جريدة وطنى بتاريخ الأحد 3/2/2008م السنة 50 العدد 2406 عن مقالة بعنوان [ درة الكنائس الأثرية بدير الأنبا أنطونيوس ] الراهب:إيليا الأنطوني
تعتبر كنيسة الأنبا أنطونيوس الأثرية بديره العامر بالبحر الأحمر في الصحراء الشرقية,درة كنائس الدير وأقدمها,وهي واحدة من الكنائس التي حفظت لنا فن الأيقونة من العصور الوسطي في مصر....يرجع تاريخ بنائها إلي عهد الأنبا أنطونيوس نفسه,وبنيت علي مراحل في أزمنة مختلفة,وتتكون من كنيستين,الأولي باسم 'الأربع كائنات غير المتجسدين' بناها الأنبا أنطونيوس في أوائل القرن الرابع الميلادي,وبعد تزايد عدد الرهبان أمر ببناء كنيسة كبيرة ملاصقة للأولي باسم السيدة العذراء...وبعد نياحته دفنه تلاميذه تحت مذبحها حسب وصيته,ثم تم إزالة الحائط المشترك بين الكنيستين,وضمهما معا فصارت الكنيسة بصورتها الحالية وعرفت باسم كنيسة الأنبا أنطونيوس الأثرية.
تمتلئ الكنيسة بلوحات جدارية فريدة الألوان والأشكال والرموز العقائدية واللاهوتية قام برسم أغلبها في القرن الثالث عشر الميلادي (1232-1233م) فريق من الرسامين بقيادة فنان يدعي تادرس,وبمرور الوقت اكتست اللوحات بطبقة من السناج والكربون نتيجة استعمال الشمع والبخور والفحم,فلم تعد للألوان زهوتها,وفي عام 1996بدأ العمل في مشروع متكامل لتنظيف الجداريات وترميمها...تمكن الدارسون من تحديد زمن رسم بعض هذه الأيقونات,فأقدمها يرجع للقرن السادس الميلادي,ثم عثر علي طبقة أخري مرسومة يرجع تاريخها للقرن التاسع الميلادي.
تصنيف آخر للوحات الكنيسة
وتعتبر استنتاجات العالم (نيتشتيلوف) مختلفة إلي حد ما,حيث قسم المجموعات إلي ست مجموعات زمنية,الأولي تعود إلي الفترة السابقة علي القرن الثالث عشر,وتضم لوحات الأربع كائنات غير المتجسدين,وذبيحة إسحاق والقديس مارمرقس وأثناسيوس والبطاركة والأنبياء والقديس كيرلس وديوسقوروس,أما الثانية فيعود تاريخها إلي القرن الثالث عشر وتتضمن لوحات القديس مكاريوس والبطاركة,والقديس مارجرجس,ونبوخذ نصر,أما القرنان الرابع عشر والخامس عشر فتنتمي إليهما لوحات رئيس الملائكة ميخائيل ورئيس الملائكة جبرائيل والمريمات عند القبر,والقيامة من بين الأموات.
بينما يعود تاريخ لوحات القديسين المحاربين في صحن الكنيسة إلي أوائل القرن السادس عشر,أما المجموعة الأخيرة التي تتضمن اللوحات التي في وسط الكنيسة علي الحائطين الشمالي والجنوبي فتم رسمها في القرن السادس عشر,أما العالم 'دوريس' فاعتبر أن أقدم اللوحات هي تلك التي تمثل الملائكة ميخائيل وجبرائيل,وتنتمي إلي القرن العاشر تقريبا.
وساعدت الألوان التي استخدمت في اللوحات علي عمل هذا التصنيف وبذلك فإن اللوحات في كنيسة الأربع كائنات ولوحات القديس أثناسيوس والبطاركة,والأنبياء,جميعا رسمت فوق خلفية خضراء بلون الزيتون داخل إطار من الدوائر البيضاء وضع في خطين متوازيين,وتنتمي جميعها إلي نفس الطراز مع تحديد بالخط الأسود والبني,أما المجموعة التي تضم القديس مكاريوس,والقديس مارجرجس والبطاركة فهي مرسومة علي خلفية من الصلصال مع ثلاث درجات من عمق اللون,واستخدمت ألوان الصلصال في هذه اللوحات مع لون أعمق للوجوه والرؤوس,ويساعد أيضا في فصل مجموعات اللوحات اعتبارات معينة متعلقة بأسلوب الرسم للأشخاص.
البناء المعماري للكنيسة
تتميز الكنيسة بطابع معماري وفني فريد ترجع أصوله إلي الحضارة الفرعونية,ويبدو ذلك جليا في الفكر الديني في البناء المعماري الذي يجعل الكنيسة من مدخلها تبدو متسعة الحجم يصغر كلما اتجهنا للداخل جهة قدس الأقداس,حيث يكون الهيكل أعلي فيصبح مركزا للرؤية ليجذب أنظار المؤمنين.كذلك القباب التي جمعت بين الطرازين الفرعوني والقبطي,فهي من الخارج مدرجة علي غرار الأهرامات لتدل علي الخلود والبقاء,ومن الداخل قبة كاملة الاستدارة ترمز للسماء.
توضح الكنيسة تاريخ المسيحية كله بدءا من عصر الاستشهاد في الخورس الثالث بأيقوناته,دخولا إلي عصر الرهبنة في الخورس الثاني كامتداد لعصر الاستشهاد ولكن بدون سفك دم,وصولا إلي الخورس الأول الذي يمثل أورشليم السمائية حتي نسمو إلي حضن الآب المسيح نفسه في المذبح,حيث الكنيسة مجتمعة بكل شهدائها ورهبانها القديسين حول الخروف المذبوح القائم من بين الأموات,الجالس علي العرش في مجده 'كما في قبة الهيكل الأوسط' وحوله الشاروبيم والسيرافيم والأربع والعشرون قسيسا جلوسا علي كراسيهم وأربعة وعشرون جامة من ذهب في أياديهم مملوءة بخورا هي صلوات القديسين (رؤ5:8)
وصمم سقف الخورس الأول علي شكل قبو مضلع مصنوع من قطع طولية من الخشب كسقف فلك نوح,حيث تعتبر الكنيسة كسفينة..يزين هذا السقف طاقات متجاوزة مصنوعة من الزجاج الشفاف الملون,الأخضر والأحمر والبنفسجي,علي هيئة تشبه إلي حد كبير الطاقات الموجودة في السفن...وزخرف القبو من الداخل زخارف متنوعة ونقوش ملونة عبارة عن زهور وأشكال فنية تعتبر من أقدم أعمال العصر الأيوبي في مصر.
************************
المــــــــراجع
1 -الكنيسة الأثرية - مجمع رهبان الدير2003.
2 -الأديرة الأثرية في مصر-ك.ك.والترز,ترجمة إبراهيم سلامة-مكتبة الأسرة 2005.
3 - شرح معالم الدير-مذكرة غير منشورة-الراهب إيليا الأنطوني.
4 - فم الأيقونة - بول أفدوكيموف,ترجمة إيريس المصري 1983.