Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الخليفة السادس لبنى أمية : أبو العباس / الوليد بن عبد الملك

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أم البنين
باقى سنة 86 خلافة الوليد
سنة سبع وثمانين
سنة ثمان وثمانين
سنة تسع وثمانين
 سنة تسعين
سنة إحدى وتسعين
سنة اثنتين وتسعين
سنة ثلاث وتسعين
سنة أربع وتسعين
سنة خمس وتسعين
سنة 96 موت الوليد

******************************************************************************

الخليفة السادس لبنى أمية : أبو العباس / الوليد بن عبد الملك

خلافة الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء التاسع ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

*****

لما رجع من دفن أبيه خارج باب الجابية الصغير - وكان ذلك في يوم الخميس وقيل الجمعة للنصف من شوال من هذه السنة - لم يدخل المنزل حتى صعد المنبر - منبر المسجد الأعظم بدمشق فخطب الناس فكان مما قال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، والله المستعان على مصيبتنا في أمير المؤمنين، والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة، قوموا فبايعوا‏.‏ فكان أول من قام إليه عبد الله بن همام السلولي وهو يقول‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/85‏)‏

الله أعطاك التي لا فوقها * وقد أراد الملحدون عوقها

عنك ويأبى الله إلا سوقها * إليك حتى قلدوك طوقها

ثم بايعه وبايع الناس بعده‏.‏ وذكر الواقدي أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أيها الناس إنه لا مقدم لما أخر الله، ولا مؤخر لما قدم الله، وقد كان من قضاء الله وسابقته ما كتبه على أنبيائه وحملة عرشه وملائكته الموت، وقد صار إلى منازل الأبرار بما لاقاه في هذه الأمة - يعني بالذي يحق لله عليه - من الشدة على المريب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام الله من منار الإسلام وإعلائه من حج هذا البيت وغزو هذه الثغور وشن هذه الغارات على أعداء الله عز وجل فلم يكن عاجزاً ولا مفرطاً، أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد، أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه‏.‏

ثم نزل فنظر ما كان من دواب الخلافة فحازها‏.‏ وكان جباراً عنيداً‏.‏ وقد ورد في ولاية الوليد حديث غريب، وإنما هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك كما سيأتي، وكما تقدم تقريره في دلائل النبوة في باب الأخبار عن الغيوب المستقبلة، فيما يتعلق بدولة بني أمية، وأما الوليد بن عبد الملك هذا فقد كان صيناً في نفسه حازماً في رأيه، يقال إنه لا تعرف له صبوة، ومن جملة محاسنة ما صح عنه أنه قال‏:‏ لولا أن الله قص لنا قصة قوم لوط في كتابه ما ظننا أن ذكراً كان يأتي ذكراً كما تؤتى النساء، كما سيأتي ذلك في ترجمته عند ذكر وفاته، وهو باني مسجد جامع دمشق الذي لا يعرف في الآفاق أحسن بناء منه، وقد شرع في بنائه في ذا القعدة من هذه السنة، فلم يزل في بنائه وتحسينه مدة خلافته وهي عشر سنين، فلما أنهاه انتهت أيام خلافته كما سيأتي بيان ذلك مفصلاً‏.‏ وقد كان موضع هذا المسجد كنيسة يقال لها كنيسة يوحنا، فلما فتحت الصحابة دمشق جعلوها مناصفة، فأخذوا منها الجانب الشرقي فحولوه مسجداً، وبقى الجانب الغربي كنيسة بحاله من لدن سنة أربع عشرة إلى هذه السنة، فعزم الوليد على أخذ بقية الكنيسة منهم وعوضهم عنها كنيسة مريم لدخولها في جانب السيف، وقيل عوضهم عنها كنيسة توما، وهدم بقية هذه الكنيسة وأضافها إلى مسجد الصحابة، وجعل الجميع مسجداً واحداً على هيئة بديعة لا يعرف كثير من الناس أو أكثرهم لها نظيراً في البنيان والزينات والآثار والعمارات، والله سبحانه أعلم‏.‏

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء التاسع ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

ترجمة الوليد بن عبد الملك

باني جامع دمشق وذكر وفاته في هذا العام

هو الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو العباس الأموي، بويع له بالخلافة بعد أبيه بعهد منه في شوال سنة ست وثمانين، وكان أكبر ولده، والولي من بعده، وأمه ولادة بنت العباس بن حزن بن الحارث بن زهير العبسي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/ 183‏)‏

وكان مولده سنة خمسين، وكان أبواه يترفانه، فشب بلا أدب، وكان لا يحسن العربية، وكان طويلاً أسمر به أثر جدري خفي، أفطس الأنف سائله، وكان إذا مشى يتوكف في المشية - أي يتبختر - وكان جميلاً وقيل دميماً، وقد شاب في مقدم لحيته، وقد رأى سهل بن سعد وسمع أنس بن مالك لما قدم عليه سأله ما سمع في أشراط الساعة، كما تقدم في ترجمة أنس، وسمع سعيد بن المسيب وحكى عن الزهري وغيره‏.‏

وقد روي أن عبد الملك أراد أن يعهد إليه ثم توقف لأنه لا يحسن العربية فجمع الوليد جماعة من أهل النحو عنده فأقاموا سنة، وقيل ستة أشهر، فخرج يوم خرج أجهل مما كان، فقال عبد الملك‏:‏ قد أجهد وأعذر، وقيل إن أباه عبد الملك أوصاه عند موته فقال له‏:‏ لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك، وتحن حنين الأمة، ولكن شمر واتزر، ودلني في حفرتي، وخلني وشأني، وادع الناس إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا‏.‏

وقال الليث‏:‏ وفي سنة ثمان وتسعين غزا الوليد بلاد الروم، وفيها حج بالناس أيضاً‏.‏

وقال غيره‏:‏ غزا في التي قبلها وفي التي بعدها بلاد ملطية وغيرها، وكان نقش خاتمه أؤمن بالله مخلصاً‏.‏ وقيل كان نقشه يا وليد إنك ميت، ويقال إن آخر ما تكلم به سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، وقال إبراهيم بن أبي عبلة قال لي الوليد بن عبد الملك يوماً‏:‏ في كم تختم القرآن‏؟‏ قلت‏:‏ في كذا وكذا، فقال‏:‏ أمير المؤمنين على شغله يختمه في كل ثلاث، وقيل في كل سبع، قال‏:‏ وكان يقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة‏.‏

قال إبراهيم رحمه الله‏:‏ الوليد وأين مثله بنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة فأقسمها على قراء بيت المقدس‏.‏

وروى ابن عساكر بإسناد رجاله كلهم ثقات عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبيه، قال‏:‏ خرج الوليد يوماً من الباب الأصغر فرأى رجلاً عند المئذنة الشرقية يأكل شيئاً، فأتاه فوقف عليه فإذا هو يأكل خبزاً وتراباً، فقال له‏:‏ ما حملك على هذا‏؟‏ قال‏:‏ القنوع يا أمير المؤمنين، فذهب إلى مجلسه ثم استدعى به فقال‏:‏ إن لك لشأناً فأخبرني به وإلا ضربت الذي فيه عيناك، فقال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين كنت رجلاً حمالاً، فبينما أنا أسير من مرج الصفر قاصداً إلى الكسوة، إذ زرمني البول فعدلت إلى خربة لأبول، فإذا سرب فحفرته فإذا مال صبيب، فملأت منه غرائري، ثم انطلقت أقود برواحلي وإذا بمخلاة معي فيها طعام فألقيته منها، وقلت‏:‏ إني سآتي الكسوة، ورجعت إلى الخربة لأملأ تلك المخلاة من ذلك المال فلم أهتد إلى المكان بعد الجهد في الطلب، فلما أيست رجعت إلى الرواحل فلم أجدها ولم أجد الطعام، فآليت على نفسي أني لا آكل إلا خبزاً وتراباً‏.‏ قال‏:‏ فهل لك عيال‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ففرض له في بيت المال‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/184‏)‏

قال ابن جرير‏:‏ وبلغنا أن تلك الرواحل سارت حتى أتت بيت المال فتسلمها حارسه فوضعها في بيت المال، وقيل إن الوليد قال له‏:‏ ذلك المال وصل إلينا واذهب إلى إبلك فخذها، وقيل إنه دفع إليه شيئاً من ذلك المال يقيته وعياله‏.‏

وقال نمير بن عبد الله الشعناني، عن أبيه، قال‏:‏ قال الوليد بن عبد الملك‏:‏ لولا أن الله ذكر قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكراً يفعل هذا بذكر‏.‏

قلت‏:‏ فنفى عن نفسه هذه الخصلة القبيحة الشنيعة، والفاحشة المذمومة، التي عذب الله أهلها بأنواع العقوبات، وأحل بهم أنواعاً من المثلات، التي لم يعاقب بها أحداً من الأمم السالفات، وهي فاحشة اللواط التي قد ابتلى بها غالب الملوك والأمراء، والتجار والعوام والكتاب، والفقهاء والقضاة ونحوهم، إلا من عصم الله منهم، فإن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد، ولهذا تنوعت عقوبات فاعليه، ولأن يقتل المفعول به خير من أن يؤتى في دبره، فإنه يفسد فساداً لا يرجى له بعده صلاح أبداً، إلا أن يشاء الله ويذهب خبر المفعول به‏.‏ فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه، وأن يجنبه مخالطة هؤلاء الملاعين، الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد اختلف الناس‏:‏ هل يدخل الجنة مفعول به‏؟‏ على قولين، والصحيح في المسألة أن يقال إن المفعول به إذا تاب توبة صحيحة نصوحاً، ورزق إنابة إلى الله وصلاحاً، وبدل سيئاته بحسنات، وغسل عنه ذلك بأنواع الطاعات، وغض بصره وحفظ فرجه، وأخلص معاملته لربه، فهذا إن شاء الله مغفور له، وهو من أهل الجنة، فإن الله يغفر الذنوب للتائبين إليه ‏{‏وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 11‏]‏‏.‏ ‏{‏فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 39‏]‏ وأما مفعول به صار في كبره شراً منه في صغره، فهذا توبته متعذرة، وبعيد أن يؤهل لتوبة صحيحة، أو لعمل صالح يمحو به ما قد سلف، ويخشى عليه من سوء الخاتمة، كما قد وقع ذلك لخلق كثير ماتوا بأدرانهم وأوساخهم، لم يتطهروا منها قبل الخروج من الدينا، وبعضهم ختم له بشر خاتمة، حتى أوقعه عشق الصور في الشرك الذي لا يغفره الله‏.‏ وفي هذا الباب حكايات كثيرة وقعت للوطية وغرهم من أصحاب الشهوات يطول هذا الفصل بذكرها‏.‏

والمقصود أن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له‏.‏ فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان‏.‏ فيقع في سوء الخاتمة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 29‏]‏ بل قد وقع سوء الخاتمة لخلق لم يفعلوا فاحشة اللواط، وقد كانوا متلبسين بذنوب أهون منها‏.‏ وسوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يسمع به كما ذكره عبد الحق الأشبيلي، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقداً وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/185‏)‏

والمقصود أن مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، وكانت لا تعرف بين العرب قديماً كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم‏.‏ فلهذا قال الوليد بن عبد الملك‏:‏ لولا أن الله عز وجل قص علينا قصة قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكراً‏.‏

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏‏)‏ رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من عمل عمل قوم لوط ثلاث مرات، ولم يلعن على ذنب ثلاث مرات إلا عليه، وإنما أمر بقتل الفاعل والمفعول به لأنه لا خير في بقائهما بين الناس، لفساد طويتهما، وخبث بواطنهما، فمن كان بهذه المثابة فلا خير للخلق في بقائه، فإذا أراح الله الخلق منهما صلح لهم أمر معاشهم ودينهم‏.‏ وأما اللعنة فهي الطرد والبعد، ومن كان مطروداً مبعداً عن الله وعن رسوله وعن كتابه وعن صالح عباده فلا خير فيه ولا في قربه‏.‏ ومن رزقه الله تعالى توسماً وفراسة ونوراً وفرقاناً عرف من سحن الناس ووجوههم أعمالهم، فإن أعمال العمال بائنة ولائحة على وجوههم وفي أعينهم وكلامهم‏.‏

وقد ذكر الله اللوطية وجعل ذلك آيات للمتوسمين فقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 73-75‏]‏ وما بعدها‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 29-31‏]‏ ونحو ذلك من الآيات‏.‏ والأحاديث فاللوطي قد عكس الفطرة، وقلب الأمر، فأتى ذكراً فقلب الله قلبه، وعكس عليه أمره، بعد صلاحه وفلاحه، إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى‏.‏

وخصال التائب قد ذكرها الله في آخر سورة براءة فقال‏:‏ ‏{‏التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 112‏]‏ فلا بد للتائب من العبادة والاشتغال بالعمل للآخرة، وإلا فالنفس همامة متحركة، إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، فلا بد للتائب من أن يبدل تلك الأوقات التي مرت له في المعاصي بأوقات الطاعات، وأن يتدراك ما فرط فيها وأن يبدل تلك الخطوات بخطوات إلى الخير، ويحفظ لحظاته وخطواته، ولفظاته وخطراته‏.‏

قال رجل للجنيد‏:‏ أوصني، قال‏:‏ توبة تحل الإصرار، وخوف يزيل العزة، ورجاء مزعج إلى طرق الخيرات، ومراقبة الله في خواطر القلب‏.‏ فهذه صفات التائب‏.‏ ثم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 112‏]‏ الآية‏.‏ فهذه خصال التائب كما قال تعال‏:‏ ‏{‏التَّائِبُونَ‏}‏ فكأن قائلاً يقول‏:‏ من هم‏؟‏ قيل‏:‏ هم العابدون السائحون إلى آخر الآية، وإلا فكل تائب لم يتلبس بعد توبته بما يقر به إلى من تاب إليه فهو في بعد وإدبار، لا في قرب وإقبال، كما يفعل من اغتر بالله من المعاصي المحظورات، ويدع الطاعات، فإن ترك الطاعات وفعل المعاصي أشد وأعظم من ارتكاب المحرمات بالشهوة النفسية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/186‏)‏

فالتائب هو من اتقى المحذورات، وفعل المأمورات، وصبر على المقدورات، والله سبحانه وتعالى هو المعين الموفق، وهو عليم بذات الصدور‏.‏

قالوا‏:‏ وكان الوليد لحاناً كما جاء من غير وجه أن الوليد خطب يوماً فقرأ في خطبته‏:‏ يا ليتها كانت القاضية فضم التاء من ليتها، فقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ يا ليتها كانت عليك وأراحنا الله منك، وكان يقول‏:‏ يا أهل المدينة‏.‏ وقال عبد الملك يوماً لرجل من قريش‏:‏ إنك لرجل لولا أنك تلحن، فقال‏:‏ وهذا ابنك الوليد يلحن، فقال‏:‏ لكن ابني سليمان لا يلحن، فقال الرجل‏:‏ وأخي أبو فلان لا يلحن، وقال ابن جرير، حدثني عمر، ثنا علي - يعني ابن عبد المدائني - قال‏:‏ كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلفائهم، بنى المساجد بدمشق، ووضع المنائر، وأعطى الناس، وأعطى المجذومين، وقال لهم‏:‏ لا تسألوا الناس، وأعطى كل مقعد خادماً، وكل ضرير قائداً، وفتح في ولايته فتوحات كثيرة عظاماً، وكان يرسل بنيه في كل عزوة إلى بلاد الروم، ففتح الهند والسند والأندلس وأقاليم بلاد العجم، حتى دخلت جيوشه إلى الصين وغير ذلك، قال‏:‏ وكان مع هذا يمر بالبقال فيأخذ حزمة البقل بيده، ويقول‏:‏ بكم تبيع هذه‏؟‏ فيقول‏:‏ بفلس، فيقول‏:‏ زد فيها فإنك تربح‏.‏

وذكروا أنه كان يبر حملة القرآن ويكرمهم ويقضي عنهم ديونهم، قالوا‏:‏ وكانت همة الوليد في البناء، وكان الناس كذلك يلقى الرجل الرجل فيقول‏:‏ ماذا بنيت‏؟‏ ماذا عمرت‏؟‏ وكانت همة أخيه سليمان في النساء، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول‏:‏ كم تزوجت‏؟‏ ماذا عندك من السراري‏؟‏ وكانت همة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن، وفي الصلاة والعبادة، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول‏:‏ كم وردك‏؟‏ كم نقرأ كل يوم‏؟‏ ماذا صليت البارحة‏؟‏

والناس يقولون‏:‏ الناس على دين مليكهم، إن كان خماراً كثر الخمر، وإن كان لوطياً فكذلك، وإن كان شحيحاً حريصاً كان الناس كذلك، وإن كان جواداً كريماً شجاعاً كان الناس كذلك، وإن كان طماعاً ظلوماً غشوماً فكذلك، وإن كان ذا دين وتقوى وبر وإحسان كان الناس كذلك وهذا يوجد في بعض الأزمان وبعض الأشخاص، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/187‏)‏

وقال الواقدي‏:‏ كان الوليد جباراً ذا سطوة شديدة لا يتوقف إذا غضب، لجوجاً كثير الأكل والجماع مطلاقاً، يقال‏:‏ إنه تزوج ثلاثاً وستين امرأة غير الإماء‏.‏ قلت‏:‏ يراد بهذا الوليد بن يزيد الفاسق لا الوليد بن عبد الملك باني الجامع، والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ بنى الوليد الجامع على الوجه الذي ذكرنا فلم يكن له في الدنيا نظير، وبنى صخرة بيت المقدس عقد عليها القبة، وبنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ووسعه حتى دخلت الحجرة التي فيها القبر فيه، وله آثار حسان كثيرة جداً، ثم كانت وفاته في يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة من هذه السنة، قال ابن جرير‏:‏ هذا قول جميع أهل السير، وقال عمر بن علي الفلاس وجماعة‏:‏ كانت وفاته يوم السبت للنصف من ربيع الأول من هذه السنة، عن ست وقيل‏:‏ ثلاث، وقيل‏:‏ تسع، وقيل‏:‏ أربع وأربعين سنة، وكانت وفاته بدير مران، فحمل على أعناق الرجال حتى دفن بمقابر باب الصغير، وقيل‏:‏ بمقابر باب الفراديس، حكاه ابن عساكر‏.‏

وكان الذي صلى عليه عمر بن عبد العزيز لأن أخاه سليمان كان بالقدس الشريف، وقيل‏:‏ صلى عليه ابنه عبد العزيز، وقيل‏:‏ بل صلى عليه أخوه سليمان، والصحيح عمر بن عبد العزيز، والله أعلم‏.‏ وهو الذي أنزله إلى قبره وقال حين أنزله‏:‏ لننزلنه غير موسد ولا ممهد، قد خلفت الأسلاب وفارقت الأحباب، وسكنت التراب، وواجهت الحساب، فقيراً إلى ما قدمت، غنياً عما أخرت‏.‏

وجاء من غير وجه عن عمر أنه أخبره أنه لما وضعه - يعني الوليد - في لحده ارتكض في أكفانه وجمعت رجلاه إلى عنقه‏.‏

وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر على المشهور‏.‏ والله أعلم‏.‏

قال المدائني‏:‏ وكان له من الولد تسعة عشر ولداً ذكراً، وهم عبد العزيز، ومحمد والعباس، وإبراهيم، وتمام وخالد وعبد الرحمن ومبشر ومسرور وأبو عبيدة وصدقة ومنصور ومروان وعنبسة وعمر وروح وبشر ويزيد ويحيى‏.‏ فأم عبد العزيز ومحمد أم البنين بنت عمه عبد العزيز بن مروان، وأم أبي عبيدة فزرية، وسائرهم من أمهات أولاد شتى‏.‏

قال المدائني وقد رثاه جرير فقال‏:‏

يا عين جودي بدمع ماجه الذكر * فما لدمعك بعد اليوم مدخر ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/188‏)‏

إن الخليفة قد وارت شمائله * غبراء ملحدة في جولها زور

أضحى بنوه وقد جلت مصيبتهم * مثل النجوم هوى من بينها القمر

كانوا جميعاً فلم يدفع منيته * عبد العزيز ولا روح ولا عمر

وممن هلك أيام الوليد بن عبد الملك زياد بن حارث التميمي الدمشقي، كانت داره غربي قصر الثقفيين، روى عن حبيب بن مسملة الفهري في النهي عن المسألة لمن له ما يغديه ويعشيه، وفي النفل‏.‏

ومنهم من زعم أن له صحبة، والصحيح أنه تابعي‏.‏

روى عنه عطية بن قيس ومكحول و يونس بن ميسرة بن حلبس، ومع هذا قال فيه أبو حاتم‏:‏ شيخ مجهول، ووثقه النسائي وابن حبان ، روى ابن عساكر أنه دخل يوم الجمعة إلى مسجد دمشق وقد أخرت الصلاة، فقال‏:‏ والله ما بعث الله نبياً بعد محمد صلى الله عليه وسلم أمركم بهذه الصلاة هذا الوقت، قال‏:‏ فأخذ فأدخل الخضراء فقطع رأسه وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك‏.‏

عبد الله بن عمر بن عثمان

أبو محمد، كان قاضي المدينة، وكان شريفاً كثير المعروف، جواداً ممدحاً، والله أعلم‏.‏

الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك بن مروان هدم منارة الأسكندرية طمعاً فى كنز قيل أنه يوجد تحته

وذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الأول 32 / 167 كتب قائلاً : " ومنارة الإسكندرية أحد بنيان العالم العجيب بناها بعض البطالسة ملوك اليونانيين بعد وفاة الإسكندر بن فيليبس الملك لما كان بينهم وبين ملوك رومة من الحروب في البرّ والبحر فجعلوا هذه المنارة مرقبًا في أعاليها مرآة عظيمة من نوع الأحجار المشفة ليشاهد منها مراكب البحر إذا أقبلت من رومة على مسافة تعجز الأبصار عن إدراكها فكانوا يراعون ذلك في تلك المرآة فيستعدّون لهم قبل ورودهم وطول المنارة في هذا الوقت على التقريب مائتان وثلاثون ذراعًا وكان طولها قديمًا نحوًا من أربعمائة ذراع فهدمت على طول الأزمان وترادف الزلازل والأمطار لأنّ بلد الإسكندرية تمطر وليس سبيلها سبيل فسطاط مصر إذ كان الأغلب عليها أن لا تمطر إلا اليسير وبناؤها ثلاثة أشكال فقريب من النصف وأكثر من الثلث مربع الشكل بناؤه بأحجار بيض يكون نحوًا من مائة ذراع وعشرة أذرع على التقريب ثم من بعد ذلك مثمن الشكل مبني بالحجر والجص نحو من نيف وستين ذراعًا وحواليه فضاء يدور فيه الإنسان وأعلاها مدوّر‏.‏
 
وقد كان ملك الروم في ملك الوليد بن عبد الملك بن مروان أنفذ خادمًا من خواص خدمه ذا رأي ودهاء فجاء مستأمنًا إلى بعض الثغور فورد بآلة حسنة ومعه جماعة فجاء إلى الوليد فأخبره‏:‏ أنه من خواص الملك وأنه أراد قتله لموجدةٍ وحال بلغته عنه لم يكن لها أصل وأنه استوحش ورغب في الإسلام فأسلم على يد الوليد وتقرّب من قلبه وتنصح إليه في دفائن استخرجها له من بلاد دمشق وغيرها من الشام بكتب كانت معه فيها صفات تلك الدفائن فلما صارت إلى الوليد تلك الأموال والجواهر شرهت نفسه واستحكم طمعه‏.‏
فقال له الخادم‏:‏ يا أمير المؤمنين إنَّ ها هنا أموالًا وجواهر ودفائن للملوك فسأله الوليد عن الخبر‏.‏
فقال‏:‏ تحت منارة الإسكندرية أموال ملوك الأرض وذلك أن الإسكندر احتوى على الأموال والجواهر التي كانت لشدّاد بن عاد وملوك مصر فبنى لها أزجًا تحت الأرض وقنطر لها الأقباء والقناطر والسراديب وأودعها تلك الذخائر من العين والورق والجوهر وبنى فوق ذلك هذه المنارة وكان طولها في الهواء ألف ذراع والمرآة في علوه والدبادبة جلوس حوله فإذا نظروا إلى العدوّ في البحر في ضوء تلك المرآة صوّتوا لمن قرب منهم ونشروا أعلامًا فيراها من بعد منهم فتحذر الناس وتنذر البلد فلا يكون للعدوّ عليهم سبيل‏.‏
فبعث الوليد مع الخادم بجيش وأناس من ثقاته وخواصه فهدم نصف المنارة من أعلاها وأزيلت المرآة فضج الناس من هذا وعلموا أنها مكيدة وحيلة في أمرها فلما علم الخادم استفاضة ذلك وأنه سينم إلى الوليد وأنه قد بلغ ما يحتاج إليه هرب في الليل في مركب كان قد أعدّه وواطأ على ذلك فتمت حيلته وبقيت المنارة على ما ذكرنا إلى هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة‏.‏
وكان حوالي منارة الإسكندرية في البحر مغاص يخرج منه قطع من الجوهر يتخذ منه فصوص للخواتم أنواعًا من الجواهر يقال‏:‏ إنّ ذلك من آلات اتخذها الإسكندر للشراب فلما مات كسرتها أمه ورمت بها في تلك المواضع من البحر ومنهم من رأى أن الإسكندر اتخذ ذلك النوع من الجواهر وغرّقه حول المنارة لكيلا تخلو من الناس حولها لأنّ من شأن الجوهر أن يكون مطلوبًا أبدًا في كل عصر ويقال‏:‏ إنّ هذه المنارة إنما جُعلت المرآة في أعلاها لأنّ ملوك الروم بعد الإسكندر كانت تحارب ملوك مصر والإسكندرية فجعل من كان بالإسكندرية من الملوك تلك المرآة تُري من يرد في البحر من عدوّهم وكان من يدخلها يتيه فيها إلا أن يكون عارفًا بالدخول والخروج فيها لكثرة بيوتها وطبقاتها وممرّاتها‏.‏
وقد ذكر‏:‏ أن المغاربة حين وافوا في خلافة المقتدر في جيش صاحب المغرب دخل جماعة منهم على خيولهم إلى المنارة فتاهوا فيها وفي طرق تؤول إلى مهاوٍ تهوي إلى السرطان الزجاج وفيه مخارق إلى البحر فتهوّرت دوابهم وفقد منهم عدد كثير وعلم بهم بعد ذلك وقيل‏:‏ إن تهوّرهم كان على كرسيّ لها قدّامها وفي المنارة مسجد في هذا الوقت يرابط فيه مطوّعة المصريين وغيرهم‏.‏
وفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة سقط رأس المنارة من زلزلة ويقال‏:‏ إنّ منارة الإسكندرية كانت مبنية بحجارة مهندمة مضببة برصاص على قناطر من الزجاج وتلك القناطر على ظهر سرطان وكان في المنارة ثلثمائة بيت بعضها فوق بعض وكانت الدابة تصعد بحملها إلى سائر البيوت من داخل المنارة ولهذه البيوتات طاقات تشرف على البحر وكانت على الجانب الشرقيّ من المنارة كتابة عُرّبت فإذا هي‏:‏ بنت هذه المنظرة قريبا بنت مرينوس اليونانية لرصد الكواكب‏.‏

This site was last updated 06/17/11