعله أمير الأمراء، وصار أبو جعفر الكرخي ينظر في الأمور كما كان الكوفي ينظر فيها.
ولما سار توزون عن واسط أصعد إليها البريدي، فهرب من بها من أصحاب توزون إلى بغداد، ولم يمكن توزون المبادرة إلى واسط إلى أن تستقر الأمور ببغداد، فأقام إلى أن مضى بعض ذي القعدة.
وكان توزون قد أسر غلاماً عزيزاً على سيف الدولة قريباً منه، يقال له ثمال، فأطلقه وأكرمه وأنفذه إليه، فحسن موقع ذلك من بني حمدان، ثم إن توزون انحدر إلى واسط لقصد البريدي، فأتاه أبو جعفر بن شيرزاد هارباً من البريدي، فقبله، وفرح به، وقلد أموره كلها.
ذكر مسير صاحب عمان إلى البصرة
في هذه السنة، في ذي الحجة، سار يوسف بن وجيه صاحب عمان في مراكب كثيرة يريد البصرة، وحارب البريدي، فملك الأبلة، وقوي قوة عظيمة، وقار أن يملك البصرة، فأشرف البريدي وإخوته على الهلاك. (3/489)
وكان له ملاح يعرف بالرنادي، فضمن للبريدي هزيمة يوسف، فوعد الإحسان العظيم، وأخذ الملاح زورقين فملأهما سعفاً يابساً، ولم يعلم به أحد، وأحدرهما في الليل حتى قارب الأبلة.
وكانت مراكب ابن وجيه تشد بعضها إلى بعض في الليل، فتصير كالجسر، فلما انتصف الليل أشعل ذلك الملاح النار في السعف الذي في الزورقين، وأرسلهما مع الجزر والنار فيهما، فأقبلا أسرع من الريح، فوقعا في تلك السفن والمراكب، فاشتعلت واحترقت قلوبها، واحترق من فيها، ونهب الناس منها مالاً عظيماً، ومضى يوسف بن وجيه هارباً في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وأحسن البريدي إلى ذلك الملاح، وفي هذه الفتنة هرب ابن شيرزاد من البريدي وأصعد إلى توزون.
ذكر الوحشة بين المتقي لله وتوزون
كان محمد بن ينال الترجمان من أكبر قواد توزون، وهو خليفته ببغداد، فلما انحدر توزون إلى واسط سعى بمحمد إليه، وقبح ذكره عنده، فبلغ ذلك محمداً فنفر منه.
وكان الوزير أبو الحسين بن مقلة قد ضمن القرى المختصة بتوزون ببغداد، فخسر فيها جملة، فخاف أن يطالب بها، وانضاف إلى ذلك اتصال ابن شيرزاد بتوزون، فخافه الوزير وغيره، وظنوا أن مصيره إلى توزون باتفاق من البريدي، فاتفق الترجمان وابن مقلة، وكتبوا إلى ابن حمدان لينفذ عسكراً يسيراً صحبة المتقي لله إليه، وقالوا للمتقي: قد رأيت ما فعل معك البريدي! بالأمس أخذ منك خمسمائة ألف دينار، وأخرجت على الأجناد مثلها، وقد ضمنك البريدي من توزون بخمسمائة ألف دينار أخرى، زعم أنها في يدك من تركة بجكم، وابن شيرزاد واصل ليتسلمك ويخلعك ويسلمك إلى البريدي؛ فانزعج لذلك، وعزم على الإصعاد إلى ابن حمدان، وورد ابن شيرزاد في ثلاثمائة رجل جريدة.
ذكر موت السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل
في هذه السنة توفي السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل، صاحب خراسان وما وراء النهر، في رجب، وكان مرضه السل، فبقي مريضاً ثلاثة عشر شهراً، ولم يكن بقي من مشايخ دولتهم أحد، فإنهم كانوا قد سعى بعضهم ببعض، فهلك بعضهم، ومات بعضهم، وكانت ولايته ثلاثين سنة وثلاثين يوماً، وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة.
وكان حليماً، كريماً، عاقلاً، فمن حلمه أن بعض الخدم سرق جوهراً نفيساً وباعه من بعض التجار بثلاثة عشر ألف درهم، فحضر التاجر عند السعيد وأعلمه أنه قد اشترى جوهراً نفيساً لا يصلح إلا للسلطان، وأحضر الجوهر عنده، فحين رآه عرفه أنه كان له وقد سرق، فسأله عن ثمنه، ومن أين اشتراه، فذكر له الخادم والثمن، فأمر فأحضر ثمنه في الحال، وأربحه ألفي درهم زيادة.
ثم إن التاجر سأله في دم الخادم، فقال: لا بد من تأديبه، وأما دمه فهو لك؛ فأحضره وأدبه، ثم أنفذه إلى التاجر وقال: كنا وهبنا لك دمه، فقد أنفذناه إليك؛ فلو أن صاحب الجوهر بعض الرعايا لقال: هذا مالي قد عاد إلي وخذ أنت مالك ممن سلمته إليه.
وحكي أنه استعرض جنده، وفيهم إنسان اسمه نصر بن أحمد، فلما بلغه العرض سأله عن اسمه فسكت، فأعاد السؤال فلم يجبه، فقال بعض من حضر: اسمه نصر بن أحمد، وإنما سكت إجلالاً للأمير؛ فقال السعيد: إذاً يوجب حقه، ونزير في رزقه؛ ثم قربه وزاد في أرزاقه.
وحكي عنه أنه لما خرج عليه أخوه أبو زكرياء نهب خزائنه وأمواله، فلما عاد السعيد إلى ملكه قيل له عن جماعة انتهبوا ماله، فلم يعرض إليهم، وأخبروه أن بعض السوقة اشترى منها سكيناً نفيساً بمائتي درهم، فأرسل إليه وأعطاه مائتي درهم وطلب السكين، فأبى أن يبيعه إلا بألف درهم، فقال: ألا تعجبون من هذا ؟ أرى عنده مالي، فلم أعاقبه، وأعطيته حقه، فاشتط في الطلب؛ ثم أمر برضائه.
وحكي أنه طال مرضه فبقي به ثلاثة عشر شهراً، فأقبل على الصلاة والعبادة، وبنى له في قصره بيتاً وسماه بيت العبادة، فكان يلبس ثياباً نظافاً، ويمشي إليه حافياً، ويصلي فيه، ويدعو ويتضرع، ويجتنب المنكرات والآثام إلى أن مات ودفن عند والده.
ذكر ولاية ابنه الأمير نوح بن نصر
لما مات نصر بن أحمد تولى بعده خراسان وما وراء النهر ابنه نوح، واستقر في شعبان من هذه السنة، وبايعه الناس، وحلفوا له، ولقب بالأمير الحميد، وفوض أمره وتدبير مملكته إلى أبي الفضل محمد بن أحمد الحاكم، وصدر عنه رأيه. (3/490)
ولما ولي نوح هرب منه أبو الفضل بن أحمد بن حمويه، وهو من أكابر أصحاب أبيه، وكان سبب ذلك أن السعيد نصراً كان قد ولى ابنه إسماعيل بخارى، وكان أبو الفضل يتولى أمره وخلافته، فأساء السيرة مع نوح وأصحابه، فحقد ذلك عليه، ثم توفي إسماعيل في حياة أبيه.
وكان نصر يميل إلى أبي الفضل ويؤثره، فقال له: إذا حدث علي حادث الموت فانج بنفسك، فإني لا آمن نوحاً عليك؛ فلما مات الأمير نصر سار أبو الفضل من بخارى وعبر جيحون، وورد آمل، وكاتب أبا علي بن محتاج، وهو بنيسابور، يعرفه الحال، وكان بينهما مصاهرة، فكتب إليه أبو علي ينهاه عن الإلمام بناحيته لمصلحة.
ثم إن الأمير نوحاً أرسل إلى أبي الفضل كتاب أمان بخطه، فعاد إليه فأحسن الفعل معه، وولاه سمرقند، وكان أبو الفضل معرضاً عن محمد بن أحمد الحاكم، ولا يلتفت إليه، ويسميه الخياط، فأضمر الحاكم بغضه والإعراض عنه.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في المحرم، وصل معز الدولة بن بويه إلى الصرة، فحارب البريديين، وأقام عليهم مدة، ثم استأمن جماعة من قواده إلى البريديين، فاستوحش من الباقين، فانصرف عنهم.
وفيها تزوج الأمير أبو منصور بن المتقي بابنة ناصر الدولة بن حمدان، وكان الصداق ألف ألف درهم، والحمل مائة ألف دينار.
وفيها قبض ناصر الدولة على الوزير أبي إسحاق القراريطي، ورتب مكانه أبا العباس أحمد بن عبدالله الأصبهاني في رجب، وكان أبو عبدالله الكوفي هو الذي يدبر الأمور، وكانت وزارة القراريطي ثمانية أشهر وستة عشر يوماً، وكان ناصر الدولة ينظر في قصص الناس وتقام الحدود بين يديه، ويفعل ما يفعل صاحب الشرطة.
وفيها كانت الزلزلة المشهورة بناحية نسا من خراسان، فخربت قرى كثيرة، ومات تحت الهدم عالم عظيم، وكانت عظيمة جداً.
وفيها استقدم الأمير نوح محمد بن أحمد النسفي البردهي، وكان قد طعن فيه عنده، فقتله وصلبه، فسرق من الجذع، ولم يعلم من سرقه.
وفيها استوزر المتقي لله أبا الحسين بن مقلة، ثامن شهر رمضان، بعد إصعاد ناصر الدولة من بغداد إلى الموصل، وقبل إصعاد أخيه سيف الدولة من واسط إلى بغداد.
وفيها أرسل ملك الروم إلى المتقي لله يطلب منديلاً زعم أن المسيح مسح به وجهه، فصارت صورة وجهه فيه، وأنه في بيعة الرها. وذكر أنه إن أرسل المنديل أطلق عدداً كثيراً من أسارى المسلمين، فأحضر المتقي لله القضاة والفقهاء، واستفتاهم، فاختلفوا، فبعض رأى تسليمه إلى الملك وإطلاق الأسرى، وبعض قال إن هذا المنديل لم يزل من قديم الدهر في بلاد الإسلام لم يطلبه ملك من ملوك الروم، وفي دفعه إليهم غضاضة.
وكان في الجماعة علي بن عيسى الوزير، فقال: إن خلاص المسلمين من الأسر ومن الضر والضنك الذي هم فيه أولى من حفظ هذا المنديل؛ فأمر الخليفة بتسليمه إليهم، وإطلاق الأسرى، ففعل ذلك، وأرسل إلى الملك من يتسلم الأسرى من بلاد الروم فأطلقوا.
وفيها توفي أبو بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني الصوفي أستاذ أبي بكر الدقاق، وهو مشهور بين المشايخ.
وفيها توفي محمد بن يزداد الشهرزوري، وكان يلي إمرة دمشق لمحمد بن رائق، ثم اتصل بالإخشيد فجعله على شرطته بمصر.
وفيها توفي سنان بن ثابت بن قرة، مستهل ذي القعدة، بعلة الذرب، وكان حاذقاً في الطب، فلم يغن عنه عند دنو الأجل شيئاً.
وفيها أيضاً مات أبو عبدالله محمد بن عبدوس الجهشياري.ولما ولي نوح هرب منه أبو الفضل بن أحمد بن حمويه، وهو من أكابر أصحاب أبيه، وكان سبب ذلك أن السعيد نصراً كان قد ولى ابنه إسماعيل بخارى، وكان أبو الفضل يتولى أمره وخلافته، فأساء السيرة مع نوح وأصحابه، فحقد ذلك عليه، ثم توفي إسماعيل في حياة أبيه.
وكان نصر يميل إلى أبي الفضل ويؤثره، فقال له: إذا حدث علي حادث الموت فانج بنفسك، فإني لا آمن نوحاً عليك؛ فلما مات الأمير نصر سار أبو الفضل من بخارى وعبر جيحون، وورد آمل، وكاتب أبا علي بن محتاج، وهو بنيسابور، يعرفه الحال، وكان بينهما مصاهرة، فكتب إليه أبو علي ينهاه عن الإلمام بناحيته لمصلحة.
ثم إن الأمير نوحاً أرسل إلى أبي الفضل كتاب أمان بخطه، فعاد إليه فأحسن الفعل معه، وولاه سمرقند، وكان أبو الفضل معرضاً عن محمد بن أحمد الحاكم، ولا يلتفت إليه، ويسميه الخياط، فأضمر الحاكم بغضه والإعراض عنه.

This site was last updated 07/15/11