Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

جبل البركل  (دجو - وااب) الجبل الطاهر

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
Untitled 2164
Untitled 2165
Untitled 2166
Untitled 2167
Untitled 2168
Untitled 2169
Untitled 2170
Untitled 2171
Untitled 2172
Untitled 2173
Untitled 2174
Untitled 2175
Untitled 2176
Untitled 2177
Untitled 2178

Hit Counter

 

جبل البركل هى التسمية العربية الحديثة لجبل مسطح صغير أشبة بالطاولة فى الطرف الغربى لمدينة كريمة، السودان. منذ أزمان المملكة المصرية الحديثة (حوالى 1500 ق.م.)، علَّمت هذه الهضبة الصغيرة شديدة التحدر الحد الجنوبى الأقصى للإمبراطورية المصرية فى أفريقيا وكانت موقعاً لمدينة حدودية هامة سميت نبتة (الخريطة). ومع أن هناك مخفر عسكرى أمامى فرعونى آخر يقع أبعد بأعلى النيل فى كرجس، بالقرب من الجندل الخامس، إلا أن نبتة كانت الإقامة المصرية الأقصى جنوباً والموقع الأبعد لقدسيتها الدينية.

موقع نبتة
لم تكن نبتة فى الغالب، بموقعها على الضفة اليمنى للنيل بحوالى 40 كيلومتر أسفل الجندل الرابع، ذات أهمية ميناءً نهرياً، ذلك ان التيار هنا كان سريعاً للغاية بحيث يجعل الإبحار غير عملى. يبدو ان أهميتها تجسدت فى موقعها عند نقطة العبور النهرية للطريق البرى الذى يربط منطقة الجندل السادس بالجندل الثالث. كانت ولا شك معبراً نهرياً ومحطة جمركية هامة، تجمعت فيها وخزنت البضائع الأفريقية المختلفة قبل الإرتحال شمالاً الى مصر.

جبل البركل  (دجو - وااب) الجبل الطاهر
 جبل البركل التسمية العربية  ولكن سمى المصريون الصخرة دجو - وااب (الجبل الطاهر) وحددوه بوصفه مكان الإقامة للهيئة البدئية لإله دولتهم آمون الكرنكى، الذى سكن فى طيبة، على بعد حوالى 1150 كيلو متر الى الشمال من البركل. اللافت للنظر، ان المصريين تصوروا جبل البركل إمتداداً بعيداً للكرنك واعتقدوا ان كلا الموقعين، البركل والكرنك، كانا بمثابة تجليين أحدهما للآخر. آمون الكرنكى، على سبيل المثال، سمى دوماً بـ "سيد تاجىّ الأرضين". لكن عندما اكتشف المصريون جبل البركل، قرروا، "قبل أن يصبح معروفاً لدى الناس"، ان اسم الجبل كان " تاجا الأرضين". بكلمات أخرى، نُظر للجبل بوصفه مصدراً لـ اللقب الأقدم للإله، ومصدراً لاسم الكرنك. هذا الاختراع التاريخى سمح للمصريين تعريف جبل البركل بالكرنك، وبالعكس،

آمون النبتى

وان يتصوروا هذا التل البعيد فى النوبة بوصفه المنزل الأصلى للإله، معلنين فى الوقت نفسه ان الإله قد ظهر بداية فى طيبة! حتى معابد الإله فى الكرنك وفى نبتة حملت الإسم نفسه: ابيت- سوت ("مقدس التاجين")، مما سمح للخلط، لأغراض دينية، بين تلك المعابد. هذه الدوغما الجديدة ثبتت آمون بوصفه السيد المقدس لكل من النوبة العليا وكل الإمبراطورية المصرية النوبية، مع نبتة وطيبة بوصفهما قطبى عبادته. حتى اسم نبتة نفسه، واللقب المحلى لإلهها - "آمون النبتى" (امن نبت) - قد يكون استنبط ليشكل تلاعباً لفظياً مع الأسماء الأخرى الشائعة للإله الطيبى، مثل "آمون، سيد السماء" (امن نب- بت) و "آمون المقدس" (امن ابت). قد يكون ذلك ما عزز لاحقاً فكرة ان نبتة وطيبة، والآلهة العظام فى كل منهما، كانوا فى الواقع متطابقين.
اعتقد المصريون بأن آمون النبتى سكن فى داخل الجبل، خلف المنحدر الصخرى الشاهق، مخفياً عن الرؤية القاتلة. شيدوا كذلك معابده وأيضاً معابد الآلهة الآخرين المرتبطين به مباشرة أمام المنحدر الصخرى الشاهق، مع محاورها متجهة الى الجبل (الشكلان 2 و3). فى الأزمان اللاحقة سيكون هناك معبدان كبيران شيدا أمام جبل البركل، الأول مكرس للهيئة الجنوبية لآمون (B 500) والآخر لهيئته الشمالية (B 800). الوضع نفسه يصح بالنسبة لطيبة، مع معبد الكرنك مكرساً للهيئة الشمالية، ومعبد الأقصر للهيئة الجنوبية.
سمة لافتة للإنتباه فى طبيعة آمون كانت هى قدرته على إمتصاص هُويات وكينونات الآلهة الآخرين فى كينونته، التى كانت "مختفية"؛ لاسم آمون عنى، فى الواقع، "المختفى". وكما بدأ الصعود السياسى لطيبة، حتى فى الأسرة الحادية عشر، تزايدت أهمية إلهها كذلك. عندما وحد الملوك، أبناؤه، مصر فى المملكة المصرية الوسطى المبكرة، أصبح الإله آمون "ملك الآلهة". لم يعلو آمون على الآلهة العظام، لكنه أصبح هو ببساطة "هم"، مما نتج عنه ان كل واحد من الآلهة العظام نُظر إليه بوصفه واحداً من تجليات آمون. مع الوقت، بالتالى، نال آمون هوية وكينونة رع- آمون، الخالق البدئى واله الشمس الهليوبولسى. جعله هذا أباً للآلهة. عنى هذا، أيضاً، انه كان الشمس المؤلهة فى كافة أشكاله الأخرى؛ رع، وخورآختى، وخبرى. امتزج آمون أيضاً بالمعبودين التناسليين مين وأوزريس، الهى الخصوبة والفيضان، واستولى على وظائفهما. كان آمون فى ذات المظهر التناسلى (الفالوسى)، معروف باسم كاموتف، "ثور والدته"، مما يلمح الى قدرته فى إعادة خلق ذاته ابناً لنفسه الملك (الذى كان هو "الثور" (كا) والذات الإلهية "الثنائية" (كا). عندما يموت الملك، يمتزج مع الإله ليصبح بالتالى أباً لذاته (كا = "فالوس" = جداً أعلى)، تحبل به الإلهة موت ("الأم")، التى كانت زوجة للإله الى جانب كونها "والدة" الملك المقدسة.
عادة يصور آمون بوصفه رجلاً، يلبس تنورة وتاجاً طويلاً بريشتين. وبالقدر نفسه يظهر متوجاً، فى هيئة رجل محنط، بعضو تناسلى منتصب، الذى هو شكله بوصفه كاموتف. عندما اكتشف المصريون جبل البركل وربطوا الجبل بآمون، أخذوا فى تصوير الأخير بطريقة ثالثة: كرجل برأس كبش (الشكل 4). هناك الآن بينة آثارية متزايدة تشير الى انه وقبل مجئ المصريين الى هذه المنطقة، كان النوبيون يبجلون إلهاً بهُويًّة كبش. آخذين فى الحسبان قدرة آمون على إمتصاص كل الآلهة المصريين المهمين فى كينونته الذاتية، فإن هيئة آمون برأس كبش تشير الى ان المعبود الطيبى امتص فى ذاته نظيره النوبى، الذى كان متطابقاً مع آمون فى أزمان أسبق. بإستثناء عصر إخناتون، عندما فرض الحظر على عبادة آمون، أصبح آمون الإله الشامل الذى تعبد فيه كافة الآلهة، أصبح جبل البركل أحد أهم مراكز عبادته. فى الأزمان الإغريقية الرومانية، عد آمون ببساطة شكلاً من أشكال زيوس- جوبيتر، ونسبت الأساطير حينها انه والآلهة الآخرون قاموا بزيارات متكررة للنوبة، حيث يقال بأن الخلق قد تمَّ هناك وحيث ان الرجال كانوا هم الأوائل الذين تعلموا تبجيل الإله.
احتمالاً فى وقت سابق لتعرف المصريين على جبل البركل، كان النوبيون، أيضاً، قد عدوا المكان مقدساً. رغم انه لم يتم الكشف بعد عن آثار إقامة أو بقايا طقوسية فى المرحلة السابقة لوصول المصريين، فإن الفخار النوبى الذى يعود تاريخه الى العصر الحجرى الحديث، وعصر ماقبل كرمة، وعصر كرمة قد تمَّ الكشف عنه فى طبقات غير مثبتة استراتيجرافياً. يشير هذا الى ان الموقع لا بدَّ وانه كان مأهولاً على الأقل منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد. الكشف فى قمة جبل البركل عن الالاف من الرقائق الحجرية المهشمة، والمصنوعة من نوع حجارة لا يمكن الحصول عليها إلا من سطح الصحراء، يشير الى ان الناسيس جلبوا الحجارة الى القمة لتصنيعها، وهو نشاط قد يحتوى على حافز دينى. بالمثل، التشابه بين المعبد فى البركل، كما يظهر فى المرحلتين المصرية والكوشية، وفى مرحلة كرمة، كما ظهرت فى نهاية طور كرمة الكلاسيكى، قد يشير الى وجود علاقة طقسية فيما قبل وصول المصريين بين جبل البركل و"الدفوفة الغربية" فى كرمة. توجد على الأقل إمكانية ان الأخيرة، مستطيل مسطح شبه جبلى يبلغ ارتفاعه 19 متر ومشيد بالطوب، قد شيدت فى كرمة بديلاً سحرياً او "نظيراً ثانياً" لجبل البركل. على كلٍ، فقد تم تشييد مركب للمعابد أمام بعضها البعض، ونُظر لكل واحد منها مكاناً لإله قوى.

الأهمية المقدسة جبل البركل  (دجو - وااب) الجبل الطاهر
ليس من شك فى ان المصريين، وإحتمالاً النوبيين المبكرين، ألصقوا أهمية مقدسة بجبل البركل نسبة لشكله الشاذ. لم يكن التل منعزلاً فحسب فى وسط صحراء مسطحة وتميز بمنحدر صخرى شاهق، يبلغ ارتفاعه 90 متراً و200 متراً فى الطول، ولكن ركنه الجنوبى الغربى عُلمَّ ببرج هائل يقف منفصلاً، يبلغ حوالى 75 متراً فى الإرتفاع (شكل 5). هذا الحجر الضخم الواقف على شكل عمود أو مسلة (منليث) يحمل مظهر تمثال، لكن بلا شكل محدد، وقد يجوز تخيل أنه بالفعل كذلك. من جانب، يمكن النظر اليه بوصفه تمثالاً لملك أو إله واقف، يلبس التاج الأبيض. ويمكن النظر اليه عضواً تناسلياً (فالوس) منتصباً. ويمكن أيضاً النظر اليه كوبرا منتصبة عمودياً (صلاً) يضع التاج الأبيض على رأسه. تكشف الوثائق القديمة، المكتوب منها والمصور، ان الصخرة قد تمََ تخيلها بكل تلك الصور التى أوردناها ومن ثم قدست مصدراً لقوة إلهية لكل ما تمثله من أشياء مختلفة. كشكل إنسانى يلبس تاجاً، فانها قد تمثل الملك الحى أو السلف الملكى الأبعد، أو الإله نفسه. كعضو تناسلى، يمثل آمون بوصفه أباً مُنجباً. كصلٍ، يمثل القدرة الخلاقة لأية ولكل إلهة ولكل أنثى. كانت الصخرة بالتالى أباً، وأماً، وطفلاً ملكياً ممتزجة فى كل واحد - الذى يعنى ظاهرياً المعنى الفعلى لـ "كاموتف". أكدَّ جبل البركل، عن طريق برجه الصخرة الواقف على شكل عمود أو مسلة، ليس فحسب وجود آمون، بل انه يمتلك بالفعل شكل التل البدئى للتقليد المصرى، الذى ينظر فيه للخالق وقد ظهر فى بداية الزمن وولد الآلهة الأول عن طريق العادة السرية.
حتى يومنا هذا، فإن الحجارة الطبيعية، ذات الشكل الأشبه بالعضو التناسلى، تتم مطابقتها لدى شعوب السودان الوثنية التقليدية بالثعابين وبالأسلاف وتعبد كمصادر للطاقة الإستيلادية. كان جبل البركل بالتحديد مكاناً مثل هذا، ولا بدَّ وان يكون الحجم الهائل لصخرته الواقفة على شكل عمود أو مسلة قد قبع فى أساس تحوله الى مركز رئيس ومؤثر فى الطقوس الوثنية، إحتمالاً منذ الأزمان ماقبل التاريخية. ولا بدَّ وان المصريين كانوا قد تقبلوا أولوية الموقع وأقدميته، ذلك أنهم جعلوا آمون هذا المكان "الإله العظيم لكل العصور، الواحد البدئى".

الرحالة الأوربيون  وجبل البركل  (دجو - وااب) الجبل الطاهر
لاحظ الرحالة الأوربيون جبل البركل للمرة الأولى فى عام 1820 وتعرفوا بطريقة صحيحة على الأطلال المحيطة به بوصفها أطلال نبتة القديمة، والتى كانت عالقة فى الذاكرة حينها عن طريق النصوص الكلاسيكية بوصفها كانت موضوعاً للحملة الرومانية فى عام 24 ق.م. فىالعقود اللاحقة، زار رحالة آخرون الموقع وقدموا وصفاً له وجلبوا تماثيلاً وآثاراً منقوشة بالكتابات من هنا للمتاحف فى القاهرة، ولندن، وبرلين. مسلة النصر العظيم لبعانخى، والتى وجدت هنا فى عام 1862، أثارت زوبعة عندما ترجمت للمرة الأولى، وحفزت فيردى لوضع اوبرا " عايدة" فى عام 1874. الى جانب تأكيد هذه المسلة على حقيقة إحتلال الملوك "الاثيوبيين" (الكوشيين) لمصر فى القرن الثامن ق.م.، فقد كشفت اربع مسلات أخرى وجدت معها عن انه وفى منتصف الألفية الأولى السابقة للميلاد، ظلت نبته وجبل البركل مركزاً رئيساً للعبادة وللتتويج فى مملكة كوش المستقلة.

أعمال التقيب العلمية فى جبل البركل  (دجو - وااب) الجبل الطاهر
هكذا ظل الحال الى الأعوام 1916 حتى 1920، حينها بدأت أولى أعمال التقيب العلمية فى جبل البركل. دعمت تلك الأعمال بالتمويل المادى من جامعة هارفارد ومتحف بوسطن للفنون الجميلة، وأشرف عليها جورج ريزنر (الشكل 6). بعد التنقيب فى خمسة وعشرين مدفناً هرمياً صغيراً الى الغرب من الجبل، عمل ريزنر فى مركب المعابد، وكشف عن سبعة معابد وقصرين، كاشفاً عن المزيد من النقوش التاريخية والتماثيل الأكثر أهمية (الشكل 7). فى وقت متزامن نقب ريزنر فى جبانتين قريبتين، الكرو ونورى. وجد فى هاتين الجبانتين الأخيرتين، مدافن الملوك الخمسة الذين حكموا مصر وأسسوا أسرتها الخامسة والعشرين، الى جانب مدافن ملكاتهم، وأسلافهم والتى يرجع تاريخها الى القرن التاسع ق.م. وخلفائهم الى القرن الثالث. وفى عام 1920 وسع ريزنر أعماله أبعد الى الجنوب الى مروى (البجراوية- المترجم)، ونقب كل الأهرام فى محاولته تتبع الأسماء غير المعروفة والتواترات للحكام الكوشيين حتى نهاية القرن الميلادى الرابع. لقد كان ذلك العمل واحد من أعظم الإنجازات فى مجال علم الآثار الحديث.
مع أن ريزنر اكتشف القليل من مسلات المملكة الحديثة وتماثيلها فى جبل البركل، فإن بقايا المعابد الفرعونية لم تبق بإستثناء أساسات بعض مبانى المعابد الفرعونية. الجزء الأعظم مما تبقى من أطلال فى الموقع يرجع الى الفترة ما بعد منتصف القرن الثامن ق.م.، وهو الوقت الذى أصبحت فيه نبتة المركز الدينى الرئيس للدولة السودانوية التى نعرف شئياً عنها.

حكم مملكة كوش على مصر

على مدى ستة عقود (تقريباً 712 - 661 ق.م.) فرضت كوش حكمها على مصر، ويصبح الآن أكثر وضوحاً أنه، رعم ان الكوشيين ما كانوا من أصول مصرية، إلا أنهم كانو قادرين على تبرير إدعائاتهم على العرش المصرى عن طريق العلاقات الطقوسية التى وجدت بين الكرنك وجبل البركل خلال المملكة الحديثة. علينا أن نتشكك حالياً عما إذا كان "تمصير" الملوك الكوشيين وتوحيدهم المبدئى لمصر العليا والنوبة بفعل خطط مبرمجة الى حد بعيد مع كهنة آمون. أهدافهم لا بد وأنها كانت، تحقيق إعادة التوحد، بعد ثلاثة قرون، ليس فقط بين موقعين مقدسين لإله لكن لمجمل امبراطوريته الجنوبية. ثانياً؛ أنهم سعوا الى إستعادة " الملكية الحقيقية لمصر العليا" والتى اختفت بعد الأسرة 20. وثالثاً، انهم سعوا الى استعادة أيام مجد المملكة الحديثة.
الحكم الكوشى ما قدر له أن يدوم. فى عام 661 ق.م.، دحر الكوشيون عن مصر، بعيداً الى موطنهم، من جانب الغزاة الأشوريين. بإستقرارهم فى خاتمة المطاف فى مروى، الى الجنوب الشرقى من نبتة، ثبتوا مملكتهم فى الجنوب البعيد، على مدى ألفية لاحقة. خلال معظم هذا الإمتداد الزمنى، على كلٍ، بخاصة خلال العصر النبتى (حوالى 661- 280 ق.م.)، ظل جبل البركل المركز الدينى الأساسى للمملكة، ومن نبتى ادعى الملوك شرعيتهم فىالحكم. هناك نفذ الحكام مشاريعهم المعمارية والتى استمرت على الأقل حتى القرن الميلادى الأول. كان معبد آمون احتمالاً هو الحافظ دوماً للمعرفة، والأدب الدينى والتوثيق التاريخى. كما و لا بدَّ انه كان المتحف القومى للمملكة، ملئ بما يحتويه من تماثيل، وآثار، ونقوش بارزة تصور التاريخ المحتفى به لكوش ويربطها مباشرة بالمراحل المبكرة لفراعنة المملكة الحديثة، الذين عدهم الحكام الكوشيون "أسلافاً" لهم.
على إمتداد تاريخ كوش، يبدو ان جبل البركل كان المركز الرئيس للتتويج الملكى والطقوس الملوكية. لقرون حضر كل ملك جديد لكوش الى جبل البركل لتعزيز شرعيته وتتويجه عن طريق الإله الذى يسكن داخل الجبل، كما فعل بالتحديد الملوك فى عصر المملكة الحديثة. على إمتداد فترة حكمه قام كل ملك كوشى بإستشارة الوحى الإلهى فى شئون الدولة وإدارة الحرب. حتى وقت مبكر من القرن الثالث ق.م. يقال بأن الوحى نفسه كان يقوم بإخطار الملك عن طريق رسالة بموعد إنتهاء فترة حكمه، مصدراً الأمر له بتنفيذ الإنتحار. هذا التقليد تمَّ الغاءه عن طريق الملك ارجمنيس (أركامانى)، الذى أخذ الأمر بيديه عندما صدر له الأمر بالإنتحار، فقاد قواته الى المعبد وقتل الكهنة. صحة هذا التقليد تشير اليها حقيقة انه حتى القرن الثالث ق.م.، سافر الملوك مسافة 230 كيلومتر من مروى الى نبتة ليدفنوا فى أهرام شيدت لهم عبر النهر بمواجه جبل البركل فى نورى (الشكل 8). آخذين فى الحسبان وجود معبد فى الوادى، غالباً لغرض التحنيط، يجوز للمرء ان يفترض ان معظم الملوك قاموا بالرحلة الى الجبانة وهم لازالوا أحياءً.

تدمير نبتة
فى عام 24 ق.م.، هوجمت نبتة، ودمرت، و"سويت بالأرض" عن طريق الجيش الرومانى. يبدو ان هذا الحدث هو الذى حث على آخر عملية ترميم لمعابد البركل عن طريق الثنائى الملكى المروى نتكامانى وأمانى تارى فى القرن الميلادى الأول. المؤسف انه بعد حكمهما الثنائى، فإننا لا نعرف شيئاً عن الموقع أو استخدامه المستمر.

This site was last updated 06/08/10