Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة خمس وستين بيعة عبد الملك وعبد العزيز

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بيعة مروان بن عبد الحكم
وقعة مرج راهط
التوابين
فراق الخوارج لأبن الزبير
قدوم المختار الكوفة
مسير التوابين وقتلهم
بيعة عبد الملك وعبد العزيز

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

سنة خمس وستين

ذكر بيعة عبد الملك وعبد العزيز
ابني مروان بولاية العهد

في هذه السنة أمر مروان بن الحكم بالبيعة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز.
وكان السبب في ذلك أن عمرو بن سعيد بن العاص لما هزم مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطين رجع إلى مروان وهو بدمشق قد غلب على الشام ومصر، فبلغ مروان أن عمراً يقول: إن الأمر لي بعد مروان، فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايع لابنيه عبد الملك وعبد العزيز وأخبره بما بلغه عن عمرو، فقال: أنا أكفيك عمراً، فلما اجتمع الناس عند مروان عشياً قام حسان فقال: إنه قد بلغنا أن رجالاً يتمنون أماني، قوموا فبايعوالعبد الملك وعبد العزيز من بعده، فبايعوا عن آخرهم.
ذكر بعث ابن زياد وحبيش
في هذه السنة سير مروان بن الحكم بعثين: أحدهما مع عبيد الله بن زياد إلى الجزيرة ومحاربة زفر بن الحارث بقرقيسيا واستعمله على كل ما يفتحه، فإذا فرغ من الجزيرة توجه لقصد العراق وأخذه من ابن الزبير، فلما كان بالجزيرة بلغه موت مروان وأتاه كتاب عبد الملك بن مروان يستعمله على ما استعمله عليه أبوه ويحثه على المسير إلى العراق.
والبعث الآخر إلى المدينة مع حبيش بن دلجة القيني، فسار بهم حتى انتهى إلى المدينة وعليها جابر بن الأسود بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف من قبل ابن الزبير، فهرب منه جابر.
ثم إن الحارث بن أبي ربيعة، وهو أخو عمرو بن أبي ربيعة، وجه جيشاً من البصرة، وكان والياً عليها، لابن الزبير وجعل عليهم الحنيف بن السجف التيمي لحرب حبيش، فلما سمع بهم حبيش سار إليهم من المدينة، وأرسل عبد الله بن الزبير العباس بن سهل بن سعد الساعدي إلى المدينة أميراً وأمره أن يسير في طلب حبيش حتى يوافي الجند من أهل البصرة الذين عليهم الحنيف، فأقبل عباس في آثارهم حتى لحقهم بالربذة، فقاتلهم حبيش، فرماه يزيد بن سنان بسهم فقتله، وكان معه يومئذٍ يوسف بن الحكم وابنه الحجاج، وهما على جمل واحد، وانهزم أصحابه، فتحرز منهم خمسمائة بالمدينة، فقال العباس بن سهل: انزلوا على حكمي، فنزلوا، فقتلهم، ورجع فل حبيش إلى الشام، ولما دخل يزيد بن سنان المدينة كان عليه ثياب بيض فاسودت مما مسحه الناس ومما صبوا عليه من الطيب.

ذكر موت مروان بن الحكم
وولاية ابنه عبد الملك

في شهر رمضان من هذه السنة مات مروان بن الحكم.
وكان سبب موته أن معاوية بن يزيد لما حضرته الوفاة لم يستخلف أحداً، وكان حسان بن بحدل يريد أن يجعل الأمر من بعده في أخيه خالد بن يزيد، وكان صغيراً، وحسان خال أبيه يزيد، فبايع حسان مروان بن الحكم وهو يريد أن يجعل الأمر بعده لخالد، فلما بايعه هو وأهل الشام قيل لمروان تزوج أم خالد، وهي بنت أبي هاشم بن عتبة، حتى يصغر شأنه فلا يطلب الخلافة، فتزوجها، فدخل خالد يوماً على مروان وعنده جماعة وهو يمشي بين صفين، فقال مروان: والله إنك لأحمق! تعال يا ابن الرطبة الاست! يقصر به ليسقطه من أعين أهل الشام.
فرجع خالد إلى أمه فأخبرها، فقالت له: لا يعلمن ذلك منك إلا أنا، أنا أكفيكه. فدخل عليها مروان فقال لها: هل قال لك خالد في شيئاً؟ قالت: لا، إنه أشد لك تعظيماً من أن يقول فيك شيئاً. فصدقها ومكث أياماً، ثم إن مروان نام عندها يوماً، فغطته بوسادة حتى قتلته، فمات بدمشق وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: إحدى وستين. وأراد عبد الملك قتل أم خالد، فقيل له: يظهر عند الخلق أن امرأة قتلت أباك، فتركها.
ولما توفي مروان قام بأمر الشام بعده ابنه عبد الملك، وكان بمصر ابنه عبد العزيز بطاعة أخيه عبد الملك.
وكان عبد الملك ولد لسبعة أشهر، فكان الناس يذمونه لذلك، قيل: إنه اجتمع عنده قوم من الأشراف، فقال لعبيد الله بن زياد بن ظبيان البكري: بلغني أنك لا تشبه أباك، فقال: بلى والله إني لأشبه به من الماء بالماء والغرب بالغراب، ولكن إن شئت أخبرتك بمن لم تنضجه الأرحام، ولم يولد بالتمام، ولم يشبه الأخوال والأعمام. قال: من ذلك؟ قال: سويد بن منجوف، فلما خرج عبيد الله وسويد قال له سويد: ما سرني بمقالتك له حمر النعم. فقال عبيد الله: وما سرني والله باحتمالك إياي وسكوتك سودها.
ذكر صفته ونسبه وأخباره
هو مروان بن الحكم بن أبي لحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية من كنانة، وكان مولده سنة اثنتين من الهجرة، وكان أبوه قد أسلم عام الفتح، ونفاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الطائف لأنه يتجسس عليه، ورآه النبي، صلى الله عليه وسلم، يوماً يمشي ويتخلج في مشيه كأنه يحكيه، فقال له: كن كذلك، فما زال كذلك حتى مات.
ولما توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كلم عثمان أبا بكر في رده، لأنه عمه، فلم يفعل، فلما توفي أبو بكر وولي عمر كلمه أيضاً في رده فلم يفعل، فلما ولي عثمان رده وقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعدني أن يرده إلى المدينة، فكان ذلك مما أنكر الناس عليه.
وتوفي في خلافة عثمان فصلى عليه، وقد رويت أخبار كثيرة في لعنه ولعن من في صلبه، رواها الحافظ، في أسانيدها كلام.
وكان مروان قصيراً أحمر أوقص، يكنى أبا الحكم، وأبا عبد الملك، وأعتق في يوم واحد مائة رقبة، وولي المدينة لمعاوية مرات، فكان إذا ولي يبالغ في سب علي، وإذا عزل وولي سعيد بن العاص كف عنه، فسئل عنه محمد بن علي الباقر وعن سعيد، فقال: كان مروان خيراً لنا في السر، وسعيد خيراً لنا في العلانية.
وقد أخرج حديث مروان في الصحيح، وكان الحسن والحسين يصليان خلفه ولا يعيدان الصلاة. وهو أول من قدم الخطبة في صلاة العيد وقبل الصلاة.
ولما مات بويع لولده عبد الملك بن مروان في اليوم الذي مات فيه، وكان يقول له ولولده بنو الزرقاء، يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم، وهي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه، وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغاء، فلهذا كانوا يذمون بها، ولعل هذا كان منها قبل أن يتزوجها أبو العاص بن أمية والد الحكم، فإنه كان من أشراف قريش، لا يكون هذا من امرأة وهي عنده، والله أعلم.
حبيش بن دلجة بضم الحاء المههملة، وفتح الباء الموحدة المفتوحة، ثم الياء المثناة من تحت، وآخره شين معجمة، ودلجة بفتح الدال واللام.
ذكر مقتل نافع بن الأزرق
في هذه السنة اشتد شوكة نافع بن الأزرق، وهو الذي ينتسب إليه الأزارقة من الخوارج.
وكان سبب قوته اشتغال أهل البصرة واختلافهم بسبب مسعود بن عمرو وقتله، وكثرت جموعه وأقبل نحو الجسر، فبعث إليه عبد الله بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة، فخرج إليه فرفعه عن أرض البصرة حتى بلغ دولاب من أرض الأهواز، فاقتتلوا هناك، وجعل مسلم بن عبيس على ميمنته الحجاج بن باب الحميري، وعلى ميسرته حارثة بن بدر الغداني، وجعل ابن الأزرق على ميمنته عبيدة بن هلال اليشكري، وعلى ميسرته الزبير بن الماحوز التميمي، واشتد قتالهم، فقتل مسلم أمير أهل البصرة، وقتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج في جمادى الآخرة، فأمر أهل البصرة عليهم الحجاج بن باب الحميري، وأمرت الخوارج عبد الله بن الماحوز التميمي، واقتتلوا، فقتل عبد الله والحجاج فأمر أهل البصر عليهم ربيعة بن الأجرم التميمي، وأمرت الخوارج عبيد الله بن الماحوز التميمي، ثم عادوا فاقتتلوا حتى أمسوا وقد كره بعضهم بعضاً وملوا القتال.
فإنهم كذلك متواقفون متاجزون إذ جاءت الخوارج سريةٌ مستريحةٌ لم تشهد القتال، فحملت على الناس من ناحية عبد القيس، فانهزم الناس وقتل أمير أهل البصرة ربيعة بعد أن قتل أيضاً دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة، وأخذ الراية حارثة بن يزيد، فقاتل ساعةً، وقد ذهب الناس عنه، فقاتل وحمى الناس ومعه جماعةٌ من أهل البصرة، ثم أقبل حتى نزل بالأهواز، وبلغ ذلك أهل البصرة فأفزعهم، وبعث عبد الله بن الزبير الحارث بن أبي ربيعة وعزل عبد الله بن الحارث، فأقبلت الخوارج نحو البصرة.
ذكر محاربة المهلب الخوارج
لما قربت الخوارج من البصرة أتى أهلها الأحنف بن قيس وسألوه أن يتولى حربهم، فأشار بالمهلب بن أبي صفرة لما يعلم فيه من الشجاعة والرأي والمعرفة بالحرب، وكان قد قدم من عند ابن الزبير وقد ولاه خراسان، فقال الأحنف: ما لهذا الأمر غير المهلب.
فخرج إليه أشراف أهل البصرة فكلموه، فأبى، فكلمه الحارث بن أبي ربيعة، فاعتذر بعهده على خراسان، فوضع الحارث وأهل البصرة كتاباً إليه عن ابن الزبير يأمره بقتال الخوارج وأتوه بالكتاب، فلما قرأه قال: والله لا أسير إليهم إلا أن تجعلوا لي ما غلبت عليه وتقطعوني من بيت المال ما أقوي به من معي.
فأجابوه إلى ذلك وكتبوا له به كتاباً، وأرسلوا إلى ابن الزبير فأمضاه، فاختار المهلب من أهل البصرة ممن يعرف نجدته وشجاعته اثني عشر ألفاً، منهم: محمد بن واسع وعبد الله بن رياح الأنصاري ومعاوية بن قرة المزني وأبو عمران الجوبي، وخرج المهلب إلى الخوارج وهم عند الجسر الأصغر، فحاربهم وهو في وجوه الناس وأشرافهم، فدفعهم عن الجسر، ولم يكن بقي إلا أن يدخلوا، فارتفعوا إلى الجسر الأكبر، فسار إليهم في الخيل والرجال. فلما رأوه قد قاربهم ارتفعوا فوق ذلك.
ولما بلغ حارثة بن بدر تأمير المهلب على قتال الأزارقة قال لمن معه من الناس:
كرنبوا ودولبوا ... حيث شئتم فاذهبوا
فأقبل بمن معه نحو البصرة فرد الحارث بن أبي ربيعة إلى المهلب، وركب حارثة في سفينة في نهر دجيل يريد البصرة، فأتاه رجل من تميم وعليه سلاحه والخوارج وراءه، فصاح التميمي بحارثة يستغيث به ليحمله معه، فقرب السفينة إلى شاطىء النهر، وهو جرف، فوثب التميمي إليها فغاصت بجميع من فيها فغرقوا.
وأما المهلب فإنه سار حتى نزل بالخوارج وهم بنهر تيرى وتنحوا عنه إلى الأهواز، وسير المهلب إلى عسكرهم الجواسيس تأتيه بأخبارهم، فلما أتاه خبرهم سار نحوهم واستخلف أخاه المعارك بن أبي صفرة على نهر تيرى، فلما وصل الأهواز قاتلت الخوارج مقدمته، وعليهم ابنه المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة، فجال أصحابه ثم عادوا.
فلما رأى الخوارج صبرهم ساروا عن سوق الأهواز إلى مناذر، فسار يريدهم، فلما قاربهم سير الخوارج جمعاً عليهم واقد مولى أبي صفرة إلى نهر تيرى وبها المعارك فقتلوه وصلبوه، وبلغ الخبر إلى المهلب فسير ابنه المغيرة إلى نهر تيرى، فأنزل عمه المعارك ودفنه وسكن الناس واستخلف بها جماعةً وعاد إلى أبيه وقد نزل سولاف.

وكان المهلب شديد الاحتياط والحذر لا ينزل إلا في خندق وهو على تعبية ويتولى الحرس بنفسه، فلما نازل الخوارج بسولاف ركبوا ووقفوا له واقتتلوا قتالاً شديداً صبر فيه الفريقان، ثم حملت الخوارج حملةً صادقةً على المهلب وأصحابه فانهزموا وقتل منهم، وثبت المهلب وأبلى ابنه المغيرة يومئذٍ بلاءً حسناً ظهر فيه أثره، ونادى المهلب أصحابه فعادوا إليه معهم جمع كثير نحو أربعة آلاف فارس، فلما كان الغد أراد القتال بمن معه فنهاه بعض أصحابه لضعفهم وكثرة الجراح فيهم، فترك القتال وسار وقطع دجيل ونزل بالعاقول لا يؤتى إلا من جهة واحدة، وفي يوم سولاف يقول ابن قيس الرقيات:
الا طرقت من آل مية طارقه ... على أنها معشوقة الدل عاشقه
تميس وأرض السوس بيني وبينها ... وسولاف رستاقٌ حمته الأزارقه
إذا نحن شتى صادفتنا عصابةٌ ... حروريةٌ أضحت من الدين مارقه
أجازت إلينا العسكرين كليهما ... فباتت لنا دون اللحاف معانقه
وقال فيه بعض الخوارج:
وكائن تركنا يوم سولاف منهم ... اسارى وقتلى في الجحيم مصيرها
وأكثر الشعراء فيه.
فلما وصل المهلب إلى العاقول نزل فيه وأقام ثلاثة أيام، ثم ارتحل وسار نحو الخوارج، وهم بسلى وسلبرى، فنزل قريباً منهم، وكان كثيراً ما يفعل أشياء يحدث بها الناس لينشطوا إلى القتال فلا يرون لها أثراً، حتى قال الشاعر:
أنت الفتى كل الفتى ... لو كنت تصدق ما تقول
وسماه بعضهم الكذاب، وبعض الناس يظن أنه كذاب في كل حال، وليس كذلك إنما كان يفعل ذلك مكايدة للعدو.
فلما نزل المهلب قريباً من الخوارج وخندق عليهم وضع المسالح وأذكى العيون والحرس والناس على راياتهم ومواقفهم وأبواب الخندق محفوظة، فكان الخوارج إذا أرادوا بياته وغرته وجدوا أمراً محكماً فرجعوا، فلم يقاتلهم إنسان كان أشد عليهم منه.
ثم إن الخوارج أرسلوا عبيدة بن هلال والزبير بن الماحوز في عسكر ليلاً إلى عسكر المهلب ليبيتوه، فصاحوا بالناس عن يمينهم ويسارهم فوجدوهم على تعبية قد حذروا فلم ينالوا منهم شيئاً، وأصبح المهلب فخرج إليهم في تعبية، وجعل الأزد وتميماً ميمنةً، وبكر بن وائل وعبد القيس ميسرةً، وأهل العالية في القلب، وخرجت الخوارج وعلى ميمنتهم عبيدة بن هلال اليشكري، وعلى ميسرتهم الزبير بن الماحوز، وكانوا أحسن عدة وأكرم خيلاً من أهل البصرة لأنهم مخروا الأرض وجردوها ما بين كرمان إلى الأهواز. فالتقى الناس واقتتلوا أشد قتال، وصبر الفريقان عامة النهار، ثم إن الخوارج شدت على الناس شدةً منكرةً، فأجفلوا وانهزموا لا يلوي أحد على أحدٍ، حتى بلغت الهزيمة البصرة، وخاف أهلها السباء.
وأسرع المهلب حتى سبق المنهزمين إلى مكان مرتفع، ثم نادى: إلي عباد الله! فاجتمع إليه ثلاثة آلاف أكثرهم من قومه من الأزد، فلما رآهم رضي عدتهم فخطبم وحثهم على القتال ووعدهم النصر وأمرهم أن يأخذ كل رجل منهم عشرة أحجار، وقال: سيروا بنا نحو عسكرهم فإنهم الآن آمنون وقد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم، فوالله إني لأرجو أن لا يرجع إليهم خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم وتقتلوا أميرهم. فأجابوه، فأقبل بهم راجعاً، فما شعرت الخوارج إلا والمهلب يقاتلهم في جانب عسكرهم، فلقيهم عبد الله بن الماحوز والخوارج، فرماهم أصحاب المهلب بالأحجار حتى أثخنوهم ثم طعنوهم بالرماح وضربوهم بالسيوف، فاقتتلوا ساعة، فقتل عبد الله بن الماحوز وكثيرٌ من أصحابه، وغنم المهلب عسكرهم، وأقبل من كان في طلب أهل البصرة راجعاً، وقد وضع المهلب لهم خيلاً ورجالاً تختطفهم وتقتلهم، وانكفأوا راجعين مذلولين مغلوبين، فارتفعوا إلى كرمان وجانب أصبهان.
قال بعض الخوارج لما رأى قتال أصحاب المهلب بالحجارة:
أتانا بأحجارٍ ليقتلنا بها ... وهل تقتل الأقران ويحك بالحجر
ولما فرغ المهلب منهم أقام مكانه حتى قدم مصعب بن الزبير على البصرة أميراً، وعزل الحارث بن أبي ربيعة؛ وفي هذا اليوم يقول الصلتان العبدي:
بسلى وسلبرى مصارع فتيةٍ ... كرامٍ وقتلى لم توسد خدودها
فلما قتل عبد الله بن الماحوز استخلف الخوارج الزبير بن الماحوز.

وكتب المهلب إلى الحارث بن أبي ربيعة يعرفه ظفره، فأرسل الحارث الكتاب إلى ابن الزبير بمكة ليقرأه على الناس هناك، وكتب الحارث إلى المهلب: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه نصر الله وظفر المسلمين، فهنيئاً لك يا أخا الأزد شرف الدنيا وعزها وثواب الآخرة وفضلها.
فلما قرأ المهلب كتابه ضحك وقال: أما يعرفني إلا بأخي الأزد! ما هو إلا أعرابي جافٍ.
وقيل: إن عثمان بن عبيد الله بن معمر قاتل الخوارج ونافع بن الأزرق قبل مسلم فقتل عثمان وانهزم أصحابه بعد أن قتل من الخوارج خلقٌ كثير، فسير إليهم من البصرة بعده حارثة بن بدر الغداني، فلما رآهم عرف أنه لا طاقة له بهم فقال لأصحابه:
كرنبوا ودولبوا ... كيف شئتم فاذهبوا
يعني ما شاء؛ ثم سار بعده مسلم بن عبيس.
وقيل: إن المهلب لما دفع الخوارج من البصرة إلى ناحية الأهواز أقام بقية سنته يجبي كور دجلة، ورزق أصحابه، وأتاه المدد من البصرة حتى بلغ أصحابه ثلاثين ألفاً.
فعلى هذا تكون هزيمة الخوارج سنة ست وستين.
ذكر نجدة بن عامر الحنفي
هو نجدة بن عامر بن عبد الله بن ساد بن المفرج الحنفي، وكان مع نافع ابن الأزرق، ففارقه لإحداثه في مذهبه ما تقدم ذكره، وسار إلى اليمامة، ودعا أبا طالوت إلى نفسه، فمضى إلى الحضارم فنهبها، وكانت لبني حنيفة، فأخذها منهم معاوية بن أبي سفيان فجعل فيها من الرقيق ما عدتهم وعدة أبنائهم ونسائهم أربعة آلاف، فغنم ذلك وقسمه بين أصحابه، وذلك سنة خمس وستين، فكثر جمعه.
ثم إن عيراً خرجت من البحرين، وقيل من البصرة، تحمل مالاً وغيره يراد بها ابن الزبير، فاعترضها نجدة فأخذها وساقها حتى أتى بها أبا طالوت بالحضارم فقسمها بين أصحابه، وقال: اقتسموا هذا المال وردوا هؤلاء العبيد واجعلوهم يعملون الأرض لكم فإن ذلك أنفع. فاقتسموا المال وقالوا: نجدة خير لنا من أبي طالوت؛ فخلعوا أبا طالوت وبايعوا نجدة وبايعه أبو طالوت، وذلك في سنة ست وستين، ونجدة يومئذٍ ابن ثلاثين سنة.
ثم سار في جمع إلى بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فلقيهم بذي المجاز فهزمهم وقتلهم قتلاً ذريعاً، وصبر كلاب وعطيف ابنا قرة بن هبيرة القشيريان وقاتلا حتى قتلا، وانهزم قيس بن الرقاد الجعدي فلحقه أخوه لأبيه معاوية فسأله أن يحمله ردفاً فلم يفعل.
ورجع نجدة إلى اليماامة فكثر أصحابه فصاروا ثلاثة آلاف، ثم سار نجدة إلى البحرين سنة سبع وستين، فقالت الأزد: نجدة أحب إلينا من ولاتنا لأنه ينكر الجور وولاتنا يجوزونه، فعزموا على مسالمته، واجتمعت عبد القيس ومن بالبحرين غير الأزد على محاربته، فقال بعض الأزد: نجدة أقرب إليكم منه إلينا لأنكم كلكم من ربيعة فلا تحاربوه! وقال بعضهم: لا ندع نجدة وهو حروريٌّ ما رق تجري علينا أحكامه. فالتقوا بالقطيف فانهزمت عبد القيس وقتل منهم جمعٌ كثير وسبى نجدة من قدر عليه من أهل القطيف؛ فقال الشاعر:
نصحت لعبد القيس يوم قطيفها ... وما نفع نصحٍ، قيل، لا يتقبل
وأقام نجدة بالقطيف ووجه ابنه المطرح في جمع إلى المنهزمين من عبد القيس، فقاتلوه بالثوير، فقتل المطرح بن نجدة وجماعة من أصحابه.
وأرسل نجدة سريةً إلى الخط فظفر بأهله، وأقام نجدة بالبحرين. فلما قدم مصعب بن الزبير إلى البصرة سنة تسع وستين بعث إليه عبد الله بن عمير الليثي الأعور في أربعة عشر ألفاً فجعل يقول: اثبت نجدة فإنا لا نفر، فقدم ونجدة بالقطيف، فأتى نجدة إلى ابن عمير، وهو غافل، فقاتلهم طويلاً وافترقوا، وأصبح ابن عمير فهاله ما رأى في عسكره وأصاب جواري فيهن أم ولد لابن عمير، فعرض عليها أن يرسلها إلى مولاها فقالت: لا حاجة بي إلى من فرعني وتركني.
وبعث نجدة أيضاً بعد هزيمة ابن عمير جيشاً إلى عمان واستعمل عليهم عطية بن الأسود الحنفي، وقد غلب عليها عباد بن عبد الله، وهو شيخ كبير، وابناه سعيد وسليمان يعشران السفن ويجيبان البلاد، فلما أتاهم عطية قاتلوه فقتل عباد واستولى عطية على البلاد فأقام بها أشهراً ثم خرج منها واستخلف رجلاً يكنى أبا القاسم، فقتله سعيد وسليمان ابنا عباد وأهل عمان.

 

This site was last updated 06/30/11