Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

باقى سنة ثمان وسبعين ومائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة278 وسنة288 وسنة279
سنة280 وسنة281
سنة282 وسنة283
سنة284 وسنة285 وسنة286
سنة287
سنة289

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين

ذكر البيعة للمعتضد بولاية العهد
لما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد بعد المفوض ابن المعتمد، ولقب المعتضد بالله، وخطب له يوم الجمعة بعد المفوض، وذلك لسبع ليال بقين من صفر، واجتمع عليه أصحاب أبيه، وتولى ما كان أبوه يتولاه.
وفيها قبض المعتمد على أبي الصقر وأصحابه، وانتهب منازلهم، وطلب بني الفرات فاختفوأن وخلع على عبيد اله بن سليمان بن وهب، وولاه الوزارة، وسير محمد بن أبي الساج إلى واسط ليرد غلامه وصيفاً إلى بغداد، فمضى وصيف إلى السوس فعاث بها ونهب الطيب، وأبى الرجوع إلى بغداد.
وفيها قتل علي بن الليث أخوالصفار، قتله رافع بن هرثمة، وكان قد يحنق به، وترك أخاه.
وفيها غار ماء النيل، فغلت الأسعار بمصر.
ذكر ابتداء أمر القرامطة (3/340)
وفيها تحرك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة، وكان ابتداء أمرهم، فيما ذكر، أن رجلاً منهم قدم من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة، فكان بموضع يقال له النهرين، يظهر الزهد والتقشف، ويسف الخوص، ويأكل من كسب يده، ويكثر الصلاة، فأقام على ذلك مدة فكان إذا قعد إليه رجل ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيأن وأعلمه أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة، حتى فشا ذلك عنه بموضعه، ثم أعلمهم أنه يدعوإلى إمام من آل بيت الرسول، فلم يزل على ذلك حتى استجاب له جمع كثير.
وأن يقعد إلى بقال هناك: فجاء قوم إلى البقال يطلبون منه رجلاً يحفظ عليهم ما صرموا من نخلهم، فدلهم عليه وقال لهم: إن أجابكم إلى حفظ تمركم فإنه بحيث تحبون؛ فكلموه في ذلك؛ فأجابهم على أجرة معلومة، فكان يحفظ لهم، ويصلي اكثر نهاره، ويصوم، ويأخذ عند إفطاره من البقال رطل تمر فيفطر عليه، ويجمع نوى ذلك التمر ويعطيه البقال، فلما حمل التجار تمرهم حاسبوا أجيرهم عند البقال، ودفعوا إليه أجرته، وحاسب الأجير البقال على ما أخذ منه من التمر، وحط ثمن النوى، فسمع أصحاب التمر محاسبته لبقال بثمن النوى فضربوه وقالوا له: ألم ترض بأكل تمرنأن حتى بعت النوى؟ فقال لهم البقال: لا تفعلوا! وقص عليهم القصة، فندموا على ضربه، واستحلوا منه ففعل، وازداد بذلك عند أهل القرية لما وقفوا عليه من زهده.
ثم مرض، فمكث على الطريق مطروحأن وكان في القرية رجل أحمر العينين، يحمل على أثوار له، يسمونه كرميته لحمرة عينيه، وهوبالنبطية أحمر العين، فكلم البقال الكرميتة في حمل المريض إلى منزله والعناية به، ففعل، وأقام عنده حتى برأن ودعا أهل تلك الناحية إلى مذهبه، فأجابوه، وكان يأخذ من الرجل إذا أجابه دينارأن ويزعم أنه للإمام، واتخذ منهم اثني عشر نقيباً أمرهم أن يدعوا الناس إلى مذهبهم، وقال: أنتم كحواريي عيسى بن مريم. فاشتغل أهل كور تلك الناحية عن أعمالهم بما رسم لهم من الصلوات. وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع، فرأى تقصير الأكرة في عمارتهأن فسأل عن ذلك، فأخبر بخبر الرجل، فأخذه وحبسه، وحلف أن يقتله لما اطلع على مذهبه، وأغلق باب البيت عليه، وجعل مفتاح البيت تحت وسادته، واشتغل بالشرب، فسمع بعض من في الدار من الجواري بحبسه، فرقت للرجل، فلما نسام الهيصم أخذت المفتاح وقتحت الباب وأخرجته، ثم أعادت المفتاح إلى مكانه، فلما أصبح الهيصم فتح الباب ليقتله فلم يجده.
وشاع ذلك في الناس، فافتتن أهل تلك الناحية، وقالوا: رفع، ثم ظهر في ناحية أخرى، ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم، وسألوه عن قصته فقال: لا يمكن أحداً أن ينالني بسوء! فعظم في أعينهم، ثم خاف على نفسه، فخرج إلى ناحية الشام، فلم يوقف له على خبر، وسمي باسم الرجل الذي كان في داره كرميتة صاحب الأنوار؛ ثم خفف فقيل قرمط، هكذا ذكره بعض أصحاب زكرويه عنه.
وقيل إن قرمط لقب رجل كان بسواد الكوفة يحمل غلة السواد على أثوار له، واسمه حمدان؛ ثم فشا مذهب القرامطة بسواد الكوفة، ووقف الطائي أحمد بن محمد على أمرهم، فجعل على الرجل منهم في السنة دينارأن فقدم قوم من الكوفة، فرفعوا أمر القرامطة والطائي إلى السلطان، وأخبروه أنهم قد أحدثوا ديناً غير دين الإسلام، وأنهم يرون السيف على أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، إلا من بايعهم، فلم يلتفت إليهم ولم يسمع قولهم.

عقيدة القرامطــة
وكان فيما حكي عن القرامطة من مذهبهم أنهم جاؤوا بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم! يقول الفرج بن عثمان، وهومن قرية يقال لها نصرانة، داعية المسيح، وهوعيسى، وهوالكلمة، وهوالمهدي، وهوأحمد بن محمد بن الحنيفة، وهوجبريل؛ وذكر أن المسيح تصور له في جسم إنسان، وقال له: إنك الداعية، وإنك الحجة، وإنك الناقة، وإنك الدابة، وإنك يحيى بن زكرياء، وإنك روح القدس. (3/341)
وعرفه أن الصلاة أربع ركعات: ركعتان قبل طلوع الشمس، وركعتان بعد غروبها وأن الأذان في كل صلاة أن يقول المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن آدم رسول الله، أشهد أن نوحاً رسول الله، أشهد أن إبراهيم رسول الله، أشهد أن موسى رسول الله، أشهد أن عيسى رسول الله؛ أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن أحمد ابن محمد بن الحنيفة رسول اله، وأن يقرا في كل ركعة الاستفتاح، وهي من المنزل على أحمد بن محمد بن الحنيفة، والقبلة إلى بيت المقدس، والحج إلى بيت المقدس، وأن الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شيء، والسورة: الحمد لله بكلمته، وتعالى باسمه، المتخذ لأوليائه بأوليائه.
(يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) البقرة: 189، ظاهرها ليعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام، وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب، وأنا الذي لا أسأل عما أفعل، وأنا العليم الحكيم، وأنا الذي أبلوعبادي، وامتحن خلقي، فمن صبر على بلائي، ومحنتي، واختباري ألقيته في جنتي، وأخلدته في نعمتي، ومن زال عن أمري، وكذب رسلي أخذته مهاناً في عذابي، وأتممت أجلي، وأظهرت أمري على ألسنة رسلي.
وأنا الذي لم يعلوعلي جبار إلا وضعته، ولا عزيز إلا أذللته، وليس الذي أصر على أمري ودام على جهالته، وقالوا: لن نبرح عليه عاكفين، وبه موقنين، أولئك هم الكافرون.
ثم يركع، ويقول في ركوعه: سبحان ربي رب العزة وتعالى عما يصف الظالمون، يقولها مرتين فإذا سجد قال: الله أعلى، الله أعلى، الله أعظم، الله أعظم.
ومن شريعته أن يصوم يومين في السنة، وهما المهرجان والنيروز، وأن النبيذ حرام، والخمر حلال، ولا غسل من جنابة إلا الوضوء كوضوء الصلاة، وأن من حاربه وجب قتله، ومن لم يحاربه ممن يخالفه أخذ منه الجزية، ولا يؤكل كل ذي ناب، ولا كل ذي مخلب.
وكان مسير قرمط إلى سواد الكوفة قبل قتل صاحب الزنج، فسار قومط إليه وقال له: إني على مذهب رأي، ومعي مائة ألف ضارب سيف، فتناظرني، فإن اتفقنا على المذهب ملت إليك بمن معي، وإن تكن الأخرى انصرفت عنك. فتناظرا، فاختلفت رؤاهما، فانصرف قرمط عنه.
ذكر غزو الروم ووفاة بازمار
فيهأن في جمادى الآخرة، دخل أحمد العجيفي طرسوس، وغزا مع بازمار الصائفة، فبلغوا شكند، فأصابت بازمار شظية من حجر منجنيق في أضلاعه، فارتحل عنها بعد أن أشرف على أخذهأن فتوفي في الطريق منتصف رجب، وحمل إلى طرسوس فدفن بها.
وكان قد أطاع خمارويه بن أحمد بن طولون، فلما توفي خلفه ابن عجيف، وكتب إلى خمارويه يخبره بوته، فأقره على ولاية طرسوس، وأمده بالخيل والسلاح والذخائر وغيرهأن ثم عزله، واستعمل عليها ابن عمه محمد بن موسى بن طولون.
ذكر الفتنة بطرسوس
وفيها ثار الناس، بطرسوس، بالأمير محمد بن موسى، فقبضوا عليه.
وسبب ذلك أن الموفق لما توفي كان له خادماً من خواصه يقال له: راغب، فاختار بالجهاد، فسار إلى طرسوس على عزم المقام بهأن فلما وصل إلى الشام سير ما معه من دواب وآلات وخيام وغير ذلك إلى طرسوس، وسار هوجريدة إلى خمارويه ليزوره، ويعرفه عزمه، فلما لقيه بدمشق أكرمه خمارويه، وأحبه، وأنس به، واستحيا راغب أن يطلب منه المسير إلى طرسوس، فطال مقامه عنده، فظن أصحابه أن خمارويه قبض عليه، فأذاعوا ذلك، فاستعظمه الناس، وقالوا: يعمد إلى رجل قصد الجهاد في سبيل الله فيقبض عليه! ثم شغبوا على أميرهم محمد ابن عم خمارويه، وقبضوا عليه، وقالوا: لا يزال في الحبس إلى أن يطلق ابن عمك راغباً؛ ونهبوا داره، وهتكوا حرمه.
وبلغ الخبر إلى خمارويه، فأطلع راغباً عليه، وأذن له على في المسير إلى طرسوس، فلما بلغ إليها أطلق أهلها أميرهم، فلما أطلقوه قال لهم: قبح الله جواركم! وسار عنها إلى البيت المقدس، فأقام به، ولما سار عن طرسوس عاد العجيفي إلى ولايتها.
ذكر عدة حوادث
وفيها ظهر كوكب ذو جمة، وصارت الجمة ذؤابة.
وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي.
وتوفي فيها عبد الكريم الدير عاقولي.
وفيها توفي إسحاق بن كنداج، وولي ما كان إليه من أعمال الموصل وديار ربيعة ابنه محمد.
وتوفي إدريس بن سليم الفقعسي الموصلي، وكان كثير الحديث والصلاح.


حوادث سنة تسع وسبعين ومائتين (3/342)
ذكر خلع جعفر بن المعتمد
وولاية المعتضد
في هذه السنة، في المحرم، خرج المعتمد على الله، وجلس للقواد والقضاة ووجوه الناس، وأعلمهم أنه خلع ابنه المفوض إلى الله جعفراً من ولاية العهد، وجعل ولاية العهد للمعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق، وشهدوا على المفوض أنه قد تبرأ من العهد، وأسقط اسمه من السكة، والخطبة، والطراز، وغير ذلك، وخطب للمعتضد، وكان يوماً مشهوداً. فقال يحيى بن علي يهنئ المعتضد:
ليهنك عقد أنت فيه المقدم ... حباك به رب بفضلك أعلم
فإن كنت قد أصبحت والي عهدنا ... فأنت غداً فينا الإمام المعظم
ولا زال من ولاك فينا مبلغاً ... مناه، ومن عاداك يشجى ويرغم
وكان عمود الدين فيه تأود ... فعاد بهذا العهد وهومقوم
وأصبح وجه الملك جذلان ضاحكاً ... يضيء لنا منه الذي كان يظلم
فدونك فاشدد عقد ما قد حويته ... فإنك دون الناس فيه المحكم
وفيها نودي بمدينة السلام أن لا يقعد على الطريق ولا في المسجد الجامع قاض، ولا منجم، ولا زاجر، وحلف الوراقون أن لا يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة.
وفيها قبض على جراد كاتب أبي الصقر إسماعيل بن بلبل.
وفيها انصرف أبوطلحة منصور بن مسلم من شهرزور، وكانتله، فقبض عليه.
ذكر الحرب بين الخوارح وأهل الموصل والأعراب
في هذه السنة اجتمعت الخوارج، ومقدمهم هارون، ومعهم متطوعة أهل الموصل وغيرهم، وحمدان بن حمدون التغلبي، على قتال بني شيبان.
وسبب ذلك أن جمعاً كثيراً من بني شيبان عبروا الزاب، وقصدوا نينوى من أعمال الموصل، للإغارة عليها وعلى البلد، فاجتمع هارون الشاري، وحمدان بن حمدون، وكثير من المتطوعة المواصلة، وأعيان أهلهأن على قتالهم ودفعهم.
وكان بنوشيبان نزلوا على باعشيقا، ومعهم هارون بن سليمان، مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني، صاحب ديار بكر، وكان قد أنفذه محمد ابن إسحاق بن كنداج والياً على الموصل، فلم يمكنه أهلها من المقام عندهم، فطردوه، فقصد بني شيبان معاوناً على الخوارج وأهل الموصل، فالتقوأن وتصافوأن واقتتلوأن فانهزمت بنوشيبان، وتبعهم حمدان والخوارج، وملكوا بيوتهم، واشتغلوا بالنهب.
وكان الزاب لما عبره بنوشيبان زائدأن فلما انهزموا علموا أن لا ملجأ ولا منجى غير الصبر، فعادوا إلى القتال، والناس مشغولون بالنهب، فأوقعوا بهم، وقتل كثير من أهل الموصل ومن معهم وعاد الظفر للأعراب.
وكتب هارون بن سيما إلى محمد بن إسحاق بن كنداج يعرفه أن البلد خارج عن يده إن لم يحضر هوبنفسه، فسار في جيش كثيف يريد الموصل، فخافه أهلهأن فانحدر بعضهم إلى بغداد يطلبون إرسال وال إليهم، وإزالة ابن كنداج عنهم، فاجتازوا في طريقهم بالحديثة، وبها محمد بن يحيى المجروح يحفظ الطريق، قد ولاه المعتضد ذلك، وقد وصل إليه عهد بولايته الموصل، فحثوه على تعجيل الير وأن يسبق محمد بن كنداج إليهأن وخوفوه من ابن كنداج إن دخل الموصل قبله، فسار، فسبق محمد إليهأن ووصل محمد بن كنداج إلى بلد، فبلغه دخول المجروح الموصل، فندم على التباطؤ وكتب إلى خمارويه بن طولون يخبره الخبر، فأرسل أبا عبد الله بن الخصاص بهدايا كثيرة إلى المعتضد، ويطلب أموراً، منها إمرة الموصل كما كانت له قبل، فلم يجب إلى ذلك، وأخبره كراهة أهل الموصل من عماله، فأعرض عن ذكرها.
وبقي المجروح بالموصل يسيرأن وعزله المعتضد، واستعمل بعده علي ابن داود بن زهراد الكردي، فقال شاعر يقال له العجيني:
ما رأى الناس لهذا ال ... دهر مذ كانوا شبيهاً
ذلت الموصل حتى ... أمر الأكراد فيها
ذكر وفاة المعتمد
وفيها توفي المعتمد على الله ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب ببغداد، وكان قد شرب على الشط في الحسني ببغداد، يوم الأحد، شراباً كثيرأن وتعشى فأكثر، فمات ليلاً؛ وأحضر المعتمد القضاة وأعيان الناس، فنظروا إليه، وحمل إلى سامرا فدفن بهأن وكان عمره خمسين سنة وستة أشهر، وكان آسن من الموفق بستة اشهر، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وستة أشهر. (3/343)
وكان في خلافته محكوماً عليه، قد تحكم عليه اخوة أبوأحمد الموفق، وضيق عليه، حتى إنه احتاج، في بعض الأوقات، إلى ثلاثمائة دينار، فلم يجدها ذلك الوقت، فقال:
أليس من العجائب أن نثلي ... يرى ما قل ممتنعاُ عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ... وما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طراً ... ويمنع بعض ما يجبى إليه
وكان أول الخلفاء انتقل من سر من رأى، مذ بنيت، ثم لم يعد إليها أحد منهم.


ذكر خلافة أبي العباس المعتضد
وفي صبيحة الليلة التي مات فيها المعتمد بويع لأبي العباس المعتضد بالله أحمد بن الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل بالخلافة، فولى غلامه بدراً الشرطة، وعبيد الله بن سليمان الوزارة، ومحمد بن الشاه بن مالك الحرس، ووصله في شوال رسول عمروبن اليث ومعه هدايا كثيرة، وسأله أن يوليه خراسان، فعقد له عليهأن وسير إليه الخلع واللواء والعهد، فنصب الواء في داره ثلاثة أيام.
ذكر وفاة نصر الساماني
وفيها مات نصر بن أحمد الساماني، وقام بما كان إليه من العمل بما وراء النهر، أخوه إسماعيل بن أحمد، وكان نصر دينأن عاقلأن له شعر حسن، منه ما قاله في رافع بن هرثمة:
أخوك فيك على خبر ومعرفة ... إن الذليل ذليل حيثما كانا
لولا زمان خؤون في تصرفه ... ودولة ظلمت ما كنت إنساناً
ذكر عزل رافع بن هرثمة من خراسان وقتله
وفيها عزل المعتضد رافع بن هرثمة عن خراسان.
وسبب ذلك أن المعتضد كتب إلى رافع بتخلية قرى السلطان بالري، فلم يقبل، فأشار على رافع أصحابه برد القوى لئلا يفسد حاله بكتاب، فلم يقبل أيضأن وكتب المعتضد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف يأمره بمحاربة رافع وإخراجه عن الري، وكتب إلى عمروبن الليث بتوليته خراسان.
ثم إن أحمد بن عبد العزيز لقي رافعاً فقاتله، فانهزم رافع عن الري وسار إلى جرجان، ومات أحمد بن عبد العزيز سنة ثمانين ومائتين، فعاد رافع إلى الري، فلاقاه عمرووبكر ابنا عبد العزيز، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فانهزم عمرووبكر، وقتل من أصحابهما مقتلة عظيمة، ووصلوا إلى أصبهان، وذلك في جمادى الأولى سنة ثمانين.
وأقام رافع بالري باقي سنته، ومات علي بن الليث معه في الري، ثم إن عمروبن الليث وافى نيسابور في جمادى الأولى سنة ثمانين واستولى عليها وعلى خراسان، فبلغ الخبر إلى رافع، فجمع أصحابه واستشارهم فيما يفعل، وقال لهم: إن الأعداء قد أحدقوا بنأن ولا آمن أن يتفقوا علينا؛ هذا محمد بن زيد بالديلم ينتظر فرصة لينتهزها؛ وهذا عمروبن عبد العزيز قد فعلت به ما فعلت، فهويتربص الدوائر؛ وهذا عمروبن الليث قد وافى خراسان بجموعه؛ وقد رأيت أن أصالح محمد بن زيد وأعيد إليه طبرستان، وأصالح ابن عبد العزيز، ثم أسير إلى عمروفأخرجه عن خراسان، فوافقوه على ذلك، وأرسل إلى ابن عبد العزيز فصالحه، واستقر الأمر بينهما في شعبان سنة ثمانين.
ثم سار إلى طبرستان، فوردها في شعبان سنة إحدى وثمانين، وكان قد أقام بجرجان، فأحكم أمورهأن ولما استقر بطبرستان راسل محمد ابن زيد وصالحه، وعده محمد بن زيد أن ينجده بأربعة آلاف رجل من شجعان الديلم، وخطب لمحمد بطبرستان وجرجان في ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
وبلغ خبر مصالحة محمد بن زيد ورافع إلى عمروبن الليث، فأرسل إلى محمد يذكره ما فعل يه، ويحذره منه ومن غدره إن استقام أمره، فعاد عن إنجاده بعسكر.
فلما قوي عمروعرف لمحمد ين زيد ذلك، وخلى عليه طبرستان؛ ولما أحكم رافع أمر محمد ين زيد سار إلى خراسان، فورد نيسابور في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وجرى بينه وبين عمروحرب شديدة انهزم فيها رافع إلى أبيورد، وأخذ عمرومنه المعدل والليث ولدي أخيه علي ابن الليث، وكانا عنده بعد موت أخيه علي. (3/344)
ولما ورد رافع أبيورد أراد المسير إلى هراة أومرو، فعلم عمروبذلك، فاخذ عليه الطريق بسرخس، فلما علم رافع بمسير عمروبن نيسابور سار على مضايق وطرق غامضة غير طريق الجيش إلى نيسابور، فدخلهأن وعاد إليه عمرومن سرخس فحصره فيهأن وتلاقيأن واستأمن بعض قواد رافع إلى عمرو، فانهزم رافع وأصحابه، وسير أخاه محمد بن هرثمة إلى محمد بن زيد يستمده، ويطلب ما وعده من الرجال، فلم يفعل، ولم يمده برجل واحد، وتفرق عن رافع أصحابه وغلمانه، وكان له أربعة آلاف غلام، ولم يملك أحد من ولاة خراسان قبله مثله، وفارقه محمد بن هارون إلى إسماعيل ابن أحمد الساماني ببخارى، وخرج رافع منهزماً إلى خوارزم على الجمازات، وحمل ما بقي معه من مال وآلة، وهوفي شرذمة قليلة، وذلك في رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
فلما بلغ رباط جبوه وجه إليه خوارزمشاه أبا سعيد الدرغاني له الأنزال، ويخدمه إلى خوارزم، فرآه أبوسعيد في قلة من رجاله، وغدر به وقتله لسبع خلون من شوال سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وحمل رأسه إلى عمروبن الليث، وهوبنيساور، وأنفذ عمروالرأس إلى المعتضد بالله، فوصل إليه سنة أربع وثمانين، فنصب ببغداد، وصفت خراسان، إلى شاطئ جيجون، لعمرو.
ذكر عدة حوادث
وفيها قدم الحسين بن عبد الله، المعروف بابن الجصاص، من مصر بهدايا عظيمة من خمارويه، فتزوج المعتضد ابنة خمارويه.
وفيها ملك أحمد بن عيسى بن الشيخ قلعة ماردين، وكانت بيد محمد بن إسحاق بن كنداجيق.
وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد، وهي آخر حجة حجهأن وأول حجة حجها بالناس، سنة أربع وستين ومائتين إلى هذه السنة.
وفيها توفي أبوعيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي السلمي بترمذ في رجب، وكان إماماً حافظاً له تصانيف حسنة، منها: الجامع الكبير في الحديث، وهوأحسن الكتب، وكان ضريراً؛ وتوفي إبراهيم بن محمد المدبر في شوال وكان يلي ديوان الضياع

 

This site was last updated 07/15/11