جريدة وطنى 30/3/2008م السنة 50 العدد 2114 عن مقالة بعنوان [ قصة كنيسة..وبناء كاتدرائية ]
*لماذا اختارت العذراء كنيسة الزيتون لتتجلي فوق قبابها؟
السؤال الذي طرح نفسه منذ أربعين عاما ومازال يتجدد حتي اليوم...والإجابة تعود بنا إلي البداية...بداية قصة هذه الكنيسة.
الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة
**حتي بدايات القرن العشرين كانت الزيتون ضاحية من ضواحي القاهرة تتميز بالهدوء وتحيط مساكنها المعدودة أشجار الزيتون ولهذا أطلقوا عليهاالزيتونوكان أول من عمر هذه المنطقة رجل تقي يدعي خليل بك إبراهيم..وقيل إن السيدة العذراء ظهرت له وطلبت منه أن يبني كنيسة باسمها في هذا المكان,ووعدت أنها سوف تتجلي فيها بعد خمسين عاما لتباركها...ولكن المنية عاجلته ورحل عن دنيانا في نفس العام,فتعهد ابنه-توفيق-بتحقيق أمنية والده في تنفيذ دعوة العذراء له..فتقدم توفيق بك خليل بطلب في20أكتوبر من عام1924 إلي صاحب القداسة والغبطة الأنبا كيرلس الخامس بابا وبطريرك الكرازة المرقسية وقتها يطلب فيه بناء كنيسة بضاحية الزيتون لأن فيها عددا وفيرا من الشعب القبطي محروم من وجود كنيسة لتأدية واجب العبادة والصلاة..وأعقب ذلك تحرير عقد بيع قطعه أرض مساحتها 1096 مترا مربعا بشارع طومانباي طرفه الأول مالكها توفيق بك خليل وشقيقة والده السيدة فيكتوريا إبراهيم,وطرفه الثاني صاحب الغبطة والقداسة الأنبا كيرلس الخامس لبناء كنيسة للأقباط الأرثوذكس في ضاحية الزيتون.
**لم تمض أيام إلا وكان توفيق بك قد حصل علي موافقة المحافظ...وعلي الفور استدعي المهندس المعماري الإيطاليليمونجيليلوضع تصميم الكنيسة والإشراف علي بنائها..وبنيت الكنيسة علي شكل مصغر لكنيسة آجا صوفيا في إسطانبول بتركيا...وتتميز الكنيسة بوجود خمسة قباب قبة كبيرة في الوسط بارتفاع 17 مترا,وأربع قباب صغيرة تحيط بالكنيسة في الزوايا الأربع بارتفاع12 مترا وخلال عام واحد فقط كان قد تم بناؤها,وأحضر توفيق بك خليل فنانين من إيطاليا خصيصا لرسم الصور والزخرفة التي تملأ جدران الكنيسة من الداخل,وأحيطت الكنيسة بحديقة غاية في الروعة والجمال بها أشجار رمان ونخيل وورد وشجرة جميزة مازالت موجودة حتي اليوم...وفي عام1925 قام نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف بتدشين الكنيسة في عام1925.
**في مساء 2أبريل سنة1968-قبل خمسين عاما من حلم خليل بك-تجلت العذراء فوق قباب الكنيسة في عهد قداسة البابا كيرلس السادس الذي شكل لجنة بابوية من الإكليروس عاينوا الكنيسة وسهروا مع الناس القادمين من كل مكان لمشاهدة القديسة العذراء مريم...وقدموا تقريرهم الذي جاء فيهلقد ثبت للجنة ظهور مريم العذراء,وأن كثيرين من الذين شاهدوها من المسلمين وأنه ظهور حقيقي لا خداع فيه...وفي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم السبت 4مايو 1968 وأذاع المقر البابوي الخبر في مؤتمر صحفي,قرأ فيه نيافة الأنبا أثناسيوس أسقف بني سويف بيان قداسة البابا كيرلس السادس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بإعلان حقيقية طهور القديسة العذراء مريم بالكنيسة المدشنة باسمها بضاحية الزيتون.
*نعود إلي بداسة السؤال:لماذا اختارت العذراء كنيسة الزيتون لتتجلي فوق قبابها؟!
**قصة بناء الكنيسة كما عرضناها كانت باختيار من الرب في حلم لأحد أعيان ضاحية الزيتون وبوعد من السيدة العذراء بالظهور في الكنيسة...وهذا يأخذنا إلي سؤال آخر-ربما كان لابد أن يأتي أولا - لماذا كان اختيار العذراء لمنطقة الزيتون؟!
الحقيقة أن هناك أكثر من سبب كان قد أوضحها المتنيح القمص بطرس جيد راعي الكنيسة بعد الظهور....فالزيتون رمز السلام,وعندما أرسل نوح حمامة لتبشره بانحسار الماء عادت الحمامة وفي منقارهاغصن زيتونرمزا لظهور الأشجار والحياة...والسيد المسيح عندما دخل أورشليم حياة الناس بأغضان الزيتون...وكان زيت الزيتون قديما يضئ السرج في خيمة الاجتماع حسب شريعة موسي ...ويقال في ذكصولوجية العذراءالسلام لك يا مريم,السلام لك يا أصل الصديقين,السلام للعفيفة أكثر من الملائكة,السلام لشجرة الزيتون أساس المؤمنين,السلام للمباركة أم يسوع...وشجرة الزيتون دائمة الخضرة فهي رمز النمو والإخصاب والتجديد الدائم والحياة المسيحية المتكاملة المثمرة التي لا تذيل..وعلي جبل الزيتون كان الرب يمضي الليل كله في الصلاة وفي ليلة آلامه تشربت الأرض بعرقه الذي كان ينساب كقطرات الدم فتقدست أرضه وتعطرتوبعد أن عدد القمص بطرس جيد كل هذه الأسباب قال:وتجلت العذراء في منطقة الزيتون لأنها في هذا المكان استراحت من عناء السفر هي وابنها الحبيب في رحلة العائلة المقدسة لمصر.
كان ظهور العذراء فوق قباب الكنيسة نقطة تحول كبيرة في تاريخ الكنيسة والمنطقة إذ أصبحت مزارا عالميا يحج إليه الناس من كل مكان في العالم ومن كل الأديان..فكيف صارت الأمور؟!
**عقب البيان البابوي زاد توافد الناس علي الكنيسة,وزارها-بعد ظهر يوم5مايو1968-سعد زايد محافظ القاهرة وقتئذ يرافقه مدير الأمن وكبار رجال المحافظة,وتفقدوا الكنيسة وما حولها,واجتمع المحافظ بالقمص قسطنطين موسي راعي الكنيسة واستمع إلي مقترحاته التي تناولت نقل الجراج المقابل للكنيسة إلي كان آخر للاستفادة منه في استقبال الجموع المتوافده...وبعد ثلاثة أيام-الأربعاء8مايو1968-عقد عادل طاهر وكيل وزارة السياحة وأعضاء لجنة السياحة الدينية اجتماعا بتكليف من الدكتور محمد حافظ وزير السياحة حضره المسئولون بحي الزيتون والقيادات الشعبية بالمنطقة ولجنة موفدة من قداسة البابا مثلث الرحمات الأنبا كيرلس السادس,وتقرر في هذا الاجتماع إعداد تخطيط هندسي جديد للمنطقة وشراء الجراج المواجه للكنيسة وإعداده لاستقبال الوفود..واستمرت التجليات لأكثر من عام شهدت الكنيسة خلالها توافد الملايين...وفي أبريل1972 تباركت الكنيسة بزيارة قداسة البابا شنودة الثالث ليرأس الاحتفال بالعيد الرابع لتجلي العذراء-أول عيد بعد جلوس قداسته علي الكرسي المرقسي في نوفمبر1971-وكان احتفالا دينيا وشعبيا ورسميا حضره مع الآباء الأساقفة والكهنة كبار رجال الدولة وممثلون عن الدول الأجنبية,وفيه صرح قداسة البابا بأنه تم شراء أرض الجراج المقابل للكنيسة تمهيدا لبناء كاتدرائية كبري باسم السيدة العذراء..وفي الوقت الذي كان يتم فيه مسح الأرض وعمل الرسومات والتصميمات صدر في16مارس 1975 القراري الجمهوري-رقم 236 لسنة 1975-بإقامة كنيسة السيدة العذراء بالزيتون...وبعد أيام من صدور القرار الجمهوري-في 25مارس1975-وضع قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث حجر الأساس لبناء كاتدرائية العذراء.
*لم يكن أحد يتصور من قبل أن الأرض التي كانت جراجا لسيارات هيئة النقل العام يمكن أن تشيد فوقها كاتدرائية كبري للعذراء...إنها قصة أخري عمرها أربعة عشر عاما منذ أن وضع قداسة البابا شنودة الثالث حجر الأساس في مارس1975 إلي أن دشنها قداسته في مارس1989...وأدعوكم إلي تفاصيل قصة الكاتدرائية....وهي معجزة فوق أرض الزيتون أيضا وكان القمص بطرس جيد قد حكي لي هذه التفاصيل في حينها ونشرتها علي صفحاتوطني...قال لي يومها:
**كان لابد من تخطيط المنطقة لتتناسب ومكانتها التاريخية بعد مجئ العذراء إليها ولتتهيأ لاستقبال الأعداد الكبيرة من الزائرين المصريين والأجانب الذين يتوافدون لنوال البركة....من هنا جاءت فكرة إقامة كاتدرائية باسم السيدة العذراء في مواجهة الكنيسة التي تجلت العذراء فوق قبابها لتبقي مزارا لكل شعوب العالم,وتتسع الكاتدرائية الجديدة للآلاف الوافدة وللخدمة الروحية لأبناء الزيتون..وأحسسنا يومها أن معجزة جديدة حدثت وأنها بركة من الرب...وكان قداسة البابا يحرص كل الحرص أثناء متابعته لتصميم الكاتدرائية وتنفيذها علي أن تجمع بين الجلال والبساطة...وتحقق ما أراد.
*أذكر هنا أن قداسة البابا شنودة الثالث عندما ذهب فجر الخميس 30مارس 1989 لتدشين مذابح الكاتدرائية..قال:
**آلاف الكنائس في العالم قبابها نقشت بأيقونات لأعظم الفنانين,وبعض القباب رأيتها في كنائس أوربا مصفحة بالذهب,ولكن لا توجد أجمل من قباب كنيسة الزيتون التي غلفت بالنور حينما ظهرت عليها العذراء....هذا مجد تشتهيه كنائس العالم في كل البلاد ولا تحصل عليه...لقد جاءت العذراء إلي مصر بالجسد هاربة من هيرودس,وجاءت إلي مصر بالروح لتمنحها البركة...