Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الخليفة العزيز بالله الفاطمى

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
العزيز بالله 344 -384

 

  الخليفة العزيز بالله الفاطمى 976 م - 996 م

وفى سنة 365 هـ - 386هـ , 975 م – 996م ترك المعز لدين الله الخلافة فخلفه إبنه وكان إسمه " نزار أبو منصور العزيز " وأطلق عليه إسم العزيز بالله حسب عادة الفاطمين عندما يتولى أحد خلفائهم الحكم فيعطونه إسماً منتسب لله  ويقول بعض المؤرخين أن المعز تنازل عن الخلافة لأبنه  ولما كان العزيز صغيراً فى السن ولم يكن له معرفه بالأمور السياسية وقيادة الجيش فأعاد تعيين جوهراً على قيادة الجيش فأظهر اللين والرفق فى معاملة المصريين فأحبه العامة والخاصة وكان العزيز باسلاً وسيماً شهماً عظيم الجسم قوى المنكبين مولعاً بالصيد ماهراً فيه كما كان قائداً شجاعاً وحاكما مدبراً لأمور شعبه وفوق هذا كله كان مرهف المشاعر , ميالاً إلى السلام ذا طبيعة سلسة , يمقت إراقة الدماء وينفر من التخاصم (1) وكان أيضاً يعطى لكل ذى حق حقه ويضع الإنسان المناسب فى المكان المناسب بغض النظر عن عقيدته ويقول المؤرخين المسلمين (2) : " أنه كان مثل أبيه شديد التسامح مع المسيحين , وكثيراً ما كان يجلس يستمع للمناقشات الدينية بين المسلمين والمسيحيين وبين المسيحين واليهود وجدد للمسيحين كنيسة أبى سيفين بعد أن كانت مستترة فى شكل مخزن للبضائع " -- وكلمة " التسامح "  لا تنطبق على حقوق المساواه بين أبناء مكان واحد ووطن واحد , وعين يعقوب إبن كلٌِس وزيراً كان يهودى إسرائيلى العقيدة ثم إعتنق الإسلام كما عين رئيس كتابه نصرانياً نسطورياً إسمه عيسى بن نِسْطُورس .

 
 وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 )  : " وقام من بعده ابنه ‏:‏ العزيز بالله أبو منصور نزار فأقام في الخلافة إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفًا ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانيةأشهر وأربعة عشر يومًا في الثامن والعشرين من رجب سنة ست وثمانين وثلثمائة بمدينة بلبيس وحمل إلى القاهرة‏

وبمضى الزمن صار كل شئ فى قصرة فخماً من حاشية وموائد ودواب .. وقد قيل : " إن خبوله كانت تُكسىِ الزرد المطعم بالذهب , وتغطى بأقمشة مرصعة بالجواهر ومعطرة بالعنبر " إلى غير ذلك من انواع الفخامة والترف

وبذل العزيز الكثير من المال فى إقامة المبانى وحفر الترع وإنشاء الجسور ( الكبارى - وإنشاء وتقوية جسور ترابية للحد من فيضان النيل لزراعة الأرض) وإنشاء مرافئ للسفن .. وبدأ بناء الجامع الذى يعرف بجامع " الحاكم" ( أطلق عليه أبنه الحاكم أسمه عليه لأنه هو الذى أتمه) بجوار باب الفتوح .

وكان قد بدأ بتقليد جديد بأن كان يسير فى موكب إلى الجامع فى كل يوم جمعة من رمضان للصلاة بالناس .. وكان أول من استخدم من الفاطميين جنود الترك وسادت فى عهده الأمان وأمتدت خلافته من المحيط الأتلنتى إلى شرق الحجاز , ومن اليمن إلى أعالى الفرات .

ويقول جاك تاجر فى كتابه أقباط ومسلمون (3): " أنه فى خلافة العزيز وبعدها نرى السلطه هى التى تولى العمل ببناء الكنائس للنصارى وتسهر على حراسة العمال إذا إقتضى الحال ذلك وبينما كان المؤرخون النصارى بهللون لوال لم يظلم أبناء جلدتهم عمل العزيز على إلغاء الفوارق الإجتماعية بين المسلمين والذميين "

وحدث فى أيامه أن غزا هفكتين أحد أمراء بغداد بلاد سورية وفلسطين فجهز جوهر الصقلى جيشاً لمحاربته بقوة هائلة وبعد حروب أريق فيها الدماء أنهاراً وبعد عدة مواقع حربية كان النصر فيها حليف لهفكتين وتحصن جوهر الصقلى فى عسقلان وكان ينتظر وصول مؤن وإمدادات حربية من مصر فلما تأخرت فإضطر أن أن يعقد صلحاً مهيناً وكان شرط خروجه وهو محاصر فى عسقلان من تحت سيف هفكتين هو وأمراء الجيش أن يدفع غرامة حربية كبيرة

ولما عاد إلى مصر وجد العزيز مستعداً بالمؤونه وجهز جيشاً حربياً آخر قوياً فعاد مع مولاه وجدد الحرب ولما بلغ فلسطين وجد هفكتين لايزال فى عسقلان فأصلاه نار حرب تشيب لها النواصى وتنفطر لها القلوب وفى ساعة واحدة إنكسر هفكتين هو وجنوده وتفرق شملهم وتفتت قواته وإلتجأ إلى الفرار فلحق به أحد العربان وقيدة وأتى به إلى العزيز مكبلاً فرجع به إلى مصر وأبقاه حياً عنده

وذكر المؤرخون (4): " أن خيول الخليفة العزيز بالله كانت تُكٌسى الزمرد المطعم بالذهب , وتغطى بأقمشة مرصعه بالجواهر ومعطرة بالعنبر "  ولأول مرة فى تاريخ مصر بعد عمر ابن العاص يهتم حاكماً مسلماً بإقامه المبانى وحفر الترع وإنشاءالجسور ( الكبارى ) وإصلاح مرافئ السفن وإنشاء العديد منها , وبدأ ببناء الجامع الذى يعرف الآن بجامع الحاكم إلا أن إبنه الخليفة الحاكم بأمر الله هو الذى أتم بناؤه وهوالموجود بجوار باب الفتوح , وكان هو أول من إتبع تقليداً جديداً بأن يسير فى موكب يتقدمه حراسه ذاهباً إلى الجامع كل يوم جمعة فى شهر رمضان يؤوم الصلاة بالناس , كما أنه كان أول الخلفاء الفاطمين الذين أنشاوا جيشاً قوياً إستخدم فيه  جنود زنجية وتركية ولمهارته فى الإدارة ساد فى عهده الأمان والسكينه والسلام فى البلاد وإمتد ملكه من المحيط الأتلنتى إلى شرقى الحجاز ومن اليمن حتى شمال الفرات وخطب له على منابر اليمن فى صلاة الجمعة (5)

ولم يكن العزيز رجلاً ضعيفاً لأن عهده إمتاز بالحروب الدفاعية التى قام بها على الحدود الشرقية لإمبراطوريته , وقام بتنظيم إدارة حازمة داخل البلاد  ولكى تستطيع خلافته أن تواجه هذه المصروفات الضخمة التى تتطلبها الجيوش لحماية البلاد فقد وضع بيت المال تحت رقابة شديدة وحدد مرتبات ثابته لموظفيه ومنعهم منعاً باتاً من قبول أى رشوة أو أى هدية وأمر بألا يصرف شئ إلا بمقتضى وثيقة مكتوبة (6)

ويقول جاك تاجر فى اقباط ومسلمون  : " كان العزيز قد تزوج من إمرأه نصرانية من طائفة الملكيين ( الأروام) وأنجب منها ضمن ما أنجب بنتاً أسماها " ست الملك " وكانت أخلاقها تشبه أخلاق والدتها أو بمعنى آخر كانت تعطف كثيراً على النصارى وكان العزيز يحب زوجته وأبنته حباً جماً ويعمل برأيهما إلى حد جعله يصدر أمراً مخالفاً للقانون وهو تعيين " أرسين" و " أرستيد" من طائفة الملكيين  بطريركين الأول على الأسكندرية والآخر على أنطاكيه وأورشليم "

وحكم العزيز واحد وعشرين سنة وفاجاته المنية وهو يستحم فى حمامه فى بلبيس سنة 996 م وبدأ حكم إبنه وهو صغير تحت وصاية عبده برجوان  

الأمانه هى سر قوة الأقباط الرب يبطل مشوره يعقوب إبن كلس وزير كافور

الإخشيد والى مصر

ووصل كتاباً من الخليفة العباسى  إلى كافور الإخشيد والى مصر يأمره فيه بزيادة الجزية والخراج على الأقباط ويقوم بتقدير الإيرادات الوارده للخزينة من جزية وخراج .. ألخ مصر لمدة سنة واحده فكانت حساباتها 3 مليون و 270 ألف دينار وعندما حسب النفقات التى تصرف على متطلبات الدولة والأموال التى تدفع للخليفة فوجد بها عجز 200 ألف دينار , فأحضر كافور وزيره وكان إسمه إبن كلا وقال له : " ما الذى يجب أن نفعله فى هذا العجز ؟ " فاشار عليه أن يأخذ من الرواتب مائة ألف دينار وفى الجزية والخراج  يزيدها مائة ألف دينار فيصير إرتفاع المصاريف يتساوى مع الإيراد – ولما خرج من عنده أحضر كافور الإخشيد الشيخ أبو اليمن قزمان إبن مينا المؤمن النصرانى وكان ناظراً ومشرفاً على أعمال الجزية والخراج فى منطقة بابليون ( مصر) وظل يعمل فى هذا المنصب حتى جلوس الأنبا أفرآم على كرسى مار مرقس الرسول وقال له : إبحث هذه الأعمال وأشر على بما أفعله من صواب والعدل من السلطان للخلق ( الناس) " فقال أبو اليمن : " سمعت بأخبار أمر الخليفة وفهمت ولا يجوز لى الكلام فيه " .. فأمنه على حياته وأقسم عليه بأن يقول ما عنده وأخبره بما قاله الوزير إبن كلا , فقال : " أما أنا فقد ألزمتنى وأمرتنى وإستحلفتنى أن أذكر ما عندى فأنا أقول بحسب خبرتى أن الذى أشار عليك بأن تثقل على أرزاق الناس ورواتبهم والذين يعولهم الله وتعولهم أنت أيضاً فقد أغرى بك واراد قبح سمعتك عند الناس والله , لأن الله جرى أرزاقهم على يديك فإن فعلت بهم ذلك قطع الله عنك رزقك وتركك , أما ما أشار به عليك من زياده الضرائب على ضرائب مستقرة من زمن الذى يؤسس ذلك أصله وفرعه قد عرق مقعده ومكانه فى جهنم لأن إحداث رسوم وزيادة ضرائب يبعد عن الله فى مقاصده " فأعجب كافور الإخشيد بقوله وإستعان بمشورته ونصحه ولما مر عليه فى اليوم التالى أمر حاجب الحجاب بالقبض عليه وان يعاقبه إلى أن يدفع العجز من ماله وقال له : " أردت أن تسئ إلى سمعة الوالى وتقبح سيرته أمام مولاه وأمر كافور الإخشيد الوالى بأن تخفض الضرائب على الأراضى بنسبة الثلث وكتب بها كتب وأرسلها إلى سائر بلاد مصر وقراها فزاد إرتفاع الوارد للخزينة فى هذه السنة 400 ألف دينار فأمر بأن يدعى على ( يلعن ) الوزير إبن الكلا فى مكة وأن يدعى للشيخ أبو اليمن قزمان إبن مينا , وكتبت لعنة الوزير على الحوائط والجدران .     

عندما أصبح الأنبا أبرآم بطركا ظل أبو اليمن قزمان إبن مينا وزيراً قبطياً , وكان هذا الوزير رجلاً متدين جداً بتول أى لم يتزوج قط , ولم يسمع عنه أنه كان يفعل ما يفعله الشباب وكان يفعل الخير مع كل الناس , حسن السيرة يحبه كل واحد , ونال نعمه ومحبه لدى الرؤساء وبالأكثر لدى الخليفة المعز لدين الله الفاطمى وذلك بحسن سيرته ونيته ودقه أمانته , وحدث أنه كان يقبل قوله وينفذ مشورته فأمر بأن يتولى جمع الخراج من جميع أرض مصر ولما رأى الوزير اليهودى يعقوب إبن كلس أن نجم أبو اليمن بدأ أن يسطع نوره غار منه وخاف على مكانته لدى المعز وأن يصير وزيراً ومشيراً بدلاً منه فأشار على المعز قائلاً : " إرسل أبو اليمن لجمع الخراج من فلسطين لأنه رجل أمين " وكان هدفه هو إبعاده من أمام المعز , فأرسله إلى فلسطين .

وقبل أن يسافر أبو اليمن إلى فلسطين كان معه 90 ألف دينار فذهب بكل ماله إلى الأنبا افرآم البطريرك وقال له : " إذا سمعت إننى توفيت فإصرفها فى خلاص نفسى فى الكنائس والفقراء والأرامل والأيتام " أما إذا عدت سليما معافى فإنى أسترده مرة أخرى ..

وبدا العمل فيها وجمع منها ومن البلاد التابعة لها مائتى ألف دينار وارسل إلى المعز ينبئه بذلك , ولكن حدث أن قام ثائر على المعز يعرف بالقرمطى فنشر الرعب فى الشام وإستولى عليها بلدة بعد أخرى وسمع أبو اليمن أخبار إنتصاراته المتوالية فأخذ المال الذى حصله من فلسطين وذهب إلى دير فوق جبل تابور ( يعتقد أنه دير سانت كاترين ) وسلمه لرئيس الدير وطلب منه أن يكون وديعه عنده ويحفظه وعاد إلى عمله بدون أن يعلم أحداً بهذا الأمر وهجم القرمطى على بلاد فلسطين وإستولى عليها وإنتزعها من المعز وقبض على أبو اليمن وقال القرمطى إليه : " لا تخف فلن يصيبك أذى أو شر منى وسأجعلك صاحبى تماماً كما كنت صاحباً للمعز " وعاهد القرمطى فى ذلك اليوم أبو اليمن على أن يستمر فى وظيفته ويجبى له الضرائب , فكتب المواليين للمعز أن أبو اليمن قزمان إبن مينا قد وافق القرمطى وصالحه ويعتقد أن ما حدث مع أبو اليمن كان فى الفترة ما بين نهايه حكم المعز وتولى العزيز إبنه.

 وعلم الوزير يعقوب إبن كلس من المراسلات الجاريه فى ذلك الوقت أن أبو اليمن قد عاهد القرمطى عدو العزيز فوشى به لدى المعز وأراد أن يزعزع ثقه الخليفه فى ابو اليمن فقال : " هذا أبو اليمن الذى كنت تقول أنه أهل للثقه وأمين قد صالح عدوك وعاهده ودفع له 200 ألف دينار حقك فى خراج فلسطين وأخذها من بلادك وأعطاها للقرمطى (7)  ليقويه بها عليك " فغضب المعز فارسل أمراً أن يقبض على جميع اهل أبو اليمن ونهب بيوتهم وأموالهم وإعتقلهم ووضعهم فى السجون .

وواصل القرمطى تقدمه وقصد مصر ليستولى عليها من الخليفة الفاطمى العزيز وخرج المعز بجيش عظيم يفوقه فى العده والعدد للحرب فهزمه وقتله .

ولما عرف بهزيمه القرمطى كتب ابو اليمن قزمان إبن مينا  إلى العزيز كتاباً (رسالة) شرح فيه ما فعله مع القرمطى وأعلمه أن النقود التى جمعها فى مكان أمين وكيف خلصها منه وكيف تلافاه وسايره إلى أن تخلص منه المعز .

فنقم العزيز على وزيره يعقوب إبن كلس وقبض عليه وقتله وكانت هذه نهاية الوزير المسلم اليهودى الأصل التى ذكرها إبن المقفع عن مخطوطات مكتوبه بخط اليد فى ذلك العصر ولكن كتب جاك تاجر فى كتابه مسلمون وأقباط (8)

يصف نهاية هذا الوزير على أساس أنها موته طبيعية فقال [ قد إستمر يعقوب إبن كلس خمس عشرة سنة الساعد الأيمن للخليفة , قام خلالها بشتى الإصلاحات ويذكر لنا الأنطاكى أنه لما مات يعقوب " ركب العزيز إلى داره  وصلى عليه , وكشف عن وجهه , وبكى عليه بكاء شديداً ويضيف (9) إبن القلانسى أن العزيز أمر : " أن يدفن فى داره بالقاهره فى قبه كان بناها لنفسه وحضر جنازته وأغلق الدواويين وعطل الأعمال أياماً (10) " وإذا كانت الروايتين تشيران إلى موت يعقوب إبن كلس إحدهما تشير إلى أنه مات مقتولاً بيد العزيز والثانية تؤيد أنه مات طبيعياً وأن العزيز بكاه لهذا فمن الأرجح أن العزيز قتله

بالسم ثم بكاه ليقنع الناس أنه برئ خاصة أن هذا الأمر تكرر مع أبنه الحاكم بأمر الله فكان يقتل الوزراء والكتبه ويبكى بعد ذلك فكأن هذا الأمر كان من طبيعة صفات حكم أسره الخلافة الفاطمية فى مصر .

وبعد وفاة يعقوب , منح العزيز ثقته لعيسى بن نسطورس النصرانى الذى ما لبث أن أصبح وزيراً , ثم ألحق بخدمته أبا منصور , طبيب المعز النصرانى وأعطاه مركز ممتازاً .

ولما كان عيسى بن نسطوروس نصرانياً وتولى مكان يعقوب إبن كلس اليهودى الذى اسلم فتغاضى المسلمين عن أصله ولكنهم لم يعتادوا رؤية النصارى يشغلون الوظائف الكبرى فى الدولة ويتمتعون بشئ من الإحترام كما أن شريعتهم الإسلامية ضد هذا التوظيف فكانوا ساخطين على هذه التعينات وبينما كان يتنزه فى المدينة ذات يوم إذ لمح فى طريقة شبحاً يشبه إمرأة (11)  كانت تحمل عريضة تعترض على ما يفعله ونصها : " بالذى أعز اليهود بمنشا  (12) والنصارى بعيسى بن نسطوروس , وأذل المسلمين بك ... (13) " وغضب العزيز لكرامته وزاد سخطه لإرضاء شيوخ المسلمين وأئمتهم ولإظهار أنه إمام المسلمين وليحد من غضب الشعب إضطر إلى الإستغناء عن هذين الرجلين وصادر أموالهما (14) وطرد عدد كبير من الموظفين النصارى إلا أنه ما لبث أن أعادهم إلى مراكزهم فرداً وراء آخر لأنه كان يرى إستحالة الإستغناء عن خدماتهم أو لتوسط حريمه لبعض منهم وإشترط على عيسى بن نسطورس عندما رده إلى مكانه أن يولى المسلمين فى الدواوين

وكان العزيز دائما يساير المسلمين فى شعورهم إلا أنه كان يضرب بعرض الحائط بشعور المسلمين وشريعتهم عندما يجد مصلحة البلاد عندما يديرها غير المسلمين فقد كانت توجهه المصاريف الباهظة التى أثقلت كاهل الميزانية نتيجه لبذخ الخليفة ومن جهة أخرى تسليح عدد كبير من الفرق إستعداداً للحروب ولم يعود العزيز غلى الضرائب الهلالية التى فرضها إبن المدبر آخر والى عربى بالرغم من هبوط الداخل إلى الخزينة من الخراج والجزية بالنسبة للعهود السابقة وقدر الشعب بجميع طوائفة هذا الإعتدال فى فرض الضرائب حق  قدره فى كل زمن وعهد

****************************

الكنيسة العذراء المعروفة بالمعلقة

وفى أواخر العصر الأموى (749 م) تهاوت مبانى الكنيسة ثم أعيد تجديدها في خلافة هارون الرشيد كما ورد فى سيرة الأنبا مرقس في تاريخ البطاركة لأبن المقفع واعاد بناء جميع كنائس المنطقة في ذلك الوقت بناءً على طلب هذا البطريرك من الوالى.
وأعيد تجديد هذه الكنيسة في خلافة العزيز بالله الفاطمى حين سمح للبطريرك افرام السريانى بتجديد كل بيع مصر وما تهدم منها.( الصورة الجانبية : أحد البرجين المقام عليهما الكنيسة المعلقة )
وأعيد تجديد الكنيسة مرة أخرى في خلافة الظاهر لاعزاز دين الله

وقد سميت هذه الكنيسة باسم الكنيسة المعلقة لأنها تقوم على أنقاض برجين كبيرين من أبراج الحصن الرومانى الذى بناه الإمبراطور تراجان في مستهل القرن الثانى للميلاد . والدخول إليها عن طريق درجات سلم مقامة على مقربة من البرج الأوسط  ,  وهناك عدد من السراديب المنشرة في المنحوتة في صخر جبل الفسطاط ويعتقد أن هذه الكنيسة مقامة على مغارة أختبأت فيها العائلة المقدسة .
لهذه الكنيسة أهمية خاصة عند أقباط مصر اذ كان ينتخب فيها بطاركة الكرسي المرقسى حتى القرن الثاني عشر الميلادي

******************************

حادثة حرق الإسطول المصرى فى ميناء الإسكندرية

وفى هذه الأثناء وقع حادث يمكن أن يفسر على أن يكون مدبر من قبل النصارى لحماية بيزنطه من الإعتداء الإسلامى وهذا أمر بعيد عن التصديق لخوف المسيحيين من بطش المسلمين وإجرامهم أو قد يكون هذا العمل من قبل

المسلمين لجلب المصائب للنصارى والنقمة عليهم ولكنه إنتهى على غير ما يشتهى المسلمون – فيرى المؤرخ سعيد بن يحى الإنطاكى (15) فى هذا المقام : " كان العزيز قد إعتزم أن يغزوا بلاد الروم وأمر عيسى بن نسطوروس بإعداد الإسطول  وعزم على تسييره بعد صلاة الظهر من نهار الجمعة , فوقع فيه النار فى ذلك اليوم وأحرق منه ستة عشر مركباً

وأتهم الرعية بحريقة تجار الروم الواردين بالبضائع إلى مصر , فثار عليهم الرعية والمغاربة وقتلوا منهم مائة وستين رجلاً ونهبت كنيسة ميخائيل التى للملكية بقصر الشمع , ونهبت كنيسة النسطورية وركب إبن نسطوروس وقت النهب ونزل إلى مصر وتقدم بكف الأذى على الروم والمنع من معارضتهم , ونودى فى البلد بأن يرد كل واحد من النهابة جميع ما أخذه فرد البعض من ذلك , وأحضر من سلم من التجار الروم من القتل , ودفع لكل واحد منهم ما إعترفه وقبض على ثلاثة وستين رجلاً من النهابة وأعتقلوا , وأمر العزيز بالله بإطلاق ثلثهم وقتل ثلثهم وضرب ثلثهم فكتب رقاع منها "تضرب" ومنها " نقتل" ومنها "تطلق" وتركت تحت إزرار , وتقدم كل واحد من النهابة وأخذ رقعتة , وكان يعمل به بحسب ما يخرج فيها  (2) " وقد جرح فى هذا الشغب الذى أحدثة الغوغاء أسقف النسطوريين جراحات أدت إلى وفاته فيما بعد

الإحتفال بتكريم الوزير القبطى أبو اليمن لأمانته

وأرسل العزيز جنودا لأحضار أبو اليمن وحراسته ومعه المال الذى جمعه فوصل إلى القاهرة ومعه المال فخلع عليه الخلع ( أعطاه مالاً أونياشين أو أراضى) وأكرمه وافرج عن جميع أمواله التى إغتصبها وأخرج أهله من السجون واعاد إليهم كل ما سلبه منهم . وعندما رجع ابو اليمن قزمان إبن مينا

إلى مصر سليما ورجع إلى وظيفته واصبح وزيرمصر بدلاً من يعقوب إبن كلس ذهب إلى الأنبا أبرآم  البطريرك ليسترد أمواله المودعه عنده والتى كانت 90 ألف دينار فقال له : " سمعت بما جرى فى الشام فظننت أنك لن تعود سالماً وإذا ظللت حياً لن تعود بتاتاً وعندما قبض المعز على أهلك وإستولى على أموالهم ونهب بيوتهم خفت أن يعرف الخليفة المعز بأمر المال الذى أودعتنى إياه فيأخذه ولن تأخذ منه شيئاً ولن تستفيد فى الآخره منه شيئاً أيضاً فصرفته حسب ما أمرتنى به على الكنائس والفقراء والأيتام والأرامل" فلم يرد عليه أبو اليمن بكلمة حتى لم يحاسبه ولم يسأله سؤالاً مثلَ : فى أى شئ صرفت مالى ؟.. بل قال له : " يا أبى قد أحسنت إلى وفعلت معى جميلاً ورحمة إذ فرقت مالى على الكنائس الفقراء والمساكين والأيتام وأهل الحاجه من المعوزين ولم تبقيه عندك حتى لا يأخذه الخليفة المعز ويصرفه على الملذات والشهوات والحروب والقتل والسلب والنهب .

وقد إشتهر عدد من رجال عائلة أبى اليمن فى خلافة الفاطميين وأدوا خدمات جليلة لوطنهم ولكنيستهم ومن هؤلاء : الشيخ أبو المكارم بن حنا الذى إشتهر بتجديد قباب بيعة أبى نفر بالحمراء (17) والشيخ صنيعة الملك أبو الفرج  والشيخ علم السعداء أبو اليمن , والشيخ أبو الفرج بن أبى اليمن (18)


المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الرابع ( 143 من 167 )  : " العزيز بالله‏:‏ أبو النصر نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد ولد بالمهدية من بلاد أفريقية في يوم الخميس الرابع عشر من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وقدم مع أبيه إلى القاهرة وولي العهد‏.‏
فلما مات المعز لدين الله أقيم من بعده في الخلافة يوم الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة فأذعن له سائر عساكر أبيه واجتمعوا عليه وسير بذهب إلى بلاد المغرب فرق في الناس وأقر يوسف بن ملكين على ولاية إفريقية وخطب له بمكة ووافى الشام عسكر القرامطة فصاروا مع أفتكين التركي وقوي بهم وساروا إلى الرملة وقاتلوا عساكر العزيز بيافا فبعث العزيز جوهر القائد بعساكر كثيرة وملك الرملة وحاصر دمشق مدة ثم خلص من تحت سيوف افتكين وسار إلى العزيز فوافاه وقد برز من القاهرة فسار معه ودخل العزيز إلى الرملة وأسر أفتكين في المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة فأحسن إليه وأكرمه إكرامًا زائدًا‏.‏
فكتب إليه الشريف أبو إسماعيل إبراهيم الرئيس يقول‏:‏ يامولانا لقد استحق هذا الكافر كل عذاب والعجب من الإحسان إليه فلما لقيه قال‏:‏ ياإبراهيم قرأت كتابك في أمر أفتكين وأنا أخبرك‏.‏
اعلم أنا قد وعدناه الإحسان والولاية فلما قبل وجاء إلينا نصب فازاته وخيامه حذاءنا وأردنا منه الإنصراف فلج وقاتل فلما ولى منهزمًا وسرت إلى فازاته ودخلتها سجدت لله شكرًا وسألته أن يفتح لي بالظفر به فجيء به بعد ساعة أسيرًا أترى يليق بي غير الوفاء‏.‏
ولما وصل العزيز إلى القاهرة اصطنع افتكين وواصله بالعطايا والخلع حتى قال لقد احتشمت من ركوبي مع الخليفة مولانا العزيز باله ونظري إليه بما غمرني من فضله وإحسانه فلما بلغ الزيز ذلك قال لعنه حيدرة‏:‏ ياعم أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة وأرى عليهم الذهب والفضة والجواهر ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار وأن يكون ذلك كله من عندي‏.‏
ومات بمدينة بلبيس من مرض طويل بالقولنج والحصاة في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة فحمل إلى القاهرة ودفن بتربة القصر مع آبائه‏.‏
وكانت مدة خلافته بعد أبيه المعز إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفًا ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يومًا‏.‏
وكان نقش خاتمة‏:‏ بنصر العزيز الجبار ينتصر الإمام نزار‏.‏
ولما مات وحضر الناس إلى القصر للتعزية أفحموا عن أن يوردوا في ذلك المقام شيئًا ومكثوا مطرقين لاينبسون فقام صبي من أولاد الأمراء الكنانين وفتح باب التعزية وأنشد‏:‏ أنظر إلى العلياء كيف تضام ومآتم الأحساب كيف تقام خبرنني ركب الركاب ولم يدع للسفر وجه ترحل فأقاموا فاستحسن الناس إيراده وكأنه طرق لهم كيف يوردون المراثي فنهض الشعراء والخطباء حينئذ وعزوا وأنشد كل واحد ما عمل في التعزية وخلف من الأولاد ابنه المنصور وولي الخلافة من بعده وابنة تدعى سيدة الملك وكان أسمر طوالا أصهب الشعر أعين أشهل عريض المنكبين شجاعًا كريمًا حسن العفو والقدرة لايعرف سفك الدماء البتة مع حسن الخلق والقرب من الناس والمعرفة بالخيل وجوارح الطير وكان محبًا للصيد مغرى به حريصًا على صيد السباع ووزر له يعقوب بن كلس اثنتي عشرة سنة وشهرين وتسعة عشر يومًا ثم من بعده علي بن عمر العداس سنة واحدة ثم أبو الفضل جعفر بن الفرات سنة ثم أبو عبد الله الحسين بن الحسن البازيار سنة وثلاثة أشهر ثم أبو محمد بن عمار شهرين ثم الفضل بن صالح الوزيري أيامًا ثم عيسى بن نسطورس سنة وعشرة أشهر‏.‏
وكانت قضاته‏:‏ أبو طاهر محمد بن أحمد أبو الحسن علي بن النعمان ثم أبو عبد الله محمد بن النعمان‏.‏
وخرج إلى السفر أولًا في صفر سنة سبع وستين وعاد من العباسية وخرج ثانيًا وظفر بأفتكين وخرج ثالثًا في صفر سنة اثنتين وسبعين ورجع بعد شهر إلى قصره بالقاهرة وخرج رابعًا في ربيع الأول سنة أربع وستين فنزل منية الأصبغ وعاد بعد ثمانية أشهر واثني عشر يومًا وخرج خامسًا في عاشر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين فأقام مبرزًا أربعة عشر شهرًا وعشرين يومًا ومات في هذه الخرجة ببليس‏.‏
وهو أول من اتخذ من أهل بيته وزيرًا أثبت اسمه على الطرز وقرن اسمه باسمه وأول من لبس منهم الخفين والمنطقة وأول من اتخذ منهم الأتراك واصطنعهم وجعل منه القواد وأول من رمى منهم بالنشاب وأول من ركب منهم بالذؤابة الطويلة والحنك وضرب الصوالجة ولعب بالرمح وأول من عمل مائدة في الشرطة السفلى في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق وأقام طعامًا في جامع القاهرة لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان واتخذ الحمير لركوبه إياها وكانت أمه أم ولد اسمها درزارة وكان يضرب بأيامه المثل في الحسن فإنها كانت كلها أعيادًا وأعراسًا لكثرة كرمه ومحبته للعفو واستعماله لذلك ولاأعلم له بمصر من الآثار غير الجامع الحاكمي وما عدا ذلك فذهب اسمه ومحي رسمه‏.‏

 ------------------------------------------------------------------------------

(1) تاريخ مصر فى العصور الوسطى 0 بالإنجليزية ) – ستانلى لين بول  ص119

(2) صفحات من تاريخ مصر 2- تاريخ مصر إلى الفتح العثمانى – تأليف عمر الإسكندرى و أ. ج. سَفِدْج – مكتبة مدبولى 1410هـ -1990م ص 214- 215

(3) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م  إعداد  د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951 ص 122

 

(4) صفحات من تاريخ مصر 2- تاريخ مصر إلى الفتح العثمانى – تأليف عمر الإسكندرى و أ. ج. سَفِدْج – مكتبة مدبولى 1410هـ -1990م أنظر ص 215 

(5) راجع مصر ورسالتها – د/ حسين مؤنس ص 115

(6) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م  إعداد  د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951ص123

(7) القرمطيون يرجعون بأصلهم إلى عبدالله بن ميمون القداح ( من القدس ) ويرجع نسبه إلى على إبن أبى طالب , قام زعيمهم بثورة فى كل البلاد الخاضعة للعباسيين فى عهد المعتض ثم هاجم فلسطين وسوريا – أطلق عليه لقب " قرمط" إستخفافاً بقصر قامته

(8) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م  إعداد  د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951ص 123

(9) الأنطاكى 172

(10)  ذيل تاريخ دمشق طبعة ليدن وبيروت ص 32

(11) إدعى بعض المؤرخين أمثال يوسف بن مرعى القدسى : أن الذى حمل العريضة هو شخص معين شق طريقة بين الجماهير المحتشدة وإختفى بعد ذلك , أما المكين , فهو يقول أن هذا الحادث حدث فى عصر الحاكم بأمر الله الذى إنتقم لهذه الجرأة بإحراق العاصمة راجع vattier, p. 267-268

(12) هو منشأ بن إبراهيم الفرار , عينة العزيز والياً على بلاد الشام – راجع د/ جمال سرور – الدولة الفاطمية بمصر ص 87

(13) أبو صالح الأرمنى ص35

(14) راجع آدم متز ج1 ص 114 نقلاً عن الكامل فى التاريخ لأبن الأثير

(15) سعيد النطاكى ص 178 - 179

(16) راجع أقباط ومسلمون - جاك تاجر- ص 125-  126. وقد روى المقريزى ما حدث بإختصار شديد راجع آدم متز ج1 من الحضارة الأمية ص 114

(17) كان بحى الحمراء ( فى ظاهرة القاهرة ) عدد من الكنائس هدمت كلها فى عهد السلطان برقوق المملوكى أبو الفرج , ولاشيخ علم السعداء أبو اليمن , والشيخ ابو الفرج بن ابى اليمن , والشيخ صنيعة الملك راجع دائرة المعارف القبطية لرمزى تادرس جـ أ ص 73

(18) راجع كتاب الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة – للأنبا إيسوزورس ب2 ص 248

 

This site was last updated 11/02/11