صورة تخيلية لمكتبة الإسكندرية القديمة

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

مكتبة الإسكندرية القديمة

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
إنشاء مكتبة الإسكندرية الحديثة
إنشاء المكتبة القبطية
الرد على مزاعم المسلمين
تاريخ العرب الهباب
مكتبة الإسكندرية القديمة
توثيق البرديات العربية

Hit Counter

 

تعليق من الموقع : المقالة التالية وضعناها هنا لما فيها من معلومات موثقة من علامة قبطى هو  أ.د . أنتوني سوريال عبد السيد يثبت فيها أن مكتبة الإسكندرية بالرغم من أنها أحرقت عدة مرات ولكن أعيدت إلى سابق عهدها فى كل مرة وقد ظلت باقية حتى الغزو العربى الإسلامى الإستيطانى لمصر كما ذكرنا فى هذا الموقع من قبل

***********************************************************************************************

الكتيبة الطيبية  فى 16/9/2008م عن مقالة بعنوان [ مكتبة الإسكندرية القديمة 16.09.08 في قسم: مصريات مكتبة الإسكندرية القديمة ] الكاتب: أ.د . أنتوني سوريال عبد السيد
كانت مصر في جميع عصورها التاريخية تحتل مركزاً هاماً بين بلاد العالم، فهي منذ فجر تاريخها أرضاً خصبة، وبفضل نيلها وطبيعة شعبها التي تتسم بالمثابرة والعمل والمسالمة، أن تكونت الحضارة المصرية . ولم يقتصر خيرها على المصريين فقط، بل كان لها فضل كبير على كل من أتصل بمصر من شعوب الشرق القديم.
وكان نفوذها الثقافي متغلغلاً في فلسطين وسوريا والساحل الفينيقي وبلاد اليونان وغيرها من بلاد الشرق القديم، وأصبحت مدن مصر أون ومنف وطيبة مدارس يتلقى العلم فيها الكثير من شعوب الشرق الأدنى، وكان اليونانيون من أهم هذه الشعوب التي تعلم أبنائها في مدارس مصر . .
قد عرف المصريون الكتابة والتدوين، ودونوا مؤلفاتهم على ورق البردي وقطع الشقاقة أو "الاستراكا" ، والألواح الخشبية ، وكانت الأخيرة شائعة الاستعمال سواء في المدارس أو كتابة المذكرات وقوائم الحسابات والوثائق القانونية والموضوعات الإنشائية الأدبية والخطابات الخاصة وشهادات الميلاد وغير ذلك. كما وجدت هذه الكتابات في القبور وخرائب البيوت القديمة وغيرها من المباني، وينطبق ذلك تماماً على المؤلفات العلمية والفلسفية والأدبية والقوانين وغيرها من العلوم التي عرفها المصريون القدماء، وبالتالي فإن معظم علوم المصريين هذه لم تحفظ في مكتبات حتى تصل إلينا، لأن الصفة العلمية كان يغلب عليها، لما كان متوارثاً، بمعنى أن الابن يرث والده في كل ما وصل إليه سواء بالتجربة أو قد يكون قد دونه هذا الولد .
وكان مرجع ذلك قلة الجامعات والمدارس المفتوحة للعامة والخاصة بالنظام المعروف الآن، وأيضاً لعدم وجود مكتبات بمفهومها الحالي.
حقيقة أن منف وطيبة وعين شمس كانوا مهد العلوم والمعارف ومراكز لها، إلا أنها كانت قاصرة على أولاد الملوك والأمراء وأبناء حاشيتهم وكبار الموظفين والعاملين في الدولة والكهنة وتلاميذهم ومن قدم من بلاد اليونان طالباً العلم فيها.
أواخر العصر الفرعوني، عادوا إلى بلادهم ومعهم نسخ من كافة المؤلفات العلمية والأدبية المصرية حيث نشروها بدون أن يشيروا إلى أصحابها الأصليين المصريين .
من ذلك يتضح أن المصريين القدماء لم يعرفوا المكتبة العامة التي تخدم طلاب العلم بما كان مفهوماً عند إنشاء مكتبة الإسكندرية، أيام حكم بطليموس الأول والثاني. على أن لا يفهم من ذلك أن فكرة إقامة مكتبة الإسكندرية فكرة بطلمية بحتة لم يكن هناك مثلها في بلاد العالم القديم. فقد كانت هناك مكتبات كبيرة سبقتها في النشأة ولا تقل عنها شهرة، مثل المكتبة الملحقة بأكاديمية أفلاطون، ومكتبة مدرسة الليقيون في أثينا، حيث كان أرسو يلقي محاضراته ويعقد حلقاته الدراسية، ومكتبة إنطاكية، ومكتبة برجاموم ، ومكتبة رووس. ومع ذلك فقد تميزت مكتبة الإسكندرية عن هذه المكتبات بأنها كانت أول مكتبة عامة تملكها الدولة في العالم القديم وليست مكتبة خاصة تمت لشخص ما.
وعلى ذلك فإن الجديد والذي لم يكن معروفاً في ذلك الوقت، أن بطليموس الأول وخليفته جعلوا هذه المكتبة مؤسسة عامة حكومية، لا يملك أحد التصرف فيها، وتنفق عليها الدولة لينتفع بها العلماء والمثقفين وطالبوا العلم ذلك العصر، ومن ثم فقد غدت أشهر المكتبات في العالم القديم، وأفخمها على الإطلاق .
تأسيس مكتبة الإسكندرية
استولى الإسكندر الأكبر على مصر عام 331 ق.م، ومن ممفيس ابحر في الفرع الكانوبي للنيل لزيارة نقراطيس المدينة اليونانية في غرب الدلتا، ليجعل منها المركز التجاري الرئيسي لشرقي البحر المتوسط، ولكنها خيبت آماله بسبب موقعها البري المنعزل.
وبعد جولة له في بحيرة مريوط وجد الإسكندر شريط ضيق من الأرض بين البحيرة والبحر في مواجهة جزيرة فاروس، وأعجب الإسكندر بالمكان من الوهلة الأولى كموقع لمدينة جديدة، وأسند عملية تخطيطها إلى دينو قراطيس الذي قام بتخطيطها على أحدث مبادئ تخطيط المدن في ذلك الوقت، أشرف على بناء المدينة وأكملها بطليموس الأول الذي حكم مصر سنة 323 ق.م، وقد سميت بالإسكندرية نسبة إلى مؤسسها الإسكندر الأكبر.
وقد احتوت المدينة الجديدة على خمسة أحياء متجاورة، سميت بأسماء الأحرف الخمسة الأولى من حروف الهجاء اليونانية، وهي الألف والباء والجيم والدال والأبسيلون E (epsilon)، وأهم هذه الأحياء الخمسة، الحي الملكي، والحي الشعبي (الأهلي)، والحي اليهودي، وقد أشتمل الحي الملكي على الجزء الشمالي الشرقي من المدينة، وهو الحي المعروف باسم الباء (بيتا) اليونانية. ويضم القصور الملكية والحدائق الممتدة من داخل رأس لوكياس (السلسلة الآن)، وأهم آثاره دار العلم (المتحف) والمكتبة ودار العدل والجيمنازيوم، أما الحي الشعبي (الأهلي) فيقع إلى الجنوب من المدينة، ويضم قرية راكودة القديمة (أدخل الإسكندر الأكبر في مدينته الجديدة قرية صغيرة اسمها راكوده ومعناه على ما يقال الحصن أو الوقاية أو الجسر وأحاطها بسور منيع، لذا كان المصريون يسمون الإسكندرية راكوده، واستمروا محافظين على هذا الاسم إلى ما بعد بدء التاريخ الميلادي بأجيال كثيرة، ولا يزال اسمها في اللغة القبطية وكثيراً ما ذكرت في الكتب القبطية القديمة به)، وهي حي الأهالي والعمال "ومعبد السيرابيوم" أي معبد سيرابي الذي أقامه بطليموس لعبادة سيرابيس وألحقت فيما بعد مكتبة صغيرة عرفت باسم المكتبة الصغرى .
وكان بطليموس الأول (323 – 283 ق.م) قبل وفاته قد اتخذ خطوات لتقدم مدينة الإسكندرية ليس فقط كمركز تجاري، ولكن أيضاً كمركز عال للمعرفة في العالم القديم، فنجح في جذب رجال العلم إلى الإسكندرية والعيش فيها في كنف الدولة وذلك فيما عرف باسم المتحف أو دار العلم، والذي كان في الأصل معبد للتاسوع الإلهي من ربات الفنون Muses وكان واقع الأمر يجمع ما هو أشبه بأكاديمية حديثة وجامعة حيث أستقر المقام فيها لعدد من الباحثين والعلماء ورجال الأدب الذين توافرت لهم أسباب الحياة من طعام ومقام بلا مقابل، بل ومعفون من الضرائب، وهكذا جاء عالم الرياضيات بوسليد Euclid الذي مازال علم الهندسة الخاص به يدرس حتى الآن، كما جاء عالم الطبيعة هيروفيلوس Herophilus وإيستراتوس Eristratu، والمؤرخ هيكاتايوس Hecataeus ، والأجرومي زينودوتس Zenodotus وغيرهم كثيرون من علماء ذلك الزمان تلبية لدعوة بطليموس ليعيشوا ويعملوا في الإسكندرية على نفقة الدولة. كما نقل إليها العديد من علماء مدرسة أون (عين شمس) المصريين .
على أن بطليموس الأول أدرك ضرورة إنشاء مكتبة ضخمة تكون مركز الجذب للعلماء، كما تخدمهم في دراستهم وإنجازاتهم العلمية، لذلك فقد دعا إليه الكاتب السياسي الأيثني ديمتريوس الفاليروم، والذي كان يعرف بحكم موقعه نظام مكتبة المشائين في أثينا لكي يضع نظامً للمكتبة ويجمع لفائف الكتب، وقد قيل أن ديمتريوس قد جمع حوالي 50000 لفافة وكان أغلبها المخطوطات المصرية القديمة الموجودة في معابد مصر والتي أصبحت النوة الأولى التي تكونت منها المكتبة.
وقد بقيت اللفائف في المخازن بدون فحص أو تصنيف، وكان بطليموس الأول قد خصص مكاناً لجامعة الإسكندرية ومكتبتها في الحي الملكي بمنطقة الميناء الشرقي وقد اتبع ديمتريوس في جمعه لهذه الكتب في بعض الأحيان أسلوب المصادرة، وكان يصادر أي كتاب موجود على ظهر أي سفينة ترسو في ميناء الإسكندرية، ثم يعمل عدة نسخ منه يعطي احداها لصاحبه ويحتفظ بالأصل، وبذلك جمع عشرات الآلاف من الكتب التي صدرت في اليونان وآسيا الصغرى حتى الهند وما بعدها وذلك بلغاتها الأصلية وبترجماتها اليونانية كما جلب ديمتريوس بعضاً من مكتبة أرسطو وما فيها من نصوص فلسفية له توارثها تلاميذه الذين خلفوه على رئاسة مدرسته . وعندما انتهى بطليموس الثاني (283 – 246 ق.م) من بناء المكتبتين الأولى في الحي الملكي وعرفت بالمكتبة الكبرى والثانية وعرفت بالمكتبة الصغرى في الحي الشعبي السيرابيوم، بدأ التنظيم الحقيقي للمكتبتين.
وقد ذكرت إحدى البرديات التي تم العثور عليها في مدينة أوكسيرينخوس (البهنسا الحالية) قائمة بأسماء من تولى أمانة المكتبة في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد وكانوا من العلماء المشهود لهم في علمهم وكان أول هؤلاء الذين عينهم بطليموس الثاني، العالم زينودوتس الأفسسي الذي جاء من أفسس وكان أول من نشر ملحمتي الالياذة والاوديسا على أساس علمي من النقد والتحليل.
وقد اسند بطليموس الثاني له مهمة فحص وتصنيف وفهرسة كتب المكتبة وجعلها متاحة لكل من يرغب في الإطلاع عليها، وقد ساعده الشاعر كاليماخوس القوريني في وضع فهارس هذه الكتب، وأيضاً كتابة تاريخ موجز لحياة أشهر المؤلفين، كما تولى الإسكندر الايتولي تنظيم كتب التراجيديا، وعهد إلى الشاعر ليكوفرون بتنظيم كتب الكوميديا، وقام كل من الشاعرين أريستارخوس وزينودوتس بتحقيق الشعر اليوناني كما قام العالم إراتوسثينيس بتحقيق الكتب الوصفية والتصويرية اليونانية .
وكان منصب أمين المكتبة يعتبر من أرفع المناصب في الدولة، إذ كان من يشغل هذا المنصب يعمل في الوقت نفسه معلماً ومربياً لآمراء الأسرة المالكة. ومن أشهر أمناء المكتبة زينودتس الذي ابتدع علم تحقيق النصوص القديمة بمقارنة المخطوطات المختلفة، مما أدى إلى ضبط وتصحيح كثير من المؤلفات اليونانية القديمة ولا سيما الأشعار الغنائية والمسرحيات، كذلك أبولونيوس الرودي، الذي كان يعد من اكبر شعراء الملاحم وكان يعاونه في إدارة المكتبة كاليماخوس، وأيضاً كان أراتواسيثينس، فبالإضافة إلى ما سبق فقد كان عالماً في الرياضيات والفلك المولود في مدينة الإسكندرية ثم درس فترة في أثينا، عاد بعدها واستقر في الإسكندرية وشارك في أبحاثه أرشيميدس، وقد عينه الملك بطليموس الثالث (246 -221 ق.م) في وظيفة كأمين للمكتبة خلفاً للشاعر ابولونيوس الرودي، ومنهم أيضاً أرستوفانيس الذي نشر أعمال الشعراء والمفكرين اليونانين الذين سبقوا أفلاطون، وكان آخرهم أريستاخوس من ساموتراقيا وقد نشر كل الأشعار الغنائية المعروفة في الأدب اليوناني من هوميروس إلى بندار، وأشتهر بكونه عالماً في النحو والنقد وتحقيقاته للكلاسيكيات اليونانية .
وعلى كل حال فقد تدفقت لفائف الكتب على مكتبة الإسكندرية، إذ أشيع في أسواق الكتب في العالم القديم، بأن بطليموس الثاني يبحث عنها دائماً ولا يبخل بحاله في شرائها.
ولم يكتف بذلك بل يرجع إليه الفضل في إنجاز أمرين هامين في تاريخ الأدب، أولهما ترجمة التوراة من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، وثانيهما كتابة تاريخ مصر الفرعونية – ولعطف بطليموس الثاني الزائد على اليهود وما قد بلغه مما أتى به موسى النبي وباقي الأنبياء من الشرائع والقواميس والأحكام وما فعلوه من آيات ومعجزات.
واستجابة لطلب يهود الإسكندرية منه أن يعمل ترجمة التوراة من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية نظراً لأنهم لا يستعملون إلى اللغة الأخيرة. أرسل كثيراً من الهدايا الثمينة إلى إليعازر الحاخام الأكبر لأورشليم وطلب منه أن يبعث إلى مصر بعض علماء اليهود وفقائهم ليترجموا التوراة، فأرسل اثنين وسبعين شيخاً من المتضلعين في الناموس. على أن من وصل منهم كان سبعون شيخاً بسبب وفاة اثنين في الطريق، وكان مما وصل منهم إلى الإسكندرية سمعان الكاهن الشيخ، وجعل بطليموس الثاني كل اثنين معاً في كل مكان واحد ليترجموا التوارة في مدة معينة. وبعد أن انتهت المدة جمعت الترجمات وقورنت ببعضها فوجدت متطابقة ثم ختمها بختمة ووضعها في المكتبة، وقد اشتهرت بالترجمة السبعينية، وأصبحت هي المصدر الصحيح لجميع نسخ التوارة الموجودة الآن، والتي يعتمد عليها الباحثون في الدين والمؤلفات التي أقتبس منها كليمندوس الإسكندري المواد التي بنى عليها كتابه المشهور ستروماتا، كما كانت التي استعان بها أوريجانوس في جمع كتابه هكسابلا Hexapla .
وكان من انفع وأروع الأعمال العلمية أن طلب بطليموس الثاني حوالي عام 280 ق.م من الكاهن المصري مانتيون أن يؤلف كتاباً عن تاريخ مصر الفرعونية منذ بداية عهد الأسرات، وقد اعتمد مانيتون في تأليف كتابه الشهير هذا على الوثائق الأصلية التي كانت في المعابد ومكاتب الحكومة. ومن المؤسف أن تاريخ مانيتون الأصلي فقد في حريق مكتبة الإسكندرية سنة 47 ق.م، ولم يعثر على أي نسخة كاملة أو ناقصة منه حتى الآن، وكل ما وصلنا ليس إلا مقتطفات منه، نقلها المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتابه الذي سماه "الرد علي أبيون". كما وصلنا من تاريخه أيضا جداول بأسماء الأسرات والملوك وعدد سنوات حكمهم في ملفات بعض الكتاب المسيحيين وخاصة جوليوس الإفريقي (267 م) والذي نقل عنه الكاتب يوسيبيوس (327م). ولكن أفضل النصوص وأدقها ما جاء في الكتاب المسمي Chronograpmia الذي قام بجمعه جورجيوس سينكلوس. وبالرغم من جميع الأخطاء التي حدثت في النقل وما أصاب أسماء الملوك من تحريف وما سقط دون شك من بعض النصوص، فان ما وصل إلينا من تاريخ مانيتون يعتبر من أهم المصادر لتاريخ مصر الفرعوني ولا يمكن الاستغناء عنه .
وتابع بطليموس الثالث سياسة والده في بذل الجهد من أجل الحصول علي المخطوطات لفائف الكتب لضمها إلي المكتبة، لذلك أصدر أمرا يجدد فيه ما أتبعه ديمتريوس من قبل، ويقضى بأنه علي جميع المسافرين الذين يرسون بسفنهم ميناء الإسكندرية أن يودعوا ما قد تحتويه متاعهم من كتب، وإذا دعت الحاجة كانت المكتبة تستولي علي الكتب وتقدم لصاحبها نسخة رسمية بديلة عنها. وقد كانت الرغبة في الحصول علي الكتب هي التي دفعت بطليموس الثالث رفض بيع القمح لأثينا خلال مجاعتها، إلا بعد أن يحصل علي المخطوطات الأصلية من مؤلفات إيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس، وبمجرد أن وصلت هذه الأصول الإسكندرية، نسخت بمنتهي الدقة وأرسلت النسخ المنسوخة إلي أصحابها ووضعت المخطوطات الأصلية بالمكتبة الكبرى بالإسكندرية. وقيل أن بطليموس الثالث دفع مبلغ كبير من المال علي سبيل الضمان إلى أن ترد الكتب، ولكن الثابت أنه فضل أن يضحي بهذا المبلغ علي أن يرد تلك الأصول وبعث إلي أثينا النسخ المنسوخة بدلا منها .
وفي تلك المكتبة، وضعت ولأول مرة أسس علوم جديدة منها تصنيف الكتب ووصفها، ونقد النصوص أو المتون، ووضعت قوائم حاوية لفنون الأدب اليوناني الكلاسيكي. وظهرت نصوص هومر وغيره من المؤلفين خالية من كثير من التحريف الذي كان قد علق بها فخرجت في صورة قشيبة، تناقلها الناس فيما بعد، ولم يطرأ عليها سوي تغيير طفيف نسبيا وذلك حتى العصور الحديثة، وأتبع أسلوب الضبط والترقيم وعلامات الفصل.
ولم يهمل شأن العلوم والرياضيات فضمت مؤلفات علمائهم مثل اريستارخوس الذي اهتدى إلي دوران الأرض حول الشمس سابقاً في ذلك كوبرنيكوس، وأيضاً توفيق اراتوسثنيس في قياس محيط الأرض إلي درجة يوثق بها من الصحة. كما ضمت المكتبة كتاب اقليدس المسمى "العناصر" وشروحه في قواعد الرياضيات. كما ضمت مؤلفات كبار علماء ما وراء الطبيعة في كشف أسرار الكون. كما أن هذه المكتبة احتوت علي مخطوطات ولفائف كتب في الطب والجراحة مما أكسب مدرسة الطب في الإسكندرية شهرة فائقة خصوصاً في التشريح والجراحة .
وهكذا يمكن القول أن هذه المكتبة قد احتوت علي نفائس كتب العلوم والأدب والفنون التي كانت في العلم القديم، فقد انتقلت إليها حضارة الفراعنة وعلومهم من طب وفلك ورياضيات وفلسفة وتاريخ وأدب وجغرافيا من المدارس المصرية القديمة من هيليوبلس (مدينة الشمس أون المذكورة في التوراة) ومن معبد رمسيس ومدرسة طيبة ومنف وغيرها من المدارس الفرعونية المشهورة والتي نقلت علومها التي اكتسبتها عبر القرون والعصور إلي مكتبة الإسكندرية بالإضافة إلي ما جلب إليها من مؤلفات من اليونان والعراق وفلسطين وإثيوبيا وفينيقيا وغيرها . ومن ثم فقد ظلت هذه المكتبة تحمل لواء المعرفة ردحا طويلاً إلي ما بعد دخول المسيحية وحتى دخول العرب مصر .
وقد ظهرت تقديرات مختلفة لعدد الكتب التي كانت تحتويها مكتبة الإسكندرية أبان مجدها. فقد قدر سينيكا Seneca عددها 400000 لفافة، كما قدرها أولوس جيليوس Aulus Gellius 700000 لفافة. وربما جاء هذا الاختلاف من أن تقدير أولوس جيليوس كان للكتب التي في المكتبة الكبرى، وأن تقدير سينيكا كان للكتب التي في المكتبة الصغرى أي تلك الملحقة بمعبد السيرابيوم في الحي الأهلي، وعلي أي حال فقد أحتوت المكتبتان علي ما لا يقل عن مليون مؤلف.
حريق مكتبة الإسكندرية الكبرى
ظلت مكتبة الإسكندرية الكبرى تقوم بواجباتها العلمية والثقافية والحضارية في العالم القديم علي أكمل وجه حتى عام 47 ق.م، وهى السنة التي جاء فيها يوليوس قيصر إلي مصر، وذلك عندما علم بوجود بومبى فيها وذلك أبان صراعهما علي السلطة في روما، حيث قدم رجال بوثينوس Pothinus وزير بطليموس الثالث عشر، رأس بومبي إلى قيصر بهدف أن ينال مكافأة الأخير علي ذلك، علي أن قيصر تأثر وبكى عندما شاهد رأس بومبى ولم يكافأ بوثينوس، ونزل في القصر البطلمى وشرع ينظم شئون مصر، التي أخذت أحوالها تتدهور حيث كان يحكمها في ذلك الوقت كل من بطليموس الثالث عشر وشقيقته كليوباترا. وكان قيصر قد أستاء من نقي بوثينيوس لكليوباترا وتنصيب نفسه نائباً عن بطليموس ليحكم البلاد باسمه، ومن ثم استدعاها وأجلسها علي العرش هي وأخاها كما كان من قبل، ومن ثم تأمر بوثينيوس مع القائد المصري اخيلاس على قتل قيصر، وأبادة القوة العسكرية التى معه، وعندما علم قيصر بذلك دبر في الخفاء أغتيال بوثينيوس، وفراخيلاس وأتصل بالجيش المصري وحرضه علي الثورة، وسرعان ما امتلأت الإسكندرية بالجنود ينادون بالويل والثبور لقيصر، وأزاء هذا الظرف الحرج أحال قيصر القصر الملكي والملهى المجاور إلي قلعتين تحصن فيها هو ورجاله، ثم أرسل يطلب المدد.
ولما أدرك قيصر أن أسطوله الضعيف لم يكن فيه من يحميه وأنه لم يلبث أن يقع في يد أعدائه أمر بإحراقه، فحرق والتهمت بالنار جزءاً من مكتبة الإسكندرية لا يعرف علي وجه التحديد مداه، وأخيراً نجح قيصر بعد أن جاءه المدد، في هزيمة المصريين وكافأ كليوباترا علي إخلاصها له في هذه الأزمة فعينها وأخاها الأصغر بطليموس الرابع عشر ملكا علي مصر، وبذلك جعلها حاكمة البلاد الحقيقية .
وإذا كانت المكتبة الكبرى الملحقة بالجامعة بالقصر البطلمى في الحي الملكي قد أحرقت في سنة 47 ق.م، فإن مارك أنطونيوس أرسل مكتبة برجاموم هدية إلي كليوباترا وإرضاء لها في عام 33 ق.م، وكانت هذه المكتبة تحتوى علي مأتى ألف مجلداً وقد ألحقتها كليوباترا بمعبد قيصرون التي بدأت في أقامته تخليداً لابنها من يوليوس قيصر في الحي الملكي، وقام اوغسطس بإكماله. وحافظ أباطرة الرومان علي المكتبة التي احتواها هذا المعبد فقد اقتفوا أثر البطالمة في تعيين الأمناء للإشراف علي ما تقوم به من خدمات ثقافية وأيضاً تنسيقها وتنظيمها كما كان في المكتبة الكبرى قبل احتراقها. ولما كان هؤلاء الأمناء من العلماء، فقد كلفوا بتحقيق النصوص الأدبية التي في المكتبة والتعليق عليها ونقدها. وكان من ابرز هؤلاء العلماء فيلوكسينوس الذي ذاعت شهرته في عهد طيباريوس حتى لقد دعاه للتدريس في روما. كذلك العالم بامفيلوس الذي جمع مجلدات ضخمة من النصوص الأدبية التي أصبحت منهلا عذباً للأدباء في العصور التالية، كما أضاف ارستونيكوس بتعليقاته علي أشعار هوميروس، واقتفى أبيون أثره، وغيرهم أن أصبحت مكتبة السيرابيوم ومكتبة معبد قيصرون من أشهر مراكز الثقافة في العلم في ذلك الوقت، وبهما استعادت الإسكندرية مكانتها إلي حد ما .
 

This site was last updated 10/06/10